تصريحات " عز " وفتاويه العجيبه ؟!

تصريحات " عز " وفتاويه العجيبه ؟!

* جمال جابر الملاح

أثناء انعقاد اجتماع اللجنة المشتركة للعلاقات الخارجية والشئون العربية بمجلس الشعب، لمناقشة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على المسجد الأقصى وبناء كنيس يهودي بالقرب من المسجد وإجراءات تهويد المدينة المقدسة وكان آخرها إعلان إسرائيل الحرم الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح ضمن التراث اليهودي المزعوم .

في هذا الاجتماع رأينا رجل المال والأعمال أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني وملك الحديد يثور غاضبا من مطالبات بعض أعضاء مجلس الشعب بضرورة اتخاذ موقف مشدد تجاه الممارسات الصهيونية, بعيداً عن عادة الشجب والتنديد، كإلغاء اتفاقية السلام الموقعة بين الجانيين، أو على الأقل طرد السفير الإسرائيلي من مصر، أوحتى قطع كافه كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ووصف المهندس عز المبجل مطالب النواب، ومنها اقتراح طرد السفير بالعاطفية، وتفتقد الذكاء السياسي، مضيفاً أن "مصلحتنا الأولى هي المصلحة المصرية وأن أي حديث عن موضوع آخر لا يهم مصر، مخالف للدستور" !!.

موقف عز أعاد إلى ذاكرتي موقف حدث في العام الماضي، إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عندما طردت الحكومة الفنزويلية السفير الإسرائيلي وقسما من الموظفين في سفارة إسرائيل في كراكاس، احتجاجا على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وتضامنا مع الشعب الفلسطيني. وأعرب بيان للخارجية الفنزويلية عن تضامن شعب فنزويلا "المطلق" مع الشعب الفلسطيني البطل !

أما السيد عز فيرى إن مصلحتنا ليست في حماية القدس والمقدسات الإسلامية في الأراضي المحتلة أو الغضب من اجلهم رغم ان القدس والاقصي هما من صميم إسلامنا أليس المسجد الاقصي هو قبلتنا الأولي وهو مسري رسول الله صلي الله عليه وسلم ومعراجه .

كما ان سيادته يري أنه ليس لنا مصلحة في إعادة أشقائنا الفلسطينيين او الدفاع عن فلسطين المحتلة التي يقول خبراء الإستراتيجية منذ الفراعنة حتى الآن إن فلسطين جزء من الأمن القومي المصري من جهة الشمال.

ومعني كلام عز القيادي البارز في الحزب الوطني بمنطق المخالفة لأقواله إن مصلحتنا في محاباة الكيان الصهيوني المغتصب، وعدم محاسبته علي تدنيس مقدساتنا وتهويدها وعدم إغضاب السيد الأمريكي، الذي يعطي له ولغيره شرعية الوصول للمناصب العُليا !

" عز" يرى أن مصلحة مصر تكمن في الاهتمام بالمواطن المصري فقط، الذي وضعته سياسة عز الاحتكارية في أدنى مستويات الفقر في العالم، وها هو تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات- وهو مؤسسة حكومية- يؤكد ذلك، فليفخر الآن عز وصحبه بعد أن تخلوا عن القدس من أجل مصلحة مصر والمواطن المصري.

فليعلنوا كما يشاؤن وعلى الملأ وبكل فخر أن سياستهم تسير بنجاح ساحق في رفع مستوى معيشة المواطن المصري، ولكن لسوء حظهم نجد الإحصاءات الرسمية تكذبهم ، فها هو الجهاز المركزي للمحاسبات يعلن ارتفاع نسبة الفقراء في مصر إلى 23.4% من إجمالي عدد السكان خلال السنة المالية 2008/2009!

سياسة عز وصحبته من طبقة رجال الأعمال الوزراء الذين تزوجوا السلطة في مصر كما يزعمون هي الاهتمام بالمواطن المصري الذي كشفت جهات دولية عن حجم ونتائج هذا الاهتمام ، فبحسب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2009 احتلت مصر المرتبة 123 من 182 في دليل التنمية والمرتبة 82 من بين 135 دولة في دليل الفقر البشري ومرتبة متقدمة في الدول الأكثر فسادا وفق تقارير منظمة الشفافية الدولية !

الخطير في الأمر أن تصدر تلك التصريحات ليس من أحمد عز باعتباره مواطنا عاديا أو حتى رجل أعمال يخدم مصالحه الخاصة وليس مصلحة المصريين ولكن باعتباره رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب وأمين التنظيم بالحزب الوطني والرجل البارز في أمانة السياسات وقائد كتيبة أعضاء الحزب الوطني الحاكم في المجلس الموقر، أي باعتباره أحد النخب السياسية المصرية، والمتحدثً باسم النظام المصري وشعبه!

تصريحات عز العنيفة حملت توجهًا ومحاولة لسلخ مصر من امتها العربية، والدليل على أن ذلك توجه عام هو موقف أعضاء الحزب الوطني، الذين رفضوا وبالإجماع سحب السفير المصري في إسرائيل، بل والأخطر من ذلك أن تعلن شخصية سياسية بحجم أحمد عز وعلى الملأ تشكيكها في قيام دول عربية شقيقة كالسعودية وقطر الجزائر بمساعدة مصر في حالة قيام حرب مع إسرائيل, رغم ان هذه الدول تحديدا من الدول العربية التي وقفت معنا في حرب 1973.

ويبدو ان عضو أمانة السياسات من شدة انشغاله باحتكاره للحديد نسي أن السعودية في حرب أكتوبر هددت بمنع البترول عن الغرب وساهمت بالمال في دعم المجهود الحربي لمصر والجزائر أعطت الاتحاد السوفيتي شيكا مفتوحا لتمويل صفقات السلاح لمصر وأرسلت طيارين للقتال مع إخوانهم المصريين وكذلك فعل العراق وعدد آخر من الدول العربية .

وتصريحات عز إن دلت علي شيء فإنما تدل على أن هناك رغبة من قبل عز وصحبته في النظام المصري في الوقيعة بين القاهرة والرياض، وتوسيع هوة الخلاف بين مصر من جهة وقطر والجزائر من جهة أخرى، بدلاً من محاولة تحجيم تلك الخلافات!

وهذا التوجه لم يطل فقط بعض السياسيين مثل ملك الحديد ، بل طال بعض النخب العلمية والثقافية أيضاً، وربما كثير منا يتذكر القضية التي أثيرت منذ فترة قصيرة في مصر، حول قيام أكاديمية بجامعة حلون تعمل أستاذًا للجغرافيا برفع دعوى قضائية ضد إحدى الطالبات اتهمت فيه الطالبة بالسب والقذف والتشكيك في معلوماتها، بعدما اعترضت الطالبة علي ت الدكتورة التي تنكر وجود "فلسطين".

ووضعت استاذ الجغرافيا خريطة في الكتاب المقرر علي الطلبة لإسرائيل والاردن وسيناء بالكامل تقع ضمن حدود الدولة العبرية !! وهددت الطلبة بالرسوب اذا كتبوا في إجاباتهم "فلسطين" بدلا من "إسرائيل " مما دفع الطالبة للاعتراض علي ذلك وتم الاحتكام للقضاء الذي برأ الطالبة .

أعتقد أن عز وصحبته لم يكونوا يقصدون مصلحة مصر أو حتى المواطن المصري, ولكن كل ما يتمنونه ويسعون إليه هو ما نقلته وبسرعة شديدة إذاعة صوت إسرائيل، التي أشادت بموقف المهندس أحمد عز من قضية سحب السفير الإسرائيلي، وانتقاده للسعودية وقطر.

ما يجري في دولنا العربية الآن من خطط تنفذ بإحكام وإتقان شديدين، تعيد إلى ذاكرتي خطة شبيهة نفذها الأمريكيون بإحكام بين صفوف الساسة والمثقفين السوفيت أثناء الحرب الباردة، فقد استطاعت المخابرات الأمريكية أن تجند عملاء لها في مجالات عدة.

وإنها كلفت هؤلاء العملاء بالتركيز على المناصب الإدارية والتنفيذية العليا، والمناصب الكبرى، واختيار الفاسدين لتولي تلك المناصب الكبري والحساسة ، لكي يحكموا سيطرتهم على أمور الدولة، ومن ثم ينخر فيها السوس وتتآكل ويتم القضاء عليها من الداخل بأيدي أبناءها .


*باحث وكاتب صحفي

بــاركــ الله فــيــكــ اخــوي وجــزاكــ الله الجــنــة ...