في معارك تحرير العراق بعهد الخليفة ابى بكر رضي الله عنه وبعيد تحرير الانبار حصلت ضرورة لخروج القوات الاسلامية فقد امتثل القائد خالد بن الوليد لأمر الخليفة بالخروج إلى الشام لنجدة القوات العربية فهمّوا بالخروج ولم يفت على القائد العربي الشجاع المثنى بن حارثة الشيباني الذي كان هو المتقدم في العراق أن يخرج لوداع القوات الإسلامية التي حلت في بلاده وعلى رأسها القائد خالد بن الوليد فقد اسهمت واشتركت تلك القوات بشرف انطلاقة مسعى تحرير العراق العربي وبذلت لأجل ذلك أغلى التضحيات الجسام لذا فقد سار المثنى بقواته مرافقا ومودعا حتى قراقر ولما حلت ساعة الفراق سلم القائد خالد بن الوليد قيادة القوات في العراق للمثنى بن حارثة الشيباني وقال له(ارجع رحمك الله إلى سلطانك غير مقصر ولا وانٍ) فعاد المثنى إلى الحيرة مسرعا وهو يعلم انه عليه أن يتحمل مسؤولية قيادة الجيش العربي الإسلامي وإكمال مسعى تحرير العراق والاستعداد لكل المفاجآت المحتملة فقد كان الفرس في الجانب الآخر قد تمكنت من تخطي آثار الانقسامات وباتت اقرب إلى الاتحاد لمواجهة المسلمين وقد تبوأ عرش فارس كسرى شهرزاد الذي عزم على إجلاء قوات المثنى من العراق وحشدوا لذلك جيشا كبيرا وانتهزوا غياب القائد خالد بن الوليد وجيشه وأرسلوا إلى الحيرة نحو عشرة آلاف مقاتل تحت قيادة هرمز جاذويه لتهديد قوات المثنى وتصفيتها وإنهاء دورها بالعراق ولما كان مركز القوات الفارسية في طيسفون أي المدائن فقد تحركوا من هناك ولما علم المثنى بذلك أراد الاستباق لتفادي تطورات الموقف المحتملة فقرر أن يتحرك على عجل ومن فوره ليلاقيهم خارج الحيرة فتقدم بقواته تجاه المدائن ليكمن لهم في بابل وقد سيطر على منطقة الآثار عند تلال بابل كونها مرتفعة تتيح له السيطرة بالمعركة المرتقبة وحصل على ذلك بفضل تحركه السريع الذي هو عكس تحرك خصومه المجهزين بالفيلة وغيرها مما يسبب لهم الإبطاء والعرقلة ووصلته رسالة من كسرى يهدده فيها وكان مضمونها(أني قد بعثت إليك جندا من أهل فارس وانما هم رعاة الدجاج والخنازير ولست أقاتلك إلا بهم) فرد عليه المثنى برسالة رائعة هي(من المثنى إلى شهربراز إنما أنت أحد الرجلين أما باغٍ فذلك شرّ لك وخير لنا وأما كاذب فاعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله وفي الناس الملوك وانما الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم اضطررتم إليهم فالحمد لله الذي رد كيكم إلى رعاة الدجاج والخنازير) عند ذاك تهيأ المثنى للقتال ووزع قواته أخفى بعضا من قواته بين البساتين تأمينا لعنصر المباغتة والمفاجأة في الوقت المناسب ثم عين أخاه المعنى قائدا للميمنة وأخاه الآخر مسعود قائدا للميسرة وأبقى قطعات القلب تحت قيادته كما انه دفع ببعض القوات من الخيالة خارج المنطقة لتسهم بالمشاغلة التحضيرية للمعركة وبعدها وصلت طلائع الجيش الفارسي تتقدمهم دروعهم وهي الفيلة التي لم يعهدها العرب وخيلهم فقيل انهم تمكنوا من طرد الخيالة عندما جفلت الخيول العربية من منظر تلك الفيلة وما عليها وبذا تمكن الفرس من إحراز بعض التقدم في صفوف الجيش العربي الإسلامي لأنهم كانوا مصممين على خرق جبهة القلب للقوات الإسلامية والتأثير فيها بضراوة لكن القوات العربية أبدت الاستماتة بالدفاع على مواضعها غير أن الفرس استمروا في مسعى خرق جبهة القوات العربية وتمكنوا من فتح ثغرات عدة فيها وكادت الهزيمة أن تحل في قطعات القلب من ضراوة الهجوم والتركيز عليه لكن القائد المحنك المثنى بن حارثة الشيباني أنقذ الموقف بذكائه وشجاعته المعهودتين فقد قاد مجموعة من جنده لمهمة جريئة خاصة خاطفة قلبت موازين المعركة برمتها حين هجم كالأسد الضرغام تجاه كبير الفيلة وباشره بطعنات مميتة وتمكن من إطاحته صريعا على ارض المعركة فارتفعت معنوياته ومعنويات جنده الذين شاهدوا قائدهم يتقدمهم بتلك البسالة فشددوا من الدفاع وسمحوا للمجموعة بمهاجمة الفيلة فرتب القائد الصفوف وأعاد التنظيم سريعا وباشر بهجوم معاكس بكامل قواته فدارت معركة ضارية انتهت بتدمير غالب القطعات الفارسية ولاذت بقاياها بالفرار قافلة بالرجوع إلى المدائن ولحقت في أثرها القوات العربية الإسلامية