منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-07-2009, 01:12 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


اسماعيل ابراهيم محمد غير متواجد حالياً


Post سورة البقرة

من ( 80 - 104 ) الى
" وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "
ذكر أفعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة أي : قليلة تعد بالأصابع فجمعوا بين الإساءة والأمن
ولما كان هذا مجرد دعوى رد الله تعالى عليهم فقال
" قل "
لهم يا أيها الرسول
" أتخذتم عند الله عهدا "
أي : بالإيمان به وبرسله وبطاعته فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل
" أم تقولون على الله ما لا تعلمون "
؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقف على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما : إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا فتكون دعواهم صحيحة
وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون قائلون عليه ما لا يعلمون والقول عليه بلا علم من أعظم المحرمات وأشنع القبيحات
ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل أحد يدخل فيه بنو إسرائيل وغيرهم وهو الحكم الذي لا حكم غيره لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين فقال :
" بلى "
أي : ليس الأمر كما ذكرتم فإنه قول لا حقيقة له ولكن
" من كسب سيئة "
وهو نكرة في سياق الشرط فيعم الشرك فما دونه والمراد به هنا الشرك بدليل قوله :
" وأحاطت به خطيئته "
أي : أحاطت بعاملها فلم تدع له منفذا وهذا لا يكون إلا الشرك فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته

" فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "
وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية وهي حجة عليهم كما ترى فإنها ظاهرة في الشرك وهكذا كل مبطل يحتج بآية أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه

" والذين آمنوا "
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
" وعملوا الصالحات "
ولا تكون الأعمال صالحه إلا بشرطين : أن تكون خالصة لوجه الله متبعا بها سنة رسوله
فحاصل هاتين الآيتين أن أهل النجاة والفوز هم أهل الإيمان والعمل الصالح والهالكون أهل النار هم المشركون بالله الكافرون به


( 83 )
" وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون "
وهذه الشرائع من أصول الدين التي أمر الله بها في كل شريعة لاشتمالها على المصالح العامة في كل زمان ومكان فلا يدخلها نسخ كأصل الدين ولهذا أمرنا الله بها في قوله :
" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا "
إلى آخر الآية
فقوله :
" وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل "
هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به استعصوا ؛ فلا يقبلونه إلا بالإيمان الغليظة والعهود الموثقة
" لا تعبدون إلا الله "
هذا أمر بعبادة الله وحده ونهي عن الشرك به وهذا أصل الدين فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها فهذا حق الله تعالى على عباده ثم قال :
" وبالوالدين إحسانا "
أي : أحسنوا بالوالدين إحسانا وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين أو عدم الإحسان والإساءة لأن الواجب الإحسان والأمر بالشيء نهي عن ضده
وللإحسان ضدان : الإساءة وهي أعظم جرما وترك الإحسان بدون إساءة وهذا محرم لكن لا يجب أن يلحق بالأول وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى والمساكين وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد بل تكون بالحد كما تقدم
ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال :
" وقولوا للناس حسنا "
ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليمهم العلم وبذل السلام والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب
ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق وهو الإحسان بالقول فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار ولهذا قال تعالى :
" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن "

ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله غير فاحش ولا بذيء ولا شاتم ولا مخاصم بل يكون حسن الخلق واسع الحلم مجاملا لكل أحد صبورا على ما يناله من أذى الخلق امتثالا لأمر الله ورجاء لثوابه
ثم أمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد

" ثم "
بعد هذا الأمر لكم بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل عرف أن من إحسان الله إلى عباده أن أمرهم بها وتفضل بها عليهم وأخذ المواثيق عليهم ثم
" توليتم "
على وجه الإعراض لأن المتولي قد يتولى وله نية رجوع إلى ما تولى عنه وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الأوامر فنعوذ بالله من الخذلان
وقوله :
" إلا قليلا منكم "
هذا استثناء لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم فأخبر أن قليلا منهم عصمهم الله وثبتهم


( 84 - 86 )
" وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "
وهذا الفعل المذكور في هذه الآية فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود : بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة
فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفة على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود فيقتل اليهودي اليهودي ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب ثم إذا وضعت الحرب أوزارها وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا
والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم وإذا وجدوا أسيرا منهم وجب عليهم فداؤه فعملوا بالأخير وتركوا الأولين فأنكر الله عليهم ذلك فقال :
" أفتؤمنون ببعض الكتاب "
وهو فداء الأسير
" وتكفرون ببعض "
وهو القتل والإخراج
وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي وأن فعل المأمورات من الإيمان قال تعالى :
" فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا "
وقد وقع ذلك فأخزاهم الله وسلط رسوله عليهم فقتل من قتل وسبى من سبى منهم وأجلى من أجلى

" ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب "
أي : أعظمه
" وما الله بغافل عما تعملون "
ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب والإيمان ببعضه فقال :
" أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة "
توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار فاختاروا النار على العار فلهذا قال :
" فلا يخفف عنهم العذاب "
بل هو باق على شدته ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات
" ولا هم ينصرون "
أي : يدفع عنهم مكروه


( 87 )
" ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "
يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل إليهم كليمه موسى وآتاه التوراة ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليهم السلام وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر
" وأيدناه بروح القدس "
أي : قواه الله بروح القدس
قال أكثر المفسرين : إنه جبريل عليه السلام وقيل : إنه الإيمان الذي يؤيد الله به عباده
ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها لما أتوكم
" بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم "
عن الإيمان بهم
" ففريقا "
منهم
" كذبتم وفريقا تقتلون "
فقدمتم الهوى على الهدى وآثرتم الدنيا على الآخرة وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى


( 88 )
" وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون "
أي : اعتذروا عن الإيمان لما دعوتهم إليه يا أيها الرسول بأن قلوبهم غلف أي : عليها غلاف وأغطية فلا تفقه ما تقول يعني فيكون لهم - بزعمهم - عذر لعدم العلم وهذا كذب منهم فلهذا قال تعالى :
" بل لعنهم الله بكفرهم "
أي : أنهم مطرودون ملعونون بسبب كفرهم فقليلا المؤمن منهم أو قليلا إيمانهم وكفرهم هو الكثير


( 89 - 90 )
" ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين "

أي : ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة وقد علموا به وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب استنصروا بهذا النبي وتوعدوهم بخروجه وأنهم يقاتلون المشركين معه فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا كفروا به بغيا وحسدا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فلعنهم الله وغضب عليهم غضبا بعد غضب لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم
وللكافرين عذاب مهين أي : مؤلم موجع وهو صلي الجحيم وفوت النعيم المقيم فبئس الحال حالهم وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الإيمان بالله وكتبه ورسله الكفر به وبكتبه وبرسله مع علمهم وتيقنهم فيكون أعظم لعذابهم


( 91 - 93 )
" وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين "
أي : وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله وهو القرآن استكبروا وعتوا و
" قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه "
أي : بما سواه من الكتب مع أن الواجب أن يؤمنوا بما أنزل الله مطلقا سواء أنزل عليهم أو على غيرهم وهذا هو الإيمان النافع الأيمان بما أنزل الله على جميع رسله
وأما التفريق بين الرسل والكتب وزعم الإيمان ببعضها دون بعض فهذا ليس بإيمان بل هو الكفر بعينه ولهذا قال تعالى :
" إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا "

ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا وألزمهم إلزاما لا محيد لهم عنه فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين فقال :
" وهو الحق "
فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الإخبارات والأوامر والنواهي وهو من عند ربهم فالكفر به بعد ذلك كفر بالله وكفر بالحق الذي أنزله
ثم قال :
" مصدقا لما معهم "
أي : موافقا له في كل ما دل عليه من الحق ومهيمنا عليه
فلم تؤمنون بما أنزل عليكم وتكفرون بنظيره ؟ هل هذا إلا تعصب واتباع للهوى لا للهدى ؟ وأيضا فإن كون القرآن مصدقا لما معهم يقتضي أنه حجة لهم على صدق ما في أيديهم من الكتب فلا سبيل لهم إلى إثباتها إلا به فإذا كفروا به وجحدوه صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة ليس له غيرها ولا تتم دعواه إلا بسلامة بينته ثم يأتي هو لبينته وحجته فيقدح فيها ويكذب بها أليس هذا من الحماقة والجنون ؟ فكان كفرهم بالقرآن كفرا بما في أيديهم ونقضا له
ثم نقض عليهم تعالى دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم بقوله :
" قل "
لهم :
" فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ولقد جاءكم موسى بالبينات "
أي : بالأدلة الواضحات المبينة للحق
" ثم اتخذتم العجل من بعده "
أي : بعد مجيئه
" وأنتم ظالمون "
في ذلك ليس لكم عذر

" وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا "
أي : سماع قبول وطاعة واستجابة
" قالوا سمعنا وعصينا "
أي : صارت هذه حالتهم
" وأشربوا في قلوبهم العجل "
أي : صبغ حب العجل وحب عبادته في قلوبهم وتشربها بسبب كفرهم

" قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين "
أي : أنتم تدعون الإيمان وتتمدحون بالدين الحق وأنتم قتلتم أنبياء الله واتخذتم العجل إلها من دون الله لما غاب عنكم موسى نبي الله ولم تقبلوا أوامره ونواهيه إلا بعد التهديد ورفع الطور فوقكم فالتزمتم بالقول ونقضتم بالفعل فما هذا الإيمان الذي ادعيتم وما هذا الدين ؟ فإن كان هذا إيمانا على زعمكم فبئس الإيمان الداعي صاحبه إلى الطغيان والكفر برسل الله وكثرة العصيان وقد عهد أن الإيمان الصحيح يأمر صاحبه بكل خير وينهاه عن كل شر فوضح بهذا كذبهم وتبين تناقضهم


( 94 - 96 )
" قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون "
أي :
" قل "
لهم على وجه تصحيح دعواهم :
" إن كانت لكم الدار الآخرة "
يعني الجنة
" خالصة من دون الناس "
كما زعمتم أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة فإن كنتم صادقين في هذه الدعوى
" فتمنوا الموت "
وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بعد هذا الإلجاء والمضايقة لهم بعد العناد منهم إلا أحد أمرين : إما أن يؤمنوا بالله ورسوله وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالصة لهم فامتنعوا من ذلك
فعلم كل أحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله مع علمهم بذلك ولهذا قال تعالى :
" ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم "
من الكفر والمعاصي لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة فالموت أكره شيء إليهم وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب
ثم ذكر شدة محبتهم للدنيا فقال :
" يود أحدهم لو يعمر ألف سنة "
وهذا أبلغ ما يكون من الحرص تمنوا حالة هي من المحالات والحال أنهم لو عمروا العمر المذكور لم يغن عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا

" والله بصير بما يعملون "
تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم


( 97 - 98 )
" قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين "
أي : قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان أن وليك جبريل عليه السلام ولو كان غيره من ملائكة الله لآمنوا بك وصدقوا إن هذا الزعم منكم تناقض وتهافت وتكبر على الله فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبك وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك والله هو الذي أمره وأرسله بذلك فهو رسول محض
مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل - مصدقا لما تقدمه من الكتب - غير مخالف لها ولا مناقض وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي لمن آمن به فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك كفر بالله وآياته وعداوة لله ولرسله وملائكته فإن عداوتهم لجبريل لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله
فيتضمن الكفر والعداوة للذي أنزله وأرسله والذي أرسل به والذي أرسل إليه فهذا وجه ذلك


( 99 )
" ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون "
يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم :
" ولقد أنزلنا إليك آيات بينات "
تحصل بها الهداية لمن استهدى وإقامة الحجة على من عاند وهي في الوضوح والدلالة على الحق قد بلغت مبلغا عظيما ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من فسق عن أمر الله وخرج عن طاعة الله واستكبر غاية التكبر


( 100 )
" أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون "
وهذا فيه التعجب من كثرة معاهداتهم وعدم صبرهم على الوفاء بها
ف كلما تفيد التكرار فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض ما السبب في ذلك ؟ السبب أن أكثرهم لا يؤمنون فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود ولو صدق إيمانهم لكانوا مثل من قال الله فيهم :
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "



( 101 - 103 )
" ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون "

" ولما جاءهم "
أي : ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به
" نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله "
الذي أنزل إليهم أي : طرحوه رغبة عنه
" وراء ظهورهم "
وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين وهم يعلمون صدقه وحقيقة ما جاء به
تبين بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب لم يبق في أيديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول فصار كفرهم به كفرا بكتابهم من حيث لا يشعرون
ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع ابتلى بالاشتغال بما يضره فمن ترك عبادة الرحمن ابتلى بعبادة الأوثان ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد ومن ترك الحق ابتلي بالباطل
كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلو الشياطين وتختلق من السحر على ملك سليمان حيث أخرجت الشياطين للناس السحر وزعموا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم
وهم كذبة في ذلك فلم يستعمله سليمان بل نزهه الصادق في قوله :
" وما كفر سليمان "
أي : بتعلم السحر فلم يتعلمه
" ولكن الشياطين كفروا "
بذلك

" يعلمون الناس السحر "
من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق أنزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله لعباده فيعلمانهم السحر

" وما يعلمان من أحد حتى "
ينصحاه و
" يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر "
أي : لا تتعلم السحر فإنه كفر فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام
وتعليم الملكين امتحانا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة
فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين والسحر الذي يعلمه الملكان فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين وكل يصبو إلى ما يناسبه
ثم ذكر مفاسد السحر فقال :
" فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه "
ومع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما لأن الله قال في حقهما :
" وجعل بينكم مودة ورحمة "
وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة وأنه يضر بإذن الله أي : بإرادة الله والإذن نوعان : إذن قدري وهو المتعلق بمشيئة الله كما في هذه الآية وإذن شرعي كما في قوله تعالى في الآية السابقة :
" فإنه نزله على قلبك بإذن الله "
وفي هذه الآية وما أشبهها أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير فإنها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير ولم يخالف في هذا الأصل أحد من فرق الأمة غير القدرية في أفعال العباد زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة فأخرجوها عن قدرة الله فخالفوا كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين
ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة ليس فيه منفعة لا دينية ولا دنيوية كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي كما قال تعالى في الخمر والميسر :
" قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما "
فهذا السحر مضرة محضة فليس له داع أصلا فالمنهيات كلها إما مضرة محضة أو شرها أكبر من خيرها
كما أن المأمورات إما مصلحة محضة أو خيرها أكثر من شرها

" ولقد علموا "
أي : اليهود
" لمن اشتراه "
أي : رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة

" ما له في الآخرة من خلاق "
أي : نصيب بل هو موجب للعقوبة فلم يكن فعلهم إياه جهلا ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة

" ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون "
علما يثمر العمل ما فعلوه .







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سورة البقرة اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 0 29-07-2009 03:47 PM
سورة البقرة (6) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 2 08-07-2009 10:34 PM
سورة البقرة (5) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 1 04-07-2009 06:16 PM
سورة البقرة (4) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 1 04-07-2009 02:31 AM
سورة البقرة (3) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 2 04-07-2009 02:29 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة