رمضان والمسحراتي يفتقدان الإمام
بقلم: عاهد ناصر الدين
شهر رمضان المبارك كما ارتبطت به انتصارات المسلمين وفتوحاتهم ارتبطت به أيضا ومنذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يعمل على إيقاظ الناس وإعانتهم على العبادة والطاعة «وكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول من عمل بهذا العمل الجليل في التاريخ الإسلامي فكان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الرعية للسحور بصوته الندي، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول«إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتي ينادي ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى أذان الفجر.
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها { أن بلالاً كان يؤذِّن بليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر ... } رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يمنعنَّ أحدَكم – أو أحداً منكم – أذانُ بلال من سحوره ، فإنه يؤذِّن أو ينادي بليل لِيَرْجِعَ قائِمَكُم ولِيُنَبِّهَ نائِمَكُم ، وليس أن يقول الفجر أو الصبح – وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل – حتى يقول هكذا ، وقال زهير بسبَّابتيه إِحداهما فوق الأخرى ، ثم مدهما عن يمينه وشماله } رواه البخاري ومسلم وأحمد .
وامتد هذا إلى بلاد المسلمين من مكة إلى مصر إذ قام الوالي عنتبة بن اسحق سنة 832هـ، بهذه المهمة من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتى مسجد عمرو بن العاص سيرا على الأقدام ،وهو ينادي «عباد الله تسحروا» فإن في السحور بركة
وفي مدينة الإسكندرية يقوم المسحراتي بإيقاظ الناس داقا على الأبواب
وقد أعاد الظاهر بيبرس مهمة إيقاظ الناس بعد أن كادت أن تختفي في العصر المملوكي وعين أناساً مخصوصين .
إلا أن هذه المهنة والعمل الجليل والتي امتدت حتى بعد سقوط الخلافة تكاد تختفي من معظم فلسطين .
إنه وإن غاب المسحراتي لوجود وسائل وأساليب يستطيع الناس الإستيقاظ بها ،فإن المسلمين يحرصون على صيام شهر رمضان المبارك فهو محل اهتمامهم في كل مكان من هذه الأرض ،ولا يجرؤ أحد من المسلمين على الإفطار في نهار رمضان ، وإن جاهر بفطره تم الإنكار عليه والحمد لله .
فهو ركن من أركان الإسلام ،عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) رواه البخاري و مسلم .
وهنا يرد سؤال
قد تستطيع الأمة الإستغناء عن المسحراتي فهل تستطيع الإستغناء عن تنصيب الإمام ؟؟
الإمام الذي يوحد الأمة ويجمع المسلمين على كلمة واحدة .
الإمام الذي يعلن بداية الصوم وبداية الفطر.
رمضان يفتقد الإمام ؛فقد أصبحت له ثلاثة أيام للبداية ومثلها للنهاية .
هلال رمضان لا يستطيع دخول بلاد المسلمين في يوم واحد لوجود الحدود الوهمية والقرارت السياسية التي تقف سدا منيعا أمام وحدة المسلمين .
أليس تنصيب الإمام فرضا فرضه الله تعالى على المسلمين ؟؟
رمضان والمسحراتي والمسلمون ؛ بل الناس جميعا يفتقدون الإمام .
ورد في كتاب العقد الفريد الجزء الأول
(كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل فكتب إليه الحسن رحمه الله: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها الذي يرتاد لها أطيب المراعي ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع ويكنها من أذى الحر والقر.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلاً تسهر بسهره وتسكن بسكونه ترضعه تارة وتفطمه أخرى وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم.
فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر.
واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت فيه يطول فيه ثواؤك ويفارقك أحباؤك يسلمونك في قعره فريداً وحيداً.
فتزود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه واذكر يا أمير المؤمنين " إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور " فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
فالآن يا أمير المؤمنين وأنت مهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل.
لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة فتبوء بأوزارك مع أوزارك وتحمل أثقالك مع أثقالك.
ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك.
ولا تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم.
إني يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي فلم آلك شفقة ونصحاً فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة.
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته).
فالخليفة هو الذي ينوب عن الأُمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع. ذلك أن الإسلام قد جعل الحكم والسلطان للأُمة، تُنيب فيه من يقوم به نيابة عنها. وقد أوجب الله عليها تنفيذ أحكام الشرع جميعها. قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 .
الناقل الراجي رحمه ربه تراب