31-12-2008, 12:16 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
جهود الصحابة في الفتوحات الإسلامية
الحمد لله المتفضل على من شاء من عباده بما شاء من مِننِه وهباته، نظر إلى قلوب خلقه جميعاً، فلم يجد بعد الأنبياء أنقى ولا أطهر من قلوب الصحابة الكرام، فاختارهم وزراء لنبيه، وجعلهم حواريين لصفيه، بعد أن صنعهم على عينه، فكان منهم رجالاً من رجالات الحياة، وأكرم بحياة يكون هؤلاء رجالها! ألمْ تَرَ أنَّ الله ذلَّلَ بحرَه وأنزلَ بالكفارِ إحدَى الجَلائلِ دَعَوْنا إلى شقِّ البحارِ فَجاءنا بأعجب مِن فلقِ البحارِ الأَوائلِ هذا هو عُتبةُ الزاهد.. وهكذا فليكن القادة. ولهذا وقف التاريخ.. وقف وسجل بأحرف من نور همم هذه الفئة. وهنا يقف العقل والقلب ويسأل: كيف يمكننا أن نصير إلى ما صار إليه هؤلاء الأبطال؟!! أيها المسلمون! إن فتوحات الصحابة ما زالت شاهدة على حسن صنيعهم، فهاهي البصرة إسلامية وفارس كلها، وهاهي ذي منائر سجستان يرفع فيها الأذان.. كم لعاصم بن عمرو التميمي من فضل يوم أن كان سبباً في إدخال الإسلام على أهل تلك البلاد إلى اليوم! كم لعبد الله بن أبي السرح فاتح إفريقية من الأجر، فرضي الله عن فاتح إفريقية سهلها وجبلها كم أوقع في أهل الشرك والكفر والإلحاد. وليس هذا فحسب، وليست إفريقية وحدها شاهدة لهم وله على ذلك؛ بل فتح قُبرصَ وغيرها، وهذه الفتوحات ليست فقط مفاخر للذين باشروا القتال بسيوفهم؛ بل دليل على كمال القادة أيضاً، فاكتمل بذلك صلاح الراعي والرَّعية. واسمع كيف مات قائدهم رضي الله عنه، مات وهو يصلي، وكان يدعو فيقول: (اللهم اجعل خاتمتي على صلاة الصبح). وهذا عمرو بن العاص رضي الله عنه مكَّنه الله من فتح مصر وليبيا، وتممها من بعد ذلك تلميذه التابعي عقبة بن نافع القائد الصالح المجاب الدعوة. يا عبدَ الله! هذا أبو بكر يطارد فلول المرتدين، وعلي بن أبي طالب يحارب المتأولين والمارقين من الخوراج، والحسن يصلح بين المسلمين، وعمر بن الخطاب يقوم بفتح فلسطين، وخالد بن الوليد قائد المجاهدين، وعلى يديه تدفع أول جزية بالشام في عهد الصديق، والسؤال مرة أخرى: أين أنت من الإسلام والمسلمين؟!! أيها الناس! لو قمت بعرض معارك رجل من رجال الصحابة لما وسعني الوقت؛ لكن بالمثال يتضح المقال. فهذا خالد بن الوليد يقوم بهدم العُزَّى إله قريش، ويأسر أُكَيْدِر صاحبَ دومَةِ الجنْدَل، ويقوم بمطاردة المرتدين، ويغزو اليمامة، ويهزم الفرس، ويجاهد في الأَنبار، ويختطف قائد النصارى، ويشرب السم باسم الله فلا يضره شيء، ويهزم الفرس والروم ونصارى العرب في معركة واحدة. أخي المسلم! إن الفتوحات لم تقتصر على الخلفاء والأمراء والقادة فقط، فالتاريخ لم يبخل علينا بشيء حتى في سيرة الجنود؛ وقد كتب لنا المعارك مفصلة؛ بل إن الفتح لم يكن مقصوراً على من كان صحيح البدن، قوي النظر، فهذا الصحابي الجليل مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بنُ أم مَكْتوم الأعمى، يأبى إلا أن يشارك في معركة القادسية، ويقول: (ادفعوا إلي اللواء؛ فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين). لله درُّك يا مؤذنَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تشهد الوغى والرماح، ووقع الأسنة، وتمسك بالراية وأنت أعمى! من أي طينة طاهرة كنتم؟ وبأي أرحامٍ حُملتم؟ ومن أي الأصلاب خرجتم؟ لكأنكم أتيتم إلينا من عوالم عُلوية! لا.. إنما هي الحياة الصادقة في ظل العقيدة الإسلامية. ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. : الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والوفاء.. وبعد: فإن سير الفاتحين والمجاهدين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست بقليلة، وقد ذكرنا بعضها، والآن نذكر طرفاً آخر من حياتهم؛ علّها تجد فينا من يجدد إيمانه، ويُخلص في عمله، ويصدق في قوله، ويعتز بدينه، لتكون نبراساً وطريقاً نمشي عليها. عباد الله! إن الصحابة جمعوا بين العلم والعمل، فهذا خالد يجاهد، ويفتح الأمصار، فيقوم من بعده أبو هريرة رضي الله عنه يُعلِّمُ الناس الفقه، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعلمهم القرآن، وابن عباس رضي الله عنه يفسر القرآن، ويعلمهم تأويله، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه لا يألو جهداً في تبليغ الناس العلم، وهكذا... فما كان الصحابة يفتحون مصراً من الأمصار، حتى كان علماء الصحابة يقومون بتعليم الناس، فلا تعجب فحياة الصحابة كلها أعاجيب!! وبعد هذه الجولة القصيرة في حياة الصحابة، ما هي المواقف والعبر المستفادة من تاريخ تلك الحِقبة التي هي أشبه ما تكون بالخيال؟ أيها الناس! إن العز والتمكين لا يكون لهذه الأمة إلا برجال مخلصين، ولا يكون ذلك إلا بإيمان صادق بأن النصر والتمكين لهذه الأمة المسلمة لن يكون إلا بالجد والعمل، وبذل الأسباب الشرعية ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)) [النور:55]. أيها الناس! إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، فماذا بذلنا نحن؟ هل أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر ولو في أنفسنا وأهلينا؟ هل حافظنا على عباداتنا من صلاة وصيام وزكاة وقيام وصلة رحم... وأديناها كما أمر الله تعالى؟ أيها المسلم! إن من يشكِّك في فضل الصحابة، وهم أناس قد حَطُّوا رحالهم في الجنة من سنين، حقيقٌ بأن يُهزمَ ويُغَلب؛ لأننا نعلم من كل حادثة ومعركة وموقف للصحابة رضوان الله عليهم إيمانَهم وصدقَهم ونصحَهم. لقد رأينا حرص الصحابة على نشر الدين وتعليم المسلمين، فما وهنوا؛ بل سابقوا إلى الخيرات، فذاك يجاهد بسيفه، وهذا بقلمه، والآخر بلسانه، والرابع يدير سياسة الأمة، فلم يكن أحدٌ منهم يحرص على الاشتغال بالأموال؛ لأنهم قد علموا أن الدنيا دارُ فناء، وكل شيء فيها فانٍ، وهو إلى زوال، وأن الآخرة هي دار القرار. ويوضح ذلك صنيع أبي أيوب الأنصاري، فبعد أن جهَّز معاويةُ بن أبي سفيان جيشاً يغزو القسطنطينية، وأرسلهم إليها، وكان في الجيش من فضلاء الصحابة؛ ومنهم أبو أيوب الأنصاري، والحسين بن علي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم رضي الله عنهم.. فكان مما جرى في هذه المعركة ما أخرجه الإمامان أبو داود والترمذي من حديث أسْلمَ التجِيبِي قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله يُلقي بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: (إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لمّا نصر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر الإسلام، قلنا: هَلُمَّ نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: ((وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)) [البقرة:195] فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد([1]). قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. أيها المسلمون! هذا هو الجيش الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)، أخرجه الإمام البخاري في صحيحه. أما أبطال آل البيت ففضلهم في الدفاع عن الدين وقتال المشركين أكثر من أن يُحصر، وأشهر من أن يُذكر، فحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله نصر الله به الإسلام في بدرٍ وأحد، وأبلى بلاءً حسناً حتى قتل شهيداً بعد أن أثخن في الكافرين، وهذا علي بن أبي طالب حامل لواء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معاركه، وفارس الميدان في أكثر غزواته، أرهب الله به المشركين في غزوة الأحزاب، وفتح الله على يديه حصن خيبر، وهذا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أحد أمراء المسلمين في معركة مؤتة العظيمة، قاتل الكفار حتى قطعت كلتا يديه فاحتضن الراية بصدره، ثم استشهد وأبدله الله بيديه بجناحين يطير بهما في الجنة. هذه نماذج من جهود آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في العمل لهذا الدين، فهلَّا جعلناهم لنا أسوةً في أقوالهم وأعمالهم وبذلهم وتضحياتهم!! فَتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مِثلَهم إنَّ التشبـــه بالكرامِ فلاحُ اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم. اللهم إنا نشهدك أننا نحبك، ونحب نبيك، وأصحاب نبيك، وأهل بيت نبيك، اللهم فاحشرنا معهم يا رب العالمين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنَّا سيئها إلا أنت. عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. ([1]) الصحيحة رقم: (13). |
|||
04-01-2009, 01:37 AM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
|
|||
04-01-2009, 01:05 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
بَأَرََكَ الله فيك وجَزَّاك خَيَّرَا |
|||
04-01-2009, 03:35 PM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
جزاك الله الف خيير |
|||
04-01-2009, 06:57 PM | رقم المشاركة : 5 | |||
|
بارك الله فيك ..واشكرك أحسن الله إليك , ورزقك حسن الخاتمة أسال الله ان يجعل لكم في الجنة سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وان يجعل لكم فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة |
|||
05-01-2009, 02:07 AM | رقم المشاركة : 6 | |||||
|
بوركت اخيه ولولا جهود الصحابه رضوان ربي عليهم لما وصل لنا الاسلام في عقر بلادنا واننا على عهدهم ماضون في حمل رايه الاسلام لنكمل المسير بعد ان يمن الله علينا بدوله خلافه ثانيه راشدة على منهاج النبوة ونحمل الاسلام كما حمله الصحابه رايه هدى الى العالم نخرجهم من من جور الاديان الى عدل الاسلام وما زلك على الله بعزيز
|
|||||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق (2) | بنت الفاروق | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 2 | 05-11-2014 03:43 AM |
وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق (1) | بنت الفاروق | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 5 | 02-12-2010 01:01 PM |
وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق (4) | بنت الفاروق | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 5 | 18-05-2010 02:39 PM |
وقفات مع الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق (3) | بنت الفاروق | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 0 | 13-05-2010 06:17 AM |
التأثير النفسي و العدالة الإسلامية في الفتوحات وخاصة بلاد الأندلس | حاطب ليل | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 1 | 10-02-2009 01:56 AM |
|