ط- { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } [البقرة:255] لا يثقله، ولا يكرثه، ولا يعجزه، ولا يتعبه، ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهن، فهو سهل يسير عليه سبحانه وتعالى. أنت كم تستطيع أن ترعى من ولد في نفس الوقت؟ المرأة كم تستطيع أن ترعى من الولد في البيت في نفس الوقت؟ تحافظ عليهم؟ إذا زادوا عن عدد معين هذا يسقط، وهذا يجرح، وهذا يصطدم بجدار، وهذا يضرب، وهذا وهذا، لا تستطيع السيطرة عليهم، فالله سبحانه وتعالى لا يئوده حفظ كل من السماوات والأرض وما فيهما من الإنس والجن والملائكة وجميع العوالم، وهذا شيء يسير على الله سبحانه وتعالى.
ي- { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة:255] آخر جملة في الآية هي قوله: { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] كقوله تعالى: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:9]. فهذه تبين لنا بجلاء عظم قدرة الله عز وجل، وأنه سبحانه قائم على جميع الأشياء التي منها الجن، وأنه لا يخرج شيءٌ منها عن ملكه، فالتحصن بهذه الآية التي معناه: أنك تلتجئ إلى الله، وتعتصم به وبقدرته وبحفظه وكلاءته ورعايته فيقيك من شر الشيطان، فإنك في الحقيقة إذا قرأتها بهذه النية فأنت تلتجئ إلى من لا ينام ولا يغفو ولا يسهو، وأن له ما في السماوات وما في الأرض، وأن الجن هؤلاء والشياطين لا يخرجون عن ملكه ولا عن قدرته، وأنه يعلم حركات الجن والشياطين، ولا يئوده حفظهما وما فيهما { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة:255] فأنت في الحقيقة تعتصم بالله بقدرته وبعظمته، فلذلك ينجيك هذا الاعتصام ويحفظك بالتأكيد إذا كنت بالله مؤمناً وعليه متوكلاً ولا بد من هذا، والمسألة مسألة يقين وتوكل.
وسائل التوقي من الشيطان:
إذا قال قائل: ما هي الوسائل التي نستطيع أن نحذر بها من الشيطان؟
فالجواب:
الوسائل كثيرة، فمن ذلك:
1- الحذر، والحيطة -أخذ التأهب- والاعتصام والالتزام بالكتاب والسنة.
2- الالتجاء إلى الله والاحتماء به سبحانه وتعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:96-98].
3- الاستعاذة عند دخول الخلاء، وعند الغضب، وعند الجماع: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). عند الغضب: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم). وعند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).. (إذا نهق الحمار تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم -لماذا؟- لأنه رأى شيطاناً). عند قراءة القرآن تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى أولادك وأهلك تعوذهم، وكان الحسن والحسين يعوذهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) والهامة: مفرد الهوام، وهو كل من يهم بسوء.
4- الاشتغال بذكر الله تعالى مما يحمي العبد من الشيطان، وعلى رأس الذكر القرآن، وعلى رأس القرآن آية الكرسي. والأذكار كثيرة، وآية الكرسي واحدة من هذه الأذكار، وإذا لازم الإنسان الصالحين فإن في ذلك حفظاً له من الشيطان؛ لأن الذئب يأكل من الغنم القاصية، فالذي يتفرد عن جماعة المسلمين فإن الشيطان يتسلط عليه، (الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد) ولذلك إذا كان الإنسان مع القوم الصالحين فإنه يحمي نفسه من الشيطان.. الشيطان يأكل بشماله وأنت تأكل بيمينك.. الشيطان يشرب بشماله وأنت تشرب بيمينك.. الشيطان يعطي بشماله وأنت تعطي بيمينك.. الشيطان يأخذ بشماله وأنت تأخذ بيمينك، حتى اللقمة إذا وقعت منك لا تدعها للشيطان، وإذا علمت أن العجلة من الشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العجلة من الشيطان) فلا تستعجل بل تتأنى، التثاؤب مدخل للشيطان فعليك أن تسد الطريق عليه وتضع يدك عند التثاؤب على فمك، الاستغفار -مثلاً- يقطع الطريق على الشيطان فعليك أن تلزمه ... وهكذا. فهناك وسائل كثيرة تنجي العبد من الشيطان، فينبغي الالتزام بها، والمحافظة عليها، وهذا ذكر بعض ما تضمنه حديث أبي هريرة من الفوائد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الأسئلة:
حكم من كان على الطريقة الصوفية:
السؤال: هل جميع من هم على الطريقة الصوفية مبتدعون، لأنني أعرف شخصاً على الطريقة الصوفية يقوم بدروس في الفقه وكتب العلم من كتب أهل السنة والجماعة ، ويتكلم في عظمة الله وتقوى الله، ويأتي بالدليل من القرآن والسنة، ويزور تاركي الصلاة، ويذهب إلى الخارج للدعوة؟
الجواب:
كلمة الصوفية قيل: هي نسبة إلى الصوف؛ لأنهم كانوا يلبسون الصوف تزهداً، وقيل: نسبة إلى الصفاء، فتىً تصافى فصوفي حتى سمي صوفي ، وقيل: غير ذلك. هذه الطائفة نشأت في البداية كردة فعل لما أصاب الناس في عهد بني أمية من الترف، وجاءت الفتوحات والأموال والغنى، واشتغل الناس بالأطعمة وتشييد القصور والبساتين، وانغمس الناس في الدنيا، وبدأت تخرج بعض ردود الفعل العكسية التي فيها عزوف تام مقابل ذلك الترف، فإذاً مبدأها كان تزهداً، وعزوفاً عن النعيم، فلا يلبسون الناعم بل يلبسون الصوف، ويعيشون على الأشياء البسيطة، ولا يشتغلون، ولا يأكلون الأطعمة الفاخرة؛ بل يعيشون على العدس والأطعمة البسيطة، ثم بعد ذلك تطور الأمر شيئاً فشيئاً، ودخل أعداء الدين في باب الصوفية دخولاً كبيراً، ومبدأ الصوفية مماثل لمبدأ الرهبان {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } [الحديد:27]. هكذا كان بعض الصوفية ، ونشأت صلة خطيرة جداً بين التصوف والتشيع، وصار هناك بعد ذلك كيان فيه انحرافات عظيمة جداً، وأيضاً اليهود كان لهم آثار على الطرق الصوفية التي نشأت. فإذاً هناك ارتباط وثيق جداً بين الباطنية والصوفية، فرق الباطنية والصوفية ، وهذا ما حكاه علماء المسلمين، وهم الآن يحاولون تمجيد الحلاج، وتؤلف فيه بعض الرسائل في بعض الجامعات في الخارج، وهو من أكفر الكفار الموجودين على ظهر الأرض؛ لأنه واحد ممن يقولون: كل ما ترى بعينك فهو الله، ويعتقد أن الإنسان جزء من الله، وأنه الجدار، ويقولون:
وما الكلب والخنزير إلاإلهنا *** وما الله إلا راهب فيكنيسته
تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فهم يذكرون أشياء شنيعة جداً تطورت لها الأمور بعد ذلك. والصوفية بين البدعة وبين الكفر الأكبر، إما أن تكون أحياناً مسابح مائة أو تسعمائة أو ألف مسبحة، أو أذكار الصمدية، والصلاة النهارية، ويذكرون -مثلاً- أذكاراً معينة لم ترد في الكتاب والسنة، ويعتقدون في الأولياء والأوتاد والأقطاب والغوث الأعظم، وكل طريقة تمجد صاحبها؛ فـالرفاعية يمجدون الرفاعي ، والقادرية يمجدون عبد القادر الجيلاني ، والمرسية يمجدون المرسي ابن عباس ، والبدوية يمجدون البدوي ويقولون: ولي، وأنه كان على جدار فبال على الناس وهم ذاهبون إلى المسجد فهموا به، فقال: أنا رجل مالكي والناس يغتابونني وبول كل ما أكل لحمه طاهر -لأن الغيبة أكل لحم أخيك- وبولي كبول ما أكل لحمه فهو طاهر!!! انظر كيف الاعوجاج؟! ويحجون إلى القبور ويطوفون بها ويستغيثون، وعندهم قضية المولد والتوسل الشركي بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل بالأموات، وإذا أردت أن تقرأ دواوين الصوفية تجد فيها الأشعار العجيبة في الشرك:
فإن من جودك الدنيا وضرتها***ومن علومك علم اللوح والقلمإن لم تكن في معادي آخذاً بيدي***فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
يتوسلون بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويستغيثون به، إني دعوتك من أين دعوتك يقول: من برع.. من يمن دعوتك يا رسول الله! وأغثني يا رسول الله! وانصرني يا رسول الله! وإذا لم تكن معي يا رسول الله في الآخرة فمن معي، وأنا إلى من أشكو إلا إليك يا رسول الله! وأين الله عز وجل؟ أجعلتم له بدلاً؟! {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأعراف:194] نسيتم الله وذهبتم إلى الخلق تسألون هذا وتطلبون من هذا، وهم أموات لا يسمعون: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل:80] .. { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] ويسألون الأموات، ويكتبون الإلحاد في الأوراق ويضعونها في القبر، ويأخذون الإجابات والبركات، والمرأة التي لا تحمل تتمسح بالصخرة الفلانية فهذا شغلهم، ترى في الهند رجل قذر وسخ لا يغتسل مطلقاً رائحته قذرة يتمدد على سرير موضوع خارج كهف وأمامه الناس في صف طويل جداً وهو ماد رجله، كلما جاء أحد يمسح ويمشي، والذي بعده يمسح هذه الرجل ويمشي هكذا، يزعمون أنهم يلتمسون البركات. جاءوا إلى الخضر قالوا: هذا هو الولي، كل من التشريعات الآن من الخضر، والخضر عنده العلم اللدني، والصوفية لا يوجد عندهم سند حدثنا فلان عن فلان؛ لأن وليهم يقول: حدثني قلبي عن ربي، ويقولون عن أسانيدنا: إنها ميت عن ميت، وأسانيدهم: عن الحي الذي لا يموت، حدثني قلبي عن ربي وكأنها برقية، الخط الساخن مفتوح نتلقى عن الله مباشرة. وعندهم عقيدة الخرقة، وهي أن الخرقة أعطاها الشيخ للشيخ فلان بعد وفاة الشيخ فلان، وهذا الشيخ هذا بايع الخضر. وهذا أحمد التيجاني ليلة سبع وعشرين من رمضان عند غار حراء يجتمع بالأقطاب المسئولين عن إدارة العالم، ويوزعون الأرزاق على الخلق في تلك السنة، هذا الغوث الأعظم وهذا القطب الأكبر، وهذا فلان بن فلان، هؤلاء مسئولون عن إدارة العالم، الله سبحانه وتعالى لا ينشغل بهذه الأشياء الصغيرة فأوكلها إلى الأقطاب والأوتاد، فهؤلاء يصرفون العالم، ولذلك نحن ندعوهم ونقول: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] نحن ذنوبنا كثيرة، ولا يجوز لنا أن ندخل إلى الله مباشرة، فلابد من واسطة حتى يقبل الله منا، فواسطتنا الجيلاني والبدوي والمرسي ، ثم كل ولي له تخصص.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.