مؤلفاته وآثار الصادق العلمية:
بالعطفِ على ما سبق من كثرةِ الكذبِ على الإمامِ الصادقِ رضي اللهُ عنه، فقد افتروا على الإمامِ كتباً ورسائل قالوا: إنها من تأليفِهِ، وهو باطلٌ، نص عليه أهلُ المعرفةِ بهِ، ومن جهةٍ أخرى لا بد من استصحابِ أن القرنَ الذي عاش فيه الإمامُ جعفرُ رضي اللهُ عنهُ (80 - 148 هـ) تميز بندرةِ التأليفِ، حتى لم يؤثر عن أهلهِ إلا أقوالٌ رويت عنهم، وهي متفرقةٌ لم تصل إلى حدِ التأليفِ وكثرةِ الكتبِ والرسائلِ.
والقاعدةُ في هذا وغيرهِ: أننا لا نقبلُ قولاً عن الصادقِ ولا غيرهِ من أئمةِ الدينِ ومن أقلُ منهم، إلا بالسندِ المتصلِ إليهم، المسلسلِ بالثقاتِ والمعروفين من النقلةِ، أو ما وافق الحقَ وشابههَ الدليل فيقبلُ منهُ، ولا يردُ والحالةُ هذهِ، وما سواهُ فلا يلتفتُ إليه أبداً.
ومن الكتبِ التي نص المحققون على أنها مكذوبةٌ عليهِ رحمهُ اللهُ:
1- نسبوا إليهِ كذباً كتابَ "رسائل إخوانِ الصفا"، وهو كتابٌ لم يؤلف إلا في القرنِ الثالثِ أيامَ دولةِ بني بويه.
2- كتابُ "الْجَفْر". وهو كتابُ تنبؤ بالحوادثِ، وعلمِ الغيبِ المستقبلي.
3- كتابُ "عِلمِ الْبِطَاقَةِ".
4- كتابُ " الْهَفْتِ ".
5- كتابُ " اخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ "، وهي الحركاتُ السفليةُ.
6- كتابُ " الْجَدَاوِلِ " أو " جدولِ الهلالِ ". وقد كذبهُ عليهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ أحدُ المشهورين بالكذبِ.
7- كتابُ "أحكامِ الرعودِ والبروقِ"، وحركات الأفلاكِ، وما يكونُ في العالمِ. كالذي قبلهُ.
8- كتابُ "منافعِ القرآنِ".
9- كتابُ "قراءةِ القرآنِ في المنامِ".
10- كتابُ "تفسيرِ القرآنِ". وكثيرٌ مما نقلهُ صاحبُ حقائقِ التفسيرِ - وهو أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي الصوفي - عن جعفر الصادق هو من الكذبِ.
11- كتابُ "الكلامِ على الحوادثِ"، وموضوعُهُ كتابُ "الْجَفْر".
12- كتابُ "تفسيرِ قراءةِ السورةِ في المنامِ.
13- كتابُ "قوسِ قزح". ويسمى قوسُ اللهِ.
هذا وإن كانت لهذهِ الكتبِ مخطوطاتٌ متفرقةٌ في ثنايا المكتباتِ كما حشدها بروكلمان وسزكين.
قلتُ: فإنه لا يغني عن اعتقادِ كذبها، حيثُ تكونُ كتبت على لسانِ جعفرٍ ونسبت إليه مِن أتباعهِ والغالين فيه، أو من الزنادقةِ والباطنيةِ 0
مع اعتبارِ أن أصحابَ المكتباتِ والمفهرسين ليس لديهم العنايةُ بتحقيقِ نسبةِ الكتبِ إلى مؤلفيها، وإنما ما ذكرهُ المترجمون، أو وجد مكتوباً على طرةِ المخطوطةِ منسوباً إلى رجلٍ نسبوهُ إليهِ وكفى.
وأيضاً يبرهنُ الرافضةُ على كثرةِ مؤلفاتِ الإمامِ الصادقِ بما جمعهُ أبو موسى جابرُ بنُ حيان الصوفي الطرطوسي الكيمائي الشهير (ت200 هـ) الفيلسوف المترجم.
فقد قالوا: إنهُ صحب جعفرَ الصادق، وكتب عنهُ رسائلهُ وعددها خمسمائة في ألفِ ورقةٍ كما ذكرهُ ابنُ خلكان0 وهو موضوعُ شكٍ كبيرٍ، لأن جابراً هذا متهمٌ في نفسهِ اتهاماً بليغاً، وفي دينهِ وأمانتهِ، وأيضاً في صحبتهِ للإمامِ الصادقِ المتوفى سنة (148 هـ)، إذ المشهورُ صحبتهُ لجعفرِ بنِ يحيى البرمكي لا لجعفرٍ الصادق، وهذا بالمدينةِ وذاك ببغداد، وأيضاً انشغالُ جابرٍ بعلومهِ الطبيعيةِ، ولعل هذا ما يفيدُ الربط بينهُ وبين جعفرٍ الصادق، الذي تنسبُ إليه تلك المؤلفاتُ والآراءُ في علومِ الطبيعةِ والفلكِ والكيمياءِ والجداولِ.
وعلى كلِ حالٍ؛ هذهِ الرسائلُ لا يمكننا اعتقادُ نسبتها إلى الإمامِ الصادقِ والحالةُ هذهِ([11])، ولو كانت صحيحةَ النسبةِ لتلقاها أبناؤُهُ وتلاميذُهُ عنهُ، وذاع انتشارها عن مثلهِ. كذلك بعد حصولِ هذا الكمِ من التأليفِ في أولِ القرنِ الثاني. إلى أمورٍ كثيرةٍ تَردُ في التشكيكِ بهذهِ النسبةِ.
مصادر ترجمته:
- تهذيبُ الكمالِ، للمزي (ص:202).
- تهذيبُ التهذيبِ لابنِ حجرٍ (2/103-105).
- تقريبُ التهذيبِ، لابنِ حجرٍ رقم (950).
- التاريخُ الكبيرُ، للإمامِ البخاري (2/198).
- التاريخُ الصغيرِ، للإمامِ البخاري (2/91).
- تاريخُ خليفة بنِ خياطٍ (ص:424).
- طبقاتُ خليفة بنِ خياطٍ (ص:269).
- تاريخُ ابنِ جريرٍ الطبري في حوادث سنةِ 145 هـ.
- تاريخُ ابنِ كثيرٍ، البداية والنهاية (10/108).
- تذكرةُ الحفاظِ، للذهبي (1/166).
- تذهيبُ التهذيبِ، للذهبي، عند اسمهِ جعفر بن محمد.
- خلاصةُ التذهيبِ، للزركشي (63).
- الجمعُ بين كتابي الكلاباذي والأصبهاني في رجالِ البخاري ومسلم (ص:70).
- حليةُ الأولياءِ، لأبي نعيمٍ (3/192-206).
- الجرحُ والتعديلُ، لابنِ أبي حاتمٍ (2/487).
- تاريخُ الإسلامِ، للذهبي (6/45).
- صفةُ الصفوةِ، لابنِ الجوزي (2/94).
- تاريخُ التراثِ العربي، لسزكين (3/276-273).
- طبقاتُ الحفاظِ، للسيوطي (ص:79).
- شذراتُ الذهبِ، لابنِ العمادِ الحنبلي (1/20).
- الكاملُ في التاريخِ، لابنِ الأثيرِ حوادث سنة (145 هـ).
- الكاملُ، لابنِ عدي (2/131-134).
- مشاهيرُ علماءِ الأمصارِ، لابنِ حبان (127).
- وفياتُ الأعيانِ، لابنِ خلكان (1/327-328).
- سيرُ أعلامِ النبلاءِ، للذهبي (6/255-270).
- طبقاتُ القراء،ِ لابنِ الجوزي (1/196).
- دولُ الإسلامِ، للذهبي (1/102).
- طبقاتُ علماءِ الحديثِ، لابنِ عبدِ الهادي رقم (152).
- الثقاتُ، للعجلي (ص:98).
- فرقُ الشيعةِ، للنوبختي (ص:55 – 66).
- المعارفُ، لابنِ قتيبةَ (ص:87 – 110).
- الأعلامُ، للزركلي (1/126).
- معجمُ المؤلفين، لكحالة (1/495).
- ميزانُ الاعتدالِ، للذهبي (1/414-415).
- ومواضعُ من منهاجِ السنةِ النبويةِ ومجموعِ الفتاوى ورد بعضها خلال الترجمةِ.
- الأنسابُ، للسمعاني (8/8).
- اللبابُ في تهذيبِ الأنسابِ، لابنِ الأثير (2/299).
- العبرُ في خبرِ من غبر، للذهبي (1/209).
- الإمامُ الصادقُ حياتهُ وعصرهُ وآراؤهُ وفقههُ، لمحمد أبي زهرة، وهو أوسعُ الدراساتِ المعاصرةِ.
- جعفرُ بنُ محمدٍ الصادق، لعبدِ العزيزِ الأهل.
- بروكلمان (1/181).
جزى اللهُ الشيخَ الفاضلَ علي الشبلُ خيرَ الجزاءِ على هذا الموجزِ الفارقِ من معالمِ ترجمةِ جعفرٍ الصادق رحمهُ اللهُ فقد أجاد وأفاد.
وما بقي إلا أن نضع المناظرة الشهيرة للإمام جعفر الصادق مع الرافضي التي أرفقها الشيخ في كتابه:
(مناظرة بين الإمام جعفر الصادق والرافضي).
هذه مناظرة بين الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه مع أحد الرافضة، وتوجد منها نسختان:
النسخة الأولى: نسخة تركيا في خزانة شهيد علي باشا بإستنبول ضمن مجموع رقمه (2764)، حوى عدة رسائل في العقيدة والحديث، وهذه الرسالة الحادية عشرة منه.
النسخة الثانية: نسخة الظاهرية وقد وقعت ضمن مجاميعها في المجموع رقم (111) وهي الرسالة التاسعة عشرة منه.
محقق الكتاب: علي بن عبد العزيز العلي آل شبل، الناشر: دار الوطن - السعودية - الرياض هاتف (4644659-4626124).
نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سعيد الأنصاري البخاري -قراءة عليه بمكة حرسها الله سنة (453هـ) قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن مسافر، قال: أخبرنا أبو بكر بن خلف بن عمر بن خلف الهمذاني، قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أزمة قال: حدثنا أبو الحسن بن علي الطنافسي قال: حدثنا خلف بن محمد القطواني قال: حدثنا علي بن صالح قال:
جاء رجل من الرافضة إلى جعفر بن محمد الصادق كرم الله وجهه، فقال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام.
فقال الرجل:
1- يا بن رسول الله من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال جعفر الصادق رحمة الله عليه: [[ أبو بكر الصديق رضي الله عنه ]].
2- قال: وما الحجة في ذلك؟
قال: قوله عز وجل: (( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ))[التوبة:40] فمن يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما؟ وهل يكون أحد أفضل من أبي بكر إلا النبي صلى الله عليه وسلم؟!
3- قال له الرافضي: فإن علي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم غير جزع ولا فزع.
فقال له جعفر: [[ وكذلك أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غير جزع ولا فزع ]].
4- قال له الرجل: فإن الله تعالى يقول بخلاف ما تقول!
قال له جعفر: وما قال؟
قال: قال الله تعالى: (( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ))[التوبة:40] فلم يكن ذلك الجزع خوفاً؟ (في نسخة الظاهرية \" أفلم يكن..\"
قال له جعفر: [[ لا! لأن الحزن غير الجزع والفزع، كان حزن أبي بكر أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدان بدين الله فكان حزن على دين الله وعلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن حزنه على نفسه كيف وقد ألسعته أكثر من مئة حريش فما قال: حس ولا ناف! ]].
5- قال الرافضي: فإن الله تعالى قال (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55] نزلت في علي بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { الحمد لله الذي جعلها في وفي أهل بيتي }.
قال له جعفر: [[ الآية التي قبلها في السورة أعظم منها، قال الله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ))[المائدة:54] وكان الارتداد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ارتدت العرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعت الكفار بنهاوند وقالوا: الرجل الذين كانوا يتنصرون به -يعنون النبي- قد مات، حتى قال عمر رضي الله عنه: اقبل منهم الصلاة، ودع لهم الزكاة، فقال: لو منعوني عقالاً مما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، ولو اجتمع علي عدد الحجر والمدر والشوك والشجر والجن ولإنس لقاتلتهم وحدي، وكانت هذه الآية أفضل لأبي بكر ]].
6- قال له الرافضي: فإن الله تعالى قال: (( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ))[البقرة:274] نزلت في علي عليه السلام، كان معه أربعة دنانير فأنفق ديناراً بالليل وديناراً بالنهار وديناراً سراً وديناراً علانية فنزلت فيه هذه الآية.
فقال له جعفر عليه السلام: [[ لأبي بكر رضي الله عنه أفضل من هذه في القرآن، قال الله تعالى: (( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ))[الليل:1] قسم الله، (( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ))[الليل:2-6] أبو بكر (( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ))[الليل:7] أبو بكر (( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ))[الليل:17] أبو بكر (( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ))[الليل:18] أبو بكر (( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ))[الليل:19-21] أبو بكر، أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً حتى تجلل بالعباء، فهبط جبريل عليه السلام فقال: الله العلي الأعلى يقرئك السلام، ويقول: اقرأ على أبي بكر مني السلام، وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا، أم ساخط؟ فقال: أسخط على ربي عز وجل؟! أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض. ووعده الله أن يرضيه ]].
7- قال الرافضي: فإن الله تعالى يقول: (( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ))[التوبة:19] نزلت في علي عليه السلام.
فقال له جعفر عليه السلام: [[ لأبي بكر مثلها في القرآن، قال الله تعالى: (( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ))[الحديد:10].
وكان أبو بكر أول من أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من قاتل، وأول من جاهد، وقد جاء المشركون فضربوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى دمي، وبلغ أبا بكر الخبر فأقبل يعدو في طرق مكة يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا أبا بكر فضربوه، حتى ما تبين أنفه من وجهه.
وكان أول من جاهد في الله، وأول من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أنفق ماله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نفعني { مال كمال أبي بكر } ]].
8- قال الرافضي: فإن علياً لم يشرك بالله طرفة عين.
قال له جعفر: [[ فإن الله أثنى على أبي بكر ثناءً يغني عن كل شيء، قال الله تعالى (( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ))[الزمر:33] محمد صلى الله عليه وسلم، (( وَصَدَّقَ بِهِ ))[الزمر:33] أبو بكر.
وكلهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت، فنزلت فيه هذه الآية: آية التصديق خاصة، فهو التقي النقي المرضي الرضي، العدل المعدل الوفي ]].
9- قال الرافضي: فإن حب علي فرض في كتاب الله؛ قال الله تعالى: (( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ))[الشورى:23].
قال جعفر: [[ لأبي بكر مثلها، قال الله تعالى: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10].
فأبو بكر هو السابق بالإيمان، فالاستغفار له واجب، ومحبته فرض، وبغضه كفر ]].
10- قال الرافضي: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما }.
قال له جعفر: لأبي بكر عند الله أفضل من ذلك؛ حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: { كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وليس عنده غيري، إذ طلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا علي! هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابهما -في الظاهرية: شبابهم- فيما مضى من سالف الدهر في الأولين، وما بقي في غابره من الآخرين، إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ما داما حيين. فما أخبرت به أحداً حتى ماتا }.
11- قال الرافضي: فأيهما أفضل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عائشة بنت أبي بكر؟
فقال جعفر: [[ بسم الله الرحمن الرحيم (( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ))[يس:1-2]، (( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ))[الزخرف:2].
فقال: أسألك أيهما أفضل فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أم عائشة بنت أبي بكر، تقرأ القرآن؟!
فقال له جعفر: عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في الجنة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة.
الطاعن على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنه الله، والباغض لابنة رسول الله خذله الله ]].
12- فقال الرافضي: عائشة قاتلت علياً، وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له جعفر: [[ نعم، ويلك قال الله تعالى (( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ))[الأحزاب:53] ]].
13- قال له الرافضي: توجد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في القرآن؟
قال له جعفر: [[ نعم، وفي التوراة والإنجيل قال الله تعالى (( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ))[الأنعام:165].
وقال تعالى: (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ))[النمل:62].
وقال تعالى: (( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ))[النور:55] ]].
14- قال الرافضي: يا بن رسول الله، فأين خلافتهم في التوراة والإنجيل؟
قال له جعفر: [[ (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ))[الفتح:29] أبو بكر، (( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ))[الفتح:29] عمر بن الخطاب، (( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ))[الفتح:29] عثمان بن عفان، (( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ))[الفتح:29] علي بن أبي طالب (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ))[الفتح:29] أصحاب محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، (( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ ))[الفتح:29] ]].
قال الرافضي: ما معنى في التوراة والإنجيل؟
قال له جعفر:[[ محمد رسول الله والخلفاء من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم لكزه في صدره وقال: ويلك! قال الله تعالى: (( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ))[الفتح:29] أبو بكر (( فَاسْتَغْلَظَ ))[الفتح:29] عمر (( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ))[الفتح:29] عثمان (( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ))[الفتح:29] علي بن أبي طالب (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ))[الفتح:29] أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، ويلك!، حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، ويعطيني الله من الكرامة ما لم يعط نبي قبلي، ثم ينادي منادٍ: قرّب الخلفاء من بعدك، فأقول: يا رب ومن الخلفاء؟ فيقول: عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق، فأول من ينشق عنه الأرض بعدي أبو بكر، فيوقف بين يدي الله، فيحاسب حساباً يسيراً، فيكسى حلتين خضراوتين ثم يوقف أمام العرش، ثم ينادي منادٍ: أين عمر بن الخطاب؟ فيجيء عمر وأوداجه تشخب دماً، فيقول: من فعل بك هذا؟ فيقول: عبد المغيرة بن شعبة، فيوقف بين يدي الله ويحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين، ويوقف أمام العرش.
ثم يؤتى عثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً، فيقال: من فعل بك هذا؟ فيقول: فلان بن فلان، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين، ثم يوقف أمام العرش.
ثم يدعى علي بن أبي طالب فيأتي وأوداجه تشخب دماً، فيقال: من فعل بك هذا؟ فيقول: عبد الرحمن بن ملجم، فيوقف بين يدي الله ويحاسب حساباً يسيراً ويكسى حلتين خضراوتين، ويوقف أمام العرش } ]].
قال الرجل: يا بن رسول الله، هذا في القرآن؟
قال: [[ نعم. قال الله تعالى: (( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ))[الزمر:69] أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، (( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ))[الزمر:69] ]].
فقال الرافضي: يا بن رسول الله، أيقبل الله توبتي مما كنت عليه من التفريق بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟
قال: [[ نعم، باب التوبة مفتوح، فأكثر من الاستغفار لهم. أما إنك لو مت وأنت مخالفهم مت على غير فطرة الإسلام، وكانت حسناتك مثل أعمال الكفار هباءً منثوراً ]].
فتاب الرجل ورجع عن مقالته وأناب.
([1]) المنهاج (4/108-110).
([2]) المنهاج (2/245).
([3]) الجرح (2/487).
([4]) ذكر ذلك في المنهاج (1/215)، و(2/386).
([5]) المنهاج (3/169).
([6]) من لوامع الأنوار (2/251).
([7]) المنهاج (2/368).
([8]) رجال الكشي (ص257-258)، وأعيان الشيعة للعاملين (13/231)، ورجال الطوسي (ص:159).
([9]) المنهاج (5/162).
([10]) انظر: نحوه في المجموع (11/581).
([11]) انظر: الأعلام للزركلي (2/103-104).