اوراق الظواهري السرية (2) ـ الظواهري يلوم أعضاء التنظيم على التبذير وشراء كومبيوترات جديدة ويفضل استخدام اسم الأستاذ
قيادي من «الجهاد» المصري ينتقد «المقاول» بن لادن وآخر يروج للاندماج في تنظيم «القاعدة»
السبـت 10 شـوال 1423 هـ 14 ديسمبر 2002 العدد 8782
محمد الشافعي
تعبر رسالة اخرى من وثائق ايمن الظواهري السرية على عمق الازمة الحقيقية التي عاشها قادة تنظيم «الجهاد» المصري عقب توقيع الظواهري على فتوى «الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى» في فبراير (شباط) .1998 وفي احدى الرسائل التي حملها وسيط لتوصيلها الى ابو محمد (ايمن الظواهري) يوجه احد قياديي تنظيم الجهاد انتقادات حادة لنائب الظاهري ابو السمح، ثروت صلاح شحاتة. وثروت شحاتة هو عضو مجلس شورى تنظيم «الجهاد» واسمه مدرج على قائمة الإرهاب الدولية وهارب من حكمين غيابيين بالاعدام في مصر، الأول في قضية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقي في 1994، والثاني في قضية «العائدون من ألبانيا» في .1999 وكاتب الرسالة السرية هو «ابو عبد الله» وهو مسؤول خلية جهادية تابعة لايمن الظواهري ، وفي الرسالة نوع من التمرد على تصرفات ابو السمح (ثروت صلاح شحاتة) وقيادي اخر اسمه سالم مرجان المسؤول الشرعي لـ«الجماعة» واسمه الحقيقى مرجان مصطفى محمد سالم الذي صدر ضده حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة بمصر في 1989 في القضية رقم 449/89 جنايات بني سويف.
وتعتقد مصادر اصولية بلندن ان كاتب الرسالة كان يتردد بين افغانستان واليمن، وهو من كبار المؤيدين للانضمام الى «القاعدة» ومن المباركين لفتوى «الجبهة العالمية» وعلى خلاف مستميت مع ثروت صلاح شحاتة.
وضمن الموقعين على الرسالة شخص كنيته فتحي وهو خبير كومبيوتر مصري اسمه سيد امام الشريف وهو المشرف على اصدار مطبوعات ونشرات جماعة «الجهاد» وسبق له رئاسة لجنة التنظيم بالجماعة. واسمه جاء مع اسماء كل من ابو السمح ومرجان واخرين في نشرة «حمراء» وزعها «الانتربول المصري» ضمن ملاحقة مصر للعناصر الهاربة من تنظيمي «الجهاد» و«الجماعة الاسلامية». ويعتقد ان احد الموقعين ايضا على تلك الرسالة هو عبد القادر محمود السيد وهو مسؤول تزوير المستندات والوثائق في جماعة «الجهاد»
* التبشير بالذوبان في «القاعدة»
* وتتطرق الرسالة الى ما تصفه بجانب محزن وهو الخلافات الحادة والفضائح التي وصلت الى طريق مسدود، وجانب اخر مبشر، وهو الاقتراب من «القاعدة» او «شركة المقاولات» وزعيمها اسامة بن لادن الذي تغير كثيرا. وهناك نقد مستتر «تحت الحزام» لابن لادن الذي كان قد وعد باشياء قديمة ولم ينفذها.
وتقول الرسالة ان الانضمام الى «القاعدة» «فرصة عظيمة يجب الا تعوض». وكاتب الرسالة يسوق الادلة حول عظيم الفائدة التي ستعود على تنظيم «الجهاد» المصري من الانضمام الى «الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى» والذوبان داخل صفوف «القاعدة». وينفي بشدة تغيير اولويات «الجهاد» والانزلاق وراء «المقاول» بن لادن.
ويعلق الاسلامي المصري هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» على مجموعة من تلك الرسائل بقوله انه من الواضح ان العلاقات بين «الجهاد» و«القاعدة»: «لم تكن سمنا على عسل» كما كان يتصور البعض، بل ان الذين وافقوا على الذوبان في «القاعدة» لم يتعدوا اصابع اليدين من المصريين.
ويتابع السباعي قائلا: اما الغالبية العظمى من قيادات الخارج في تنظيم الجهاد فقد كان حسها الامني اكثر رقيا، لانها لم تتخل عن مشروعها الاستراتيجي لـ«الجهاد» في مقاتلة العدو القريب من حكام المنطقة المرتدين بدلا من مقاتلة الكافر الاصلي من اليهود والاميركيين، وهي الشعارات التي رفعها تنظيم «القاعدة». وتؤكد الرسالة ان الانضمام الى «القاعدة» عمل مرجوح، بدلا من الجلوس بدون عمل، وتحرص الرسالة على نفي شبهة الانزلاق وراء المقاول «بن لادن». والتركيز على تربية الشباب اعلاميا وشرعيا وميدانيا بعد ان اوقفت «الجهاد» عملياتها العسكرية في مصر عام 1995، لعدم القدرة اي قبل صدور مبادرة وقف العنف لـ«الجماعة الاسلامية».
وكان استقرار الظواهري في افغانستان التي كانت تحكمها حركة طالبان اشارة لتغيير في الاستراتيجية والتفكير، قبل الاعلان عن انشاء «الجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين»، وكان تأسيس الجبهة تخليا ولو تكتيكيا عن مشروع الجهاد الداعي لتقويض الحكومة في مصر، ومن هنا اعتبر بعض اتباع الظواهري ان الاستراتيجية الجديدة غير حكيمة، لانها تقوم على مواجهة قوة عالمية كبري. وانتقد مسؤول تنظيم الجهاد في اليمن مااعتبره تخلي الظواهري عن واجباته تجاه مصر، كما اشار الى ان بن لادن له تاريخ اسود، وماض قاتم ولا يمكن الثقة به. وبعد الاعلان طالب عدد من الاتباع باجتماع طارئ لبحث الازمة في التنظيم وتم عقد الاجتماع في افغانستان، وتحدثت مصادر اصولية عن الجو المتوتر الذي ساد المؤتمر، والذي طغى عليها تهديدات الظواهري المتكررة بالاستقالة.
ويقول اصوليون في لندن ان قرار الظواهري التعاون مع بن لادن، كان بداية لصفحة جديدة من الاضطرابات داخل تنظيمه، حيث عانى تنظيمه في اليمن من الانشقافات والاستقالات، وتصاعدت محنة الظواهري بعمليات الملاحقة الاميركية ضد اتباعه في البانيا واذربيجان وبلغاريا حيث القي القبض عليهم ورحلوا الى مصر، وقدم هؤلاء المعتقلون معلومات هامة عن شيفرات واسماء التنظيم، كما قرر مسؤول التنظيم في لندن عباس (عادل عبد المجيد عبد الباري) المتهم في تفجير السفارتين الاميركيتين بافريقيا والمحتجز حاليا في احد السجون البريطانية خارج لندن الاستقالة من التنظيم وعانى الظواهري كذلك من مشاكل مالية، حيث تشير رسائله السرية الى هذا الهم، ففيها لوم لاعضاء التنظيم عن التبذير وشراء اجهزة كومبيوتر جديدة، وكان رد احدهم على سياسة التقشف التي يدعو اليها الظواهري الاستقالة كما تأثرت رواتب الكوادر من هذا الوضع، واقترض الظواهري من بن لادن وغيره من الاتباع الاغنياء لتغطية نفقات الحركة ولكن الاوضاع ادت به للاستقالة من مركزه كزعيم للتنظيم. ويقول احد المحسوبين على جماعة «الجهاد» لـ«الشرق الأوسط» انه بصدد تأليف كتاب جديد اسمه «الظواهري زاهدا» لان هذا الرجل غمط حقه من الناحية الانسانية، واشار الى ان الرجل في رحلة التنقل من اليمن الى السودان الى باكستان كان يعيش حياة متقشفة للغاية هو وعائلته واطفاله، وكان زاده صفائح الجبن، وان تيسر الحال صفائح العسل والحلاوة الطحينية.
وتقول الرسالة: لقد علمتم باخر الاوضاع عندنا وانا اعلم انكم كنتم تنتظرون منا اخبارا مبشرة، ولكن هذه هي الحقيقة التي نعيشها هنا، وهذه هي المأساة التي نعيشها منذ شهور طوال، والله الذي لا إله الا هو لقد نصحنا ابا السمح في شتى امور العمل والامور الشخصية وحذرناه ان تصرفاته ستقود الى ما لا يحمد عقباه، ولكن لم يستمع الى نصيحة احد، ما عدا سالم (سالم مرجان) الذي كان فعلا هو الرئيس الفعلي لـ«الشركة» (جماعة الجهاد). ونتيجة سياساته الخاطئة فقد زادت المشاكل الداخلية وساءت العلاقات الخارجية مع الشركات الاخرى (الحركات الجهادية في افغانستان)، ناهيكم من الفضائح التي تظهر من حين لاخر، الى ان وصل الامر بنا الى طريق مسدود، فاسقط في يد ابي السمح، في اشارة الى تنازله عن قيادة «الجهاد» خلال الفترة التي تنازل فيها الظواهري عن قيادة التنظيم ، وكان ابو السمح ومرجان اول من اقرا بالمدير الجديد، واكدا على الالتزام والسمع والطاعة، ثم كانا اول من لم يلتزما بما اكداه، بل تعداه ورفضا تسليم الامانات، مع ان الاستاذ قال لهم انهم في حاجة الى لهذه الاغراض لموضوع رياض (لم تعرف هويته).
وتتابع الرسالة: هذا هو الجانب المحزن عندنا، اما الجانب المبشر، فهو الاقتراب الكثير من «شركة المقاولات» (القاعدة)، والحمد لله فقد تغير الناس كثيرا، وقد فتح الله عليهم، ونحن وضعنا كما تعلمون، وقد عرضوا علينا اشياء طيبة كثيرة، واذا كان المقاول وعدنا قديما باشياء ولم ينفذها، فالان الرجل تغير، ونحن نلمس ذلك هنا، ثم اننا كنا سببا في تصرفاته القديمة، وفي المقابل يمدنا الرجل منذ امد بعيد بالكثير والكثير، وحتى وقتنا هذا فكل شيء نحن فيه تقريبا من الله ثم منه، ولكن نحن تعودنا ان نذكر السلبيات فقط، ولا نذكر الايجابيات، ورأيي الخالص انها فرصة عظيمة لنا، واصدقكم القول اني اشعر إن قدر الله ان كل هذه الاحداث المتتالية ستقودنا الى خير عظيم، ونحن كلنا مؤيدون لهذا المشروع، ونرى مع اوضاعنا انها ستكون المخرج، نسأل ان يوفقنا الى ما يحب ويرضى.
وتضيف الرسالة: قد يتبادر سؤال ان هناك اختلافاً في اشياء كثيرة، فكيف نتفق؟ اقول ان العرض الذي قدموه فيه ارضية مشتركة (بين القاعدة والجهاد)، وفيه اشياء كثيرة من صميم عملنا، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى، انه ما اسوأ ما يمكن حدوثه ان ترى عملاً في نظرك مرجوحاً، وترى هناك ما هو ارجح منه، وحتى اذا كان ذلك فهو خير مما نحن فيه، فخير للمرء ان يعمل عملا مرجوحا على ان يجلس بدون عمل، ولا يغرنكم الكلام باننا نغير وجهتنا وننزلق وراء المقاول (بن لادن) وهذا الكلام غير صحيح لان هناك عرضا طيبا.
ونحن بصراحة ليس لنا وجهة ولا عمل الا العمل في التربية، (اي تربية شباب الجهاد شرعيا واعلاميا وميدانيا)، والان فقط بدأنا التحرك بصورة صحيحة في موضوع المدرسة الجديدة (بن لادن)، الذي نصحنا فيه ابا السمح كثيرا، ولم يكن مقتنعا انه من اولويات العمل، وفي المقابل من ننتقدهم لا نستطيع ان نفعل عشر ما يفعلونه، ولا أدري هل ما زال جل عملنا في النقد، واريد ان اطلب منكم بعض الاشياء كم المبلغ الذي تسلمتموه من صاحبي؟
وتقول الرسالة: احمد (قيادي من الجهاد لم تعرف هويته) وافق على موضوع الزواج ويريد منكم التعجيل بالامر ومساعدته قدر الامكان، واذا كان هناك شيء من جانبنا نستطيع القيام به فاخبرونا. سلامي الى كل الاحباب عندكم (عبد الله).
اوراق «برق» وهي كنية لاسلامي مصري ارسلوها على صندوق البريد المرسل اليكم رجاء الرد سريعا على استفساراتنا، وكذلك الرد ضروري على رسالة الاستاذ نور (ايمن الظواهري) مع تشفير الملف، وارساله على عنوان المرسل اليكم.
* زنكي المثل الأعلى للظواهري
* لاحظت «الشرق الأوسط» ان زعيم تنظيم الجهاد المصري استخدم اكثر من كنية في التعامل مع اتباعه في الخارج سواء في اوروبا او اليمن او داخل مصر من خلال الرسائل الالكترونية المشفرة او التي كانت تصل مع وسطاء عبر اليد. والملاحظ انه كان يستخدم كنية الدكتور عبد المعز حينما تخاطب مع تنظيمات جهادية او اصولية مثل رسائله الى (ابو ياسر) رفاعي احمد طه المسؤول العسكري للجماعة الاسلامية المصرية يحثه فيها على رفض مبادرة وقف العنف التي اعلنها وتبناها منتصر الزيات محامي الاصوليين في مصر، وهناك رسالة وحيدة حملت توقيع الدكتور ايمن الظواهري وهي موجهة الى قيادات الخارج ويشرح فيها اسباب النكسة التي تعرضت لها قيادة الجهاد ويطالب في الوقت ذاته بالتصدي لمبادرة وقف العنف.
اما اكثر الرسائل والاوراق السرية فهي موقعة باسم الاستاذ نور. ووفقا لمصادر قريبة من جماعة الجهاد فان الاستاذ نور اختار هذا الاسم لنفسه لاعجابه الشديد بنور الدين زنكي نجل السلطان عماد الدين زنكي الذي خاض حربا شرسة ضد الصليبيين عام 1146 قبل ان يسترد اجزاء من الممالك المسلوبة على الحدود السورية.
ويقول الباحث الاسلامي الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» ان الظواهري لم يكن يقرض الشعر الكلاسيكي فقط ولكنه قارئ نهم للدراسات التاريخية وكان معجباً اشد الاعجاب بالسلطان نور الدين زنكي موحد مصر والشام والذي ارسل بن أخيه صلاح الدين الايوبي بعد ذلك لفتح مصر. ويضيف ان الظواهري كان يستذكر الدروس والعبر من حياة زنكي القائد العربي الذي قضى حياته يحارب الصليبيين بعد ان أسس أبوه عماد الدين دولة في الموصل ضمت جزيرة الفرات وحلب.
ويضيف الاسلامي المصري السباعي الصادر ضده حكم غيابي بالسجن المؤبد من محكمة هايكستب العسكرية بغرب القاهرة عام 1999 ان نور الدين محمود حقق حلم وأمنية آل زنكي في تطهير العالم الإسلامي من الصليبيين ولما مات فرحت كلاب الأعادي لكن سرعان ما أخذ الراية أسد آخر.. إنه صلاح الدين الأيوبي الذي كانت الثمرة على يديه في حطين.
وتقول المصادر المقربة من جماعة الجهاد ان الظواهري كان يوقع بعض الرسائل باسم ابو محمد اذا كانت الرسائل موجهة الى بعض اصدقائه المقربين من جماعة الجهاد طالما ان الرسالة شخصية ولا تتعلق بامور التنظيم ومعروف ان الابن الوحيد للظواهري اسمه محمد وقد قتل في الغارات الاميركية على افغانستان مع امهم عزة نوير. وتكشف الوثائق التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» حالة الغضب العارم التي انتابت زعيم الجهاد المصري بسبب المبادرة السلمية لوقف العنف التي اطلقها في يوليو (تموز) عام 1997 تنظيم الجماعة الاسلامية وصدور قرار من مجلس شورى التنظيم في مارس (اذار) عام 1999 بوقف شامل للعمليات العسكرية وتكشف بعض الرسائل محاولات بذلها الظواهري مع بعض قيادات الجماعة الاسلامية لحثهم ودفعهم عن التراجع عن تلك الخطوة.
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?i...;article=141392