23
... وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس....
الحديد: 25
سوره الحديد سوره مدنيه, وهي السوره الوحيده من سور القران الكريم التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفه لنا والتي يبلغ عددها مائه وخمسه عناصر; ويعجب القارئ للقران لاختيار هذا العنصر بالذات اسما لهذه السوره التي تدور حول قضيه انزاله من السماء, وباسه الشديد, ومنافعه للناس.....!!
وتبدا السوره الكريمه بتاكيد ان كل مافي السماوات والارض خاضع بالعبوديه لله, مسبح بحمده, منزه له عن كل وصف لايليق بجلاله, لانه( تعالي) هو العزيز الحكيم, الذي له ملك السماوات والارض, الذي يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير; وتواصل الايات مزيدا من صفات هذا الخالق العظيم فهو الاول بلا بدايه, والاخر بلا نهايه, والظاهر فليس فوقه شيء, والباطن فليس دونه شيء, وهو العليم بكل شيء, فلا تخفي عليه خافيه في الارض ولا في السماء; وانه( تعالي) خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش استواء يليق بجلاله, وانه( سبحانه) يعلم مايلج في الارض, ومايخرج منها, وماينزل من السماء, ومايعرج فيها, وانه مع جميع خلقه اينما كانوا, وفي اي زمان كانوا, فلا الزمان ولا المكان يقف عائقا امام قدره الله, وهو( تعالي) مطلع علي جميع خلقه, بصير بما يعملون, وهو الذي له ملك السماوات والارض, الذي اليه ترجع الامور, وان من الدلائل علي طلاقه قدرته انه( تعالي) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل, وهو( سبحانه) عليم بذات الصدور, فالكون كله خاضع لارادته( تعالي) فهو خالقه ومبدعه, والمتصرف فيه بما يشاء, وهذه الصفات العليا من خصائص الاله الواحد الاحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد, فلا شريك له في ملكه, ولا منازع له في سلطانه, فهو رب كل شيء ومليكه, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, المسيطر سيطره مطلقه علي الوجود كله بكل مافيه, ومن فيه, فكل شيء بيديه, وكل شيء راجع اليه, لايخفي شيء عن علمه, ولا يخرج شيء عن امره, يعلم خائنه الاعين وماتخفي الصدور....!!
ثم تتحرك الايات بعد ذلك في ايقاع رقيق يخاطب جماعه المومنين, وتدعوهم الي تجسيد ايمانهم بالله ورسوله في بذل الاموال والمهج والارواح دفاعا عن هذا الدين, والي الانفاق مما جعلوا مستخلفين فيه حتي ينالوا الاجر الكبير من رب العالمين, فالذي يفعل ذلك كانما يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيره وله اجر كريم, وبالاضافه الي عموميه الدعوه الي تلك الحقيقه, فهي تذكره دائمه لجماعه المومنين بما بذله السابقون من المهاجرين والانصار في سبيل الله, حتي يتاسوا بهم في التجرد الكامل, والاخلاص الصادق لدين الله, والبذل والتضحيه بالاموال والانفس من اجل اعلاء كلمه الله في الارض فلا تشدهم الحياه الدنيا عن الجهاد في سبيل الله مهما تكن المغريات, ومهما تكن العوائق.....!!
وبعد ذلك تعرض الايات لحال كل من المومنين والمومنات في جانب, والمنافقين والمنافقات في جانب اخر يوم العرض الاكبر, وشتان مابين الحالين.
وتتساءل الايات عن امكان ان يكون الوقت قد حان لكي تخشع قلوب المومنين لذكر الله, وما انزل من الحق علي خاتم انبيائه ورسله حتي لايكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.
وتوكد الايات بعد ذلك مرحليه الحياه الدنيا, وانها ليست الا متاع الغرور, فلايجوز لعاقل ان ينخدع بها, ويفني عمره في خدمتها, لاهيا عن الاخره وهي دار القرار, ولذلك تنادي الايات بالمسارعه الي طلب المغفره من الله, والي العمل المخلص الدءوب من اجل الفوز بالجنه التي عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين امنوا بالله ورسله; وتضيف الايات ان كل خطب جلل نزل بالارض او بالانفس مدون في كتاب الله من قبل وقوعه, وان ذلك علي الله يسير, كي ترضي كل نفسي مومنه بقدر الله خيره وشره وتومن ان فيه الخير كل الخير, فلاتبطر عند مسره, لان الله تعالي لايحب كل مختال فخور, ولاتجزع عند مضره لايمانها بان ذلك قدر مقسوم, واجل محتوم, وانه لاملجا ولامنجي من الله الا اليه....!!
وتنعي الايات علي الذين يبخلون ويامرون الناس بالبخل, لان الله تعالي كريم يحب كل كريم, ومن يتول عن منهج الله فان الله هو الغني الحميد.
وبعد هذه المقدمه الطويله ياتي قلب السوره وسر تسميتها في الايه التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز*)
ثم تاتي الايات الاربع الاخيره في السوره لتعرض خط سير رساله الهدايه الربانيه, وتاريخ هذا الدين دين الاسلام الذي علمه ربنا( تبارك وتعالي) لابينا ادم عليه السلام, وانزله علي فتره من الرسل من لدن نبي الله نوح( عليه السلام) الي خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبدالله( عليه وعليهم اجمعين افضل الصلاه وازكي التسليم), والذي لايرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه بعد ان اكمله, واتمه, وحفظه في بعثه هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله وسلم وبارك عليه, وعلي اله وصحبه اجمعين), واشارت الايات الي حال بعض من اهل الكتاب ومنهم اتباع نبي الله عيسي( عليه السلام), واختتمت السوره بالدعوه الي الايمان بالنبي الخاتم والرسول الخاتم, ففي ذلك دخول في رحمه الله, وفي نوره ومغفرته, وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم, والمنن العديده التي يمن بها علي من يشاء من عباده.
والايه الكريمه التي نحن بصددها توكد ان الحديد قد انزل انزالا كما انزلت جميع صور الوحي السماوي, وانه يمتاز بباسه الشديد, وبمنافعه العديده للناس, وهو من الامور التي لم يصل العلم الانساني الي ادراكها الا في اواخر الخمسينيات من القرن العشرين.
وهنا يبرز التساول: كيف انزل الحديد؟ وماهو وجه المقارنه بين انزال وحي السماء وانزال الحديد؟ ماهو باسه الشديد؟ وماهي منافعه للناس؟ وقبل الاجابه علي تلك الاسئله لابد من استعراض سريع للدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه, وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر( الحديد) في كتاب الله( تعالي).
الدلالات اللغويه لبعض الفاظ الايه الكريمه
(النزول) في الاصل هو هبوط من علو, يقال في اللغه:( نزل),( ينزل)( نزولا), و(منزلا) بمعني حل, يحل, حلولا; والمنزل بفتح الميم والزاي هو( النزول) وهو الحلول, و(نزل) عن دابته بمعني هبط من عليها, و(نزل) في مكان كذا اي حط رحله فيه, و(النزيل) هو الضيف.
ويقال:( انزله) غيره بمعني اضافه او هبط به; و(استنزله) بمعني( نزله تنزيلا), و(التنزيل) ايضا هو القران الكريم, وهو( الانزال المفرق), وهو الترتيب; وعلي ذلك فان الانزال اعم من التنزيل; و(التنزل) هو( النزول في مهله), و(النزل) هو ما يهيا( للنزيل) اي مايعد( للنازل) من المكان, والفراش, والزاد, والجمع( انزال); وهو ايضا الحظ والريع,و(النزل) بفتحتين, و(المنزل) الدار والمنهل( اي المورد الذي ينتهل منه لان به( ماء) او هو عين ماء ترده الابل في المراعي, وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق( السفار); و(المنزله) مثله, او هي الرتبه او المرتبه; و(المنزله) لاتجمع.
ويقال استنزل فلان( بضم التاء وكسر الزاي) اي حط عن مرتبته, و(المنزل) بضم الميم وفتح الزاي( الانزال), نقول:' رب انزلني( منزلا) مباركا, وانت خير( المنزلين)*'; و(انزال) الله( تعالي) نعمه ونقمه علي الخلق هو اعطاوهم اياها, وقال المفسرون في قول الحق( تبارك وتعالي):( ولقد راه نزله اخري) ان( نزله) هنا تعني مره اخري.
وفي قوله( تعالي)' جنات الفردوس نزلا' قال الاخفش: هو من( نزول) الناس بعضهم علي بعض, يقال: ماوجدنا عندك نزلا; و(النازله): الشديده من شدائد الدهر تنزل بالناس, وجمعها( نوازل); و(النزال) في الحرب( المنازله); و(النزله هي الزكمه من الزكام, يقال به( نزله), وقد نزل بضم النون.
الحديد في القران الكريم
ورد ذكر الحديد في كتاب الله( تعالي) في ست ايات متفرقات علي النحو التالي:
(1) قل كونوا حجاره او حديدا*
( الاسراء:50)
(2) اتوني زبر الحديد.....*( الكهف:96)
(3) ولهم مقامع من حديد*( الحج:21)
(4):.. والنا له الحديد*( سبا:10)
(5) لقد كنت في غفله من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد*.( ق:22)
(6).. وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس..*( الحديد:25)
وكلها تشير الي عنصرالحديد ماعدا ايه سوره ق والتي جاءت لفظه( حديد) فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني انه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا.
شروح المفسرين للايه الكريمه
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس*.
اي وجعلنا الحديد رادعا لمن ابي الحق وعانده بعد قيام الحجه عليه, ولهذا اقام رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمكه بعد النبوه ثلاث عشره سنه توحي اليه السور المكيه, وكلها جدال مع المشركين, وبيان وايضاح للتوحيد, وبيناته ودلالاته, فلما قامت الحجه علي من خالف, شرع الله الهجره, وامرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب, وقد روي الامام احمد, عن ابن عمر قال.. قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بعثت بالسيف بين يدي الساعه حتي يعبد الله وحده لا شريك له, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعل الذله والصغار علي من خالف امري, ومن تشبه بقوم فهو منهم) ولهذا قال تعالي:( فيه باس شديد) يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها( ومنافع للناس) اي في معايشهم كالسكه والفاس والمنشار والالات التي يستعان بها في الحراثه والحياكه والطبخ وغير ذلك.. وقوله تعالي( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) اي من نيته في حمل السلاح نصره لله ورسوله( ان الله قوي عزيز) اي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتياج منه الي الناس, وانما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في تفسير هذه الايه الكريمه مانصه: لقد ارسلنا رسلنا الملائكه الي الانبياء( بالبينات) بالحجج القواطع( وانزلنا معهم الكتاب) بمعني الكتب و(الميزان) العدل,( ليقوم الناس بالقسط( وانزلنا الحديد) اي انشاناه, وخلقناه, لقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) اي خلق, وقيل: اخرجناه من المعادن,( فيه باس شديد) يعني السلاح, يقاتل به من ابي الحق وعانده بعد قيام الحجه عليه,( ومنافع للناس) في معايشهم كالفاس والمنشار وسائر الادوات والالات,( وليعلم الله) علم مشاهده, معطوف علي( ليقوم الناس)( من ينصره) بان ينصر دينه بالات الحرب من الحديد وغيره( ورسله بالغيب) حال من هاء( ينصره) اي غائبا عنهم في الدنيا, قال ابن عباس: ينصرونه ولايبصرونه( ان الله قوي عزيز) لاحاجه له الي النصره لكنها تنفع من ياتي بها.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمه واسعه): وفي النهايه يجيء المقطع الاخير في السوره, يعرض باختصار خط سير الرساله, وتاريخ هذه العقيده من لدن نوح وابراهيم, مقررا حقيقتها وغايتها في دنيا الناس, ملما بحال اهل الكتاب, واتباع عيسي عليه السلام بصفه خاصه.. فالرساله واحده في جوهرها, جاء بها الرسل ومعهم البينات عليها, ومعظمهم جاء بالبينات الخوارق.. والنص يقول:( وانزلنا معهم الكتاب) بوصفهم وحده, وبوصف الكتاب وحده كذلك, اشاره الي وحده الرساله في جوهرها.
(والميزان).. مع الكتاب, فكل الرسالات جاءت لتقر في الارض, وفي حياه الناس ميزانا ثابتا ترجع اليه البشريه.. ميزانا لايحابي احدا لانه يزن بالحق الالهي للجميع, ولايحيف علي احد لان الله رب الجميع.
فلابد من ميزان ثابت يثوب اليه البشر..( ليقوم الناس بالقسط)!
( وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس, وليعلم الله من ينصره, ورسله بالغيب) والتعبير ب( انزلنا الحديد) كالتعبير في موضع اخر بقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) كلاهما يشير الي اراده الله وتقديره في خلق الاشياء والاحداث... انزل الله الحديد( فيه باس شديد) وهو قوه الحرب والسلم( ومنافع للناس) وتكاد حضاره البشر القائمه الان تقوم علي الحديد( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) وهي اشاره الي الجهاد بالسلاح, تجيء في موضعها من السوره التي تتحدث عن بذل النفس والمال.
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب, عقب علي هذا بايضاح معني نصرهم لله ورسله, فهو نصر لمنهجه ودعوته, اما الله سبحانه فلا يحتاج منهم الي نصر: ان الله قوي عزيز..
وذكر صاحب (صفوه البيان لمعاني القران):.. و(انزلنا الحديد) اي خلقناه لكم, كقوله تعالي( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) اي هياناه لكم, وانعمنا به عليكم, وعلمناكم استخراجه من الارض وصنعته بالهامنا,( فيه باس شديد) اي فيه قوه وشده, فمنه جنه وسلاح, والات للحرب وغيرها, وفي الايه اشاره الي احتياج الكتاب والميزان الي القائم بالسيف, ليحصل القيام بالقسط,( ومنافع للناس) في معاشهم ومصالحهم, وما من صنعه الا والحديد التها, كما هو مشاهد, فالمنه به عظمي...
وقال صاحب( صفوه التفاسير):( وانزلنا الحديد فيه باس شديد) اي وخلقنا واوجدنا الحديد فيه باس شديد, لان الات الحرب تتخذ منه, كالدروع والرماح والتروس والدبابات وغير ذلك ومنافع للناس اي وفيه منافع كثيره للناس كسكك الحراثه والسكين والفاس وغير ذلك, وما من صناعه الا والحديد اله فيها, قال ابوحيان: وعبر تعالي عن ايجاده بالانزال كما قال:( وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج) لان الاوامر وجميع القضايا والاحكام لما كانت تلقي من السماء جعل الكل نزولا منها, واراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور.
وذكر اصحاب( المنتخب في تفسير القران الكريم) مانصه: لقد ارسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعه, وانزلنا معهم الكتب المتضمنه للاحكام وشرائع الدين والميزان الذي يحقق الانصاف في التعامل, ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل, وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب, ومنافع للناس في السلم, يستغلونه في التصنيع, لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم, وليعلم الله من ينصر دينه, وينصر رسله غائبا عنهم ان الله قادربذاته, لايفتقر الي عون احد.
وجاءوا في الهامش ببعض من صفات الحديد وفوائده.
حديد الارض في العلوم الكونيه
بينما لاتتعدي نسبه الحديد في شمسنا0.0037% فان نسبته في التركيب الكيميائي لارضنا تصل الي35,9% من مجموع كتله الارض المقدره بحوالي سته الاف مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فان كميه الحديد في الارض تقدر باكثر من الفي مليون مليون مليون طنا, ويتركز الحديد في قلب الارض, او مايعرف باسم لب الارض, وتصل نسبه الحديد فيه الي90% ونسبه النيكل( وهو من مجموعه الحديد) الي9% وتتناقص نسبه الحديد من لب الارض الي الخارج باستمرار حتي تصل الي5,6% في قشره الارض.
والي اواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لاحد من العلماء امكانيه التصور( ولو من قبيل التخيل) ان هذا القدر الهائل من الحديد قد انزل الي الارض من السماء انزالا حقيقيا!!
كيف انزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للارض بهذه الكميات المذهله؟ وكيف امكنه الاستمرار في التحرك بداخل الارض حتي وصل الي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الارض الصلب ولبها السائل علي هيئه كره ضخمه من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب, ثم اخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشره الارض الصلبه؟
لذلك لجا كل المفسرين للايه الكريمه التي نحن بصددها الي تفسير( وانزلنا الحديد) بمعني الخلق والايجاد والتقدير والتسخير, لانه لما كانت اوامر الله تعالي واحكامه تلقي من السماء الي الارض جعل الكل نزولا منها, وهو صحيح, ولكن في اواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء, الفلكيه ان الحديد لايتكون في الجزء المدرك من الكون الا في مراحل محدده من حياه النجوم تسمي بالعماليق الحمر, والعماليق العظام, والتي بعد ان يتحول لبها بالكامل الي حديد تنفجر علي هيئه المستعرات العظام, وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحه الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبيه اجرام سماويه تحتاج اليه مثل ارضنا الابتدائيه التي وصلها الحديد الكوني, وهي كومه من الرماد فاندفع الي قلب تلك الكومه بحكم كثافته العاليه وسرعته المندفع بها فانصهر بحراره الاستقرار في قلب الارض وصهرها, ومايزها الي سبع ارضين!! وبهذا ثبت ان الحديد في ارضنا, بل في مجموعتنا الشمسيه بالكامل قد انزل اليها انزالا حقيقيا.
اولا: انزال الحديد من السماء
في دراسه لتوزيع العناصر المختلفه في الجزء المدرك من الكون لوحظ ان غاز الايدروجين هو اكثر العناصر شيوعا اذ يكون اكثر من74% من ماده الكون المنظور, ويليه في الكثره غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من ماده الكون المنظور, وان هذين الغازين وهما يمثلان اخف العناصر وابسطها بناء يكونان معا اكثر من98% من ماده الجزء المدرك من الكون, بينما باقي العناصر المعروفه لنا وهي(103) عناصر تكون مجتمعه اقل من2% من ماده الكون المنظور,وقد ادت هذه الملاحظه الي الاستنتاج المنطقي ان انويه غاز الايدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفه لنا وانها جميعا قد تخلقت باندماج انويه هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعمليه تعرف باسم عمليه الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائله من الحراره,. وتتم بتسلسل من اخف العناصر الي اعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء.
فشمسنا تتكون اساسا من غاز الايدروجين الذي تندمج انويته مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقه هائله تبلغ عشره ملايين درجه مئويه, ويتحكم في هذا التفاعل( بقدره الخالق العظيم) عاملان هما زياده نسبه غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج, وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجه حراره لبها, وباستمرار هذه العمليه تزداد درجه الحراره في داخل الشمس تدريجيا, وبازديادها ينتقل التفاعل الي المرحله التاليه التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجه نوي ذرات الكربون12, ثم الاوكسجين16 ثم النيون20, وهكذا.
وفي نجم عادي مثل شمسنا التي تقدر درجه حراره سطحها بحوالي سته الاف درجه مئويه, وتزداد هذه الحراره تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتي تصل الي حوالي15 مليون درجه مئويه, يقدر علماء الفيزياء الفلكيه انه بتحول نصف كميه الايدروجين الشمسي تقريبا الي الهيليوم فان درجه الحراره في لب الشمس ستصل الي مائه مليون درجه مئويه, مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقه الي الاندماج في المراحل التاليه من عمليه الاندماج النووي مكونه عناصر اعلي في وزنها الذري مثل الكربون ومطلقه كما اعلي من الطاقه, ويقدر العلماء انه عندما تصل درجه حراره لب الشمس الي ستمائه مليون درجه مئويه يتحول الكربون الي صوديوم ومغنيسيوم ونيون, ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التاليه عناصر الالومنيوم, والسيليكون, والكبريت والفوسفور, والكلور, والارجون, والبوتاسيوم, والكالسيوم علي التوالي, مع ارتفاع مطرد في درجه الحراره حتي تصل الي الفي مليون درجه مئويه حين يتحول لب النجم الي مجموعات التيتانيوم, والفاناديوم, والكروم, والمنجنيز والحديد( الحديد والكوبالت والنيكل) ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج الي درجات حراره مرتفعه جدا لاتتوافر الا في مراحل خاصه من مراحل حياه النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام وهي مراحل توهج شديد في حياه النجوم, فانها لاتتم في كل نجم من نجوم السماء, ولكن حين يتحول لب النجم الي الحديد فانه يستهلك طاقه النجم بدلا من اضافه مزيد من الطاقه اليه, وذلك لان نواه ذره الحديد هي اشد نوي العناصر تماسكا, وهنا ينفجر النجم علي هيئه مايسمي باسم المستعر الاعظم من النمط الاول او الثاني حسب الكتله الابتدائيه للنجم, وتتناثر اشلاء النجم المنفجر في صفحه السماء لتدخل في نطاق جاذبيه اجرام سماويه تحتاج الي هذا الحديد, تماما كما تصل النيازك الحديديه الي ارضنا بملايين الاطنان في كل عام.
ولما كانت نسبه الحديد في شمسنا لاتتعدي0.0037% من كتلتها وهي اقل بكثير من نسبه الحديد في كل من الارض والنيازك الحديديه التي تصل اليها من فسحه الكون, ولما كانت درجه حراره لب الشمس لم تصل بعد الي الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون, او المغنيسيوم, فضلا عن الحديد, كان من البديهي استنتاج ان كلا من الارض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحه الكون, وان ارضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوي كومه من الرماد المكون من العناصر الخفيفه, ثم رجمت هذه الكومه بوابل من النيازك الحديديه التي انطلقت اليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العاليه وسرعاتها الكونيه فانصهرت بحراره الاستقرار, وصهرت كومه الرماد ومايزنها الي سبع ارضين: لب صلب علي هيئه كره ضخمه من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفه من مثل الكبريت, والفوسفور, والكربون(1%) يليه الي الخارج, لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا, ويكون لب الارض الصلب والسائل معا حوالي31% من مجموع كتله الارض, ويلي لب الارض الي الخارج وشاح الارض المكون من ثلاثه نطق, ثم الغلاف الصخري للارض, وهو مكون من نطاقين, وتتناقص نسبه الحديد من لب الارض الي الخارج باستمرار حتي تصل الي5,6% في قشره الارض وهي النطاق الخارجي من غلاف الارض الصخري.
من هنا ساد الاعتقاد بان الحديد الموجود في الارض والذي يشكل35,9% من كتلتها لابد وانه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعره من مثل العماليق الحمر, والعماليق العظام والتي انفجرت علي هيئه المستعرات العظام فتناثرت اشلاوها في صفحه الكون ونزلت الي الارض علي هيئه وابل من النيازك الحديديه, وبذلك اصبح من الثابت علميا ان حديد الارض قد انزل اليها من السماء, وان الحديد في مجموعتنا الشمسيه كلها قد انزل كذلك اليها من السماء, وهي حقيقه لم يتوصل العلماء الي فهمها الا في اواخر الخمسينيات, من القرن العشرين, وقد جاء ذكرها في سوره الحديد, ولايمكن لعاقل ان يتصور ورودها في القران الكريم الذي انزل منذ اكثر من اربعه عشر قرنا علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم) وفي امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين, يمكن ان يكون له من مصدر غير الله الخالق الذي انزل هذا القران بعلمه, واورد فيه مثل هذه الحقائق الكونيه لتكون شاهده الي قيام الساعه بان القران الكريم كلام الله الخالق, وان سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي( ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي.
ثانيا: الباس الشديد للحديد
الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء, فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب, والفضه, والنحاس, والرصاص, والقصدير والزئبق, وهو اكثر العناصر انتشارا في الارض(35,9%) ويوجد اساسا في هيئه مركبات الحديد من مثل اكاسيد, وكربونات, وكبر يتيدات, وكبريتات وسيليكات ذلك العنصر, ولايوجد علي هيئه الحديد النقي الا في النيازك الحديديه وفي جوف الارض.
والحديد عنصر فلزي شديد الباس, وهو اكثر العناصر ثباتا وذلك لشده تماسك مكونات النواه في ذرته التي تتكون من سته وعشرين بروتونا, وثلاثين نيوترونا, وسته وعشرين اليكترونا, ولذلك تمتلك نواه ذره الحديد اعلي قدر من طاقه التماسك بين جميع نوي العناصر الاخري, ولذا فهي تحتاج الي كميات هائله من الطاقه لتفتيتها او للاضافه اليها.
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفه بين جميع العناصر والسبائك المعروفه باعلي قدر من الخصائص المغناطيسيه, والمرونه( القابليه للطرق والسحب وللتشكل) والمقاومه للحراره ولعوامل التعريه الجويه, فالحديد لاينصهر قبل درجه1536 مئويه, ويغلي عند درجه3023 درجه مئويه تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر, وتبلغ كثافه الحديد7,874 جرام للسنتيمتر المكعب عند درجه حراره الصفر المطلق.
ثالثا: منافع الحديد للناس
للحديد منافع جمه وفوائد اساسيه لجعل الارض صالحه للعمران بتقدير من الله, ولبناء اللبنات الاساسيه للحياه التي خلقها ربنا( تبارك وتعالي) فكميه الحديد الهائله في كل من لب الارض الصلب, ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للارض, وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للارض, وغلاف الارض الغازي يحميها من الاشعه والجسيمات الكونيه ومن العديد من اشعات الشمس الضاره, ومن ملايين الاطنان من النيازك, ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الارضيه المهمه من مثل دوره كل من الماء, والاوكسجين, وثاني اكسيد الكربون, والاوزون وغيرها من العمليات اللازمه لجعل الارض كوكبا صالحا للعمران.
والحديد لازمه من لوازم بناء الخليه الحيه في كل من النبات والحيوان والانسان اذ تدخل مركبات الحديد في تكوين الماده الخضراء في النباتات( الكلوروفيل) وهو المكون الاساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعمليه التمثيل الضوئي اللازمه لنمو النباتات, ولانتاج الانسجه النباتيه المختلفه من مثل الاوراق والازهار, والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد الي انسجه ودماء كل من الانسان والحيوان, وعمليه التمثيل الضوئي هي الوسيله الوحيده لتحويل طاقه الشمس الي روابط كيميائيه تختزن في اجساد جميع الكائنات الحيه, وتكون مصدرا لنشاطها اثناء حياتها, وبعد تحلل اجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول الي مختلف صور الطاقه المعروفه( القش, والحطب, والفحم النباتي, والفحم الحجري, والغاز الفحمي والنفط, والغاز الطبيعي وغيرها), والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواه الخليه الحيه الموجوده في الماده الحامله للشفره الوراثيه للخليه( الصبغيات) كما يوجد في سوائل الجسم المختلفه, وهو احد مكونات الهيموجلوبين وهي الماده الاساسيه في كرات الدم الحمراء, ويقوم الحديد بدور مهم في عمليه الاحتراق الداخلي للانسجه والتمثيل الحيوي بها. ويوجد في كل من الكبد, والطحال والكلي, والعضلات والنخاع الاحمر, ويحتاج الكائن الحي الي قدر محدد من الحديد اذا نقص تعرض للكثير من الامراض التي اوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنيه والعسكريه فلا تكاد صناعه معدنيه ان تقوم في غيبه الحديد.
العلاقه بين رقم سوره الحديد في المصحف الشريف ورقم الايه في السوره بكل من الوزن الذري والعدد الذري للحديد علي التوالي
للحديد ثلاثه نظائر يقدر وزنها الذري بحوالي57,56,54 ولكن اكثرها انتشارا هو النظير الذي يحمل الوزن الذري56(55,847).
ومن الغريب ان رقم سوره الحديد في المصحف الشريف هو57, وهو يتفق مع الوزن الذري لاحد نظائر الحديد, ولكن القران الكريم يخاطب المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في سوره الحجر بقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقران العظيم( الحجر:87)
وواضح من هذه الايه الكريمه ان القران الكريم بنصه يفصل فاتحه الكتاب عن بقيه القران الكريم, وبذلك يصبح رقم سوره الحديد(56) وهو الوزن الذري لاكثر نظائر الحديد شيوعا في الارض, كذلك وصف سوره الفاتحه بالسبع المثاني واياتها ست يوكد ان البسمله ايه منها( ومن كل سوره من سور القران الكريم ذكرت في مقدمتها, وقد ذكرت في مقدمه كل سور القران الكريم ماعدا سوره( التوبه) وعلي ذلك فاذا اضفنا البسمله في مطلع سوره الحديد الي رقم ايه الحديد وهو(25) اصبح رقم الايه(26) وهو نفس العدد الذري للحديد, ولايمكن ان يكون هذا التوافق الدقيق قد جاء بمحض المصادفه لانها لايمكن ان تودي الي هذا التوافق المبهر في دقته, وصدق الله العظيم الذي قال في وصفه للقران الكريم.
لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكه يشهدون وكفي بالله شهيدا*
(النساء:166)
وقوله تعالي افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
(النساء82)