منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-07-2009, 03:08 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


اسماعيل ابراهيم محمد غير متواجد حالياً


Question سورة البقرة (5)

( 30 - 45 )
" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين "
هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك وأن الله مستخلفه في الأرض فقالت الملائكة عليهم السلام
" أتجعل فيها من يفسد فيها "
بالمعاصي
" ويسفك الدماء "
[ وهذا تخصيص بعد تعميم لبيان [ شدة ] مفسدة القتل وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك فنزهوا الباري عن ذلك وعظموه وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا :
" ونحن نسبح بحمدك "
أي : ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك
" ونقدس لك "
يحتمل أن معناها : ونقدسك فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص ويحتمل أن يكون : ونقدس لك أنفسنا أي : نطهرها بالأخلاق الجميلة كمحبة الله وخشيته وتعظيمه ونطهرها من الأخلاق الرذيلة
قال الله تعالى للملائكة :
" إني أعلم "
من هذا الخليفة
" ما لا تعلمون "
؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم وأنا عالم بالظواهر والسرائر وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولتظهر آياته لخلقه ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة كالجهاد وغيره وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان وليتبين عدوه من وليه وحزبه من حربه وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه واتصف به فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك
ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض أراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله وكمال حكمة الله وعلمه ف
" وعلم آدم الأسماء كلها "
أي : أسماء الأشياء ومن هو مسمى بها فعلمه الاسم والمسمى أي : الألفاظ والمعاني حتى المكبر من الأسماء كالقصعة والمصغر كالقصيعة

" ثم عرضهم "
أي : عرض المسميات
" على الملائكة "
امتحانا لهم هل يعرفونها أم لا ؟

" فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "
في قولكم وظنكم أنكم أفضل من هذا الخليفة

" قالوا سبحانك "
أي : ننزهك عن الاعتراض منا عليك ومخالفة أمرك
" لا علم لنا "
بوجه من الوجوه
" إلا ما علمتنا "
إياه فضلا منك وجودا
" إنك أنت العليم الحكيم "
العليم الذي أحاط علما بكل شيء فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر
الحكيم : من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ولا يشذ عنها مأمور فما خلق شيئا إلا لحكمة ولا أمر بشيء إلا لحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به فأقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته وقصورهم عن معرفة أدنى شيء واعترافهم بفضل الله عليهم وتعليمه إياهم ما لا يعلمون
فحينئذ قال الله :
" يا آدم أنبئهم بأسمائهم "
أي : أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها

" فلما أنبأهم بأسمائهم "
تبين للملائكة فضل آدم عليهم وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة
" قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض "
وهو ما غاب عنا فلم نشاهده فإذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب أولى
" وأعلم ما تبدون "
أي : تظهرون
" وما كنتم تكتمون "

ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم إكراما له وتعظيما وعبودية لله تعالى فامتثلوا أمر الله وبادروا كلهم بالسجود
" إلا إبليس أبى "
امتنع عن السجود واستكبر عن أمر الله وعلى آدم قال :
" أأسجد لمن خلقت طينا "
وهذا الإباء منه والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره
وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله تعالى وأنه لم يزل متكلما يقول ما شاء ويتكلم بما شاء وأنه عليم حكيم وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم واتهام عقله والإقرار لله بالحكمة وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة وإحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا وتنبيههم على ما لم يعلموه
وفيه فضيلة العلم من وجوه : منها : أن الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته ومنها : أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم وأنه أفضل صفة تكون في العبد ومنها : أن الله أمرهم بالسجود لآدم إكراما له لما بان فضل علمه ومنها : أن الامتحان للغير إذا عجزوا عما امتحنوا به ثم عرفه صاحب الفضيلة فهو أكمل مما عرفه ابتداء ومنها : الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن وبيان فضل آدم وإفضال الله عليه وعداوة إبليس له إلى غير ذلك من العبر


( 35 - 36 )
" وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "
لما خلق الله آدم وفضله أتم نعمته عليه بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها ويستأنس بها وأمرهما بسكنى الجنة والأكل منها
" رغدا "
أي : واسعا هنيئا
" حيث شئتما "
أي : من أي أصناف الثمار والفواكه وقال الله له :
" إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى "


" ولا تقربا هذه الشجرة "
نوع من أنواع شجر الجنة الله أعلم بها وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [ أو لحكمة غير معلومة لنا )
" فتكونا من الظالمين "
دل على أن النهي للتحريم لأنه رتب عليه الظلم
فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه حتى أزلهما أي : حملهما على الزلل بتزيينه
" وقاسمهما "
بالله
" إني لكما لمن الناصحين "
فاغترا به وأطاعاه فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة

" بعضكم لبعض عدو "
أي : آدم وذريته أعداء لإبليس وذريته ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق وحرمانه الخير بكل طريق ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى :
" إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير "

" أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا "

ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض فقال :
" ولكم في الأرض مستقر "
أي : مسكن وقرار
" ومتاع إلى حين "
انقضاء آجالكم ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها وخلقت لكم ففيها إن مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة ليست مسكنا حقيقيا وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار ولا تعمر للاستقرار


( 37 )
" فتلقى آدم "
أي : تلقف وتلقن وألهمه الله
" من ربه كلمات "
وهي قوله :
" ربنا ظلمنا أنفسنا "
الآية فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته
" فتاب "
الله
" عليه "
ورحمه
" إنه هو التواب "
لمن تاب إليه وأناب
وتوبته نوعان : توفيقه أولا ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا

" الرحيم "
بعباده ومن رحمته بهم أن وفقهم للتوبة وعفا عنهم وصفح


( 38 - 39 )
" قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "
كرر الإهباط ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله :
" فإما يأتينكم مني هدى "
أي : أي وقت وزمان جاءكم مني - يا معشر الثقلين - هدى أي : رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني ويدنيكم من رضائي
" فمن تبع هداي "
منكم بأن آمن برسلي وكتبي واهتدى بهم وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب والامتثال للأمر والاجتناب للنهى
" فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون "

وفي الآية الأخرى :
" فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى "

فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء : نفي الخوف والحزن والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن وإن كان منتظرا أحدث الخوف فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا حصل ضدهما وهو الأمن التام وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء فحصل له المرغوب واندفع عنه المرهوب وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به وكذب بآياته
ف
" أولئك أصحاب النار "
أي : الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه والغريم لغريمه
" هم فيها خالدون "
لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون
وفي هذه الآيات وما أشبهها انقسام الخلق من الجن والإنس إلى أهل السعادة وأهل الشقاوة وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب كما أنهم مثلهم في الأمر والنهي
ثم شرع تعالى يذكر بني إسرائيل نعمه شرع عليهم وإحسانه فقال : ( 40 - 43 )
" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "

" يا بني إسرائيل "
المراد بإسرائيل : يعقوب عليه السلام والخطاب مع فرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها ويدخل فيهم من أتى من بعدهم فأمرهم بأمر عام فقال :
" اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم "
وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها والمراد بذكرها بالقلب اعترافا وباللسان ثناء وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه

" وأوفوا بعهدي "
وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله وإقامة شرعه
" أوف بعهدكم "
وهو المجازاة على ذلك
والمراد بذلك : ما ذكره الله في قوله :
" ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي "
إلى قوله :
" فقد ضل سواء السبيل "

ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى وخشيته وحده فإن من خشية أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه
ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ولا يصح إلا به فقال :
" وآمنوا بما أنزلت "
وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالإيمان به واتباعه ويستلزم ذلك الإيمان بمن أنزل عليه وذكر الداعي لإيمانهم به فقال :
" مصدقا لما معكم "
أي : موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الإيمان به لأنه جاء بما جاءت به المرسلون فأنتم أولى من آمن به وصدق به لكونكم أهل الكتب والعلم
وأيضا فإن في قوله :
" مصدقا لما معكم "
إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء فتكذيبكم له تكذيب لما معكم
وأيضا فإن في الكتب التي بأيديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به فإن لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما أنزل إليكم ومن كذب ببعض ما أنزل إليه فقد كذب بجميعه كما أن من كفر برسول فقد كذب الرسل جميعهم
فلما أمرهم بالإيمان به نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال :
" ولا تكونوا أول كافر به "
أي : بالرسول والقرآن
وفي قوله :
" أول كافر به "
أبلغ من قوله : ( ولا تكفروا به ) لأنهم إذا كانوا أول كافر به كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به عكس ما ينبغي منهم وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم
ثم ذكر المانع لهم من الإيمان وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية فقال :
" ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا "
وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل التي يتوهمون انقطاعها إن آمنوا بالله ورسوله فاشتروها بآيات الله واستحبوها وآثروها

" وإياي "
أي : لا غيري
" فاتقون "
فإنكم إذا اتقيتم الله وحده أوجبت لكم تقواه تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم
ثم قال :
" ولا تلبسوا "
أي : تخلطوا
" الحق بالباطل وتكتموا الحق "
فنهاهم عن شيئين عن خلط الحق بالباطل وكتمان بيان الحق ؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل وإظهار الحق ليهتدي بذلك المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين ؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته ليميز الحق من الباطل ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين فمن عمل بهذا من أهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم
ومن لبس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك وكتم الحق الذي يعلمه وأمر بإظهاره فهو من دعاة جهنم لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين
ثم قال :
" وأقيموا الصلاة "
أي : ظاهرا وباطنا
" وآتوا الزكاة "
مستحقيها
" واركعوا مع الراكعين "
أي : صلوا مع المصلين فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة وبين الإخلاص للمعبود والإحسان إلى عبيده وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية
وقوله :
" واركعوا مع الراكعين "
أي : صلوا مع المصلين ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبر عن الصلاة بالركوع والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها


( 44 )
" أتأمرون الناس بالبر "
أي : بالإيمان والخير
" وتنسون أنفسكم "
أي : تتركونها عن أمرها بذلك والحال :
" وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير وينعقل به عما يضره وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به وأول تارك لما ينهى عنه فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله أو نهاه عن الشر فلم يتركه دل على عدم عقله وجهله خصوصا إذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "
وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين : أمر غيره ونهيه وأمر نفسه ونهيها فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين والنقص الكامل أن يتركهما وأما قيامه بأحدهما دون الآخر فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة


( 45 - )
" واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون "
أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها والصبر عن معصية الله حتى يتركها والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور ومن يتصبر يصبره الله وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان وتنهي عن الفحشاء والمنكر يستعان بها على كل أمر من الأمور
" وإنها "
أي : الصلاة
" لكبيرة "
أي : شاقة
" إلا على الخاشعين "
فإنها سهلة عليهم خفيفة ؛ لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحا صدره لترقبه للثواب وخشية من العقاب بخلاف من لم يكن كذلك فإنه لا داعي له يدعوه إليها وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه
والخشوع هو : خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا وإيمانا به وبلقائه ولهذا قال :
" الذين يظنون "
أي : يستيقنون
" إنهم ملاقوا ربهم "
فيجازيهم بأعمالهم
" وأنهم إليه راجعون "
فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات ونفس عنهم الكربات وزجرهم عن فعل السيئات فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات وأما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه
ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم وتحذيرا وحثا
وخوفهم بيوم القيامة الذي
" لا تجزي "
فيه أي : لا تغني
" نفس "
ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين
" عن نفس "
ولو كانت من العشيرة الأقربين
" شيئا "
لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه
" ولا يقبل منها "
أي : النفس شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه وكان على السبيل والسنة
" ولا يؤخذ منها عدل "
أي : فداء
" ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب "
ولا يقبل منهم ذلك
" ولا هم ينصرون "
أي : يدفع عنهم المكروه فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه فقوله :
" لا تجزي نفس عن نفس شيئا "
هذا في تحصيل المنافع
" ولا هم ينصرون "
هذا في دفع المضار فهذا النفي للأمر المستقل به النافع

" ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل "
هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل أو بغيره كالشفاعة فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته
.تابع......







رد مع اقتباس
قديم 04-07-2009, 06:16 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


مسلمة وافتخر غير متواجد حالياً


افتراضي

جزاك الله خيرا اخي في الله واتابك الله الجنة







التوقيع

[SIZE=6][/Shttp://sh11sh.com/vb/image.php?type=sigpic&userid=638&dateline=12815677 76IZE]

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سورة البقرة اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 0 29-07-2009 03:47 PM
سورة البقرة اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 0 11-07-2009 01:12 AM
سورة البقرة (6) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 2 08-07-2009 10:34 PM
سورة البقرة (4) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 1 04-07-2009 02:31 AM
سورة البقرة (3) اسماعيل ابراهيم محمد القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 2 04-07-2009 02:29 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة