ديمقراطية عملاء امريكا بين الديماجوجية والأخلوقراطية
بقلم/ الكاتب محمّد العراقي
عندما نقيم مطروح النهج الديمقراطي المشوه الذي تبنته بعراق اليوم تيارات فئوية قدمت في ركاب الاحتلال الأمريكي سنجد إن منها ما هو أصولي طائفي ومنها شوفيني عرقي وغيره لتجتمع من وراء ذلك مصالح أحزاب تحركها أجندات خاصة وقد تسلطت على مصير العراق وشعبه بتسهيل احتلاله لينال بعرى فوضويته استقرار عموم المنطقة وهذا جل ما يتمناه لها أتباع العم سام وكيف نفسر ذلك لابد من المرور بعجالة على أصل مبدأ الديمقراطية ومنطلقها ومعوقاته ومستلزمات إرساءه الحقيقية لنجد حينها انه كغيره من مساع ٍ سابقة أريد لها أن تنتشر بالخديعة على جناح جاذبية وبريق ذلك الاسم بينما هي لم تضمر وتثمر سوى الخراب والفوضى بين طيات أجنداتها اللئيمة كما يحدث دائما في بيروت لبنان وكما حدث من قبل ويحدث دوما كلما أتت الحاجة لركوب قطار الديمقراطية للوصول لسدة الحكم فعندما تصدح حناجر الساسة وهم يخاطبون مشاعر البسطاء من عموم شعوبهم من وراء الأستار بتلك الخطابات التي تناغي الأديان كما فعلها في غابر الأيام دانييل وبستر في مجلس الشيوخ الأمريكي حين قال إن حكومة أمريكا أنشئت من الشعب وللشعب وهي مسئولة أمام الشعب وقد سبقه في ذلك توماس كوبر الذي قال حكومة الشعب وللشعب مستوحيا ذلك من ترجمة التوراة لجون وايكليف الذي قال في مقدمتها هذه التوراة لحكومة الشعب وبالشعب وللشعب في ذلك الإيحاء الديني للتدعيم وما قاله أيضا تيودور باركر الخطيب الوحدوي إن الديمقراطية تعني حكومة من الكل وللكل وبالكل إضافة لما تضمنته خطابات ابراهام لنكولن والخ من الأقوال التي كانت تلاقي المعارضة الشديدة تخوفا من مراحل بائسة يخلفها الفشل على غرار فشل الديمقراطية الأثينية التي عمت اليونان بعهد بيريكليس والتي أساءت لسمعة النظم الديمقراطية وجعلتها أنموذجا سيئا وجب نبذه لاقترانها بحكم وتسلط الغوغاء الذي يسير بطرق لا يمكن تجنبها لمنحدرات الديماجوجية المؤسفة والتي تدعمها براعة المخادعين من السياسيين الذين يراهنون على إثارة مشاعر الجهلة وغير المفكرين حتى يسقط المجتمع في بحور الفساد والجهل عندما يختار المسير وراء حاكم ديماجوجي من المطروح قبالته بيد أن المبدأ لم يكن في أصله وحيثياته معتلا هكذا وان العلة تحصل بالنشر والتطبيق فطالما تطلب إنجاح الحكم في أية وحدة اجتماعية مهما كانت بسيطة ومنذ الأزل وحتى اليوم توافر عناصر الكفاءة والنزاهة والهيبة والفاعلية التي توحي برمزية أولئك القائمين على سدة الحكم ليكونوا مؤثرين ومُطاعين في مجتمعاتهم وعلى الرغم من إن تلك البيروقراطية بالرؤيا كانت قد وصلت بها الأحكام إلى الدكتاتورية في غير مكان وزمان إلا إنها كانت تتصف في أسوأ حالاتها بالاستقرار والكفاءة والاستمرار وبقي الأمر كذلك حتى راجت الرؤى الفوضوية ذات التوجهات المسماة بالديمقراطية التي وان كانت فكرتها بالأصل غير منافية لخلق ومبدأ قويم ولكن العلة طالما كمنت في تطبيقها الفوضوي خصوصا وهي تعتمد عند التحضير لانطلاقها على طبقات بدائية من الشعوب من تلك الفاقدة للخبرة وفي مستويات متدنية من الثقافة في غالبها المهم أن تكون تمثل قواعد عريضة يعول عليها بالإطاحة بالحكم بذلك التسلط الجديد الذي طالما أنتج فيما بعد ما هو أسوأ بكثير اثر تلك الرؤية التسلطية الدكتاتورية ولكنها عمومية جلابة للفوضى والغوغاء كما قال عنها أرسطو واصفا إياها بأنها الاخلوقراطية أي الغوغاء المأخوذة من كلمة اوخلوس ومعناها الغوغاء وإنها كما عرفها هو في كتابه السياسة ج6 بأنها حكومة في قبضة رجال غير كريمي والخ إلى جانب ما أورده بشان ذلك الفيلسوف الأخر أفلاطون والذي كان اقله وصفا هو إنها صورة جميلة من صور الحكم ملؤها التنوع والفوضى وهي تهيء نوعا من المساواة للمتساوين وغير المتساوين كما إن ادموند بيرك عبر في حملته على الثورة الفرنسية الفوضوية عندما وصف الديمقراطية بموجب ذلك الرأي القديم المتأصل على إنها أكثر شيء في العالم وقاحة وغير ذلك كثير من الآراء التي كانت تناصب الديمقراطية العداء ولا تريد لها الانتشار حتى من قبل دعاة الجمهوريات التي تؤيد تداول السلطة ولكن بصيغة مختلفة واقل اختلاطا بالأكثرية الشعبية التي قد ترعى الفوضى بحسب رأي الفلاسفة والعقلاء فليس شرطا أن تكون تلك الأكثرية دليل كفاءة أو دراية لتصوب أمرا من عدمه وعلى هذا الأساس هاجم السير روبرت فيلمر ذلك النهج حين قال (يجب أن يحرم الشريرون والفاسدون وهم لا يزالون يؤلفون أغلبية الشعب من أي تفضيل وترقية وبالنهاية يجب أن تعود السلطة للعقلاء والحكماء) وهنالك من ذهب إلى إنها تمثل حكم مختل النظام يتولاه الجهلة والغوغاء إلى جانب مخالفيهم بالرأي طبعا من دعاة تأسيس ونشر الديمقراطية وبالتدريج بالولايات المتحدة مثالا كونها حلبة التنافس حتى اليوم بين الجمهوريون والديمقراطيون فقد كان هنالك مثقفين أمثال جيفرسون وهوارس مان الذين أرادوا وضع نظام تربوي ينشئ على ثقافة الديمقراطية ليتمكن الشعب من أن يحكم نفسه على أسس المسؤولية وقد سمى دانييل وبستر ذلك البرنامج بنشر التربية وهنا أراد الإشارة باستحالة ذلك دون مبدأ التدرج ونشر التربية والثقافة وما يتطلبه ذلك من حيز كي تنبت تلك الثقافة الخاصة ومن بعده يأتي وقت تطبيقها وليس فرضها بالقوة والتسلط كما تنتهج أمريكا وعملاؤها في غير مكان من هذا العالم مما بات واضحا إن المراد هو أمر آخر يتم تمريره بتلك الحجة التي افتضحت أجندتها اليوم جيدا حتى في بلادهم التي تعد أم الديمقراطية وإلا لم قتل كيندي ولم دبرت له تلك النهاية وغير ذلك كثير وكان آخره تزوير فوز المرشح جون كيري ليمرر بقاء بوش في الحكم وما يدور اليوم من أفاعيل ليصعدوا بجمهوري آخر فعن أي ديمقراطية يتحدثون.