منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > رحيق العلم والعلوم > المنتديات الأدبية :الشعر العربى ، من بوح قلمى
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-11-2008, 05:08 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي حِكَماً تنقش على جدار الزمن ، فتتلقفها النفوس ، وتغتذي منها العقول /اعداد مجد الغد

حِكَماً تنقش على جدار الزمن ، فتتلقفها النفوس ، وتغتذي منها العقول /اعداد مجد الغد

حِكَماً تنقش على جدار الزمن ، فتتلقفها النفوس ، وتغتذي منها العقول


سلسلة متصله متنوعة .




إقتباس:
النفس الإنسانية هي واحدة لا تتغير على مر الدهور وكر العصور ، تأسى وتحزن ، تنتشي وتتألم . تحوز ما تتشوف إليه فتسعد ، ويخطئها ذلك أحياناً فتشكو .
وترى الحكيم العاقل يكتسب العظات من هذا وذاك ، فيرسلها حِكَماً تنقش على جدار الزمن ، فتتلقفها النفوس ، وتغتذي منها العقول .
هذا شاعرنا العظيم أبو الوليد البحتري يقف على إيوان كسرى ، فيستلهم الحادثات كنوزاً من العبر ، ويستنبط من صروف الدهر العِظات والدروس ، فيرسلها أبياتاً تزداد بريقاً وتوهجاً لآلئ بلاغة ، وضياء معرفة .
فهو يصون نفسه عما يشينها ، ويتماسك لتقلبات الدهر ، فلا يتضعضع لجفاء الناس ، إنما يبتعد عمن يتناساه ، ويرحل عنه .



وتراه يسلي نفسه بعبر الماضين الذين كانوا ملء العين والبصر ، فصاروا أثَراً بعد عين . .. هكذا الدنيا ، فما ينبغي لعاقل ان يركن إليها ...

إقتباس:

وسانبدأ ان شاء بموضوع مميز وفريد من نوعه


وهو
سينية البحتري





كان إيوان كسرى مضرب المثل في الأنس والعمران ، تقصده الجموع ترتجي الحظوة عند صاحبه ، وتخطب ودّه ، وتلتمس رضاه . فأمسى مضرب المثل في انقطاع السرور وذهاب السلطة ، وتفاهة الحياة الدنيا ، والدمار والهلاك .. وقل ما شئت من تعبيرات تدل على أن ما له بداية صائر -لا محالة - إلى نهاية ...
أولو الأبصار والعقول – وحدهم - يعلمون علم اليقين أنهم في دار اختبار ، فهم يسابقون الزمن للفوز بدار البقاء ... ويا سعادتهم حين يصلون إليها غانمين ....

- إقتباس:

البحتريّ :
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي ، و اشتهر بالبحتري نسبة إلى" بحتر"وهي قبيلة يمنية الأصل ، ولد بمنبج في الشام ، و نشأ في قبائل طيء ،و تنقل بين القبائل البدوية ، وتأثر بفصاحتها ثم استقر في بغداد و مدح الخليفة المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان .

تتلمذ في الشعر على يد أبي تمام و لكنه لم يولع مثله بالمحسنات كما أنه لم يتأثر بالفلسفة و لم يتعمق في المعاني كأستاذه أبي تمام ، إنما برع في جمال التعبير و انتقاء الألفاظ و القدرة على التصوير ، حتى قال النقاد : " المتنبي و أبو تمام حكيمان ، و إنما الشاعر البحتري " توفي سنة 284هـ .

مناسبة القصيدة :


كانت " المدائن" عاصمة بلاد الفرس قبل أن يفتحها المسلمون ، أما مقر الملك فيها فيُدعى " القصر الأبيض " و في وسطه "إيوان كسرى" قاعة ُ عرش كسرى . وعلى جدرانها رسمت معركة أنطاكية التي دارت بين الفرس و الروم . وقد أصبح هذا القصر من الآثار الرائعة بعد زوال دولة الفرس . إقتباس:
و كان البحتري الشاعرالمقرب للخليفة العباسي المتوكل ، فلما قتل حزن عليه و رثاه ، فضاق به "المنتصر بالله "ابن المتوكل الذي كانت له يد في قتل أبيه ،فجفاه ، و فترت العلاقة بينهما ،



فامتلأت نفس البحتري هما وغمّاً ،و ذهب إلى المدائن في رحلة يسلي بها نفسه ، فوقف أمام الإيوان الدارس يصفه وصفا حسيا رائعا ،ثم انتقل إلى تاريخهم و عظمتهم .



إقتباس:
و القصيدة تقع في ستة وخمسين بيتا ، عشرة منها في ذكر حاله و شكوى دهره ، وستة في السبب التاريخي لهذه الوقفة ،ثم ستة في ذكر عظمة الفرس ،و ستة في ذكر أحوال خاصة. وما بقي وصف للإيوان وقد تفنن فيه الشاعر في الوصف ،و قد فاضت خواطره و تأملاته و آلامه



و فيها يذكر جفاء (المنتصر )ابن المتوكل ، و يذكر رحلته إلى بلاد الفرس و نفسه مليئة بالحزن لاغتيال المتوكل ، فيقول:

صنت نفسي عما يدنس نفسي *** وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـ *** ـرُ التِماسًا مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي *** طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفْهٍ *** عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو *** لًا هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ
وَاشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ *** بَعدَ بَيعي الشَآمَ بَيعَةَ وَكسِ
لاتَرُزني مُزاوِلًا لِاختِباري *** بَعدَ هَذي البَلوى فَتُنكِرَ مَسّي
وَقَديمًا عَهِدَتني ذا هَناتٍ *** آبِياتٍ عَلى الدَنِيّاتِ شُمسِ
وَلَقَد رابَني نُبُوُّ ابنُ عَمّي *** بَعدَ لينٍ مِن جانِبَيهِ وَأُنسِ
وَإِذا ماجُفيتُ كُنتُ جَديرًا *** أَن أَرى غَيرَ مُصبِحٍ حَيثُ أُمسي
حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّهـ *** ـتُ إِلى أَبيَضِ المَدائِنِ عَنسي
أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى *** لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ
أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي *** وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي
وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ *** مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي
مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَبـ *** ـقِ إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ
حِلَلٌ لَم تَكن كَأَطلالِ سُعدى *** في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ
وَمَساعٍ لَولا المُحاباةُ مِنّي *** لَم تُطِقها مَسعاةُ عَنسٍ وَعَبسِ
نَقَلَ الدَهرُ عَهدَهُنَّ عَنِ الـ *** ـجِدَّةِ حَتّى رَجَعنَ أَنضاءَ لُبسِ





فَكَأَنَّ الجِرْمازَ مِن عَدَمِ الأُنـ *** ـسِ وَإِخلالِهِ بَنِيَّةُ رَمسِ
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللَيالي *** جَعَلَت فيهِ مَأتَمًا بَعدَ عُرسِ
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَومٍ *** لايُشابُ البَيانُ فيهِم بِلَبسِ
وَإِذا مارَأَيتَ صورَةَ أَنطا *** كِيَّةَ اِرتَعتَ بَينَ رومٍ وَفُرسِ
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشِر *** وانَ يُزجى الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ
في اخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى أَصـ *** ـفَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ *** في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغماضِ جَرسِ
مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمحٍ *** وَمُليحٍ مِنَ السِنانِ بِتُرسِ
تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحيا *** ءَ لَهُم بَينَهُم إِشارَةُ خُرسِ
يَغتَلي فيهِم ارتِابي حَتّى *** تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ
قَد سَقاني وَلَم يُصَرِّد أَبو الغَو *** ثِ عَلى العَسكَرَينِ شَربَةَ خُلسِ
مِن مُدامٍ تَظُنُّها وَهيَ نَجمٌ *** ضَوَّأَ اللَيلَ أَو مُجاجَةُ شَمسِ
وَتَراها إِذا أَجَدَّت سُرورًا *** وَارتِياحًا لِلشارِبِ المُتَحَسّي




أُفرِغَت في الزُجاجِ مِن كُلِّ قَلبٍ *** فَهيَ مَحبوبَةٌ إِلى كُلِّ نَفسِ
وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَرويـ *** ـزَ مُعاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنسي
حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَيني *** أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَدسي
وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنـ *** ـعَةِ جَوبٌ في جَنبِ أَرعَنَ جِلسِ
يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبـ *** ـدو لِعَينَي مُصَبِّحٍ أَو مُمَسّي
مُزعَجًا بِالفِراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ *** عَزَّ أَو مُرهَقًا بِتَطليقِ عِرسِ
عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ الـ *** ـمُشتَري فيهِ وَهوَ كَوكَبُ نَحسِ
فَهوَ يُبدي تَجَلُّدًا وَعَلَيهِ *** كَلكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهرِ مُرسي
لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الديـ *** ـباجِ وَاستَلَّ مِن سُتورِ الدِّمَقسِ
مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُرُفاتٌ *** رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُدسِ
لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُبـ *** ـصِرُ مِنها إِلّا غَلائِلَ بُرسِ
لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ *** سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ
غَيرَ أَنّي أراه يَشهَدُ أَن لَم *** يَكُ بانيهِ في المُلوكِ بِنُكسِ
فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَو *** مَ إِذا ما بَلَغتُ آخِرَ حِسّي
وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَسرى *** مِن وُقوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخنسِ
وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصيـ *** ـرِ يُرَجِّعنَ بَينَ حُوٍ وَلُعسِ
وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمـ *** ـسٍ وَوَشكَ الفِراقِ أَوَّلَ أَمسِ
وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ اتِّباعًا *** طامِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَمسِ



عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهرًا فَصارَت *** لِلتَعَزّي رِباعُهُم وَالتَأَسّي
فَلَها أَن أُعينَها بِدُموعٍ *** موقَفاتٍ عَلى الصَبابَةِ حُبسِ
ذاكَ عِندي وَلَيسَت الدارُ داري *** باِقتِرابٍ مِنها وَلا الجِنسُ جِنسي
غَيرَ نُعمى لِأَهلِها عِندَ أَهلي *** غَرَسوا مِن زَكائِها خَيرَ غَرسِ
أَيَّدوا مُلكَنا وَشَدّوا قُواهُ *** بِكُماةٍ تَحتَ السَنَّورِ حُمسِ
وَأَعانوا عَلى كَتائِبِ أَريا *** طَ بِطَعنٍ عَلى النُحورِ وَدَعسِ
وَأَراني مِن بَعدُ أَكلَفُ بِالأَشـ *** ـرافِ طُرًّا مِن كُلِّ سِنخِ وَأُسِّ
***

إقتباس:
معاني بعض المفردات :

-الإيوان : بهو له سقف و ثلاثة جدران ، يقع بين الغرف و يجلس فيه كبار القوم .
- رحلي : ارتحالي و ما يوضع على البعير للرحيل حضرته جعلته حاضرا .
- العنس : الناقة القوية الصلبة .
- أبيض المدائن: القصر الأبيض لكسرى أنوشروان .
- آل ساسان : ملوك الفرس من نسل أردشير حفيد ساسان مؤسس السلالة الساسانية
- خافضون : يعيشون برفاهية و اطمئنان
- مشرف :عال .
- يحسر : يردها من الإعياء ، يضعف .
- يخسي : يكل و يخسر أو يعيى.
- اللبس :الاختلاط و الشبهة و عدم الوضوح .
- أنطاكية :بلدة بالشام دارت فيها معركة بين الفرس و الروم قبل الإسلام نقشت رسومها على جدران الإيوان ، و صورة أنطاكية :اللوحة الجدارية التي تمثل المعركة
- ارتعْت :فزعْت
- المنايا :جمع منية ،و هي الموت .
- موائل : متحفزات للعمل
- أنوشروان : ملك الفرس .
- يزجى : يسوق و يدفع .
- الدرفس : راية كبيرة ، و هي رمز لتحرير بلاد الفرس على يدي بطلهم (أفريون ) و كانت محلاة بالجواهر الكريمة .
- على أصفر : على جواد أصفر بمعنى أسود .
- يختال : يتكبر
- صبيغة : ثياب مصبوغة .
- الورس : نبات يستعمل لتلوين الملابس ..
- الخفوت : الصوت الخافت المنخفض (السكون ).
- إغماض جرس : انخفاض الصوت .
- المشيح : فارس يقظ يتقدم و قد احتاط بما وراء ظهره .
- يهوي : ينقض و يضرب .
- عامل رمح : أعلاه .
- مليح :فارس حذر يتقي الطعنات .
- السنان : حديدة الرمح ، جمعها أسنة .
- ترس: قطعة من الفولاذ تحمل للوقاية من السيف .
- تصف العين : تتخيل .
- يغتلي ارتيابي : يزداد شكي .
- تتقراهم : تتحسسهم ، أي يلمسهم ليرى أصور مرسومة هم أم أشخاص أحياء يتحاربون ؟
- الجوب :الترس ، الفتحة الواسعة في الجبل .
- أرعن : الجبل ذو النتوءات الشاخصة . والأرعن : البناء الغليظ العالي
- جلس الغليظ المرتفع من كل شيء
- يتظنّى: يعمل فيه الظن أو الشك .
- بز : نزع ، أخذ . استل : نزع ،أخذ .
- الديباج : الحرير الغليظ ، الاإستبرق.
- الدمقس :الحرير الأبيض الناعم .
- مشمخر : ضخم و عالي .
- رضوى : اسم جبل يقع بين المدينة و ينبع .
- ضاحين : بارزين للشمس في وقت الضحى .
- حسرى :متلهفين .
- الحوّ : احمرار يضرب إلى سواد في الشفة.
- اللعس : سواد يعلوشفة المرأة البيضاء.
- الخنس : المتأخرون ،والكواكب الخنس هي التي تظهر للناظر و تختفي
- أراد بالتعزي و التأسي : السلوان وتخفيف الحزن .






رد مع اقتباس
قديم 18-11-2008, 05:10 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي

أبي تمام إمام الشعراء في عصره،

إقتباس:
ونبدأ في هذه المقالة بأبي تمام الذي سَبَّب شعرهُ فتنةً أدبية ، انقسمَ عليه الناسَ بين مؤيدٍ ومعارض ، غير أن كلا الفريقين اتفقا على أنه قد أتى بشيءٍ جديدٍ ومختلف عما ألفوه من شعر الأوائل ، فمنهم من استحسن ومنهم من استقبح ذلك الجديد ، وهذا شيءٌ طبيعيٌّ بل هو سنَّةٌ في أي مجالٍ خصوصاً في المجتمعات العربية ، حيثُ أن الجديد لا بد أن يصطدم مع ثقافة المجتمع التقليدية فإما أن يحصل على أنصارٍ تُبقيهِ حيَّاً كأبي تمام الذي اقتدى بهِ من سُمُّوا بالمولدين ، وإما أن يموتَ ويندثر حينما لا يجد أذناً مصغية ، بغض النظر عن كونِ هذا الجديد صحيحاً أو خاطئاً .







إقتباس:
أبو تمام الطائي





في قرية (جاسم) بالقرب من دمشق، وفي أواخر القرن الثاني الهجري سنة 188هـ ولد (أبو تمام حبيب بن أوس الطائي).. ذهب إلى كُتَّاب القرية ليتعلم القراءة والكتابة، ويحفظ القرآن الكريم، ولأنه كان فقيرًا لا يملك قوت يومه فقد ترك الكُتَّاب ليعمل بمهنة الخياطة، ليساعد أباه العطار على مواجهة أعباء الحياة، لكن أبا تمام في ظل انشغاله بالعمل لم ينس أبدًا حبه للعلم والتعلم، فكان يتردد عقب انتهائه من العمل على حلقات الدرس في مساجد مدينة دمشق بعد أن استقرت بها الأسرة بحثًا عن سعة العيش وينهل من علوم الدين واللغة والشعر، وكان أبو تمام يهوى الشعر والترحال والسفر، يقول في ذلك:





إقتباس:
وطول مقام المرء بالحي مُخْلَـــق
لديباجتيه فاغترب تتجــــــدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبــة
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد


ويقصد أبو تمام أن يقول: اغترب بالترحال والسفر لكي يشتاق إليك أحباؤك، فإن الشمس محبوبة لأنها ليست دائمة الظهور.
ثم رحل أبو تمام إلى مصر، فأقام في مسجد عمرو بن العاص، وقضى بها خمس سنوات، كان يعمل خلالها في سقاية الماء، كما كان يتعلم من خلال استماعه للدروس التي تعقد في المسجد، فألمَّ بالفقه والتاريخ والشعر والحديث
والفلسفة، ولكنه كان يميل إلى الأدب والشعر؛ فحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة وكثيرًا من القصائد، وحفظ سبعة عشر ديوانًا من الشعر.
وتفتحت موهبة أبي تمام في نظم الشعر، فأخذ يتكسب به، لكنه مع ذلك لم يحقق ما كان يرجوه من تحسين أحوال معيشته، فاتجه إلى الشام، ثم إلى العراق بعد أن ضاق عليه الرزق، ويقول في ذلك





إقتباس:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهــــل
ويكدى الفتى في دهره وهو عالـــم
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى
هلكن إذًا من جهلن البهائـــــم
ولم تجتمع شرق وغرب لقاصـــــد
ولا المجد في كف امرئ والدراهـــم




وانصرف أبو تمام إلى الرحلات، وأخذ ينشد الشعر في شتى البلاد، فذاع شعره وانتشر، حتى سمع به الخليفة المعتصم، فاستدعاه وقربه منه، فكان ذلك فاتحة خير عليه وتحسنت حالته، ولم يكن أبو تمام شاعرًا فحسب بل كان ذواقًا للشعر، وقد تجلت هذه الموهبة في عدد من الكتب التي اختار فيها ما أعجبه من أشعار القدماء والمحدثين وأشهرها (ديوان الحماسة) الذي ألفه وجمعه في خراسان، بعد أن نزل الثلج فأغلق الطريق، وحال بينه وبين الرحيل، فنزل ضيفًا في دار بها مكتبة ضمت الكثير من الدواوين الشعرية.



[وكان أبو تمام رقيق المشاعر، فدائمًا ما كان يحن إلى قريته (جاسم) يقول فيها:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى
مــا الحـــب إلا للحبيــب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتــى
وحنيـنـه أبـــدًا لأول منــــزل






وبعد أن طاف أبو تمام وتنقل في بلاد الله؛ استقر به المقام في الموصل؛ حيث استدعاه (الحسن بن وهب) والي الموصل والكاتب المشهور ليتولى بريد الموصل، فظل بها
عامًا، حتى توفي بها في عام 231هـ، وقد تميز شعر (أبي تمام) بجودة اللفظ وحسن المعاني، لكنه كان يكثر من استخدام التشبيهات والجناس والألفاظ المتشابهة والغموض في التعبير، وكان إمام الشعراء في عصره، حتى قيل فيه:
(ما كان أحد من الشعراء يقدر أن يأخذ درهمًا بالشعر في حياة أبي تمام، فلما مات تقاسم الشعراء ما كان يأخذه).




[وبتصفحنا لديوان أبي تمام نجد أنه في كلامهِ حول الشعر يركز على صفات معينة سنتعرضُ لها ، وطبعاً فأبو تمام ليسَ لهُ قصائد موضوعها الشعر ، فمواضيعُ قصائده هي المواضيع العادية من مدحٍ ورثاءٍ وغيره ، ولكننا نعلم أن الشعراء في العصر العباسي يتنافسون في بلاط الأمراء ويتعرضونَ للنقدِ في المجالس الأدبية من قبلِ اللغويين وغيرهم من حاشية الأمير ، فمنَ الطبيعي أن يمدح كل شاعرٍ بضاعته ويدافعُ عنها ويذكر ما يميزها عن غيرها ، فيحتلُّ هذا الكلامُ جزءاً لا بأسَ به من القصيدة ، وعملنا هنا سينصب على تلك الأجزاء بتجميعها وترتيبها وفق نظام معين لنخلص بنتائجٍ ذات فائدة ، وستكون استشهاداتنا ببعض الأمثلة لا كلها إذ ليس الغرضُ الحصر هنا





وقد كانت أهم الصفات الجمالية للقصيدة التي ركز عليها أبو تمام في ثنايا قصائده كالتالي :
الصفة الأولى : الجِدَّةُ والابتكار وقد عبر عنها بشكلين :
1- التعبير المباشر : حيثُ يصف قصيدته بصراحة أنها تتميز بجدتها ،كقوله :
هَذي القَوافي قَد أَتَينَكَ نُزَّعاً/ تَتَجَسَّمُ التَهجيرَ وَالتَغليسا
مِن كُلِّ شارِدَةٍ تُغادِرُ بَعدَها/ حَظَّ الرِجالِ مِنَ القَصيدِ خَسيسا
وَجَديدَةَ المَعنى إِذا مَعنى الَّتي/ تَشقى بِها الأَسماعُ كانَ لَبيسا
وأنها غيرُ مستقاةٍ من الكتب :
لا يُستَقى مِن جَفيرِ الكُتبِ رَونَقُها/ وَلَم تَزَل تَستَقي مِن بَحرِها الكُتُبُ
وأنها منزهةٍ عن المعنى المعاد :
مُنَزَّهَةٌ عَنِ السَرَقِ المُوَرّى/ مُكَرَّمَةً عَنِ المَعنى المُعادِ
2- تشبيه القصيدة بالفتاة العذراء ، ولا يخفى ما في هذا التشبيه من دلالة ، فهو لم يشبها بالمرأة بشكل عام ، بل خصص تشبيهه بالعذراء منها التي لم يفضض بكارتها أحد ، كقوله :
إِلَيكَ بِها عَذراءَ زُفَّت كَأَنَّها / عَروسٌ عَلَيها حَليُها يَتَكَسَّرُ
وقولهِ :
أَغلى عَذارى الشِعرِ إِنَّ مُهورَها/ عِندَ الكَريمِ وَإِن رَخُصنَ غَوالي
وقولهِ :
يا عَذارى الكَلامِ صِرتُنَّ مِن بَعـ/ دي سَبايا تُبَعنَ في الأَعرابِ
عَبِقاتٍ بِالسَمعِ تُبدي وُجوهاً/ كَوُجوهِ الكَواعِبِ الأَترابِ
الصفة الثانية : ولها علاقة بالصفة الأولى ، وهي خروج القصائد عن المألوف وعدم انتمائها للقطيع بل وتفوقها عليه وذلك بتشبيهها بالحيوان العازب والشارد والغريب والوحشي والنافر ، وكل هذه الصفات إنما هي كناية عن تفردها وخروجها عن المألوف وأنها لا تنتمي إلى السائد التقليدي ، كقولهِ :
لِتَبكِ القَوافي شَجوَها بَعدَ خالِدٍ/ بُكاءَ مُضِلّاتِ السَماحِ نَواشِدِ
لَكانَت عَذاراها إِذا هِيَ أُبرِزَت/ لَدى خالِدٍ مِثلَ العَذارى النَواهِدِ
وَكانَت لِصَيدِ الوَحشِ مِنها حَلاوَةٌ/ عَلى قَلبِهِ لَيسَت لِصَيدِ الأَوابِدِ
وقوله :
خُذْها إلَيْكَ قَوافِياً قَدْ لُبّسَتْ/ رَقْماً أَبى تَحْسِينُهُ أَنْ يُرْفَضَا
كانَتْ مُجَمَّعَةَ الظُّهُور نَوافِراً/ فَأَتَتْكَ لَيِّنَةَ المَقادَةِ رُيَّضَا
وقولهِ:
إِنَّ القَصائِدَ يَمَّمَتكَ شَوارِداً/ فَتَحَرَّمَت بِنَداكَ قَبلَ تَحَرُّمي
مَهَّدتُ لِاِسمِكَ مَنزِلاً وَمَحِلَّةً/ في الشِعرِ بَينَ نَوادِرٍ وَشَواهِدِ
فَهُوَ المُراحُ لِكُلِّ مَعنىً عازِبٍ/ وَهوَ العِقالُ لِكُلِّ بَيتٍ شارِدِ
الصفة الثالثة : تشبيهها بالسوابق ، كنايةً عن فضلها وتفوقها على ما عند الآخرين ، كقوله :
سَل مُخبِراتِ الشِعرِ عَنّي هَل بَلَت/ في قَدحِ نارِ المَجدِ مِثلِ زِنادي
لَم أُبقِ حَلبَةَ مَنطِقٍ إِلّا وَقَد/ سَبَقَت سَوابِقَها إِلَيكَ جِيادي
وقولهِ:
تُقَطِّعُ آفاقَ البِلادِ سَوابِقاً/ وَما اِبتَلَّ مِنها لا عِذارٌ وَلا خَدُّ
وقولهِ:
هَذي سَوَابِقُ لا يمُتُّ بِمثْلِهَا/ مَنْ قَدْ أَتَى خَلْفَ السُّكَيْت مُركضا
الصفة الرابعة : أن قصيدتهُ لا يستطيع فهمها كل الناس ، فبما أنها تخرج عن المألوف أي أنها غرائب فهي تحتاجُ لفهمٍ ذو ثقافة خاصة ، تأنسُ به وتصبحُ لديه ليست غريبة ، كقوله :


إِلَيكَ أَرَحنا عازِبَ الشِعرِ بَعدَما/ تَمَهَّلَ في رَوضِ المَعاني العَجائِبِ
غَرائِبُ لاقَت في فِنائِكَ أُنسَها/ مِنَ المَجدِ فَهيَ الآنَ غَيرُ غَرائِبِ
وقوله :
خُذها مُغَرِّبَةً في الأَرضِ آنِسَةً/ بِكُلِّ فَهمٍ غَريبٍ حينَ تَغتَرِبُ
وقوله :
كَشَفتُ قِناعَ الشِعرِ عَن حُرِّ وَجهِهِ/ وَطَيَّرتُهُ عَن وَكرِهِ وَهوَ واقِعُ
بِغُرٍّ يَراها مَن يَراها بِسَمعِهِ/ فَيَدنو إِلَيها (ذو الحِجى) وَهوَ شاسِعُ


الصفة الخامسة : أنها نتاجُ فكرٍ ، في حين أن القلب لا نجدُ لهُ مسؤوليةً في تأليفِ الشعر عندَ أبي تمام لأننا لم نجد لهُ ذكرا ، كقوله :
وَلَو كانَ يَفنى الشِعرُ أَفناهُ ما قَرَت/ حِياضُكَ مِنهُ في العُصورِ الذَواهِبِ
وَلَكِنَّهُ صَوبُ العُقولِ إِذا اِنجَلَت/ سَحائِبُ مِنهُ أُعقِبَت بِسَحائِبِ
وقوله :
لا ذَنبَ لي غَيرَ ما سَيَّرتُ مِن غُرَرٍ/ شَرقاً وَغَرباً وَما أَحكَمتُ مِن عُقَدي
نَشرٌ يَسيرُ بِهِ شِعرٌ يُهَذِّبُهُ / فِكرٌ يَجولُ مَجالَ الروحِ في الجَسَدِ
وقوله :
إِلَيكَ بَعَثتُ أَبكارَ المَعاني/ يَليها سائِقٌ عَجِلٌ وَحادي
يُذَلِّلُّها بِذِكرِكَ قَرنُ فِكرٍ/ إِذا حَزَنَت فَتَسلَسُ في القِيادِ
الصفة السادسة : أنها تتركُ أثراً كبيراً في المتلقي وتحوز على إعجابه ، كقوله :
مُحَبَّبَةً ما إِن تَزالُ تَرى لَها/ إِلى كُلِّ أُفقٍ وافِداً غَيرَ وافِدِ
وَمُحلِفَةً لَمّا تَرِد أُذنَ سامِعٍ/ فَتَصدُرَ إِلّا عَن يَمينٍ وَشاهِدِ
أي أن المتلقي بعد سماعها يحلف ويشهد لها بالجمال ، وكقوله :
فَما فاتَني ما عِندَهُ مِن حِبائِهِ/ وَلا فاتَهُ مِن فاخِرِ الشِعرِ ما عِندي
وَكَم مِن كَريمٍ قَد تَخَضَّرَ قَلبُهُ/ بِذاكَ الثَناءِ الغَضِّ في طُرُقِ المَجدِ
ويصفها أيضاً بأنها :
زَهراءَ أَحلى في الفُؤادِ مِنَ المُنى/ وَأَلَذَّ مِن ريقِ الأَحِبَّةِ في الفَمِ
ولا يكتفي أبو تمام بذلك حتى يجعلها تصرع الممدوح من جمالها :
جَذَبتُ نَداهُ غُدوَةَ السَبتِ جَذبَةً/ فَخَرَّ صَريعاً بَينَ أَيدي القَصائِدِ
ونتيجةً لهذا الجمال فإن الركبان أصبحت تسير بها في كل مكان ، ويتجلى هذا المعنى في قوله :
بِسَيّاحَةٍ تَنساقُ مِن غَيرِ سائِقٍ/ وَتَنقادُ في الآفاقِ مِن غَيرِ قائِدِ
مُحَبَّبَةً ما إِن تَزالُ تَرى لَها/ إِلى كُلِّ أُفقٍ وافِداً غَيرَ وافِدِ
وقوله :
وَسَيّارَةٍ في الأَرضِ لَيسَ بِنازِحٍ/ عَلى وَخدِها حَزنٌ سَحيقٌ وَلا سَهبُ
تَذُرُّ ذُرورَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ/ وَتَمضي جَموحاً ما يُرَدُّ لَها غَربُ
عَذارى قَوافٍ كُنتَ غَيرَ مُدافِعٍ/ أَبا عُذرِها لا ظُلمَ ذاكَ وَلا غَصبُ
وقوله :
تَسيرُ مَسيرَ الشَمسِ مُطَّرَفاتُها/ وَما السَيرُ مِنها لا العَنيقُ وَلا الوَخدُ
تَروحُ وَتَغدو بَل يُراحُ وَيُغتَدى/ بِها وَهيَ حَيرى لا تَروحُ وَلا تَغدو
تُقَطِّعُ آفاقَ البِلادِ سَوابِقاً/ وَما اِبتَلَّ مِنها لا عِذارٌ وَلا خَدُّ
غَرائِبُ ما تَنفَكُّ فيها لُبانَةٌ/ لِمُرتَجِزٍ يَحدو وَمُرتَجِلٍ يَشدو
الصفة السابعة : أنها ذات وظيفة معرفية تُعلِّمُ السامع ما ليس يعلم وتكشف له طريق المجدِ والكرم ، ويتجلى ذلك في قوله :
وَلَم أَرَ كَالمَعروفِ تُدعى حُقوقُهُ/ مَغارِمَ في الأَقوامِ وَهيَ مَغانِمُ
وَلا كَالعُلى ما لَم يُرَ الشِعرُ بَينَها/ فَكَالأَرضِ غُفلاً لَيسَ فيها مَعالِمُ

وقوله :


وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشِعرُ ما دَرى/ بُغاةُ النَدى مِن أَينَ تُؤتى المَكارِمُ
الصفة الثامنة : أن لها سلطة اجتماعية ، فهي ترفع قدر الممدوح وتزينه ، وتحط من قدر المهجو وتكسبه العار ، ويتجلى ذلك في قوله :
أَبقَينَ في أَعناقِ جودِكَ جَوهَراً/ أَبقى مِنَ الأَطواقِ في الأَجيادِ
وَغَداً تَبَيَّنُ كَيفَ غِبُّ مَدائِحي/ إِن مِلنَ بي هِمَمي إِلى بَغدادِ
وقوله :
وَلَم أَرَ كَالمَعروفِ تُدعى حُقوقُهُ/ مَغارِمَ في الأَقوامِ وَهيَ مَغانِمُ
وَلا كَالعُلى ما لَم يُرَ الشِعرُ بَينَها/ فَكَالأَرضِ غُفلاً لَيسَ فيها مَعالِمُ
وَما هُوَ إِلّا القَولُ يَسري فَتَغتَدي/ لَهُ غُرَرٌ في أَوجُهٍ وَمَواسِمُ
يُرى حِكمَةً ما فيهِ وَهوَ فُكاهَةٌ/ وَيُقضي بِما يَقضي بِهِ وَهوَ ظالِمُ




وبتلخيصنا ما سبق نجد أن أهم الصفات الجمالية للقصيدة كما يرى أبو تمام هي :
1- الجِدَّةُ والابتكار
2- الخروج عن المألوف
3- التفوق على القصائد الأخرى
4- لا يستطيع كل الناس فهمها
5- أنها نتاجُ الفكر
6- التأثير في المتلقي
7- ذات وظيفة معرفية
8- ذات سلطة اجتماعية


إمام الشعراء في عصره







رد مع اقتباس
قديم 18-11-2008, 05:11 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي

كان طائي النسب، شاميَّ المولد، مصري المنشأ والدراسة.. في مصر تفتحت ذهنيته وتوقَّدت ذاكرته وشاعريته، وحول مرابعها وأفيائها الفسيح عبَّ من الشعر والشعور حتى ارتوى وجادت منه بالقلائد الحسان..


سُئل عنه تلميذه البحتري فحدَّد مذهبه قبل أن يكون للشعر مذاهب محددة قال عنه وأوجز بأنه:«مدَّاحة نوّاحة» هكذا هو في طابعه الشعري المميز: يُطرب إذا مدح،




ويُبكي إذا رثى.. وفي كليهما تمتد به الأنفاس وتجتذب كلماته المسامع والأعماق.. وقيل عنه بغير مبالغة ولا تثريب: إن شعره لازم الأفواه والمقل حتى سار مسير الأمثال وجرى على ألسنة العامة والخاصة تسترجعه وتتغنى به..



ومع أن أبا تمام ودّع الدنيا وهو لا يزال شاباً طري الروح والجسد لم يبلغ الأربعين من العمر إلا أنه ملأ الآفاق خلالها أدباً وحكمة وفناً جميلا خلده الزمن ووعته الذواكر



وتجاوز حدود الفناء والعدم..


وقد أحلّه ذلك المحل في رحاب الأدب والشعر مَلَكة جيدة وذاكرة وقَّادة تستوعب ما يمر بها وتستبقيه ثم تختار منه ما ترتضيه.



قال عنه «الحسن بن رجاء»:«ما رأيت أحداً قط أعلم بجيد الشعر من أبي تمام». ومما يستشهد على قوة ذاكرته وفطنتها ما حكاه البحتري عن نفسه: بأنه أنشد أحد ممدوحيه قصيدته التي مطلعها:



«أأفاق صيتٌ من هوى فأفُيقاأم خان عهداً أم أطاع شفيقاإن السُّلوَّ كما تقول لراحةلو أن قلبي للسُّلوّ مطيقا»وكان في المحفل أبوتمام وهما إذ ذاك لم يتعارفا بعد فأنصت الحضور بإصغاء وطرب لانشاده،



ولما فرغ البحتري من القائها وهي طويلة ومثيرة قال له «أبوتمام» وهو لا يعرفه:



ألم يكن لك مندوحة عن هذه القصيدة تنتحلها مني وتنشدها بحضوري؟ وتلا عليه النص كاملاً سليماً لا تردد فيه ولا اختلاط، فدهش البحتري وفزع الى الخارج حزيناً مذهول الفكر والخواطر؛



فلما أبصر أبوتمام منه ذلك الفزع الأليم أرسل في طلبه يسترده فلما عاد وأخذ مستقره بجانبه: ضحك أبوتمام



ضحكة طويلة وهمس في أذنه بأنها قصيدتك وحدك وإنما هي فعلة فَعَلَتْها ذاكرتي في تلقفها وحفظها الناجز للشعر الجيد حتى كأنه ولدها..


ومن براعته الشعرية كما يروى عنه أنه وقف ذات يوم مادحاً


«أحمد بن المعتصم» في جمع من قومه بقصيدته المشهورة


:«ما في وقوفك ساعة من باسنقضي ذِمامَ الأربعُ الأدراس»


إلى أن بلغ منها قوله:«أبليت هذا المجد أبعد غايةٍ فيه وأكرم شيمةٍ ونحاسإقدامُ عمرو في سماحة حاتمفي حلم أحنف في ذكاء إياس»


فأومأ أحد النقاد الحاضرين ونادى قائلاً:«الأمير فوق من وصفت». فأطرق أبوتمام قليلاً ثم واصل إنشاده على البديهة معللاً ما وصف وملجماً ذلك المعترض؛ قائلاً:«لا تنكر واضربي له من دونهمثلاً شروداً في الندى والباسفالله قد ضرب الأقل لنورهمثلاً من المشكاة والنبراسِ»




ولما أكمل إنشاده سارع بعض الحضور لحيازتها فلم يجدوا بين أبياتها هذين البيتين..!!




ولقد هانت حياة الأمير أبي دلف عليه أمام شعر أبي تمام حتى لقد ودّ أن تكون مرثية أبي تمام الرائية فيه ولو عدم حياته،



وذلك لبلاغتها وشهرتها وقال:«إنه لم يمت من رُثى بهذا الشعر..» ومطلعها:«كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمرُ فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ»



وهكذا يمضي أبوتمام عفا الله عنه في آفاقه الشعرية الواسعة يستزيد النواظر، ويستدر الدموع لتقف معه وتستوقفه، ثم تعود الى نفسها بعد رحلة هانئة من إمتاع العقل والحس والإدراك







رد مع اقتباس
قديم 18-11-2008, 06:38 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
صاحب الموقع
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


admin غير متواجد حالياً


افتراضي

ما اجمل هذا الموضوع

انها فعلا حكما تنقش على جدار الزمن







رد مع اقتباس
قديم 21-11-2008, 04:51 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الرحيق المختوم مشاهدة المشاركة
ما اجمل هذا الموضوع

انها فعلا حكما تنقش على جدار الزمن


اسعدك الله اخي الرحيق المختوم واشكرلك ذوقك






رد مع اقتباس
قديم 21-11-2008, 05:04 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مجد الغد غير متواجد حالياً


افتراضي

الشاعر ابو تمام الطائي
بمثل هؤلاء ملكنا هذه الدنيا قرونا (السيف أصدق إنباء من الكتب)


فتح عمورية ........ وامحمداه .........وامعتصماه
المعتصم بالله
يارب فابعث لنا من مثلهم نفرا *** يشيدون لنا مجدا أضعناه



وقد علم المعتصم من بعض من سكنوا هذه المدينة من قبل أن إحدى جهات الحائط المدينة قدأتى عليه فيما مضى السيل فلم يعد الروم إحكام بنائه فعسكر المعتصم بجواره و نصب المجانيق ليرمي الروم من تلك الجهة واستمر القصف حتى تهدم السور فدخل المسلمون المدينة وتعالت صيحات التكبير بعد استسلام قائدهم وأعمل فيهم المعتصم السيف حتى قيل أنه قتل ثلاثين ألف منها و سبى وغنم الشيئ الكثير فقسمه بين جيشه
وقد خلد الشعراء هذه الملحة ومن بين أشهر القصائد قول أبي تمام


فكان شعره جميل وراقي

ومن بعض صفاته

كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة

ومن اشهر قصائده

السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في
مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة
ً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة
لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلة ً
عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة ٍ
إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
وصيَّروا الأبراجَ العُلْيا مُرتَّبة ً
مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة
ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ
لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه
لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثان والصلُبِ
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ
نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ
وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ
يَا يَوْمَ وَقْعَة ِ عَمُّوريَّة َ انْصَرَفَتْ
منكَ المُنى حُفَّلاً معسولة ََ الحلبِ
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ
والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ
أُمٌّ لَهُمْ لَوْ رَجَوْا أَن تُفْتَدى
جَعَلُوا فداءها كلَّ أمٍّ منهمُ وأبِ






رد مع اقتباس
قديم 20-11-2008, 08:00 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


أسد الإسلام غير متواجد حالياً


افتراضي


دام نشاطك وروائعك يا اخيتي مجد
جهدك معلوم ودائم بعون الله







التوقيع

لنتذكر قول الحبيب
(كلكم على ثغرمن ثغور الاسلام فليحذر احدكم ان يؤتى الاسلام من قِبلَه)

ويا امة تداعت عليها الامم متى النخوة قبل الندم

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
البرهان في هؤلاء الطعان/اعداد مجد الغد مجد الغد عقيدة أهل السنة والجماعة 7 04-01-2009 01:24 PM
مساجد/اعداد مجد الغد مجد الغد السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 44 25-12-2008 10:35 PM
صقرقريش /اعداد مجد الغد متجدد مجد الغد السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 1 18-12-2008 10:03 PM
آخر خطواتنا في أوربا/متجدد/اعداد مجد الغد مجد الغد السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 4 03-12-2008 04:16 AM
حدث التاريخ المر/اعداد مجد الغد مجد الغد الحديث الشريف والسنة النبوية 12 03-12-2008 03:09 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة