منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > عقيدة أهل السنة والجماعة
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2008, 05:48 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي نشأة العلمانية وحكم معتنقيها (1-2)

نشأة العلمانية وحكم معتنقيها (1-2)كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد عرفت أوروبا الظلم على يد الكنيسة لاسيما في العصور الوسطى، حيث طغى رجال الكنيسة وتدخلوا في شئون المجتمعات، وسيطروا على رجال الحكم، وأرادوا السيطرة حتى على حقائق العلم، فنفوا منها ما خالف تصوراتهم وتفسيراتهم، وما زعموا أنه يخالف ما بأيديهم من الكتب المحرفة، وأتبعوا ذلك بما عرف بمحاكم التفتيش، حيث أخذوا الناس بالشبهات، وانتزعوا اعترافاتهم تحت وطأة التعذيب، وأقيمت مذابح دموية قتل فيها النساء والرجال بالآلاف بتهم الهرطقة وغيرها.
ومما يذكر من آلات التعذيب آلاتُ كسر العظام، وتقطيع الأطراف، وانتزاع أثداء النساء، وخلع الأظفار، والحبس للبعض نائمين وآخرين مقرفصين، وكلاليب التعليق وقطع الألسنة.
يتخرج بعد ذلك من ابتـُلي بهذا كبقايا إنسان وحطام جسد، أما من أرادوا عقابه بالقتل فإنهم يتفننون في ذلك، فبعضهم يتركونه ليعانق صورة امرأة في تابوت يطلقون عليها (العروس)، ثم يغلقون عليه باباً يبرز منه خناجر تمزقه إرباً في الداخل، وبعضهم يعاقبونه بالحرق حتى الموت، وحدث ذلك للعلماء.
ولئن كان هذا فعلوه مع أبناء ديانتهم، فكيف كان فعلهم مع المسلمين في الأندلس مثلاً!!
وقد صاحب هذا فسادٌ في أحوالهم الدينية، فصكوا صكوك الغفران، وباعوها وكثَّروا الذهب والفضة، واستباحوا أعراض النساء.
وكل هذه الممارسات كان يُضفىَ عليها قداسة يستمدونها -بزعمهم- من كونهم خلفاء الله في أرضه، وأنه حلَّت فيهم بركته، وأنهم الواسطة بين الخلق والخالق، فلا تقبل عبادة العباد إلا من خلالهم.
ورويداً رويداً بدا التململ، ثم التذمر الذي انتهى بالثورة، والتي من أبرزها الثورة الفرنسية التي آلت على نفسها محاربة المَلَكِيَّة وتسلط القساوسة معاً بتطرف يلخصه شعارُها (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)!!
وحصر ذلك التغلب الكنسي؛ وقاموا بفرض حصار على الدين في شعائر تعبدية فقط لا علاقة لها بالحياة، ولم يكن اليهود من تلك الثورة ببعيد، ومن ثم فقد تحررت -في نظرهم- حياتهم من السيطرة الكنسية لتقع في براثن الأفكار والفلسفات المتلاطمة، والتي لا مرجع لها في الحقيقة إلا للعقل، وهو يتفاوت بالطبع بين شخص وآخر، وبين مفكر وآخر، وبين بيئة فكرية وأخرى.
وليس للقوم ضابط شرعي كمثل تراث أمة الإسلام العظيم الذي يمثل المرجعية للفكر الإسلامي، ولكن الحال آل إلى وضعٍ أفضل مما كان على العموم في ظنهم.
وبدت نهضة عملية آزرت طموحاً متنامياً يسعى لاهتبال لذات الحياة؛ إذ الصلة منقطعة بأي دين أو وازع ضمير، مما أدى إلى الطمع في خيرات الشعوب الأخرى ومن ثم لاحتلالها كما مر بنا. ليبدأ مسلسل جديد من الظلم والفساد غير المنضبط أيضاً بأي دين.
فبعد امتصاص خيرات الشعوب بدءوا باختيار خلفاء لهم بثوهم في كل مكان؛ ليراعوا مصالحهم، وليضمنوا التبعية الدائمة لهم، وليعمل هؤلاء على وأد كل منهج وفكر يخالف منهج السادة؛ ولتعمل سفاراتهم كذلك كمراكز تجسس، وانتقاء عملاء، وتوزيع أدوار، وليبقوا هم خلف ستار مزعوم من الحرية وعدم التدخل في شئون الآخرين، وكل ذلك بسبب تلك (العلمانية) التي أقصت الدين المحرَّف ومعه كل قيم حقيقية من آثار دين الحق.
أما نحن فلو أنصفنا لعلمنا أن مشكلاتنا في بلاد الإسلام تعود -في كثير من الأحيان- إلى تبنِّي الغرب وأذيالهم في بلادنا لتلك العلمانية.
والسؤال الذي يطرحه هؤلاء الآن: إن كان نبذ الدين، وتحجيم دور الكنيسة أدى إلى ذلك التقدم والرقي في البلاد الغربية، فلمَ لا نفعل مثل ما فعلوا؛ ليكون لنا تقدم كتقدمهم ورقي كرقيهم؟
والإجابة: ليس في الإسلام أيُ شَبَهٍ بوضعية الكنسية، ولا علماء الإسلام يشبهون رجال الكنيسة في شيء، وإنما العكس هو الصحيح؛ إذ الإسلام حالَ تطبيقِهِ يرفع شأن الأمة، ويُعلي قدرها؛ ففي الإسلام يحق لمن ترقى في العلم أن يبرز بين العلماء، وأن يُفتِي، وأن يجتهد اجتهاداً، وإن أخطأ فيه لا يلزم الأمة ولا غيره من العلماء، وإنما التفاضل بين الناس بالتقوى، وليس لأحد الادعاء بقدسية آرائه كمثل إدعاء اليهود والنصارى الذين قال -تعالى- فيهم (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)(التوبة:31).
وتلك كلماتُ الصِّديقِ شاهدةٌ: "إني وُليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن رأيتم خيراً فأعينوني، وإن وجدتم شراً فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".
ومن أمثلة ذلك أيضاً:
- رفضُ الإمامِ مالكٍ اقتراحَ الخليفة بحمل الناس على كتابه الموطأ وحرق أو إهمال غيره من الكتب. فقال: "لا تفعل فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تفرقوا في الأمصار، ونقل عنهم غيرهم..."
- إلى مثل ذلك تشير مقولة البخاري: "ليس كل صحيح عندي أوْدَعْته هذا الكتاب، ولكن وضعت فيه ما أجمعوا عليه". فلم يدَّعِ احتكارَ الحديث الصحيح بحيث يكون ما أخرجه غيره ليس صحيح".
- أما الإمام أحمد فقد ضرب مثلاً رائعاً في العفو عن أهل البدع الذين آذوه وأساءوا إليه في فتنة القول بخلق القرآن، حيث راودوه عن قوله فأبى، وثبت، وانتصر لعقيدة أهل السنة، ومع ذلك لم يكفـِّرْهم، ودعا للخليفة وعفا عمن آذوه.
يقول ابن تيمية -رحمه الله- (مجموع الفتاوى جزء5): ثم إن الإمام أحمد -رحمه الله- دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحسبه، واستغفر لهم، وحلَّلَهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع. وهذه الأقوال منه ومن غيره ومن الأئمة: صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين ومن الجهة الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، إن الله لا يرى في الآخرة..).
فتراث الإسلام -من نصوص شرعية وتاريخ- شاهد يعطينا المثال واضحاً بأن الأمة لم تعاني أبداً من تلك المشكلة التي عانى منها الغرب ألا وهي: الحكمُ بالحقِّ الإلهي.
ويمضى تاريخ الأمة على ذلك النحو إلى يومنا هذا: ليس لأحد الإدعاء بأن قوله هو بذاته الحق، وأن ما يلفظه من قول أو يراه من رأي هو حكم الله.
وهذا بالطبع لا يدخل فيه نقل إجماع الأمة على لسان أحد العلماء، فعندئذ لا يجوز لمسلم الخروج عن هذا القول، ليس اتباعاً لإنسان بعينه، بل اتباعاً للشرع المنزَّل الذي لا تجوز مخالفته، وقد قال -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)(النساء:115).
فلا يجوز لمسلم الخروج على النصوص القطعية، ولا يحل له كذلك مخالفة إجماع الأمة "سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ" المذكور في الآية.







رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 05:49 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي

العلمانية لعقيدة المسلمين (2-2)كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالعلمانية فكرة نشأت في غير ديارنا، وسببُها الظلم والتسلط، والانحراف الذي ابتلي به الغرب بسبب سلوك الكنيسة وتحريفها لدين الله، وبسبب ما يُسمى بقرارات المجامع الكنسية التي أفسدت دينهم بدأً من ادعاء ألوهية المسيح، وانتهاء بتبرئة اليهود من دمه المزعوم!
وهو ما لم تمر به الأمة الإسلامية لا في الانحراف ولا في التسلط، لكننا ابتلينا بتسلط فرضه الغرب بقوة السلاح، أو بدهاء المحتل وبغزوه الفكري، فوجدنا من يروِّج لتلك العلمانية في بلادنا، ومن يراها الحل لمشاكلنا والمنهج لحياتنا؛ فيقطعون صلتنا بديننا الذي هو عصمة أمرنا، وحبل الله لنا الذي من تركه هوى، ومن حاد عنه ضل.
لذا فقد رأيت بإيجاز أن أذكر بعض المخالفات العقدية للفكر العلماني القائم على فصل الدين عن الحياة، ومن ذلك:
أ- مخالفة العلمانية لربوبية الله -تعالى-:
من معاني كلمة (رب) السيادة والملك، ومن تمام الملك أن ينفذ حكم (الملك) فيما يملك قال -تعالى-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الفاتحة:1) أي سيد العالمين ومالكهم وخالقهم ورازقهم، ويقول -تعالى- بعد وصفه ليوم القيامة: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)(غافر:16).
وكما أن لله -تعالى- الخلق، فلا ينازعه في ذلك أحد بإدعاء الخلق، فإن له كذلك الأمر قال -تعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف:54)، فلِلَّهِ الأمرُ أي الحُكم، كما أن لله الخلق.
والأمر في الشرع يأتي بمعنيين:
1- أمر في تدبير الخلق ورزقهم: وهذا لا ينازع الله فيه أحد كمثل ما قال -تعالى-: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(السجدة:5)
وكمثل ما قال -تعالى-: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ)(مريم:64) حكاية من الملائكة، وكمثل قول -تعالى-: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا)(الأحزاب:37)، (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)(الأحزاب:38).
كمثل قوله -تعالى-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يس:82)، وكمثل قوله -تعالى- في حفظه للبشر: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)(الرعد:11)، أي بأمر الله.
2- الأمر الشرعي: أي ما يأمر الله به عبادة من الحلال والحرام، وسائر الشرائع، وذاك الذي تنازع فيه العلمانية، وكل من اتخذ إلهاً يعبده من دون الله؛ لذا فقد قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ . إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)(هود:96-97)، فنازع فرعونُ في الحكم الشرعي، وما أتاهم بأمر رشيد.
وكمثل ما حكى الله -تعالى- في القرآن عن قوم صالح: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ)(الأعراف:77).
وكمثل ما كره المنافقون التكاليف الشرعية: (حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ)(التوبة:48).
وقد قال -تعالى- عن اليهود والنصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)(التوبة:31). وجاء عدي بن حاتم -وكان نصرانياً-، وقال: يا رسول الله: إنا لسنا نعبدهم. فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ)رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وما أشبه الليلة بالبارحة! فكما كره هؤلاء التزامَ حكمِ الله، وامتثالَ أوامرِه، وبدلوها واتبعوا بذلك أهواءهم وما تشتهى أنفسهم؛ جَرْياً وراء مصالحهم ومُجاراة لنُظُمِهم؛ فإن العلمانية وأتباعها يفعلون الشيء نفسه.
فإذا جاءهم أمر الله وقيل لهم: (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ . الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)(الشعراء:151-152)، فإنهم ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، ويتبعون نِتاجَ عقول تختلف فيه الآراء، وتتباين فيه الأفهام، وتتضارب مصالح واضعي القوانين مع مصالح مستخدميه.
يتركون خطابَ الله لخطاب مخلوقاته ولقول القائل: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)(غافر:29)، بل ويتبجحون بأن ما صاغوه لأنفسهم هو الحضارة والمدنية، وأن المؤسسات القائمة على تجاهل حكم الله هي مؤسسات (المجتمع المدني).
وفى المقابل فإن حكم الله تخلف ورجعية وأصولية، ويصمونه (بالثيوقراطية)، وحكم الحق الإلهي، أو الحكم الديني، بنفس المصطلحات التي تداولها قبلهم علمانيو الغرب، واصفين أحوال أحبارهم ورهبانهم الذين أذاقوهم ويلات التسلط باسم الدين، متناسين أو ناسين أن ليس للإسلام من ذلك من شيء.
فالإسلام يوجب على المسلم تحقيق توحيد الربوبية للذي قال له (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف:54)، فيعلم أنه يجب عليه الإيمان بالله من أمر كوني تدبيري، وما له -تعالى- من أمر شرعي، فيكون بذلك قد أتى بالإيمان بربوبية الله على وجهها الصحيح (بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا)(الرعد:31)، (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون)(الجاثية:18).
ب- مخالفة العلمانية لمفهوم ألوهية الله:
فمعنى الإله: المعبود.
والألوهية: العبودية.
قد جاء الأنبياء جميعاً لأقوامهم بقول واحد: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف:85)، وقال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)(البينة:5).
وفى الحديث المتفق عليه من معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِى حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)متفق عليه.
فالعبادة هي حق الله على خلقه، والمطلوبُ فيها أن يؤدي العبد ما أمره الله -تعالى- مستحضراً كمال الحب مع كمال الذل والخضوع لله.
فيؤدي الشعائر التعبدية من الصلاة والصيام والزكاة والحج والدعاء والنذر وغير ذلك لله -تعالى-، كمثل ما أمر الله من غير زيادة ولا نقصان، مع كمال الحب وكمال الذل.
وكذلك يفرد الله بكمال الخضوع لأمره ونهيه، واتباعه فيما أحل وحرم، فإن أمر بجهاد جاهد، أو أمر بمعاداة الكفار والتبرؤ منهم فعل، أو أُمرت المرأة بحجاب امتثلت. وإن نُهي المسلمُ عن الربا والزنا والسرقة والفواحش بادر بالترك. وكل هذا من كمال العبودية لله.
والعلمانية لا تفعل ذلك بل هي: (حكم الشعب) فما رآه الشعب حسنا فعلوا، وإلا تركوه وراءهم من غير نظر لكون ذلك من أمر الله أم من غيره. والشعب في أغلبه تابع لكل ناعق، فأنى له أمر يهدي إلى هدى؟

أعمى يقودُ بصيراً لا أبا لكمُ قد ضلَّ من كانت العميانُ تهديه
قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام:16).
فالانقياد لله -عز وجل- والتزام طاعته هو أحد ركني العبادة. فمن زعم حب الله وتصديقه، ولكنه رفض الطاعة له والانقياد لأمره، واختار لنفسه طريقاً آخر مضاداً للصراط المستقيم الذي شرعه الله وأمر باتباعه، واتخذ ذلك منهجاً ثابتاً، ودَيْدَناً مضطرِداً، يوالي عليه ويعادي عليه، فقد ضادَّ الله في أمره، وجعل نفسه ندا للذي خلقه.
وقد روى الحافظ ابن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا وَلاَ نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(الأنعام:121). قال الألباني:صحيح، لكن ذكر اليهود فيه منكر، والمحفوظ أنهم المشركون.
قال ابن كثير: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، أي: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم غيره عليه فهذا هو الشرك.
قال الله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة:44).
وقال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(المائدة:45).
وقال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة:47).
وقال -تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(المائدة:50).
وقال -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(النساء:65).
وقد جاءت الشريعة مفصلة لذلك التحاكم، وأي متصفح لكتاب من كتب الفقه مثلاً سيجد العلاقة حتمية بين الحكم وبين الدين.
فَمَنْ الجهة التي ستتولى أخذ الزكاة وتوزيعها على مستحقيها كما أمر الشرع؛ أليس هذا تحاكم لشرع الله؟
كيف يستثمر المسلم أمواله، بحيث لا يقع في ربا أو في بيع محرم أو في صورة نهى عنها الشرع، كبيع العينة والعربون وغير ذلك، أليس في ضبط هذا وفق الشرع حتمية تلزم التحاكم التي شريعة الله؟
أين تذهب أبواب القصاص، والحدود والجنايات، والمواريث والديات؟ أنعطلها أم نؤولها أم ماذا نفعل فيها؟
أليس في تطبيقها على أرض الواقع إذعانٌ واجبٌ لحكم الله؟
وقـُلْ مثلَ ذلك في أبواب الزواج والأسرة وأحكامهما، والجهاد والعلاقات مع الأمم الأخرى، وضوابط العهود معها، ومن ذلك أيضاً العقيدة ومقتضياتها من إيمان بالله وكفر بما سواه، وولاء وبراء، ومحبة لأهل الإيمان، ومقتضيات ذلك، وبغض لأهل الكفر ومقتضيات ذلك.
فهل يعقل أن نقول لدين الله مرحباً بك في الأمور التعبدية كالصلاة والصيام والحج، أما غير ذلك مما أشرنا إليه فنعتذر على الالتزام به؟!
فنكون مثل اليهود الذين ذمهم الله لتركهم لبعض أحكام دينهم فقال عنهم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون)(البقرة:85).
وعجباً لذلك الخزي الذي يلاحق أولئك الذين تَبَنَّوا العلمانية منهجاً في ديار المسلمين!!
خذ مثلاً: تركيا، التي استبدل حكامُها شريعة الله بشريعة الجاهلية، وقد كانت من قبل حاضرة العالم الإسلامي، وقائدة الخلافة التي كانت على ضعفها، ترهب الغرب، ويحسبون لها ألف حساب.
فإلى أي حال صارت تركيا بعد تنحية منهج الله والأخذ العلمانية؟ لقد صارت ضيفاً ثقيلاً يتسوَّل من أوروبا أن ينضم تحت لوائها، وتقدِّم القرابين كرهاً وطوعاً؛ عسى أن تنال رضا القوم، لكنهم -بنظرتهم العلمانية البرجماتية- يرفضون انضواءها تحت مسماهم، ويعلنونها صريحة أن السبب في كونها دولة مسلمة!!
وقل مثل ذلك في البلاد العربية التي تبنت نفس النهج، فآل أمرها إلى هزال سياسي، وفشل عسكري، وتسوُّل على موائد المعونات والمساعدات، والانصياع لأمر الغرب كرهاً وطوعاً أيضاً.
هذا والمخالفات العقدية لبدعة العلمانية:
يقول الأستاذ/ عبد الرحمن عبد الخالق: "ولا شك أن اللادينية أو العلمانية كفر، وخروج عن الإسلام؛ لأن حقيقتها أنه ليس لله أمر، ولا نهي، ولا حكم، وأن الأديان كلها سواء، وليس فيها حق وباطل، وأن من دان بالإسلام عقيدة كمن دان بالبوذية والهندوسية أو اليهودية بلا تفريق، وأنه لا جهاد ولا دعوة، ولا عمل لإعلاء كلمة الله في الأرض وكل هذا كفر وردة.
وقد ذكرنا العلمانية في مسمى البدع؛ لأن كثيراً من أهل الإسلام أصبح يدين بها. وكثير من هؤلاء يصلون ويصومون، ويزكون ويحجون.
ولكنهم يقولون: إن الحكم لا يجوز أن يكون دينياً، ولا أن تقوم حكومة على أساس الدين، وإنما يجب أن يفصل بين الدين والدنيا، فيكون الدين فقط في شئون الآخرة".
أما المعاملات الدنيوية والحياة فالبشر وحدهم -في نظر العلمانيين- هم الذين يختارون فيها ما يشاءون، ثم يظنون أن ذلك لا يتعارض مع الإسلام.
وفي سؤال إلى لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف القطرية
السؤال: هل العلماني كافر؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد،
العلماني هو المنسوب إلى العلمانية، وهي تعني اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وأن الدين يبقى بمعزل عن الدنيا وأمورها. فمن أعتقد أن الشريعة الإسلامية لا تصلح لأمور الدنيا، أو أنها كانت تصلح في فترة من الفترات، ثم تغيَّر الزمن، أو أن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف؛ فإنه يجب تعليمه إن كان جاهلاً، وإقامة الحجة عليه، فإن ثاب إلى رشده، وآمن بأحقية الإسلام وتقدمه وصلاحيته فذاك، وإلا ثبت كفره وارتداده عن الإسلام، وإن صلَّى وصام وزعم أنه مسلم. قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان)(البقرة:208)، وقال -عزَّ من قائل-: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(الشورى:13)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران:85). والدين هو نظام الحياة في العبادات والسلوك والمعاملات والمعتقدات. فمن عَلِم أنه عبد، وأن الله ربه، فعليه أن يعلم أن الرب يأمر وينهى، وعلى العبد أن يطيع ولا يعصي؛ لأن الذي خلقه أرحم به، وأدرى بما يصلحه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(الملك:14). هذا والله أعلم.
فأهل العلم لا يكفِّرون إلا من أُقِيمت عليه الحجة من المعاندين المستحلين للكفر المستبدلين الشرائع.






رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 01:07 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
صاحب الموقع
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


admin غير متواجد حالياً


افتراضي

لماذا يريدونا غرب وشرق
لماذا لا نكون نحن بثراثنا بثقافتنا بديننا الذى بنا اكبر حضارة واقوى امبراطورية فى العالم
لماذا حكموا على ديننا بالفشل رغم اننا لما اخذنا به ارتقينا ولماذا لم يحكموا على دينهم الفاسد بالفشل رغم انهم يعترفون بانه كان عصر للظلمات







التوقيع

الظاهر بيبرس

رد مع اقتباس
قديم 14-12-2008, 12:23 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي

وجزاك الله خيرا أخى الفاضل ألرحيق المختومورفع قدرك وشائنك بالإسلام
شكرا لك اخى على تواجداك والمشاركة فى الموضوع

جزيت أخى الفردوس الأعلى







رد مع اقتباس
قديم 14-12-2008, 06:56 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
صاحب الموقع
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


admin غير متواجد حالياً


افتراضي

وجزاكى الف خير يا ام فراس







التوقيع

الظاهر بيبرس

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[you] بعد محاولات عديدة تم اسقاط موقع العلمانية الساقطة وفاء سلطان طالب عفو ربي الأخبار العالمية والعربية 15 21-05-2010 03:19 PM
الخطط العلمانية لضرب الاسلام في عقر داره مسلمة وافتخر عقيدة أهل السنة والجماعة 5 26-03-2010 05:03 AM
مراتب القراءة وحكم البسملة والاستعاذه admin القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 1 28-03-2009 11:40 PM
العلمانية أبو العبادلة عقيدة أهل السنة والجماعة 2 29-01-2009 04:21 AM
حلا الصبايا وصلت حلا الصبايا الترحيب بالأعضاء الجدد ومناسبات الأعضاء 7 07-12-2008 09:01 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة