مِـن أَنـفَـاقِ فِيينا إلى أنفاقِ غزّةَ والمسجد الأقصى

مِـن أَنـفَـاقِ فِيينا

إلى أنفاقِ غزّةَ والمسجد الأقصى

إن الجهادَ ذروَة ُسَنام ِالإسلام ِ. فالجهادُ هو بَذلُ الوسع ِ في القتال ِفي سبيل ِاللهِ مباشرة ً أو مُعَاوَنة ًبمال ٍ أو رأي ٍأو تكثيرِ سوادٍ أو غيرِ ذلك مما دلت عليهِ النصوصُ الشرعيةِ, وهو الذي يحفظ ُكيانَ الأمَّةِ، ويحمي بيضتها ويجعلها أمَّة ًمؤثِرة ً يُحسَبُ لها حِسَاب .
لإنَّ المسلمينَ قد حُمِّـلوا واجباً عظيماً ، وصاروا واسطة َالعِقدِ لِقولهِ تعالى : ( وكذلكَ جعلناكُم أمَّة ًوسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ِويكونَ الرسُولُ عليكُم شهيداً) {143} البقرة .
وعلى ذلكَ قامَ المسلمونَ بإمرةِ النبيِّ الأكرم ِصلى اللهُ عليهِ وسلمَ وَمَن وَلِيَ بَعدَهُ مِنَ الأمراءِ لإعدادِ الجيوش ِ. فالجيشُ الإسلاميُّ هو الذي كانَ يُغازيْ الكافرينَ ، ويحملُ الدعوة َ لغيرِهم ، وَيدفعُ عَن بَيضَتِهم ، وقد اعتنى الخلفاءُ والأمراءُ بالجيش ِالإسلاميِّ ، فكانَ يُجهَزُ مِن بيتِ المال ِ ومنَ الزكاةِ أيضاً . وكانَ جيشاً واحداً تحتَ إمرةِ إميرِ المؤمنينَ ، لهُ لواءٌ واحدٌ مهما تعددت راياتـُُهُ ، فكانَ الجندُ يُثقفونَ ثقافة ًإسلاميَّة ًخاصة ً, تتفقُ مَعَ حمل ِالدعوةِ ، وكانوا يُقاتِلونَ عن عقيدة ٍراجينَ إحدى الحُسنيين ِ النصرَ أو الشهادة َ. هكذا كانَ حالُ المسلمينَ في السابق ِ، وهكذا كانَ حالُ الجيش ِالإسلاميِّ, عبر العصور الاسلامية الزاهرة بالفتوحات والانتصارات العظيمة, بدءاً بدولة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرورا بالخلافة الراشدة ومن ثم الملك العضوض حتى سقوط دولة الخلافة الاسلامية العثمانية عام 1924 ميلادي.

حتى سطّر الفاتحون أروع الامثلة في رعاية شؤون الامم والبلاد المفتوحة, ما جعلت ملوك الارض تقف مطأطأة الرؤوس اجلالا لهذه السياسة الداخلية والخارجية للمبدأ الاسلامي.
ولما كان المسلمون يعملون ليل نهار لاخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد وصلت جحافل جند دولة الخلافة العثمانية الاسلاية غرباً إلى أسوار فيينا، عاصمة النمسا حاليا، كما دوّنت ذلك كتب التاريخ والسير, وهو عينه ما أورده الدكتور عبد المجيد حسين في مقاله الصادر في مجلة المجتمع الكويتية ، العدد 1724 بتاريخ 21/10/2006, حيث يقول الدكتور: (استعصت أسوار فيينا على الجيش العثماني لعظموحصانة أسوارها، وطال أمد الحصار دون جدوى، فكان أن فكر الفاتحون العثمانيون فيطريقة أخرى للاستيلاء على المدينة، وهي الدخول إليها من تحت الأرض عبر نفق يحفرونهفيتخطون عقبة سور المدينة، وبدءوا بالتنفيذ! واستمر الحفر ليلاً ونهاراً حتى كادالعثمانيين أن ينجحوا في خطتهم). الا ان الله سبحانه لم يشأ أن تُفتح فيينا, فكشفوا خطة العثمانيين بحفر النفق وصدّوا المدّ الاسلامي بضراوة كبيرة فحالوا دون فتحها ورفرفة رايات العقاب فوق ربوع أوروبا, وتحقيق بشارة المصطفى عليه الصلاة والسلام في فتح روما, في الحديث المشهور حين سُأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مدينة هرقل تفتح أولاً]. يعني قسطنطينية. وقال عن أميرها وجيشها الذي يفتحها: " فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".

هكذا كنا يوم ان اعتز المسلمون بدينهم وطبقوا شرعة الله وحملوا رسالته فأعزهم الله ورضي عنهم وقذف في قلوب أعدائهم المهابة منهم...
هكذا كنا يوم كانت دولة الخلافة قائمة تطبق شرع الله يستوي فيها الخليفة وعامل النظافة, وابن القاضي مع ابن الفقير.

تذكرنا هذه الحادثة بمحاولة فتح روما والتي بشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتحها بعد فتح القسطنطينية , وقد فتحالله القسطنطينية " استانبول " على يد الأمير والسلطان العظيم " محمد الفاتح " الذيمُدح في الحديث المعروف :(لتفتحن القسطنطينية , فلنعمالأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش )وقد كان السلطان الفاتح يتجهز لفتحروميه بعد فتح القسطنطينية , مما جعل أوروبا كلها تعيش في قلق ورعب وفزع دائم , ولميهدأ لها بال حتى توفي قبل إتمام مشروعه العظيم , وأبلغ دليل على هذا الرعبوالهلع الذي أصاب أوروبا هو: أن كنائس أوروبا عامه وروما خاصة ظلت تدق أجراسها لمدة ثلاثة أيام متصلةفرحاً بموت ذلك السلطان المسلم العظيم.

هذه صور من صور مهابة أعدائنا منا يوم كانت لنا دولة, وأي دولة! الدولة الأولى في العالم, يوم كانت الأمم تخشى قوتنا وعظماء الأرض تنحني لعزتنا.
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا دين الله واحتكموا الى شرعة الطاغوت, فتآمروا على المسلمين وفرقوا جماعتهم ومزقوا بلادهم الى دويلات كرتونية تحول دون وحدتها وعودتها من جديد تحت كيان دولة واحدة وامام واحد, فلم تعد الارض تحكم بالاسلام وشرع الله غائب ومعطل, فلا جهاد ولا فتوحات ولا تطبيق لاحكام الاسلام, وتاه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها يبحثون عن مخرج أو ملجأ أو مُدخلا. فعربد الكافر في بلادنا وصال وجال, وما استأسد البغل إلا لما خبت رؤوس الضياغم, وعاثوا في الارض فسادا وتقتيلا وسامونا سوء العذاب, فذبحوا أبنائنا واستحيوا نسائنا ومسّنا بذلك عذاب أليم.

وزرع الغرب الكافر في قلب العالم الاسلامي, وفي فلسطين الحبيبة بالتحديد, دويلة شاذة كانت خنجرا في صدر أمنا الخلافة, ألا وهي دويلة يهود, فوجه الغرب أنظار المسلمين الى هذه الجريمة للحيلولة دون توجه الامة الى قضيتها المصيرية والاساسية الا وهي عودة الخلافة الاسلامية من جديد واستئناف الحياة الاسلامية, فالتهى المسلمون بصراعات مع الكيان الغاصب الشاذ, والذي عمد الى تهويد فلسطين, وما انفك هذا الكيان الغاصب باثارة البلابل والقلاقل, فمن حفر للانفاق تحت المسجد الاقصى الى حفر الخنادق وبناء الاسوار والحواجز والتضييق على الناس, حتى بات المسجد الاقصى مهددا بالانهيار كل لحظة جرّاء هذه الحفريات الغاصبة. وكل هذا تحت سمع وبصر حكام دويلات الضرار الخونة الذين أصبحوا طوق حماية للكيان الغاصب.
وضاقت علينا الارض بما رحبت, حتى بات مسلمو فلسطين لا يستطيعون التنقل من بلد الى أخرى بل قل من قرية الى أخرى الا بإذن يهود, بل وأكثر من ذلك وأمرّ, فقام المسلمون في بعض المدن الفلسطينية الى حفر الانفاق الارضية للتنقل والتزود بالبضائع ومستلزمات العيش, وبتنا نعيش في أنفاق ننقل من خلالها الماء والطعام والدواء وحتى البشر, فطالعتنا وسائل الاعلام بعروس مسلمة تم تهريبها من بلد الى أخرى عبر الانفاق الى عريسها, فلا حول ولا قوة الا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.

أيها الناس: إن حفر الأنفاق في غزة ليس بديلاً عن العمل لتحطيم نقاط الحدود بين بلادالمسلمين وتحريقها ثم نسفها في اليم نسفاً، فنحن قوم لا نرضى أن نعطي الدنية فيديننا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر. فإما أن نتنقل بين ولاياتنا ومدنناوقرانا، ونتواصل مع أهلنا وإخوتنا فوق الأرض بأمان رافعين رؤوسنا غير متسللين ولامتذللين، لا نخاف إلا الله، وإما أن نُستشهد في سبيل إزالة نقاط قطع الطريقوالحواجز التي نصبها الكفار وأذنابهم من الحكام في بلاد المسلمين. وقد يسأل سائلفيقول: وكيف لنا أن نزيلها والحكام قد ملأوها بالحرس الشديد والشُّهب الأمنيةالمخابراتية الشقية وأجهزة المراقبة الدقيقة؟ والجواب سهل ميسور لمن يسره الله له،فالقاعدة الشرعية تنص على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإزالة تلك المواقعالآثمة لا يتم إلا بإزالة الحاكم الذي أمر بإقامتها، فكان العمل لإزالة الحاكموتحطيم رأسه أولى من العمل في حفر الأنفاق وسلوك دروب التهريب. وهذا لعمري هو أنجعالسبل لتحقيق هذه الغاية النبيلة، وقد جربنا سبلاً غيرها فما أغنت عنا من فتحالحدود شيئاً، وقد علمتم ماذا فعلت قوى الأمن المصرية لما اندفع أهل غزة بعشراتالألوف نحو الحدود المصرية واقتحموها، صدوهم وطردوهم، ولاحقوا فلولهم واعتقلوهموعذبوهم عذاباً أليماً، ثم أعادوهم ثانية إلى سجن غزة! وفوق ذلك كله جرحوا وقتلوامنهم أعداداً لا يعلمها إلا الله. أجل أيها المسلمون، القتل هو الذي ينتظر كل منيحاول اقتحام الحدود دون أن يكون طائعاً أديباً خاشعاً من الذل، رافعاً كلتا يديه،شاخصاً بصره نحو أصبع الجندي القابض على الزناد، منتظراً إشارة منه ليمر أو يرجع أويركع أو يكشف عن صدره وبطنه وظهره، والويل كل الويل له إن تقدم خطوة واحدة دون إذن،أو أخطأ في فهم الإشارة، أو كان معه شيء ممنوع، أو نقصت أوراقه الثبوتية شيئاً، أوانقضى تاريخ واحدة منها، فما له يومئذ من حميم أو شفيع يطاع.

أيها الناس: شتان بين أنفاق فيينا وأنفاق غزة والمسجد الاقصى, اذ ان أنفاق فيينا كانت أنفاق عزّ ومجد وكرامة, أنفاق في زمن الجهاد والفتوحات والانتصارات, أنفاق تودي بحافريها إلى جنة عرضها السماوات والارض, أنفاق ذَلّ لها الغرب الكافر وقرع أجراس الفرح والسرور حين حالة الاقدار دون اتمام مشروعها العظيم.
فكونوا ممن يشرفهم الله عز وجل بتشييد هذا الصرح العظيم, صرح الخلافة حتى نملأ الارض عدلا بعد أن مُلأت جورا.
اشحذوا هِمَمَكم وشَمِّروا عن سواعدكم لتنصيب خليفة مسلم واحد يسوقنا إلى فيينا وروما تارة أخرى حتى يأذن الله لنا بفتحها على أيدينا, أو الشهادة في سبيله ونيل الفردوس الأعلى من الجنة مع الصديقين والشهداء, وحسن أولائك رفيقا.
وقفوا من النظم الحاكمة الظالمة الباغية البالية المهترئة, موقفَ الند القوي, لطالما وضُح لكم أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظكم ومؤازرتكم، وأن جند الله قد امتطوا ظهور الخيل لنصرة أتباع الحق، وملائكة الله تتنزل عليهم مُطَمْئِنين لهم أن لا تخافوا من عدوكم ولا تحزنوا لما أصابكم ومسكم، ولا تحزنوا لما فاتكم.
لقد آن الأوان أن نتطلع إلى الفردوس الأعلى في الجنة، وسَيَمُنُّ الله سبحانه وتعالى على الذين استُضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمةً ويجعلهم الوارثين... ووالذي نفسي بيده ستتحقق بشارة الصادق المصدوق بفتح روما ولو بعد حين, وعندها سنسطّر للعالم أجمع أروع الامثلة والمواقف في العدل والرعاية والشدة والحزم في آن واحد, وسيُلقي الإسلام بجرانه في الأرض ويرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، فلاتبقي السماء من قطرها إلا أنزلته، ولا تبقي الأرض من خيراتها ونباتها إلا أخرجته.

(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) {21} يوسف

أخوكم: عبد الرحمن المقدسي (تراب)

2009-3-3

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

حياكم الله اخي منبر واتسأل اين تفاعل الشباب

تسلم اخي على الموضوع .........

وتحياتي ........