قد جَرعّوا الناس السمُّ بقوارير العسل
بقلم/ محمّد العراقي
الزمان هو زمان انحلال الأمة وفرقتها وتناحرها وهان الخلاف عندها حتى باتت يكفر بعضها بعضا من شدة إيغال كبارها بالشقاق عوضا عن الاصلاح لتغليب صالح الامة على طالحها فما بالك بصغارها والبلد مثالا هو العراق العربي الإسلامي والحال هو الاحتلال الاستقوائي التحالفي الشروري الذي أريد له أن ينتشر ليطال غالب بلداننا العربية والإسلامية المستهدفة بشتى أنواع السبل والفتن المعدة فتحولوا بعد أفغانستان الجريحة بالعراق على جنح كذبة كبرى تحمل دعوة معسولة كبيرة أعدت لتجهيل عقول ساذجة مظللة وضمائر معلولة ونفوس يعلوها صدأ الأحقاد ويكتم عليها صمام الكراهية وجعلوها تبتهج لسقوط بلادها أسيرة بين يدي الأعداء فتفرح بمحزن أمة بأكملها !!
فحين تتقبل زائف الدعاوى وتسمح بأن يتم تظليلها بما لا تقبله العقول فمتى حمل مثل أولئك الأعداء لمثلنا خيرا من قبل كي يصدق السذج إن لم نقل غير ذلك وعودا أطلقها الأعداء بأنهم إنما أتوا يحملون إلينا أرياح بشائر الحرية والديمقراطية فصدّق أصحاب تلك العقول والأنفس الواهية التي لابد إن أهلها يعلمون جيدا بأنهم إنما يعمّون أعينهم عن رؤية وإدراك الحقيقة الدامغة فقد احتل العراق وتلك حقيقة صدمت ضمائر حية وأدمت قلوبا خاشعة في محبة الله وأبكت عيونا ساهرة تترقب أطيب الأخبار وأحلاها عن ديار المسلمين .
حتى فجعت بأخبار نعيق غراب البَين بتلك الديار التي تعرضت لمحن متوالية ابتدأت في فلسطين وانتهت بالعراق مرورا بأفغانستان الجريحة ولن ننسى هنا خسارة مؤلمة ومحزنة ألمت بجسد الأمة من قبل وهي خسران الاحواز العربية السليبة التي هي الأخرى استمرت تنزف دماء عربية مسلمة على ارض عربية مغتصبة منذ أن تفككت ديار الإسلام وأضحت نهبا للطامعين والغزاة ونقول هنا وبعد كل تلك السنين العجاف والكارثية التي مرت على بلادنا والمنطقة فما دالة ذلك الخير الذي تبجح بالحديث عنه كثيرا عملاء الاحتلال رغم كل الفشل والجراح ؟؟
وسنتكلم هنا عن ذلك الخير الموعود الذي كانوا يمنون به الناس من خلال وردية وعود اتباعهم اللئام بالحديث عن إحلال حريات سياسية وغيرها حتى تساءل الناس أين تلك الحرية المفترضة والديمقراطية المزعومة والجواب أن لاشيء يذكر من كل ذلك فالحرية قد تبخرت من بين قضبان وشبابيك سجون الاحتلال وحكوماته التي لم تَعُد تحصى ولا تُعَدّ أما الكرامة فقد تضررت حين بات الاعتقال عشوائيا غير مبال بقيمة الإنسان فقد يكون احترازيا مهينا وحسب وقد يشمل حتى النساء والشيوخ والأطفال لمجرد الاشتباه أو النكاية والوشاية الكيدية أو لغرض التنكيل في الغالب أما عن الديمقراطية المزعومة فهي لا وجود لها إلا في أفواه وأقوال آل الاحتلال وإلا فديكتاتورية نهج الأحزاب الطائفية المحسوبة على الدين تزلفا والتي تحتكر السلطة منذ بدء الاحتلال وحتى الآن وترتهن مصائر حكم البلاد بأيدي زعمائها وكان البلاد قد خلت من الكفاءات إلا عبر أولئك الذين ثبت للناس فشلهم وفسادهم ولكن سر بقاؤهم هو حلاوة معسول تسلط الدكتاتورية على رقاب الناس عنوة بواسطة سيوف انتخابات مزورة لا تقارب العدل بشيء وعن حرية الرأي يكفي أن نفتح سجل زملائنا الصحفيين والإعلاميين الذين اغتيلوا غيلة لمجرد آراء صرحوا بها فكلفتهم حياتهم فلم يبقى للناس إلا هذا الأثير الإعلامي البسيط للتنفيس عن مظالم قضايا شعبهم الجريح.
وغير ذلك كثير بالواقع العراقي الحزين المؤلم الذي يتمثل بالحديث عن تتابع شتى ألوان المحن والويلات التي سببت لأهل البلاد رعبا وإرهابا من كل ما هو حولهم فقد ينهار جسرا كاملا بمن عليه بلحظة واحدة كما حدث في جسر الأئمة وقد تهدم مدن بكل ما حوت فوق ساكنيها كالفلوجة وأخواتها وقد تباد أخرى بساكنيها المساكين كما حدث في مدينة الزركة بتلك الفعلة النكراء ولن ننسى هنا توالي محن ومآسي وتبعات حملات حكومات الاحتلال حتى الأخيرة منها فهي دائرة بالقتل والظلم والإهانات والاعتقالات المستمرة حد أيامنا الراهنة وكل ذلك يجري وسيط تنامي عرى الفساد والإجرام الوحشي الذي جسده صراع طائفي سياسي ومصلحي يدور غالبه بسبب تقاطع مصالح زعماء الحرب والطوائف والعصابات التي تشكلت بضلال ودعم ساسة ومسئولي حكومات الاحتلال وهذا ما يجري بعراق اليوم فمن هو الأحمق والمغفل الذي سيتمنى لبلاده مصيرا مماثلا إلا إن كان مغرضا وعميلا مجندا لأجندات تضر بصالح بلاده وشعبه وفي تلك الحالة ينطبق عليه وبحقه حكم الخيانة العظمى التي أعدت لدرء الأخطار عن أية بلاد وتحصينها من الخونة والجواسيس الذين تسول لهم أنفسهم خيانة أوطانهم وشعوبهم وضمائرهم من قبل فهل سيتعظ أهل الحل والعقد في امتنا ويحتاطوا مجددا في حال زوال تلك المحن العزوم لإنقاذ مستقبل أجيالنا الواعدة وامتنا التي أهلكتها المحن ونهش الذئاب؟؟.</strong>