ويلٌ لأمة نامت على آذانِها
بات الكثير من شباب المسلمين ليلة الخميس الموافق 3 من جمادي الثاني 1430 يسهرون ويمرحون ويسمرون أمام شاشات التلفاز, وجوههم ناضرة إلى التلفاز ناظرة, وأفواههم فاغرة, متابعين بعيونهم وعقولهم وقلوبهم نهائي دوري لمبارة كرة القدم بين فريقين أوروبيين. مشدوهةٌ أفكارُهم, مختلطةٌ أحاسيسُهم, مشرئبةٌ أعناقُهم نحوَ كُرةٍ مستديرة, يتقاذفُها أشخاصٌ يتراكَضونَ في كلِّ حدبٍ وصوبٍ, ومن ناحيةٍ أُخرى تستصرخ نساء المسلمين في الباكستان ووادي سوات مستنجدة بهم, بينما يستصرخُ هؤلاءِ يَطلبونَ اللاعب النصارني المخضرم احراز هدف في مرمى خصومه, تُحدقُ جثثُ الشهداءِ في السماءِ تشكو إلى اللهِ ظلمَ الظالمين, ويُحدقُ الآخرون أمامَ شاشاتِ التلفازِ لا يأبَهونَ بأحداثٍ جِسامٍ تَمرُ بها الأمةُ, لا يُحركونَ ساكناً, سُكارى وما هم بسكارى, يُزعجهم أنْ يُهزمَ فريقٌ ما, ولا يَقضُ مضجَعهم شلالاتٌ من الدماءِ تَسيلُ في كلِّ منطقةٍ من مناطقِ العالمِ الإسلامي وخاصة في هذه الفترة مما يجري في الباكستان, فها هي الحكومة الباكستانية ترتكب المجازر , فتقصف القرية تلو القرية, وتعاقب السكان عقابا جماعيا لا لشيء إلا لمطالبتهم بتطبيق الشريعة الاسلامية.
وها هي الآن تلجأ إلى استخدام المدافع الثقيلة والمتفجرات المميتة والطائرات المقاتلة في قصف المدنيين، مستهدفة بيوت الفقراء ومحالهم التجارية وأسواقهم.
أيها الناس:
ويح أمة نامت على آذانِها!! وتوارت بين أنقاض الردى, وارتضت بالذل عيشا أبدا.
ويح أمة أنشأت رجالا عظماء سطروا لنا التاريخ بصفحات بيضاء ليخلف من بعدهم قوم أضاعوا دينه واتبعوا الشهوات, وأضاعوا دماء لطالما سُفكت لنشر الاسلام وعدله.
فقد يروى أن رجلاً جاءت إليه ابنته الصغيرة وهو جالس عند أصحابه فقالت: يا أبي أُريد أن أذهب ألعب فسكت، وكررت ذلك ثلاثاً وهو ساكت لا يرد عليها، فقال له أصحابه: قل لها يا شيخ تذهب تلعب، فقال لهم: والله إني أخشى أن آتي يوم القيامة وفي صحيفتي كلمة "إلعب".
أيها الناس: قال أحد الناس لرجل من السلف لما خرج من المسجد : قف أكُلمك. فقال له: أَمسك الشمس وأُكلمك. (في إشارة على أهمية الوقت). فالوقت ليس وقت كرة ولعب وسهر. ليس الوقت وقت نوم وغفلة وديننا يحارب ويكاد له في الليل والنهار من الطغاة والزنادقة والعلمانيين ودعاة السفور والفجور.
أيها الناس: إن الله سبحانه وتعالى نهانا أن تلهينا أموالنا وأولادنا عن ذكر الله وقال لنا وهو أصدق القائلين: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}، فكيف بالذي ألهته كرة القدم وما شاكلها من أنواع الرياضة واللهو عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن أمور من الشرع بين ذلك كثيراً؟
أيها الناس: إننا بحاجة ماسة إلى شباب جادين مخلصين يعملون مع العاملين الجادين المخلصين والهادفين لإقامة دولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة، وإننا بحاجة أن تمتليء المساحات المخصصة للرياضة بمئات الآلاف، بل الملايين، من المحتشدين المطالبين بتحكيم شرع الله في أرضه، وإننا بحاجة إلى من يخلصنا من حكامنا الذين يُمدون هؤلاء اللاهين من اللاعبين بأسباب الحياة، ويمهدون لهم السبيل، ويغدقون عليهم العطايا، فهم والله أس البلاء، ومصدر الداء لهذه الأمة، وهم السرطان الخبيث الذي ينهش جسدها حتى أصبحت كالرميم. فمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يستجيب لهذا النداء، ومن بقي في غيه سادراً، وللنصائح متجاهلاً، فهو من ميتي الأحياء، والعياذ بالله.
أيها المسلمون:
التفتوا بجد إلى قضيتكم المصيرية، وهي قضية الحكم بما أنزل الله، ولا يشغلنكم عنها شاغل, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس, الصحة والفراغ ) رواه البخاري
قال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون.
(( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)) النور
تراب