يهود اليوم مُنبتّون عن الساميّة
فيصل حماد
صحيفة البيان الإماراتية 9/7/2003
يردد اليهود منذ أكثر من قرنين ونصف أكذوبة معاداة السامية بمناسبة وبدون مناسبة. وعندما دقت طبول الحرب ضد العراق مؤخراً دفعت هذه الراية مجدداً وأضيفت لها راية الثأر لليهود الذين كانوا في التاريخ القديم عرضة للسبي البابلي.
وقد حددت عدة دراسات في المكتبة العربية والعالمية تتعرض لهذه الأساطير بالتفنيد - كما تتعرض للملابسات التي تم فيها تحت هذا المصطلح وغيره مما يجعل الآخرين طوال الوقت في حالة دفاع أمام التجمعات الصهيونية.
وفي دراسة صدرت مؤخراً بالقاهرة - للدكتور محمد خليفة حسن مدير مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة تعرض الباحث مجدداً لهذه القضية وكشف عدة آفاق في القضية من بينها أن اليهود من الغرب ليسوا ساميين أصلاً وأن الساميين في التاريخ القديم يمثلون أساساً عرب شبه الجزيرة العربية التي كانت بلادهم تمثل المهد الأول للسامية. ويرصد الباحث تاريخ وسياق استغلال الصهيونية لفكرة المعاداة للسامية لخدمة أهدافها في التاريخ اليهودي الحديث والمعاصر.
وترصد الدراسة أن المقصود بالساميين حرفيها هم سلالة سام بن نوح عليه السلام وهو مصطلح توراتي يتبع التقسيم التوراتي للأجناس البشرية إلى ثلاثة أقسام وهي: الساميون نسبة إلى سام بن نوح، والحاميون نسبة إلى حام بن نوح واليافثيون نسبة إلى يافث بن نوح وهو تقسيم عرقي على أساس من اللون. فاللون الأسود سمة الحاميين الذين يسكنون القارة الأفريقية واللونان الأبيض والأصفر سمة اليافيثين وهم أصل الشعوب الهندو أوروبية الساكنة في منطقتي الشرق الأقصى وأجزاء من الشرق الأدنى القديم «بلاد فارس وآسيا الصغرى، والشعوب الأوروبية واللون المتوسط بين هذين اللونين هو لون الساميين ويقصد بهم الشعوب التي تقيم في شبه الجزيرة العربية وفي بلاد النهرين «العراق القديم» إضافة إلى سكان سوريا ولبنان وفلسطين، إلا أن التوراة أخرجت الكنعانيين من أسرة الساميين وضمتهم إلى الحاميين كنوع من الانتقام منهم فأصبح العداء للسامية مصطلح يشير إلى عداء الشعوب اليافثية والحامية للجنس السامي الذي اختزلته التوراة في اليهود فحسب.
وقد ظهر مصطلح «معاداة السامية» في نهاية القرن التاسع عشر على أساس التمييز بين عرقين «العرق الآري والعرق السامي ونسبة صفات معينة متميزة لهذين الجنسين وانتشر هذا الاعتقاد في ألمانيا حيث أدى النشاط اليهودي في كل مجالات الحياة إلى إثارة كراهية الألمان وحقدهم على اليهود وكان الصحفي وليم مار» أول من استخدم مصطلح معاداة السامية عام 1879 لتمييز الحركة المضادة لليهود التي عكستها الكتابات الصحفية في ألمانيا والتي وجدت دفعة قوية على يد المستشار الألماني بسمارك ونشأت جمعية معاداة السامية التي تمكنت من جمع 255 ألف توقيع يطالب بطرد اليهود، وقامت مظاهرات عدة في بعض البلدان الألمانية مؤيدة لهذا الاتجاه وقد رفعت ضد اليهود تهمة القتل الطقوسي «تهمة الدم» التي وجهت لهم في العصور الوسطى، وقد حصل حزب معادة السامية على 15 مقعد عام 1893 م في الرايخ وانتقلت حركة معاداة السامية من ألمانيا إلى بقية البلاد الأوروبية وتجددت في روسيا الاضطهادات الدينية عام 1881 م وتم تكوين جماعة معادية للسامية في النمسا عام 1895 وتكونت إدارات صريحة معادية للسامية في فيينا كما وصلت الظاهرة إلى فرنسا وانتهت حادثة مقتل الضابط درايفوس بأحداثها المهمة خلال الفترة من 1894 - 1899 م والذي حوكم خطأ بتهمة القتل وتم إعدامه ثم تبينت براءته بعد ذلك وأدعى اليهود أنه قتل لأنه يهودي.
وفي إنجلترا وإيطاليا والولايات المتحدة ظهرت أشكال عدة لمعاداة السامية وفي «درسدن» انعقد أول مؤتمر دولي لمعاداة السامية نادي بتطبيق قيود متعصبة ضد اليهود وقد أدى نشر بروتوكولات حكماء صهيون بعد الحرب العامية الأولى إلى دعم الاتجاه المعادي للسامية فقامت ثورات عنيفة ضد اليهود في المجر عام 1920. وفي الولايات المتحدة دعم هنري فورد الحركة المعادية لليهود معنوياً ومالياً. وفي ألمانيا جعل أدولف هتلر المعاداة للسامية أحد المبادئ الأساسية لبرنامج حزبه النازي.
ويفسر محمد خليفة حسن دراسته أن هذا المد الأوروبي المعادي لليهود له مبرراته المنطقية التي تعود إلى عدة أسباب تأتي في مقدمتها الدافع الديني وهو دافع قديم يعود إلى بداية المسيحية وموقف اليهود من عيسى عليه السلام حيث أنكروا نبوته وتجاوز الأمر ذلك إلى حد إلقاء تهمة قتل المسيح عليه السلام على اليهود وحدهم أو بالمشاركة مع الرومان وقد برأ الفاتيكان مؤخراً اليهود من دم المسيح عليه السلام وألقيت التهمة على الرومان ولا يمكن القول بأن هذا القرار غير كثيراً من وضعية اليهودي في اللاهوت المسيحي.
من جانب آخر فإن الأعمال المشبوهة التي كان بعض اليهود يقومون بها والتي ألقت بظلال من الشك حول انتمائهم السياسي والقومي في المجتمعات الأوروبية التي عاشوا بها إضافة إلى محاولاتهم السيطرة على الحياة الاقتصادية في هذه المجتمعات من خلال ملكية العديد من البنوك والمصارف وبيوت المال وكان التعامل بالربا إحدى الوسائل اليهودية للتعامل مع غير اليهود كما كان إحدى وسائل تحقيق السيادة المالية من خلال استغلال الأزمات الاقتصادية والمالية للحكومات الأوروبية وللأفراد كما أن عدم رغبة الكثير من اليهود في الاندماج اجتماعياً في المجتمعات الأوروبية زادت من مشاعر الكراهية تجاههم وذلك بسبب النعرة اليهودية والشعور بالاستعلاء نتيجة اعتقادهم أنهم شعب الله المختار وأنهم جنس طاهر بينما غير اليهود أدناس يجب اعتزالهم خشية الوقوع في الدنس أو النجاسة.
وهكذا نجد أن مصطلح معاداة السامية يشير أساساً إلى كراهية اليهود والعداء لهم لأسباب ذاتية تعود إلى طبيعة الجماعات اليهودية وطبيعة الشخصية اليهودية كما تعود إلى أسباب خارجية طورت فكرة كراهية اليهود في النفس الأوروبية واليهود الأوروبيين الذين اخترعوا هذا المصطلح لا ينتمون إلى الساميين بل هم أوروبيون يعيشون في أوروبا منذ عام 70 ميلادية بعد أن طرد الرومان اليهود من فلسطين وشتتوهم في كل بلاد العالم فيما عرف بالشتات اليهودي العام وقد تغيرت الأوضاع العقلية والجسمانية لليهود الذين شتتوا في البلاد الأوروبية وفقدوا المواصفات العربية السامية وأصبحوا أوروبيين من خلال عدة عوامل:
أولها العامل المناخي الجغرافي الذي أفقد اليهود صفاتهم العرقية العربية فتغير لونهم وتبدلت عقولهم.
أما العامل الثاني: فهو المصاهرة التي تمت من اليهود والأوروبيين بعد تحول عدد كبير من اليهود إلى المسيحية بعد ظهورها وانتشارها في أوروبا وقد تم هذا التحول اليهودي إلى المسيحية إما طواعية أو نتيجة للاضطهاد الكنسي المسيحي لليهود إبان العصور الوسطى وقد دخل اليهود المنتصرون في علاقة مصاهرة مع المسيحيين في المجتمع الأوروبي وتغير دمهم وتحول نسبهم من بعدهم إلى هندوأوروبيين وفقدوا بالتدريج صفاتهم العربية «السامية» ومن الناحية العقلية خضع يهود أوروبا لمعطيات العقل الأوروبي.
مشكلة أوروبية
ومن المغالطات المقصودة أيضاً أنه توجه تهمة معاداة السامية إلى العرب الذين هم أصل الساميين وكأن العرب هنا يكرهون ويعادون أنفسهم وذلك على الرغم من أن التاريخ العربي كله - قديمه ووسيطه وحديثه - يشهد بالعلاقة الطيبة مع اليهود بل إن المؤرخين اليهود الموضوعيين والسابقين على ظهور الصهيونية اعتبروا حياة اليهود في العالم العربي والإسلامي تمثل العصر الذهبي في التاريخ اليهودي بل لقد كانت البلاد العربية والإسلامية دائماً وأبداً ملاذاً لليهود يفرون إليه من الاضطهاد الأوروبي لهم سواء لأسباب دينية أو عرقية كما يدعى اليهود. لكن الصهيونية خلقت بدعة العداء للسامية ووظفتها توظيفاً جيداً لإقامة الدولة اليهودية ومع تطور المقاومة العربية للمشروع الصهيوني اتهم العرب بارتكاب المجازر ضد الأقليات اليهودية لدفعها إلى الهجرة والواقع أن المجتمع العربي المسلم وفر لليهود حياة آمنة وصنفوا على أنهم مع المسيحيين أهل كتاب وذمة وهو أمر لم تحققه لهم أوروبا في العصور الوسطى التي أنكرت الديانة اليهودية وصنفت اليهود على أنهم كفرة وقتلة المسيح عليه السلام وأنهم لا يستحقون إلا الاضطهاد مع الحفاظ عليهم لأمر لاهوتي وهو أنهم شهود على عيسى عليه السلام ودعوته ولذا نجد أن اليهود احتلوا مكانة اقتصادية مرموقة في المجتمع الإسلامي وشغلوا الوظائف العليا ونالوا كل الحريات الممكنة في ظل الحكم العثماني الذي استقبل اليهود المطرودين في أسبانيا بعد سقوط الحكم الإسلامي واستوعبت استنبول أكبر طائفة يهودية في أوروبا ولم يتغير ذلك الوضع إلا في بداية القرن التاسع عشر مع التدخل الأوروبي في أمور الخلافة العثمانية مما أدى إلى أحداث توتر في علاقة الأقليات ببلدانها العربية والإسلامية وزيادة أعداد مدارس الإرساليات وافتتاح شبكة من المدارس لتعليم اليهود باللغة الفرنسية أسسها الاتحاد الإسرائيلي العالمي وكان للتعليم الأجنبي تأثير كبير على تخلي اليهود عن أسلوب حياتهم الشرقي أمام إغراء الحضارة الغربية.
كما أدى نظام الامتياز الذي طبقته الدول الأوروبية المستعمرة للبلدان العربية والإسلامية إلى تمكن أفراد الأقليات اليهودية من الحصول على الجنسيات الأوروبية ونيل الحماية الأجنبية مما أدى إلى ضعف الانتماء اليهودي إلى بلدانهم العربية وربط مصالحهم بمصالح الدول الكبرى خاصة الدول التي تجنسوا بجنسياتها واعتمدوا على نفوذ الممثلين الأجانب الذين نفذوا سياسات بلادهم القائمة على التفرقة بين البلاد العربية وأقلياتها بالإضافة إلى أن ظهور الحركة الصهيونية وتبنيها للفكرة القومية اليهودية أدى إلى إفساد علاقة اليهود بمجتمعاتهم العربية.
توظيف سياسي
وقد اتخذت الصهيونية من مفهوم «معاداة السامية» ذريعة لتحقيق مصالحها وإنشاء ما يسمى الوطن القومي لليهود. ونجد ذلك في كافة الأعمال الكلاسيكية في فكرة الصهيونية ومنها ما قدمه الكاتب الروسي «ليوبنسكر» في مقال بعنوان: نداء من يهودي روسي إلى شعبه، فنجده يتهم الإنسان الأوروبي المسيحي بأنه مريض نفسياً لكراهية الغريب ويقصد بهم اليهود لذا لابد من نقل اليهود إلى قطعة أرض يملكونها واقترح لذلك جزء من القارة الأمريكية لأن جذور الكراهية والتعصب جذور ثابتة في النفسية الإنسانية لأن الشعب اليهود هو شعب الله المختار للكراهية العالمية من كل الشعوب حوله، أما «تيودور هرتزل» فيرى أن الشعب اليهودي حاول الاختلاط بالمجتمعات القومية التي عاش بها إلا أنه لم تسمح له بذلك لذا فمن العبث أن يعلن اليهودي ولاءه لهذه الأمم ويرى هرتزل أن المعاداة للسامية ستنتهي بمجرد قيام الدولة اليهودية ولذا فينبغي على الدول الكبرى أن تساعد اليهود في إنشاء دولة يتم تهجيرهم إليهم لتتخلص من العنصر اليهودي ولازالت تستخدمها للرد على أي انتقادات أو اعتراض على أي عمل تقوم به "إسرائيل" إزاء الفلسطينيين خاصة وأن القارة الأوروبية قد شهدت في العامين الأخيرين ظهور بعض التيارات المناهضة لليهود لأسباب أوروبية داخلية بعد أن ظهرت عدة جماعات عنصرية في أوروبا معروفة بعدائها للأقليات العرقية وفي مقدمتها اليهود خاصة وأنهم يعملون على توجيه الاقتصاد والسياسة لخدمة المصالح اليهودية على حساب المواطن الأوروبي العادي ومن هذه الجماعات الجبهة الوطنية في فرنسا وحزب بيم فورتاين في هولندا.
كما أن قضية الصراع العربي الإسرائيلي تعد سبباً هاماً لكراهية اليهود في أوروبا خاصة في البلاد التي تضم أقليات عربية وإسلامية كبيرة مثل في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا يضاف إلى ذلك الجماعات المهتمة بمبادئ حقوق الإنسان ونجد الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا يرفض سياسة المنظمات الصهيونية والأمريكية القائمة على أساس من التخويف والتهديد بالتوظيف المستمر للاضطهاد النازي والانتهاكات النازية كما أعلن وزير العمل السابق بألمانيا أن عمليات الجيش الإسرائيلي في فلسطين عمليات إبادة لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب وأن تهمة العداء للسامية هي العصا التي تستعمل في ألمانيا لضرب أية محاولة لإظهار انتهاكات حقوق الإنسان في "إسرائيل".
استراتيجية المواجهة
يرى د. محمد خليفة حسن أنه لابد من تطوير استراتيجية المواجهة العربية لتهمة العداء للسامية تقوم على تعميق عملية الاتصال بالجماهير الإسرائيلية حيث لا يزال التعامل العربي فيما يتعلق بقضية الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية محصوراً في التعامل مع الحكومات الإسرائيلية المتتالية وبعيداً عن التعامل بشكل فعال مع الجمهور الإسرائيلي وهذا يتطلب استخدام ورقة حقوق الإنسان كسلاح مهم يستفاد منه في الضغط على الرأي العام العالمي الإسرائيلي كما فعلت "إسرائيل" في استغلال الهولوكست لاستمالة الرأي العام العالمي رغم أن سجلها عامر بالانتهاكات مما يوجب علينا كعرب فضح هذه الانتهاكات، وفضح حقيقة الكيان الصهيوني.