منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > عقيدة أهل السنة والجماعة
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-2014, 04:19 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عمرالحسني غير متواجد حالياً


افتراضي النقد

في "كتاب الرقاق" من صحيح الإمام البخاري رضي الله عنه "باب حفظ اللسان". روى فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد ليَتكلَّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلْقِي لها بالا يَهْوِي بها في جهنم".
مَعَنَا في هذه الفقرة كلماتٌ فصيحات من رضوان الله خَلَّفها رجل من عظماء هذه الأمة تَخْرِقُ الصمت الشاكَّ المشكك الذي يحوم بأجنحته السوداء الدَّكْنَاء حول قضية التصوف وحول قضية التربية الإيمانية الإحسانية. صَمْتٌ مُرتَابٌ مُرِيبٌ حتى إنه ليكفي أن يسمعوك تتحدث عن ذكر الله، وعن حب الله، وعن تعظيم رسول الله، ليُصَنِّفُوك في خانة المطعون في عقيدتهم قبل أيَّة محاكمة.
ثمان صفحات كتبها الإمام حسن البنا رحمه الله، أستاذ هذه الأجيال الخيِّرة، يخبِر فيها بصدق ووفاء وثقة لا تتلَجْلَجُ عن صحبته للصوفية، وعن كريم خصال شيخ الطريقة، وعن استفادته منذ طفولته حتى اكتمالِه من رصيد محبتِه للذاكرين. ثم ينتقد الأستاذ الصوفيةَ والتصوفَ نقدا رفيقا لا يجرَح، لكنه لا يترك في الغموض الجوانبَ السلبية، ولا جناياتِ المنحرفين على المستقيمين. النقد هو تمييز صالح الدنانير من مغشوشها. ليس النقد الكسرَ والتمزيق والتقبيحَ والرفضَ. وعبقريُّنا البنا صَيْرَفِيٌّ في معرفة الرجال، فقيهٌ في الدين، مُبالٍ بما يخطه يمينُه أعظم المُبالاة. فنفتح أبواب نقد الصوفية بكلماته، ذلك النقدُ الواجبُ الذي لا يحتمل الهوادَة في فضح الزيف، ولا يحتمل الصبر ولا الصمت عن طرح البهرج والبراءةِ منه.
لقيَ الطفلُ حسن البنا الإخوان الحصافيَّة وهو في الثانية عشرة من عمره في المسجد، فاجتذبته حلقة الذكر "بأصواتها المنَسقة، ونشيدها الجميل وروحانيتها الفياضة"[1]. واحتذبته سماحة الشيوخ الفُضَلاءِ، والشبابِ الصالحين وتواضعهم فواظب على حِلَق الذكر، وقرأ مناقبَ شيخ الطريقة الذي مات قبل ذلك بثمان سنوات فأُعْجِبَ بسيرته غايةَ الإعجاب. والشيخ حَسَنَيْن الحصافيُّ كما يصفه الأستاذ جديرٌ حقا بأن يكون قُدْوةً. فمعه العلم، إذ هو عالم أزهري، ومعه التقوى، ومعه التربية الصوفية تلقاها من رجالها، ومعه الكراماتُ التي لَمْ تُؤَثِّرْ أخبارُها على الطفل الذاكر مثلما أثرت عليه أخبارُ شجاعة الشيخ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الخاص والعام.
ويرى البنا رُؤْيَا يَقُصُّها بطولها[2]. يجادل فيها الشيطان ويباريه حتى تلَقَّاه الشيخ الجليل في صدره واحتجزه وطرد الشيطان. ولازم البنا الطفلُ قراءةَ الوظيفة الحصافية ومصاحبةَ الإخوان الفقراء، كما لازم "الحضرة" وهي الرقص الوجدي الذي لنا فيه كلمة مقبلة إن شاء الله. ولم يتيسر للبنا ملاقاة ابن الشيخ إلا بعدَ خمس سنوات، فبايعه وتلقى منه الطريقة الحصافية الشاذلية، وأذِنَهُ في أورادها ووظائفها.
قال البنا: "وجزى الله عنا السيد عبد الوهاب (ابن الشيخ مؤسس الطريقة) خير الجزاء، فقد أفادتني صحبتُه أعظمَ الفائدة"[3].
فلما أنشأ البنا جماعة الإخوان المسلمين وانتشرت كان للسيد عبد الوهاب في ذلك رأي غيرُ رأي البنا "وانحاز كلٌّ إلى رأيه". قال البنا في مذكراته التي كتبها بعد ثلاث وعشرين سنة من صحبته للصوفية، وبعد خلافه مع شيخها:[4]. "ولا زِلنا نَحْفَظ للسيد -جزاه الله عنا خيرا- أجمل ما يحفَظُ مريد محب مخلص لشيخ عالم عامل تقي نَصَحَ فأخلص النصيحة، وأرشد فأحسن الإرشاد".
من وفاء هذا المريد المحب المخلص أنه كلما عرَّف بجماعة الإخوان المسلمين ذكر أنها، من بين وظائفها، حقيقة صوفية. ومن وفائه ما رواه الشيخ سعيد حوى عن شيخه محمد الحامد رحمه الله أن البنا كان يدَرِّس حِكَمَ ابن عطاء الله في مجالِسَ خاصَّةٍ لِخاصَّةِ أصحابِه.
كان البنا رحمه الله مجددا للدين، هذا لا ريبَ فيه. كان مبارَكا على الأمة بنعمة الله عليه بصحبة أهل الله. وحاول أن يُدْمِجَ التربية الصوفية في مناهج جماعته بما كان معه من خبرة في الموضوع وبما كان معه من وفاء وإخلاص للطريقة شأنَ المريد المحب.
كان رحمه الله رائدا في العمل الإسلامي، أخرجه من سبات التديُّن الفردي إلى آفاق التربية الجهادية والتنظيم وغَشَيَانِ الساحة العامة التي كانت تحتكرها قبلَه الأحزابُ السياسية. رائدا كان، والرائد لا يكذب أهله، والرائد الصادق إن لم تَغْتَلْه المنية لا يَهدِي أهله لغير المَرْبَعِ والمرتع والمَنْبع. فكانت ريادةُ البنا رحمه الله تتطلع إلى منبع الكتاب ومربع السنة، حطَّ هو في خاصة تربيته منذ الطفولة الرحالَ في مروج التصوف التي تُسْقَى من ذلك النبع العظيم، وأراد أن يَحْدُوَ بِركْبِهِ الكريم خطواتٍ جامعةً. فخالفه الصوفية، وطوتْ من بعده جماعة الاخوان شهادتَه القيِّمة ونقده الأصيل للتصوف، نَقدَ من ذاق حلْوَها ومُرَّها، لا تخريفَ من يَهْرِفُ بما لا يعرف.
يأخذ نقد البنا للصوفية الحيِّزَ الممتاز في مِلَفِّ هذه القضية الحيوية. وتجد أجيالُ الخلافة الثانية إن شاء الله في شهادته الصريحةِ الفصيحةِ دليلا عمليا تجريبيا في كيفية طَرْحهِ الجُبَّةَ الصوفيةَ الضيقَةَ الأكمام، المتنازَعَ عليها بين الأخوال والأعمام، لكي يرتديَ جندُ الله رداء السنة الكاملة، رداءَ الصفاء الأصلي التبعي المحتفِظ بكل عناصر العلم والعمل التي تفرقت بعد عصر النبوءة والخلافة الأولى على جداولِ الفقه والحديث والتصوف وما تفرع وتقطع.
قال البنا رحمه الله: "هذا القسم من علوم التصوف، وأسمِّيه "علوم التربية والسلوك" لا شك أنه من لُب الإسلام وصميمه، ولا شك أن الصوفية بلغوا به مرتبةً من علاج النفوس ودوائها، والطبِّ لها والرُّقِيِّ بها، لم يبلغ إليها غيرهم من المربين. ولا شك أنهم حملوا الناس بهذا الأسلوب على خِطَّةٍ عملية"[5].
الرجل رحمه الله كان رجلَ عمل لا رجل جدل، فلذلك استوقفته "الخطة العملية".
ثم يُبرز رحمه الله ما طرأ على الصوفية من مبالغات كالمبالغة في الصمت والجوع والسهر والعزلة. ويشجبُ الشوائبَ الدخيلة على بعض المتصوفة الذين مزجوا الدين بعلوم الفلسفة والمنطق و"مواريث الأمم الماضية وأفكارها". قال: "وفُتِحَت الثغرات الواسعة لكل زِنديق أو ملحد أو فاسد الرأي والعقيدة ليدخل من هذا الباب باسم التصوف والدعوة إلى الزهد والتقشف والرغبةِ في الحصول على هذه النتائج الروحية الباهرة"[6].
يتحدث هنا رحمه الله عن طلاَّب الخوارق عن طريق الرياضات، وهؤلاء ليسوا من الله في شيء، ولا خوارقهم من الروحانية في شيء وإن بهرت الأغرارَ من رَعَاع العوام.
ثم يُعبر رحمه الله عن رِيبته وحذَره الشديد من الدُّخلاء فيقول: "وأصبح كل ما يُكتب أو يقال في هذه الناحية يجب أن يكون محلَّ نظر دقيق من الناظرين في دين الله والحريصين على صفائه ونقائه"[7].
نعم، يجب النَّظر الدقيق. لكن من علماءَ واسعي الأفق، منهاجُهم الخِطة العملية لا الوراثة الجدلية. وما يزال المدققون الموفَّقون الذين صبروا مع الذاكرين الصادقين الأعوام الطويلةَ يُدْلُون بشهادة المحبة والوفاء لمشايخهم إلى جانب توصيتهم بالحذر والتدقيق من أحوال المنافقين والشيطانيين. ضَع البنا في امتداد الغزالي وابن تيمية بهذا الصدد ولا تُبالِ.
ويتخلص البنا إلى مرحلة "التشكك العملي" في الطوائف الصوفية ومتعدِّدات طرقهم. قال: "وتدخلت السياسةُ (قلت: وتدخلت مصالح أمراء الزاوية ومتصرفي الخانقاه بعد عهد الشيوخ المؤسسين) بعد ذلك لتتخذ من هذه التشكيلات (الطريقة) تُكَأَة عند اللزوم. ونُظِّمَتْ الطوائف أحياناً على هيئة النظم العسكريَّة (قلت: في التطبيل والتزمير ورفع الأعلام الملوَّنة، سلاحِ المخرفين)، وأخرى على هيئة الجمعيات الخاصة... حتى انتهت إلى ما انتهت إليه اليوم من هذه الصُّوَر الأثرية التي جمعت بقية ألوان هذا التاريخ الطويل، والتي يمثلها الآن في مصر مشيخة الطرق الصوفية ورجالُها وأتباعها"[8].
يضع الأستاذ رحمه الله أصبعنا على نقطة الداء في جسم التصوف وفي عَصَبِ الدين. تلك هي نقطة وجود مخلفات أثرية أفرزها التاريخ الطويل. ما مر من دار البلاء والامتحان في هذه الدنيا رجل صالح هدَى الله به معاصريه إلا خلفه "ورثة" يحافظون على الاسم واللقب. قد يكون منهم الصالحون، بل هم كائنون قطعا. لكن آخرين في حاجة إلى "تفكير طويل"، كما يعبر البنا، لإصلاح حالهم. ذلك الإصلاحُ الذي يَظنه البنا في آخر مقالته عن التصوف سهلا ميسورا. ويوصي أن هذا الإصلاح لا تفيد فيه الكتابات النظرية، إنما تفيد "الخطة العملية". رحم الله الأستاذ الفذ. آمين.
قال الأستاذ عبد القادر رحمه الله: "يا غلام! قد تبت على يدي وصحِبْتَني. إذا لم تقبل مني ما أقولُ لك، إيش ينفعك ذلك! رغبت في الصورة دون المعنى. من يريد يصحبُني يقبَلُ ما أقول له، ويعمل به. يدور كيف دُرْتُ وإلا فلا يصحَبْني، فإنه يخْسَرُ أكثر مما يربَح. أنا سِماطٌ نُصِبَ ولا يأكل مني أحد! باب مفتوح لا يدخله أحد! إيش أعملُ بكم! كم أقول لكم وأنتم لا تسمعون مني! فإني أريدكم لكم لا لي. إني لا أخافكم ولا أرجوكم. لا أفرق بين الخراب والعمران، بين الباقي والميت، بين الغني والفقير، بين الملِك والمملوك. الأمرُ بيد غيركم.
"لما أخرجْتُ الدنيا من قلبي صح لي هذا. كيف يصح لك التوحيد وفي قلبك حبُّ الدنيا. أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"؟
"ما دمت مُبْتدئا مُعْتدّاً طالبا سالكا فحبُّ الدنيا في حقك رأس كل خطيئة. فإذا انتهى سرُّ قلبك ووصل إلى قرب الحق عز وجل حبَّبَ إليك قَسْمك من الدنيا وبَغَّضَ إليك قسم غيرك(...)
"لا تزاحم القوم بنفاقك فإنك ما تُخَلَّى بلا كلام حتى تقطع الزُّنَّارَ، وتجدد الإسلام، وتتحقق التوبةُ بقلبك، وتخرجَ من بيت هواك وطبعك ووجودك(...) فقه القلب لا فقه اللسان. فقه القلب يقربك إلى الحق عز وجل، وفقهُ اللسان يقربك إلى الخلق ومُلوكِهم"[9].
قال ناقدٌ لنفسه، زاجر لها، مُمسِك بعِنانها:
إذا ما عَدَت النفـسُ عن الحق زَجَـرْناهـا
وإن مالت إلى الدنيا عن الأخرى منعناها
تخادِعـنا ونخدعهـا وبالصـبـر غلبنـا هـا
لها خوف من الفقـر وفي الفقـر أنخـنـاهـا

وقال من أناخَها في أرض الزهد وزمنه:
قـطـع اللـيـالي مـع الأيـام في خـلـق والـنـوم تحـت رواق الـهـم والقـلـق
أحـرى وأجـدر بي من أن يقـال غـدا إني التمسـت الغنى من كـف مختلـق
قالوا: رضيت بذا؟ قلت: القنوع غنى لـيـس الغـنى كـثـرة الأمـوال و الـورق
رضيـت بالله في عـسـري وفي يـسـري فـلـسـت لأسـلك إلا واضـح الـطـرق

وقلت:
إذا ما مُنْـكَــرٌ شَــاعَــا بِـنَــادِيـنَــا قَـمَــعْــنَــاهُ
وإن خَطَــلٌ من الرأي اسْـ تـبــان لنــا نَـقَــدْنَــاهُ
وإن نَطَـقَ السَّـفِيـهُ بسـا فِــلِ القــول زَجَــرْنَــاه




[1] مذكرات الدعوة والداعية ص 9.
[2] المصدر السابق ص 12.
[3] المصدر السابق ص 14.
[4] المصدر السابق ص 15.
[5] مذكرات الدعوة والداعية ص 15.
[6] المصدر السابق ص 16.
[7] المصدر السابق نفس الصفحة.
[8] المصدر السابق نفس الصفحة.
[9] الفتح الرباني ص 176-177







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تواجه النقد الآثم المحبة لله رحيق الحوار العام 1 08-05-2010 04:40 PM
الناس لا ترفس كلباً ميتاً ( النقد الحقيقي البناّء ) سلسبيل الخير رحيق الحوار العام 5 01-01-2009 05:51 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة