"تاكسيات الوقف" بالجزائر.. تنقل العاطلين لبر الأمان

"تاكسيات الوقف" بالجزائر.. تنقل العاطلين لبر الأمان
كامل الشيرازى

تاكسي الوقف بالجزائر في خطة مضادة لما أفرزته أزمة المال الكونية من آثار على منظومة التشغيل (التوظيف)، بدأت الحكومة الجزائرية سلسلة صيغ لامتصاص البطالة المتفشية، ويأتي على رأسها مخطط لاستثمار الأملاك الوقفية، وجاءت أول أشكال هذا الاستثمار بشراء سيارات أجرة لتشكل فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، وهناك سعي لإنشاء مشاريع أخرى على غرار مجمعات وقفية، ومشاريع خاصة بالحرف والصناعات التقليدية.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية زادت من إجمالي عدد العاطلين عن العمل في الجزائر إلى 35 % في ظل بلد تقل أعمار 75% من سكانه عن 25 سنة.

استثمار الوقف بابتكار

بدأت الفكرة عندما اهتدى فريق الخبراء، الذي شكلته وزارة الأوقاف الجزائرية، إلى فكرة الاستفادة من أملاك وقفية مترامية في البلاد ظلت منذ استقلال الجزائر رهينة جمود مزمن.
ويسرد تفاصيل الفكرة لـ"إسلام أون لاين" عبد الكريم مزاري أحد أعضاء الفريق قائلا: "اقترحنا على السلطات اقتناء سيارات أجرة بأموال الأوقاف، وقدمنا دراسة جدوى بهذا الصدد ركزنا فيها على أن المشروع إيجابي ومثمر على طول الخط؛ حيث سيخلق 1200 فرصة عمل كل عام، وسيمكن القائمين على تسيير الأملاك الوقفية من جني إيرادات لا بأس بها، وتحقيق مكاسب محترمة بدلا من إبقائها مرتكنة على الهامش".
ويشير عدة فلاحي، المستشار المركزي بوزارة الأوقاف الجزائرية، إلى إسراع المسئولين بتطبيق الفكرة بعد أن راقتهم، عبر تأسيس شركة خاصة أطلقوا عليها اسم "ترانس وقف" تمكنت من شراء 36 تاكسيا وشغلت عددا موازيا من الشباب، بأموال سلمتها إياها إدارة الأوقاف، وتخطط الشركة لتوسيع العملية من خلال اقتناء مئات سيارات الأجرة وتوزيعها على المحافظات.
وسوف تقسم أرباح المشروع بنسبة 50% للشركة و30% للأوقاف و20% للسائقين الشباب،
واستنادا إلى مسئول بارز في شركة "ترانس وقف" فإن الشبان الـ36 الذين استفادوا من المشروع سيتقاضون رواتب بقيمة 12 ألف دينار، ومرشحة لأن تصل إلى حدود 16 ألف دينار (بما يعادل 170 دولارا).

شباب التاكسي

"الظروف لم تسعفني لكي أكمل دراستي الجامعية، لكن رحلة البحث عن شغل يسد حاجيات أسرتي طالت رغم أني قدمت ملفا إلى وكالة التشغيل عام 2002، إلى أن جاء الفرج مطلع شهر أبريل الجاري".. بهذه الجملة عبر أمين (28 سنة) أحد المستفيدين من المشروع عن فرحته بعد حصوله على فرصة عمل بعد سبع سنوات مرهقة من الارتكان على الهامش.
وبسعادة يحكي أمين عن عمله الجديد على متن "تاكسي وقف" فيقول: أعمل منذ أولى ساعات الصباح إلى غاية وقت متأخر من المساء؛ حيث أتجوّل على طول أحياء وشوارع العاصمة، ويتولى الزبائن إيقافي مباشرة في الشارع لطلب الخدمة مثلما يفعل الزبائن مع باقي سيارات التاكسي.
ويستخدم أمين وزملاؤه أجهزة لاسلكية، في استقبال طلبات الزبائن، هذه الأجهزة اللاسلكية مرتبطة بشبكة الإدارة المركزية، ووقتما يتصل أي زبون بغرض الذهاب إلى وجهة ما يتم تكليف صاحب التاكسي المتفرغ عبر الجهاز في ذاك الوقت لإنجاز المهمة، وهكذا.

ويشرح أنيس -شاب آخر مستفيد- مزهوا: "في ظرف وجيز جنيت ما يربو على سبعة آلاف دينار (في حدود مائة دولار)، وإذا استمرت الأمور هكذا فإني سأتمكن من دخول القفص الذهبي بحول الله قبل انقضاء العام الحالي".
ويؤيد سمير رأي زميله، ويرى أن المشروع مربح جدا، وسيساعد الشباب على تحسين ظروفهم المعيشية، خاصة أن أزمة النقل الخانقة التي تتخبط فيها عاصمة الجزائر، وعدم توفر التاكسيات بشكل كاف، تجعل من تاكسي الوقف حلا للمواطنين الذين استحسنوا الفكرة من أول يوم.

أفكار جديدة

وعن تقييمه لمشروع "تاكسيات الوقف"، يقول الخبير سليم لعجايلية: إن المشروع خطوة لكبح جماح البطالة، على منوال تجربة "إنشاء مراحيض عامة" قبل سنتين، وما أفضت إليه من تشغيل 34 ألف شاب عاطل، ويضيف لعجايلية أن هناك ما لا يقل عن عشرين فكرة جديدة تخص استثمار أملاك وقفية تستطيع -بحسب تقديره- تشغيل قطاع معتبر من القوى المعطّلة التي تقدّر -بحسب بيانات رسمية- بنحو ثلاثة ملايين بطّال (عاطل).
ويحصي "الصديق يحياوي" المختص بالقطاع الوقفي، آلاف الأملاك الوقفية بين مساكن، ومحلات تجارية، وأراض زراعية، وعقارات صناعية، فضلا عن 15 ألف مسجد، وألفين و574 مدرسة قرآنية، وألفين و344 من الكتاتيب، بالإضافة إلى عدد هائل من الزوايا، وهو ما يمثل وعاء ضخما يمكن استثماره.

فرصة أعظم بالجامع الأعظم

الجامع الأعظم

وتسعى السلطات الجزائرية إلى استحداث مزيد من المشروعات الاستثمارية لحل مشكلة البطالة، وعلمت "إسلام أون لاين.نت" من مصدر مأذون أن الاتجاه في المرحلة القادمة سينصب على مشاريع الجامع الأعظم الجاري إنجازه، وهو عبارة عن مجمع ثقافي يضم 25 واجهة؛ حيث يضم دارا للقرآن، ومعهدا عاليا للدراسات الإسلامية يستوعب ثلاثة آلاف طالب، ومركزا ثقافيا وآخر صحيا، وعمارة للسكن وأخرى للخدمات الإدارية، إضافة إلى فندق من فئة الخمس نجوم، و3 مكتبات، وقاعة مسرح ومركز للعلوم، وسيحتوي على صالة مؤتمرات بسعة 1500 مقعد، ناهيك عن متحف للفنون والتاريخ، وصالات وفضاءات للإنترنت، فضلا عن حدائق ومطاعم وملاعب.
ويرتقب أن يوفر هذا المجمع الديني نحو ثلاثة آلاف منصب عمل دائم، بجانب الآلاف من فرص العمل المؤقتة (خلال فترة تشييده على مدار أربع سنوات).
وأظهرت بعض التحقيقات الميدانية انتشار البطالة بصورة خاصة في الأوساط الجامعية؛ حيث وصل عدد المتخرجين العاطلين إلى 430 ألفا، بمعدل 50 ألف بطال (عاطل) جديد سنويا، فيما أصبح القطاع الخاص في الجزائر يوفر 63.2% من الوظائف الإجمالية، مقابل 36.8% على مستوى القطاع العام.

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .