منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-04-2009, 12:08 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي قصة الاسلام

قصة الإسلام في شرق إفريقيا



اتصل العرب بإفريقيا بغرض التجارة، فلمَّا اشتدَّ أذى المشركين كانت الهجرة إلى النجاشي في الحبشة، فكان ذلك أولى خطوات الإسلام في إفريقيا، ثم انتشر الإسلام ودخل شمال إفريقيا، وبعد انهيار الخلافة الأُموية، هرب بعض الأمويون إلى الأندلس وبعضهم إلى إريتريا فنشروا الإسلام، وكذلك هاجر بعض العرب من دولة القرامطة إلى الصومال فأسسوا مدينة مقديشيو، وكوَّنوا فيها مجلس المدينة، ثم تحولت إلى سلطنة فيما بعد، فأصبح شرق إفريقيا موطنًا للإسلام والثقافة الإسلامية.
وعند سقوط الأندلس بدأت حملات اكتشاف أوربا للقارة، فاحتلوا جزيرة زنجبار، فوقع العالم الإسلامي تحت الاحتلال من مختلف الدول الأوربية، وبدأ النضال الإسلامي للاستقلال، فظهر في الصومال محمد بن عبد الله حسن الشهير بالمُلاَّ، فاستطاع أن يستقلَّ بالبلاد مدَّة عشرين عامًا، وبَرَزَ في مقديشو حزب "رابطة وَحدة الشباب"، أمَّا جيبوتي فكانت جزءًا من الصومال واحتلتها فرنسا. وفي إثيوبيا (الحبشة) استمرَّ الحكم الإسلامي أربعمائة سنة، ثم جعل الاستعمار السلطة في يد النصارى، وقد حرصت الحكومات على إبقاء الطابع المسيحي للحبشة.
أما إريتريا فرغم الأغلبية المسلِمَة إلا أنها وقعت تحت الاحتلال الحبشي، وانسحبت مصر من إريتريا بسبب وقوعها تحت الاحتلال البريطاني، واحتلتها إيطاليا، ثم ضُمَّت إريتريا للحبشة، وبدأ اضطهاد المسلمين، وانتشرت الهيئات التنصيرية. وأما تنزانيا فسيطر عليها العُمَانيون، ثم احتلتها ألمانيا، وقد وقَّع السلطان العُمَانِيُّ تنازلاً للشركة الألمانية عن أملاكه في الشريط الساحلي، ثم استقلَّت زنجبار وضُمَّت إلى تنجانيقا؛ لتكون فيما بعدُ جمهورية تنزانيا عام 1964م، وعانى المسلمون من الاضطهاد حتى إن الفتياتِ المسلماتِ أُجبرن على الزواج من النصارى.
هذه الدُّول يغلب الإسلام بين أهلها؛ إلا أنها تتعرَّض لمجموعة من المعوِّقات؛ مثل: وجود الحملات التنصيرية بين أهلها خاصَّة في إريتريا وإثيوبيا، وكذلك موزمبيق، وانتشار الفقر والصراعات الداخلية مثل الصومال، أو المعوقات الاقتصادية وعدم استغلال الموارد الداخلية مثل جزر القمر.
وخضعت كينيا للاستعمار البريطاني الذي أراد التخلص من اللغة العربية، وذلك بكتابتها باللغة اللاتينية؛ لصرف المسلمين عن قرآنهم، وجاء الشيخ الأمين علي المازروي الذي تأثَّر بحركات الإصلاح التي ظهرت في العالم الإسلامي، وقام بإصدار صحف ومدارس وإنشاء مشروعات إسلامية متعدِّدة. أما "أوغندا" فكانت تَدِينُ بالإسلام دِينًا رسميًّا، وكان ملكها يَؤُمُّ الناس في الصلاة، فأرسل الخديوي إسماعيل ضباطًا لاكتشاف منابع النيل، وقام بضمِّ "أوغندا" إلى مصر وسمَّاها مديرية خطِّ الاستواء، وكان لهذا أثر طيِّب في تثبيت العقيدة الإسلامية بين الأهالي، فجاء الاستعمار البريطاني، وأعلنت بريطانيا عدم دخول أي مسلم إلى أوغندا إلا بإذن مُسْبَق، ثم استقلَّتْ ثم وقع خلاف بين تنزانيا وأوغندا.
أما مدغشقر فقد انتشر الإسلام فيها، واستعمرتها فرنسا، وشجَّعت البعثات التنصيرية، وفرضت العزلة على المسلمين، فقامت عدَّة ثورات ضدَّ الفرنسيين، وعانى المسلمون مشكلة في التعليم عامَّة وتعليم أمور دينهم خاصة
للإسلامِ في كلِّ مكانٍ وَصَلَ إليه قِصَّةٌ؛ تحكى جهود الأجداد في نشر الإسلام في ربوع الأرض، وبين كل البشر، ليَعُمَّ الخيرُ، وينتشر العدلُ، وتُشرق الأرض بنور ربها.
ومن بين البقاع التي نَعِمت بنور الإسلام في وقت مبكر، تلك الأرض الممتدة على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية والأراضي القريبة منها كذلك، والتي تضم اليوم مجموعة من الدول هي إريتريا وإثيوبيا والصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا وجيبوتي وموزمبيق ومدغشقر وملاوي وزامبيا وزمبابوي وبوروندي ورواندا وجزر القمر وموريشيوس وسيشيل... وقد كان يُطلق على الأراضي الساحلية منها أرض الزنج
غير أننا قبل أن نخوض في العَلاقات الوثيقة بين الإسلام وشرق القارة السمراء، نغوص معًا في أعماق التاريخ لنبدأ القصة من أوَّلها، ولنكشف الستار عن الأحداث التي مهَّدت لهذه العَلاقات الوطيدة التي جاء الإسلام ليُثَبِّتها ويُوطِّدها، لا ليبتدئها أو ينشئها.
كان السبئيون (عرب جنوب شبه الجزيرة العربية) أول الشعوب العربية التي أتت إلى الساحل الشرقي لإفريقيا بغرض التجارة لا الغزو، وعلى الرغم من أنهم وفدوا في أعداد قليلة إلا أنهم داوموا في تجارتهم، واختلطوا بأهل الساحل، وتزوَّجوا منهم، وأقاموا محطات تجارية، وفي منتصف الألف سنة التي سبقت ميلاد المسيح u بدأ الطابع العربي يَظْهَر على طول الساحل، ولم يَفْقِد هذا الساحل شخصيته المميَّزة، إذ كان يُدْعَم بشكل دائم بالوافدين من جزيرة العرب والخليج العربي
ويذكر مؤرِّخو الإغريق القدماء عن "الزنج" الذين كانوا يعيشون في سواحل شرق إفريقيا، أنهم شيَّدوا مدنًا ساحلية كانت على عَلاقات تِجارية راسخة مع شبه الجزيرة العربية والهند
ومن المرجَّح أن يكون عرب جزيرة العرب -خاصَّة عرب الجنوب- هم أقدم الشعوب العربية اتِّصالا بالسواحل الشرقية الإفريقية، بحكم الجوار الجغرافي، وساعدهم على قيام هذه الصلات نظام الرياح الموسمية، والتي كانت تمكِّن السفن الشراعية الصغيرة من القيام برحلتين على الأقل في العام؛ ففي الخريف تدفعها الرياح الموسميةبارك الله فيك يأخي وجزاك الله خير علي التوضيح الجنوبية الغربية من خليج عُمَان وسواحل الجزيرة العربية نحو الساحل الإفريقي، وفي فصل الربيع تدفعها في اتجاه الشمال الشرقي، حيث تمكِّنها من العودة إلى قواعدها، وفي خلال دورة الرياح يتمُّ التعامل التِّجاري
كانت تلك إذن هي بدء العَلاقات بين سكان شبه الجزيرة العربية وبين شرق القارة الإفريقية، وقد مهَّدَ هذا الأمر لوصول الإسلام ثُمَّ نَشْرِهِ بعد ذلك في تلك الأماكن.
هجرة المسلمين للحبشة
وقد كانت التجارة بين عرب شبه الجزيرة العربية وشعوب شرق إفريقيا ما زالت مستمرَّة حين جاء الإسلام، فلمَّا اشتدَّ أذى مشركي مكة للمسلمين أذن رسول الله r لبعض أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، حيث يوجد بها النجاشي، ولقد وصفه الرسول r بأنه لا يُظلم عنده أحد، ومن ثَمَّ كان اختيار الحبشة كمكان لهجرة المسلمين ابتداءً، وكان الاستقبال الحافل والحفاوة البالغة التي تمَّ بها استقبال المسلمين كَفِيلَة باستمرارهم، وتَكَرَّرت هجرتهم مرَّة أخرى بِفَوْج أكبر من الفوج الأول، فبلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلاً وتسعَ عشرةَ امرأة، وقد حاولت قريش الإيقاع بين المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة وبين النجاشي ومَن معه من النصارى، ولكن قوَّة الحُجَّة عند المسلمين وحُسْن تصرفهم حالَ دون هذه الوقيعة، وازداد تمسُّك النجاشي بهم وحمايته لهم.
وقد كان للعَلاقات الودِّيَّة بين الرسول r والنجاشي، والمعاملة الطيبة التي لقيَها المسلمون المهاجرون إلى الحبشة أكبر الأثر في توثيق العَلاقات بين نصارى الحبشة وبين الإسلام، إلاَّ أن هذه الهجرات الإسلامية الأولية في عهد رسول الله r لم تترك أثرًا في حياة البلاد، وإن كانت قد تركت أثرًا في نفوس الأحباش، وأطلعتهم على الينبوع الرُّوحي الجديد المتفجِّر بالقوَّة والحياة، ووطَّدت الصلات بين الدولة الإسلامية في عهد الرسول r وبين الأحباش، وحين بلغ الرسولَ r وفاةُ النجاشي صلَّى عليه هو وأصحابه؛ فعن أبي هريرة t قال: نعى لنا رسول الله r النجاشي صاحب الحبشة اليومَ الذي مات فيه فقال: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ". وعنه أيضًا t قال: إِنَّ النَّبِيَّ r صَفَّ بهم بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وعن عروة بن الزبير t، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مات النجاشي كان يُتَحَدَّث أنه لا يزال يُرَى على قبره نور
وفي السنة التاسعة من الهجرة، أرسل رسول الله r الصحابي الجليل علقمة بن مُجَزِّز t على سريَّة في اتجاه الحبشة؛ لأن بعض مراكبهم كانت تقترب من مكة بحرًا، ولكنه لم يَلْقَ كيدًا كما تَذْكُر الرواية
ومن هنا كانت منطقة شرق إفريقيا أسبق بقعة في العالم القديم في استقبال الدعوة الإسلامية الخالدة
فتح الحبشة
لم تكن الحبشة ضمن الممالك التي وجَّه المسلمون إليها حملاتهم في ذلك العهد الأول الذي شهد الفتوحات الإسلامية العظيمة لنشر دين الإسلام، ويبدو أن ذلك راجع إلى عدَّة عواملَ، منها تركيز المسلمين على كسر شوكة الإمبراطوريتين المجاورتين لبلاد العرب، واللَّتين يُخشى منهما على الدولة الإسلامية الناشئة وهما إمبراطورية الفرس والإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكذلك اعتبار المسلمين أن مصر أكثر أهمية من الحبشة لمركزها المهم وسبقها في ميدان الحضارة والعمران. ومن أهمِّ الأسباب أيضًا قُرْب عهد المسلمين بالعَلاقات الطيبة التي كان للنجاشي فيها فضلٌ مشكور، حتى يُروى أن النبي r نَصَحَ بِتَرْكِ الأَحْبَاشِ وشأنهم طالما أنهم لم يبدءوا بالعدوان، ففي الحديث الشريف: "اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ"
ولكن بعد فترة من الزمن أخذ بعض القراصنة الأحباش يهدِّدون تجارة العرب في البحر الأحمر، مما اضطرَّ الخليفة عمر بن الخطاب t إلى إيفاد حملة بحرية صغيرة لتأديبهم، ولكنها لم تُكَلَّل بالنجاح.
وعاود القرصان نشاطهم مرَّة أخرى في عصر الخلافة الأموية، حيث اتخذوا من خرائب ميناء "عدوليس" على جدة مأوى لهم، ودمروا السفن الراسية فيه، بل وهدَّدوا الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، فاضطرَّ المسلمون عام 83هـ إلى اتخاذ خطوة حاسمة لوضع حدٍّ لتلك العمليات، بأن جرد عبد الملك بن مروان حملة بحرية لاتخاذ مركز حربي على الشاطئ الغربي، وتمَّ الاستيلاء على مجموع جزر "دهلك"المجاورة لمدينة "مصوع"، وكان أَخْذُ المسلمين لهذا المركز الممتاز بَدْءَ استيلائهم على باقي المراكز البحرية على الشاطئ الإفريقي، وعلى الانتشار التدريجي للإسلام في شرق إفريقية
السيطرة على دهلك
كانت السيطرة العربية على جزر "دهلك" سببًا في تطوُّرات عديدة مُهِمَّة في تاريخ المنطقة، من أهمها أنها أعطت فرصة لانتشار الإسلام من قاعدة ثابتة، فضلاً عن ارتباط حركة التجارة في المنطقة بالواقع الجديد الذي أحلَّ النظام والعدل محلَّ الفوضى والقرصنة
وتَنْسِب الروايات تأسيس الإمارات العربية الأُولَى في شرقي إفريقيا لعهد عبد الملك بن مروان ورجاله الشاميين، وما زال اسم عبد الملك بن مروان يُذْكَر في تلك الجهات، لدرجة أن السكان قد حرَّفوا اسمه، فينطقون (عبد المالك) (ابن مرواني)، ومرُّد ذلك ضعف اللغة العربية وظهور اللغة السواحلية.
وفي أواخر عهد الدولة الأموية كانت هجرة الزُّيُود من اليمن عقب مقتل زيد بن علي زين العابدين عام (122هـ/740م)؛ فِرَارًا من اضطهاد بني أمية لهم، وعُرِف هؤلاء بالزيدية، واستقرَّت هذه الجماعات -كما أشارت المصادر- في ساحل (بنادر) الصومالي، وحكموا فيه ما يقرب من مائَتَيْ سنة، ونشروا الإسلام بين قبائل (بنادر)، كما أصلحوا الأراضي، وزرعوا بعض النباتات، بل توغَّل الزيدية إلى داخل الأراضي الصومالية ونشروا الإسلام بين قبائل (أنهار جوبا) و(شبيلي) من بينها قبائل (الجالا) التي اعتنقت الإسلام بحماس كبير، بدليل أن كثيرًا من الصوماليين من أفراد هذه القبائل قد أصبحوا فقهاء ووعَّاظًا، واضطلعوا بنشر الإسلام بين القبائل الوثنية.


ولنا لقاء اخر ان شاء الله لتكملة قصة الاسلام







رد مع اقتباس
قديم 27-04-2009, 05:28 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

قصة الإسلام في غرب إفريقيا

دخل الإسلام غرب إفريقيا بقيادة عقبة بن نافع، وتُعتبر غانا (واجادو) من أقدم الإمبراطوريات في غرب القارة، وحاولت الجيوش الإسلامية دخولها ولكن ذلك لم يتم، ومع ذلك انتشر الإسلام في قبائل السونتيك، وقبائل الهاوسا والبورنو والدوغامبا، وضعفت إمبراطورية غانا، فقامت قوَّات المرابطين بضمِّها إليهم، ووصلت إلى الجابون، وتعتبر أول جماعة مغربية تنشئ دولة، أسسها عبد الله بن ياسين، وعُرِفوا بالملثَّمين، وفتحوا بلادًا واسعة جنوبًا؛ فانتشر الإسلام حتى حوض النيجر، ومن أهم شخصياتهم: عبد الله بن ياسين بن مكوك الجزولي, مؤسسها، ويحيى بن عمر تلميذه، وأبو بكر بن عمر، ويوسف بن تاشفين.
أما مالي فكان الإسلام الدِّين الرسمي بها، واحتَلَّتْ مكانة تِجارية كبيرة. وأما إمبراطورية السونغاي فأَصْل مُلُوكِها من اليمن، وأُسست مدينة جاو واعتنق ملكها الدين الإسلامي، وجاء إليها التجار العرب والمسلمين من شمال إفريقيا، وأصبحت مركزًا للدعوة الإسلامية، ووفد إليها العلماء وطلاب العلم، وحدثت منازعات على الحكم، وجاءت النهاية على يد سلاطين المغرب، الذين كانوا يتطلَّعون للسيطرة عليها، وظلَّ سلاطين صنغى يُعيِّنون سلاطين المغرب، فانقسمت البلاد على نفسها؛ فانتشرت بينهم الخرافات والضلالات المتنوعة، وقامت حركات إسلامية من قوادها: عثمان بن فودي، والشيخ أحمدو لوبو في منطقة ماسينا، وأعلن نفسه أميرًا للمؤمنين، وادَّعى أنه آخر الأئمة الاثني عشرية، فأَسَّس دولة ماسينا الإسلامية.
وهناك حركة الجهاد الإسلامي في منطقة التكرور، على يد الحاج عمر في دنجوري، ودعم دولته، وبدأ يغزو إمارة البمبارا في كارتا، وانتصر عليهم، وبدأت فرنسا في التوسع، فكان من المستحيل بناء دولته مع الاستعمار الفرنسي، فانسحب إلى الشرق لتكوين إمبراطورية من مملكة البمبارا وماسينا، ثم انتهت على يد الاستعمار.
ووصل دعاة المرابطين والتجار من نيجيريا إلى غينيا الاستوائية، فانتشر الإسلام فيها، وكذلك في قبيلة فانج عن طريق فانج الكاميرون، واستعمرتها إسبانيا، ووضعت العراقيل أمام انتشار الإسلام، ويُقِيم أكثر المسلمين في إقليم ريموني، بينما النصارى الكاثوليك في إقليم فيرناندوبو الأكثر تحضُّرًا، واللغة الرسمية هي الإسبانية، ويتكلَّم السكان لغة البانتو، ومن التحديات التي تُواجه المسلمين هناك البعثات التنصيرية.
أما ليبريا فأسستها أمريكا لنقل أبناء الزنوج الأفارقة فيها، فانتشر فيها الإسلام، ولكن أُجْبِرَ المسلمون على استخدام اللغة الإنجليزية، وتغيير أسمائهم إلى أسماء إنجليزية، وتعرَّض المسلمون لحروب إبادة، فتأسست حركة (إنقاذ مسلمي ليبريا).
والمسلمون في السنوات الأخيرة يُواجهون مصاعب؛ منها: التنصير، والحرمان من خيرات بلادهم، والتضييق عليهم في التعليم وفي فُرَص تولِّي المناصب، والتعذيب والقتل؛ ففي غانا تغلغل النفوذ الصهيوني، والْفِرَق الضالَّة كالقاديانيَّة والماسونية، فنتجت مذابح كثيرة، ومع ذلك ظهر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجمعية أنصار السنة، وغيرها من المنظمات الإسلامية
قد يضع الزارع البذرة، ثم يبتعد عنها ويتركها، ولا يدري أي مبلغٍ قد تبلغ، ثم يراها غيره بعد سنوات، فإذا بها دوحة عظيمة الجذع، كثيرة الأغصان، وارفة الظلال، وإذا بعشرات من الزرَّاع غيره ينهضون لرعايتها، والحفاظ عليها حتى تثمر ثمرًا طيبًا، سائغًا أُكُله، ويكون الفضل والجزاء العظيم لمن بذر البذرة في البداية.
هذا هو ملخص قصة الإسلام في غرب إفريقيا التي طرق الإسلام بابها مبكرًا في عام 46هـ، وهي الفترة التي وصلت فيها طلائع المسلمين بقيادة عقبة بن نافع إلى إقليم كوار
وعندما نتحدث عن غرب إفريقيا فنحن في الواقع نتحدث عن إقليم كبير يشغل مساحة شاسعة من الأرض؛ إذ يشتمل على خمسَ عشرةَ دولة، هي: السنغال، جامبيا، الجابون، غينيا بيساو، غينيا (كوناكري)، سيراليون، ليبيريا، ساحل العاج (كوت ديفوار)، غانا، توجو، بنين، نيجيريا، بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا. ويحدّ الإقليم من الشرق تشاد والكاميرون، بينما يحده المحيط الأطلنطي من الغرب والجنوب، والجزائر وليبيا من الشمال. ويُعَدُّ الإسلام الدين الرسمي لأغلبية السكان البالغ عددهم -حاليًّا- ما يزيد على مائتي مليون وخمسة ملايين نسمة، بينهم مائة وأربعة عشر مليون مسلم، أي قرابة 55 %
ولقد جاء الإسلام منقذًا لشعوب غرب إفريقيا من جاهلية الوثنية التي كانوا متردِّين فيها، ومن التقاليد البالية التي قيَّدوا أنفسهم بها.
كانت الوثنية هي عقيدة سكان غرب إفريقيا قبل أن يصل إليها الإسلام؛ ولذلك كانت دولة المرابطين تقود حرب جهاد إسلامي ضد سكان غرب إفريقيا في محاولة لنشر العقيدة بين الوثنيين.
أمَّا بالنسبة لتقاليد هذه الدول فقد اشتهرت بالعمل في التجارة، فقد لعبت التجارة دورًا مهمًّا في اقتصاديات العصور الوسطى، وكثيرًا ما كانت تقوم المشاحنات والخلافات بين الدول من أجل احتكار التجارة، فنجد مثلاً إمبراطورية غانا قد انتهجت نظام الاحتكار الذي يُستَخدَم حتى اليوم بالنسبة لبعض السلع، مثل الماس الذي تحتكره الشركات الكبرى الآن، وكان حكام غانا يتَّبعون نفس الأسلوب بالنسبة للذهب، وبالتالي استطاعوا تحقيق مكاسب تجارية كبرى، وصار الذهب الموجود في شمال إفريقيا أو في أوربا يأتي من غانا، وظلت تحتكر هذه التجارة حتى اختفت في القرن الثالث عشر؛ لتحل محلها إمبراطورية أخرى هي دولة مالي، التي واصلت نفس التقدم الذي شهدته دولة غانا.
وبالنسبة للأوضاع الاجتماعية؛ فقد كان الرِّقُّ منتشرًا، وإن كان بشكل مختلف عن الرقِّ المعروف عند العرب قبل الإسلام؛ فنجد أن قبيلة لمتونة -وغيرها من القبائل- كانت تنقسم إلى طبقتين: طبقة السادة (أمازيغ)، وطبقة الرقيق (الأمجاد). ويحتكر السادة الحياة السياسية، فيؤلِّفون مجالس القبيلة، ويتولَّوْنَ قيادة الجيوش، ويُسَيِّرون أمور القبيلة وفق إرادتهم، كما يحتكرون التجارة، ويدافعون عن أفراد القبيلة ضدَّ أي مكروه.
أمَّا الأمجاد أو الرقيق فهم لا يباعون، ولا يُشترون كالعبيد، ولا يعتقون، وإنما يُورثون كما يُورث المتاع، وهم يَتفانون في الدفاع عن القبيلة، ولهم الحقُّ في اقتناء الثروات كيفما طاب لهم، ولكن هذه الأموال يرثها السيد بعد وفاتهم، كما أنهم يقومون بكل الأعمال؛ فهم يرعَوْنَ الماشية، ويؤدُّون كل ما تحتاجه القبيلة من عمل يدوي، ويؤدُّون لسادتهم نصيبًا معلومًا كل عام من الإبل ونتاجها.
وقد عرف الغرب الإفريقي الممالك المنظمة، التي كان من أشهرها مملكة غانا، والتي تُعتَبَر من أقدم الممالك في غرب إفريقيا؛ فلقد اندفعت هجرات من البربر إلى إمارات الهوسا، وأقامت عدة دويلات في المنطقة الممتدة من النيجر في الغرب إلى بحيرة تشاد في الشرق، وكانت هذه ***ات الزنجية تعيش على هيئة جماعات مسالمة يرأسها الأكبر سنًّا، ولكل منها كهنوته، واستطاع واحد من هذه الشعوب قبل انتشار الإسلام أن يؤسس دولة، وهذا هو شعب الماندي وأسس دولة نمانة.
وكان قيام هذه الدولة في عام 300 ميلادية أن اتخذت من مدينة أوكار قرب تمبكت الحالية مقرًّا لها، واستمرَّت هذه الدولة حتى استطاع فرع آخر من شعوب الماندي أن يستولي على هذه الدولة، ويؤسس إمبراطورية غانا، التي صارت في عام 800م دولة تجارية قويَّة، وصار اسم غانا هو السائد؛ لأن أحد حكامها يدعى بهذا الاسم، أي: الرئيس المحارب، وكان كل ملك يحمل اسمه فضلاً عن لقب غانا، وكان أحد ألقابه كياماجان (Kata Maghan)، ومعناها سيد الذهب؛ لأن الملك كان يتحكَّم في تصدير هذا المعدن النفيس.
وتُعتبر غانا من أقدم الإمبراطوريات في غرب القارة، وهي تختلف كثيرًا عن الممالك السودانية الأخرى؛ لأن السبب في نشأتها لم يكن عسكريًّا، بل هي نتيجة اختلاط جماعات مختلفة من الزنوج والمغاربة

ولقد بدأ انتشار الإسلام في غرب إفريقيا نتيجة الدعوة التي قامت بها الدول التي تأسست هناك، ولعل أهمها دولة المرابطين، الذين أرسلوا الدعاة إلى جهات كثيرة من القارة الإفريقية حتى وصلوا إلى الجابون، وأقاموا رباطًا في كل مكان حلُّوا به، ثم الدول التي نشأت في تلك الجهات مثل: غانا، ومالي، وغيرهما. وفي العصر الحديث قامت الدعوة على نطاق واسع من قِبل دول الفولاني، مثل: دولة عثمان دونفديو في شمال نيجيريا، وحركة الحاج عمر، وغير ذلك.
ومما ساعد على انتشار الإسلام كذلك الحياة القبلية، فإسلام أحد أمراء القبائل يشجع كثيرًا من الأفراد على اعتناق الإسلام، وإن حركة القبائل من أجل المراعي أو اندفاعها نحو الجنوب أمام ضغط من الشمال يجعل هذه الحركة على تماسٍّ مع قبائل أخرى، فينتشر بينها الإسلام؛ لذا فإن انتقال الإسلام نحو الجنوب باتجاه خليج غانا كان بسبب حركة القبائل وانتشار الدعاة، وزادت نسبة المسلمين في هذه البلاد على 50 % من مجموع السكان، ولولا ضغط الاستعمار، ووقوفه في وجه الإسلام، وفسح المجال للإرساليات التنصيرية؛ لتشرف على التعليم، وتسعى للحد من انتشار الإسلام عن طريق تقديم المساعدات والإغراء، لولا ذلك لعَمَّ الإسلام المنطقة كاملة
وقد تَغلغل الإسلامُ في غربي إفريقيا بِوجهٍ عامٍّ، وفي بلاد (الهوسا) بوجهٍ خاصٍّ لأسباب منها:
1- ما استشعره العلماءُ والدُّعاة من مسئولية الدَّعوة إلى الله وتبليغِ دين الله أنَّى حلُّوا.
2- بَساطةُ العقيدة الإسلاميَّة وسماحتها؛ فهي عقيدةٌ تَتَّفق مع الفطرة السليمةِ، وتدركها العقولُ بسهولةٍ ويُسرٍ، وليست بحاجةٍ في شرحها وتوضيحها وإقامة براهينها إلى مصطلحاتٍ فلسفيَّةٍ، أو أدواتٍ منطقيَّةٍ، أو تعبيراتٍ أدبيَّةٍ، يدركها الصَّغير والكبير على حدٍّ سواء؛ فهي سهلةُ الفَهم في مقدِّماتها ونتائجها، فلا يجد أحدٌ صعوبةً في إدراك صدقِ هذه العقيدة واتِّفاقها مع كلِّ المقدِّمات والنتائج العقليَّة.
ولم يكن انتشار الإسلام في غرب إفريقيا مرتبطًا بعامل واحد، بل كانت هناك عوامل شتى، وأدوار متعددة، وطوائف متنوعة يرجع إليها الفضل بعد الله U في انتشار الإسلام، ومن هذه الطوائف:
أولاً: طائفة الغزاة الفاتحين:
ويرجع الفضل إليهم منذ القرن الأول الهجري في دخول الإسلام إلى غرب إفريقيا حيث أقاموا دولاً إسلامية بعد نجاحهم. وأول هؤلاء الغزاة عقبة بن نافع، الذي ولاَّه عمرو بن العاص t على شمال إفريقيا، ففتحها وأسس بها مدينة القيروان، وجعلها مركزًا لانطلاق دعوته، وترك بها جالية عربية إسلامية، ثم رجع إلى مصر. ولم تتَّسع فتوحاته هذه المرَّة إلى الأرجاء المجاورة، ولما تولَّى مرَّة ثانية في عهد يزيد بن معاوية واصل فتوحاته صوب الغرب، حتى وصل بلاد السوس، حيث أسلمت قبائل المصامدة، ثم استمرَّ حتى انتهى إلى البحر المحيط، فنزل بفرسه فيه حتى بلغ الماء نحره، وقال قولته المشهورة: (اللهم إني أشهدك أن لا مجاز، ولو وجدت مجازًا لجزت).
ثم انصرف راجًعا، وسار نحو الجنوب حتى صادف قبائل صنهاجة، فأسلموا على يديه، ودخل طنجة، ثم سار جنوبًا، واستمر في أطراف بلاد السودان، ودخل بلاد غانا، وغينيا، وتكرور، وأسلمت على يديه بعض القبائل البربرية، ويُعَدُّ أول قائد إسلامي استُشْهِد في إفريقيا.
ووُلِّيَ موسى بن نُصَيْر على إفريقيا خلفًا لعقبة، فأعاد إلى الإسلام القبائل البربرية المرتدَّة، حتى حَسُن إسلامها، وشاركت في فتح إفريقيا والأندلس.
ثم تولَّى على إفريقيا في عهد عبد الملك بن مروان زُهَيْر بن قيس، وتوسَّع في فتوحاته حتى استُشهد بها، وخلفه عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة، فغزا بلاد السوس، وحفر سلسلة من الآبار في الصحراء، واستطاع أن يصل شمال إفريقيا بجنوب الصحراء صلة قويَّة.
وخلال عهد الخلفاء الراشدين وحُكم بني أمية كان الغرب الإفريقي في التنظيم الإداري تابعًا لمصر، ثم توالت فتوحات المرابطين، وغيرهم من الحكومات.
ثانيًا: الطرق الصوفية:
لقد أَسْدَت الطرق الصوفية في القارَّة الأفريقية دورًا محمودًا وجهدًا مشهودًا في نشر الإسلام في غرب القارة، وتمثَّل هذا الدور في نشر التعاليم الإسلامية، والدعوة للتسامح مع المسيحيين، واستخدم وسائل الترغيب وليس الترهيب لنشر الدعوة الإسلامية، فضلاً عن إنشاء المساجد والزوايا التي صارت خلايا للذكر والعبادة، وفتح المدارس، وشراء العبيد وتعليمهم مبادئ الدين الإسلامي، ثم عتقهم وإرسالهم كدُعاة لنشر الدعوة في مناطق مختلفة، ومن الطرق الصوفية التي كان لها باع في نشر الدعوة الطريقة القادرية، والتيجانية، والسنوسية.
ثالثًا: التجَّار المتجوِّلون:
وتُعَدُّ طائفتهم من أهم الطوائف التي نشرت الإسلام في غرب إفريقيا، فقد كانت القوافل التِّجارية تنقل الأسلحة والملابس من شمال إفريقيا إلى غربها، ونلاحظ أن التجار عندما كانوا يحُلُّون بالبلاد كانوا يختلطون بسكان المناطق التي ينزلون فيها، ويتزوَّجون منهم، بل وأنشئوا قرًى جديدة في طريقهم، وكوَّنوا لأنفسهم جاليات إسلامية تُقِيم إقامة دائمة بالبلاد التي ينزلون بها، كما أقاموا مراكز تِجارية ومرافئ للمركب والسفن، وشيَّدوا المساجد، ولا يزال بعضها باقيًا حتى الآن، وكانوا يفتحون المدارس القرآنية في هذه الأماكن، ويتبادلون الأفكار مع السكان والملوك والرؤساء، وقد وَجَدَت الأفكار الإسلامية السمحة تقبُّلاً واستجابة من النفوس الطيبة، وبعدَ وقت قصير يتحوَّل الكثير من سكان المنطقة من الوثنية إلى الإيمان.
رابعًا: الدُّعاة والمعلِّمون:
إن الدعوة الإسلامية كانت دعوة رُوحية خالصة، وكان الداعي المسلم يتعقَّب الفاتح؛ ليُكمل النقص في هداية الناس إلى الإسلام، وقد نجح الروَّاد المسلمون الأوائل في دخول الناس في دين الله أفواجًا، وقد أدى هذا إلى تكوين دول إسلامية في مناطق كثيرة من القارَّة وخاصَّة في غربها، وذلك على أنقاض دول وثنية

إضافةً إلى هذه الجهود الكبيرة كان هناك إسهام عظيم لدولة مسلمة ملأ ذكرها التاريخ، وأضافت للمسلمين إضافات كبرى في إفريقيا والأندلس.. تلك هي دولة المرابطين.
وتعتبر دولة المرابطين في التاريخ المغربي أول جماعة مغربية تنشئ دولة كبرى كان لها الدور التاريخي في مجموعة من الأحداث، فقد قامت هذه الدولة على أُسُس إسلامية خالصة، حيث إن أصل هذه التسمية يعود إلى أتباع الحركة الإصلاحية التي أسسها عبد الله بن ياسين، الزعيم الرُّوحي، الذي بدأ بوضع أُسُس عقيدة حركة المرابطين، وأنشأ رباطًا لتعليم مَن الْتَفَّ حوله أُمورَ الشريعة وفروعها، فأسس حركة جهادية لنشر الدين الإسلامي، وهكذا كان رجال المرابطين يلزمون الرباط بعد كل حملة من حملاتهم الجهادية، كما كان رجالها يشدُّون اللثام (النقاب) على وجوههم، فعُرِفوا بالملثَّمين.
بعد وفاة ابن ياسين تحوَّلت ***ة الدينية إلى مملكة بقيادة يوسف بن تاشفين، الذي سمِّي -ولأول مرَّة في التاريخ المغربي- أميرًا للمسلمين، وحامي حمى الدين، ونائبًا لأمير المؤمنين. وبعد وفاة يوسف بن تاشفين نُودي على ابنه عَلِيٍّ أميرًا مكانه، ثم عَيَّن عليُّ بن يوسف ابنه تاشفين وليًّا للعهد.
ونجد أن الأساس الديني والعقدي الذي قامت عليه الدولة المرابطية جعلها تضطلع بأدوار طلائعية في تاريخ الغرب الإسلامي بصفة عامَّة، إذ على هذا الأساس توحَّدت ولأول مرة مختلف مناطق المغرب الأقصى الإسلامي والأندلس، وبعض المغرب الأوسط تحت لواء دولة واحدة، بعد أن قامت بحملة جهادية كان الغرض منها القضاء على مختلف مظاهر الانحراف في العقيدة، فحاربت كل البدع والفِرَق الضالَّة ببلاد الريف، وأعادت هذه النواحي وأهلها إلى رحاب الإسلام السُّنِّي الصحيح، واتفق المرابطون فيما بينهم على صيغة توافقية قسمت الأدوار فيما بينهم، وذلك من أجل استكمال مشروعهم الدعوي التوسعي الذي استهدف نشر الإسلام في مختلف أرجاء المعمورة، فبينما تولَّى يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية قيادة الجهاد والدعوة في المناطق الشمالية في اتجاه الأندلس، اتجه الفريق الآخر تحت قيادة أبي بكر بن عمر ومَن جاء بعده في اتجاه إفريقيا المدارية الغربية، وهذا التقسيم الأدائي كان بعثًا جديدًا للقوَّة المرابطية.
وهكذا قام الفرع الجنوبي من المرابطين بدور لا يقلُّ أهمية في خدمة الإسلام والحضارة في إفريقيا المدارية والاستوائية عمَّا قام به يوسف بن تاشفين في المنطقة الشمالية من المغرب والأندلس؛ فاتجه أبو بكر إلى بلاد السودان كما يذكر المؤرِّخون، وفتح بلادًا واسعة جنوبًا، فانتشر الإسلام في غرب إفريقيا كله حتى حوض النيجر، وقد أصبحت هذه البلاد الإسلامية المرابطية الجنوبية عاملاً مهمًّا في نشر الإسلام في إفريقيا المدارية ثم الاستوائية.
وصحيح أن بعض هذه المناطق كانت قد عرَفت الإسلام من قبل، ذلك الأمر الذي يسَّر على المرابطين مهمَّتهم هناك، إذ لم يتعرَّضوا لأي مقاومة تُذكر، وتحوَّلت تلك المنطقة إلى بلاد إسلامية، وفُتح بذلك طريق الغرب الإفريقي واسعًا أمام الإسلام ليُنشر في إفريقيا، بل إن الفتح الإسلامي لبلاد إفريقيا المدارية أتاح لأهل تلك البلاد فرصة الدخول في ميدان الحضارة الإسلامية، وحتى بعد تلاشي الامتداد المرابطي نجد أن نطاق الإسلام قد اتسع حتى أصبح الديانة الغالبة على أهلها حتى مداخل نطاق الغابات، فكان المسلمون هناك على مذهب مالك، وهو المذهب الغالب في المغرب والأندلس، ومن ذلك العصر فصاعدًا ستصبح بلاد مالي بلادًا إسلامية
ومن أهم شخصيات دولة المرابطين التي أسهمت بجهدٍ وافر في نشر تعاليم الإسلام الصحيحة في غرب إفريقيا:
1- عبد الله بن ياسين:
هو عبد الله بن ياسين بن مكوك بن سير بن على الجزولي, أصله من قرية "تماماناوت" في طرف صحراء غانا.
درس على فقيه السوس وجاج بن زلوا، رحل إلى الأَنْدَلُس في عهد ملوك الطوائف وأقام بها سبع سنين, واجتهد في تحصيل العلوم الإسلامية, ثم أصبح مِن خيرة طلاب الفقيه وجاج بن زلوا، فعندما طلب أبو عمران الفاسي مِن تلميذه وجاج بن زلوا أن يرسل مع يحيى بن إبراهيم فقيهًا عالمًا ديِّنًا تقيًّا مربيًّا فاضلاً، وقع الاختيار على عبد الله بن ياسين الصنهاجي الذي كان عالمًا بتقاليد قَومه، وأعرافهم، وبيئتهم، وأحوالهم.
ودخل عبدُ الله بن ياسين مع يحيى بن إبراهيم في مضارب، ومواطن، ومساكن المُلَثَّمين من قبيلة جدالة في عام 430 هـ/ 1038م، فاستقبله أهلُها واستمعوا له، وأخذ يُعلِّمهم، فكان تعليمُه باللغة العربية لطلبة العلم، والإرشاد الديني للعامَّة بلهجة أهل الصحراء البربرية.
لاقى عبد الله بن ياسين كثيرًا من الصعوبات، فقد وجد أكثر المُلَثَّمين لا يُصَلُّون ولا يعرفون مِن الإسلام إلا اسمه، وعَمَّ الجهل عليهم، وانحرفوا عن معالم العقيدة الصحيحة، وتلوَّثت أخلاقُهم وأحكام دينهم، واصطدمت تعاليمه بمصالح الأمراء والأشراف، فثاروا عليه، وكادوا يقتلونه، إلا أنه ترك قبيلة جدالة، وانتقل إلى قبيلة لمتونة، ومِن ثَم اختار رباطه المشهور على مصب نهر السنغال، بعد انتشار صيته، وتعلُّق النَّاس به، فهرعوا إليه ليُربِّيهم، ويُنظِّمهم، ويُعلَِّمهم
ومن كلمات عبد الله بن ياسين المأثورة لطلابه قوله: (اخرجوا على بركة الله وأنذروا قومكم، وخوِّفوهم عقاب الله، وأبلغوهم حُجته، فإن تابوا ورجعوا إلى الحقِّ، وأقلعوا عمَّا هم عليه فخلوا سبيلهم، وأن أَبَوْا ذلك وتمادوا في غيهم، ولجُّوا في طغيانهم، استعنا بالله عليهم، وجاهدناهم حتى يحكم الله بيننا).
2- يحيى بن عمر، وأبو بكر بن عمر، ويوسف بن تاشفين:
إن يحيى بن عمر كان من المجاهدين في غرب إفريقيا، وقد تُوُفِّيَ في جهاده في السودان، فخلفه أخوه أبو بكر بن عمر، الذي سار في طريق أخيه معتمدًا على عبد الله بن ياسين، حتى توفي هذا الأخير سنة (451هـ/ 1059م) في حروبه مع زنادقة برغواطة في شمال المغرب الأقصى.
وكان لعمر بن إبراهيم -والد يحيى بن عمر وأخيه أبي بكر- أخٌ يسمى تاشفين عَمِل في خدمة أخيه حتى مات، فخلفه ابنه يوسف، وكان شابًّا موهوبًا، فارتفع مكانه عند ابن عمه أبي بكر، وأصبح من أكبر قوَّاد المرابطين، فبينما كان أبو بكر بن عمر يُرتِّب بناء مراكش، بَلَغَتْه أخبار مقلقة عن أهله في جنوب الصحراء، وحوض السنغال؛ لأن قبيلة جدالة اعتَدَتْ على قبيلة لمتونة، فاستغاثت به، فترك القيادة في يد ابن عمه يوسف بن تاشفين، ومضى إلى الجنوب إلى ديار المرابطين الأولى، ولمَّا أعاد الأمور إلى ما كانت عليه عاد إلى بلاده، ووجد ابن عمه قد أحسن سياسة الدولة من بعده، وكان أبو بكر رجلاً ورعًا؛ فرأى أن ابن عمه أجدر بالحكم منه، فاتفق معه على أن يتولى أبو بكر قيادة دولة المرابطين، وأن يدعم ابن عمه أبا بكر بن عمر في الجهاد في غانا، وبالفعل انسحب إلى الجنوب، وقضى بقية عمره في الجهاد.
وبعد استقرار الإسلام في غرب إفريقيا نشأت دول إسلامية عديدة، أو انتشر في دول يتمتع المسلمون فيها بالمكانة، فضلاً عن الحرية، ومن خلال بعض هذه الدول نتناول سيرة الإسلام في غرب إفريقيا
من المعروف أن العرب في القرن الثامن الميلادي قد وصلوا إلى شمال إفريقيا، ونشروا الإسلام فيها، وقد قام هؤلاء بعدة غزوات لأرض غانا، ورغم أن أغلب هذه الغزوات لم تنجح إلا أنها تركت بصماتها على تلك القبائل، فسرعان ما انتشرت المبادئ الإسلامية بين جميع أفراد وعشائر قبائل السونتيك، وانتشرت المساجد في جميع أرجاء المملكة.
وهكذا دخل الإسلام إلى أرض الذهب بالطريق السلمي دون غزو حربي، وفي حقيقة الأمر إن إمبراطورية غانا في ذلك كانت على درجة كبيرة من القوة العسكرية، بل ويمكن القول بأنها كانت أكبر قوة حربية في إفريقيا في ذلك الزمن
وعن وصول الإسلام للجنوب فقد اتجهت جماعات من قبائل الماندي نحو الجنوب، وأسست إمارة جونغا في أراضي شمال شرقي غانا اليوم، وذلك في نهاية القرن العاشر الهجري، وكانت أعداد كبيرة من المسلمين بين أفراد هذه القبائل، وكانوا يؤلِّفون جزءًا من حاشية مؤسس هذه الدولة وهو جاكابا، كما أنهم كانوا دِعامته في حروبه ضد أعدائه، ويقودهم قائد يُدعى محمد الأبيض، وانقسمت هذه الدولة بعد وفاة مؤسسها بين ولديه، فاتخذ كل من هذين الولدين إمامًا لنفسه من أبناء محمد الأبيض، ويبدو أن أثر المسلمين كان واضحًا على هذه الدولة إذ كانت كتابتهم باللغة العربية.
ثم جاءت جماعة أخرى من قبائل الماندي أيضًا تتحدث لغة الدوغامبا، وذلك في منتصف القرن الحادي عشر، واستقرَّت في شمال شرقي دولة غانا اليوم، وأسست مدينة يندي، ونشرت الإسلام بين قبائل الدوغامبا، وربما كانت بعض بطون قبائل الهاوسا معها، وعاونتهم على نشر الإسلام.
وفي بداية القرن الثاني عشر توغَّل التجار المسلمون من قبائل الهاوسا والبورنو نحو الجنوب للحصول على الكولا، ونشروا الإسلام بين قبائل الدوغامبا في القرن الثالث عشر، وغدا أكثر أفراد هذه القبائل من المسلمين، وحرصوا على استقدام الأئمة من المناطق الشمالية، وفي الوقت نفسه أخذ الإسلام طريقه إلى قبائل المامبروسي، وغَدَتْ مدينة غامباغا مركزًا إسلاميًّا، وكان لكل قبيلة من قبائل الشمال هذه إمارة خاصة، إذ كانت إمارة جونغا، و(الدوغامبا)، و(المامبروسي)، و(وو)، وكلها في شمال دولة غانا اليوم.
أما وسط غانا فقد وصل إليه الإسلام عن طريق تجار الهاوسا، والفولاني، والبورنو، وانقلبت بعض المدن إلى مراكز تجارية مثل مدينة سلاغا، وهذا ما جعل الحياة الاقتصادية تزدهر لدى قبائل الأشانتي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ومع بداية القرن الثالث عشر وصل الإسلام إلى مدينة كوماسي.
وانطلق التجار المسلمون نحو الجنوب عبر نهر الفولتا، ووصلوا إلى الساحل، وعملوا على نشر الدعوة، وحتى في أيام الاستعمار جاء العمال المسلمون من البُلدان المجاورة لغانا للعمل في مناجم الذهب واستغلال الموارد الغذائية، كما جاء تجار الفولاني والهاوسا ونشروا الإسلام في الجنوب بين أفراد قبيلتي الموسي والكوتوكواي. وهكذا وصل الإسلام إلى كل أرجاء غانا، وإن كان في الشمال أكثر من الجنوب.
ويصف البكري مملكة غانا فيذكر أنها كانت مقسومة إلى قسمين: الحي الوثني، والحي الإسلامي، وفي الحي الإسلامي اثنا عشر مسجدًا تُقام الجمعة في أكبرها، وفي كل مسجد إمام ومؤذن وقارئ ومعلم، وفي الحي الوثني قُرْب القصر الملكي مسجد يُصَلِّي فيه المسلمون من حاشية الملك.
وكانت قبائل السونينك تُسمِّي إمبراطورية غانا مملكة واجادو، وقد وَهِنَت قُوَى إمبراطورية غانا بعدما وصلت إلى قوة لم يكن لها مثيل، فما إن حلَّ عام 1054م حتى قامت قوَّات المرابطين بالهجوم على مدينة كومبي العاصمة التِّجارية للإمبراطورية، ولكن المدينة لم تستسلم بسهولة وظلَّت تُقاوِم الحصار مدة اثنتين وعشرين سنة متواصلة، حتى سقطت في النهاية، وضمَّها المرابطون إلى أراضيهم

مالي باللغة الماندية معناها: حيث يعيش الملك، وكان الدِّين الرسمي لتلك الدولة الجديدة هو الإسلام، ويرجع السبب في اعتناق جميع قبائل المانديك للدين الإسلامي، إلى اعتناقهم وإيمانهم المطلق بتعاليم المرابطين.
وبالرغم من أن قبائل المانديك تُعتَبر أولاد عمومة لقبائل السونتيك وقبائل الستوسو؛ حيث يتكلم الجميع لغة واحدة هي اللغة الماندية، إلا أن الإسلام لم يتغلغل بين السونتيك والستوسو بنفس قدر تغلغله في قبائل المانديك.
ولقد أسس هذه المملكة شعب زنجي أصيل هو شعب الماندنجو، وكلمة مالي تحريف لكلمة ماندونجو، ومعناها الذين يتحدثون لغة الماندي، وقد اعتنق هذا الشعب الزنجي الإسلام في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي أثناء حركة المرابطين، وتمكنت هذه الدولة الصغيرة التي بدأت بمملكة كانجايا أن تتملك قوَّة عسكرية في منطقة نياني (Niaini)، وهي مدينة تقع غرب نهر النيجر، وليست بعيدة عن حدود غينيا الحديثة، وظهرت دولة مالي إلى حيِّز الوجود بزعامة سندياتا مؤسس هذه المملكة، والذي كان يُسمَّى ماري دياتا أو ماري جاطة، وقد وصل إلى عرش مالي في حوالي سنة 1245م، وظلَّ يَحكُم مدة خمسة وعشرين عامًا، واستطاع سندياتا أن يجعل من مملكته الصغيرة إمبراطورية عظيمة بعد أن استولى على البقية التي خلفها في إمبراطورية غانا، وبعد أن هزم ملك الصوصو وضم أرضه إلى بلاده، وأسس عاصمة جديدة في نيامي (وأحيانًا تُسمَّى مالي).
احتَلَّتْ مالي مكانة تِجارية في السودان الغربي، وظلَّت تحتلُّ هذه المكانة حتى جاء ابنه عَلِيٌّ الذي حمل لقب منسا، ومعناها السلطان أو السيد بلغة الماندي، والذي سار على نفس النهج الذي كان عليه والده، وحكم من عام 1260م حتى عام 1277م، وقام أيضًا برحلة الحج إلى الأماكن المقدسة مثل الملوك الآخرين.
وهكذا كان ظهور دولة مالي على مسرح الأحداث السياسية في غرب إفريقيا، وتوسعاتها في الشرق والغرب قد ساعد على انتشار الإسلام وحضارته، وخاصَّة أنها سيطرت على طرق التجارة، وعلى مناجم الذهب والملح، فضلاً عن الازدهار التجاري الذي ساد هذه الإمبراطورية، التي تجلت فيها مظاهر الازدهار الثقافي، وتوطيد الصلات مع القوى المجاورة، ورحلة الحجِّ المشهورة التي ذاعت شهرتها وكانت آثارها العلمية والثقافية قد أحدثت تغييرات كثيرة في نظام البناء، وطُرُق التجارة، وإنشاء المساجد والمنارات، واستقدام الفقهاء والعلماء، ونشر مذهب الإمام مالك، وظهور حياة إسلامية أصيلة عريقة بفضل جهود علماء من مصر ومراكش

تقع ناحية الداهومي، وفولتا العليا (بوركينا فاسو)، إلى جهات بوسا بشمال نيجيريا، وكانت عاصمتها مدينة غآو بالقرب من مدينة زوغوا الحاضرة.
ويُروى أن أَصْل مُلُوكِها يرجع إلى اليمن، وأنهم نزحوا إلى السودان زمن فرعون موسى، وكانوا أربعة عشر مَلِكًا في الجاهلية، تبدأ أسماؤهم بـ(زا) ولعله تحريف ضيا، وأول مَن أسلم منهم زاكمن سنة 400هـ، ثم يليهم مَن تبدأ أسماؤهم بـ(سن)
وفي منتصف القرن السابع الميلادي ظهرت بعض قبائل لمطة المغربية، والتي أخذت تفرض نفوذًا سياسيًّا على المزارعين من سكان صنغى، الذين استقروا على الضفة اليسرى لنهر النيجر عند مدينة دندي، واستطاع هؤلاء البربر أن يؤسِّسوا أُسْرة حاكمة تُسمَّى ديا (Dia)، والتي اتخذت من كوكيا حاضرة لها، وأقامت عَلاقات تجارية مع غانا، وتونس، وبرقة، ومصر، وكانت هذه العَلاقات التِّجارية سببًا في دخول هؤلاء الملوك في الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي عن طريق شمال إفريقيا، ونُقِلت عاصمة هذه البلاد إلى جوا عند منحنى النيجر، والتي صارت من أهمِّ مراكز التِّجارة في السودان الغربي.
وفي القرن الحادي عشر، وبالتحديد في سنة 1010م أسس أحد ملوك هذه الإمبراطورية -ويُدعى (كوزي)- عاصمة للمملكة وهي مدينة جاو، واعتنق هذا الملك الدين الإسلامي، وأصبح من المعتاد أن يكون حاكم قبائل السنغاي من المسلمين، بالرغم من أن القبائل نفسها لم تَعتنق الإسلام، وظلَّت على دِيانتها القديمة.
وأصبحت جاو مركزًا تجاريًّا مهمًّا، وجاء إليها التجار العرب والمسلمين من مصر ومن البلاد الإسلامية في شمال إفريقيا، وأصبحت هذه المدينة مركزًا للدعوة إلى اعتناق الديانة الإسلامية؛ فقد امتلأت بمجالس العلم، ووفد إليها العلماء المسلمون من الدول الإسلامية، كما وفد إليها طلاب العلم من المناطق الأخرى.
وقد توسَّعت هذه المملكة في عهد سنى علي (1464-1492م)، الذي أسس جيشًا قويًّا وصل إلى سهول غرب إفريقيا، وبعد وفاته انتقل العرش إلى أحد قوَّاده من السوننكى، وأطلق على نفسه اسم الأسكيا محمد الأول، والذي نظَّم شئون الجيش، وحجَّ البيت عام 1495م، وازداد في كرمه على منسى موسى، وأعاد لتمبكت هيبتها، وصارت مركزًا للدراسات الإسلامية.
وبعد عودته من الحج عام 1497م شنَّ عِدَّة حملات لتوسيع رقعة بلاده، وقام بنشر الإسلام بين الوثنيين من جيرانه الماندنجو، والفولاني، والطوارق، والموسى، والهوسا في الشرق، وامتدت إمارات صنغى إلى حدود التكرور، كما غزا إمارات الهوسا، وأَجْبَر سُكَّانها على دفع الجزية، وازدهرت تمبكت في عهده ازدهارًا لم يَسبق له مثيل، بل ويُعَدُّ عصره العصر الذهبي للمدينة.
ثم تولَّى إسحاق الأول في عام (1539-1549م)، وهو الذي أعاد الأمان للبلاد بعد توليه الحكم، ثم خلفه أسيكا داود، الذي سار على نفس النهج لنشر الإسلام وحضارته بين القبائل الوثنية، وبعد وفاته عام 1582م حدثت منازعات على الحكم، وجاءت النهاية على يد سلاطين المغرب، الذين كانوا يتطلَّعون منذ زمن بعيد للسيطرة على هذه البلاد، وظلَّ سلاطين صنغى يُعيِّنون سلاطين المغرب حتى عام 1585م، فانقسمت البلاد على نفسها، واتخذ المغاربة من ذلك فرصة لتحقيق أطماعهم فكان الغزو المراكشي للبلاد.
بَعُدَ العهد بالإسلام بين المسلمين في غرب إفريقيا، ومن ثَمَّ انتشرت بينهم الخرافات والبدع والضلالات المتنوعة؛ ولأن الله U حافظٌ دينه، فقد أرسل مَن يُجدِّد الدين في هذه البلاد، وذلك من خلال عدة حركات إسلامية قادها عدد من العلماء المجاهدين.


1- جهاد عثمان بن فودي:
وُلِدَ الشيخ عثمان بن محمد فودي على الأرجح يوم الأحد في آخر يوم من صفر عام 1168هـ، الموافق 15 ديسمبر (كانون الثاني) من عام 1754م، واسم فودي الذي اشتهر به والده يعني بلغة الفولانيين الفقيه، وكانت ولادته في قرية تغل، في منطقة غوبر، من تلك البلاد التي تُعرَف ببلاد الهوسا.
نشأ الشيخ عثمان في حِجر وَالِدَيْن صالحين، كان لهما الفضل الكبير في توجيهه إلى العلم وَالدِّينِ الذي أُولع به منذ أن عرف الحلم، ففتح الله عليه الفتوحات الغيبية، وأضاء قلبه بالإيمان، فأدرك ما يُعانيه شعبه من مآسٍ وفتن نتيجة سيادة الأفكار الخاطئة وآثار الجاهلية الخبيثة، فعَمِل بِوَعْي وتصميم على تغيير هذا الواقع، ففتح الله على يديه بلادًا واسعة وشعوبًا كثيرة، وأَسَّس حركته التي ما زالت آثارها باقية إلى وقتنا الحالي.
أما أهم أساتذته على الإطلاق فقد كان الشيخ جبريل، الذي قام بواجبه تجاه تلميذه مرتين؛ الأولى عندما قَدَّم للشيخ علومًا مفيدة أسهمت في تكوين شخصيته العلمية والسياسية، والثانية عندما كان أول مَن بايعه على الجهاد على سبيل نشر الإسلام في تلك المنطقة، واعترف له بالولاية، وعقد له الراية، وفي المقابل لم يكن الشيخ أقلَّ سموًّا من معلمه! فقد كان يُردِّد بشكل دائم هذا البيت من الشعر:
إِنْ قِيلَ فِيَّ بِحُسْنِ الظَّنِّ مَا قِيَلا *** فَمَوْجَةٌ أَنَا مِنْ أَمْوَاجِ جِبْرِيلا
وفي وسط ظروف تَسُودُها الأفكار والعادات والتقاليد الجاهلية بدأ الشيخ عثمان بن فودي عمله الشاقَّ والصعب في الدعوة إلى الله، حيث كان يحكم المجتمع مجموعة من الملوك والأمراء الذين يتطاحنون على حقِّ السيادة، ويتنازعون على الأرض، والأرزاق، واستعباد الناس، فقد شَهِدَت إفريقيا جنوب الصحراء عصرًا من عصور الملكية المطلقة، وتطاحنًا أودى بحياة الكثير من أبنائها، ومن سيادة الأفكار القبلية التي لا مجال معها للوَحْدة بين القبائل دون غالب ومغلوب، بحيث تستمرُّ حلقات التنافس القبلي دون توقُّف، مع ما يُرافق ذلك من سيادة للعقلية الحربية التي تضع شرائح كبيرة من المجتمع في دائرة الاستضعاف، إضافةً إلى أن الوضع القبلي هذا لم يستطع أن يُفرز حالة وَحْدَوِيَّة تستطيع أن تُوَحِّد منطقة بأكملها تحت راية واحدة، ولغة واحدة، وأهداف واحدة، وبالتالي تستطيع إنتاج حالة أكثر تقدُّمًا مما كانت عليه، وكان هؤلاء الملوك على ديانات وثنية متخلفة ما زالت بقاياها قائمة حتى أيامنا هذه، عبر ما يسمى بالديانات الأرواحية التقليدية.
وفي مثل هذه الظروف بدأ الشيخ ابن فودي عمله، حيث أخذ على عاتقه مهمَّة تحرير شعبه من سيادة الأفكار الجاهلية المتخلفة ومن سيطرة السلاطين الجبابرة، الأمر الذي أفضى إلى إقامة دولة إسلامية استمرَّت أكثر من مائة سنة في تلك البلاد البعيدة عن مركز الدولة الإسلامية، ومن دون أي تَدَخُّل خارجي[.
لقد قَسَّم الشَّيخ عثمان بن فودي -رحمه الله- في كتابه (نور الألباب) سكَّان بلاد (الهوسا) إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأوَّل:مَن يعمل أعمال الإسلام، ولا يَظهر منه شيءٌ من أعمال الكفر، ولا يُسمَع منه شيءٌ مما يُناقض الإسلام، وأكَّد صحَّة عقيدة هذا النَّوْع من النَّاس.
القسم الثَّاني:مُخلِّط: يَعمل أعمالَ الإسلام، ويُظهر أعمالَ الكفر، يُسمَع مِن قوله ما يُناقض الإسلام، فحكم على هؤلاء بالكفر.
القسم الثَّالث:هم الذين لم يشمُّوا رائحة الإسلام، فهؤلاء كفَّار بالأصالة، ولا تجري عليهم أحكامُ الإسلام
وقد بدأ الشيخ مهمَّته في شكل دعوي، وهو ما أسماه في أدبياته (الجهاد القولي)، وقد كانت مرحلة للدعوة والإرشاد، ورفع المستوى التعليمي العامِّ، ومستوى الوعي الاجتماعي العامِّ، حيث أرسل رسائل إلى كل فئات المجتمع يدعوها إلى الله، موضِّحًا أهمية الإسلام في إحياء الأُمَّة وخلاصها من مشاكلها الواقعية التي تعيشها.
وقد ركَّز عثمان بن فودي في أسلوبه من خلال هذه المرحلة على استخدام عنصرين مهمَّيْن: أولهما التركيز على موضوع المرأة في النموذج الإسلامي، والفرق بينه وبين المرأة في النموذج الجاهلي المتخلِّف، وقد أسهم الكثير من السيدات المسلمات في حركة النهوض التي قادها الشيخ عثمان، كما شكَّلت هذه القضية تحدِّيًا كبيرًا للأفكار السائدة من خلال دعوة المرأة إلى التحرير من الاستعباد الحقيقي الذي تعيشه في ظلِّ الوضع السائد.
كما اعتمد على استخدام الشعر والموشحات الدينية بالطريقة الشعبية المعروفة في تلك البلاد والمحببة إلى القلوب، وقد كان الشيخ مبدعًا في تأليف كمية كبيرة من القصائد والموشحات ذات المضمون الأخلاقي والعلمي والإرشادي الراقي باللغات المحلية، وقد كانت هذه القصائد تنتشر مثل (النار في الهشيم)، تنتقل من ألسنة الدُّعاة إلى ألسنة العامة، وما زال الكثير منها محفوظًا حتى الآن، خاصَّة إذا علمنا أن الثقافة الإفريقية هي ثقافة حفظ، وليست ثقافة تسجيل.
وقد استمرَّت هذه المرحلة من عام 1774م حتى 1803م أي حوالي 30 سنة بالدعوة والبناء الدقيق لحركة الدعاة والمبلغين، والتحدي الأخلاقي والفكري والاجتماعي للمجتمع القائم، ولكن دون المواجهة المباشرة، بل عُرِف عنه في تلك المرحلة تشديده على الدعاة بعدم الدخول بأي صدام مع القوى المسيطرة.
وقد ألَّف في هذه المرحلة الكثير من المؤلَّفات الهادفة والدراسات القَيِّمة، وكان يتنقل بين المدن والقرى بنفسه يبثُّ أفكاره، وانتهت هذه المرحلة بتأسيس المجموعة الأساسية من الحواريين والأتباع، أو مَن سمَّاهم بالطلبة، بهدف نشر الصورة الجلية للإسلام، وبهدف تقديم النموذج الأرقى للدين القويم، وفضح علماء السوء الذين كانوا يَرَوْن الواقعَ المنكرَ فلا يعملون على تغييره بأي شكل من أشكال التغيير المتاحة.
وبالفعل جاء الردُّ قويًّا لممارسات الشيخ، حيث بدأ المواطنون يُعلنون رفضهم للأوامر التي تتنافى مع تعاليم الإسلام، خاصَّة في أوساط الشباب الذين يُعتبرون القوة الضاربة في أي قتال يدور بسبب السرقة والتعدي، ونهب المحاصيل أو الثروات الحيوانية، كذلك فالفتيات بَدَأْنَ يَرفضنَ ما يُؤمِنَّ به إذا كان منافيًا لأحكام الدين الحنيف؛ مما دفع مَلِكَ المنطقة للمطالبة بمغادرة الشيخ خوفًا منه على سحب الْبِساط من تحت قدميه، غير أن الشيخ كان قد اتخذ بالفعل قراره بالهجرة مع كل مجموعته، وأصدر فتوى بذلك أذيعت في مختلف الأمصار، وما إن انتقلت الأخبار إلى المدن المجاورة حتى تجمَّع المؤمنون من كافَّة أنحاء البلاد يَبْنُونَ أوَّل مجتمعاتهم القائمة على الحكم الإسلامي.
واستمرَّت هذه المرحلة إلى عام 1808م، وكانت ولا شكَّ مرحلة توطيد دعائم الحكم الإسلامي، حيث وضع نظامًا إداريًّا متقدمًا يُراعي النُّظُم الإسلامية، ووحَّد البلاد تحت راية واحدة، وجعل اللغة العربية لغة الدولة الرسمية، واستمرَّت هذه الدولة حوالي مائة سنة حتى دخول الاستعمار البريطاني إلى تلك المنطقة، حين قرر المَلِكُ أن يُجهِّز جيشًا لمقاتلة المجموعة المؤمنة، فالتقى الجيشان وانتهت المعركة بنصر جيش المسلمين، فكانت هذه المعركة جولة حاسمة انهار على أثرها الكثير من الجيوش والممالك الصغيرة، بعضها بالقتال، وبعضها بالتهديد، وفي هذه المرحلة التي تُعْرَف بمرحلة الجهاد المسلَّح، تمَّت الخطوة الحاسمة التي لم يكن بالإمكان أن يَستقِيم الوضع بدونها، ألا وهي مبايعة الشيخ قائدًا وإمامًا على سُنَّة الله ورسوله.
2- حركة جهاد أحمدو لوبو في منطقة ماسينا:
بينما كان الشيخ عثمان بن فودي يواصل جهاده ضدَّ حُكَّام إمارات الهوسا، بدأت حركة إسلامية فولانية أخرى في منطقة ماسينا على نهر النيجر العلوي، قادها الشيخ أحمدو لوبو، وهو أحد مؤيِّدي الشيخ عثمان السابقين في إمارة جوبير، وكان الفولانيون قد استقرُّوا في منطقة ماسينا الخصبة منذ عدَّة قرون، ومارسوا حرفة الرعي إلى جانب جماعات الماندجو الزراعيين، ولكنهم ظلُّوا بمعزِل عنهم، وكان لهم رؤساء من جماعات الديولو، الذين اقتصر حكمهم على الفولاني منهم التابعين لأسيادهم من جماعات البمبارا في سيجو، وكانت هذه ***ات سواء الفولاني منهم أو الماندنجو يَدِينون بالوثنية باستثناء بعض ***ات القليلة التي اعتنقت الدين الإسلامي؛ بسبب ظهور الحركات الإصلاحية في منطقة سوكوتو، أو في منطقة فوتا جالون.
ففي هذه المنطقة أعلن الشيخ أحمدو لوبو نفسه أميرًا للمؤمنين، وبدأ جهاده ضدَّ جماعات البمبارا أو الماندنجو.
وينحدر الشيخ أحمدو من إحدى العشائر الفولانية المسلمة التي هاجرت من منطقة ماسينا، وعاشت مع شعب البمبارا حيث كانت الوثنية منتشرة هناك، وتلقَّى أحمدو ثقافته الإسلامية من شيوخ أسرته، ثم الْتَحَق بمدينة جنى التي كانت من المراكز الإسلامية الكبرى في غرب إفريقيا، حيث تعلَّم التفسير والفقه وعلوم الدين الأخرى، ثم عاد إلى ماسينا ليُعلِن الجهاد؛ لكي ينقذ الوثنيين من عبادة الأحجار، ويهديهم لعبادة الله وحده.
نظر الشيخ أحمدو لوبو إلى حركة الجهاد في سوكوتو يَسْتَلْهِم منها الرشاد، ويتَّخذها أساسًا لبناء دولته الإسلامية، وأرسل الشيخ أحمدو بالفعل إلى دولة سوكوتو لتوطيد العَلاقات مع خليفة الدولة محمد بلو (1817- 1837م)، وبالرغم من مساعدة الخليفة له وإرساله الكتب التي طلبها ليَسترشد بها، إلا أن الشيخ أحمدو رفض التبعية لدولة سوكوتو بمجرد أن أعلن الجهاد، كما امتنع عن دفع الضرائب إلى الخليفة، واستمرَّ يَسْتَلْهِم من دولة الفولاني الْعَوْن الرُّوحي، ويعتمد مؤلفات الشيخ عثمان وعلماء سوكوتو في كثير من أعماله وتنظيماته.
بدأ الشيخ أحمدو لوبو تعاليمه في عام 1797م، وعندما شاهد رؤيا في منامه في عام 1816م أعلن الجهاد، وأخذ يسعى لنشر المبادئ التي نادى بها أولاً بين الشباب في المدن وخارجها، وانضمَّ إليه أفراد عشيرته، هذا إضافة إلى قلَّةٍ مِن المسلمين في المناطق الزراعية.
استقرَّ الشيخ في مكان يُدعى روندى سيرو بالقرب من مدينة جنى، ومِن هناك حَمَل لتلاميذه دعوته، واستمرَّ يَعِظ الناس، لمدَّة تقترب من عشرين عامًا، ثم جاهر بتحدِّيه للحاكم وأتباعه، حيث اتهمهم بممارسة العادات والتقاليد الوثنية التي تَبْعُد عن الدِّين الصحيح، كما اعتبرهم أداة في أيدي أسيادهم من حكام البمبارا، وهاجم بالفعل العلماء داخل المدينة نظرًا لتهاونهم في تطبيق الشريعة الإسلامية.
ظهر الشيخ لسلطات ماسينا عندما نصح أتباعه بقتل ابن الحاكم؛ لأنه اغتال أحد أتباع الشيخ أحمدو، وبعد هذا الحادث اضطر الشيخ أحمدو إلى الهروب خوفًا من انتقام الحاكم، وتوجَّه الشيخ مع قلَّةٍ مِن أتباعه إلى مدينة سوى، وفرض سيطرته على كل منطقة سيرو، ولقَّبَ نفسَه أمير المؤمنين، بل وادَّعى أنه آخر الأئمة الاثني عشرية.
ونَاصَرَ الفولاني سواء من الوثنيين أو المسلمين، واستطاع بعد فترة وجيزة أن يُصبح سيِّدًا لمنطقة تبلغ مساحتها 50.000 ميل مربع، وضمَّت داخل حدودها كلاًّ من مدينتي جنى وتمبكت، كما استولى على مدينة كوناري بعد صراع مرير مع حاكمها، وفي هذه المدينة التي تقع على الشاطئ الأيمن لنهر باني أَسَّس في عام 1815م مدينة (حمد الله)؛ لتكون حاضرة لدولته وعاصمة لدولة ماسينا الإسلامية، وأحاطها بسور ضخم، وضمَّ إليها بعض الإقطاعيات الزراعية خُصِّصت لرجال الدين والعلماء، وغيرهم من المسلمين.
وقد قام الشيخ أحمدو بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في دولته، فأنشأ بيتًا للمال، وأقام نظامًا عسكريًّا للدفاع عن حدود الدولة، وعيَّن الأُمراء في مختلَف إمارات الدولة، وقسم العاصمة "حمد" إلى سبعة أحياء، يُشرِف على كل حيٍّ من أحيائها قاضٍ، وعيَّن قاضي القضاة على رأس هؤلاء الحكام، أما بالنسبة للجهاز السياسي للحُكم فقد اعتمد الشيخ أحمدو على مجلس الأربعين الذي يَرْأَسه أحد مشاهير العلماء، وبالرغم من أن الشيخ أحمدو قد حمل لقب أمير المؤمنين، إلا أنه كان عضوًا في المجلس، وكان يُفوِّض الكثير من سلطاته إلى زملائه أعضاء مجلس الأربعين.
3-حركة الجهاد الإسلامي في منطقة التكرور:
امتدَّت حركات الجهاد إلى مناطق أخرى من غرب القارة، حيث استطاع الحاج عمر الفولاني نقل جهاده إلى بلاد السنغال، تلك المنطقة التي كانت قد دخلت في الدين الإسلامي، وعَرَف سكانها مبادئ الدين منذ أيام عبد الله بن ياسين، وأَخلَص أهل السنغال لدعوته، وشاركوا في جهاده، وتشرَّبوا الحضارة العربية الإسلامية، وأَخلَصوا في أداء الشعائر الدينية؛ لذا لم يكن غريبًا أن يَظهر في هذه المنطقة وفي تلك التربة الصالحة رجل مجاهد آخر يدعو الناس إلى الالتزام بمبادئ الإسلام، ذلك الرجل هو الحاج عمر بن سعيد، الذي وُلِدَ في قرية حلوار بالقرب من بودور على الحدود السنغالية الموريتانية إلى الشرق من مدينة سان لويس وذلك في عام 1797م، وكان الحاج عمر هو الابن الرابع للشيخ سعيد، وينتمي إلى إحدى الأُسَرِ التي قاومت الوثنية في هذه المنطقة، كما قاومت الاستعمار الأوربي.
وفي عام 1838م انتقل الحاج عمر إلى منطقة ماسينا، وظلَّ هناك بعض الوقت في ظلِّ حاكمها الشيخ أحمدو لوبو، ولكنه عندما ذهب إلى منطقة سيجو طردته السلطات هناك، فرحل إلى منطقة كانجاب، ثم انتقل إلى منطقة (كان)، حيث استمرَّ سبع سنوات يعظ الناس، ويُعلِّمهم مبادئ الدين الإسلامي.
استقرَّ الحاج عمر في النهاية في دنجوري عند التقاء نهر فوتا جالون مع نهر بامكو وبوندو، وقضى الحاج عمر الفترة منذ عام 1845 حتى 1850م في تدعيم دولته، فبنى حصنًا في دنجوري، ومن هناك بدأ يُعلِن الجهاد ضدَّ الوثنية، وبدأ يغزو إمارة البمبارا في كارتا، واستطاع أن يُلحِق الهزيمة بجيشها في عام 1854، واستولى على أهمِّ المدن بها، وكان يأمُل أن تساعده السلطات الفولانية في ماسينا في شنِّ هجوم مشترَك على المدن بها، ولمَّا رفض حُكَّام ماسينا دعوته اتجه نحو الغرب لمهاجمة بعض الإمارات السنغالية في حوض السنغال الأوسط، وهناك الْتَقَى بالقوَّات الفرنسية في عام 1857م والْتَحَم بها، واضطر إلى الرجوع للشرق.
وأدرك أن التوغُّل الفرنسي هناك سيجعل من المستحيل بناء دولته على نهر السنغال، فكان انسحابه إلى الشرق نواة لتكوين إمبراطورية من مملكة البمبارا وماسينا.
وأثناء اشتباكات الحاج عمر مع الفولاني في ماسينا، قُتِل الحاج عمر في عام 1864م، وهو في قِمَّة قُوَّته، لكن قبل أن يَدْعَم إمبراطوريته، وترك لابنه أحمدو الشيخ مسئوليات جسامًا، وصراعات أُسَرِيَّة، وحركات تمرُّد مستمرَّة، إضافة إلى توغُّل فرنسا في منطقة ماسينا، وهكذا صار أحمدو الشيخ خليفة لهذه الإمبراطورية بعد وفاة والده.
ومنذ البداية صار موقف أحمدو الشيخ صعبًا؛ ذلك أنه في الوقت الذي بدأ يَدْعَم فيه سلطاته في سيجو، أخذ التوغُّل الفرنسي يشقُّ طريقه نحو إمبراطوريته، وكان أحمدو يتطلَّع إلى تطوير النُّظُم الاقتصادية في دولته، ويسعى إلى إقامة عَلاقات تجارية مع الدول المجاورة ومع الفرنسيين في حوض السنغال، ومع البريطانيين في جامبيا وسيراليون؛ ونظرًا لاتساع الإمبراطورية فقد حَكَم أقاربه أجزاء منها بصورة شبه مستقلَّة، حيث حكم أخوه أجوبو منطقة دنجوري في الجنوب، وحكم ابن عمه -ويسمى التيجاني- منطقة ماسينا بعد أن استعادها عقب وفاة الحاج عمر في عام 1864م.
وتقدم الفرنسيون في حوض النيجر حتى مدينة ساي ومنها إلى بوسا؛ مما أدى إلى اصطدام مع البريطانيين الذين كانوا يَدْعَمون نفوذهم في نيجيريا، وبدأت سلسلة من المفاوضات بين الدولتين لتقسيم هذه المنطقة.
هكذا انتهت إمبراطورية الحاج عمر في بلاد التوكولور بعد أن حقَّقت هذا النصر الرائع، وبعد أن نجحت في تقوية رابطة الوَحدة بين أتباعه الذين ينتمون إلى قبائل مختلفة، ولولا الاستعمار الفرنسي لنجح الحاج عمر في إقامة دولة إسلامية في إفريقيا.
وإذا ألقينا نظرة على هذه الإمبراطورية نجد أنه بنى إمبراطورية إسلامية أكثر مركزية عن إمبراطورية الفولاني في سوكوتو، أو دولة الشيخ أحمدو لوبو في منطقة ماسينا، وقد تكوَّنت هذه الإمبراطورية في منطقة عَرَفت الإسلام منذ قرون خَلَتْ، بدلاً من الهجوم على الحكام المسلمين بسبب تهاونهم في تطبيق الشريعة الإسلامية، وكان الحاج عمر قد اعتنق مبادئ التيجانية، وهي أحدث من الطريقة القادرية التي انتهجها كل من الشيخين عثمان بن فودي وأحمد لوبو
ويبقى أن نعلم أن المسلمين في غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة يُواجهون مصاعب جَمَّة، وتحدِّيات كبيرة؛ منها: التنصير، والحرمان من خيرات بلادهم، والتضييق عليهم في التعليم وفي فُرَص تولِّي المناصب الكبرى، ويَصِل الأمر إلى التعذيب والقتل.
وهذه نبذة من الصعاب والمشكلات في بعض بلاد غرب إفريقيا:
أبرز المشاكل التي تُواجه المسلمين في غانا:
ومن أبرز المشاكل التي تُواجه المسلمين في غانا هي تغلغل النفوذ الصهيوني، والْفِرَق الضالَّة كالقادِيانِيَّة والماسونية، واضطهاد البعثات التنصيرية لهم، ومن مظاهر اضطهاد النصارى للمسلمين تلك المذبحة التي وقعت يوم 2 من فبراير 1994م بالمنطقة الشمالية، والتي بدأت بهجوم من قبيلة كونكمبا النصرانية على قرية بمبلا التي تبعد 960كم عن العاصمة أكرا، وسرعان ما انتشر الهجوم ليشمل 150 قرية، وكانوا يُركِّزون على هدم وإحراق المساجد على المُصلِّين، ويُقَدَّر عَدَد المساجد التي حُرِّقت وهُدِّمت بمائة مسجد بحسب الإحصاء الحكومي، وتُقَدَّر البيوت التي حُرِّقَت بستمائة بيتٍ، إضافةً إلى إحراق حوالي ألف مزرعة، وقَتْل حوالي ثمانية آلاف، والمشردون حوالي عشرين ألفًا.
وقد نشط المسلمون هناك في تكوين منظمات وهيئات إسلامية تخدم العمل الإسلامي، ومنها: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجمعية أنصار السنة، ورابطة الشباب المسلم، وقد تمَّ إنشاء مكتب إسلامي لرعاية المُعَاقِين المسلمين في غانا، بهدف الوقوف في وجه الزحف التنصيري عبر تقديم المساعدات المالية والعينية للمعاقين المسلمين تحت شعار المساعدات الإنسانية؛ لتكون وسيلة سهلة لتنصيرهم


بدأ الإسلام في غينيا الاستوائية في أواخر القرن الخامس الهجري عن طريق المرابطين، فكانوا يُرسِلُون الدُّعاة من المغرب إلى جهات إفريقيا، وعن طريق التجار والعمال المسلمين القادمين من نيجيريا، وفي النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي بدأ الإسلام ينتشر بين أفراد قبيلة فانج وشيوخها، وذلك عن طريق فانج الكاميرون.
وقد استعمرت إسبانيا غينيا الاستوائية عام 1194هـ/ 1879م، ووضعت العراقيل أمام الدعوة الإسلامية، وتعاملت معها برُوحٍ صليبية متعصبة، ثم منحتها استقلالها عام 1388هـ/ 1968م. ويُقِيم أكثر المسلمين في إقليم ريموني، في حين يسكن أكثر النصارى الكاثوليك في إقليم فيرناندوبو، وهو الأكثر تحضُّرًا، واللغة الرسمية هي الإسبانية، ويتكلَّم السكان لغة البانتو.
ودعم انتشار الإسلام في الآونة الأخيرة هجرة عدد كبير من العمال والتجار النيجيريين إليها (حوالي 40 ألفًا)، ومن أبرز التحديات التي تُواجه المسلمين هناك نشاط البعثات التنصيرية
في عام 1827م قامت أمريكا بتأسيس مستعمرة ليبريا على الساحل الغربي لإفريقيا؛ لتنقل إليها ستة وأربعين ألف إفريقي من أبناء الزنوج الأفارقة بأمريكا، وقامت ببناء عاصمتها مونروفيا؛ لتكون ليبريا هي نقطة الانطلاق لاحتلال الأراضي الإسلامية بغرب القارة وتنصير أهلها، فقامت باحتلال الساحل، وحصرت أهلها في المناطق الداخلية. وفي عام 1847م أُجْبِرَ المسلمون على استخدام اللغة الإنجليزية، كما أُجْبِرُوا على تغيير أسمائهم الإسلامية إلى أسماء إنجليزية، وطُبِّق عليهم الدستور الأمريكي، وقد كان الزنوج القادمون من أمريكا هم المسيطرون على الحُكْم.
ولكن في عام 1980م قاد الرئيس صومويل -وهو من السكان الأصليين- انقلابًا عسكريًّا أنهى به فترة احتكار الزنوج الأمريكان للسلطة، إلا أن تشارلز تيلور -وهو زنجي أمريكي- أعلن تمرُّده عليه.
وقوع الكارثة:
في مساء يوم 24 من ديسمبر 1989م قامت عصابة تشارلز تيلور بقتل مائة ألف مسلم شرَّ قتلة، وأحرقت 75 من الدعاة والأئمة بصبِّ البنزين عليهم، كما قاموا بقطع آذان المؤذِّنِين وألسنتهم، وهُمْ أحياء، وتشريد 700 ألف مسلم أُجْبِرُوا على تَرْك ديارهم وأموالهم، وهُدِّمت المساجد والمدارس الإسلامية التي كان عددها قبل المذبحة 720 مسجدًا، و150 مدرسة ابتدائية، و45 مدرسة ثانوية.
وفي عام 1990م تعرَّض المسلمون لحرب إبادة أخرى، حيث ركَّز رجال تشارلز على القرى ذات النشاط الإسلامي المزدهر، وقتلوا مَن فيها بالرصاص أو السكاكين المسمومة، وقد فرَّ مَن بقي منهم على قيد الحياة إلى غينيا وسيراليون. وبعد أن انتهت عصابة تشارلز تيلور من قتل المسلمين في ليبريا دخلت سيراليون لاستكمال خُطَّتها في قَتْل مَن فرَّ إليها من المسلمين، ومِن الذين استُشهدوا الشيخ باه رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وقد عاونت غينيا اللاجئين بشكل حسن، ونظرت إليهم على أنهم إخوة في الدين، أما باقي المسلمين في أنحاء العالم فلم يُعْطُوا القضية الليبرية حقَّها من العناية.
وقد فجَّرت هذه الأفعال رُوح الجهاد الإسلامي، حيث توحَّدت الصفوف، وانخرط الكثير من الشباب المسلم في الجهاد، وتتوَّج هذا الأمر بتأسيس حركة (إنقاذ مسلمي ليبريا)، التي تُمثِّل جميع المسلمين على الصعيد السياسي.
وبدأت حركة الإنقاذ عملياتها الجهادية في 15 من صفر 1412هـ، وبدأت انتصاراتها تتحقق باستعادة الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة عصابة تشارلز تيلور، وحاول النصارى التصدي لرُوح الجهاد وإغداق الأموال على الكنائس للقيام بحملات صليبية مكثَّفة، ولكن نتج عن مكرهم هذا تجدُّد القتال، وعودة الكثير من اللاجئين إلى غينيا، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
ومن المؤسف أن دور المسلمين في إنقاذ إخوانهم في غرب إفريقيا ضئيل، يقتصر على بعض المنظمات الإغاثية التي تقدِّم جهد المقلِّ، بينما ترتبط مواقف حكومات الدول الإسلامية بالمواقف الغربية التي لا تُرِيد تدخُّلاً من أحدٍ سواها في هذه البقاع؛ لكي تستطيع إتمام مخططاتها لاستئصال الإسلام منها.
وبعدُ، فهذه أوراق قليلة تحدَّثت عن قصة الإسلام في غرب إفريقيا، وهي قصة حافلة بالدروس والعِبَر، فضلاً عن المسئولية التي تُلقيها على عاتق المسلمين الآن من أجل الوقوف بجانب إخوانهم هناك. نسأل الله تعالي أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان.







آخر تعديل طالب عفو ربي يوم 27-04-2009 في 05:43 PM.
رد مع اقتباس
قديم 27-04-2009, 05:55 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

كان من أهمِّ أسباب انتشار الإسلام عَبْر ربوع إفريقيا أيضًا بساطة تعاليمه، وسهولة فَهْمه، ويُسْرُ الدعوة إليه، فكلُّ مسلم يُعْتَبَر داعية، فلا توجد تعقيدات كهنوتية كما في المسيحية، وما يكتنفها من غموض، مما يجعلها صعبة الفَهم بالنسبة للإفريقي، وعلى العكس يَسَّرَت تعاليمُ الإسلام وسُمُوِّها بالبَشَرِ ومساواتها بين الناس سهلت مهمَّة الدعوة للإسلام، وأيضًا مما ساعد على انتشار الإسلام عدالته ومساواته بين الناس، وبغضه للتفرقة العنصرية، وهي عُقْدَة الأفارقة، حيث مارسها بعضهم، ويمارسون جميع ألوانها في جنوب إفريقيا تحت ظلال المسيحية، مما يجعل الأخوة في كنف التنصير ليست إلا أكذوبة، لَمَسَها الإفريقي واقتنع بها
وبعد انهيار الخلافة الأُموية، انقسم الهاربون من الخلافة العباسية إلى قسمين: أحدهما اتجه إلى الأندلس، وأنشأ الدولة الإسلامية بالأندلس، والآخر اتجه إلى إريتريا؛ لبُعدها عن مركز الخلافة العباسية في بغداد، وكونها خصبة للتجارة بالنسبة للأمويين الهاربين من الحكم العباسي، وللدعوة بالنسبة لآل البيت (الأشراف).
وقد تزامن هذا مع صراعات عنيفة داخل الممالك الحبشية، ممَّا عزلها تمامًا عن التأثير في الأحداث، بسبب الصراعات التي نشبت بين الأسرة السليمانية وأسرة زاقي، وقد وطَّد الإسلام في هذه الفترة أقدامه في التُّرْبة الإريترية مِن بَدْء مجيئه، فأسلم "آل الجبرتا"، وإليهم ينسب المؤرخ المصري الشهير عبد الرحمن الجبرتي، ولهم رواق خاصٌّ بهم بالجامع الأزهر الشريف، ما يزال موجودًا حتى الآن، ويُسمَّى "رواق الجبرتا"، وكانوا من أوائل الناس إسلامًا في إريتريا، وقد ذهب منهم وَفْدٌ ضِمْنَ وفد النجاشي للرسول r، وكانوا يقطنون هضبة "التجراي"
بناء مقديشو
تأسَّست مدينة مقديشو في عهد الخلافة العباسية ، ولهذا التأسيس قصة، فحينما وصلت أكبر الهجرات العربية والإسلامية إلى ساحل الصومال، المعروف بساحل (بنادر)، وهي هجرة الإخوة السبعة، فقد هاجرت هذه ***ة العربية في مَشَارِف القرن العاشر في حوالي عام (301هـ/ 913م) من (الأحساء) عاصمة دولة القرامطة، والإخوة السبعة من قبيلة (الحارث) العربية، جاءوا في ثلاث سفن محمَّلة بالرجال والعتاد الحربي، وقد نما إلى علم هذه ***ة العربية أخبار ***ات العربية التي سبقتهم إلى ذلك الساحل، وربما سمعوا عنها من التجار، أو من جنود سعيد الجنَّابي، وقد كان في صفوفهم جندٌ من الزنج والأَرِقَّاء الذين جاءوا إلى الجزيرة العربية والعراق في فترة من الفترات؛ لذلك قرَّرت هذه ***ات الإسلامية أن تحذُوَ حَذْوَ الهجرات التي سبقتها، يراودهم الأمل العريض في تكوين وطن جديد، وقد تحقق لهم ما أرادوا بفضل جهودهم.
استولى الإخوة السبعة على كل سواحل (بنادر) بعد أن قاموا بتأسيس مدينة (مقديشو)، والتي جعلوها عاصمة لدولتهم الجديدة، فامتدَّ نفوذهم حتى جنوبي (ممبسة)، وربما وصلوا إلى جزيرة (مدغشقر)، وقد وصف المسعوديُّ هذه الجزيرة، وذكر أن فيها قومًا من المسلمين.
ولم تمضِ فترة طويلة على استقرار هذه ***ات المسْلِمَة، حتى أصبح كل الساحل سُنِّيًّا على المذهب الشافعي، وذلك بعد أن اصطدم الإخوة السبعة بالزيدية الشيعة، الذين اضطروا للانسحاب إلى الداخل، ولا يزال المذهب الشافعي هو السائد في بلاد شرقي إفريقيا، وقد اكتفى هؤلاء المسلمون على بسط نفوذهم في المنطقة الساحلية فقط؛ إذْ إنَّ الداخل لم يكن معروفًا لديهم، إما لأنهم يجهلونه، أو لصعوبة التوغُّل، فسيطروا على الساحل ريثما يتمُّ لهم كشف مجاهل إفريقيا المختلفة، وكان من نتيجة هذه الهجرة الأخيرة أن بسطت (مقديشو) نفوذها، وساعدت العرب المسلمين على إنشاء مواطن استقرار على طول الساحل الممتدِّ من (مقديشو) في الشمال إلى مدينة (سوفالا) في الجنوب.
شكل الحكومة
وبعد أن تغلَّب الإخوة السبعة على الصعاب التي واجهتهم في أوَّل أمرهم، بدءوا في وضع الأُسُس والتشريعات المختلفة التي تَكْفُل لهم الاستقرار والحياة الكريمة، فتكوَّن مجلس من كبار المسلمين، وأعضاؤه اثنا عشر شخصًا، يرأسهم شيخ لا يحمل لقب سلطان أو مَلِكٍ، ويُسَمَّى هذا المجلس باسم (مجلس المدينة)، وكان هذا النظام أفضل نظام طبّقه المسلمون في ساحل (بنادر) في العصور الوسطى، ويتمتَّع هذا المجلس بِكُلِّ السلطات، وله حقُّ النظر في القضايا المدنية والجنائية وفضِّ المنازعات، وكان بجانب هذا المجلس مجالسُ فرعية في كل حيٍّ من أحياء المدينة، وهي في شكل طائفة تَخْضَع لشيخها الذي يتولَّى أمرها، ويقوم بإكرام الغرباء، وقضاء حاجاتهم.
كان اختصاص هذا المجلس هو حفظ الأمن، وتطبيق العدالة بين ***ات، ووضع حَدٍّ لهجمات بعض القبائل الرعوية الصومالية على التجار من العرب والفرس، وبالتالي لمواجهة غزاة آخرين كانوا يأتون من البحر، وتمَّ هذا الاتحاد بعد أن أصبحت (مقديشو) عاصمة لساحل بنادر، والذي ضمَّ هذه المشيخة وإماراتها التابعة لها، مثل: مركة، وبراوة التي سيجيء تفصيلهما، هذا إضافة إلى الأراضي المحيطة بهم، وكان يطلق على جميع هذه الأراضي (مقاديش)، وعُرِف أحيانًا سكان هذه الجهات باسم سكان بنادر، وبضائعهم باسم بضائع بنادر.
لقد استمرَّ مجلس هذه المشيخة والممثَّل في سلطة الشورى بين المسلمين والفرس والصوماليين نحو أكثر من مائتي عام على ذلك النحو، حتى انْتُخِبَ أبو بكر فخر الدين عام 1100م حاكمًا على جميع أراضي هذه البلاد، وهو من سلالة الإخوة السبعة بتعضيد من قبيلة بني قحطان العربية التي أصبح لها النفوذ والسيادة.
وفي عهد أبي بكر فخر الدين احتفظت قبائل قحطان ومكري بنفوذها ومكانتها الدينية الممتازة؛ لأن قاضي الوَحدة قبل قيام السلطنة التي أسَّسها أبو بكر فخر الدين كان من بين أبناء هاتين القبيلتين، وبفضل قبائل قحطان ومكري استطاع أبو بكر فخر الدين أن يُقِيم سلطنة وراثية في (مقديشو)، كما أقرَّ السلطان أبو بكر قبائل مكري على امتيازاتها، وقد استمرَّ حُكْم أبي بكر فخر الدين سبعةَ عشَرَ عامًا حتى تُوُفِّيَ عام 1117م
اضمحلال سلطنة (مقديشو)
أما في عصر المماليك فقد كان للأحباش اتِّصال دائم مع ملوك أوربا للعمل معًا ضدَّ المسلمين، وقد ظهر هذا خلال أوقات متباعدة، فعند الغزو الصليبي قدَّم الأحباش المساعدات، وأصبح لهم دَيْر خاصٌّ في بيت المقدس، وحرصت الحبشة على مساعدة مَلِكِ قبرص النصراني، وتحريضه على غزو مصر، وكان نتيجة لذلك غزو الإسكندرية عام 767هـ، وأقدمت الحبشة على القيام ببعض الأعمال التخريبية، إلا أن تحرُّك الجيوش المملوكية قد حال دون استمرار أعمال الأحباش.
وعندما فتح المماليك في مصر "جزيرةَ قبرص" عام 830هـ/ 1427م اتَّصل الأحباش بملوك أوربا للعمل ضدَّ المماليك، وقد تجاوب مع ذلك ملك فرنسا وملك أرغون، وهدَّد مَلِكُ الحبشة المماليكَ بالقيام بغزو بلاد العرب والأماكن المقدسة، وتحويل مجرى نهر النيل
وفي مطلع القرن العاشر الهجري حملت راية الجهاد في شرق الحبشة إمارة "عدل"، ووصل نفوذها إلى حافَّة الهضبة الحبشية، في الوقت الذي كان العثمانيون يدخلون من الشمال لبلاد العرب؛ ليُوَحِّدوا المسلمين، ويقفوا في وجه البرتغاليين وأطماعهم في المنطقة، إلا أن حُكَّام إمارة "عدل" قد اضطروا فيما بعدُ إلى مسالمة الأحباش بعد أن هُزِمُوا أمامهم.
ثم حملت إمارة "هرر" راية الجهاد، وأسلمت الشعوب البدوية مثل "الدناقل" وغيرها، وشجع الهرريُّون وصول العثمانيين إلى المنطقة، ووقوفهم في وجه الحلف البرتغالي الحبشي، إذ دَعَمُوا سلطان "هرر" أحمد بن إبراهيم الملَّقب بالقرين، وأمدُّوه بالأسلحة، فاستمرَّت غزواتهم في الحبشة خمسةَ عشرَ عامًا، وكانت النتيجة أن دخل سلطان "هرر" أجزاءً من هضبة الحبشة، وعاد إلى الإسلام عدد من الذين سبق لهم أن تنصّروا تحت ضغط الأحباش، كما بدأت قبائل "الجالا" الوثنية الدخول في الإسلام، كما أن هذه القبائل قد استغلَّت الخلاف الذي حدث بين الأحباش والبرتغاليين فشقَّت طريقها إلى الهضبة من الجنوب.
وازداد عدد المسلمين في القرن الحادي عشر الهجري، ودخل التُّجار الكانميُّون[ إلى بلاد الحبشة، فأسلم على أيديهم كثيرون، واتَّجه المظلومون من الأحباش إلى عدالة الإسلام، وكان المسلمون من الأحباش ذوي مكانة اجتماعية وثقافية وخُلُقِيَّة، معرُوفِينَ بالجدِّ في العمل، والأمانة في المعاملة، وقد عَرَف لهم هذا الأحباشُ الذين كانوا على غير دينهم، إلاَّ أن بعض المتعصِّبين من النصارى كثيرًا ما كانوا يُسِيئُون إلى المسلمين، ويُصِرُّون على إقصائهم عن الوظائف الرسمية، ومع هذا فقد وَجَد الإسلامُ طريقَه إلى قلوب كثير من الزعماء
انتشرت الثقافة العربية الإسلامية في منطقة الساحل وبين السكان على اختلاف عناصرهم بالعلوم الدينية واللغة العربية، فمِن "كلوة" سافر طلاب العلم إلى شبه الجزيرة العربية ليَنْهَلُوا من علوم المعرفة، وكان مِن بينهم الأمراء، فقد تَنَقَّل السلطان أبو المواهب (1308- 1334) قبل ارتقائه عرش السلطنة في "كلوة" بين عدن ومكة لطلب العلم، وكان قد وصل إلى مكة وهو لم يزل في الرابعة عشرة من عمره، وممَّا يُؤَكِّد شدَّة حاجة سكان الساحل إلى تحصيل العلوم العربية ما رواه أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز الميورقي (ت 474هـ)، الذي زار البصرة في سنة 469هـ/ 1076م، إذ رَكِبَ من عمان إلى "بلاد الزنج"، وكان معه من العلوم أشياء فما نَفَق عندهم إلا النحو، وقال: لو أردت أن أكسب منهم ألوفًا لأمكن ذلك، وقد حصل لي منهم نحو ألف دينار، وتأسَّفوا على خروجي من عندهم.
ومن الجدير بالذكر أن المدَّ الإسلاميَّ الوافد إلى ساحل شرق إفريقيا في ركاب الهجرات الإسلامية القادمة من جنوب الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي لم يتوقف على مرِّ السنين، وتوقَّف على ذلك أن تأسَّست مدن إسلامية مزدهرة على الساحل صارت بيئة صالحة لانتشار الإسلام بين الأفارقة من ناحية، وتغَلُّب مظاهر الثقافة العربية الإسلامية عليهم من ناحية أخرى.
ونلْمَسُ ذلك بوضوح في دولة الزنج التي ظهرت في الساحل في القرن العاشر الميلادي، وظلَّت باقية حتى أوائل القرن السادس عشر، رغم القلاقل والانقسامات التي تنازعتها، فقد شيَّدت تلك الدولة عدَّة مدن إسلامية، وأقامت المساجد في كل مدينة، حيث عَرَف الكثيرُ من القبائل الطريقَ إليها، وفي هذا المظهر الديني يتوفَّر الدليل القاطع على أن كثيرًا من الأفارقة قد تحوَّلوا إلى الإسلام.
والحقُّ أنه من المبالغة أن نقول إن الوثنية اختفت تمامًا من المدن الساحلية، حيث ما زالت تعتنقها عدَّة قبائل، وإن كان لا يمكن أن نقارنها بمراكز الوثنية في مناطق الأدغال في غرب ووسط وجنوب القارة الإفريقية، ولكن هذا لا يُقَلِّل من الدور الذي قامت به دولة الزنج في الدعوة إلى الإسلام، وقد كان بوُسع تلك الدول أو العرب المسلمين المقيمين على طول الساحل أن يَصْبُغوا الأفارقة كلَّهم بطابع الإسلام لو لم تقتحم أساطيل الغزو البرتغالي في أوائل القرن السادسَ عشرَ مياه هذا الساحل، الأمرُ الذي أعاق مسيرة المدِّ الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية قُرَابة قرنين ونصف، وهي حِقبة طويلة؛ لتبدأ إفريقيا عهدًا جديدًا، وهو عهد الاستعمار الأوربي البغيض، الذي نهب خيراتها، وأذاقها الويلات.
وللحديث عن هذا العهد سنقسِّم دول شرق إفريقيا إلى دول ذات أغلبية مسلمة، وأخرى ذات أقلية مسلمة. أما الدول ذات الأغلبية المسلمة فهي الموضحة بالجدول التالي:
الدولــــــــــة
نسبة المسلمـــــين
الصومــــــال
100%
جيبوتـــــــي
100%
جزر القمـــــر
99.5 %
إريتريـــــــا
85%
تنزانيــــــــا
65%
إثيوبيــــــــا
65%
ورغم الأغلبية المسلمة إلا أن الأرثوذكسية هي الدين الرسمي للدولة!!
موزنبيــــــــق
55%
بدأت الصليبية العالمية في التحرك عقب سقوط الأندلس عام 1492م، فتوحَّدت كل القوى الصليبية بمباركة البابوية، والهدف هو تَعَقُّب المسلمين، والقضاء على آخر معاقلهم على الساحل الإفريقي، ترتَّب على ذلك أن قامت الحملات الاستعمارية المتتالية في محاولة جادَّة لتطويق المسلمين، وذلك بمساندة ملوك إفريقيا النصارى، وعلى رأسهم ملك الحبشة، فلمع نجم البرتغاليين والأسبان من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي، لكن الصبغة التي انتحاها كلٌّ من البرتغاليين والأسبان كانت صبغة صليبية صِرفة، من أجل القضاء على المسلمين، وتتبُّع الهاربين من الأندلس
كان "فاسكو دي جاما" قد وصل إلى نهاية القارة الإفريقية عام 1491م ودار حول القارة الإفريقية حتى وصل إلى الساحل الشرقي، وقد رسا بأسطوله عند مصب نهر أطلق عليه الرحمة، فوصل إلى ثغر موزمبيق في مارس عام 1498م، وبعد رحيل فاسكو دي جاما قَدِم فرنسيسكو ألميدا، وبدأت ظاهرة جديدة هي الاستعراض بالسلاح، من خلال الأساطيل البحرية البرتغالية في المحيط الهندي. وعلى الرغم من الترحيب الذي كان يَلْقَاه البرتغاليون من العرب والأفارقة إلا أن السياسة البرتغالية المتَّبعة كانت تعتمد على استعراض القوَّة، والبطش في التعامل، ولما احتلَّ البرتغاليون جزيرة زنجبار في الساحل الشرقي الإفريقي كان الهدف الأساسي لها هو محاربة الإسلام، وإجهاض الإمارات الإسلامية في شرق إفريقيا، وهو ما اتَّضح جليًّا حينما "استطاعت البرتغال عام 1542م أن تساعد الحبشة المسيحية، وأن تمنع القوَّة التركيَّة الموجودة في سلطنة عدن الصومالية من دخول المملكة الحبشية المسيحية".
استقرَّ الأمر للبرتغاليين في الفترة ما بين 1498م إلى 1698م، قاموا خلالها بتكثيف مخططهم، وهو الدعوة للإنجيل والمسيح، وكانت الحروب الشرسة التي قامت بين البرتغاليين وقاطني المناطق الشرقية من إفريقيا -خاصَّة المسلمين منهم- بمنزلة حروب صليبية حقيقية على غرار ما كانت من الأوربيين أنفسهم في حوض البحر المتوسط خلال القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
وحينما سقطت البرتغال في يد ملك إسبانيا فليب الثاني، وإعلانها تابعة لسلطان إسبانيا عام 1580م، بدأت البرتغال في فُقْدَان مستعمراتها الإفريقية، بسبب ضعف مواردها البشرية؛ فهي دولة صغيرة محدودة المساحة والسكان، وهو ما أدَّى إلى "عدم قدرتها على السيطرة التامة على هذه الإمبراطورية الساحلية الكبيرة، التي بسطت نفوذها عليها".
الصراع العربي الأوربي في شرق إفريقيا
وعندما تحرَّرت عُمَان من الاستعمار البرتغالي عام 1650م في عهد الأمير سلطان بن سيف، هبَّ هذا السلطان في نفس العام لمهاجمة المستعمرات البرتغالية في السواحل الشرقية لإفريقيا، وبدأت الحاميات البرتغالية الممتدَّة على الساحل الشرقي في السقوط والتقهقر، حتى كانت النهاية الفاجعة للبرتغاليين والمتمثِّلة في سقوط قلعة يسوع المسيح، وإخضاع ممبسة عام 1698م، وبعد ضعف دولة اليعاربة في عُمَان، استقلَّت معظم الإمارات الإفريقية الشرقية، وكان ذلك في عام 1744م
الاحتلال الأوربي للقارة الإفريقية
ولم تكد هذه الدُّول تستقرُّ حتى بدأت قوًى استعمارية أخرى لا تَقِلُّ خطورة عن البرتغاليين والأسبان، فتكالبت كلٌّ من فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا، وبلجيكا، وهولندا، وإيطاليا، بجانب البرتغال وإسبانيا، على القارَّة الإفريقية العاجزة، وكان من جملة الأسباب الرئيسية في احتلال الأوربيين للقارة الإفريقية ما حدث بعد هزيمة الفرنسيين على يَدِ بسمارك المستشار الألماني، وعَقْدِ معاهدة فرانكفورت عام 1871م، التي أَجْبَرَت فرنسا على التنازل عن إلزاس واللورين لألمانيا، وهو ما أهَّل ألمانيا من الناحية المعنوية وخاصَّة عند الشباب الألماني، والناحية المادَّية -والمتمثلة في زيادة الثروات الاقتصادية- في البحث عن مناطقَ جديدةٍ لفرض السيطرة، ولزيادة قدرتها التنافسية، من أَجْلِ تحسين صناعتها، وتطوير التجارة الألمانية.
ومع كلِّ هذه المخططات الألمانية لم تَكُنْ ألمانيا على استعداد في مواجهة جديدة ضدَّ أي قوَّة أوربية أخرى، خشية أن تَعْتَرِضَها فرنسا التي لم تَثْأَرْ لهزيمتها بعدُ، فاتَّجهت ألمانيا إلى القارة الإفريقية، وكوَّنت في غضون عام واحد أربع مستعمرات شملت كُلاًّ من تنجانيقا -تنزانيا حاليًّا- في شرق إفريقيا، والكاميرون وتوجو في الغرب، وناميبيا في جنوب غرب القارة الإفريقية
كلُّ هذه التحرُّكات الألمانية وما قابلها من تحرُّكات فرنسية استعماريَّة في إفريقيا، دفعت بريطانيا للخروج من عزلتها وانحيادها في التحرُّك في جنوب القارة، فبدأت الصراعات بين القوى الثلاث، وبدأت المحالفات بين ألمانيا والبرتغال مذكِّرة الأخيرة ما كان لها من مجد قويٍّ يجب إحياؤه من جديد، وقد لاقت المعاهدة البريطانية البرتغالية الموثَّقة في عام 1884م معارضة قويَّة، أحدثت تقاربًا بين كُلٍّ من ألمانيا وفرنسا، فأسرعت كلُّ قوَّة من هذه القوى في السيطرة على مناطق جديدة في القارة، فتطلعت إيطاليا في السيطرة على بعض الأجزاء وخاصَّة في المناطق الشرقية من إفريقيا، وفكَّر ملك بلجيكا ليوبولد في السيطرة على حوض نهر الكونغو، الذي كان منطقة استراتيجية، كلُّ هذا بهدف بناء الإمبراطوريات، وتحقيق الأمجاد القوميَّة، وسيادة الرجل الأبيض، وتطبيق النظريَّات العنصرية، كلُّ هذه الأسباب جعلت الدول الأوربية تسعى سعيًا حثيثًا للجلوس معًا للتفاهم، وهو ما كان مسوِّغًا أساسيًّا في عقد مؤتمر برلين عام 1884- 1885م
دَعَتْ بريطانيا ألمانيا إلى عقد مؤتمر دُولي لشئون إفريقيا في برلين، يجمع الدُّول المتصارعة مع روسيا، والنمسا، والدنمارك، والسويد، وإيطاليا، وتركيا، والولايات المتحدة، واتخذ المؤتمر مجموعة من القرارات، كانت في مجملها تَنُصُّ على حُرِّيَّة التجارة في حوض الكونغو والنيجر، وإلغاء الرقيق، وحياد إقليم الكونغو، ووَضْعِه تحت سيطرة ملك بلجيكا، وقرَّر المؤتمر حُرِّيَّة الملاحة، في حوضه وحوض النيجر، وأصدر المؤتمر قراراته التي وضعت اتجاهات تجزئة القارة دون حسابٍ لحقوق مواطنيه؛ فوقع شرق إفريقيا بعد التقسيم تحت الاستعمار، فكانت ممتلكات فرنسا في الشرق الإفريقي الصومال الفرنسي (جيبوتي) ومدغشقر، واحتلَّت إيطاليا الصومال الجنوبي وإريتريا، واحتلَّت بريطانيا الجزء الشمالي من الصومال المعروف حاليًّا بجمهورية أرض الصومال، وجزيرتَيْ زنجبار وتنجانيقا، وكينيا وأوغندا، كما احتلَّت ألمانيا تنجانيقا (إفريقيا الشرقية الألمانية)، واحتلَّت البرتغال موزمبيق. وبالرغم من خروج المؤتمر بالعديد من القرارات والموادِّ، إلاَّ أن المسائل المُهِمَّة والمتمثلة في القضايا الإقليمية الكبرى قد تمَّت دراستها والاتِّفاق بشأنها في سلسة من الاتِّفاقيات الثنائية امتدَّت عَشْرَ سنوات متواصلة بعد المؤتمر.
وكانت السياسة المتَّبعة مع دُول شرق إفريقيا من جانب المستَعْمِر أن يتعامل معها تَبَعًا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي، فكانت الصومال وكينيا وأوغندا من الأهداف الاستراتيجية لبريطانيا لتأمين مصر خصوصًا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م؛ فأوغندا منبع النيل، وهو ما يجعل الوضع مستقرًّا في مصر، واحتلال الصومال الشمالي يؤمِّن للإمبراطورية البريطانية حماية الطريق المؤدِّيَة للهند، أما موزمبيق بالنسبة للبرتغال فهي بمنزلة افتخار لحركات الكشوف الأولى للقارة الإفريقية، التي يرجع الفضل فيها للبرتغاليين أنفسهم، خصوصًا أن موزمبيق قد احتُلَّت مدَّة خمسة قرون كاملة.
وطِبْقًا لمؤتمر برلين لم تُقَسَّم إفريقيا بالتساوي، فلم ترضَ كلٌّ من ألمانيا وإيطاليا عن نصيبيهما، فبدأت ألمانيا في زيادة قدراتها الحربية والعسكرية، بإنشاء الأساطيل الألمانية البحرية في عام 1897م، مسيطرةً بذلك على بحر الشمال، ثم بَدَأ النزاع بين فرنسا وألمانيا على القضية المراكشية، فكان ممَّا لا بُدَّ منه وقوع نزاع جديد لإعادة تقسيم القارة والمستعمرات.
ونشبت الحرب العالمية الأولى، ولتفوُّق الحلفاء العسكري -وخاصَّة من الناحية البحرية- وعَجْزِ ألمانيا على حماية البحار الواقعة تحت سيطرتها، استطاعوا إخراجها من إفريقيا، وكان وراء هذا الصراع معاهدات سرِّيَّة، فمنها معاهدة لندن السرِّيَّة (26 من إبريل 1915م)؛ فقد قدَّمت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وَعْدًا إلى إيطاليا لحصولها على أجزاءٍ من إفريقيا، ووافقت الدولتان على تقسيم ممتلكات ألمانيا، بِنَاء على هذه الاتِّفاقيات السرِّيَّة، ثم هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فوقعت المستعمرات الألمانية تحت الانتداب، فوُضِعَتْ إفريقيا الشمالية الشرقية التي كانت مستعْمَرَة ألمانية تحت الانتداب البريطاني، وسُحبت تنجانيقا، واستُثْنِيَت رواندا أوروندي فانْتُدِبَتْ لها بلجيكا.
كل هذه الانتدابات ذات الأهداف التي كانت تدور في مجملها على تنمية الشعوب، ورفاهيتها، ورفع مستواها السياسي، كانت في حقيقتها مجموعة من الأباطيل؛ إذ هدف الاستعمار في حقيقته استنزاف الشعوب، والقضاء على خيراتها
وفي هذه الأثناء كان العالم العربي الإسلامي في سُبَاتٍ عميق، وتحت وطأة استغلال بغيض، فقد الْتَفَّت بريطانيا حول الوطن العربي، فاحتلَّت عدن في عام 1839م، كما احتلَّت فرنسا إفريقيا الشمالية (الجزائر)، ثم احتلَّت بريطانيا مصر في عام 1882م، وهو ما جعل شوكة هذه الدُّول في الازدياد والقوة، فوقعت معظم دول إفريقيا، ومنها شرقي إفريقيا تحت وطأة الاحتلال الأوربي.
ونظرًا لهذا الضعف العامِّ الذي أصاب العالم الإسلامي، ففقد هيبته أمام المجتمع الدُّولي، ظلَّ المحتلُّ الغربي جاثمًا على صدور الأفارقة -واتسم الغالبية منهم بالإسلام- مستنزِفًا لثرواتهم، ومضيِّعًا لحقوقهم، إلا أن هناك مجموعة من الدُّول استطاعت التحرُّر والاستقلال، وساعدت بكل ما أُوتِيَت من قوَّة كل الدُّول الإفريقية الأخرى في التحرُّر؛ ففي اجتماع "أكرا" عاصمة "غانا" في إبريل عام 1958م -والذي اشتركت فيه مجموعة الدُّول الإفريقية الثماني عدا جنوب إفريقيا- طالب الأعضاء بضرورة مساعدة الشعوب غير المستقلَّة في نضالها من أجل الاستقلال.
ثم إن الدول الأوربية المستعمِرة كانت قد انتهجت أسلوبًا جديدًا في فلسفة الاستعمار ومفهومه، وهو استنزاف خيرات الدول، وتسيير مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية دون وقوعِ خسائرَ في الأموال والأنفس، خاصة بعد قيام الحركات التحررية في إفريقيا (1955م - 1965م) بالجهاد ضدَّ المستعمر.
وإذا كُنَّا فيما مضى نتحدث عن شرق إفريقيا بصفة عامَّة، فالحال هنا مختلف؛ نظرًا لما أصاب هذا الشرق من تفكُّك بعد الاحتلال، وتفكيكُ التكتلاتِ الكبيرة هي وسيلة استعمارية لا تتغيَّر، يَتَّبعها المحتلُّون لتقطيع أوصال الضحيَّة، حتى يَسْهُلَ السيطرة عليها، ومن ثَمَّ نتحدَّث عن هذه الدُّولِ كلٍّ على حِدَة.
ففي عام 1899م ظهر في الصومال محمد بن عبد الله حسن الشهير بالمُلاَّ، وقد نادى بالجهاد المقدَّس، واستطاع أن يستقلَّ بالبلاد مدَّة عشرين عامًا، مما ضايق البريطانيين، وأضرَّهم أشدَّ الضرر؛ واضطرهم إلى إخلاء الأقاليم الداخلية من الصومال في المدَّة ما بين عامَيْ 1900م إلى 1904م، وظلَّ الملا محمد بن عبد الله شوكةً قوية في حَلْقِ الإنجليز حتى عام 1920م، ولقد أوقع الملا وأتباعه في الإنجليز مجموعة من الهزائم المتتالية بلغت ما يقرب من أربعين موقعة.
وبعد موت الشيخ محمد بن عبد الله استمرَّ الجهاد في الصومال ما يقرب من أربعين عامًا، ففي عام 1943م بَرَزَ في مقديشو حزب سياسي باسم "رابطة وَحدة الشباب" نادى بتحرُّر الصومال، ووَحدة أقاليمه الخمسة، واشترط البَرنامج الرسمي للحزب أن يكون الصومال جزءًا من الوطن العربي والإسلامي الكبير، وفي المدَّة ما بين 1948م إلى 1955م سلَّمت بريطانيا إلى الحبشة غدرًا أقاليم: "أوجادين، وهود، والمنطقة المحجوزة"، وقُسِّمت الصومال بين خمس دُول هي إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، والحبشة، وكينيا، وبعد نضال طويل واستنزاف في قوة المستعْمِر استقلَّ الصومال البريطاني، وتلاه الصومال الإيطالي في عام 1960م، ثم اتحد الاثنان في جمهورية واحدة عام 1961م.
احتلال فرنسا لجيبوتي
أما جيبوتي التي كانت جزءًا من الصومال فقد احْتَلَّتها فرنسا عام 1882م، وهو نفس العام الذي احْتَلَّت فيه بريطانيا مصر، وكانت جيبوتي جزءًا من الصومال، وبعد مجموعة من المشاحنات بين فرنسا وإنجلترا على مناطق النفوذ على إقليم جيبوتي، اتَّفقت الدولتان على أن خطَّ السكك الحديدية الذي يمرُّ من جنوب جيبوتي إلى حدود الصومال وإثيوبيا يُعتَبَر حدًّا فاصلاً بين ما تمتلكه فرنسا في شماله، وما يقع تحت سيطرة إنجلترا في جنوبه، لكنَّ السكان في جيبوتي سعَوْا أكثر من مرَّة إلى الاستقلال والانفصال عن فرنسا.
وقد استمرَّ الشعب في نضاله بعد الحرب العالمية الثانية، لكن فرنسا اعْتَبَرَت جيبوتي جزءًا من الاتحاد الفرنسي الذي أنشئ بعد مؤتمر برازفيل في عام 1944م، ثم إن فرنسا سمحت في عام 1950م بإنشاء مجلس تشريعيٍّ مؤلَّف من خمسة وعشرين عضوًا، لكنَّ السلطة الفعلية كانت في يد الحاكم الفرنسي، وظهرت في الإقليم بعض الأحزاب السياسية، منها حزب الاتحاد الجمهوري الذي يدعو للوَحدة مع الصومال، ومع استمرار أعمال النضال، والمحاولات المتتالية في الاستقلال عن فرنسا، وافقت فرنسا على استقلال جيبوتي في عام 1977م

أما في إثيوبيا -الحبشة- فقد استطاعت القوى الاستعماريَّة أن تُجْبِرَ المسلمين -الذين يمثِّلون ثلثَيْ سكان الحبشة تقريبًا- أن يُحْكَمُوا عن طريق الأمهرة النصارى، وأدَّى تفوُّق "منليك" إمبراطور الحبشة، وانتصارُه واستيلاؤُه على مدينة "هَرَر" عام 1887م إلى سقوط الحكم الإسلامي الذي استمرَّ أربعمائة سنة دون انقطاع، رغم الثورات المتكرِّرة من شعب الأورومو وغيره من الشعوب الإسلامية الأخرى في بلاد الحبشة.
وقد قام السلطان "محمد علي" -وهو من خيرة سلاطين الأورومو- بمقاومة حكم "منليك"، ولكنَّه هُزم، فاختار التَّنَصُّرَ الظاهريَّ على القتل، وقد أَنْجَبَ "ليج ياسو" من ابنة "منليك"، ولما تُوُفِّيَ "منليك" في عام 1913م انتقل الحكم لحفيده "ليج ياسو"، الذي ما لَبِثَ أن أعلن إسلامه، وأبدل العَلَمَ القديم الذي يحمل الصليب بالعَلَمِ الجديد الذي يحمل الهلال، والمنقوش عليه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
لكنْ لم تَرْضَ كُلٌّ من إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا، فعَمِلوا على إقصائه من الحكم، وتعيين "هيلاسيلاسي" الذي قام بوضع "ليج ياسو" في السجن مدَّة عشرين عامًا، إلى أن مات هناك في عام 1936م، واستمرَّ حكم "هيلاسيلاسي" مدَّة خمسين سنة، مما أضفى على الحدود التي أمدَّها "منليك" صِفَةَ الأمرِ الواقع والمشروعيَّة الدُّولية، وعلى الرغم من هذه الحركات التحرُّريَّة والاستقلاليَّة المتتالية من شعب الأورومو المسلم، إلا أنهم ما زالوا في درجة من الضعف لا تُمَكِّنُهم من الاستقلال، ثم إنهم ما زالوا مطارَدِين من السلطات الإثيوبية. أما جبهة تحرير الصومال الغربي "أوجادين" التي كانت بلادهم "الصومال الغربي" واقعة منذ الاستقلال عام 1954م تحت سيطرة الصومال؛ فقد عُقِدَ اتِّفاق سِرِّيٌّ بين بريطانيا والحبشة في عهد "هيلاسيلاسي"، خُوِّل من خلاله "هيلاسيلاسي" من ضمِّ الإقليم المُسْلِم إلى أراضي الحبشة، ورغم التاريخ الجهادي الطويل منذ الاستقلال وحتى الآن، فإن الحكومة الإثيوبيَّة لا تقدِّم أدنى الاهتمامات لهذا الإقليم الفقير.
والغريب أنه رغم كون المسلمين في إثيوبيا يمثِّلون ثلثي السكان تقريبًا، إلا أن الدِّينَ الرسمي للدولة هو المسيحية، وهو ما يؤيده إحصاء عام 1993م الذي أشار إلى أن عدد المسلمين في الحبشة بلغ 27 مليونًا من مجموع السكان البالغ عددهم 45 مليونًا، وقد حرص الرئيس "زيناوي" كسابقيه على إبقاء الطابع المسيحي للحبشة؛ فجعل نصيب المسلمين من مقاعد البرلمان 22% فقط، ونصيبهم من الوزارات ثلاث وزارات غير سياديَّة من أصل ثماني عشرة وزارة، كما يحرص زيناوي على شنِّ الحملات العسكريَّة على تجمعات القوميَّات الإسلامية من حين لآخر دون انقطاع

أما إريتريا فرغم الأغلبية المسلِمَة إلا أنها وقعت تحت الاحتلال الحبشي، وفي ظلِّه انخفضت نسبة المسلمين من 80% إلى 60%، وفي عام 1882م انسحبت مصر من إريتريا بسبب وقوعها تحت الاحتلال البريطاني، وهو ما أعطى الفرصة لإيطاليا لاحتلال إريتريا عام 1885م، وقد بقيت فيها حتى عام 1941م، حيث دخلتها قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1962م أعلن "هيلاسيلاسي" ضمَّ إريتريا للحبشة، وهو ما أدَّى لدخول إريتريا في صراع طويل مع الحبشة، وكان من جملة العوامل القويَّة التي أدَّت بإطاحة الإمبراطور "هيلاسيلاسي" عام 1974م، ولما تولى "منجستو" اتَّخذ سياسة أشدَّ بطشًا من سابقه "هيلاسيلاسي" في التعامل مع المسلمين؛ فقد استخدم أموال التبرعات الإغاثية المُقَدَّمة للمسلمين في تنفيذ خُطَّة سيِّئة في تهجير المسلمين، وتقتيلهم.
وظلَّ المسلمون على ذلك حتى إعلان استقلال إريتريا عن الحبشة عام 1993م، وقد بلغ عدد القتلى ما يقرب من 100 ألف قتيل، وشُرِّد حوالي 750 ألف مسلم، ويُتِّم حوالي 90 ألف طفل، ورغم الاستقلال فإريتريا تتعرَّض لحملة اضطهاد صليبية شرسة من قِبَلِ الرئيس أسياس أفورقي، فقد قام أفورقي بضمِّ عدَّة أقاليم إسلامية إلى ثلاث مقاطعات مسيحية؛ وذلك في محاولة منه لتذويب قطاعات المسلمين في هذه المقاطعات، فقد ضمَّ إقليمَيْ بركة والقاش الإسلامِيَّيْن، والمشهورين بقوَّتَيْهما الاقتصاديَّة إلى مقاطعة سراي ذات الأغلبية المسيحية، في حين لا تبلغ سراي إلا حوالي ربع مساحة إقليم بركة، وقد قام أفورقي بتغييب الهُوَيَّة العربية والإسلامية عن إريتريا، فشكَّل الحكومة المؤقَّتة من اثني عشر وزيرًا؛ منهم تسعة نصارى، وثلاثة مسلمين، ورفض الانضمام للجامعة العربية، ثم رفض أن تكون اللغة العربية هي اللغة الأمُّ، وجعل اللغة التجرينية هي الأمُّ، ثمَّ أنشأ الكنائس في المناطق التي لا يقطنها إلا المسلمون، وأعطى الأولويَّة في الوظائف الحكومية للنصارى.
وأخطر ما يُهَدِّد إريتريا الآن هي الهيئات التنصرية التي انتشرت بكثرة مستغلَّة الفقر والحاجة التي يُعَاني منها المسلمون، وفي عَهْدِه ازداد بطشُ الجبهة الشعبية واعتداءاتها على حُرُمات المسلمين، ففي خلال الأشهر الأخيرة من عام 1989م قامت الجبهة بقيادة أفورقي بالاعتداء على 58 قرية مُسْلِمَة، وأخذت منها أكثر من 500 امرأة مسلمة، وأجبرتهن على الزواج من نصارى، ورغم هذه الاعتداءات والتحاملات القاسية على المسلمين، إلا أن حركة الجهاد الإسلاميِّ وجبهة التحرير استطاعت أن تُسيطر على ستِّ مقاطعات ريفية من بين ثماني محافظات، بل استطاعوا الوصول إلى ساحل البحر الأحمر
من الدُّول ذات الأغلبية المسلمة في شرقي إفريقيا، والتي عانت كذلك من ويلات الاستعمار "تنزانيا" فقد كانت تحت سيطرة العُمَانِيِّين، إلا أنه بعد اتفاق برلين 1884م اعْتُبِرَت تنزانيا (زنجبار وتنجانيقا) من أملاك ألمانيا، وقد وقَّع السلطان العُمَانِيُّ "السيد خليفة" في عام 1888م تنازلاً للشركة الألمانية عن أملاكه الواقعة على الشريط الساحلي فيما بين خليج "تونجي" ومصبِّ نهر "وانجا"، وفي عام 1890م اتَّفقت كل من ألمانيا وإنجلترا على أن الجزء الشرقي -وهو ما عُرف بمستعمرة شرق إفريقيا- يقع تحت سُلطة ألمانيا، وأن "زنجبار" تقع من نصيب بريطانيا.
وبعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا صارت تنجانيقا (تنزانيا) تحت الانتداب البريطاني.
وقد استقلَّت تنجانيقا من بريطانيا في عام 1961م، ثم استقلَّت "زنجبار" وضُمَّت إلى تنجانيقا؛ لتكون فيما بعدُ جمهورية تنزانيا عام 1964م.
وقد تَلا ذلك قيام انقلاب عسكري بقيادة "عبيد كرومي" ضدَّ السلطان جمشيد بن خليفة، وقد نُكِبَتْ هذه الأسرة العربية المسلمة، وأصبح القسُّ يوليوس نيريري رئيسًا للجمهورية الاتحادية، وعبيد كرومي نائبًا له؛ فقد حوَّلا البلاد إلى الماركسية وألغيا عددًا من التقاليد الإسلامية، حتى إنه أصدر مرسومًا أَجْبَر بمقتضاه الفتياتِ المسلماتِ على الزواج من النصارى.
وبعد مقتل عبيد كرومي في عام 1972م هَدَأَت أحوال المسلمين، وتولى حكم زنجبار عبود جمبي، وقد سار في طريق الإصلاح، لكن رئيس الدولة "نيريري" أجبره على الاستقالة، وكلُّ مَن أتى بعدَ ذلك محاوِلاً إعادة البلاد إلى هُوِيَّتها الإسلامية يَلْقى كثيرًا من العوائق والعراقيل من رئيس الجمهورية القسِّ "نيريري"، وبعد وفاته بدأت في تنزانيا صحوة إسلامية متنامية، فانتشر المسلمون في أداء شعائرهم الدينية، وتحوَّل أكبر مساجد زنجبار "ماليندي" إلى مركز تجمع للمسلمين، لتعلُّم أمور دينهم.


في موزمبيق دخل الاستعمار البرتغالي في مطلع القرن العاشر الميلادي، واستمرَّ حتى استقلَّت في عام 1975م، وعانى المسلمون هناك من البرتغاليين أشدَّ المعاناة، وفرُّوا من تعذيبهم وبطشهم؛ إذ دمَّر البرتغاليون مدينة "كلوة" ومساجدها الثلاثمائة، ثم رحل المستعْمِر البرتغالي تاركًا المسلمين في حالة من الفقر والتخلُّف.
والمسلمون الموزمبيقيُّون يُشَكِّلُون حوالي 55% من عدد السكان، ويتركزون في مناطق الشمال التي تشهد تزايد عدد المسلمين، وبالرغم من أن الوجود الإسلامي في موزمبيق منذ العصور القديمة كان له دور بارز في محاربة المستَعْمِر وإخراجه من البلاد، إلا أنهم يعانون من الفقر والتخلُّف؛ نظرًا لعدم اهتمام الحكومة بهم، ففي الغالب لا يُوَظَّفُون في وظائف الدولة، ولا يَحْصُلُون على المميِّزات التي يَحْصُل عليها غيرهم من باقي الديانات، كما يواجِهون مشكلاتٍ في التعليم والصحة وأداء الشعائر الدينية. كما أنهم يعانون من النشاط التنصيري المكثَّف، الذي زاد بشدَّة بعد بناء الجامعة التنصيرية، وتخريج كثير من أبناء موزمبيق قساوسة وكهنة، مما زاد هذا من قوَّة النصارى، كما أنه لا توجد أي منظمة سياسية تدافع عن حقوق المسلمين.
هذه الدُّول يغلب الإسلام بين أهلها؛ ومع كثرة عدد المسلمين فيها إلا أنها تتعرَّض لمجموعة من المعوِّقات التي تجعلها في دول العالم الثالث، ومن جملة هذه المعوِّقات وجود الحملات التنصيرية بين أهلها خاصَّة في إريتريا وإثيوبيا، وانتشار الفقر والصراعات الداخلية مثل الصومال، أو المعوقات الاقتصادية وعدم استغلال الموارد الداخلية مثل جزر القمر.
غير أن هناك مجموعة أخرى من دول شرق إفريقيا المسلمون فيها أقلِّية، وهم يعانون من الحرمان وسوء المعاملة من قِبَلِ حكوماتهم، والحرب بكل ألوانها، وهذا الجدول يُوَضَّح عدد سكان هذه الدُّول ونسبة المسلمين فيها:
الــدولــــــة
نسبة المسلمـــــين
كينيـــــــــا
35%
أوغنــــــــدا
35%
زمبـابـــــوي
32%
مــــــــلاَّوي
30%
مدغشقــــــر
25%
بورونــــــدي
25%
موريشيــــــوس
20%
أما "أوغندا" فكانت حتى عام 1875م تَدِينُ بالإسلام دِينًا رسميًّا، وكان ملكها "موتيسا" الأول يَؤُمُّ الناس في الصلاة، وفي عام 1861م أرسل الخديو إسماعيل ضباطًا لاكتشاف منابع النيل، وقام بضمِّ "أوغندا" إلى مصر وسمَّاها مديرية خطِّ الاستواء، وكان لهذا أثر طيِّب في تثبيت العقيدة الإسلامية بين الأهالي.
لكنَّ الأمر قد ساء بقُدُوم الاستعمار البريطاني، وخروج المصريين من أوغندا عام 1886م، وقد أعلنت بريطانيا عدم دخول أي مسلم إلى أوغندا إلا بإذن مُسْبَق، في حين أنها أباحت دخول الإرساليات إليها، وعهدت إلى الإرساليات التنصيرية بالإشراف على التعليم؛ لقطع الصِّلَة بين مُسْلِمِي أوغندا والثقافة الإسلامية.
ولما اسْتَقَلَّت أوغندا عام 1962م من بريطانيا، أَخَذ عدد المسلمين في التزايد خاصَّة بعد تولِّي رئيس مسلِمٌ هو "عيدي أمين" وذلك في عام 1970م؛ فقد حوَّل المدارس التبشيريَّة إلى مدارس حكومية، وأغلق سفارة إسرائيل بأوغندا، وأخرج الإرساليات التنصيرية من البلاد.
وكانت الطامَّة الكبرى حينما افتعلت تنزانيا خلافًا مع أوغندا، وعاونت القوى العالميةُ تنزانيا برئاسة القس نيريري المتعصِّب في حربه مع عيدي أمين، فقام نيريري بقتل أكثر من نصف مليون مسلم، وشرَّد مثلهم، وأَسْقَطَ نظام عيدي أمين في عام 1979م، وأسرعت الإرساليات التنصيرية في عملها إلى القرى المهجَّرة، وجاء "يوسف لولي" بعد عيدي أمين، وكانت حكومته مكوَّنة من 50 وزيرًا، لا يوجد من بينهم وزير ولا وكيل وزارة مسلم.
ويُعاني المسلمون من قلَّة الدُّعَاة والمعلِّمِين في أوغندا، في حين تبلغ نسبة المسلمين هناك 35% من السكان، ومع هذا فَهُم محرومون من الحقوق السياسية، فالبرلمان لا يوجد به سوى ثمانية نواب من بين 121 عضوًا، وقد أُعلن في كمبالا عن تأسيس أوَّل حزب إسلامي أوغندي، لكنَّ الحكومة رفضت تسجيله حين إقرار الدستور الجديد
أما "مدغشقر" فلقد ازدهر الإسلام فيها بواسطة أسرة البوسعيد العُمَانيَّة، وفي عام 1868م استطاعت فرنسا أن تدخل الجزيرة التي كانت تُسَمَّى (ملاجاش) قبل الاستقلال، ثم أعلنت فرنسا استعمارها لمدغشقر في عام 1896م، وشجَّعت البعثات التنصيرية، وفرضت العزلة على المسلمين، وقد كان للمسلمين -البالغة نسبتهم ما يقرب من 25% من إجمالي السكان- دورٌ كبير في الجهاد ضدَّ الفرنسيين، فقاموا بعِدَّة ثورات ضدَّ الفرنسيين كان آخرها عام 1948م.
ويعاني المسلمون مشكلة في التعليم؛ لعدم توافُرِ مَن يتحدث العربية والفرنسية التي هي لغة السكان الأولى، وقد استطاعت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية الحصولَ على تأسيس إذاعة إسلامية؛ حتى يتمكَّن المسلمون في مدغشقر من الاستماع إليها، وقد عبَّر 3.5 مليون مسلم يعيشون في بلد يبلغ تَعْدَاد سكانه 17 مليونًا عن عُمْقِ فرحهم بتأسيس الإذاعة بفرح كبير؛ لأنها ستساهم في تطوير حياتهم الثقافية
وفي "موريشيوس" أقلِّية مُسلِمَة لا يُستهان بها تبلغ 20% من مجموع السكان البالغ عددهم مليون نسمة تقريبًا، ويَصِلُ عدد المساجد هناك إلى 200 مسجد، كما أُقِيمت فيها عدَّة مراكز إسلامية أهمُّها مركز رابطة العالم الإسلامي، ولقد أُقِيم قبل عشرين عامًا، ودار العلوم، والمعهد الإسلامي التعليمي والتدريبي لمُعَلِّمي المدارس الإسلامية، أما الحلقة الإسلامية فهي أقدم منظمة إسلامية في موريشيوس وأُنشئت في عام 1988م تحت اسم دار القرآن، وهناك خمسة معاهد لتحفيظ القرآن، وتقوم هذه المعاهد وكذلك المدارس والمساجد كلٌّ حسب دوره بعمليَّات التوعية بالإسلام.
ولقد بدأ اهتمام المسلمين باللغة العربية في أوائل السبعينيات، ويَجْرِي تدريسها حاليًّا في مدارس الحكومة، لكن قلَّة الإمكانات تَحُولُ حتى الآن من التوسُّع في تعليمها على نطاق أكبر، ويُقْبِلُ المسلمون في موريشيوس على التعليم أكثر من غيرهم، وتوجد لهم بعض المدارس والمعاهد الخاصَّة بهم؛ منها: مدرسة إمداد الإسلام، والمدرسة الإسلامية العالية (تأسَّست سنة 1375هـ)، وكلية الثقافة الإسلامية (تأسَّست سنة 1374هـ/ 1953م) كما توجد ثلاث مدارس ابتدائية، ومدرسة متوسطة، وخمسة معاهد لتحفيظ القرآن الكريم، والمسلمون هناك ينتظرون دعم المسلمين لهم في كل المجالات.
هذه هي قصة الإسلام في شرق إفريقيا، والتي تدلُّ دلالة واضحة على أن الإسلام يكتسب كلَّ يومٍ أرضًا جديدة، وأنه بحقٍّ دِينُ المستقبل لهذا القارَّة، التي تصل نسبة المسلمين فيها الآن إلى 60% من إجماليِّ عدد سكانها.








رد مع اقتباس
قديم 29-04-2009, 12:15 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي قصة الإسلام في أوربا

قصة الإسلام في أوربا

طرق الإسلام أبواب قارة أوربا من الجهة الشرقية، وذلك بمحاولات المسلمين المتكررة لفتح القسطنطينية منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ولكن تأخَّر فتحها لحصانتها حتى أتَّم الله U فتحها على يد المجاهد المسلم القائد محمد الفاتح في عام 857هـ الموافق 1453م.
ومع أن دخول الإسلام إلى أوربا كان له أعظم الأثر علميًّا وحضاريًّا وأخلاقيًّا في قارة أوربا، فإننا نتعجب من هذا العداء الدفين في نفوس بعض الأوربيين للإسلام، والذي كانت آثاره واضحة في البوسنة والهرسك؛ حيث أعمل الصرب القتل في مسلمي البوسنة والهرسك بقصد واضح وهو التطهير العرقي.
ويعيش المسلمون في القارة الأوربية على هيئة أقليات متناثرة، يختلف حجمها من دولة أوربية إلى أخرى؛ وقد وَفَد السواد الأعظم من المسلمين إلى أوربا بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم بالبلدان الأوربية المستعمرة لها. كما أن أعدادًا كبيرة من سكان أوربا دخلت الإسلام بحكم الصلات التاريخية مع العالم الإسلامي؛مما أدَّى إلى ازدياد فرص التفهم لطبيعة الإسلام عند هؤلاء الأوربيين على اختلاف نزعاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية.
ويواجه المسلمون في أوربا الكثير من المشكلات، يأتي على رأسها جهل المسلمين هناك بكل شيء عن واقع وتاريخ أوربا التي يعيشون فيها، وافتقاد الجاليات المسلمة للقيادة الفكرية المستنيرة الناضجة التي تستطيع احتواء المهاجر المسلم وإرشاده إلى الطريق القويم. كما تعاني الجاليات الإسلامية من خلافاتها الداخلية مثل الخلافات العرقية والمذهبية، وتعاني أيضًا من مخاطر الاغتراب الفكري والروحي؛ لذا فإنَّ الحاجة أصبحت مُلِحَّة إلى فقهٍ للأقليات الإسلامية في الخارج، يدرس أحوال المهاجرين، ويحصر أمرها لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسِّر حياة إخواننا في الخارج.
وفي حين نجد نظرة إيجابية من بعض الدول الأوربية للمسلمين كبريطانيا وسويسرا، نجد على النقيض من ذلك رفض إيطاليا الاعتراف بالإسلام كدين رسمي، وينظر الألمان للمسلمين على أنهم خطر على المجتمع، ويدعو رئيس وزراء هولندا إلى إغلاق المدارس الإسلامية.
ويلاحظ ازدياد عدد المسلمين في أوربا، وازدياد شعورهم بالانتماء للإسلام؛ حيث يتمتع المسلمون في أوربا بصفة عامة بحقوق عديدة، مثل حق ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وطمأنينة، وحرية إنشاء المؤسسات الإسلامية وبناء المساجد على الرغم من مواجهة بعض المصاعب الإدارية،ومع ذلك يواجه المسلمون صعوبات في تطبيق دينهم في ظلِّ مجتمع صناعي علماني اختفت منه المظاهر الدينية والروحية.

تبلغ مساحة أوربا حوالي عشرة ملايين كم2، وتأتي في المرتبة الخامسة من قارات العالم من حيث المساحة، وتليها قارة أستراليا.
تُعَدُّ قارة أوربا شبه جزيرة غير منتظمة الشكل، حيث يحدها من الشمال المحيط المتجمد الشمالي، ومن الغرب المحيط الأطلسي، ومن الجنوب البحر المتوسط، وتحدها من جهة الشرق قارة آسيا.
وقد طرق الإسلام أبواب قارة أوربا من الجهة الشرقية، وذلك بمحاولات المسلمين المتكررة لفتح القسطنطينية منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان > (41- 60هـ).
أمَّا من جهة الغرب فقد تمكَّن القائد المسلم طارق بن زياد من فتح الأندلس في عام (91هـ= 710م)، وتوغَّل المسلمون في شبه جزيرة الأندلس وعبروها لفتح فرنسا، حيث اجتازت جيوش المسلمين جبال (البيرنييه) الفاصلة بين الأندلس وبين فرنسا، وتقدموا شمالاً إلى أن وصلوا إلى مدينة (بواتييه) الفرنسية، والتي جرت على مشارفها معركة (بلاط الشهداء) في عام (114هـ= 723م)، وقد انهزم جيش المسلمين في هذه المعركة هزيمة قاسية وقُتِل منه الكثير، وبهذه المعركة توقف المدّ الإسلامي للقارة الأوربية من هذه الجهة
وقد تمكَّن الأغالبة حكام تونس من فتح الجهة الجنوبية للقارة الأوربية، وذلك بفتحهم جزيرة سردينيا عام (95هـ= 810م)، ثم جزيرة كريت، ثم قام أسد بن الفرات بقيادة أسطول مسلم لفتح جزيرة صقلية المنفذ الجنوبي لأوربا الوسطى عام (212هـ= 827م)، وتم فتح (باليرمو) عام (216هـ= 831م).
كانت مدن إيطاليا المتنازعة فيما بينها تستعين بالمسلمين ليحارب بعضُها بعضًا مما يسَّر للمسلمين الاستيلاء على بعض أجزاء إيطاليا الساحلية، بل ووصل الأمر إلى أن اضطر "البابا يوحنا الثامن" في عام (484هـ= 872م) إلى أن يدفع الجزية للمسلمين بعد أن هددوا مدينة روما نفسها، وقد كانت جزيرة صقلية همزة الوصل التجارية بين شمال إفريقيا وأوربا، كما كانت نقطة احتكاك حضاري على درجة عالية من الأهمية للمسلمين والأوربيين
ولكن تظلُّ الأندلس هي أهم نقاط الاحتكاك الحضاري بين المسلمين والأوربيين، حيث كانت بمنزلة مركز إشعاع وتنوير في غرب أوربا، وقد أصبحت (مدينة طُلَيْطِلَة) التي استولى عليها الأسبان عام (478هـ= 1085م) مركزا مهمًّا وحيويًّا لنقل العلوم وترجمتها من العربية إلى اللاتينية، فكانت تُعَدُّ المنارة الهادية لطلاب العلم من كافة أنحاء أوربا الغربية والوسطى، وظلت (طليطلة) قرابة أربعة قرون المركز الثقافي والديني الأول في شبة جزيرة إسبانيا (الأندلس).
وكماذكرنا فقد حاول المسلمون فتح جنوبي شرقي أوربا عن طريق (القسطنطينية) منذ القرن الأول الهجري، ولكن تأخَّر فتحها لحصانتها حتى أتَّم الله U فتحها على يد المجاهد المسلم القائد محمد الفاتح في عام 857هـ الموافق 1453م، وتحقق في هذا القائد ثناء النبي r عندما قال: "لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا".وقد اتخذ محمد الفاتح مدينة القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم (إسلام بول) أي دار الإسلام، الذي حُرِّف بعد ذلك إلى (إستانبول)، واستمرت المدينة عاصمة للبلاد حتى سقطت الخلافة العثمانية.
وكذلك يعود للخلافة العثمانية الفضل في فتح وسط أوربا؛ حيث فتح العثمانيون منطقة البلقان في عام (756هـ= 1355م)، ودانت لهم كل بلدان أوربا الوسطى الواحدة تلو الأخرى، فتم فتح بلغاريا في عام (774هـ= 1372م)، وفُتِحت بلاد الصرب في عام (788هـ= 1386م)، والبوسنة والهرسك في عام (792هـ= 1389م)، وكذلك كرواتيا وألبانيا وبلجراد وبلاد المجر. كما أن الجيوش العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني وصلت إلى أسوار فيينا وحاصرتها في عام (936هـ= 1529م)، ولم تتمكن من فتحها كذلك بعد أكثر من مائة وخمسين عامًا في عام (1094هـ= 1683م) في عهد السلطان محمد الرابع.
وقد بقيت معظم هذه الأراضي بيد المسلمين وتابعة للخلافة العثمانية طوال فترة قوتها، ولكنها بدأت تتفلَّت تدريجيًّا مع دخول الدولة العثمانية في مرحلة الضعف، ولم يبق للخلافة العثمانية في عام (1337هـ= 1918م) إلا مدينة إستانبول على أرض القارة الأوربية. وقد ترتب على بقاء هذه المناطق الأوربية لفترات طويلة في ظلِّ الخلافة العثمانية أن أصبحت مناطق بأسرها ذات أغلبية مسلمة، مثل: مقدونيا، وألبانيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، وجاليات إسلامية ضخمة في بلغاريا ورومانيا
ويرجع دخول أغلب سكان المناطق التي سيطر عليها العثمانيون في الإسلام إلى معاملة المسلمين لأهل هذه البلاد بالعدل والمساواة، فكان الشخص القروي الضعيف الفقير يستطيع أن يرتقي إلى أعلى المراكز وأكثرها نفوذًا في الإمبراطورية العثمانية، وهو شكل من أشكال العدالة الاجتماعية كان مستحيلاً في المجتمعات الأوربية المعاصرة للعثمانيين. كما حلَّ الأمن في هذه المناطق مكان الصراع والفوضى، واستفادت أوربا من التنظيم الدقيق للعسكرية التركية، وكذلك من النظم الإدارية التي تعتمد على الكفاءة بالدرجة الأولى.وقد تمتع أيضًا أصحاب الديانات الأخرى كالنصرانية واليهودية في المناطق التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون بمعاملة كريمة تظهر آثارها واضحة في احتفاظ أهل هذه الديانات بلغاتها وثقافاتها ودياناتها؛ وعلى النقيض نجد ما فعله الأسبان بالمسلمين بعد استيلائهم على الأندلس في عام (897هـ= 1492م) فطردوا المسلمين إلى شمال إفريقيا والمشرق العربي، وظل من بقي منهم - وهم قلة - يعانون من آثار الاضطهاد والتعصب النصراني الأعمى في ظل حكم إسباني غير متسامح، وتحولوا في نهاية الأمر إلى الديانة النصرانية تحت ضغط محاكم التفتيش التي نصبت لهم في كل مكان.

لم تنتهِ معاناة المسلمين مع التعصُّب الديني بانتهاء العصور الوسطى ودخول أوربا عصر العلم والعمل، بل نأخذ مأساة المسلمين في منطقة البلقان، وبالتحديد في البوسنة والهرسك كدليل على استمرار هذا المرض متأصلاً في نفوس البعض حتى عصرنا الحالي.
فقد منح مؤتمر برلين المنعقد في عام 1878م للنمسا والمجر الإدارة المؤقتة للبوسنة والهرسك، لترحل بذلك الدولة العثمانية عن البوسنة والهرسك، فأصبح الشعب المسلم في هذه المنطقة بحلول عام 1908م تحت سيطرة النمسا. وبالرغم من أن معاهدة برلين نصت على احترام حقوق المواطن دون تمييز، فقد تعرَّض المسلمون بعدها إلى حروب تصفية مستمرة لم تتوقف على أيدي العصابات الصربية والكرواتية المدعومة من النمساويين والهنغاريين، ولم ينتهِ مسلسل اضطهاد المسلمين؛ ففي أثناء الحرب العالمية ساعدت ألمانيا النازية حليفتها كرواتيا لتضم البوسنة والهرسك إليها، ثمَّ شكَّل تيتو سنة 1943م حكومة مؤقتة مهَّدت لإنشاء يوغسلافيا الاتحادية، وضمت جمهورية يوغسلافيا ست جمهوريات هي: صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، مقدونيا، الجبل الأسود، والبوسنة والهرسك التي أُلحقت بيوغسلافيا سنة 1945م. ولم تكن أيام الشيوعية بالأيام السعيدة بالنسبة للمسلمين؛ فلقد قضى الشيوعيون في هذه الدولة على أي نشاط دعويّ للإسلام. وبالرغم من ظهور بصيص من الأمل باعتراف الدولة الشيوعية بالقومية الإسلامية في دستور 1974م إلا أن الاعتراف لم يلغِ العصبية الصربية وأطماعها الممتدة للاستيلاء على أراضي البوسنة والهرسك لبناء صربيا الكبرى.
عندما بدأت يوغسلافيا في الانهيار خاصةً بعد وفاة تيتو وانهيار الشيوعية في شرق أوربا عام 1988م بدأت الجمهوريات اليوغسلافية الست تنفصل، وأعلن برلمان سراييفو (عاصمة البوسنة) استقلال جمهورية البوسنة والهرسك في 15/ 10/ 1991م، وأجرت الحكومة البوسنية استفتاءً أعلن فيه 99% رغبتهم في الاستقلال، ليعلن بذلك علي عزت بيجوفيتش استقلال الجمهورية رسميًّا في 4/ 3/ 1992م. ولما كانت صربيا تريد تشكيل يوغسلافيا جديدة تشمل منطقتي البوسنة والهرسك إليها، فقد تفجَّر الموقف في البوسنة والهرسك في 9/ 3/ 1992م عندما أعلن الصرب الحرب على جمهورية البوسنة والهرسك، وقَدِم الصرب إلى البوسنة والهرسك بالمدرعات والدبابات التي ورثوها عن جيش الاتحاد اليوغسلافي المفكَّك؛ حيث كان معظمه من الصرب، وبعثت الأمم المتحدة بقواتها لحفظ السلام في 23/ 3/ 1992م، وإيقاف اعتداء الصرب على كلٍّ من كرواتيا والبوسنة، وأوقف الصرب اعتداءاتهم على كرواتيا بينما امتدَّ الاعتداء على المسلمين واتسع حتى عمَّ القتال غير المتكافئ جميع مدن البوسنة والهرسك، لتبدأ البوسنة صفحة دامية من حياتها.
أعمل الصرب القتل في مسلمي البوسنة والهرسك بقصد واضح وهو التطهير العرقي، ولجأوا إلى أبشع الوسائل وأخسِّها، ولم يفرِّق بين محارب ومدني، بل شملت المجازر حتى الأطفال، وتم اغتصاب الآلاف من الفتيات والسيدات المسلمات بهدف نشر الرعب والفزع، ودفع المسلمين إلى الهرب وترك وطنهم. وقد قُدِّر عدد الفتيات والسيدات اللاتي تم اغتصابهن بعشرين ألفًا في أقل التقديرات، ولا يزال إلى يومنا هذا اكتشاف المقابر الجماعية التي أعدَّها الصرب للمسلمين بهدف طمس معالم جريمتهم.
ولا يعلم أحدٌ سرَّ هذا العداء الدفين في نفوس بعض الأوربيين للإسلام، وكأنه ثأر قديم مع المسلمين، ويتعجَّب المرء لذلك أشدَّ التعجُّب؛ فلم يسجِّل التاريخ معاملة حضارية وإنسانية من جيش فاتح ومنتصر مثلما سجَّل للجيوش الإسلامية على مرِّ العصور، بل لقد استفاد العالم - وأوربا على وجه الخصوص - بالفتوح الإسلامية في كل المجالات ما لا يستطيع أن ينكره أحد.
فقدكان لدخول الإسلام في قارة أوربا أعظم الأثر، وذلك باعتراف الأوربيين أنفسهم، وليس أدلّ على ذلك مما جاء في كتاب (حضارة العرب) للمستشرق الفرنسي الشهير جوستاف لوبون؛ حيث ذكر صراحة أنَّ الحضارة الأوربية في القرن التاسع والعاشر من ميلاد المسيح عليه السلام كانت غارقةً في الجهل والتخلف، وكان أمراؤها يفخرون بأنهم لا يقرءون، وقد دامت هذه الهمجية الأوربية البالغة زمنًا طويلاً، وعلى النقيض كانت الحضارة الإسلامية في إسبانيا ساطعة ومشرقة، وحينما أرادت أوربا التحرر من قيود الجهل والتأخر ولَّت وجهها شطر المسلمين الذين كانوا الأئمة وحدهم، ثم يعترف جوستاف لوبون بأن الحروب الصليبية لم تكن هي السبب في إدخال العلوم إلى أوربا، وإنما دخلت العلوم إلى القارة الأوربية عن طريق إسبانيا وصقلِّيَة وإيطاليا؛ حيث بدأت في مدينة طليطلة الأندلسية حركة الترجمة التي نقلت أهم كتب المسلمين من العربية إلى اللغة اللاتينية، ولم يتوانَ الغرب في أمر هذه الترجمة طوال القرنين الثاني عشر والثالث عشر من الميلاد، فتمت ترجمة كل كتب نوابغ المسلمين من أمثال الرَّازي وابن سينا وابن رشد وغيرهم الكثير، كما لم تعرف أوربا شيئًا عن علماء اليونان القديمة أمثال جالينيوس وأرسطو وأرشميدس إلاَّ من خلال ما قام المسلمون بنقله إلى اللغة العربية، ولم يكن في القرن العاشر من الميلاد على مستوى العالم بلاد يمكن الدراسة فيها غير الأندلس وبلاد الشرق الإسلامي، كما لم يظهر في أوربا حتى القرن الخامس عشر الميلادي أيُّ عالِمٍ لم يعتمد على استنساخ كتب المسلمين؛ فقد ظلَّت هذه الكتب طوال ستة قرون تقريبًا مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوربا


أمَّا الآن وفي عصرنا الحالي فيعيش المسلمون في القارة الأوربية على هيئة أقليات متناثرة، يختلف حجمها من دولة أوربية إلى الأخرى ما بين الآلاف والملايين.
فيُقدَّر تعداد المسلمين بالملايين في روسيا الاتحادية، وبعض بلاد أوربا الشرقية، وهناك دولة واحدة يشكِّل المسلمون فيها الأغلبية الساحقة من السكان وهي ألبانيا.
أمَّا المسلمون في بلاد أوربا الغربية فأحوالهم مختلفة، ذلك أن عددهم في أيٍّ من هذه البلاد يبدأ بالمئات في بعضها، وينمو حتى يقارب بضعة ملايين في بعضها الآخر.
والسواد الأعظم من المسلمين في هذه البلاد وفدوا إليها بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم والبلدان الأوربية التي يعيشون فيها، وقد حضروا إلى تلك البلاد بحثًا عن عمل، أو سعيًا وراء فرصٍ أفضل في الحياة لم تتيسر في بلادهم الأصلية.
وإذا عرفنا أن معظم بلاد العالم الإسلامي كان واقعًا تحت وطأة الاستعمار الأوربي في آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أمكننا أن نتعرف إلى طبيعة الجاليات الإسلامية التي استقرت في كل بلد على حدة.
ففي بلد مثل إنجلترا نجد معظم المسلمين بها قادمين من دولٍ كانت خاضعة للاحتلال البريطاني في قارتي آسيا وإفريقيا، وخاصةً من الهند وباكستان وبنجلاديش.
وفي فرنسا نجد غالبية المسلمين من دول المغرب العربي التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي مثل الجزائر وتونس والمغرب.
وكذلك في هولندا نجد الجانب الأكبر من المسلمين بها من إندونيسيا التي ظلَّت خاضعة للاحتلال الهولندي فترة طويلة.
أمَّا في ألمانيا فنجد الجاليات الإسلامية بها يغلب عليها العنصر التركي، وهم الذين هاجروا من تركيا بعد إلغاء الخلافة الإسلامية ودعوة مصطفى كمال أتاتورك إلى العلمانية.
هذه الجاليات هي التي تشكل الغالبية العظمى للجاليات الإسلامية في بلاد أوربا الغربية، وقد انضم إليها مهاجرون من بلاد إسلامية أخرى.
كما أن أعدادًا كبيرة من سكان أوربا دخلت الإسلام بحكم الصلات التاريخية مع العالم الإسلامي التي سبقت الإشارة إليها؛ مما أدَّى إلى ازدياد فرص التفهم لطبيعة الإسلام عند هؤلاء الأوربيين على اختلاف نزعاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية، وكذلك إتاحة الفرصة للأوربيين للقراءة عن الإسلام في مصادره الأصلية، بعيدًا عن تشويه المستشرقين ومغالطاتهم التي حاولت الأجيال السابقة منهم أن تروِّجها عن الإسلام بين الأوربيين.
أيضًا كان من الأسباب ذات الأثر البعيد في تغيُّر نظرة الأوربيين للإسلام اعتناقُ عددٍ من المثقفين الأوربيين ذوي المكانة الاجتماعية المرموقة للإسلام؛ لما اكتشفوه في الإسلام من وضوح الرؤية، واستقامة العقيدة ومسايرتها للمنطق السليم.
وتتوزع الأقليات المسلمة في أوربا على النحو التالي:
أولاً: في روسيا الاتحادية (شرق أوربا):
يبلغ عدد المسلمين في روسيا الاتحادية الفيدرالية حوالي 20 مليون نسمة، يتركزون في المناطق المتاخمة لحوض نهر الفولجا، وفي منطقة شمال القوقاز مثل الشيشان والأنجوش وداغستان، وأيضًا في منطقة سيبريا.
ثانيًا: الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي (شرق أوربا):
توجد أقلية إسلامية في جمهورية جورجيا تبلغ نسبتها 19% من عدد السكان، وفي جمهورية أرمينيا يبلغ عدد المسلمين ما يقرب من نصف مليون مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ 3 ملايين نسمة في عام 2007م. كما يعيش في جمهورية مولدافيا أكثر من ثلث مليون مسلم من إجمالي 4 ملايين نسمة 2007م، أي بما يمثل 12% تقريبًا من عدد السكان. وأيضًا في جمهورية ليتوانيا توجد أقلية مسلمة تُقدَّر بخمسين ألفًا من عدد السكان البالغ 3.5 ملايين نسمة عام 2007م، وتمثِّل 1.3% من السكان.
ثالثًا: في جمهوريات وسط أوربا والبلقان:
يتكون معظم الأقلية المسلمة في وسط أوربا والبلقان من أهل البلاد أنفسهم، كالألبان والبوسنيين، أو من الأتراك الذين استوطنوا هذه المنطقة. ويتراوح عدد المسلمين في هذه المنطقة بين 8- 10 ملايين مسلم، ويتركزون في ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا، وكوسوفو وهي جمهورية إسلامية 100%، إضافةً إلى مقدونيا، وباقي دول وسط أوربا مثل رومانيا، المجر، وغيرها

رابعًا: بقية دول أوربا:
تتركز الجاليات الإسلامية الكبرى غرب أوربا في كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا.
تعود بدايات الوجود الإسلامي في الأراضي الفرنسية إلى أيام دولة الأندلس، وبعد هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء - كما ذكرنا - حيث وقع بعض الأسرى المسلمين في قبضة الفرنسيين، تم نقلهم إلى شمال فرنسا، واستقروا هناك، فاعتُبِر ذلك بمنزلة أول الوجود الفعلي للمسلمين في فرنسا، وبعد سقوط دولة الأندلس، وملاحقة الفرنجة للمسلمين بالتقتيل وارتكاب المجازر؛ اضطرَّ حوالي 150 ألف مسلم إلى اللجوء إلى جنوب فرنسا والاستقرار فيها.
وتُعتَبَر الدفعات الأخيرة من الهجرة إلى فرنسا هي التي وقعت في العصر الحديث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد كانت معظم هذه الهجرات قادمة من بلاد المغرب العربي، ولأسباب اقتصادية كالبحث عن فرص للعمل، أو أسباب سياسية كالنجاة من اضطهاد الأنظمة الديكتاتورية.
أمَّا في الوقت الحالي فقد أصبح الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا؛ حيث يعيش فيها أكثر من 6 ملايين مسلم من أصل 63.7 مليون نسمة وهم عدد السكان في عام 2007م، لتمثِّل نسبة الأقلية المسلمة 9.4% من سكان فرنسا. مع العلم أن الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى أنَّ عدد المسلمين أكثر من ذلك بكثير؛ لأن الإحصاءات الرسمية لا تضع في حساباتها إلا المسلمين الأصليين؛ أي الذين يأتون من بلادهم وهم مسلمون، أمَّا المسلمون فرنسيو الأصل فلا يدخلون في التعداد؛ لأن فرنسا دولة علمانية لا تضع خانة الديانة في إثبات الشخصية.
وتشير توقعات ودراسات إلى أن هؤلاء المسلمين سيتضاعفون ثلاث مرات بحلول عام (2020م) ليقترب عددهم من (20) مليون نسمة؛ وذلك بسبب ارتفاع نسبة الخصوبة والمواليد بين المسلمين، واستمرار تدفق المهاجرين المسلمين لفرنسا، وكذلك دخول أعداد غير قليلة من الفرنسيين في الإسلام؛ حيث يزيد عدد المسلمين من أصل فرنسي على 100 ألف، كما يوجد الآن في فرنسا 1300 مسجد، وحوالي 600 جمعية إسلامية. وتشير الإحصاءات أيضًا إلى أن 40% من الجاليات المغربية يحصلون سنويًّا على الجنسية الفرنسية، وهو ما يمثِّل حالة من الفزع والتوتر لدى الحكومة الفرنسية، وظهر أثر هذا التوتر الحكومي جليًّا فيما تعرضت له الجالية المسلمة ورموزها مؤخرًا من اضطهاد دفع بأبناء الجالية المسلمة إلى التذمُّر والاحتجاج، كما طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة.
وفي ألمانيا نجد تزايدًا ملحوظًا في عدد المُقبِلين على اعتناق الإسلام، فنجد أنَّه خلال الفترة من يونيو 2004م إلى يونيو 2005م اعتنق الإسلام 4000 ألماني بزيادة أربعة أمثال عدد من أسلموا خلال نفس الفترة من العام الذي سبقها. ويبلغ العدد الإجمالي للمسلمين في ألمانيا حوالي 3.5 ملايين مسلم، بما يمثل نسبة 4.2% من عدد سكان ألمانيا البالغين 82 مليون نسمة في عام 2007م. ويعود استقرار السكان المسلمين في ألمانيا إلى القرن السادس عشر الميلادي، وقد تم بناء أول مسجد في مدينة بوتسدام الألمانية في عام 1731م.
أمَّا أقدم المساجد الباقية إلى الآن فهو في العاصمة برلين وتم بناؤه في عام 1924م، ويليه مسجد في مدينة هامبورج أقيم في عام 1957م، ويعتبر مسجد (الفتح) المقام في مدينة مانهايم منذ عام 1995م من أكبر مساجد ألمانيا، وقد بلغ عدد المساجد وأماكن الصلاة في ألمانيا الحالية إلى 2200 مسجد ومصلَّى.
ومن المنظمات الإسلامية الفاعلة في المجتمع الألماني منظمة (التجمع الإسلامي)، التي تأسست في عام 1958م على يد جماعة من الطلبة الوافدين بمشاركة عدد من المسلمين المقيمين في ألمانيا، ويصدر عن التجمع مجلة بعنوان (الإسلام)، ولها صفحة إلكترونية على شبكة الإنترنت. وقد أسهمت المنظمة في تأسيس عدد كبير من المراكز الإسلامية بالمدن الألمانية، وأهمها المراكز الإسلامية بمدن ميونيخ وشتوتجارت وكولونيا، ويتبع المنظمةَ 60 جمعية إسلامية، وبلغ عدد أعضائها نحو 60 ألفًا.
بجانب منظمة التجمع الإسلامي يوجد العديد من المنظمات الإسلامية، مثل هيئة الاتحاد التركي الإسلامي التي تأسست في عام 1985م، ومؤسسة (ميلي جوروش) التركية التي أسِّست في 1986م، والمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي تأسس في عام 1994م
وفي بريطانيا تعدَّى عدد المسلمين 1.6 مليون مسلم، بما يمثل نسبة 2.7% من عدد السكان البالغ عددهم 61 مليون نسمة في عام 2007م.
وبالنسبة لإيطاليا فتشير آخر الإحصاءات الرسمية الإيطالية إلى أن عدد المسلمين في إيطاليا بلغ ‏‏أكثر من مليون مسلم، من بين 58 مليون نسمة هم عدد سكان إيطاليا في عام 2007م. كما يُقدَّر عدد المسلمين في إسبانيا - حسب (الاتحاد الإسباني للجماعات المسلمة) - بنحو 700 ألف مسلم، بينهم أكثر من 200 ألف يحملون الجنسية الإسبانية، وقد بلغ عدد سكان إسبانيا 40.4 مليون نسمة في عام 2007م، كما يقدَّر عدد المساجد في مختلف المدن الإسبانية بنحو 600 مسجد.
أيضًا توجد الجاليات المسلمة في بقية الدول الأوربية، مثل هولندا بنسبة 5.5% من عدد السكان البالغ 16.5 مليون نسمة عام 2007م. وأيضًا في سويسرا التي تقع جنوبي أوربا الوسطى، ويصل عدد سكانها إلى حوالي سبعة ملايين نسمة، وقد وصل الإسلام إلى سويسرا بواسطة البحَّارة الأندلسيين المسلمين في عام 321هـ= 939م، وبعد سقوط الأندلس هاجر عدد من المسلمين فرارًا من الاضطهاد الديني إلى جنوب سويسرا. وفي العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية لجأت إلى سويسرا أقلية مسلمة، ونتيجة لجهود بعض الدعاة اعتنق عدد من السويسريين الإسلام، وكان عدد المسلمين بسويسرا في سنة (1371هـ= 1951م) يقدَّر بألفين، ويقدَّر عددهم الآن بنحو 400 ألف مسلم. وتوجد الجاليات المسلمة أيضًا في إيطاليا وبلجيكا واليونان وقبرص وإسبانيا ومالطا والنمسا، وغيرها من بقية الدول الأوربية.
ويقدَّر عدد المسلمين في أوربا بكاملها بحوالي 50 مليون مسلم.
ويمكن تصنيف الأقلية المسلمة في أوربا كما يلي:
1- أبناء الدول الأوربية الأصليون الذين دخلوا الإسلام منذ قرون طويلة، وحافظوا على إسلامهم رغم كل ما واجهوه من تحديات ومحاولات لمحو هويتهم الإسلامية، مثل الألبان والبوسنيين، والكوسوفيين المقدونيين، والمسلمين في بلغاريا. ويضاف إليهم المسلمون الجدد، من أمثال (رجاء جارودي) من فرنسا، و(مراد هوفمان) من ألمانيا، وغيرهما ممن اعتنقوا الإسلام.
2- مسلمون مهاجرون تجنَّسوا بجنسية البلد المقيمين فيه، مثل المهاجرين إلى أوربا بغرض العمل، ثم استقروا في بلد المهجر، والطلاب الذين سافروا لاستكمال دراساتهم العليا في أوربا ثم آثروا البقاء والإقامة هناك، وغيرهم الكثير ممن اجتذبته النهضة الأوربية الحديثة للهجرة إليها والاستقرار بها.



لا نستطيع أن نتخطَّى هذه النقطة بدون التعرض للمشكلات التي تعاني منها الجاليات المسلمة في القارة الأوربية، فما زالت الغالبية العظمى من المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في أوربا يجهلون كل شيء عن واقع وتاريخ أوربا التي يعيشون فيها، فهذه الغالبية لا تعرف تاريخ البلد الذي تعيش فيه ولا مؤسَّساته ولا رموزه الفكرية ولا المسئولين عنه؛ الأمر الذي يحرمهم من التكيف مع هذا المجتمع والاندماج فيه. كما نجد أنَّ الأغلبية العظمى من أبناء الجالية الإسلامية ليست مثقَّفة، سواء ثقافة إسلامية دينية أو حتى ثقافة غربية، وتفتقد الجالية المسلمة في نفس الوقت القيادة الفكرية المستنيرة الناضجة التي تستطيع احتواء المهاجر المسلم وإرشاده إلى الطريق القويم.
كما تعاني الجاليات الإسلامية من خلافاتها الداخلية مثل الخلافات العرقية أو المذهبية. ومن أخطر المشاكل التي يعاني منها المسلمون في أوربا تلك التي يواجهها الجيلان الثاني والثالث على نحو خاصٍّ، فبينما تنحصر مشكلة الجيل الأول غالبًا في الغُربة عن وطنه، نجد الجيلين الآخرين يعانيان من مخاطر الاغتراب الفكري والروحي؛ وذلك بسبب غياب الاتصال بثقافة البلد الأصلي فينشأ جيل حائر متذبذب، بل وأحيانًا رافض لانتمائه الأصلي ومتطلِّع إلى الانصهار في مجتمعه الجديد، وتبلغ المعاناة أَوْجَهَا حين يتبرَّأ هذا الجيل من بيئته الأصلية انحيازًا إلى بيئة جديدة ولكنها ترفضه بدورها.
كانت الهجرة العربية إلى بلدان أوربا في بدايتها مفروضة وإلزامية خاصة بالنسبة لأبناء المغرب العربي الخاضع للاحتلال الفرنسي، ثم أصبحت بمرور الزمن طواعية تتحكم فيها ظروف موضوعية، وكان الاستعمار هو محرِّكها ودافعها الأساسي، وبمرور الزمن صارت دوافعها المباشرة في الغالب اقتصادية واجتماعية.وقد شهدت العقود الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في عدد العرب المهاجرين إلى أوربا، بل وتحوَّلت الهجرة العربية خلال عقد الثمانينيات من هجرة ذكور إلى هجرة أسرية.وغالب الهجرة العربية إلى بلدان أوربا هجرة من أجل العمل، ويعمل معظم المهاجرين العرب كعمَّال غير مؤهَّلين يقومون عادةً بأصعب وأشقِّ المهن، ويتقاضون الأجور المتدنية بالنسبة إلى زملائهم الأوربيين، ويقيمون عادةً في مساكن غير صحية وغير ملائمة، وفي أحياء معزولة عن باقي المساكن، ويمثلون بالتالي الفئة الاجتماعية الأقل يُسْرًا من الناحية المادية بين سكَّان أوربا.كما يتعرض أبناء المهاجرين العرب في أوربا إلى مجموعة من المشكلات أهمها فشل أبناء المهاجرين مدرسيًّا حيث يتسرَّب معظمهم (ثلاثة أرباعهم تقريبًا) من المدارس، وتعتبر نسبة الفشل الدراسي بين أبناء المهاجرين مرتفعة جدًّا. كما توجِّه السياسات التعليمية الانتقائية المعتمدة في دول الغرب أبناء المهاجرين إلى التعليم المهني، وفي نفس اختصاصات آبائهم؛ مما يعوق تطلعهم لممارسة ما يتطلب خبرة فنية عالية، ومن ثَمَّ تخلق هذه الأوضاع شعورًا بالنقص عند أبناء المهاجرين يدفعهم إلى عدم الاعتزاز بتقاليد وقيم والديهم.
ولا ننكر أنَّ الوضع المتردِّي لمعظم دول العالم الإسلامي كان سببًا مباشرًا لهذه الهجرات المتوالية، إضافةً إلى حالة التشتت والفردية التي يعاني منها منذ إلغاء الخلافة الإسلامية التي كانت بمنزلة الهيئة المدافعة عن كل المسلمين في أي مكان في العالم، فلم يكن أحدٌ يجرؤ على الانتقاص من حق المسلمين إلاَّ بعد إسقاطها، أمّا منذ سقوط الخلافة الإسلامية إلى الآن فلم نجد على مستوى الحكومات العربية والإسلامية سياسة واحدة واضحة ومسئولة بالنسبة إلى الوجود العربي - الإسلامي في أوربا أو الغرب.
ومن أهم التحديات الفكرية التي تواجه الجاليات الإسلامية في أوربا، وتشعر بها طوال الوقت أن هناك فجوة فكرية في التاريخ الإسلامي، وفي فقه المسلمين في الغرب، ومصدر هذه الفجوة أن العلماء والفقهاء ظلُّوا على امتداد التاريخ الإسلامي يفكرون في الجاليات غير الإسلامية التي تعيش في ديار المسلمين، وقد وضعوا لهؤلاء كتبًا وفقهًا تغني هذا الجانب، ولكن هؤلاء العلماء لم يفكروا - إلاَّ قليلاً - في وضع الجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب.
ولذا فإنَّ الحاجة أصبحت مُلِحَّة إلى فقهٍ للأقليات الإسلامية في الخارج، يدرس أحوال المهاجرين، ويحصر أمرها لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسِّر وتسهِّل حياة إخواننا في الخارج.
وقد بدأت بالفعل جهود محمودة في هذا المضمار، منها إنشاء المجلس الأوربي للإفتاء، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

هذا وقد اختلفت تجارب الدول الأوربية في إدماج المسلمين، ويعتبر اعتراف الإمبراطور النمساوي فرانز جوزيف في عام 1912م بالديانة الإسلامية كدين رسمي أقدم اعتراف رسمي بالإسلام في قارة أوربا، ورغم ذلك فإن أول جمعية إسلامية دينية أُنشِئت في فيينا كانت سنة 1979م، أي بعد ما يقرب من سبعين عامًا، كما لم يتم تدريس التربية الدينية لأبناء المسلمين إلا عام 1982م. وفي إيطاليا لا تزال الحكومة الإيطالية تأبى الاعتراف بالإسلام كدين رسمي؛ وقد أدَّى هذا التعنت إلى حدوث ازدواجية ثقافية وصراع نفسي لدى الناشئة المسلمين الذين لا يستطيعون أن يندمجوا في المجتمع الإيطالي؛ لأنهم مسلمون، ومع ذلك يشعرون بالانتماء إلى الأرض التي وُلِدوا ونشئوا عليها.
أمَّا في ألمانيا فما زال الألمان ينظرون إلى المسلمين على أنهم أجانب وخطر على المجتمع. وفي هولندا نجد رئيس وزرائها يدعو إلى إغلاق المدارس الإسلامية وعددها 35 مدرسة؛ بحجة أنها لا تشجِّع على إدماج الأطفال المسلمين داخل المجتمع.
وتأتي التجربتان البريطانية والفرنسية كتجربتين رائدتين في التعامل مع قضية اندماج المسلمين في المجتمع الأوربي؛ فبحلول عام 1842م كان يزور بريطانيا كل عام حوالي 3000 من البحَّارة المسلمين، وبعضهم استقرَّ في مدن بريطانية مثل ليفربول ولندن، وقد تم بناء أوَّل مسجد في بريطانيا في عام 1889م ويسمى مسجد ووكينج، وذلك بعدما اعتنق عدد كبير من صفوة المجتمع البريطاني الإسلام.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت أكبر حملات الهجرة إلى بريطانيا من قِبَل المسلمين، حيث أتى أغلبهم من القرى في جنوب شرق آسيا، وخصوصًا من شبه القارة الهندية. يقدَّر عدد المسلمين في المملكة المتحدة الآن - كما ذكرنا - بحوالي 1.6 مليون مسلم، من بينهم ما يقارب 50 % من مواليد بريطانيا. ويوجد في بريطانيا 600 مسجد، مقارنة بـ 13 مسجدًا في عام 1963م، كما يوجد في بريطانيا 1400 جمعية إسلامية. ويتميز المسلمون في بريطانيا بأنهم أكثر امتلاكًا للعنصر الشبابي من البريطانيين أنفسهم؛ لارتفاع نسبة الخصوبة بين المسلمين، ومعدل المواليد المرتفع نسبيًّا، وتبلغ نسبة المسلمين المولودين في بريطانيا حوالي 55% من مجموع المسلمين، إضافةً إلى وجود سياسي في مجلس العموم واللوردات وعلى مستوى البلديات، كذلك يوجد لهم حزب إسلامي. وينظر القانون البريطاني إلى الجماعات العِرْقِية المختلفة نظرة إيجابية، ويسمح لها بقدرٍ من التمايز؛ فالعِرق في بريطانيا يشير إلى وضع قانوني وليس إلى شيء مذموم. وفي ظل الحرية المسموحة للتعبير عن الهوية السياسية للقوميات استطاع المسلمون أن يُعبِّروا عن أنفسهم في النظام السياسي، وقد سعى مسلمو بريطانيا لإبراز هويتهم الدينية والثقافية من خلال آليات متعددة، منها: التدخل في العملية التعليمية من أجل فرض ما يجب تعليمه لأطفال المسلمين، وتشكيل جماعات ضغط من المسلمين في الانتخابات البلدية والتشريعية تهدف لوضع مصالح المسلمين في الحسبان، إضافةً إلى فتح قنوات للحوار مع الحكومة لتحقيق حمايتهم من الهجمات العنصرية، والاعتراف بالزواج الشرعي الإسلامي أمام المحاكم البريطانية
أمَّا في فرنسا فيوجد ارتباك ملحوظ في سياسية الدولة الفرنسية تجاه المسلمين بالنسبة لقضية الاندماج؛ لذلك احتلَّت قضية المهاجرين حيزًا كبيرًا في الانتخابات الرئاسية في فرنسا، وكان السبب في صعود اليمين المتطرف هو تعهُّده بالحدِّ من الهجرة الأجنبية لفرنسا، حيث أوضحت صناديق الاقتراع حجم الكراهية للأجانب من جانب قطاع كبير من الشعب الفرنسي؛ ولكن عندما استفحلت ظاهرة العداء للمهاجرين، وتسببت في وقوع أحداث شغب خطيرة أدَّت لفرض حالة الطوارئ لأول مرة منذ فترة طويلة بدأت الحكومة تنتهج سياسة جديدة للحد من الكراهية للأجانب تجسدت في إعلانات تلفزيونية تُظهِر ضرورة السماحة مع الملوَّنين، وتنتهي هذه الإعلانات بعبارة (بدون عنصرية فرنسا أفضل). كما قامت الحكومة الفرنسية بمساعدة المهاجرين على الاندماج في المجتمع، وأنشأت وزارة خاصة لهذا الشأن وجعلت على رأسها وزيرة من أصل جزائري ، من مهامها مساعدة المهاجرين على الاندماج. كما قامت الداخلية الفرنسية بعقد لقاءات مع مسئولي منظمات وهيئات إسلامية في فرنسا تمهيدًا لتشكيل مجلس تمثيلي لمسلمي فرنسا يمثل المسلمين لدى السلطات العامة


لعله من الملاحظ وجود حركة إحيائية لروح الإسلام بين المسلمين المستقرِّين في أوربا بشكل عام، وكذلك ازدياد شعورهم بالانتماء للإسلام. كما يلاحظ ازدياد عدد المسلمين المواطنين في أوربا؛ إمَّا بسبب إسلام الأوربيين أو بواسطة المواليد المسلمين الجدد. كما تضاعفت أعداد المساجد في كل بلدان أوربا مع الزيادة اليومية لعدد المؤسسات والجمعيات الإسلامية العاملة في البلدان الأوربية
وبناءً على كل ما سبق يمكننا أن نقول:
إن المسلمين في أوربا بصفة عامة يتمتعون بحقوق عديدة، مثل حق ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وطمأنينة، وحرية إنشاء المؤسسات الإسلامية وبناء المساجد على الرغم من مواجهة بعض المصاعب الإدارية، وهذا يعني أن القوانين والدساتير الغربية الأوربية تحترم الإسلام كدين، وتحترم المسلمين أيضًا. كما يعيش معظم المسلمين في أوربا بأمنٍ وسلام بالنسبة للأمور الدينية، وهنا علينا ألاَّ نخلط بين ما سبق وبين وضع المسلمين الاقتصادي المتردي، والوضع السياسي ومشاكله، والفقر والبطالة، وازدياد وتيرة العنصرية والتحيز ضد المسلمين، وخصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا. ويجد المرء في بعض الأحيان قرارات متحيزة في حالات خاصة مبنية على تعصب وتحيز في قراءة وتطبيق القانون، إلا أنه لا يوجد قانون أوربي صريح يعادي المسلمين.
ومع ذلك يواجه المسلمون صعوبات في تطبيق دينهم في ظلِّ مجتمع صناعي علماني اختفت منه المظاهر الدينية والروحية؛ فكثير من الأوربيين يؤمنون بالله ولكن ليس لهذا الإيمان أي أثر في حياتهم وسلوكهم، وازدياد اهتمامهم بالتكنولوجيا يصرفهم عن ممارسة الشعائر الدينية. وينطبق هذا الأمر على كلٍّ من المسلمين والنصارى واليهود، فإذا نظرنا إلى النصف الفارغ من الكوب وجدنا العديد من المسلمين المقصرين تجاه دينهم مع أن القانون الأوربي لا يقف عثرة أمامهم، ونجد - بالرغم من تمتع المسلمين بهامش كبير من الحرية في الغرب - أن ملايين منهم قد ضاعوا وذابوا في المجتمعات الأوربية؛ فانسلخ بعضُهم من مجتمعه، وانسلخ آخرون من دينهم، وترك آخرون الاثنين معًا.
ولا شك أنَّ المسئولية الأولى لعلاج هذا التفلُّت تقع على الجمعيات والمؤسسات الإسلامية العاملة في أوربا، والتي هي أيضًا تعاني من العديد من المشاكل التي تعوقها عن أداء رسالتها. ويعتبر من أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه المسلمين والمؤسسات الإسلامية في القارة الأوربية - وهي مشكلة لها رواسب تاريخية - مشكلة التمييز العنصري والديني الذي ينتشر بين بعض شرائح المجتمعات الأوربية، وأثره في عدم استقرار الجالية المسلمة وخوفها من المستقبل، إضافةً إلى ضعف التواصل بين الأجيال، وأثر الجهل وضعف المستوى الثقافي والحضاري لجيل الآباء، وعدم قدرة الكثيرين منهم على توريث الهوية والقيم الإسلامية لأجيالهم الجديدة، وتأثير آفات المجتمع الأوربي المادية في المسلمين المقيمين في أوربا وخاصةً على الأجيال الجديدة، مثل التفكك العائلي والانحلال الجنسي وانتشار المخدرات.
كما تحتل مشكلة الفقر وضعف الموارد المالية مكانًا بارزًا في قائمة المشاكل التي تواجه المسلمين والمؤسسات الإسلامية، حيث إنَّ الأعداد الهائلة للمسلمين في الغرب ما جاءت إلى أوربا -في الغالب - إلا طلبًا للعمل وبحثًا عن مصادر الرزق؛ ولهذا يشكِّل الهاجس الاقتصادي لدى المهاجرين عامل تحدٍّ كبير في بقائهم أو رجوعهم إلى أوطانهم، وتعيش النسبة الكبرى من هؤلاء المهاجرين حياة الكفاف، وتعاني من مختلف الضغوط الاجتماعية والنفسية، إضافةً إلى الضغوط السياسية أحيانًا.
وكذلك لا نستطيع أن نُهمِل الانعكاسات السلبية الناتجة عن الخلافات العِرْقية والمذهبية والحركية للمسلمين في أوربا، والتي انتقلت إليهم من بلاد المشرق الإسلامي وأسهمت - وما زالت تُسهِم - في عرقلة القيام بدور ريادي متكامل للعمل الإسلامي والمؤسسات الإسلامية في أوربا. إضافة إلى وجود مجموعات وأفراد ممن يحملون توجهات وأفكارًا متشددة، البعض منها يمكن وصفها بالمتطرفة التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين في أوربا، وذلك من خلال أطروحات تدعو إلى معاداة المجتمع الأوربي بل ومحاربته، ومما يزيد في أثرها السلبي إبراز الإعلام لها، وبالأخص الإعلام العربي والإسلامي رغم أنها لا تمثِّل إلا شريحة صغيرة من المسلمين والمؤسسات الإسلامية في أوربا.
ونختم كلامنا عن المشاكل والمعوقات التي تواجه المسلمين والمؤسسات الإسلامية في أوربا بالمشكلة الكبرى والعائق الضخم وهو غياب الدولة الإسلامية التي تُعَدُّ المثل الأعلى الذي يحمل قيم الإسلام الإنسانية والحضارية إلى العالم أجمع.









رد مع اقتباس
قديم 30-04-2009, 09:32 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

قصة الإسلام في اليمن
نشأت باليمن حضارات منها حضارة سبأ والدولة المَعِينِيَّة فبنَوْا سدَّ مأرب، ثم ظهرت الدولة الحميرية، وتميزت بالاضطرابات، فدخلها الرومان، والأحباش، ووقع السيل فخرب العِمران، ودخلها الأحباش مرة أخرى بقيادة أبرهة الأشرم، فكانت واقعة الفيل، ثم احتلها الفرس، وكان آخر ولاتهم (باذان) فاعتنق الإسلام.
وكان اليمن مقسمًا بين حمير، وحضرموت، وكندة، وهَمْدان، وبين حُكْمٍ فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جَيْبٍ في نجران للنفوذ الروماني الحبشي، فأسلم أبو موسى الأشعريِّ في الأشاعرة، والطفيل بن عمرو في دَوْس، وقيس بن نمط في هَمْدَان، فنشروا الإسلام في قبائلهم، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى باذان فأسلم، أما نصارى نجران، فقَدِمَ وفدهم المدينة فقَبِلُوا أن يَفْرض عليهم مال الصلح، واشترط عليهم شروطًا أَدْرَج ضمنها يهود نجران، أما حمير فأرسل إليها عدة رسل فأسلم ملوكها.
وأرسل النبي إلى اليمن بعض الصحابة مثل علي بن أبي طالب وغيره، ثم تنبأ الأسود العنسي، وبموت النبي ارتدَّ كثير من أهل اليمن، فكانت، فأرسل أبو بكر الصديق ثلاثة جيوش؛ فعادوا إلى الإسلام، فجاهدوا مع الجيوش الإسلامية، ففي الأندلس قلاع بأسمائهم، كقلعة هَمْدَان بغرناطة، ومنهم العلماء كمالك بن أنس الأَصْبَحِيّ إمام السنة، وعبد الرحمن الغَافِقِيّ.
وفي زمن الفتنة اضطربت الأمور وشاع القتل بين أتباع علي بن أبي طالب وأتباع معاوية، وفي أواخر الدولة الأُموية غلب الخوارج، فدخلوا مكة والمدينة، واتَّجهوا نحو الشام فتصدى لهم الخليفة مروان بن محمد، ثم انفصلت اليمن عن الدولة العباسية، ونشأت بها دويلات مستقلَّة، فقامت دولة بني زياد ومركزها (زبيد) بِتِهَامة، وحَكَم بنو يَعْفُر صنعاء، وسيطر القرامطة على اليمن ونهبوا مدنها، وسيطر بنو صُلَيْح على صنعاء، أما صَعْدة فكانت تحت حكم دولة (بني رسّ) الشيعية، وقد ظلَّت الأوضاع تلك على حالها حتى مجيء الأيوبيين؛ إذ جمعوا أمر عدد من الإمارات، ثم قامت الدولة الرسولية، وتميَّز حُكمها بالتقدم العلمي، ثم قامت الدولة الطاهرية، ثم استولى البرتغاليون على بعض سواحل اليمن، فاستطاع المماليك طردهم فدخلوا اليمن، ثم هزمهم العثمانيون في بلاد الشام ومصر، فانسحبوا من صنعاء، وصاروا تحت السيادة العثمانية، وظهرت الدولة الزيدية بزعامة يحيى بن الحسين الرسي، فثار الأئمة الزيديون ضدَّ العثمانيين، ثم ضعفوا، واستقلت القبائل والمدن عنهم، ثم عاد النفوذ العثماني.
واحتل الإنجليز عدن وعسير بعد هزيمة محمد علي في الشام، وعقده معاهدة لندن التي حدَّدت نفوذه في مصر فقط، وضعف أمر الأئمة وبدأ الخلاف بينهم، وقامت ثورة في ربيع الثاني عام 1367هـ = 1948م أطاحت بالحكم، واشترك فيها عبد الله بن أحمد الوزير، ثم أعلن عبد الله السلال نهاية حكم الإمامة وقيام الجمهورية اليمنية، قامت ضده انقلابات فاسْتَنْجَدَ السلال بمصر، فوقع في اليمن صراع طويل ومرير بين أنصار الإمام أو مَنْ يُعرفون بأنصار المَلَكِيَّة اليمنية وأنصار الجمهورية، وقد انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1387هـ = 1967م، كما قررت بريطانيا الانسحاب من جنوب اليمن المحتل عام 1388هـ / 1968م، ثم قام انقلاب تزعمه علي عبد الله صالح وتم توحيد اليمن.
صفحة رائعة من صفحات المجد والعروبة والإسلام، وقلعة شامخة من قلاع النضال والثورة، إنها اليمن العربية السعيدة، صاحبة الجنان والسدود العظام، والتي استحقَّت الذكر في كتاب الله العزيز في أكثر من مناسبة!!
وإن نازع الناس في سبب تسميتها؛ فإن الراجح أنها من اليُمن وهي البركة، وتُعرف اليوم رسميًّا باسم "الجمهورية اليمنية"، وعاصمتها صنعاء، وهي تلك البقعة التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا، يحدُّها من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب، ومن الشرق سلطنة عُمَان، ومن الغرب البحر الأحمر، وتُشرف على مضيق باب المندب الذي يُعَدُّ من أهمِّ الممرَّات المائية في العالم، وهو يربط البحر العربي بالبحر الأحمر.
وهذه الحدود السياسية المعاصرة لم تكن تعرفها اليمن في تاريخها القديم؛ إذ جاء تاريخ شبه الجزيرة العربية - بما فيها اليمن وحضارتها القديمة - على أنها وَحْدَة جغرافيَّة مترابطة؛ فقد "كانت كل شبه الجزيرة مسرحًا لأحداث تاريخيَّة متنوِّعة؛ فقامت الممالك والحضارات، واتَّسعت بذاتها أو نفوذها داخل شبه الجزيرة، طالما توفَّرت لها القوَّة والنفوذ داخل شبه جزيرة العرب".
ومن هذه الحضارات حضارة سبأ، وسبأ هو اسم أَبي اليمن؛ وقوم سبأ من أقدم الشعوب التي عُرفت باليمن، وهم من العرب العاربة، وقد عُثِر على ذكرهم في حفريَّات "أور" والتي تُؤَرَّخ بخمسة وعشرين قرنًا قبل الميلاد، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحدَ عشرَ قرنًا قبل الميلاد.
قوم سبأ
وقد مرَّ قوم سبأ في تاريخهم بعدَّة أدوار؛ فعُرِفت الفترة ما بين (1300 إلى 620 ق.م) بالدولة المَعِينِيَّة، وظهرت في الجَوْف؛ أي السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ثم أخذَتْ تنمو وتتَّسع وتُسيطر وتزدهر، حتى بلغ نفوذها السياسيُّ إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز، ويقال: إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب، وهم الذين بنَوْا سدَّ مأرب، وهو سدٌّ له شأن كبير في تاريخ اليمن، وهو الذي وفَّر لهم معظم خيرات الأرض، وفي الفترة ما بين (620 ق.م إلى 115 ق.م) عُرفت دولتهم بدولة سبأ.
سيل العرم
ومنذ سنة (115 ق.م إلى 300م) غلبت قبيلة حِمْيَر، واستقلَّت بمملكة سبأ، فعُرفت دولتهم بالدولة الحميرية الأولى، وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحدار، والذي تزايد وكثُرت معه الحروب والاضطرابات في الدولة الحميرية الثانية، والتي امتدت منذ (300م إلى أن دخل الإسلام اليمن)، فجعل دولتهم عُرضة للأجانب؛ إذ دخلها الرومان، ثم احتلَّتها الأحباش لأوَّل مرَّة سنة 340م، ثم استقلَّت، ولكن وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسَيْل الْعَرِمِ في سنة 451م، وكانت حادثة كبرى، أدَّت إلى خراب العِمران وتَشَتُّت الشعوب.
أصحاب الفيل
وقد دخل الأحباش اليمن مرَّة ثانية سنة 525م، وفي سنة 549م نصَّب أبرهة الأشرم نفسه حاكمًا عليها، وهو الذي أخذ في نشر الديانة النصرانية بأوفر نشاط، حتى بنى كعبة باليمن وذَهَب لهدم الكعبة في مكَّة، فأخزاه الله وأهلكه عقب وقعة الفيل المشهورة، وقد خَلَفَه على اليمن اثنان من أبنائه، كانا شرًّا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل اليمن وقهرهم وإذلالهم؛ وهو ما جعل اليمنيُّون يستنجدون بالفُرس ويُقاومون الحبشة، حتى تمَّ إجلاؤهم عن البلاد سنة 575م، ولم تَطِبْ لهم الأيام؛ إذ أصبحت اليمن مستعمرة فارسية يتعاقب عليها ولاة من الفرس، كان آخرهم "باذان" الذي اعتنق الإسلام سنة 628م، وبإسلامه انتهى نفوذ فارس على بلاد اليمن.

ولا ريبَ أن إسلام اليمنيين لم يأتِ بين عشية وضحاها؛ فلم يكن يخفى عليهم أمر البعثة النبوية (610م)، وذلك من خلال الرحلات التِّجارية التي كانت بين قريش واليمن، وما تلاها من دعوة سرية وجهرية، ثم مخاطبة الرسول r الوافدين من القبائل المجاورة، وبعد ذلك هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة وبداية تكوين الدولة الإسلامية، والتي ظهرت مكانتها الخاصَّة بعد غزوة بدر الكبرى (2هـ - 623م)، لتُهَدِّد بعد ذلك دولة الروم في دومة الجندل (5هـ - 626م)، وتتوسَّع فيما حولها على حساب يهود بني قَيْنُقَاع وبني النضير وبني قُرَيْظة، ثم تُقِرُّ سلطانها بعد صلح الحديبية (6هـ - 627م) أمام زعيمة الجاهلية العربية قريش، فكان لكل هذه الأحداث المتلاحقة أثر كبير في أهل اليمن، فجاء تأثُّرهم بالإيجاب في ذلك إما رغبة أو رهبة.
وقد كانت اليمن في تلك الأثناء منقسمة بين قوى قَبَلية هي: حمير، وحضرموت، وكندة، وهَمْدان، وبين حُكْمٍ فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جَيْبٍ في نجران للنفوذ الروماني الحبشي، وهو الجَيْب الذي كان فيه نصارى نجران هناك.
والحقيقة أن إسلام أهل اليمن لم يأتِ دَفْعة واحدة أو في زمن واحد أو بوسيلة واحدة، وإنما كان لكلٍّ قوَّة، ولكلِّ قبيلة في اليمن أسلوب انتهجه واتبعه معها رسول الله r؛ وكانت المقدِّمة حينما أسلم أفراد من قبائلَ مختلفة - كأبي موسى الأشعريِّ في الأشاعرة، والطفيل بن عمرو في دَوْس، وقيس بن نمط الهَمْدَاني في هَمْدَان - فأخذوا يَنْشَطون للدَّعوة في قبائلهم.
نصارى نجران
وأما نصارى نجران، فإن وَفْدَهم قَدِمَ المدينة ولم يكن مقصودهم الإسلام، وإنما الجدال والمفاخرة والملاعنة، وذلك بعد عرض الإسلام عليهم ومناقشتهم للرسول r، ولمَّا أخلفوا موعدهم في ذلك خيَّرهم الرسول r بين الجزية والقتال، فرفضوا القتال، ورفضوا أيضًا (صورة الجزية)، ولكنهم قَبِلُوا أن يَفْرض عليهم شيئًا من المال كلَّ عام، عُرِف بمال الصلح، واشترط عليهم شروطًا أَدْرَج ضمنها يهود نجران.
وأما قبيلة حمير، أعظم القوى القَبَلِية في اليمن وأعرقها، وصاحبة السيادة في تاريخ اليمن قبل الإسلام: فقد أرسل إليهم الرسول r أكثر من رسول، كان أوَّلهم المهاجر بن أبي أمية في السنة السابعة، وقد جاء بالبشرى بإسلام ملوك حمير مالك بن مرارة الرَّهَاوي، الذي أُرسل في السنة التاسعة للهجرة أو أواخر الثامنة[6]r مُعَاذ بن جبل إلى اليمن في أواخر السنة التاسعة للهجرة؛ ليتولَّى ليس القيادة الإدارية للمنطقة الجبلية كلها الممتدة من نجران شمالاً حتى عدن جنوبًا، وليس قبيلة حمير وحدها، وإنما لتكون جزءًا من وَحْدَة إدارية كبيرة عُرِفت بالمِخْلاَف الأعلى. وبمثل ذلك جاءت وفود بقيَّة القبائل، مثل: كِنْدَة، وإقليم حضرموت، وتِهَامة اليمن.، وقد بعث الرسول
كيف دخل اليمنيون الإسلام؟
وإذا كان إسلام هذه القوى وتلك القبائل قد أخذ الطابع السِّلْميَّ، عن طريق استجابتهم لدعوة الإسلام دون حرب أو قتال، فقد انتهجت الدولة الإسلامية كذلك أسلوب البعوث والسرايا تجاه بعض القبائل اليمنية الأخرى التي لم تستجب لدعوة الإسلام، كان منها تلك التي أُرْسِلَت إلى قبيلة (دَوْس) بقيادة الطفيل بن عمرو على إِثْر غزوة حُنَيْن وقبل حصار الطائف.
وعلى هذا فإن مجموع أهل اليمن يكون قد دخل الإسلام بين العام السادس للهجرة وعام الوفود في السنة العاشرة، وذلك باستثناء نصارى نجران، وذلك إما عن رغبة في الدين الجديد، وإما رهبة من قوَّة المسلمين الجديدة النامية في المدينة، وقد جاء ذلك بطريقتين، الأولى: دَعَوِيَّة سلمية تَجَاوَبَ معها اليمنيُّون، وكانت في معظم جهات اليمن، والثانية: هي طريقة السرايا والبعوث العسكرية، وكان ذلك في الجهات الشمالية من تِهَامة، وتلك التي يقطنها البدو غير مستقرِّين.
الردة بين قبائل اليمن
ولعلَّ العامل الثاني في دخول أهل اليمن الإسلام هو الرهبة من الدولة الإسلامية الفتيَّة، كان أهم الأسباب في حدوث الردَّة التي وقعت بعد وفاة الرسول )(صلي الله علية وسلم ) في الجزيرة العربية، والتي لم تسلم منها قبائل اليمن.
وقد كان من أول مظاهر الردَّة في اليمن ما ظهر من حركة عبهلة بن كعب الذي عُرِف بالأسود العَنْسِيِّ، وكان يتمتَّع ببنية قويَّة ومنطق معسول في اليمن.، فقد اعترف بنُبوَّةٍ مِن قريش، ونُبوَّة مِن ربيعة، ليُمَثِّل هو نبوَّة اليمن؛ إذ الأمر لم يكن يَعْدُو عنده إلا مجرد منافسة قَبَلية، وقد حرص على جمع الزعامات الدينية حوله، لكنَّه لم يُفلِح إلا في نطاق ضيِّق وفي فترة قصيرة، ثم خسر الجولة في النهاية على يَدِ الحِلْفِ الموالي لسياسات الرسول
وبموت الرسول r ارتدَّ كثير من أهل اليمن، وقد جاء التصدِّي لهذه الردَّة في اليمن في اتِّجاهين، تمثَّل الأوَّل في تصدِّي أولئك الذين ثبتوا على الإسلام من أبناء القبائل المرتدَّة نفسها، ومن أمثلة ذلك: مسعود الْعَكِّيُّ في وسط (عكٍّ والأشعريين)، وفروة بن مُسَيْك المُرَادِيُّ وغيره في مراد، وعمرو بن الحجاج الزُّبَيْدي في زُبَيْد، وعبد الله بن عبد المدان في بني الحارث.
وأما الاتِّجاه الثاني فيتمثَّل في تصدِّي الدولة الإسلامية لهم، حيث أرسل الخليفة أبو بكر الصديق t ثلاثة جيوش إلى اليمن: الأول بقيادة سُوَيْد بن مُقَرِّنٍ المازِنِيِّ ووِجْهَتُه تِهَامَة، والثاني جيش عكرمة بن أبي جهل الذي انضمَّ إلى زياد بن لَبِيد الْبَيَاضِيِّ أمير إقليم حضرموت؛ وذلك لتشديد الخناق على كِنْدَة، أما الثالث فكان جيش المهاجر بن أبي أمية، وهو أكبر الجيوش المرسلة إلى اليمن، وكان يضمُّ عددًا من المهاجرين والأنصار، وكانت مهمَّته أوسع، وهو الذي تتبَّع مَن بقي من أتباع الأسود العَنْسي في مَذْحِج، ثم توجَّه إلى حضرموت وشارك في حصار كِنْدَة مع زياد بن لبيد الْبَيَاضِيِّ وعكرمة.
دور اليمنيين في بناء الدولة الإسلامية
وكانت النتيجة أن دخل أهلُ اليمن من جديد في الإسلام، بعد أن قُتِل من قُتِل، وعاد إلى الإسلام من كتب الله له الخير، ومِن بعدها أصبح اليمنيون يتجمَّعون حول مفهوم الأُمَّة وليس مفهوم القبيلة أو العشيرةوقد كانت لهم انطلاقاتهم فيما بَعْدُ في بناء الخلافة الإسلامية في كل بلاد الإسلام في الأزمان اللاحقة؛ فقد خرجوا مع الفتح الإسلامي في جيش عمرو بن العاص وغيره من الجيوش، واستقرَّ كثير منهم في بلاد الشام ومختلَف أقطار العالم الإسلامي.
تشهد لهم في الأندلس تلك القلاع التي تُسَمَّى بأسمائهم، كقلعة هَمْدَان في غرناطة، وقلعة خَوْلان في إشبيلية، وقلعة يَحْصُب وغيرها، كما يَشْهد لهم نبوغ كثير منهم بالعراق والشام والأندلس، منهم جماعة من العلماء كالقاضي عامر بن شَرَاحِيل الشَّعْبِيِّ، ومَسْرُوق الهَمْدَاني، وطلحة بن معرق الهمداني الْيَامِيّ، وإبراهيم النخعي المَذْحِجِيِّ، والأشتر النَّخَعِيِّ وغيرهم، وأشهرهم في ذلك: مالك بن أنس الأَصْبَحِيُّ إمام السنة، والقاضي عياض الْيَحْصُبِيُّ، وعبد الرحمن الغَافِقِيُّ من الأمراء البارزِينَ، ومنصور بن أبي عامر المَعَافِرِيُّ صاحب الأندلس.
اليمن في عهد الخلافة الراشدة
وفي زمن الخلافة الراشدة كان اليمن بكُلِّ تقسيماته الإداريَّة ولايةً أو ولاياتٍ تابعة للخلافة الإسلامية، ولم يشهد أحداثًا جسامًا إلا ما كان في زمن الفتنة، والتي تمثَّلتْ في مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان t (35هـ)، ثم موقعة الجمل (35هـ)، وصفّين (37هـ) والنهروان (38هـ)، ثم مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب t (40هـ).
ففي الصراع الذي نشب بين علِيٍّ ومعاوية بعد مقتل الخليفة عثمان y أجمعين وصل الوالي بسر بن أبى أرطاة إلى اليمن من قِبَل معاوية فتتبَّع شيعة علِيٍّ في اليمن بالقتل والمطاردة، ثم فرَّ أمام والي علي بن أبى طالب جارية بن قدامة السعدي الذي تتبَّع هو الآخر عثمانية اليمن وأعوان معاوية بالقتل والتشريد، ثم غادر اليمن بعد سماعه بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب، والذي تنازل بعده ابنه الحسن عن الخلافة لمعاوية، ليجتمع شمل الأمة عام 40 للهجرة، والذي عُرِف بـ"عام الجماعة"، والذي مهَّد الطريق لبني أمية لإرساء خلافتهم وحكم المسلمين.
اليمن في عهد الدولة الأموية
وفي فترة الخلافة الأموية (41 - 132هـ) ولي اليمن أكثر من خمسة وعشرين واليًا، لعلَّ أطولهم مدَّة هو يوسف بن عمر الثقفي، الذي ولي اليمن ثلاثَ عشرةَ سنة، ابتداءً من خلافة هشام بن عبد الملك (105هـ)، وقد استأثر الثقفيون عامَّة بثقة بني أمية، فأكثروا من تَوْلِيَتهم ولايات مختلفة من بينها اليمن.
وفي خلافة ابن الزبير (64 - 73هـ) تولَّى اليمن من قِبَلِه أكثرُ من عشرة وُلاة، حتى إن فترة بعضهم لم تتجاوز الشهور
وفي كثرة تغيير الولاة في فترة الخلافة الأموية لم نجد وقائع محدَّدة تكون مبررًا لذلك التغيير؛ ولعلَّه كان يجيء لحاجة دار الخلافة إلى تغيير الوالي لأمرٍ يراه الخليفة نفسه، وربما جاء استجابة لشكوى بأحد الولاة.
وفي أواخر الدولة الأُموية غلب الخوارج على اليمن، وكان زعيمهم عبد الله بن يحيى الحضرمي الملقب بـ "طالب الحقِّ"، فقد ثار بحضرموت، وتمكَّن من دخول صنعاء، ثم زحف شمالاً باتِّجاه مكة فسقطت بأيديهم، ووليها أبو حمزة الخارجي نائب عبد الله بن يحيى الحضرمي، ثم استولى بعد ذلك على المدينة، وبعدها اتَّجهوا نحو الشام إلا أن مروان بن محمد - آخر خلفاء بني أمية - أعدَّ لهم جيشًا كبيرًا قابلهم بوادي القرى، وأخذ يُلْحِق بهم الهزائم ويطاردهم، حتى وصل إلى حضرموت مُنْطَلقهم الأوَّل، حيث كان آخرَ نفس لهم، إلا أن عبد الملك السعدي قائد قوات مروان بن محمد قُتل في الجوف في طريقه إلى مكة لرئاسة موسم الحجِّ، ومن بعده عيَّن مروانُ بن محمد واليًا جديدًا على اليمن هو الوليد بن عروة، والذي بقي في منصبه حتى اضمحلَّت دولة بني أمية.
اليمن في عهد الدولة العباسية
ومن بعدها دخلت اليمن في حوزة العباسيين، وقد ساروا فيها من جهة نظام الحكم سيرة الأمويين قبلهم، فأرسلوا الولاة إلى اليمن، والذين تمكَّنوا من ضرب الثورات التي قامت ضدَّهم، مثل التي قامت في حضرموت على يد الخوارج زمن الوالي معن بن زائدة الشيباني، الذي ولي اليمن لأبي جعفر المنصور، وتلك التي قامت في جهات تِهَامة والساحل زمن الوالي حماد البربري، الذي ولي اليمن لهارون الرشيد، والذي عانى من ثورة قام بها الهيصم بن عبد الصمد الحميري استمرَّت فترة طويلة.
إلا أن أمر العباسيين في اليمن لم يَدُمْ على القوَّة؛ وذلك لبُعْدِ اليمن عن مركز الحكم، ولطبيعتها الجبلية، ولوعورة أرضها، وللسبب نفسه كانت ملجأً لكثير من الفارِّين من الحكم أو الثائرين عليه؛ فانفصلت اليمن عن الدولة العباسية، ونشأ فيها الدُّويلات المستقلَّة، التي أَخذَت الطابع القبلي أحيانًا، والمذهبي (شيعي على وجه التحديد) أحيانًا كثيرة.

فقامت دولة بني زياد السُّنِّيَّة سنة 204هـ، ودامت نحو قَرْنَيْن إلى أن انقرضت سنة 407هـ، وكان مركزها (زبيد) بِتِهَامة، وحَكَم بنو يَعْفُر الحَوَالِيِّين الحميريين صنعاء من سنة 247هـ وحتى سنة 387هـ، وكانوا على المذهب السُّنِّيِّ، وظهرت تلك الدولة في شبَام ثم في صنعاء في عهد أسعد بن أبي يَعْفُر الحَوَالِيِّ، ثم امتدَّت إلى حاشد في الشمال، وإلى مِخْلاَف جَعْفَر والجند والمَعَافِر في الجنوب، ويُعَدُّ حكم السلطان أسعد بن أبي يَعْفُر من أطول فترات حُكْم سلاطين بني يعفر، وسيطر القرامطة على اليمن بقيادة علي بن الفضل عام 292هـ ونهبوا مدنها، وفعلوا الأفاعيل، واستباحوا المنكرات، وقاموا بكل رذيلة، وقام بعدئذ بنو نَجَاح، وهم من مماليك بني زياد، وحكموا زَبِيدَ وملحقاتها سنة 412هـ. بينما سيطر بنو صُلَيْح على صنعاء 439 - 492هـ، وخلفهم بنو هَمْدان حتى 569هـ، وآل أمر زَبِيدَ إلى بني مهدي من 544 - 569هـ. وتسلَّم إمارة عدن آل زريع سنة 476هـ، وينتمون إلى المكرم اليامي الهَمْدَاني أول سلاطينها، ويُعْرَفون ببني زُرَيْع، وظلَّت هذه الدولة حتى عام 570هـ / 1174م، أما صَعْدة فكانت تحت حكم دولة (بني رسّ) الشيعية التي قامت عام 280هـ.
وقد تصارعت القوى المتعاصرة مع بعضها البعض، وتبادلت النصر والهزيمة سِجالاً، وأطيح بأُسَرٍ حاكمة لتحلَّ محلَّها أخرى إلى حينٍ، وتمكَّن بعضها من السيطرة على ديار بعضٍ؛ فكانت الغلبة أوَّلاً لآل زياد، ثم كانت للقرامطة على حساب اليَعْفُريِّين والزَّيْدِيَّين، ثم كانت لليعفريين والزيديين في تحالفهم بعد صراع ومجابهات ضدَّ الجُزْء الخطر من القرامطة، وهو علي بن الفضل، ثم جاء دور الصُّلَيْحِيِّين ليتمكن مؤسِّس الدولة علي بن محمد الصُّلَيْحي، التلميذ النجيب والنابغ للداعية الإسماعيلي سليمان الزواحي، من الإطاحة بكل القوى القبلية والحاكمة، وتوحيد اليمن تحت حكمه، بل إنه أدخل مكة تحت حكمه، ويخلف بنو نجاح آل زياد في زَبِيدَ، ويتبادلون النصر والهزيمة مع الصُّلَيْحِيِّين، والصُّليحيون تنقسم دولتهم، فتأخذ بالتدريج في الضعف والزوال، فيبسط النَّجَاحيون دولتهم في التهائم، ويقوى آل زريع ولاة الصُّليحيين في عدن، ويؤسِّسون دولتهم المسيطرة على عدن، وأبين، وتعز. ويتداول السلطة في صنعاء وما حولها أُسَرٌ هَمْدَانية، كآل حاتم، وآل القبيب، وآل عِمران، وفي زَبِيدَ يحلُّ بنو مهدي محلَّ آل نَجَاح.
وقد ظلَّت الأوضاع تلك على حالها حتى مجيء الأيوبيين (569 - 626هـ / 1173 - 1229م) إلى اليمن؛ إذ قضَوْا على عدد من الإمارات فيها وجمعوا أمرها، فأنهَوْا حكم بني هَمْدان في صنعاء، وبني مهدي في زَبِيدَ، وبني زريع في عدن.
الدولة الرسولية
وقد كان آخر الولاة الأيوبيين في اليمن السلطان المسعود الأيوبي، الذي تمكَّن من فرض هيبة الأيوبيين على مختلف القوى والمنافِسِينَ في اليمن، والذي عاد إلى الشام عام 626هـ مُخْلِفًا الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول نائبًا له في اليمن، والذي تمكَّن هو وإخوته من السيطرة على الأمور في اليمن، وتحقيق انتصارات مُهِمَّة على المنافِسِينَ؛ فَعَلَتْ بذلك مكانتُهم وعظمت قوَّتهم، والذي مهَّد لظهور الدولة الرسولية.
وتُعَدُّ الدولة الرسولية (626 - 858هـ / 1229 - 1454م) من أطول الدُّول عُمرًا في تاريخ اليمن الوسيط، وقد حكمها خمسةَ عشرَ ملكًا، أوَّلهم: نور الدين عمر الرسولي، وآخرهم المسعود.
وقد أعلن الرسوليُّون استقلالهم عن الدولة الأيوبية في مصر في عام 630 هـ / 1232م، وخطبوا للخليفة العباسي المعاصر لهم، بَعْدَ أن طلبوا منه أمرَ نيابة مباشر عنهم في اليمن دون وساطة الأيوبيين، وتمكَّن الرسوليون وبقيادة مؤسِّس مُلْكِهم الملك المنصور من توحيد اليمن كله تحت حكمهم، من حضرموت جنوبًا وحتى مكة شمالاً، وبسطوا سيادتهم الفعلية على كل جهات اليمن، ودخلوا مناطقَ وحصونًا لم يستطعها قبلهم الأيوبيون، ودانت لهم القبائل والأُسَرُ الحاكمة، كالأئمة الزيديين في صعدة وجهاتها، وآل حاتم في صنعاء وما حولها، ومع ذلك فقد جابه الرسوليون توثُّبات قوًى مختلفة، وجابهوا قوى زَيْدِيَّة بزعامة الإمام المهدي أحمد بن الحسين من جهة، ثم بزعامة أبناء وأحفاد الإمام عبد الله بن حمزة، وهم مَن تُطْلِق عليهم المصادرُ إجمالاً لقبَ الحمزات، وقد دخل الأئمة الحمزات في حرب تنافُسِيَّة على السيادة والنفوذ مع الإمام المهدي أحمد بن الحسين، وأُذِيقُوا شرَّ الهزائم، وخسروا كثيرًا من مواقعهم قبل أن يتدخَّل المظفَّر الرسولي إلى جانب الحمزات ويُمَكِّنهم من النصر، فاعترف الأئمة بسيادة الرسوليين على البلاد، كما جابه الرسوليون تمردًا من سلطان حضرموت سالم بن إدريس، فجهزوا له بعد المراسلات والإعذار حملات برِّية وبحرية انتهت بهزيمته ومقتله.
وبعد المظفَّر يأتي الملك الأشرف، فيدخل في حرب قصيرة مع أخيه المؤيَّد غير المعترف بحكم أخيه، لكن الموت يُعاجِل الأشرف الرسولي بعد ما يَزِيد قليلاً عن العام، ليأتي أخوه المؤيد فيحكم اليمن لخمس وعشرين سنة، يتمكَّن خلالها من ترسيخ هيبة الدولة عَبْرَ قضائه على التمرُّدات في المِخْلاف السُّلَيْمَاني بتِهَامة، ومقاومته لوثبات الأئمة الزيديين في الجبال. ويخلف المؤيَّد ولده المجاهد 721 - 764هـ / 1321- 1362م، الذي يبقى في الحكم ثلاثًا وأربعين سنة، يُجابِه فيها أعنف وأعتى التمرُّدات ضدَّ مُلْكِه من مختلَف الأطراف، حتى شهدت السنوات الأخيرة من حكمه تصدعًا في وَحدة اليمن السياسية، إذ لم يَمُتِ الملكُ المجاهد إلا وقد تمكَّن جيل جديد من الأئمة الزيديين في القسم الأعلى من اليمن، أمثال المتوكِّل مطهر بن يحيى، وابنه محمد بن المطهر، ثم المهدي علي بن محمد، والناصر صلاح الدين، وابنه المنصور علي، من بناء قوَّة جديدة لهم مكَّنتهم في الثلث الأول من القرن الثامن الهجري من السيطرة على القسم الأعلى من اليمن حتى ذمار، وسَلَخَهُ من جِسْم الدولة الرسولية، لتتقوَّض من جديدٍ أركان الوَحدة اليمنية للمرة الثانية بعد الصليحيين. وخلف المجاهد ابنه الأفضل، وجاء بعده الملك الأشرف الثاني، ثم الملك الناصر، ليعقبه الأشرف الثالث، ثم الأشرف الرابع، ثم يأتي المَلِكَان المتنافسان: المظفَّر والمفضَّل، ثم يليهم الملك الناصر الثاني ليُخْلَع، وليتمَّ تنصيب الملك المسعود آخر ملوك بني رسول، ليذهب هو ومنافسه المؤيَّد.
وفي أزمنة هؤلاء الحكام تميَّزت فترات حكمهم في المحافظة على مناطق نفوذ الدولة الرسولية، وفي القضاء على التمرُّدات المختلفة، ثم بالقضاء على التمرُّدات داخل البيت الحاكم، وهي التي قام بها الإخوان والأعمام ضدَّ بعضهم مستعينين بقوى المماليك، والتي حاول الملك الأشرف الثالث التنكيل بهم لإخراجهم من حسابات القوَّة مُحْرِزًا بعض النجاح، كما قامت حرب بين الملك الناصر الرسولي وإمام الزيديَّة علي بن صلاح الدين، عندما حاول الأخير غزو بلاد رداع التابعة للرسوليين والمحكومة من قِبَلِ ولاتهم آل معوضة، جدود المؤسِّسين لدولة بني طاهر فيما بعدُ، وهم الذين وفدوا على آل رسول أول الأمر عام 817هـ/ 1414م ثم عام 842هـ/ 1438م، ليأخذوا بعد ذلك في تقوية أنفسهم في جهاتهم، في وقت أخذت فيه الدولة الرسولية تزداد ضعفًا جرَّاء المنازعات الأُسَرِيَّة على السلطة، وهي التي مزَّقت دولة الرسوليين بين المتنافسين على السلطة، وكانت آخر المنازعات الحربية بين الملك المسعود الذي استطاع استعادة التهائم وعدن؛ ليزحف من هناك إلى تعز؛ لطرد الملك المظفَّر الثاني منها، وقد استغل مماليك تهامة الحرب بين الملكين ليُشَدِّدوا قبضتهم على تهامة، ولينصبوا الأمير حسين بن الملك الظاهر ملكًا، ويلقِّبوه بالمؤيَّد في العام 855هـ / 1451م، لنجد أنفسنا أمام ثلاثة ملوك رسوليين في وقت واحد، يتنازعون المُلْكَ والسيادة، وقد شجَّع هذا التنازع الصريح بين آل رسول ولاتهم وحلفاءَهم من بني طاهر على الطمع في وراثة أسيادهم من بني رسول، وذلك بدخولهم عدن عام 858هـ / 1454م، وأُسِرَ الملكُ المؤيَّد آخر حُكَّام بني رسول.
وقد تميَّز حُكم بني رسول طويل الأمد - بغضِّ النظر عن التاريخ السياسي الحربي - بكثير من الإنجازات المهمَّة في مَيْدان العلم والتِّجارة والزراعة والطب؛ فقد بنَوا المدارس الكثيرة، وأجزلوا العطاء للعلماء، وبرز في زمانهم العلماء والشعراء في كل فنٍّ، وكان كثير من ملوك بني رسول علماءَ وشعراءَ وأصحاب رأي ومؤلِّفي كتب في فروع المعرفة المختلفة، ولا تزال مدينة تعز إلى يومنا هذا تتزيَّن بمنجزاتهم العمرانية، كجامع المظفَّر وجامع الأشرفية، ومدرسة الأشرفية، وحصن تعز المسمى الآن قاهرة تعز، بالإضافة إلى آثار المدارس الفقهية.
الدولة الطاهرية وسيادة المماليك
وقد قامت الدولة الطاهرية (855 - 923هـ / 1451- 1517م) على إرث الدولة الرسولية، وأوَّل أمرائها عامر بن طاهر، الذي أخذ البلاد من بني الرسول، وأخذ بعضها من أئمة الزيدية إلى أن قُتِل في حربه معهم قُرْب صنعاء، فخلفه أخوه المجاهد علِيٌّ سنة 870هـ، ثم خلفه ابنه الظافر عامر سنة 894هـ، وكان عادلاً محبًّا للعلم والعلماء، حارب أئمة الزيدية في الجبال وغلبهم، واستولى على صنعاء.
وفي عهد الظافر عامر ظهر البرتغاليون، واستولوا على بعض سواحل الحجاز واليمن والهند، واستفحلت شرورهم، فأخذ بمراسلة المماليك الذين كانوا يجوبون البحر الأحمر وسواحل اليمن لمجابهة قوَّة البرتغاليين، فاستطاع المماليك بقيادة حسين الكردي الاهتمام بأمر البرتغاليين وطردهم من جزر قمران سنة 921هـ، ثم شجَّعه الأئمة الزُّيُود ضدَّ الظافر عامر الذي رفض التعاون معه ضدَّ البرتغاليين، فدخل حسين الكردي المملوكي اليمن واستولى على زَبِيدَ بعد معركة الرحب وذلك سنة 922هـ، ثم انتقل إلى تعز، ومنها إلى المقرانة فصنعاء، وأخيرًا جَرَت المعركة الأخيرة على أبواب صنعاء، وهي معركة الصافية التي قُتل فيها أخو السلطان، وهو عبد الملك بن عبد الوهاب، وفرَّ السلطان الذي قبض عليه أحد الرجال وسلَّمه إلى قائد المماليك الإسكندر بن محمد فقتله سنة 923هـ.

وفي هذه الأثناء التي دخل فيها المماليك صنعاء كان العثمانيون قد هزموهم في بلاد الشام ومصر، وهو ما جعل المماليك في وضع غير ملائم؛ فانسحبوا من صنعاء نحو تعز، ولم يصل الإسكندر بن محمد قائد المماليك إلى تعز إلا بصعوبة كبيرة؛ بسبب قتال اليمنيين له، وهو منسحب بجيشه، وقد اضطرَّ المماليك في اليمن إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية.
ويُعَدُّ من عوامل قدوم العثمانيين إلى اليمن إخفاق المماليك في مقاتلة البرتغاليين في سواحل الهند، وهزيمة أسطولهم في معركة (ديو) في المياه الهندية عام 915هـ؛ إذ قام العثمانيون يَدْرَءُون الخطر عن ديار الإسلام، ويُلَبُّون نداء مسلمي الهند، ولما رفض المماليك التعاون معهم احتلَّ العثمانيون أرض الدولة المملوكية، وورثوا عنها المهمَّة الملقاة على عاتقها وهي حرب البرتغاليين، ودخلوا اليمن بصفة أن أرضها قاعدة ارتكاز لمحاربة البرتغاليين، سواء أكان ذلك في البحر الأحمر، أم في الخليج العربي، أم في المياه الهندية.
وهكذا دخلت اليمن تحت السيادة العثمانية عَبْرَ تبعيَّتها السابقة للمماليك؛ فبعد انهزام المماليك في الشام ومصر أمام السلطان سليم الثالث، قدَّم حاكم اليمن المملوكي الجركسي (إسكندر) وفدًا إلى السلطان سليم ليُقَدِّم فروض الولاء والطاعة له، فوافق السلطان العثماني على إبقائه في منصبه، وكانت اليمن تُشَكِّل بُعْدًا استراتيجيًّا، وتُعتبر مِفتاح البحر الأحمر، وفي سلامتها سلامة للأماكن المقدَّسة في الحجاز، وكانت السيطرة العثمانية في بَدْءِ الأمر ضعيفة، بسبب الصراعات الداخلية بين القادة والمماليك، إلى جانب نفوذ الأئمة الزيدية بين قبائل الجبال، هذا فضلاً عن الخطر البرتغالي الذي كان يُهَدِّد السواحل اليمنية، وهذا دفع السلطان إلى إرسال قوَّة بحرية، إلا أنها فشلت بسبب النزاع الذي دبَّ بين قائدها حسين الرومي متصرف جدة والريس سلمان أحد قادة البحر العثمانيين.
ثم أرسل السلطان سليمان باشا أرناؤطي حملة سنة 945هـ/ 1538م بهدف احتلال اليمن وبخاصَّة عدن، ثم إغلاق مضيق باب المندب أمام السفن البرتغالية، ودخل العثمانيون عدن عام 946هـ / 1539م، وتعز عام 952هـ / 1545م، وسقطت صنعاء في قبضتهم عام 954هـ / 1547م، وتحرَّك سليمان باشا بأسطوله ليستولِيَ على بعض الموانئ العربية في حضرموت، ومنها الشحر، والمكلا، واجتاح ساحل الحبشة، وسواكن ومصوع على الجانب الغربي من البحر الأحمر سنة 964هـ - 1557م.
وقد ظلَّت اليمن في فترة هيمنة الدولة العثمانية عليها (1538 – 1635م) تتنازعها قوى العثمانيين والأئمة الزيدية، فلم يستطع العثمانيون السيطرة كلية على البلاد؛ بسبب تمرُّد بعض القبائل وحركات المقاومة، ويهمُّنا هنا أن نلقِيَ الضوءَ على دولة الأئمة الزيديين في بدايتها.
فقد جاءت تسميتهم نسبة إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (79 - 122هـ / 698 - 740م)، الذي خالف الإمام جعفر الصادق في مَبْدَأَي التقية والاستتار، وأَسَّس لمبدأ الثورة على الظلم متى ما وُجِد هذا الظلم، وهو شرط الخروج والثورة، ويتميَّز المذهب الزيدي بصفة عامَّة باعتداله وانفتاحه على المذاهب الأخرى، وهو أقرب المذاهب الشيعية إلى السُّنَّة، التي تأخذ عليهم حَصْرَهم الإمامة في أولاد الحسن والحسين، ومع ذلك فإنهم يُجَوِّزُون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، كما يَنْبُذُون مبدأ العصمة والتقية، ويُجِيزُون الخروج على الظلم، كما يُجيزون خروج إمامَيْن في وقت واحد؛ وهو ما أدَّى في فترات كثيرة من تاريخ الدول الزيدية في اليمن إلى خروج أكثر من إمام، دارت بينهم صراعات عنيفة أراقت الدماء، وأهلكت الزرع والضرع. لكنَّ مبدأ الخروج هذا - رغم ويلاته - هو الذي احتفظ للطامحين من الأئمة الزيدِيين بجذوة الثورة، فمكَّنتهم من قيادة محاولاتٍ متعاقبة لتأسيس حكم علوي وراثي.
وقد اتخذت الدولة الزيدية الأولى بزعامة مؤسِّس الدولة والمذهب الزيدي في اليمن العلوي يحيى بن الحسين الرسي المنعوت بالهادي إلى الحقِّ، من صعدة مركزًا لها، وقد ابتدأ حكمهم باليمن من سنة 280هـ، وقد عاصروا بني أيوب والصليحيين والرسوليين والمماليك والعثمانيين، ودولة الأئمة الزيدية من البدابة كانت منافسة للحكم العباسي، كما أنها كانت تجسيدًا لطموح العلويين في الحكم مُعْتَبِرِين أنفسهم أهل حقٍّ في قيادة المسلمين، ومُتَّهِمِين العباسيين باغتصاب السلطة من أهلها
وقد بقي سلطان الزيديين محصورًا في الجهة الشمالية من اليمن، وإن تمكَّن أئمتهم في بعض الظروف من السيطرة على صنعاء وذمار في أيام المتوكل المطهر بن يحيى (676 – 697هـ)، وابنه المهدي محمد (697 - 908)، وكانت الخلافات شِبْهَ دائمة بينهم وبين سلاطين بني رسول وبني طاهر لمَّا كانوا معاصرين لهم، ولم يكن هناك إمام واحد يلتفُّ حوله الزيديون جميعًا، وإنما كان يوجد أكثر من إمام في بعض الأحيان، وقد يختلف الأئمة بعضهم مع بعض، حيث لكلِّ واحد منهم منطقة نفوذ وأتباع، كما حدث أيام الواثق المطهر بن محمد، والمؤيد يحيى بن حمزة، والمهدي علي بن صلاح، والداعي أحمد بن علي الفتحي، وكلهم في المدَّة المحصورة بين (730 - 750)، وقد تَمُرُّ سنوات دون أن يقوم إمام من علماء الزيدية بالأمر، وخاصَّة بعد هزيمة إمامٍ أو إلقاء القبض عليه، أو قتله من قِبَلِ خصومه، ويُقَدَّرُ عدد أئمة اليمن تسعة وخمسين إمامًا، حكموا اليمن منذ عام 898م إلى 1962م، حين أُطِيحَ بحكمهم في يوم 26 سبتمبر 1962م، وأُعْلِنَ النظامالجمهوري.
وعلى الرَّغم من السيادة العثمانية في اليمن، والتنظيم الإداري العثماني فيه، وقوَّة الدولة العثمانية وشبابها وقتذاك، إلا أن نفوذ أئمة اليمن من الزيديين ظلَّ قويًّا وفاعلاً، وامتدَّ إلى مناطقَ كبيرةٍ من البلاد اليمنية، خاصَّة في المناطق الجبلية، وحَصَّن الأئمة الزيديون مدينة تعز التي احتلَّها الوالي العثماني الجديد على اليمن أُوَيس باشا، الذي وصل إلى اليمن عام 953هـ / 1546م، واستطاع هذا الوالي أن يُوَطِّد السيادة العثمانية على منطقةٍ أوسعَ، وخاصَّة في المناطق الجبلية التي لم يصل إليها العثمانيون، كما استطاع الوالي أن ينظِّم جندًا محليًّا من اليمنيين، يعملون جنبًا إلى جنب مع القوَّات العثمانية، لكن العسكر غدروا به وقتلوه، فتولَّى الأمر أزدمر باشا، وهو من العسكر العثمانيين في اليمن، وأزدمر باشا مملوكي من الشركس، انتظم في خدمة العثمانيين، وعُيِّنَ واليًا على اليمن، ومن أعماله في اليمن: محاربة الأئمة الزيديين، ودخول صنعاء، وجعلها مركزًا للولاية العثمانية ومكانًا لإقامة مَلِك اليمن، وقد ظلَّ أزدمر هذا في الباشوية حتى عام 964هـ / 1556م، فخلفه على باشوية (ملك) اليمن مصطفى باشا المعروف بالنشار، وهكذا توالى تعيين الولاة العثمانيين على اليمن بشكل منتظم.
ثار الأئمة الزيديون ضدَّ العثمانيين عام 954هـ / 1547م بقيادة الإمام مطهر بن شرف الدين الزيدي، وساعده عدد من العسكر العثمانيين الذين تمرَّدوا على السلطة العثمانية في اليمن بسبب ضَعْف رواتبهم، وتعمَّقت الثورة اليمنية بسبب الخلاف القائم بين الوالي العثماني في زَبِيدَ وتِهَامة والوالي العثماني في صنعاء والمناطق الجبلية، ونَمَتِ الثورة الزيدية وازدهرت بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، فدخل الإمام مطهر الزيدي مدينة صنعاء عام 975هـ / 1567م، مما جعل السلطان سليم الثاني يُرْسِل سنان باشا والي مصر إلى اليمن على رأس حملة عسكرية لإعادة الأمن والنظام فيها، وكان ذلك عام 977هـ / 1569م، وتمكن سنان باشا من دخول صنعاء وإرساء قواعد الأمن والنظام العثماني في اليمن، وبِناء عليه عُدَّ هذا الإنجاز العثماني الجديد في اليمن الفتح العثماني الثاني لليمن؛ حيث إن الفتح الأول بدأ عام 946هـ / 1539م.
هذا وقد ظلَّ الأئمة الزيديون على حالهم، فتعاملوا مع الولاة العثمانيين أحيانًا بشكل حسن، وظلُّوا يحافظون على استقلالهم في مناطقهم، وفي أوقات كثيرة كانوا يثورون ضدَّ السلطة العثمانية؛ فثار الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد سنة 1008هـ = 1599م، وشملت ثورته مناطق يمنية واسعة، مما أدَّى بالدولة العثمانية إلى إرسال حملات عسكرية تمكنت في النهاية من إعادة توطيد الأمن، ثم قامت ثورة أخرى بقيادة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم ضدَّ الوالي العثماني أحمد فضلي عام 1031هـ / 1621م، فاستولى على صنعاء وتعز وعدن، وأخرج العثمانيين من اليمن عام 1046هـ / 1636م، وتمكَّن من تأسيس دولة الإمامة الزيدية التي اتخذت صنعاء مقرًا لها، وتوفي الإمام المؤيد بالله عام 1052هـ = 1642م وخلفه أخوه أحمد الذي اضطر بعد عامين للتنازل عن الحكم لأخيه إسماعيل بعد خلاف بينهما.
و نتيجة للخلاف على الإمامة ضعف الأئمة الزيديون، واستقلت القبائل عن صنعاء، كما انفصلت مناطق، فاستقلت حضر موت، ولحج عام 1145هـ = 1732م، وقوي أمر الإمام المهدي عباس 1159هـ = 1746م ثم هبت رياح الفوضى في البلاد بعد موته، واستقلت تهامة الشمالية، واتخذت مدينة (أبو عريش) مقرًا لها، ثم استولى محمد بن عامر المتحمي على (أبو عريش) وعدد من موانئ اليمن حتى المخا، وقام مقامه أخوه عبد الوهاب، ثم طامي بن شعيب.
واستنجد الإمام المتوكل على الله بالسلطان العثماني محمود الثاني فأرسل الأتراك مددًا إلى عسير وتهامة، وتمكن محمد على باشا المكلف بحروب الدولة العثمانية من أسر طامي ابن شعيب ونقله إلى مصر ثم إلى استانبول حيث صلب هناك، وبذا استعاد الإمام عبد الله المهدي نفوذه، وبدأ يرسل جزية سنوية إلى السلطان العثماني.
احتلال عدن
وعادت القوة إلى عسير بعد محمد بن أحمد المتحمي وقيام سعيد بن مسلط بأمر العسيريين ومن بعده علي بن مجثل، وعائض بن مرعي، فتوالت الحملات على المنقطة وجاءت حملة عام 1215هـ = 1835م بقيادة إبراهيم يكن، وتمكنت من القضاء على الثورة التي اندلعت في تعز ضد الإمام علي بن عبد الله المهدي وذلك عام 1253هـ = 1837م، كما استطاعت بعض فرق الحملة العثمانية من دخول عدن.
واحتل الإنكليز عدن عام 1255هـ = 1839م وعسير بعد هزيمة محمد علي في بلاد الشام، وعقد معاهدة لندن عام 1256هـ = 1840م التي حدَّدت نفوذ وحكم محمد علي في ولاية مصر فقط.
وضعف أمر الأئمة في هذه المدة إذ بدأ الخلاف بينهم، واستنجد الإمام محمد بن يحيى بالأمير عائض بن مرعي لنصرته فأرسل إليه قوة سارت عن طريق صحار، والأخرى عن طريق صعدة وكانت الثانية بإمرة الشريف حسين بن علي بن حيدر شريف (أبو عريش)، والأولى بإمرة يحيى بن مرعي أخي عائض بن مرعي، وتمكنت القوتان من دعم محمد ابن يحيى وتثبيته في صنعاء وعد واليًا للأمير عائض بن مرعي، ولكن ما إن عادت القوة العسيرية حتى تنكر الإمام محمد بن يحيى للعسيريين فكلف عائض بن مرعي عامله على أبي عريش حسين بن علي حيدر بتأديب إمام صنعاء، إلا أن الحيدري قد هزم ووقع أسيرًا بيد اليمنيين، وأراد عائض مرعي أن يسير إلى صنعاء لإنقاذ واليه إلا أن العثمانيين كانوا قد وصلوا إلى اليمن
وتضايق العثمانيون من انتصار عائض بن مرعي في اليمن، وخافوا مغبة الأمر، وفي الوقت نفسه استنجد الإمام علي بن المهدي بالسلطان عبد المجيد ضد محمد بن يحيى وعائض بن مرعي، فأمر السلطان نائبه في جدة توفيق باشا بالتوجيه إلى اليمن ومعه مكة الشريف محمد بن عون، وسارت القوة من جدة ووصلت إلى الحديدة في 22 جمادى الآخرة عام 1265هـ = 1849م وتابعت زحفها إلى صنعاء دون أن تلقى أية مقاومة، وما إن علم الإمام المتوكل محمد بن يحيى بهذا الأمر حتى أطلق سراح الشريف الحيدري، وأسرع للقاء توفيق باشا فاستقبله، واتفق معه، وصحبه إلى صنعاء وأنزله في قصر غمدان... وأنكر أهل صنعاء على الإمام فعلته وثاروا عليه في الحال وأرغموا الأتراك إلى العودة إلى الساحل، وألقوا القبض على محمد ابن يحيى، ونصبوا على بن المهدي إمامًا.
وحدثت خلافات بين علي بن المهدي بصنعاء، ثم الذي قام مكانه، وهو مؤيد العباس ابن عبد الرحمن، وبين المنصور أحمد بن هاشم بصعدة، وكادت رياح الفتن تعصف باليمن كلها.
وكان العثمانيون قد قضوا على إمارة آل عائض في أبها وقتلوا محمد بن عائض، وحملوا جماعة من كبار القادة والعلماء إلى استانبول، وتولى أمر عسير أحمد مختار باشا بعد مقتل رديف باشا، استغل أحمد مختار الفوضى في اليمن فسار بقوة على طريق الساحل، ودخل صنعاء وأنهى هذه الخلافات، ولكنه لم يستطع أن يبسط نفوذه على شمال اليمن إذ بقي تحت سلطة المتوكل المحسن بن أحمد حتى توفي عام 1295هـ = 1877م فخلفه الهادي شرف الدين بن محمد.
وتولى حكم اليمن عام 1290هـ = 1872م بعد أحمد مختار باشا مصطفى فاشتد على السكان الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة قادها محمد بن يحيى حميد الدين، الذي كان قد سجنه مصطفى باشا مع عدد من سادات البلاد في الحديدة، وفر من السجن وحمل لواء الثورة، وتلقب بالمنصور.
وفي الشمال توفي عام 1307هـ = 1889م الهادي شرف الدين بن محمد فقرر السكان مبايعة محمد بن يحيى حميد الدين الذي استطاع أن يؤلف جيشًا، ويحارب الولاة العثمانيين، وأن ينتصر عليهم، وأن يحاصر صنعاء، واضطر العثمانيون إلى إعادة أحمد فيضي باشا إلى ولاية اليمن، فجاء بقوة كبيرة تمكنت من فك الحصار عن صنعاء ودخولها، وغادرها المنصور أحمد بن هاشم حيث اعتصم في (حاشد)، وحاول أحمد فيضي باشا القضاء عليه عدة مرات ولكنه فشل واستمر الإمام في الشمال حتى مات عام 1322هـ = 1904م، وخلفه ابنه يحيى الذي اتخذ لقب المتوكل، واتخذ بلدة (قفلة عذر) قاعدة له، وعاصمة مؤقتة.
أرسل العثمانيون قوة لحرب الإمام يحيى ولكنها هزمت، وشجعت هذه الهزيمة سكان اليمن فقاموا بحركتهم التي دفعت القوات العثمانية نحو صنعاء فحاصروها، واضطرت إلى الاستسلام وفر القائد التركي إلى زبيد. فأرسلت الحكومة العثمانية أحمد فيضي باشا مرة ثالثة على رأس قوة كبيرة نزلت بالحديدة، واتجهت إلى صنعاء فدخلتها، وانتقل الإمام يحيى إلى (شهارة)، فلحقه أحمد فيضي باشا ولكنه هزم على أبواب شهارة هزيمة نكراء، وعندما وصل الخبر إلى الحكومة التركية أرسلت المشير عزت باشا الألباني مندوبًا للمفوضية، فاتصل بالإمام يحيى وعقد معه اتفاقية (دعَّان). ولم تمض سوى ثلاث سنوات حتى قامت الحرب العالمية الأولى وخرج الأتراك من اليمن.
اليمن إمارة سعودية
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى ضرب الإنكليز ميناء الحديدة واحتلوها عام 1336هـ = 1918م بمساعدة الإدريسي في تهامة الذي كان يعمل بجانب الحلفاء، وعندما انتهت الحرب انسحبت القوات العثمانية من اليمن بعد هزيمتها أمام الحلفاء، وخرجت جنودها في اليمن عن طريق عدن.
وبقيت تهامة اليمن والحديدة تحت سيطرة الأدراسة حيث منحتهم إنكلترا هذا المناطق، واختلف الأدارسة بعد وفاة الإدريسي بين مؤيد لابنه على بن محمد ولأخيه حسن بن علي، واستغل اليمنيون هذا الخلاف وزحفوا على تهامة واحتلوها وفر حسن بن علي الإدريسي إلى نجد وذلك عام 1343هـ = 1925م ووقع مع الملك عبد العزيز معاهدة مكة التي تتضمن دخول الإمارة الإدريسية ضمن الدولة السعودية.
عاد حسن بن على الإدريسي فتمرد ولكنه هزم وألغيت إمارة صبيا وأبو عريش، وقامت مفاوضات بين اليمن والدولة السعودية لتحديد الحدود، غير أن نائب الإمام في صعدة قد أرسل بعد رجاله فدخلوا نجران فتعكر جو المفاوضات، فأرسل الملك عبد العزيز ابنه فيصلاً على رأس قوة احتلت حرض، وميدي، والحديدة، وأرسل الإمام يحيى برقية إلى المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان منعقدًا في فلسطين لإرسال وفد لرأب الصدع، فبعث المجلس وفدًا مؤلفًا من: الحاج أمين الحسيني، وهاشم الأتاسي، ومحمد على علوية، وشكيب أرسلان وعبد الرحمن عزام فانتهى الخلاف، وانسحبت القوات للطرفين إلى ما كانت عليه، وعقدت معاهدة الطائف عام 1353هـ (1934م)، ورأس وفد السعودية خالد بن عبد العزيز، ووفد اليمن عبد الله بن أحمد الوزير.
وقد شاركت اليمن مع وفود الدول العربية الأخرى بحث قضية فلسطين في القاهرة عام 1358هـ = 1939م، وفي بلودان في سوريا عام 1365هـ = 1946م، وكانت من بين الدول التي ساهمت في إنشاء جامعة الدول العربية، وانضمت إليها عام 1365هـ = 1946م، ثم انضمت إلى الأمم المتحدة عام 1367هـ = 1948م.

أما على الصعيد الداخلي فقد تعرضت حكومة الإمام يحيى لتمرد قبائل المشرق عام 1343هـ = 1925م وقد أخضعتها قوة بقيادة عبد الله بن أحمد الوزير. وتمردت قبيلة الزرانيق عام 1347هـ = 1929م عامين ثم قضي عليه سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى. وقامت حركة محمد الدباغ بالبيضاء عام 1359هـ = 1940م، وأنهى التمرد الشريف عبد الله الضمين. ثم قامت ثورة على الإمام يحيى في ربيع الثاني عام 1367هـ = 1948م أطاحت به، واشترك فيها عبد الله بن أحمد الوزير وبعض أبناء الإمام ونجحت، ثم استطاع سيف الإسلام أحمد أن يعود وأن يقضي على الثوار، وأن ينتزع الملك.
وشاركت حكومة الإمام أحمد أيضًا في القضايا العربية والإسلامية كلها، كما انضمت إلى اتحاد الدول العربية الذي نشأ بعد الوحدة التي تمت بين مصر وسوريا، بل هي الدولة الوحيدة التي انضمت إلى الوحدة وشكلت الاتحاد، وتوفي الإمام أحمد عام 1382هـ = 1962م بصور غامضة، وخلفه ولده سيف الإسلام محمد البدر وتلقب بالمنصور بالله، وبعد ثمانية أيام قام فريق من الضباط بقياد عبد الله السلال الذي كان سجينًا فأخرجه محمد البدر، وأعلن عبد الله السلال نهاية حكم الإمامة في اليمن، وقيام الجمهورية اليمنية.
انقلابات متوالية
وهنا اسْتَنْجَدَ السلال بمصر، فأمدَّه الرئيس جمال عبد الناصر بقوات مصرية، ومعدَّات حربية، فوقع في اليمن صراع طويل ومرير بين أنصار الإمام أو مَنْ يُعرفون بأنصار المَلَكِيَّة اليمنية وأنصار الجمهورية، ولم ينتهِ الصراع إلا عام 1389هـ = 1969م.
وقد انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1387هـ = 1967م بعد لقاء تمَّ بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية في مدينة الخرطوم في مؤتمر القمَّة العربي في أعقاب هزيمة عام 1387هـ، 1967م في الحرب العربيَّة – الإسرائيليَّة.
كما قررت بريطانيا الانسحاب من جنوب اليمن المحتل عام 1388هـ / 1968م، وقد سلمت مقاليد الحكم إلى جبهة التحرير الوطنية بزعامة قحطان الشعبي.
وما إن انتهى انسحاب القوات المصرية حتى قامت القوات اليمنية بانقلاب ضد عبد الله السلال الذي التجأ إلى بغداد، وتولى رئاسة اليمن مجلس يرأسه عبد الرحمن الإيرياني، واستمر القتال من جهة أخرى بين اليمن الشمالي والجنوبي، ولكن توقف في الأيام الأخيرة من عام 1389هـ = 1969م بعد أن خرجت أسرة حميد الدين من السعودية، وأدخل في الوزارة اليمنية الجديدة بعض أنصار الملكية.
خرج عبد الرحمن الإيرياني من البلاد، وأصبح نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الداخلي المقدم إبراهيم الحمدي رئيسًا للدولة، ولكن بعد مرور عامين 1392هـ = 1972م قام بانقلاب آخر رئيس الأركان العقيد محمد الغشمي، وهو من رؤساء قبيلة همدان، وبعد عام آخر قام انقلاب تزعمه علي عبد الله صالح.
وقد جرت في اليمنَيْنِ (الشمال والجنوب) عدَّة محاولات لقيام وَحدة بينهما، تضمُّ اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وحدث بفضل المساعي المشتركة بين الحكومتين اليمنيَّتين توحيد لشطري اليمن في 22 مايو عام 1990م، وتسلَّم رئاسة الدولة رئيس اليمن الشمالي علي عبد الله صالح، وأصبح نائب الرئيس علي سالم البيض، ومرَّت على الوَحدة أربع سنوات، بدأت تظهر خلالها الصعوبات والمعوِّقات التي يحتاج حلُّها إلى صبر ورويَّة ونكران الذات خدمة للشعب اليمني، وقد تعمَّقت الخلافات إلى حدٍّ اندلعت فيه الحروب والمعارك بين الشطرين الموحَّدَيْنِ رغم تدخُّل بعض الدول العربية للمصالحة بينهما، وتَوَسُّط جامعة الدول العربية، وتَوْقِيعُ وثيقة العهد والاتفاق بين الرئيس علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض في مدينة عَمَّان بالأردن.
توسَّع مجال الخلاف بين الطرفين بعد أن أعلن اليمن الجنوبي انفصاله عن اليمن الشمالي مُستعيدًا اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ممَّا أتاح فرصة قيام تدخُّل دُولي، فأصدر مجلس الأمن الدُّولي في يوم الأربعاء في مطلع شهر يونيو عام 1994م قرارًا بوقف القتال الدائر فورًا، وقيام لجنة من هيئة الأمم لتَقَصِّي الحقائق، وفَرْضِ حصار على توريد الأسلحة للطرفين المتصارعين.
انتهت الحرب بهزيمة مجموعة علي سالم البيض، وإعادة توحيد الشطرين في دولة واحدة يرأسها علي عبد الله صالح، وعاصمتها صنعاء.
وفي إبريل 1997م، أُعِيدَ انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح لفترة رئاسية جديدة، وفي نوفمبر 2000م وافق البرلمان اليمني على تعديل الدستور بما يسمح للرئيس اليمني بمدِّ فترة رئاسته إلى سبع سنوات بدلاً من خمس، ويسمح له بحلِّ البرلمان، ومدِّ دورة البرلمان إلى ستِّ سنوات بدلاً من أربع.
وفي الاستفتاء الذي أُجْرِيَ في مارس 2001م وافق اليمنيُّون على التعديلات الدُّستوريَّة، وتمَّ في الشهر نفسه انتخابُ ممثلي المجالس المحلية والمحافظات، وفاز مرشَّحو حزب المؤتمر الشعبي بمعظم المقاعد، ويُذْكَرُ أن إجراء الانتخابات في هذه المجالس هي الأُولَى بعد توحيد الشطرين






رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسد الاسلام admin الأسرة والمرأة والطفل 2 04-10-2009 11:22 PM
الحرب ضد الاسلام نسمة الهجير منتدى الأفلام الوثائقية 2 30-08-2009 07:55 AM
قصة الاسلام في سورينام طالب عفو ربي السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 0 07-05-2009 11:55 PM
قصة الاسلام في كمبوديا طالب عفو ربي السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 0 03-05-2009 01:54 AM
معانى الاسماء نسمة الهجير علوم وثقافة 5 04-01-2009 06:54 PM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة