الحُسَيْن بن على

الحُسَيْن بن على

الحسين رضى الله عنه زانه خَلقه وخُلقُه ُ ،وحلمه وكرمه، فقد زانه أيضا علمه بالقرآن والسنة فقد نهل من معين جده صلى الله عليه وسلم ما لم ينهله غيره ،ونهل – أيضا - من معين علىّ وهو العلم لايدانى ،فكان الناس يجلسون إليه فى جلال وخضوع ؛ليتلقوا من معين علمه ما وسعهم التلقى.

ولقد كان مجلسه عامرا بكبار الصحابة وصغارهم فالكل سبّاق إلى مجلسه لما له من مكانة فى نفوسهم،ولمافى وعظه وتذكيره من تأثير على قلوبهم.

وقد كانوا يرون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهم،وكان فى صوته غنة محمودة تشنف الآذان وتقتحم القلوب.

لقد شهد له معاوية بالفضل والعلم وعظيم القدر ،فقال يوما لرجل من قريش :إذا دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت حلقة فيه كأن على رءوسهم الطير؛فتلك حلقة أبى عبد الله مؤتزرا ًإلى أنصاف ساقيه.

ومما يدل على رسوخ الإمام الحسين فى العلم مارواه إبن عساكرفى التاريخ الكبير،قال سأله نافع بن الأزرق – رأس الخوارج الأزارقة – صف لى إلهك الذى تعبده، فقال الإمام الحسين:يا نافع،من وضع دينه على القياس لم يزل يزل الدهر فى الإلتباس،مائلاإ ذا كبا عن المنهاج ظاعنا ًبالإعوجاج ،ضالا عن السبيل،قائلا غير الجميل،يا إبن الأزرق أصف إلهى بما وصف به نفسه،لايدرك بالحواس،ولايقاس بالناس،قريب غير ملتصق،وبعيدغير مستقصى،يوحد ولايُبَغّضُ ،موصوف بالعلامات،لاإله إلاهو الكبير المتعال.ولقد كان إبن الأزرق من أكثر الناس جدالا فى أمورالدين،لايسلمّ. لأحد إلا فيما يوافق رأيه ومعتقده .

والجود مع العلم يضفى على الرجل من حب الناس جميعا مايجعله فى الذروة منهم،،فإن طلاب العلم يحبون من يتعلمون منه ،وإن طالاب المال أكثر حبا لمن يعطيهم ويحسن إليهم .وقد كان الحسين رضى الله عنه يكرم الضيف ويكسو العارى،ويمنح الطالب،ويصل الرحم،ويغنى الفقير،ويسعف السائل ،ويشبع الجائع ،ويعطى الغارم،ويشد أزر الضعيف،ويشفق على اليتيم،ويعين ذا الحاجة.ولقد كان الحسن رضى الله عنه حليما يميل إلى المسالمة بطبعه،وكان الحسين شديدافى الحق،ومع ذلك لم يخالف أخاه فى حلمه على معاوية،وتنازله عن حقه له فى الخلافة

وكان الحسين رضى الله عنه يعامل مواليه كأحسن ماتكون المعاملة،وورث الحسين رضى الله عنه عيون البلاغة من رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم من أبيه رضى الله عنه؛فكان حكيما فى أقواله وأفعاله ،إذا وعظ الناس أبكاهم وأيقظهم من غفلتهم ،وكان الحسين رضى الله عنه يحق الحق ويعين أصحابه علي إحقاقه،ويبطل الباطل ويعلن سخطه وغضبه على أهله،ويواسى من ظلم،وكان يدعوبدعاء تخشع له القلوب المؤمنة ومن دعواته التى كان يلهج بها قلبه ولسانه ما كان يقوله عند إستلام الحجر:"إلهى، نعّمْتنى فلم تجدنى شاكرا ً،وابتليتنى فلم تجدنى صابر ً،،فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر،ولا أدمت الشدة بترك الصبر،إلهى،ما يكون من الكريم إلا الكرم"

لقد عاش الحسين رضى الله عنه سبعا وخمسين سنة ملأ فيهاطباق الأرض علما ًوجاهد قى الله حق جهاده ،وأعلن الحرب على الطائفة الباغية وعلى رأسهم يزيد بن معاوية،فخرج للقا ئهم ومعه أهله وخيرة رجاله،وخاض بهم معركة ضارية فى كربلاء،وظل يقاتل حتى سقط فى ميدان البطولة والشرف فى اليوم العاشر من المحرم فى السنة الستين من الهجرة.

فليس فى العالم كله شهيد سقط فى ميدان البطولة دفاعا ًعن الحق مثل الحسين وأهل بيته الذين استشهدوا معه،وحسبه وحده فى الدنيا الشهيد بن الشهيدأبو الشهداء فى مئات السنين.ولم يترك ذرية من بعده إلاولده وقرة عينه على زين العابدين،فقد نجا من القتل بأعجوية وهو طفل صغيرفى حجر عمته زينب رضى الله عنها تمرضه من علة أصابته.وقد إنتقم الله من كل من أسهم فى قتل الحسين رضى الله عنه شر إنتقام وليس هنا مجال الحديث عنها،وقد حج الإمام زين العابدين ،فلما أقبل على الحجر الأسود فى وقاره وهيبته،تنح له الحجيج وحفوا به،وكان هشام بن عبدالملك الخليفة الأموى فى جنده وحشمه،فلم يخلص له الحجر لتزاحم الناس عليه،فسأل أحد رجال الحاشبة عن سيدى زين العابدين:من هذا الذى هابه الناس هذه الهيبة؟فقال هشام متجاهلا عن عمد:لاأعرفه .فتصدى له الفرزدق الشاعر وقال:

هذا الذى تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرمُ

هذاإبن خير عباد الله كلهم ** هذا التقى النقى الطاهرالعلمُ

هذاإبن فاطمة إن كنت جاهله ** بجده أنبياء الله قد ختموا

وليس قولك من هذابضا ئره ** العرب تعرف من أنكرت والعجمُ

إذا رأته قريش قال قائلها ** إلى مكارم هذا ينتهى الكلامُ

من معشر حبهم دين وبغضهم ** كفروقربهم منجى ومعتصمُ

إن عد أهل التقى كانوا أئمنهم ** أو قيل من خير أهل الأرض قيل همُ

وبعد فإن أكرم الخلق على الله هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأعظم البيوت قدرا ًعنده جل شأنه هوالبيت النبوى،وأحب الأخيارمن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وأختهمازينب البتول ،وأمهم الزهراء الطهور.

من أحبهم أحبه الله،ومن بغضهم أبغضه الله

رضى الله عنهم وأرضاهم ورزقنا حبهم وحب من يحبهم،وجمعنا بهم فى جنات النعيم..