منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > عقيدة أهل السنة والجماعة
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-2014, 04:16 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عمرالحسني غير متواجد حالياً


افتراضي سياج علم الشريعة

إن المتقدسين بالعزلة عن دنس الدنيا، المتنزهين عن مخالطة الغافلين، الذاكرين الله كثيرا في الخلوات، كانوا عرضة للخطإ والزيغ من جهات لا يتعرض لها عامة الناس. كانت لهم أذواق تلْطُف أن يُلِمّ بها الخيال، أو يحوم حول حماها كثيف المقال. والأذواق والكشف تخطئ كما يخطئ الرأي، بل يجد الشيطان والهوى منهما مدخلا ليستحوذا على هواجس النفس ويكدرا خواطر القلب. لذا كان مُعوَّل أئمة الصوفية على سياج الشريعة يحوطون به تلامذتهم، ويذكِّرون ويبصِّرون. إذ لا عاصم من الزيغ العامد والخطإ غير الراشد إلا معيار التقوى وتعليم الهدى. وما زال أئمة التربية يوصون بحفظ الشرع والوقوف عند الأمر والنهي تلامذتهم المُقدمين على خوض لُجّة الرياضات وسلوك فجاج الخلوات.
كان أبو سعيد الخراز يقول: "كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل". ويقول الإمام الجنيد: "علمنا هذا مشتبك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم". ويقول: "سمعت أبا سليمان الداراني يقول :ربما تقع في نفسي النكتَةُ من نُكتِ القوم (يعني الذوق من أذواقهم) أياماً، فلا أقبل منها إلا بشاهدين عدلين: الكتابِ والسنةِ". ويقول أبو يزيد البسطامي: "لو نظرتم إلى رجل أُعطِيَ من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود". ويقول سري السقَطِيُّ: "من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط". ويقول أبو بكر الشفاف: "من ضيع حدود الأمر والنهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في الباطن". ويقول الجريري: "أمْرُنا هذا مجموع كله على فضل واحد، وهو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما". ويقول أبو جعفر: "من لم يَزِن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعُدَّه في ديوان الرِّجال".
قال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمان بن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس"[1]. بعد أن سرد مقالات الأئمة هذه: "وإذ قد ثبت هذا من أقوال شيوخهم، وقعت من بعض أشياخهم غلطات لبعدهم عن العلم. فإن كان ذلك صحيحا عنهم توجه الرد عليهم، إذ لا محاباة في الحق، وإن لم يصِحَّ عنهم حذرنا من مثل هذا القول، وذلك (هو) المذهب من أي شخص صدر".
ابن الجوزي رحمه الله في كتابه نموذج للعلماء القائمين على الحدود، الحافظين لسياج الشريعة أن يُخْترق، الذابّين عن حرمتها أن تنتهك. لذا فهو يندِّدُ بما نقل من خطإ وعيب نُسب إلى شخص، ويحذر مما لم يقع مخافة أن يقع. فذلك مذهبه في سد الذرائع. إذا أضفنا إلى هذا أنه كتب كتابه ليؤدي أمانة العلم كما قال بِتِبْيانِ غلط كل الغالطين، وأنه خصص لثلب الصوفية مائتين وثمانية وأربعين صفحة بينما لم يذكر الأمراء والسلاطين وتلبيس إبليس عليهم إلا في ثلاث صفحات ظهر التحامُل، ومالت كِفة الميزان عن استقامة العدل.
الله وحده يعلم ما آل إليه أمر العلامة ابن الجوزي في آخر حياته، وقد تآمر عليه ابن له عاقٌّ فسُجن وهو في الثمانين من عمره في بيت وحده مدة خمس سنوات. الله أعلم متى كتب مثالب الصوفية وهل رجع وهو في محنته النهائية عن قوله في المكاشفة: "كلام فارغ"[2].، وقد كان له ابن آخر غير العاق قدمه لشيخ صوفي ألبسه الخرقة ورباه.
ويا ليت المتحاملين على الصوفية من قراء ابن الجوزي السطحيين ينقادون للحق، ويعرضون أفعال الصوفية، بعد أن يخالطوهم ويتثبّثوا من صحة المعطيات، على الكتاب والسنة بدل أن يقلدوا منهجية الشك والحكم على ما صح عن بعضهم وما لم يصح كما أعلن ذلك ابن الجوزي نفسه.
على أن ابن الجوزي رحمهُ الله، مع تطرفه، لم يكن من المكفرين المُغْلَقين. فإنه يقول: "وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة وله غلطات، فلا تمنع منزلته من بيان زَلَلِه"[3].
ويا ليت لقراء ابن تيمية الحاملين لواء التبديع والتكفير عُشر ما عند الرجل من معرفة بأحوال الصوفية إن لم يكن لهم عشر ما كان معه من العلم والاطلاع. إذن لكان حُكمهم أقرب إلى التواضع.
ابن الجوزي رحمه الله كان يتكلم من خارج حوزة التصوف، ويذُب عن حِمى الشريعة في حركة واحدة ما هو خطأ وعيب بالفعل، وما هو خطأ وعيب محتمل، وما هو صحيح وما لم يصح.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فكان أوسع أفقا وأكثر تثبثا وأدق معرفة بموضوعه. وما جاء من شذوذ ومبالغات وخطإ في أحكامه على بعض الصوفية فمردُّه إلى قصور ما كان له معهم من "القدر المشترك". ذلك القدر الذي لا يعترف به ابن الجوزي ولا يُقرُّه وإن كان يفرض فرضا أن من الصوفية من قد يكون وليا من أهل الجنة.
أئمة القوم أحق أن يُسْمع لشهادتهم. فهم كانوا ينظرون إلى المشْهَد من داخل بحكم كونهم من أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها. ثم هم كانوا ينطقون بلسان الشرع لأنهم كانوا من علماء الشرع الراسخين، ولأنهم قبل كل شيء يعلمون أن ما بلغوه من مقامات القرب عند الله ما كان لتفتَح لهم أبوابهُ إلا بالاتباع للسنة المصطفوية، على حبيبنا محمد أفضل الصلاة والسلام.
لذا فوصاياهم إلى مريديهم رائدها العلم الظاهر، وروحها اليقين العملي "التجريبـي" بأن الطريق مغْلقة بلا رَجْعة ولا شفاعة في وجه من يبتغيها عوجا عن استقامة الكتاب والسنة.
قال الإمام الرفاعي لمريد مُعجَب بشطحات الصوفية، يزجره إلى الشرع وأئمته: أي سادة! تقولون: قال الحرث! قال أبو يزيد! قال الحلاج! ما كان الحال قبل هذه الكلمات؟! قولوا: قال الشافعي، قال مالك، قال أحمد، قال نعمان. صححوا المعاملات البَيْنِيَّة، وبعدها تفكهوا بالمقالات الزائدة. قال الحرث وأبو يزيد لا ينقص ولا يزيد! وقال الشافعي ومالك أنجح الطرق وأقرب المسالك. صححوا دعائم الشريعة بالعلم والعمل وبعدها ارفعوا الهمة للغوامض من أحكام العلم وحكم العمل. مجلس علم أفضل من عبادة سبعين سنة. (أي من العبادات الزائدة عن المفروضات التي يتعبد فيها الرجل بغير علم). )هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ( (سورة الزمر، الآية: 9). )أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ( (سورة الرعد، الآية: 16). أشياخ الطريقة وفرسان ميادين الحقيقة يقولون لكم: خذوا بأذيال العلماء. لا أقول لكم: تفلسفوا، ولكن أقول لكم : تفقهوا. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"[4].
كان الإمام أبو الحسن الشاذلي، شيخ مشايخنا رحمه الله لا يقبل مريدا في دائرته حتى يعقد له مجلسا يناظر فيه العلماء.
ومن تعظيم الإمام الرفاعي للعلماء قوله: "أي سادة! عظموا شأن الفقهاء والعلماء كتعظيمكم شأن الأولياء والعرفاء. فإن الطريق واحد. وهؤلاء وُرّاث ظاهر الشريعة وحَمَلَة أحكامها الذين يعلّمونها الناس، وبها يصل الواصلون إلى الله، إذ لا فائدة بالسعي والعمل على الطريق المغاير للشرع. ولو عبد الله العابد خمسمائة عام بطريقة غير شرعية فعبادته راجعة إليه، وَوِزْرُه عليه، ولا يقيم الله له يوم القيامة وزنا. وركعتان من فقيه في دينه أفضلُ عند الله من ألفي ركعة من فقير جاهل في دينه. فإياكم وإهمالَ حقوق العلماء! وعليكم بحسن الظن فيهم جميعا. وأما أهل التقوى منهم، العاملون بما علمهم الله، فهم الأولياء على الحقيقة. فلتكن حُرمتهم عندكم محفوظة"[5].
إنه معيارٌ لا يخطئ في معرفة الصادقين وتمييز أهل الزَّغْل والتخليط: التمسكُ بظاهر الشريعة كما يتمسك الغريق بخشبة النجاة. فإن طريق السلوك وعقباته مزروعة بأنواع الابتلاء من نوع الفتن الظاهرة، التي يعاينها الخاص والعام، ومن نوع الفتن الباطنة. فإن كان تمسك المومن من العامة بالشريعة واجبا مرة، فهو في حق السالك مؤكد مرتين. وما هَلك من هلَك في هذه الطريق، ونقص من نقص، وهام من هام في أودية الأوهام إلا بحل عقدة الاعتصام بالعلم الموحى به. قال ابن عطاء الله رحمه الله: "ما حرموا الوصول إلا بتضييعهم الأصول".
وقال الإمام عبد القادر قدس الله سره: "عليكم بالإيمان، ثم بالإيقان، ثم بالفَناء والوجود بالله عز وجل لا بك ولا بغيرك. مع حفظ الحدود، مع إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم، مع إرضاء المتلوِّ المسموع المقروء. لا كرامة لمن يقول غير هذا! هذا الذي في المصحف والألواح كلامُ الله عز وجل، طرفٌ بيده وطرف بأيدينا. عليك بالله عز وجل، والانقطاع إليه والتعلق به، فإنه يكفيك مؤونَة الدنيا والآخرة، ويحفظك في الحياة والممات، ويذُب عنك في جميع الأحوال. عليك بهذا السواد على البياض (المصحف). اخدمه حتى يخدُمَك، يأخذ بيد قلبك، ويوقفه بين يدي ربه عز وجل. العملُ به يَريشُ جناحي قلبك فيطير بهما إلى ربه عز وجل"[6].
وقال رحمه الله: "كل من لم يتبعْ النبي صلى الله عليه وسلم، ويأخذْ شريعته في يده، والكتاب المنزل عليه في اليد الأخرى لا يصل في طريقه إلى الله عز وجل. يَهْلِك ويُهلِك! يَضِلُّ ويُضِل! هما دليلان إلى الحق عز وجل. القرآن دليلك إلى الحق عز وجل. والسنة دليلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. اللهم باعد بيننا وبين نفوسنا"[7].
وقال قدس الله سره: "طر إلى الحق بجناحي الكتاب والسنة. ادخل عليه ويدك في يد الرسول صلى الله عليه وسلم. اجعله وزيرك ومعلمك. دع يده تزيِّنك وتمشِّطك! وتعرضك علي! هو الحاكم بين الأرواح، المربي للمريدين، جهبذُ المرادين، أمير الصالحين، قَسّام الأحوال والمقامات بينهم، لأن الحق عز وجل فوض له ذلك، جعله أمير الكل. الخِلَع إذا خرجت من عند الملك للجند إنّما تُقسَّم على يد أميرهم. التوحيد عبادة. والشرك بالخلق عادة"[8].
وقال رحمه الله: "يا غلام! تذكُّرُكَ له يقرب قلبك منه. تدخل إلى بيت قربه وتصير ضيفا له. الضيف يُكرَم ولاسيما ضيف الملك. إلى متى تشتغـل عن هذا الملك بالمُلْك؟ والمُلْك عن قريب تفارقه. مُلْكُكَ مَلَكَكَ! عن قريب تحصُل في الآخرة! وترى كأن الدنيا لم تكن، والآخرة لم تزل. لا تهربوا مني لفقر يدي! فإن عندي غنىً عنكم وعن أهل المشرق والمغرب! إنما أريدكم لكم! في حبالكم أفْتِلُ!
"لا تبتدع وتُحْدِثْ في دين الله عز وجل شيئا لم يكن. اتبع الشاهدين العدلين الكتاب والسنة فإنهما يوصلانك إلى ربك عز وجل. وأما إذا كنت مبتدعا فشاهداك عقلُك وهواك. فلا جَرَم يوصلانك إلى النار. ويلحقانك بفرعون وهامان وجنودِهما. لا تحتجَّ بالقدر، فلا يقبل منك. لابد لك من الدخول إلى دار العلم والتعلم، ثم العمل، ثم الإخلاص. بك لا يجيء شيء ولابد منك. اجعل سعيك في طلب العلم والعمل، ولا تجعله في طلب الدنيا. عن قريب ينقطع سعيك، فاجعل سعيك فيما ينفعك"[9]. واضح أن موعظة الشيخ موجهه لملك أو أمير.
قال عالم صادق لواعظ كذاب:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهمـا إذ عبت منهـم أمـورا أنت تـأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا فالمـوبقـات لَعَـمْـري أنت جانيهـا
تعيـب دنيـا ونـاسـا راغبـين لهـا وأنـت أكـثـر منـهم رغـبـة فيهـا

وقال آخر لآخر يغشى مجالس الأمراء ويأكل الدنيا بالدين:
يا جـاعـل العلـم له بـازِيـا يصطــاد أمــوال المســاكيـن
احتـلـت للـدنـيـا ولـذاتـهــا بحـيـلـة تـذهــب بـالـديـن
فصـرت مجـنـونـا بها بعـدما كـنـت دواء للمـجــانـيــن
أيـن روايــاتـك فـي ســردها عـن ابن عـون وابـن سيـرين؟
أيـن روايــاتـك والقــولُ فـي لـزوم أبــواب السـلاطيــن؟
إن قلت: أُكْـرِهْـتُ، فماذا كذا زلَّ حمــار العلـم في الطـين

وقلت:
مُحَـيَّــاكَ يَا عَالِــمَ المُسْـلِمِـينَ سِـراجٌ ومَـعْـلَمَــةٌ في الطَّـريـقْ
أَنَرتَ العُقُـولَ وصُغْــتَ الفُهوم وَحُطْتَ الشَّريعَةَ دُونَ المُرُوق
رَفَعْتَ نِدَانَا وَصُنْتَ حِمَــانَا وبِالرِّفْقِ تُمْسِكُ كفَّ الغـرِيـقْ




[1] ص 188-189.
[2] انظر تلبيس إبليس ص 148.
[3] المصدر السابق ص 189.
[4] البرهان المؤيد ص 69.
[5] المصدر السابق ص 67.
[6] الفتح الرباني ص 111.
[7] المصدر السابق ص 117.
[8] المصدر السابق ص179.
[9] المصدر السابق ص 192







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشريعة الإسلامية النهر الأزرق رحيق الحوار العام 1 11-01-2011 06:06 AM
الشريعة الإسلامية النهر الأزرق رحيق الحوار العام 3 04-11-2010 10:57 AM
سياج العفاف لؤلؤة الغرب رحيق الحوار العام 1 29-07-2009 02:07 PM
زجاج في زجاج زهرة البنفسج المطبخ وتنسيق المنزل 2 29-11-2008 08:38 PM
معلقة عنتره بن شداد admin المنتديات الأدبية :الشعر العربى ، من بوح قلمى 0 15-11-2008 11:02 PM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة