منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > القسم العام > رحيق الحوار العام
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-02-2009, 11:48 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
شهيد فتح روما باذن الله
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


تراب غير متواجد حالياً


افتراضي الدليل العقلي

من كتاب "ركائز الإيمان" للأستاذ محمد قطب، وهو كتاب يتحدث عن أصول العقيدة الإسلامية بأسلوب فريد من نوعه:




الدليل العقلى


كما يخاطب القرآن الوجدان البشرى ليوقظه إلى حقيقة الألوهية، فإنه كذلك يخاطب العقل البشرى ليفكر ويتدبر، وينظر فى آيات الله فى الكون، ليعرف دلالتها. وإليك نماذج من الأسئلة التى ترد على العقل ليتفكر ويتدبر 0
1- هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير خالق؟
2- هل يمكن أن يدبر شئون هذا الكون الضخم إلا إله قادر عليم حكيم؟
3- هل يمكن أن يكون لهذا الإله شريك فى الملك أو شريك فى التدبير؟
4- هل آيات القدرة المبثوثة فى تضاعيف الكون تشير بأن هذا الإله يمكن أن يعجز عن أمر من أمور الخلق أو التدبير أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو البعث أو الجزاء؟
وتلك كلها أمور سبق للقرآن أن خاطب فيها الوجدان، ولكن القرآن يخاطب الإنسان كله: وجدانه وعقله. فكما عرض هذه الأمور كلها على الوجدان عرضاً مؤثراً ينتهى باقتناع الوجدان وإدراكه لحقيقة الألوهية، فكذلك يعرضها على العقل، يناقشه، ويوقظه للتفكير المنطقى السليم، الذى يؤدى فى النهاية إلى الغاية ذاتها، وهى إدراك حقيقة الألوهية، ومن ثم وجوب الإيمان بالله الواحد دون شريك0
والآيات التى تخاطب العقل وتدعوه إلى التأمل والتدبر كثيرة فى القرآن نجتزئ بذكر نماذج منها:
((وفى الأرض آيات للموقنين(10) وفى أنفسكم أفلا تبصرون)) (الذاريات : 20،21)0
ولو تأمل الإنسان بعقله الآيات المبثوثة فى الأرض، والآيات المبثوثة فى النفس لأصابه العجب والذهول لكل آية من هذه الآيات المعجزة، التى تنم كل منها على وجود الخالق سبحانه، وعلى قدرته المع=جزة التى لا تقف عند حد .
فالأرض جرم صغير بالنسبة للأجرام السماوية الضخمة التى يزخر بها هذا الكون، لا تعدو أن تكون كحبة الرمل بالنسبة للصحراء الواسعة التى لا يأتى البصر على آخرها. ومع ذلك ففيها – على ضآلتها- من آيات الله المعجزة ما يعجز الخيال عن تتبعه فضلاً عن إحصائه، وفيها من الخصائص التى أودعها الله بها ما تذهل له العقول.
فقد هيأها الله – وحدها فيما نعلم حتى اليوم من الأجرام الأخرى – بخاصية الحياة، وجعل لها من الظروف ما يجعل الحياة عليها ممكنة الوجود والاستمرار. فكتلتها محسوبة بحساب ربانى دقيق يجعل جاذبيتها تحتفظ حولها بغلاف جوى لا يتبدد، وفى هذا الغلاف يوجد الأكسجين المطلوب لتنفس الكائنات الحية، وبالقدر المطلوب لتنفس هذه الكائنات بلا زيادة فيه ولا نقصان؛ لأن الزيادة والنقصان كلتاهما ضارة بهذه الأحياء! وحرارتها محسوبة بذلك الحساب الربانى الدقيق، بالصورة التى تحتملها الكائنات الحية فلا تموت من شدتهات ولا من ضعفها! والأقوات فيها محسوبة بحيث تفى بحاجة تلك الكائنات من الغذاء مع توازن دقيق بين هذه الكائنات وبين أقواتها : ((والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شىء موزون)) (الحجر:19) ((وقدر فيها أقواتها))(فصلت:10)
وعلى ذلك التوازن فى الأرض بين الكائنات الحية والتوازن فى الأقوات، فقد ذكرت الأنباء أن الشيوعيين فى الصين سولت لهم أنفسهم الشريرة أن يقتلوا جميع العصافير الموجودة فى الصين بحجة أنها تأكل عشرة فى المائة من مجموع الغلال التى يزرعونها! فجندوا فى كل القرى والمدن فرقاً تتناوب الضرب على الدفوف وقطع الصفيح ليل نهار لمدة ثلاثة أيام، فكلما أرادت العصافير أن تأوى إلى عشوشها لتنام أوتستريح أزعجها الصوت فعادت إلى الطيران، حتى هلكت جميع العصافير من الجوع والعطش والتعب وعدم النوم. وفرح الشريرون بأنهم قضوا على تلك المخلوقات الصغيرة اللطيفة، واطمأنوا إلى أن المحصول سيصل إليهم كاملاً غير منقوص! ولكن الله كان لهم بالمرصاد! فإن الحشرات الضارة التى كانت تلك العصافير تأكلها فتمنع أذاها عن الزرع بحكمة الله وتدبيره، انتشرت فى الأرض بعد موت العصافير فأكلت خمسين فى المائة من المحصول! وهكذا حين أراد البشر الضالون أن يعبثوا بالتوازن الذى أوجده الله فى الأرض بحكمته أصابهم الجزاء الرادع من عند الله، وكانت هذه آية لهم لو كانوا يعتبرون!
وهكذا لو مضينا نتتبع آيات الله فى الأرض: فى الكبيرة والصغيرة، لوجدنا عجائب لا تنتهى. ((وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون))(الرعد : 4)
فالأرض فيها قطع متجاورات تختلف بنية كل منها عن الأخرى رغم تجاورها. بعضها ينبت الزرع وبعضها لا ينبته، وبعضها يصلح لأنواع معينة من الزرع دون غيرها.. وتلك وحدها عجيبة.
ثم إن الأرض الواحدة تنبت أنواعاً شتى من الزروع والنخيل والأعناب.. كلها يسقى بماء واحد، ولكن بعضها يختلف عن بعض. حتى النوع الواحد كالنخيل تخرج منه النخلة المفردة والنخلة المزدوجة … وتلك عجيبة أخرى0
ثم إن هذه الزروع مختلفة الطعوم والمذاقات، يفضل الناس فى طعامهم بعضاً منها على بعض.. وتلك عجيبة ثالثة 0
ثم إن الطعم الواحد قد يفضله إنسان ولا يفضله إنسان آخر حسب ذوقه الخاص المركب فى طبعه.. وتلك عجيبة رابعة.. وصدق الله العظيم: ((إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون)).
أما الآيات فى الأنفس فإنها أعجب! فالخلية الواحدة الملقحة التى يتكون منها الجنين تشتمل على كل خصائص الجنس البشرى وهى لا تكاد ترى! فينمو منها إنسان كامل فيه كل خصائص الإنسان!
ثم إنها تنقسم وتتخصص فى أثناء نمو الجنين، فيصبح جزء منها رأساً، وجزء آخر يداً، وجزء ثالث قدماً .. وهكذا 0
ثم إنها تحتوى كذلك على جزئيات تحمل الخصائص الوراثية التى يرثها الجنين من الأب والأم أو الأجداد. فقد يحمل الجنين صفة من الأب كلون الشعر مثلاً، وصفة من الأم كلون العينين، وصفة من أحد الجدود كالطول أو القصر أو شكل الأنف أو شكل الأذن.. بل الأعجب من ذلك وراثة الصفات النفسية والعقلية كالكرم أو البخل، والشجاعة أو الجبن، والذكاء أو الغباء، والميل إلى العلوم أو الميل إلى الآداب!
وهذه الصفات العقلية ذاتها.. ما هى؟ كيف توجد؟ وأين توجد؟ كيف يفكر العقل؟ كيف يتذكر الإنسان ما يتذكر؟
إن كل أبحاث العلم حتى هذه اللحظة قد عجزت عن أن تقول لنا كيف يفكر العقل وكيف يتذكر! وأين تكون الأفكار وأين تختزن المعلونمات وكيف يستدعيها الإنسان حين يريد استدعاءها، وكيف تخطر على باله أحياناً بغير استدعاء!
والصفات النفسية كذلك.. ما هى؟ كيف توجد؟ وأين توجد؟ كيف تتكون فى النفس صفة الكرم أو البخل أو الشجاعة أو الجبن؟ وفى أى مكان تكمن هذه الصفة فى الإنسان؟ فى جسمه؟ أين؟ فى مخه؟ أين؟ هل هى شىء معنوى أم مادى؟ وفى كلا الحالين كيف تؤثر فى تصرفات الإنسان وسلوكه؟
وأعجب من ذلك : كيف تورث؟!
ولو مضينا نتتبع خصائص الإنسان، وآيات الله فى الأنفس، لما أنتهينا من العجب لكل خصيصة وكل آية، ولأدركنا أن هذا كله لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه بهذه الدقة المذهلة. لابد له من موجد، ولابد أن يكون هذا الموجد حكيماً غاية الحكمة وقادراً إلى حد الإعجاز، وإلا ما استطاع أن ينشئ هذا الخلق الدقيق المعجز، الذى تحتوى كل جزئية منه على عجائب لا يحصرها العقل0
ومن أجل ذلك يقول الله بحق : (( وفى الأرض آيات للموقنين(20) وفى أنفسكم أفلا تبصرون))؟!
((أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون(21) لو كان فيهما ( )آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرض عما يصفون(22) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون(23) أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معى وذكر من قبلى بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون))(الأنبياء:21،24)0
فى هذه الآيات يخاطب القرآن العقل لكى يتدبر الأمر ويستخلص نتيجة منطقية لما يرى حوله من الآيات، ويطالبه أن يأتى بالبرهان على ما يدعى مخالفاً للحق الظاهر 0
فالحق الظاهر أن هذا الكون متناسق إلىأبعد ما يتصور العقل من التناسق: ((ما ترى فى خلق الرحمن منتفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور(3) ثم أرجع البصرت كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير))(الملك : 3،4).
فدورة الفلك المضبوطة التى لاتختل قيد شعرة فى هذا الكون العريض كله، ودورة الليل والنهار الناشئة من حركة الأفلاك، والتى تأتى فى موعدها المضبوط بالدقيقة والثانية وأجزاء الثانية على مدار الفصول وعلى مدار القرون والأجيال00
وخواص المادة التى أودعها الله فيها لا تخطئ مرة واحدة على مر الزمن ولا تختلف مرة عن مرة. فالحديد هو الحديد، والنحاس هو النحاس، والأكسجين هو الأكسجين، لا يتغير تركيبها ولا خواصها، ولا يتغير سلوكها إزاء ابلحرارة والبرودة أو إزاء الضغط أو فى تفاعلاتها الكيماوية مع غيرها من العناصر. لا يحدث مرة واحدة أن يتكون الماء إلا من ذرة من الأكسجين وذرتين من الأيدروجين. ولا يحدث مرة أن يسخن الحديد فلا يتمدد. ولا يحدث مرة أن يطرق النحاس فلا ينطرق0
والذرة التى هى أبسط التكوينات التى أمكن للعلم حتى اليوم أن يكشف عنها فى نظامها الدقيق العجيب المكون من نواة (هى البروتون)، وأجسام صغيرة غاية فى الدقة (هى الالكترونات)، تدور حولها فى نظام دقيق، متجاذبة معها ومتعادلة فى الشحنة الكهربائية فى وضع يشبه الشمس ومن حولها الكواكب0
والخلية الحية وسلوكها العجيب فى غذائها وإفرازها ونموها وتكاثرها .. والكائنات الحية وخصائصها التى تميز كل جنس منها عن الآخر، وتميز كل نوع من أنواع الجنس عن الآخر.. فللنبات عامة خصائصه، ولكل نوع من النبات خصائصه . وللحيوان خصائصه، ثم لكل نوع من أنواعه خصائصه0
ثم الإنسان أعقد الكائنات الحية وأرفعها … وكل جزء فى تكوينه عجيبة فى تناسقه وأداء وظيفته0
هل يمكن مع ذلك كله أن يكون فى السماوات والأرض إلا إله واحد مسيطر مدبر حكيم هو الله سبحانه وتعالى؟ ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا))0
أليس كل إله يخلق بمفرده كيف يشاء؟ فكيف يتطابق الخلق الصادر عن واحد من الآلهة مع الخلق الصادر عن إله غيره؟ كيف تكون الشجرة التى يخلقها واحد من الآلهة متطابقة تماماً فى كل أحوالها مع الشجرة التى يخلقها إله آخر؟ كيف يكون الماء الذى يخلقه أحد الآلهة هو الماء نفسه الذى يخلقه الإله الآخر من ذرة من الأكسجين وذرتين من الأيدروجين؟
كيف تنتظم دورة الفلك التى ينشئها إلاهان مختلفان، ويشرف على شئونها أكثر من إله؟
هل يمكن أن تنتظم إذا تعددت الإرادة التى تهيمن عليها والسلطان الذى يسيرها؟
ألا يحدث أن واحداً من الآلهة يريد الشمس أن تشرق من المشرق وآخر يريدها أن تشرق من المغرب! فكيف يصير الأمر ؟
ألا يحدث أن واحداً من الآلهة يريد للإنسان أن يستوى على قدميه ويسعى فى الأرض يبتغى الرزق ويعمر الأرض، وآخر يريد له أن يمشى على أربع كالحيوان، أو يبقى لاصقاً بالطين على ساق واحدة كالنبات؟ فكيف يصير الأمر؟
ألا يحدث أن واحداً من الآلهة يريد للحديد أن يكون صلباً تصنع منه الأدوات الصلبة التى تعين الإنسان على عمارة الأرض وتعينه على صنع السلاح الذى يقاتل به لإعلاء كلمة الله : ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزيز ))(الحديد: 25)0
بينما إله آخحر يريد أن يكون الحديد طرياً ليناً عديم الشكل؟ فكيف يصير الأمر؟
هل ينضبط شىء حينئذ فى الكون كله؟ وهل يستقيم الأمر؟ أم يصبح الكون فوضى، تتصادم فيه الأفلاك وتتعارض، وتتصادم فيه الإرادات المشرفة عليه وتتعارض، ويصبح كالعقد المنفرط لا يجمعه نظام؟
من أجل ذلك يخاطب القرآن العقل فيقول له : ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون))!
ثم يخاطبه مرة أخرى متحدياً بعد هذا البيان : ((أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم))!
نعم! فليبحث العقل عن برهان! إن الأمر ليس فوضى، يقول فيه القائل بهواه! بل لابد لكل قول من برهان. فهاتوا برهانكم! هل تستطيعون أن تبرهنوا – والكون بهذا الاتساق المعجز - أن هناك إرادة أخرى تسيطر على الكون غير إرادة الله؟
فإن عجز العقل عن البرهان – وهو لا محالة عاجز – ليتدبر أمره وليؤمن بالله الواحد الذى لا شريك له فى المالك ولا فى السلطان . ((ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون)) (المؤمنون : 91)0
فى مثل المناقشة العقلية التى ذكرناها فى الفقرة السابقة، يجرى السياق هنا مناقشة مع العقل البشرى، يقدم لها بمجموعة من الآيات يلفت فيها العقل إلىبعض الحقائق المسلمة التى لا يجادل فيها أحد، أو ينبغى ألا يجادل فيها :
(( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون(84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم(86) سيقولون الله قل أفلا تتقون(87) قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون(88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون(89) بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون(90) ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحانه الله عما يصفون))(المؤمنون : 84-91)0
فإذا سلم الإنسان ابتداء بأن الأرض ومن فيها من صنع الله وإنشائه وهو مالكها، وإذا سلم بأن السموات السبع هى لله، هو منشئها وهو ربها ورب العرش العظيم، وإذا سلم بأن ملكوت كل شىء لله، هو المدبر فيه وحده، وهو الذى يجير بقوته ولا يجار عليه؛ لأنه صاحب العظمة والسلطان.. بدهيات لا يملك عقل أن ينكرها، وإلا جابه هذا السؤال الوارد فى سورة الطور: ((أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون))(الطور:35) . وهو سؤال مسكت ملجم يتحدى كل منكر( )0
إذا سلم الإنسان بكل هذا فقد لزمه – منطقياً – أن يسلم بالنتيجة التى تؤدى إليها هذه المقدمات، وهى أنه إله واحد لا شريك له ولا يمكن أن يكون له شريك. لذلك يكرر السياق التذكير بعد كل مقدمة من المقدمات: ((أفلا تذكرون)) ؟ ((أفلا تتقون))؟ ((فأنى تسحرون))؟!
ولكن السياق لا يكتفى بالتذكير المصحوب بالتقريع؛ بل يمضى مع العقل البشرى خطوة أخرى فى المناقشة فيعرض أمامه هذه الحقيقة ليتدبرها :
لنفرض جدلاً أنه كان مع الله آلهة أخرى فكيف يكون الموقف؟
((إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض))0
فى الفقرة السابقة (رقم2) فى آية سورة ((الأنبياء)) كان يعرض أمر الفساد الذى كان لابد أن يحدث فى السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا))0
وما دام هذا الفساد غير حادث، والكون منضبط فى حركته كما نرى، فقد انتفى إذا وجود آلهة غير الله .
وفى هذه الآية من سورة ((المؤمنون)) يعرض الأمر من الوجهة الأخرى، وجهة الآلهة ذاتهم – لو أنهم أكثر من إله واحد – وما كان لابد أن يحدث بينهم من صراع ونزاع: ((إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض))0
فإذا كان كل إله خلق جزءاً من الخلق فهل يعقل أن يتنازل عن خلقه لإله آخر؟ أم المعقول والبدهى أن يتشبث بخلقه ويستحوذ عليهم ويحاول أن تكون له السيطرة عليهم وحده؟ وعندئذ ماذا يحدث؟! يحدث نزاع بين الآلهة المزعومة على السيطرة! هذا يريد أن يسيطر وهذا يريد أن يسيطر! كل منهم يريد أن تكون له وحده الكلمة النافذة فى الكون ويكون أمره هو المطاع! هذا يصدر أمراً ويطلب تنفيذه، وذاك يصدر أمراً مضاداً ويطلب تنفيذه. وكل يتشبث بكلمته زاعماً أنه هو الأعلى وهو الأحق بأن تسمع كلمته ويطاع!
فهل هذه الآله – المتوهمة- تستحق الاحترام وهى هكذا تتعامل مع بعضها البعض؟!
كلا ! ما كان حال الكون ليستقر لو أنها آلهة متعددة تتصارع فيما بينها وتتنازع. وما كان الكون ليبدو متناسق الصنعة متناسق التدبير 0
والعقل البشرى مكلف أن يفكر ويتدبر.. فما دام الإنسان قد سلم – أو ينبغى أن يسلم – بأن الأرض لله، والسماوات السبع لله، والملكوت لله، والتدبير لله. . فماذا بقى إذن من عمل تقوم به تلك الآلهة الأخرى المزعومة؟
وما دام الكون فى سيره لايبدو عليه الخلل والاضطراب، بل يظهر فيه الاتساق الكامل والانضباط، أفلا يدل ذلك على وحدة السيطرة التى تدبر شئونه وترعاه؟!
((قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون(59) أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أ إله مع الله بل هم قوم يعدلون (60) أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسى وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون(61) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلقاء الأرض أ إله مع الله قليلاً ما تنذكرون(62) أمن يهديكم فى ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته أ إله مع الله تعالى الله عما يشركون(63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين))(النمل:59-64)0
هنا فى الحقيقة خطاب للوجدان والعقل فى آن واحد. وقد أسلفنا القول إن القرآن كثيراً ما يقرن خطاب الوجدان مع خطاب العقل فى سياق واحد. ولكنا هنا سنركز تركيزاً أكبر على أدلة العقل وبراهينه، وفيما مضى من الحديث عن الوجدان فى الفصل السابق ما فيه الكفاية 0
يبدأ السياق بسؤال فى الآية الأولى بعد حمد الله والسلام على عباده الذين اصطفاهم بالنبوة والرسالة، وهذا السؤال يواجه الإنسان كله، وعقله بصفة خاصة: ((الله خير أما يشركون))0
والإجابة عن السؤال تقضتى الموازنة – إن كان هناك مجال للموازنة – بين الله سبحانه وتعالى وبين الآلهة المزعومة التى يعبدها بعض الناس مع الله أو من دون الله، ليتبين أيهما خير : آلله أم تلك الإلهة المدعاة؟
والسياق القرآنى يبادر العقل بما يعينه على معرفة الإجابة الصحيحة، إن كان – لسبب من الأسباب- يجهلها! فيقدم له أول المعينات فى صورة سؤال آخر لو اهتدى لإجابته – وهى بدهية فى الحقيقة – لا هتدى فى ذات الوقت لإجابة السؤال الأول الذى تصدر السياق، وهو قوله تعالى : ((آلله خير أما يشركون))؟
تسأل الآية الثانية فى السياق: من الذى خلق السموات والأرض؟ ومن الذى أنزل عليكم من السماء ماء فأنبت به حدائق بهيجة المنظر ما كان لكم أن تنبتوا شجرها لولا ما أنزل الله لكم من السماء من ماء، ولولا ما أودع فيها هى ذاتها من خاصية النمو حين ينزل عليها الماء؟
وقبل أن يجيب الإنسان الذى يوجه له ذلك السؤال، يبادره السياق بسؤال ثالث يحمل فى طياته فى الحقيقة إجابة السؤال السابق : يقول ((أإله مع الله))؟!
وهكذا يحاصره السياق حصاراً كاملاً بحيث لا يجد مفراً من الإجابة الوحدية التى يستقيم بها الأمر كله!
((أإله مع الله))؟ كلا!
وإذا فالسؤال السابق ليست له إلا إجابة واحدة كذلك: ((أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها))؟ هو الله!
وإذا فالسؤال الذى صدر به السياق قد تحددت إجابته على وجه التأكيد : ((آلله خير أما يشركون))؟ بل الله!
ولقد كان يكفى العقل والوجدان معاً هذه الجولة لتقر النفس بألوهية الله الواحد بلا شريك. ولكن الله العليم الخبير يعلم من أحوال النفس البشرية أنها تحتاج إلى التذكرة مرة ومرة ومرة. ومن ثم يبدأ السياق على النسق ذاته جولة ثانية وثالثة ورابعة .. وخامسة 0
((أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسى وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون))0
فإذا كانت الجولة الأولى مع خلق السماوات والأرض ومع الماء النازل من السماء إلى الأرض، ومع الحدائق النابتة من نزول الماء، فهذه الجولة كلها فى الأرض، تذكر جعل الأرض مستقراً للإنسان يجد فيها رزقه ومعاشه ومتاعه المقدر له إلى حين، وتذكر جعل الأنهار خلال هذه الأرض، ودجعل الرواسى لها لتكون سبباً فى استقرارها، وجعل الماء العذب الذى أعده الله لشرب الكائنات الحية محجوزاً عن الماء المالح الذى تعج به البحار والمحيطات… وكلها من آيات رحمة الله بالإنسان كما أنها من آيات قدرته. فمن غير هذا الإله القادر يستطيع أن ((يجعل)) كل هذه الأشياء على صورتها التى هى عليها؟ وعندئذ يجئ التعقيب فى مكانه: أإله مع الله؟ وإجابته قد تقررت منذ الجولة السابقة، ولكنه المزيد من التوكيد 0
منقوووول لفائدة






التوقيع

[B] لابد للأمة من ميلاد .... و لابد للميلاد من مخاض .... و لابد للمخاض من آلام [/B]

رد مع اقتباس
قديم 19-02-2009, 07:56 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


زهرة البنفسج غير متواجد حالياً


افتراضي

احسنت اخي تراب وجعله الله في موازين حسناتك







رد مع اقتباس
قديم 21-02-2009, 01:19 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
شهيد فتح روما باذن الله
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


تراب غير متواجد حالياً


افتراضي

رضي الله عنكم اختى الفاضله







التوقيع

[B] لابد للأمة من ميلاد .... و لابد للميلاد من مخاض .... و لابد للمخاض من آلام [/B]

رد مع اقتباس
قديم 21-02-2009, 04:45 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


حسن حسن غير متواجد حالياً


افتراضي

جزاك الله خيرا
اللهم صلِ على سيدنا محمد
عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح ،
عن أبي هريرة قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"أول ما خلق الله القلم ،ثم خلق النون ،وهي الدواة ،وذلك قوله :
{ن والقلم }،ثم قال :اكتب .قال :وما أكتب ؟ قال :
ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل ، أو أجل ، أو رزق ، أو أثر ،
فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم ختم على القلم فلم ينطق ،
ولا ينطق إلى يوم القيامة ، ثم خلق العقل فقال الجبار :
ما خلقت خلقا أعجب إلي منك ،وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ،
ولأنقصنك فيمن أبغضت ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته "
المسألة الثانية خلق الله القلم الأول ، فكتب ما يكون في الذكر ، ووضعه
عنده فوق عرشه ،
ثم خلق القلم الثاني ليُعلمَ بهِ من في الأرض في سورة :{إقرأ باسم ربك
الذي خلق }سورة العلق/1/
و أن أول أمر نزل من أوامر القرآن وأول كلمة من كلماته قوله تعالى :
"إقرأ باسم ربك الذي خلق "سورة العلق/1/وهذا يؤكد أن العلم أولاً ثم
العقل
فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مكانة العلم في الإسلام لا تدانيها
مكانة وقال الله أيضا في كتابه العزيز:
"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذ كر أولو الألباب "
الزمر/9/
وقال عز من قائل "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
"المجادلة/11/
"اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب،
وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"
اللهم إهدنا وعافنا وشافنا
اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك.







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
$$$ نكران الجميل $$$ أبومالك الانشاوي رحيق الحوار العام 4 04-11-2010 11:33 AM
هل يوجد بين تحالفنا الجميل مصمم محترف؟؟ khaledbelal تطوير المواقع والمنتديات والاستايلات ولغات البرمجة وإشهار المواقع ومحركات البحث 46 09-04-2010 08:21 PM
مع صاحب الصوت الجميل الشيخ محمد الليثى حــ العندليب ــوده القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 0 03-12-2009 06:22 PM
الدليل على ان السنة النبوية مكملة للقران مسلمة وافتخر القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 1 06-05-2009 08:49 PM
الدليل السياحي لجميع قصور أسبانيا الجميلة مجد الغد التاريخ العام والمخطوطات والكتب والصور التاريخية 5 31-03-2009 04:04 PM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة