المتحف الحربى بمصر

العسكريه المصرية منذ عهد الفراعنة حتى حرب 73

المتحف الحربي.. قلعة التاريخ وسجل الأمجاد

ترك لنا الأجداد ميراثا من الأمجاد والانتصارات ضد المعتدين عبر العصور، ويعمل المتحف الحربي المصري الذي يأتي في الصدارة من المتاحف الحربية العالمية على إبراز بطولات الماضي، بتاريخه المشرف وأمجاد الحاضر بثرائه الرائع، وإحاطتها بهالة من العظمة والجلال، لتكون سجلا تاريخيا حافلا يعرض الدور الشامخ للجيش والفن الحربي في بناء التاريخ الحضاري، ويروي قصة العسكرية المصرية منذ عصر ما قبل التاريخ وحتى تاريخ مصر المعاصر.


محيط _ غادة الترساوي

ترجع نشأة المتحف الحربي إلى عام 1937عندما كان يشغل غرفتين بالدور الأرضي بمبنى وزارة الدفاع القديم بشارع الفلكي في القاهرة، ثم انتقل إلى مبنى مؤقت بشارع الشيخ بركات بجاردن سيتى عام 1938، ومنه إلى قصر الحرم بالقلعة حيث افتتح رسمياً في نوفمبر 1949 بعد أن استغرق إعداده للعرض عامين، ويقع هذا القصر داخل القسم العسكرى من قلعة صلاح الدين الأيوبي بالطرف الشمالي الغربي منها مشرفا على جبل المقطم ومنطقة الحطابة وباب المدرج.

سكن الوالي

وكان قصر الحرم مخصصا لسكن الوالي محمد على باشا وأسرته وحريمه، حتى مجيئ الاحتلال البريطاني إلى مصر سنة 1882، بعدها تحول إلى مقر للحاكم العسكرى للجيش البريطاني، ثم استخدم كمستشفى لقوات الاحتلال إلى أن استردته الحكومة المصرية فى عهد الملك فاروق الأول سنة 1946 ورفع العلم المصري عليه،

وخضع منذ ذلك التاريخ للجنة حفظ الآثار العربية، ثم تولته وزارة الحربية وأعدته ليكون متحفا حربيا يحكي تاريخ الجيش المصري على مر العصور.

العرض المتحفي يبدأ بساحة الغنائم.. وينتهي بقاعة الشهداء.

ساحات مكشوفة

بمجرد مرورك من البوابة الخارجية التي تقودك إلى حديقة المتحف، تجد نفسك وسط ممر متسع تحيط به ثمانية مدافع بعضها إنجليزي الصنع وبعضها الآخر أمريكيا، والبقية تم تصنيعها في مصر في عهد محمد على باشا، ويجاورهذه المجموعة ساحة العرض المكشوف وضعت بها المعروضات على مصاطب خرسانية، تحمل فوقها بعض الأسلحة والمعدات التي زودت بها القوات المسلحة المصرية، وبعض الدبابات الاسرائيلية التي تم الاستيلاء عليها في حرب السادس من أكتوبر.

وفي نهاية الممر ساحة مستديرة يتوسطها تمثال لإبراهيم باشا ممتطيا جواده في شموخ على قاعدة رخامية مربعة، من ورائه تمثال آخر لسليمان باشا الفرنساوى _ مؤسس جيش مصر في عهد محمد علي _ يقف متكئا على سيفه فوق قاعدة رخامية مستديرة، ويلي هذه الساحة ممرا عريضا آخر على جانبيه تماثيل نصفية لبعض ملوك الفراعنة، يقابلها على الجهة الأخرى تماثيل لكل من صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز والظاهر بيبرس ومحمد علي باشا وابراهيم باشا والخديو اسماعيل.وتحتضن مبانى المتحف الثلاثة هذه المجموعة من القادة وقد زين السور الشرقي من فوقها مجموعة من التابلوهات الضخمة التي تمثل الجيش المصري عبر العصور المختلفة، بدءا بالعصر الفرعوني وتمثله عربة حربية وراءها بعض الجنود، ثم العصر الاسلامي الذي تصور اللوحة معاركه وقد استخدمت فيها الخيول والسيوف، يليه العصرالحديث حيث المدافع، وأخيرا المعاصر وتعبر عنه صورة كبيرة لعملية العبور أهم إنجازات هذا العصر.

خير أجناد الارض

وتقودنا الساحة المكشوفة الى مدخل القصر، وأول ما يطالعك في البهو الرئيسي قاعة المجد أهم قاعات المتحف، وتعرض مجمل الأحداث التاريخية لمصر منذ العصر الفرعوني وحتى حرب السادس من أكتوبر، وقد اختير موضوع لوحتها الرئيسية لكي يعبر عن هذه العصور مجتمعة، وهي عبارة عن صورة كبيرة في المواجهة شغلت حيز الجدار بالكامل للرئيس مبارك في مشهد مهيب يتوسط مجموعة من رجال الجيش تحيط بهم جموع الشعب، من ورائه مشهد العبور تعلوهم الآية الكريمة " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "، وكأن انتصارات مصر وأمجادها قد أثرت في وجدان كل مصري فالتف حول قادته يواجه عاتيات الزمن وتحدياته.

وأمام هذه اللوحة تمثال كبير لجندي مصري نقش عليه " خير أجناد الأرض " رافعا إحدى يديه في اتجاه لوحة كبيرة تعرض ميدالية شرف عسكرية من الذهب الخالص تعود الى العصر الفرعوني، كان قد أهداها تحتمس الثالث الى آمون حتب نظرا لشجاعته في عصر الأسرة الثامنة عشر، وكأنه بإشارته إليها يعلن اختصاصه بهذا النيشان الذي يستحقه عن جدارة وإن اختلفت العصور.
ميدالية الشرف العسكرية لتحتمس الثالث

وعلى الجانب الأيمن من القاعة نرى قاعة الفرسان وهى قاعة مفتوحة تعرض فرسان العصور المختلفة وهم يمتطون الخيول ويرتدون الزي الخاص بكل مرحلة، فهذا فارس صدر الإسلام ، وهذا محارب العصر الأيوبي والمملوكي، وها هو مساعد قائد الانكشارية في الدولة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

أما الجانب الأيسر من القاعة فيشتمل على أبطال حرب أكتوبر أثناء عملية العبور، والذين سجلوا في البر والبحر والجو أعظم انتصارات عسكرية شهدها التاريخ والتي ستبقي ميراثا لعدة أجيال قادمة.

وتقودنا هذه القاعة الى جناح الأزياء العسكرية، ويعرض التطور التاريخي لملابس الجيش المصري منذ العصر الفرعوني حتى العصر الحديث، تليه قاعة المدفعية .. وتعرض نماذج مختلفة للمدفعية منذ نشأتها الأولى، ومراحل تطورها حتى عصر محمد على باشا والعصر الحديث، تتصدرها لوحة كبيرة توضح أسماء الضباط الحاصلين على أنواط ونياشين خلال حرب أكتوبر.

ثم قاعة الأسلحة .. التي امتلأت بالأسلحة النارية المختلفة وأبرزها مجموعة أسلحة الحصار التى كانت تستخدم فوق أسوار القلعة .

الدور المسروق..!

أو المسحور.. وقد أطلقت عليه هذه التسمية لأنه طابق داخلي لا يظهر له أثر في واجهة المبني الخارجية التي يظهر فيها المتحف وقد تكون من طابقين فقط، ولكن يفاجأ الزائر أثناء رحلته بالداخل بهذا الطابق وكأنه قد تم اقتطاعه أو سرقته من الطابقين الرئيسيين للمبنى !

و يعرض الدور المسروق نماذج للعسكرية المصرية في العصر الفرعوني وفي العصرين اليوناني والروماني، ويشتمل على الأحداث التاريخية والحربية فى مصر القديمة، مع عرض لبعض المعارك فى عهد كل من تحتمس الثالث ورمسيس الثانى بطريقة الديوراما مصحوبة بتسجيل صوتي باللغتين العربية والإنجليزية.

الديوراما المجسمة المصحوبة بالتعليق الصوتي أهم أساليب العرض

صوت المعارك

وتعتبر طريقة عرض الديوراما من أبرز الوسائل المستخدمة بالمتحف الحربي، وقد نجحت نجاحا باهرا في تجسيد المعارك بالصوت والصورة، فاستطاعت أن تنقل الزائر إلى أرض المعركة، يسمع صوت القتال ويرى أحداثها من حوله وكأنه يشارك بنفسه في صنع النصر في معركة يافا ورفح وقادش، وغيرها من المعارك الفرعونية الشهيرة التي قرأ عنها في كتب التاريخ.

فتصور ديوراما معركة يافا القوات المصرية بقيادة جحوتي أحد قواد تحتمس الثالث أثناء اقتحامه القلعة الحصينة بمدينة يافا لاستردادها من الأعداء عام 1480 ق. م، وقد استخدم الحيلة الماكرة بوضع الجنود في مجموعة من السلال ليدخل القلعة على أنه تاجر بعد أن استعصى عليه فتحها، وإذا ما بلغ المدينة قام بقية الجند ممن يحملون السلال بإطلاق إخوانهم والقبض على كل من بالقلعة، واستطاعوا استرداد المدينة من يد الأعداء بتلك الحيلة البارعة.

السياسة حصاد الحروب

ومن القصص الحربي القديم تعرض الديوراما معركة قادش بقيادة رمسيس الثاني ضد الحيثين في العام الخامس من حكمه، والتي انتهت بهزيمتهم وأسر جميع الجند وحصول الملك المصري على نصر استراتيجي جعل مليكهم يبعث إليه بكتاب يطلب عفوه ومغفرته قائلا .."

ليس من أخلاق الملوك العظام قتل العبيد ونحن عبيدك فأعطنا نسيم الحياة ". فأجاب الملك رمسيس طلبه وعقدت أول معاهدة للسلام في العالم 1270 ق. م بين مصر والحيثين في آسيا الصغرى.

خيول النصر

ونصعد إلى الطابق العلوي آخر أدوار المتحف وأكثرها ثراء، فهو يضم الجناح الإسلامي بقواده ومعاركه وانتصاراته التي مازالت تدرس حتى الآن، مثل معركة حطين وعين جالوت التي نجحت ديوراما المتحف في عرض مشاهدها بالتفصيل، فأظهرت سيف الدين قطز في بداية المعركة عند المدخل الغربي لنهر الجالوت وقد قسم جيشه ثلاثة أقسام .. الجناح الأيسر بقيادة بيبرس الذي نجح في استدراج قوات المغول إلى داخل الوادي، وفي نفس اللحظة غادر الجناح الأيمن موقعه والتف حول قوات العدو، ثم غادرت فرقة القلب بقيادة قطز موقعها وعززت الجناح الأيسر ونجحت في الإطباق على التتر.

وفي المشهد الثاني ظهرت قوات العدو الذي أصبح محصورا بين الجبال عن يمين وشمال، وبين القوات المصرية من الأمام والخلف، ودار قتال شديد انتهى بإبادة معظم المغول وأسر من تبقى منهم، واضطر فوج من خيالة العدو إلى الإختباء داخل مزرعة للقصب بالقرب من ساحة القتال، فأمر قطز في مشهد ثالث بإحراقها بمن فيها، وما إن حل عصر ذلك اليوم حتى انتهت المقاومة وانتصر المصريون انتصرا باهرا وأنقذوا العالم اإسلامي من هجمة بربرية عاتية.
ديوراما مجسمة لمعارك الفراعنة

ومن أبرز مقتنيات الجناح الإسلامي نموذج مقلد تقليد متقن لسيف الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسدس الشخصي لمحمد على باشا الذي ينقلنا إلى العصر الحديث بزعمائه وثوراته وغزاته.

نهضة.. وثورة

وفي هذا الجناح نعيش النهضة التى نقلت مصر إلى مصاف الدول الحديثة، فها هي قاعة محمد علي تلقي الضوء على معركة نزيب بين القائد إبراهيم باشا والقوات التركية، والانتصار الباهر الذى حققه الجيش المصري فى هذه المعركة، وتعرض مجموعة لوحات أصلية لحكام الأسرة العلوية بالحجم الطبيعي، وتماثيل نصفية صنعها الفنان برشاقة وبخامات مختلفة من البرونز والحجر والجبس .. كانت معظمها غاية فى الرقة اتسمت بالبساطة فى خطوطها والعمق فى مضمونها.

وها هي قاعة قناة السويس التي تحكي بالتفصيل أحداث حفر القناة والاحتفال بافتتاحها، وقاعة الحملة الفرنسية وتتضمن جميع الأحداث التى مرت بهذه الحملة ومعاركها ونتائجها، وثورة القاهرة التي قتل فيها المصريون الجنرال دجوي حاكم القاهرة لكن الفرنسيين سلطوا مدافعهم على الأزهر الشريف الذي كان مركزا للثورة، فاضطر المصريون للارتداد، وبعد المفاوضات أوقف القتال وأخمدت الثورة الوطنية.

ومن ثورة القاهرة إلى ثورة يوليو التي خصص لها ما يزيد عن نصف قاعات الجناح المعاصر، وتحكي كل ما يتعلق بأحداث الثورة مع عرض مجسم لمجلس القيادة والضباط الأحرار، وصور رؤساء مصر ووزراء الدفاع منذ قيام الثورة وحتى الآن، مع عرض لأحداث ملحمة بورسعيد والعدوان الثلاثي على مصر .

يلي ذلك قاعتين أحدهما خاصة بحرب اليمن وما يتعلق بها، ثم قاعة لعرض حرب عام 1967 ومرحلة الاستنزاف التي اعتمدت على الصور الفوتوغرافية لأهم معارك هذه المرحلة وهى معركة رأس العش وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات .

أطول اشتباك

وفي تتابع زمني وتاريخي نخرج من قاعة الهزيمة لندخل قاعة النصرآخر قاعات المتحف، لنرى فيها منجزات حرب أكتوبر والأسلحة التى اشتركت فيها، مع عرض مجسم لغرفة العمليات الخاصة بالمعركة،

والتي تضم كل من الرئيس الراحل أنور السادات والمشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع والفريق الشاذلي، واللواء محمد حسني مبارك قائد القوات الجوية واللواء محمد على فهمي قائد قوات الدفاع الجوي واللواء فؤاد أبو ذكرى قائد القوات البحرية،

قاعة العبور تعرض أضخم وأطول اشتباك جوي في تاريخ الحروب

آن أن تنصرفوا

ومن وراء هؤلاء القادة تعرض ديوراما العبور أطول وأضخم اشتباك جوي في تاريخ الحروب يوم 14 أكتوبر1973 .. حيث استمر الاشتباك لمدة خمسين دقيقة، اشتركت فيه سبعون طائرة ميج 21 ، وكانت مواجهة حاسمة بين الفانتوم ومقاتلاتنا، وكانت نتيجة القتال إسقاط 18 طائرة للعدو الاسرائيلي، الذي ظهر جنوده في مجموعة من الصور الفوتوغرافية الكبيرة التي زينت جدار ممر الخروج من المتحف، وهم يحملون نعوش زملائهم في فزع ويغادرون أرض سيناء، تواجههم على الجدار المقابل صور الشهداء المصريين بملامحهم الجريئة وسمتهم الطيب، وقد علت وجوههم جميعا بسمة هادئة وكأنهم يودعون الزائر ولسان حالهم يقول في زهو .."حملوا قتلاهم ورحلوا".

منجنيق يعود لعهد الرسولملحمة بور سعيد والعدوان الثلاثي على مصرسعيدمشهد العبورمعركة قادش بين رمسيس الثاني والحيثيينمجسم للرئيس جمال وأحداث الثورةمدفع مصري بساحة العرض المكشوفعرض مجسم لغرفة عمليات أكتوبرمبنى المتحف تزينه لوحات النصرالمسدس الشخصي لمحمد عليقاعة الفرسان