بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصورى, كنيته أبو الفتح . (توفى بالقاهرة عام 1309 ). السلطان المملوكى الثانى عشر . بقى على العرش فترة قصيرة ( 1308 - 1309). كان من أصل شركسى
كان بيبرس الجاشنكير من أصل شركسى و من مماليك السلطان المنصور قلاوون. تدرج في المكانة فأصبح أميرا ثم جاشنكيرا و بعد وفاة قلاوون خدم كل من ابنيه السلطانين الأشرف خليل و الناصر محمد. في فترة حكم الناصر محمد الثانية (1309 - 1299) تقلد منصب الأستادار. في عام 1302 لعب دورا في اخماد تمرد وقع في صعيد مصر و في عام 1303 كان أحد قواد الجيش المصرى الذى هزم المغول في معركة مرج الصفر
كان السلطان الناصر محمد أثناء فترة حكمه الثانية مازال صغير السن مما جعله تحت سيطرة الأميران سلار و بيبرس الجاشنكير. في تلك الفترة انتشر الفساد و نظام الحماية] و تضخمت سطوة و ثروات المماليك البرجية التي كان بيبرس الجاشنكير يتزعمها و منافسيها المماليك الصالحية و المنصورية التي كان على رأسها الأمير سلار و المماليك الأشرفية بزعامة الأمير برغلى[. في عام 1308 أدرك السلطان الصغير قلة حيلته و خطورة موقفة في مواجهة سلار و بيبرس الجاشنكير فزعم أنه ذاهب إلى الحج و لكنه بدلا من الذهاب إلى مكة ذهب إلى الكرك و رفض العودة إلى مصر[ فما كان من سلار إلا أن خاطب الأمراء الذين عرضوا عليه السلطنة قائلا: " والله يا أمراء أنا ما أصلح للملك, و لا يصلح له الا أخى هذا " و أشار إلى بيببرس الجاشنكير فهتف البرجية: " صدق الأمير " فوافق الأمراء و نصب بيبرس سلطانا على البلاد بلقب الملك المظفر و معه الأمير سلار نائبا للسلطنة [. و منح بيبرس نيابة الكرك و مائة فارس للناصر محمد و بعث اليه برسالة تقول: " أنى أجبت سؤالك فيما اخترته, و قد حكم الأمراء على فلم تمكن مخالفتهم, و أنا نائبك ". و حلف أمراء الشام ماعدا الأمير الأفرم الذي رفض سلطنة بيبرس قائلا: " بئس و الله ما فعله الملك الناصر بنفسه!, و بئس ما فعله بيبرس! و أنا لا أحلف لبيبرس -و قد حلفت الملك الناصر- حتى أبعث إلى الناصر" و لكنه وافق بعد أن شكره الناصر و أخبره أنه قد ترك الملك و ان عليه أن يحلف لمن يولونه[ .
إلا أن الامور لم تستقم لبيبرس الجاشنكير الذي لم يكن محبوبا عند المصريين بسبب سؤ الأحوال الاقتصادية و السياسية وفى عهده انخفض منسوب النيل و ارتفت الأسعار و فشا الوباء و لاحت في الأفق تهديدات مغولية و صليبية . ما أن استقر بيبرس على عرش السلطنة حتى وردت الأنباء بأن ملك قبرص قد اتفق مع بعض ملوك الصليبيين على غزو دمياط فأمر بيبرس بمد جسر من القاهرة إلى دمياط و جسر آخر بطريق الإسكندرية[. ثم وردت اخبار آخرى بتأهب المغول للهجوم على الشام[. إلا أن وجود الناصر في الكرك كان هو ما يفزع بيبرس أكثر من أي شىءآخر فأرسل اليه يطالبه بإعادة المال الذي أخذه من مصر إلى الكرك و أمره أن لا يبقى عنده سوى عشرة مماليك مهددا اياه بانه ان لم يفعل ذلك فلسوف يرسل اليه العسكر لتخرب الكرك عليه فأرسل له الناصر مبلغا من المال[19]. و أمر بيبرس بمنع الخمر في مصر و استخدم عنف مفرط ضد العامة و التجار و حتى الأمراء]. و تدهورت الأحوال و خرجت العامة تطوف الشوارع مرددة :" سلطاننا ركين و نائبنا دقين ، يجينا الماء منين . جيبوا لنا الأعرج, يجى الما و يدحرج" و بركين و دقين كانوا يقصدون بيبرس ( ركن الدين ) و سلار لقلة عدد شعرات الحيتة أما بالأعرج فكانوا يعنون الناصر محمد لأن كان به عرج خفيف
ثم بعث بيبرس بالأمير مغلطاى إلى الملك الناصر ليأخذ خيوله و مماليكه فحنق الناصر و قال له: " أنا خليت ملك مصر و الشام لبيبرس, و ما يكفيه حتى ضاقت عينه على فرس عندى أو مملوك لى, و يكرر الطلب ؟ ارجع اليه, وقل له و الله لئن لم يتركنى و الا دخلت بلاد التتر, و أعلمتهم أنى قد تركت ملك أبى و أخى و ملكى لمملوكى, و هو يتبعنى و يطلب منى ما أخذته" و كتب الناصر لنواب الشام و مؤيديه من أمراء مصر يستعطفهم و يثيرهم ضد بيبرس[. ثم ورد الخبر بخروج الناصر محمد من الكرك تجاه جهة غير معروفة و انتشر الخبر في أنحاء القاهرة وانشق الأمير نوغاى عن بيبرس و رحل إلى الكرك مع مماليكه []و أخذ نواب الشام و عسكرها و عسكر مصر ينضمون إلى صف الناصر حتى خطب بدمشق له فسقط في يد بيبرس وعلم قرب زوال أمره. و دخل الناصر محمد دمشق و استقبله الأمراء و عامة الناس استقبالا حارا . هذا بينما في القاهرة راحت العامة تسب بيبرس في الشوارع فكان رده عليهم مشوب بالعنف المفرط مما زاد من مقتهم له و ثورتهم عليه[ فازداد اضطرابا و جمع الأمراء, و كان من بينهم الأمير المؤرخ بيبرس الدوادار و استشارهم فيما يفعله فنصحوه بخلع نفسه و استعطاف الملك الناصر لنيل عفوه. و تخبط بيبرس الجاشنكير فقام بنهب الخزائن و الخيل و توجه إلى باب الاسطبل للفرار مع بعض أمراءه و مماليكه البرجية و كانت عدتهم سبعمائة فارس فاجتمع العوام عند الباب و راحوا يصيحون عليه ويرمونه بالحجارة فمنع مماليكه من الاعتداء على العوام و أمرهم بنثر المال عليهم ليشتغلوا بجمع المال عنهم إلا أن العوام لم يلتفتوا إلى المال المنثور و راحوا يتبعونهم و يسبونهم إلى أن تمكنوا من الفرار منهم بعد أن اخافهم المماليك بشهر سيوفهم فر بيبرس الجاشنكير إلى بلدة أطفح بصعيد مصر ثم إلى مدينة أخميم عازما الهروب إلى برقة إلا أن أكثر مرافقيه تخلوا عنه و فارقوه في أخميم و عادوا إلى القاهرة فقرر عدم الذهاب إلى برقة[
في اليوم التالى لفرار بيبرس من القاهرة، و كان يوم الأربعاء، و بأمر من سلار الذي بقى في القلعة, هتف الحراس باسم الملك الناصر و كتب سلار إلى الناصر بتنحى بيبرس و فراره و في يوم الجمعة خطب على منابر القاهرة و مصر باسم الملك الناصر و أسقط اسم الملك المظفر بيبرس بعد أن حكم البلاد فترة تقل عن سنة.
وصل الملك الناصر إلى قلعة الجبل و جلس على تخت السلطنة لثالث مرة و احتفل الناس بعودته و زينت القاهرة. و قبض على بيبرس الجاشنكير و حمل إلى الناصر مقيدا بالحديد فعدد لة ذنوبه و أقر بها بيبرس و طلب العفو ولكن الناصر أمر بخنقه فخنق و دفن خلف القلعة