الزلاقة معركة الايمان والوجود

كانت بلاد الاندلس تعيش فترة من التدهور السياسي في القرن الخامس الهجري فقد سقطت الدولة الاموية التي اسسها عبد الرحمان الداخل سنة 138ه بمقتل اخر خلفائها المستكفي سنة 422ه وقد تقاسمت الاندلس عدة ممالك وامارات عرفت تاريخيا باسم ملوك الطوائف اشهرها مملكة بني عباد في اشبيلية وبني جهورفي قرطبة وبني الافطس في بطليوس وبنو دي النون في طليطلة وبنو زيري في غرناطة وبنو هود في سرقسطة وغيرها من الممالك التي اقتسمت اراضي الجزيرة الاندلسية وقد اتسم عهد ملوك الطوائف بكثرة الحروب والنزاعات بين هده الممالك مع بعضها وبينها وبين ممالك النصارى ممثلة بمملكتي قشتالة وليون التي استغلت حالة الانقسام والضعف الدي تمر به الاندلس فتوحدت بهدف القضاء على الوجود الاسلامي تحت تسمية حرب الاسترداد بدعم من بلدان اوروبا الصليبية والبابوية وخصوصا زمن ملكها الفونسو السادس الدي اشتهر بحقده الشديد على المسلمين وتجلى دلك في ضربه للممالك الاسلامية بعضها ببعض وفرض الاتاوات على ملوكها ثم مهاجمة الثغور الاسلامية وارتكاب المجازر في حق ابنائها المسلمين وكانت خاتمة الماساة استيلاؤه على طليطلة سنة 478 ه وسط خدلان فظيع من قبل بقية الملوك الدين وقفوا صامتين تاركين تلك المدينة لمصيرها المحتوم وقد ساهمت هده الكارثة في استنهاض همم اهل الراي والحكمة والنخوة من اهل الاندلس فبعثوا بالنجدة لاخوانهم في العدوة الاخرى .
كانت بلاد المغرب الاقصى في هده الفترة تخضع لدولة المرابطين وهي دولة تشكلت من قبائل صنهاجة البربرية وكان منهجهم هو دعوة الناس الى صحيح الدين على مدهب اهل السنة فتمكنوا من توحيد بلاد المغرب تحت قيادتهم خصوصا في عهد اميرهم يوسف بن تاشفين الدي اشتهر بورعه وحبه للعدل والجهاد.
وصلت رسائل الاستغاثة من الاندلس وتولى امر دلك ملك اشبيلية المعتمد بن عباد الدي بعث وفدا ضم علماء اهل الاندلس الى الامير يوسف بن تاشفين وبعد التشاور مع قادته واهل الحل والعقد وافق امير المرابطين على العبور الى الاندلس فدعا اجناده من اهل المغرب فرغبهم في الجهاد وحثهم على نصرة اخوانهم في الدين فتجمعت جيوش المرابطين في سبتة غير ان البحر كان شديد الهيجان بحيث لا تستطيع السفن الابحار فيه وهنا دعا يوسف بن تاشفين قائلا- اللهم ان كنت تعلم ان في جوازنا هدا البحر صلاحا للمسلمين فسهله علينا وان كان غير ذلك فصعبه حتى لا نجوزه- فهدات امواج البحر وعلم المسلمون ان عناية الله تكلؤهم ثم عبرت قوات المرابطين فنزلت في الجزيرة الخضراء وعسكرت فيها اياما فالتحقت بهم قوات الاندلسيين والمتطوعة فسارت جيوش المسلمين لملاقاة الفرنجة.
اما الفونسو السادس فلما بلغه نبا وصول قوات المرابطين ارض الجزيرة اصابه الجزع والارتباك فدهب عن سرقسطة وكان يحاصرها وعاد الى طليطلة التي جعلها عاصمة لملكه فجمع اقصى ما يمكنه من الجند والمحاربين ثم استنجد بالدول الاروبية وبالبابا فجاءته الامدادات تترى وقد بلغ تعداد جيوش الفونسو ما يقرب من 300000رجل في حين كان تعداد الجيوش الاسلامية في حدود 60000 مقاتل ونظرا للخلل الواضح في ميزان القوى اصاب الفونسو الغرور وتجلى دلك في قوله- بهدا الجيش احارب محمدا وال محمد والجن والانس والملائكة-.
وصلت القوات الاسلامية الى سهل الزلاقة وهو سهل يقع شمال بطليوس وجعلت نهر انا بينها وبين الفرنجة وهنا ارسل الفونسو رسالة الى المسلمين يدعوهم الى تجنب القتال في ايام الجمعة والسبت والاحد لانها اعياد دينية وان موعد القتال هو يوم الاثنين طبعا لم تنطلي هده الخدعة على المعتمد بن عباد والدي كان يقود الجيوش الاندلسية وما زاد المسلمين يقينا بان الفونسو يبيت الغدر لهم هو انه اتى الى معسكرهم احد علماء قرطبة واسمه احمد بن رميلة حكى لهم انه راى رسول الله في المنام يخبره بانه سيستشهد في قتال يكون يوم الجمعة وينتصر فيه المسلمون.
عندئد كبر المسلمون وتهياوا للقاء النصارى وفعلا فما ان اطل صبح يوم الجمعة 12 من رجب سنة 479ه حتى اكتسحت قوات النصارى سهل الزلاقة في محاولة لمباغتة المسلمين فتبددت اغلب القوات الاندلسية وفرت من الميدان ولم يبقى الا جند اشبيلية بقيادة المعتمد بن عباد والدي صمد صمودا رائعا رغم فداحة الخسائر ورغم ان قوة من المرابطين التحقت بساحة المعركة فان انتصار الفرنجة لا حت بوادره خصوصا بعد ان دفع الفونسو ببقية قواته الضخمة الى ارض المعركة فمالت الكفة بشكل كبير لصالح النصارى لكن هنا حدثت المفاجاة المدهلة اد ان قوات المرابطين الرئيسية والتي يقودها يوسف بن تاشفين استغلت خلو معسكر الفونسو الا من قلة من الجند فهاجمته على حين غرة وابادت حاميته واضرمت فيه النيران ثم انطلقت في خطة التفافية خاطفة فباغتت قوات الفونسو في ساحة الزلاقة واطبقت عليها فصعق الفونسو من هول المفاجاة وتوالت المفاجات فاطلق المرابطون فرسانهم من ركاب الابل فخلخلوا صفوف فرسان النصارى ومزقوهم اربا اربا ثم انطلق مشاة العبيد وهم فرقة خاصة من المرابطين وابادوا مشاة الفرنجة في لمح البصر وما هي الا ساعات حتى تهاوت قوات النصارى وتساقطت جثثهم اكواما كالجبال في ساحة المعركة ولم ينج منهم سوى مئة فارس وملكهم الفونسو الدي فر جريحا يعض اصابع الندم مخلفا وراءه خيرة جنده صرعى في سهل الزلاقة.
وبعد انتهاء المعركة كبر المسلمون فرحا بهدا النصر العظيم الدي حفظ بلاد الاندلس قرونا اخرى وكسر شوكة المد الصليبي بفعل وحدة المسلمين وحملهم لراية الجهاد والتي ما احوجنا اليوم الى من يحملها بصدق وامانة فهي الدواء في مواجهة مؤامرات اعداء الاسلام.