13-05-2009, 07:08 PM | رقم المشاركة : 51 | |||
|
سلمةُ بن دينار
سلمةُ بن دينار سلمةُ بن دينار ، المعروف بأبي حازم ، يقول أحدهم عنه : " ما رأيت أحداً الحكمةُ أقربُ إلى فمه مِن أبي حازم " . في السنة السابعة والتسعين للهجرة ، شدّ خليفة المسلمين سليمان بن عبد الملك الرحال إلى الديار المقدسة ملبِّياً نداء ربه ، ومضت ركائبه تحثُّ الخطى من دمشق عاصمة الأمويين إلى المدينة المنورة ، فقدْ كان في نفسه شوقٌ إلى الصلاة في الروضة المطهرة ، وتَوقٌ إلى السلام على سيدنا محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد حفل موكبُ الخليفة بالقُرَّاء والمحدِّثين والفقهاء والعلماء والأمراء والقادة ، كما هي العادة ، فلما بلغ المدينة المنورة ، وحطَّ رحاله فيها ، أقبل وجوهُ الناس ، يعني علية القوم ، وذووا الأقدار للسلام عليه ، والترحيب به . لكن سلمة بن دينار قاضي المدينة ، وعالمها الحجّة ، وإمامها الثقة لم يكن في عداد من زاروا الخليفة مرحَّبِين مسلِّمين ، وليس هذا جفاءً ، ولكنه موقف له ، ولما فرغ سليمان بن عبد الملك من استقبال المرحِّبين به ، قال لبعض جلسائه : إن النفوس لتصدأ كما تصدأ المعادن ، إذا لم تجد من يذكرها الفينة بعد الفينة ، ويجلو عنها صدأها . وقد قال هذا النبي عليه الصلاة والسلام : إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ، قيل : وما جلاؤها ؟ قال : تلاوة القرآن ، وذكر الموت * (أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عمر) ذكرت هذا مرات عديدة : في الدين كليات ثلاث ، كلية معرفية ، نشاط فكري ، تعلُّم ، عِلم، قراءة ، مُدارسة ، حضور مجلس علم ، تأمُّل ، تفكُّر ، هذا كله نشاط فكري ، وفي الدين نشاط سلوكي ، استقامة ، غضُّ بصر ، تحريرُ دخل ، إنفاق في الوجوه المشروعة ، ضبط لسان ، ضبط عين ، ضبط أذن ، ضبط يد ، سلوك ، السلوك له جانبان ، جانب سلبي ، الامتناع عن المعصية ، وجانب إيجابي ، وهناك كلية ثالثة في الدين ، كلية نفسية ، فالقلب لا بد أن يتصل بالله حتى يسعد ، وهذا بالذكر ، فالكليات الثلاث : تعلُّم ، ذِكْر ، عمَل ، فإذا وازن المسلم بين هذه الكليات الثلاث تَفوَّق ، أمّّا إذا طغت كُلِّيَّة على باقي الكليات ، دخل في تطرف ، نحن نريد التفوّق لا التطرف ، نريد للدين أن يعود كما بدأ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ* (رواه مسلم) لن نرقى في هذا الدين إلا إذا توازنّا في النمو في كلياته الثلاث ، التعلُّم غذاء للعقل ، والسلوك والانضباط هي العبودية لله عز وجل ، والذكر ، والتلاوة ، والاستغفار والدعاء ، هذا غذاء القلب .فالإنسان أحياناً قناعاته جيدة جداً ، ومعلوماته ممتازة ، وثقافته عميقة ، وفكره إسلامي ، وفهمُه جيد ، يشعر بضيق ، لأنّ ذِكرَه قليلٌ ، أحيانًا يكون ذكره جيدًا ، لكن معلوماته قليلة ، هذا صار عابدًا ، ولم يعُدْ عالمًا ، خيرُه قليل محدود ، أحيانًا يكون فكره جوّالاً ، وقلبه ذاكرًا ، لكنّ عمله محدود ، عندئذٍ لا يرقى ، ويأتي عليه وقت يشعر بافتقاره للعمل الصالح . ملخص كلامي : لا نفلح إلا إذا نمَتْ مستوياتنا في الكليات الثلاث معاً ، إذا نمت معاً كان التفوق ، فإذا نمت واحدة على حساب الأخرى كان التفرق ، ونعوذ بالله من التفرق ، فهذا الخليفة قال : إن النفوس لتصدأ كما تصدأ المعادن ، إذا لم تجد من يذكّرها الفينة بعد الفينة ، ويجلو عنها صدأها ، فقالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال : أما في المدينة رجل أدرك طائفة من صحابة رسول الله يذكِّرنا ؟ نحن في المدينة ، أليس فيها رجل أدرك صحابة رسول الله ؟ ائتوني به كي يذكِّرني ، فقالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، ها هنا أبو حازم ، فقال : ومن أبو حازم ؟ قالوا : سلمة بن دينار ، عالم المدينة وإمامها ، وأحد التابعين الذين أدركوا عدداً من أصحاب رسول الله، فقال: ادعُوه لنا ، وترّفقوا في دعوته ، فذهبوا إليه ، ودَعَوه ، فلما أتاه رحّب به ، وأدنى مجلسه ، وقال له معاتباً : ما هذا الجفاء يا أبا حازم ؟ الآن الخليفة يعاتب هذا العالم التابعي ، قال : ما هذا الجفاء يا أبا حازم ؟ فقال : وأيّ جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين ؟ قال : زارني وجوهُ الناس ، ولم تَزُرْني ، فقال : إنما يكون الجفاء بعد المعرفة ، وأنت ما عرفتني قبل اليوم ، ولا أنا رأيتك ، فأيّ جفاء وقع مني ، الجفاء أساسه معرفة ، ليس هناك معرفة من قبل ، لا تعرفني ولا أعرفك ، فأيّ جفاء هذا ، فقال الخليفة لجلسائه : أصاب الشيخ في اعتذاره ، وأخطأ الخليفة في العتب عليه، أي جفاء هذا ، الجفاء عن معرفة ، لا أعرفك ولا تعرفني ، ثم التفت إلى أبي حازم ، وقال : إن في النفس شؤوناً أحببتُ أن أفضي بها إليك يا أبا حازم ، فقال : هاتها يا أمير المؤمنين ، واللهُ المستعانُ ، فقال الخليفة : يا أبا حازم ، أول سؤال ، الآن بدأ الحوار ، أحيانًا تُقام ندوة ، أو لقاء صحفي ، الآن حوار بين الخليفة ، وبين هذا التابعي الجليل ، قال : يا أبا حازم مالنا نكره الموت؟ والحقيقة ليس هناك إنسان لا يكره الموت ، إنه شيء مخيف ، إنسان ينتقل من بيت واسع ، فيه مِن الطعام ما لذّ وطاب ، وأمامه زوجته وأولاده ، وله كتبه وشأنه ومكانته ، ثم إلى قبر بباب صغير ، يضعون فوقه الحجر ، ويهيلون التراب عليه ، وانتهى الأمر. قال يا أبا حازم ، مالنا نكره الموت ؟ فقال : لأننا عَمَّرنا دنيانا وخرّبنا آخرتنا - هذا السبب - فنكره الخروجَ من العمار إلى الخراب ، فقال الخليفة : صدقت ، وكل واحد أيها الإخوة ، وهذا شيء دقيق ، له أعمال طيبة ، له بذل ، له تضحية ، له إنفاق ، له دعوة ، له خدمة ، له إخلاصه، له شوقه ، فالموت ليس مخيفاً له أبداً ، تصور رجلاً بالعكس ، منتقل من بيت صغير، غرفة واحدة تحت الأرض ، لا يرى شمسًا ، وقد لازمتْه الرطوبة ، المرافق متخلفة جداً ، وبحَيٍّ مزعج جداً ، ضجيج ، هذا لمّا نُقِل إلى حيٍّ من الأحياء الجميلة جداً الهادئة ، داخل قَصرٍ مع حدائق ، أربع جهات مفتوحة ، أثاث فخم ، تدفئة مركزية ، تكييف مركزي ، كل شيء في بالقصر ، وفي أثناء هذه النقلة من غرفة تحت الأرض إلى هذا البيت الفخم ، والقصر المنيف ، هل يشعر بانقباض ؟ واللهِ المؤمن هكذا ، والنبيُّ أكد هذا المعنى ، قال : المؤمن ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، ينتقل كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم ، إلى سعة الدنيا . لذلك ما قرأت عن صحابي جليل تاريخَ حياته ، إلا رأيته في أسعد لحظات حياته عند لقاء ربه ، وإنْ لم تجعل أنت أيها الأخ ساعة لقائك مع الله أسعدَ لحظات حياتك ، فمعنى ذلك أنّ هناك خللاً في إيمانك ، كل حياتك من أجل هذا اللقاء ، لقائك مع الله . لذلك فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ * (متفق عليه) الموت تحفة المؤمن ، والموت عرس المؤمن ، وكل هذا التعب ، وذاك النصب ، وهذه المجاهدة ، وتلك التكاليف ، وهذا الضبط ، وذاك الالتزام ، لهذه الساعة .ثم أردف قائلاً : يا أبا حازم ، ليت شعري مالنا عند الله غداً ، قال : أعرِضْ عملك على كتاب الله عز وجل تجدْ ذلك ، قال : وأين أجد ذلك في كتاب الله تعالى ؟ قال : تجده في قوله عَلَتْ كلمته : ( سورة الانفطار : 13 ) الناس رجلان ، بَرٌّ تقيّ كريمٌ على الله ، وفاجر شقيٌّ هَيِّنٌ على الله : (سورة الأعراف : 56) أحياناً الإنسان تكون رؤيته واضحة جداً ، فإذا هو يجيب عن سؤال ولا يتلجلج ، ولا يتَلَكَّأُ ، ولا يتَرَدَّد ، ولا يفكِّر ، إذا كنتَ أمام هذه العلبة ، وسئلتَ عنها ، وأنتَ تراها رؤية العين ، تراها شفافة ، فيها بطاقة خضراء ، مكتوب عليها شيء ، فإذا سئلت ، وأنت تراها تجيب مباشرة ، فأحياناً تكون الإجابة الفورية ، والواضحة ، النقية ، دليلَ العلم ، فالأمور عند أبي حازم واضحة جداً ، فقال الخليفة : ليت شعري ، كيف القدوم على اللهِ جل وعز غداً ، فقال أبو حازم : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسِيء فكالعبد الآبق يساق إلى مولاه سوقاً . (سورة الغاشية : ـ 25 ـ 26) إذا سافر الإنسان ، وفي هذا السفر تكلّم واشتَطّ ، وهاجم بلده ، ونال من بلده ، ثم جيء به إلى بلده ليحاسَب ، تراه يصعق : (سورة الغاشية : ـ 25 ـ 26) أما المؤمن فكالغائب يعود إلى أهله ، وأما الكافر فكالعبد الآبق يُرَدُّ إلى مولاه ، فبكى الخليفة حتى علا نحيبُه ، واشتدّ بكاؤه ، ثم قال : يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ؟ قال : تَدَعُون عنكم السلطة ، وتتحلّون بالمروءة ، وليس هناك صفة أقسى ، وأشد ضررًا بالإنسان من السلطة ، ومن الكبر ، حتى إنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول : لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر ، ما الذي هو أكبر من الذنب ؟ قال : العجب العجب .فقال الخليفة : وهذا المال ، ما السبيل إلى تقوى الله فيه ، أحيانًا الإنسان يتحرك ، بيده مالٌ يتصرف فيه تصرفًا غير شرعي ، فيستهلكه ، وينفقه على مَلَذّاته ، وعلى تحسين بيته ، والمال ليس له ، فهو دائماً في قلق ، وفي حجاب ، فإذا كانت علاقاتُ الإنسان المالية مضطربة ، وإذا كان دخله مشبوهًا ، وإنفاقه مشبوهًا ، وذمته ضعيفة ، ولا يدقق في الحلال والحرام لكسب المال، فهذا الإنسان معه حجاب دائم ، وقلق دائم ، ولنْ تصل إلى الله إلا بالورع . سيدنا أبو حنيفة كان يجلس أو يقف مع رجل في ظل بيت ، فأخذه إلى الشمس ، إلى أشعة الشمس المحرقة ، فقال له الرجل : ابقَ في الظل ، قال : هذا البيت مرهون عندي ، وإني أكره أن أنتفع بظله . هذا هو الورع ، ولذلك جاء في الحديث : ركعتان من رجل ورع أفضلُ من ألف ركعة من مخلط * (الجامع الصغير عن أنس) هذا شيء دقيق ، إذا كان الدخل مشبوهًا ، والإنفاق مشبوهًا ، فأنت في قلق دائم ، والطريق إلى الله غير سالك ، بل أنت في حجاب شديد ، ولن تستطيع أن تخرق هذا الحجاب إلا بالورع ، إلا أن تحاسب نفسك على القرش .كان بعض الورعين الصالحين الخلفاء ، إذا تحدث في شأن خاص أطفأ القنديل الذي يُصرَف مِن حساب بيت مال المسلمين . أيها الإخوة الكرام ، هذا كلام دقيق واضح ، وفّروا أوقاتكم ، فمن دون استقامة ، ومن دون ورع ، الطريق إلى الله غير سالك ، لكن بإمكانك أن تقرأ ، وتتثقف ، ويكون لك عواطف إسلامية، وفكر إسلامي ، أمّا تصل إلى الله ، وتقبل عليه ، ويقبَلك ، ويتجلّى عليك من دون ورع فهذا مستحيل ، وعلامة المؤمن أنّه لا يسمح لقرش واحد أن يدخل عليه ، قبل أنْ يحاسب نفسه حسابًا عسيرًا . سينا النبي عليه الصلاة والسلام ، انقطع عنه الوحي أسبوعًا أو أسبوعين ، قال كلمة تلفت النظر ، قال يا عائشة رأى تمرةً على سريره فأكلها ، قال يا عائشة لعلها من تمر الصدقة . فعدم الدقة في تناول الطعام ، وعدمُ الدقة في تحرِّي الحلال ، وعدمُ الدقة في إنفاق المال تجعل بينك وبين الله حجابًا ، قال : يا أبا حازم وهذا المال ؟ خليفة وبين يديه أموال البلاد كلها ، وهذا المال ما السبيل إلى تقوى الله فيه ؟ فقال أبو حازم : إذا أخذتموه بحقه ، ووضعتموه في أهله ، وقسمتموه بالسوية ، وعدلتم فيه بين الرعية ، إنها أربعة أشياء ؛ أخذتموه بحقه ، ووضعتموه في أهله ، وقسمتموه بالسوية ، وعدلتم فيه بين الرعية . الإنسان قد يبيع ويشتري حاجة فيها عيب كبير ، اشتراها زبون ولم ينتبه إلى العيب ، يقول البائع : ارتحنـا منها ، بِعتُها بثمنها العادي ، وهي ثمنهـا بهذه الحالـة أقل بكثير ، وما انتبه المشتري إلى العيب ، وأخذها وذهب ، وأنت مرتاح ! أنت أكلت مالاً حراماً ، فإذا اتقَّى اللهَ الباعةُ صار دخلهم حلالاً ، فإذا اشتروا به طعاماً صار طعامهم طيباً ، فإذا دعَوا اللهَ استُجِيبَتْ دعوتُهم ، أما إذا كان البيع والشراء فيه مخالفات شرعية فقد صار الدخل حرامًا ، وصار بذلك الطعام الذي يشتريه بهذا الدخل غيرَ طيّب ، فإذا دعا اللهَ عز وجل لم يستجَبْ له ، سبحان الله تسعة أعشار الطاعة بكسب المال ، فعندك مأخذان يُؤتَى الإنسان منهما ؛ يؤتى من كسب المال ، ومن إنفاقه ، ويؤتى من المرأة ، فالمؤمن الموفَّق يحصّن نفسه تحصينًا مضاعفًا ، شديدًا وحازمًا، من حيث كسب المال ، ومن حيث المرأة ، ويبالغ في غض البصر ، ولا يسمح لنفسه بخلوة بأجنبية ، ولا بكلمة ، ولا بعلاقة ، ولا باختلاط ، ولا بحديث ، ولا بمتعة ، ويبالغ في تحرِّي الحلال ، وفي إنفاق المال ، فإذا ضمِنْتَ لي كسب المال وإنفاقه ، وضمنتَ لي العفّة الكاملة ، فهذان أكبر مأخذين يؤخذ منها الإنسان ، فالشباب المأخذ الأول لهم المرأة ، والرجال الذين يعملون في التجارة مأخذهم الأول كسبُ المال . أيها الإخوة الكرام : واللهِ أنا أشعر حين لا يبالي الإنسان بكسب المال ، ولا يتحرَّى طرق الحلال في ذلك ، أو يقع في شبهة صدقوني أنّ صلاته وصيامه وحجه وزكاته ، لا معنى لها. مرة قص عليّ أخٌ قصة ، قال لي : هناك بائع يبيع بندورة ، نوع بستة ليرات والقصة قديمة، ونوع بليرتين ، جاء شخص فملأ كيسًا من نوع الستة ليرات ، ووضع في أعلى الكيس التي تبَاع بالليرتين ، والبائع مشغول ، والرجل ملأ كيسًا من خمسة كيلو من نوع الستة ليرات ، ووضع في أعلى الكيس التي تُبَاع بالليرتين ، قال له البائع : هذه البضاعة أخذتها من هنا ، فقال: نعم ، فهذا الشخص اعتبر دينه صفًار ، وإيمانه صفرًا ، وعلاقته بالله مقطوعة ، فلا تصدق إنسانًا يعرف الله ثم يغش ، ولا تصدق إنسانًا يعرف الله ثم يأكل مالاً حرامًا ، لذلك فالمؤمن الصادق ترتاح وتطمئن له ، لأن تعامله وفق الشرع ، ولا يمكن أن يأكل مالاً حراماً . فقال الخليفة : يا أبا حازم أخبرني مَن أفضلُ الناس ؟ قال : أولوا المروءة والتقى ، قال : ومن أعدل الناس يا أبا حازم ؟ قال : كلمة حق يقولها المرء عند من يخافه ، وعند من يرجوه ، أنت في حياتك شخصان ؛ رجلٌ تخافه ، وآخرُ ترجوه ، وفي الأعمّ الأغلب هذان الرجلان لا تكون صريحاً معهما ، بل تجاملهم إلى أقصى الحدود ، وهذه المجاملة على حساب الدين ، أمّا صاحب المروءة فهو الذي يقول كلمة الحق ، ولا تأخذه في الله لومةُ لائمٍ . ( سورة المائدة : 54 ) هذا إنسان ترجوه ، وترجو عطاءه ، فتجامله ولو أخطأ ، ولو أساء ، ولو ظلم ، وتخاف أن يغضب إذا نبّهته ، وشخص آخر تخافه .لذلك ورد في الحديث الشريف : من أعان ظالماً سلّطه الله عليه * ( الجامع الصغير عن أنس ) إذا أعان الإنسانُ ظالمًا ، فإنّ هذا الإنسان الذي أعان الظالم سيكون أول ضحاياه ، ويسلِطه الله عليه .فقال الخليفة : ما أسرع الدعاء إجابة يا أبا حازم ؟ قال : دعاء المحسن للمحسنين ، قال الخليفة : ما أفضل الصدقة ؟ قال : جُهدُ المُقِلِّ يضعه في يد البائس ، من غير أن يُتبِعَه منًّا ولا أذى . قال الخليفة : مَن أكْيَسُ الناس يا أبا حازم ؟ قال : رجل ظفر بطاعة الله تعالى فعمل بها ، فهو أكْيس الناس وأعقلهم ، إنسانٌ عرفً أمرَ الله فطبّقه ، كل شيء زائل إلا طاعة الله ، فاسمعوا الآية الكريمة : (سورة الأحزاب : 71 ) من أكيس الناس ؟ فقال : رجل ظفر بطاعة الله تعالى فعمل بها ، ثم دلّ الناسَ عليها ، فقال الخليفة : مَن أحمق الناس ؟ قال : رجل انْساق مع هوى صاحبه ، وصاحبه ظالم ، فباع آخرته بدنيا غيره ، فإذا باع الإنسان آخرته بدنياه ، أقول فيها ما يقال ، فهذا منتهى الحمق ، قال الخليفة: هل لك أن تصحبنا يا أبا حازم ، فتصيب منا ، ونصيب منك ، تنتفع من صحبتنا ، وننتفع من صحبتك ؟ قال : كلا يا أمير المؤمنين ، ما : قال لا ، كلا ، أداة ردع ، قال : ولمَ ؟ قال : أخشى أن أركن إليكم قليلاً ، فيذيقني الله ضعف الحياة ، وضعف الممات ، قال الخليفة : ارفع إلينا حاجتك يا أبا حازم ، فسكت ولم يجِبْ ، أعاد عليه القول : ارفع إلينا حاجتك يا أبا حازم نَقْضِها لك مهما كانت ، قال : حاجتي أن تنقذني من النار ، وأن تدخلني الجنة قال الخليفة : ذلك ليس من شأني يا أبا حازم ، قال : أبو حازم مالي من حاجة سواهما يا أمير المؤمنين ، واللهُ وصفَ المتقين قال : (سورة الفرقان : من 63 ـ إلى 66) . قال : يا أبا حازم ادعُ لي ، قال : اللهم إنْ كان عبدُك سليمان من أوليائك فيسِّره إلى خيرَي الدنيا والآخرة ، وإنْ كان من أعدائك فأصلحه ، واهدِهِ إلى ما تحب وترضى ، فقال أحد الحاضرين : بئس ما قلت منذ دخلتَ على أمير المؤمنين ، ما هذا ، وإن كان من أعدائك ؟ فلقد جعلت خليفة المسلمين من أعداء الله ، وآذيته بهذا الكلام ، فقال أبو حازم : بل بئس ما قلت أنت ، فلقد أخذ الله على العلماء الميثاق بأن يقولوا كلمة الحق ، فقال تعالى : ( سورة آل عمران : 187) . ثم التفت إلى الخليفة ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن الذين مضوا قبلنا من الأمم الخالية ، ظلُّوا في خير وعافية ، ما دام أمراؤهم يأتون علمائهم رغبة بما عندهم ، ثم وُجِد قوم من أراذل الناس تعلَّموا العلم ، وأَتَوْا به الأمراء يريدون أن ينالوا به شيئاً من عرض الدنيا ، فاستغنَتِ الأمراء عن العلماء ، فتَعِسوا ونَكَثُوا ، وسَقطوا من عين الله عز وجل ، فالعالم يجب أن يزهد بما عند الحاكم، والحاكم ينبغي أن يرغب بما عند العالم ، فإذا انعكست الآية انتهى العلم ، وإذا زهِد الحاكمُ بما عند العالم ، ورغب العالمُ بما عند الحاكم فقدْ سقط العلم .قال : ولو أن العلماء زهدوا فيما عند الأمراء ، لرَغِب الأمراءُ في علمهم ، ولكنهم رغبوا فيما عند الأمراء فزهِدوا فيهم ، وهانوا عليهم ، فقال الخليفة : صدقتَ ، زدني من موعظتك يا أبا حازم ، فما رأيت أحداً الحكمة أقرب إلى فمه منك ، فقال : إنْ كنتَ من أهل الاستجابة فقد قلتُ لك ما فيه الكفاية ، وإنْ لم تكن من أهلها فما ينبغي أن أرمي عن قوس ليس لها وتر ، فقال الخليفة : عزمتُ عليك يا أبا حازم أنْ توصيني ، قال نعم : أوصيك وأوجز ، عظِّم ربَّك عزوجل ونزِّههُ أن يراك حيث نهاك ، وأن يَفْقِدَك حيث أمرك ، ثمّ سلم وانصرف ، فقال له الخليفة : جزاك الله خيراً من عالم ناصح . اجهد أن يراك حيث نهاك ، وألاّ يفتقدك حيث أمرك ، فما كاد أبو حازم يبلغ بيته حتى وجد أن الأمير قد بعث إليه بصرة مُلأتْ دنانير ، وكتب إليه يقول : أَنْفقها ولك مثلها كثيرٌ عندي ، فرَدَّها ، وكتب إليه يقول : يا أمير المؤمنين ، أعوذ بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً ، ورَدِّي عليك باطلاً ، فواللهِ ما أرضى ذلك يا أمير المؤمنين لك ، فكيف أرضاه لنفسي ، ما أرضى لك أن تعطيني هذا المبلغ ، فكيف أرضاه لنفسي ، يا أمير المؤمنين إنْ كانت هذه الدنانير لقاءَ حديثي لك فالميتة ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحلُّ من هذه الدنانير ، وإن كانت حقاً لي من بيت مال المسلمين فهل سوَّيتَ بيني وبين الناس جميعاً في هذا الحق . وكان منزل سلمة ابن دينار مورداً عذباً لطلاب العلم والصلاح ، ولا فرق في ذلك بين إخوانه وطلابه ، فقدْ دخل عليه مرة عبد الرحمن بن جرير ومعه ابنه ، وأخذا مجلسهما عنده ، وسلّما عليه ، ودعَوا له بخيرَي الدنيا والآخرة ، فردّ التحية بأحسن منها ، ورحّب بهما ، ثم دار بينهم الحديث ، قال عبد الرحمن ابن جرير : كيف نحظى بالفتوح يا أبا حازم ؟ الفتوح بمعنى فتوح القلب ، يعني اليقظة ، والاتصال بالله ، فقال أبو حازم : عند تصحيح الضمائر تُغفَر الكبائر، وإذا عزم العبدُ على ترك الآثام فتحَ عليه ، ولا تنسَ يا عبد الرحمن أن يَسِيرَ الدنيا يشغلنا عن كثير الآخرة . قلت لأحدهم من يومين : أحياناً الإنسان يكون متلبِّسًا بمعاصٍ كثيرة ، فهذا محجوب ، فالمقدمة تكافئ النتيجة ، لكن الألم والندم لإنسان طاهر مستقيم ، مشغول بربه عز وجل ، فلا شيء يشغله ، ولا معاصي كبيرة حجبته عن ربه. وكما قال أبو حازم : ولا تنسَ يا عبد الرحمن أن يَسيرَ الدنيا يشغلنا عن كثير الآخرة ، وكل نعمة لا تقرِّبك من الله عز وجل فهي نقمة ، فقال له ابنه : إن أشياخنا كثيرون ، فبمن نقتدي منهم؟ قال : يا بني اقتدِ بمَن يخاف الله في ظهر الغيب ، ويَعِفُّ عن التلبُّس بالعيب ، ويصلح نفسه في أوان الصبا ، ولا يرجئ ذلك إلى عهد الشيب ، واعلم يا بني أنه ما من يوم تطلع فيه الشمس، إلا ويقبل على طالب العلم هواه وعلمه ، ثم يتغالبان في صدره تغالبَ المتخاصمَيْن ، فإذا غلب علمُه هواه كان يومُه يومَ غُرم له ، وإذا غلب هواه علمَه كان يومُه يومَ خسران عليه . كلكم طلاب علم ، هناك علم تعلمته من الكتاب والسنة ، وعندك رغبات ، فإذا غلب علمُك رغباتِك فهذا اليوم يومُ ربحٍ وغُرم ، وإذا غلب الهوى علمَك فهذا اليوم يومُ خسارة . قال له عبد الرحمن : كثيراً ما حضضتنا على الشكر يا أبا حازم ، فما حقيقة الشكر ؟ قال أبو حازم : لكل عضو من أعضائنا حقٌّ علينا من الشكر ، قال عبد الرحمن : وما شكرُ العينين ؟ قال : إن رأيتَ بهما خيراً أعلنته ، وإنْ رأيت بهما شراً سترته ، قال : فما شكرُ الأذنين ؟ قال : إن سمعت بهما خيراً وعيتَه ، وإنْ سمعتَ بهما شراً دفنته ، قال : فما شكرُ اليدين ؟ قال : ألاّ تأخذَ بهما ما ليس لك ، وألاّ تمنع بهما حقًّا مِن حقوق الله ، قال : ولا يَفُتْكَ يا عبد الرحمن أن من يقصُر شكرَه على لسانه ، ولا يشرك معه جميعَ أعضائه وجنانه ، فمَثلُه كمثل رجل له كساء غير أنه أخذ بطرفه ولم يلبسْه . هناك شكر اللسان ، وشكر القلب ، وشكر العمل ، فمن الناس مَنْ يشكر بالكلام فقط ، يا رب لك الحمد ، لكن لا يخدم إنسانًا ، وليس في قلبه امتنان ، ولا في سلوكه ما يؤكد ذلك . في ذات سنة نفَرَ سلمة بن دينار مع جيوش المسلمين المتجهة إلى بلاد الروم ، يبتغي الجهاد في سبيل الله ، فلما بلغ الجيش آخر مرحلة من مراحل السفر ، آثر الراحة والاستجمام ، قبل أن يلقى العدو ، ويخوض المعارك ، وقد كان في الجيش أميرٌ من أمراء بني أمية ، فأرسل هذا الأمير رسولاً إلى أبي حازم يقول له : إنّ الأمير يدعوك إليه لتحدثه ، وتفقِّهه ، فكتب إلى الأمير يقول : أيها الأمير ، لقد أدركتُ أهل العلم ، وهم لا يحملون الديَن إلى أهل الدنيا ، ولا أحسبك تريد أن أكون أولَ من يفعل ذلك ، فإنْ كانت لك بنا حاجة فأْتِنا ، والسلام عليك وعلى من معك ، فلما قرأ الأمير الرسالة مضى إليه وحيّاه وبيّاه ، وقال : يا أبا حازم ، لقد وقفنا على ما كتبتَه لنا ، فازددتَ به كرامةً عندنا ، وعزةً لدينا ، فذكِّرْنا وعِظْنا ، جُزيتَ عنا خيرَ الجزاء ، فطفِق أبو حازم يعظه ، ويذكّره ، وكان من جملة ما قاله له : انظر ما تحب أن يكون معك في الآخرة ، فاحرصْ عليه في الدنيا ، ماذا تحب أن يكون في قبرك ، العمل الصالح ، والاستقامة ، فاحرص عليهما في الدنيا ، وانظر ما تكره أن يكون معك هناك فازهدْ فيه هنا ، واعلم أيها الأمير أنه إن نفق الباطل عندك وراج أقبل عليك المبطلون المنافقون ، والتفّوا حولك ، وإن نفق عندك الحق وراج التفّ حولك أهلُ الخير وأعانوك عليه ، فاختَرْ لنفسك ما يحلو ، ولمّا أقبل الموتُ على أبي حازم قال له أصحابه : كيف تجدك يا أبا حازم ؟ فقال : لئِن نجَوْنا مِن شرِّ ما أصبناه من الدنيا فما يضرّنا ما زُوِيَ عنا منها ، ثم قرأ الآية الكريمة : (سورة مريم : 96) . وما زال يردِّدها حتى أتاه اليقين .فهذا هو أبو حازم ، سلمة بن دينار ، أحد التابعين الأجلاّء ، الذي أوتي الحكمة على لسانه ، وكأنه ينطق بها عفواً ، وله هذا الحوار الطويل مع سليمان بن عبد الملك ، ومع بعض أصدقائه وتلاميذه ، وفي كل كلمة قالها أبو حازم حكمةٌ ما بعدها حكمة ، وهذا العلم هو الذي ينفع الإنسان في الدنيا وفي الآخرة . |
|||
13-05-2009, 07:11 PM | رقم المشاركة : 52 | |||
|
ربيعة الرأي
ربيعة الرأي تبدأ قصة هذا التابعي في السنة الواحدة والخمسين للهجرة ، وكتائبُ المسلمين تضرب فجاجَ الأرض مشرِّقةً مغرِّبةً ، حينما نفَّذ المسلمون قوله تعالى : ( سورة التوبة : 123 ) إلى أن عمَّ الهدى بقاعَ الأرض ، لقد كان المسلمون رعاةً للبقر ، فأصبحوا قادةَ الأمم ، وحينما انكمشوا وآثروا الراحة والسكون غُزُوا في عقر دارهم ، فكتائب المسلمين في السنة الواحدة والخمسين للهجرة كانت تغزو مشارق الأرض ومغاربها ، وتحمل للإنسانية العقيدة البانية ، وتمدّ إليها المصلحة الحانية ، وتجعل الولاءَ وحده لله تعالى .والصحابي الجليل الربيع بن زياد الحارثي أمير خراسان ، وفاتح جسستان ، والقائد المظفر، يمضي على رأسِ جيشه الغازي في سبيل الله ، ومعه غلامه الشجاع فروخ . هنا الشخصيـة الأولى في القصـة ، الصحابي الجليل الربيـع بن زياد الحارثي ، غلامه المخلص في فتوحاته وجهاده ، غلامه الشجاع فروخ . هذا الصحابي الجليل عزم بعد أن أكرمه الله بفتح جسستان وغيرها من الأصقاع أن يختم حياته الحافلة بعبور نهر سيحون ، ورفع رايات التوحيد فوق ذرى تلك الأصقاع ، والتي كانت تسمى وقتها بلاد ما وراء النهر . فهل من عمل أعظم من أن تنشر الهدى في الأرض ، نحن هنا في الشام لولا سيدنا خالد ما كنا مسلمين في شمال هذه البلاد ، وسيدنا عمر جاءه رسول عامله على أذربيجان ، فمن يحكم أذربيجان في عهد عمر ؟ عمر ، من عاصمة المدينة النبوية ، وهي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي ، وكان سيدنا عمر عملاق الإسلام قد وصلتْ فتوحاتُه إلى أذربيجان . فهذا الصحابي الجليل أراد أن يفتح بلاد ما وراء النهر ، فأعدّ للمعركة الموعودة عدتها ، واتخذ لها أهبتها ، وفرض على عدوه زمانها ومكانها فرضاً ، ودائماً الأمم الضعيفة والمخذولة تُفرَض عليها المعاركُ فرضاً ، تُفرض عليها أمكنتُها وأزمنتُها وأسلحتُها ، لكن الأممَ الظافرةَ تفرض على أعدائها المكانَ والزمانَ والسلاحَ ، ولما نشَبَ القتالُ أبلى هذا القائد الربيع وجنده بلاءً ما يزال يذكره التاريخ بلسان نديٍّ بالحمد ، لطيف بالإكبار ، وأظهر غلامه فروخ في ساحات الوغى من ضُروب البسالة ، وصنوف الإقدام ما زاد الربيع إعجابًا به ، وإكباراً له ، وانجَلَت المعركة عن نصر مؤزَّرٍ للمسلمين ، فزلزلوا أقدامَ عدوهم ، ومزّقوا صفوفه ، وفرّقوا جموعه. إخواننا الكرام : كلمة حق ؛ المعركة بين حق وباطل قصيرة جداً ، لأن الله مع الحق ، والمعركة بين حقين لا تكون ، بل هي مستحيلة ، فالحَقّانِ لا يتصارعان ، والمعركة بين باطلين تدوم كثيراً ، فبين حقين مستحلية ، وبين حق وباطل قصيرة ، وبين باطل وباطل طويلة ، لأن الله مع المؤمنين ، وأكبر دليل المسلمون فتحوا الأندلس ، فلما مالوا للراحة والغناء والموشحات والجواري أُخرِجوا منها ، وكان آخر ملك خرج من الأندلس اسمه عبد الله الصغير ، وقد قالت له أمه عائشة : *** ابكِ مثلَ النساء مُلكاً مُضاعاً لم تحافظْ عليه مثلَ الرِّجال *** فهناك قوانين ، إذا كنتَ مع الله كان الله معك ، وإذا أردتَ نشر الهدى يعينُك الله يعينك ، إذا أقمتَ شرعَ الله يحفظك الله .ثم عبَروا النهر الذي كان يحول دونهم ودون الانسياح في بلاد الترك ، ويمنعهم عن الاندفاع نحو أرض الصين ، والإيغال في مملكة الصغد ، فلما اجتازوا النهر وصلوا إلى معاقل الأتراك في أصل موطنهم ، وإلى بلاد الصين ، وامتدَّت الفتوحات إلى أقصى المشرق ، وما إِنْ عبَر القائدُ العظيمُ النهرَ ، واستقرَّتْ قدماه على ضفته الثانية حتى بادر وتوضأ هو وجنوده من مائه ، فأحسنوا الوضوء ، واستقبلوا القبلة ، وصلوا ركعتين شكراً لله واهب النصر . إخوانا الكرام : إذا حققتَ إنجازَ في الحياة ، نجحتَ ، وتزوجتَ زوجةً صالحةً ، وتوظَّفتَ ، أسَّستَ عملاً ، فقد أُزِيلَتْ عقبة ، وانحلتْ عقدة ، وزال خطر ، وتبدَّد شبح المرض ، وأثبت التحليلُ أنَّ الجسمَ سليمٌ ، والنبي علّمنا أن نصلي لله ركعتي الشكر ، فطبِّقْ هذه السنة كلما حققت إنجازاً ، أو ارتقيت مكانة ، أو نلت مكسباً ، أو وصلت إلى هدف ، أو زال من أمامك عقبة ، أو تبدّد شبح مصيبة ، بادرْ إلى صلاة الشكر ، فلها معانٍ كثيرة ، أنت موحِّد ، ولن تغفل عن فضل الله ، ولن تعزو أمرًا إلى بَشَرٍ ، ولن تشرك ، فأنت وفيٌّ لمَن أنعم عليك . ( سورة إبراهيم : 7 ) فهذا القائد الربيع بعد أن عبر النهر ، وفتح هذه البلاد توضأ من ماء النهر هو وجنوده ، وصلَّوا لله ركعتان شكرًا على نعمة النصر ، ثم كافأ هذا القائد غلامه فروخاً على حسن بلائه فأعتق رقبته ، وأصبح حراً ، وأعطاه نصيبَه من الغنائم الكثيرة الوفيرة ، ثم زاده من ماله الخاص شيئاً كثيراً ، ولم تَطُلْ حياةُ هذا الصحابي الجليل كثيرا ، إذْ وافاه الأجلُ المحتومُ بعد سنتين اثنتين من تحقيق حلمه الكبير ، فمضى إلى ربه راضياً مرضياً .إخوانا الكرام : واللهِ إني لكم لناصح : إنّ الدنيا تافهة ، ولا قيمة لها ، فقد أوحى ربك إلى الدنيا أنه مَن خدمك فاستخدميه ، ومَن خدمني فاخدُميه ، واللهِ ليس في الدنيا إلا عمل يرضي اللهَ، هذا الذي يموت ، وقد أرضى اللهَ قبل أن يموت ، فهذا لم يَمُتْ . أنا زرت قبل أيام رجلاً له باع طويل في تعليم القرآن ، منذ خمسين عاماً وهو يعلِّم كتاب الله، صبحاً ومساءً ، ليلاً ونهاراً ، أُصيب بمرض عضال ، قلت لأولاده : واللهِ ليست هذه مصيبة، المصيبة أن يُمْضِيَ الإنسانُ أيامَه بالمعاصي ، ثم يأتيه مرض عضال ، ماذا يفعل ؟ انتهى ، المصير واضح ، لكن هذا الإنسان أمضى حياته في طاعة الله ، وفي الدعوة إليه ، وفي خدمة الخلق ، وطلب العلم وتعليمه ، وفي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وخدمة أهل الحق ، هل هذا يعد خاسرًا ؟ الموت حق ، ولا بد أن يأتي . وصل إلى بلاد ما وراء النهر ، ثم وافته المنية ، فهنيئاً له ، هذا ليس موتاً ، هذا عرس ، هذه تحفة ، أما الفتى الباسل الشجاع فروخ فقد عاد إلى المدينة المنورة ، يحمل معه سهمه الكبير من الغنائم ، والهبة السخية التي وهبها له القائد العظيم ، ويحمل فوق ذلك حريَّته الغالية ، لقد أصبح حراً ، وذكرياته الغنية بروائع البطولات المكللة بغبار المعارك ، أمّا هذا الغلام الحر الغني فعاد إلى المدينة دفّاق الحيوية ، ممتلئاً فتوةً وفروسية ، وكان يخطو نحو الثلاثين من عمره . أنا أعجب واللهِ ، أعجب أن أرى فتىً لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً يقود جيشاً فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، هؤلاء الصحابة فتيانهم من نوع آخر ! . وقد عزم فروخ أن يتخذ لنفسه منزلاً يستقر فيه ، وزوجةً يسكن إليها ، فاشترى داراً في أوسط دور المدينة ، واختار امرأة راجحة العقل . إخوانا الكرام : أول حق لأولادك عليك - هذا الكلام موجه للشباب بالدرجة الأولى - أول حق ، وأقدس حق لأولادك عليك أن تحسن اختيار أمهم ، فالمرأة العاقلة لا تقدَّر بثمن ، إنك إن اخترتَ امرأة عاقلةً ضمنتَ أسرة ناجحة ، وضمنتَ أولاداً مهذبين ، يكونون أعلامَ المجتمع ، فاختار فرُّوخ امرأة راجحة بالعقل ، كاملة الفضل ، صحيحة الدين ، تقاربه في السن ، واقترن بها . لقد نَعِمَ فروخ بهذه الزوجة ، وبهذه السكينة ، ورأى في صحبة امرأته هناءة العيش ، وطيبة العشرة ، ونضارة الحياة ، وفوق ما كان يرجو ويأمل ، إلا أنه هنا بدأت العقدة ، فالإنسان الذي يعرف لماذا خلق في الحياة ، والذي يعرف قيمة الوقت ، لا يركن للنعيم في الدنيا ، خذوا هذا الكلام ، التافهون وحدهم الذين يركنون إلى الدنيا ، بيت واسع ، مفروش بأحدث الأثاث ، دخل كبير ، شاب في رَيعان الشباب ، زوجة شابة ، مركبة فخمة ، مكان آخر بالمصيف ، ماذا فعلت؟ أقول لك : ما فعلت شيئاً ، هذا وقت ثمين ، هذا الوقت يجب أن ينفق إنفاقًا استثماريًّا ، لا إنفاقًا استهلاكيًّا ، أكلنا ، وشربنا ، ونمنا ، وعملنا ، واستمتعنا ، وتنزهنا ، هذا استهلاك لرأس مالك الثمين . كنتُ مرة في مكان جميل ، فرأيت بيتًا (فيلا) جميلاً جداً ، والمهندس الذي صممها على مستوى عالٍ جداً من الذوق ، والأناقة ، والإبداع ، فلت في نفسي : لو أن هذه الفيلا لكَ ، وسكنتَ فيها ، وتمَتَّعْتَ بهذه المناظر الجميلة يوم بعد يوم ، بعد يوم ، إلى أن يأتي الأجل ، ثم تذهب إلى الله مفلساً ، أمّا إذا جلست في المدينة ، وعملت الأعمال الصالحة ، وتأتي عند الله عز وجل لعله يرحمك بهذه الأعمال ، فالإنسان لا يستمرئ النعيم في الدنيا إلاّ إذا كان ضيق الأفق ، ضعيف العقل ، فحينئذ يستمرئ نعيم الدنيا لأنه مؤقت ، دققوا في قول النبي عليه الصلاة والسلام : يا أيها الناس إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ودار ترح لا دار فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشدة ، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلـوى الدنيا لثواب الآخرة ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ويبتلي ليجزي، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها ، واحذروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها ، ولا تسعَوْا في عمران دار قد قضى الله خرابها ، ولا تواصلوها وقد أراد منكم اجتنابها ، فتكونوا لسخطه متعرضين ، ولعقوبته مستحقين * (كنز العمال عن ابن عمر) لأن الرخاء موقت ، والشقاء موقت .فهذا فروخ رغم أن البيت في المدينة ، والزوجة كاملة ، وصالحة ، وحياة مريحة ، ومعه ثروة طائلة ، على الرغم من كل هذه الشروط الرائعة التي توافرت له ، بعد أن أعتقه سيده ، وبعد أن أبلى بلاءً حسناً في القتال ، وتلك الزوجة الصالحة ، على كل ما حباها الله من كل كريم الشمائل ، وجليل الخصائل لم تستطِع أن تغلب فروخاً على حنينه إلى خوض المعارك ، وإنّ خوض المعارك فيه رقيّ ، وأضرب مثلاً ، لو جلس رجلٌ في حوض سباحة ، حيث الماء دافئ، فارتاح بالجلوس في هذا الحوض ، فهل يجعله عالماً ؟ لا ! تاجراً ؟ لا ! إنه استمتاع رخيص ، واستهلاك للوقت ، فلما يميل الإنسان إلى الراحة ، والقعود للتمتع ، واستهلاك جهود الآخرين ، والأخذ من طيبات الحياة الدنيا ، معنى ذلك أنه يستهلك رأس ماله ، ألا وهو عمره الثمين ، وهذا سيجعله يوم القيامة فقيراً ، ضعيفاً ، لهذا قيل : الغنى غنى العمل الصالح ، والفقر فقر العمل الصالح ، والغنى والفقر بعد العرض على الله ، فاشتاق فروخ إلى سماعِ وقعِ النصالِ على النصالِ ، وولعَ لاستئناف الجهاد في سبيل الله ، فكان كلما ترددتْ في المدينة أخبارُ انتصارات الجيوش الإسلامية الغازية في سبيل الله ، تأجَّجت أشواقُه إلى الجهاد ، واشتدّ حنينُه إلى الاستشهاد، وذات يوم من أيام الجمع سمع فروخ خطيبَ المسجد النبوي الشريف يزفّ للمسلمين بشرى انتصارات الجيوش الإسلامية في أكثر من ميدانٍ من ميادين الحرب ، ويحضّ الناسَ على الجهاد في سبيل الله ، ويرغِّبهم في الاستشهاد إعزازاً بدينه ، وابتغاءً لمرضاته ، فعاد إلى بيته ، وقد عقَد العزمَ على الانضواء تحت راية من رايات المسلمين المنتشرة تحت كل نجم ، وأعلن عزمه لزوجته ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن لمَن تتركني ؟ وتترك هذا الجنين الذي أحمله بين جوانحي ، زوجته حامل ، فأنت هنا رجل غريب ، ولا أهل لك فيها ولا عشيرة ، فقال : أتركك لله ، أمّا علّمنا النبي عليه الصلاة والسلام دعاء السفر ؟ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرَ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ وَمِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ * وَيُرْوَى الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ أَيْضًا ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ أَوْ الْكَوْرِ وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ يُقَالُ إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ مِنْ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ مِنْ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ إِنَّمَا يَعْنِي مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ مِنْ الشَّرِّ (رواه الترمذي) ثم إني خلفت لك ثلاثين ألف دينار ، ثروة كبيرة جداً ، جمعتها من غنائم الحرب فصونيها وثمّريها ، وأنفقي منها على نفسك وولدك بالمعروف حتى أعود إليك سالماً غانماً ، أو يرزقني الله الشهادة التي أتمنّاها ، ثم ودّعها ومضى إلى غايته ، وضعت السيدة الرزان حملّها بعد رحيل زوجها ببضعة أشهر ، فإذا هو غلام مشرق الوجه ، حلو القسمات ، ففرحت به فرحاً عظيماً ، كاد ينسيها فراق أبيه ، وأطلقت عليه اسم ربيعة ، وهذا الغلام الصغير موضوع درسنا اليوم .والحقيقة مغزى القصة في آخر الدرس ، حيث ستَرَوْن كيف أن أثمن شيء في الحياة أن ترزق غلاماً يصلحُ الناسَ من بعدك ، إذاً أنت لم تَمُتْ ، بدت على هذا الغلام الصغير علامات النجابة منذ نعومة أظفاره ، وظهرت أمارات الذكاء في أفعاله وأقواله ، فأسلمته أمُّه إلى المعلِّمين ، وأوصتهم بأن يحسنوا تعليمه ، واستدعت له المؤدبين ، وحضَّتهم على أن يحسنوا تأديبه ، فأنا لا أرى أعقل من أبٍ يعطي كل جهده لتربية أولاده ، إنهم كسبه الحقيقي ، إنهم استمراره من بعد موته ، إنهم الصدقة الجارية التي لا تنقطع بعد الموت ، فما لبس هذا الغلامُ حتى أتقن الكتابة والقراءة ، ثم حفظ كتاب الله عز وجل ، وجعل يرتِّله ندياً طرياً كما أنزل على فؤاد محمد صلوات الله عليه ، ووَعَى ما تيسّر من أحاديث رسول الله ، واستظهر كلام العرب ، وعرف من أمور الدين ما ينبغي أن يعرف ، وقد أغدقت أمُّ ربيعة على معلمين ولدها ومؤدبيه المال والجوائز إغداقاً ، فكانت كلما رأته يزداد علماً تزيده براً وإكراماً. وبالمناسبة أرى من الحكمة البالغة أن تكون علاقتك طيبة جداً بمعلمِي أولادك ، لأنه بين أيديهم فلذة كبدك ، إن أحسنوا تعليمه فزت فوزاً عظيماً ، وهناك آباء يقسون في تعاملهم مع معلمي أولادهم ، أو يكيلون لهم كلاماً قاسياً في غيبتهم على مسمع من أولادهم ، هذا ليس من الحكمة في شيء . *** إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما *** المعلم بين يديه أثمن شيء عندك ، وأنت أحياناً تقدِّم جهازًا للتصليح ، تخاف عليه أنْ يصيبه شيء ، فأيهما أغلى جهاز في بيتك أمْ ابنك ، فيجب أن تختار له أفضل مدرسة ، وأفضل معلم ، والنفقات الباهظة التي تنفقها من أجل تعليم ابنك ، هذه النفقات ليست استهلاكاً ، إنما هي استثمار. أنا أقول لكم كلامًا دقيقًا ، وهذا الكلام موجّه لمن عنده أولاد ، شعور الأب حينما يرى ابنه في أعلى مرتبة أخلاقية ، و علمية ، و دينية ، شعور لا يوصف ، بل يمتلئ قلبه سعادة ، وقد قال الله عز وجل : ( سورة الفرقان : 74 ) . وأحيانًا يلمح الأب ابنه وهو يصلي ، وقد تكون هذه الصلاة جوفاء ، فكيف إذا كان ابنه عالماً، مصلحاً ، سيدنا إبراهيم قال تعالى في حقّه : ( سورة الصافات : 102 ) . يعني من سعادتك الكبرى العظيمة أن يكون ابنك صالحاً .وكانت تترقب عودة أبيه ، وتجتهد في أن تجعله قرّة عين لها وله ، لكن فروخاً طالت غيبته، ثم تضاربت الأقوال فيه ، قال بعضهم : إنه وقع أسيراً في أيدي الأعداء ، وقال آخرون : إنه مازال طليقاً يواصل الجهاد ، وقال فريق ثالث عائد من ساحة القتال : إنه نال الشهادة التي تمناها، فترجح هذا القول الأخير عند أم ربيعة لانقطاع أخبار زوجها ، فحزنت عليه حزناً أمضى فؤادها ، ثم احتسبته عند الله . هناك قصص للتابعين فيها مواقـف ، لو سألتني : هل هي وفق الشرع ؟ أقول لك هذه مواقف شخصية ، وليست مواقف شرعية ، يا ترى هل يجوز للإنسان أن يغيب عن زوجته عشرين عاماً ؟ هذا الموقف ليس موقفاً شرعياً ، هذا موقف شخصي ، ولكل مجتهد نصيبٌ من اجتهاده ، والله تعالى رب النوايا ، أنا لا أقر ما فعله فروخ حينما ترك امرأته وهي حامل ، وغاب أمداً طويلاً ، يا ترى هكذا الشرع يأمرنا ؟ نحن نقرأ قصة ، نأخذ منها الإيجابيات ، ونتغافل عن السلبيات . أيفع ربيعة ، ودخل مداخل الشباب ، واستكمل ما ينبغي لفتًى مثله أن يستكمله من القراءة والكتابة ، وزاد على أقرانه فحفظ القرآن وروى الحديث ، فلو تخيَّرتِ له حرفة من الحرف فإنه لا يلبث أن يتقنها ، وينفق عليك ، هذه هي النصيحة ، لو تخيرتِ يا أم ربيعةَ حرفةً لابنك حتى يتقنها ، لينفق عليك وعلى نفسه مما تدره عليه هذه ، فماذا اختار ربيعة ؟ اختار لنفسه العلم . أنا ألاحظ أبًا يرسم لابنه خطة ، أن يكون معه في المحل التجاري ، شيء جيد ، لكن أحياناً هناك أبناء شغوفون بالعلم ، فالأب العاقل إذا رأى من ابنه إصراراً على اختصاص معين فينبغي أن يفسح له المجال ، لأنه لا ينبغي إلا مسايرته في ميله هذا . فاختار ربيعة أن يكون عالماً ، وعزم على أن يعيش متعلماً ومعلماً ما امتدت به الحياة ، وكلكم يعلم أنه يظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، لذلك أقبل ربيعة على حلقات العلم ، يرى الإنسان أحيانا عالمًا ، متى صار ؟ حينما كان في مجالس العلم أمضى سبعة عشر عاماً جالساً على ركبتيه في بيوت الله ، وحينما كان يتلو كتاب الله ، ويحفظ كتاب الله، ويفسر كتاب الله ، ويدعو إلى الخير ، أين كنت أنت ؟ كل إنسان له مسعى . ( سورة الليل : 1 ـ 4 ) . أقبل على حلقات العلم التي كان يزخر بها مسجد المدينة ، كما يقبل الظمآن على الموارد العذاب ، ولزم البقية الباقية من الصحابة الكرام ، وعلى رأسهم أنس بن مالك خادم رسول الله ، هذا أكبر أستاذ له ، وأخذ عن سعيد بن المسيب ، ومكحول الشامي ، وسلمة بن دينار ، وواصلَ الليلَ بالنهار ، إقبالاً على العلم ، وطلباً له ، واحتواءً له ، وإذا كلمه أحد ودعاه إلى الرفق بنفسه كان يقول : سمعنا أشياخنا يقولون : العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ، ليس في العلم حل وسط ، يمكن أنْ يكون في العمل حل وسط ، بل في كل شيء حل وسط إلا في العلم ، فالعلم يحتاج إلى إتقان ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ، والشيء الغريب أنّه لا تحصل لذة العلم إلا بالتعمق فيه، فعدم تعمق العلم عبء ومللٌ ، لذلك ضعفُ الطلاب يكون في مادة يكرهونها كراهية شديدة ، أما إذا أتقنوها أصبحتْ متابعتها متعةً لهم .ثم ما لبث كثيراً حتى ارتفع ذكره ، وبزغ نجمه ، وكثر إخوانه ، وأولِع به تلاميذه ، وسوّده قومه ، وأقول لكم بصراحة : إذا حضر الرجلُ مجالس العلم ، وطلب العلم بصدق وبإخلاص فهذا الإنسان من حقه على الله ، ومن كرامته على الله أن ييَسِّر له سبيل نشر العلم ، ويرزقه قدرة على ذلك ، أمّا سماع وسماع إلى مالا نهاية ، فمستحيل ، فكل إنسان طلب العلمَ يوفقه الله ، أخي أنت أين تعمل ؟ أعمل موظفًا عند الله عز وجل ، أحيانا الإنسان بصدقه وإخلاصه ، ومتابعته ، وطاعته ، يطلِق اللهُ لسانه ، ويمنحه الأسلوب المؤثر الذي يقنع الناس به ، فيلتفون حوله ، ويستفيدون منه ، ويشجعونه ، هذا شيء ألاحظه ، ما مِن أخ تعلَّم بصدق ، وبإخلاص ، وابتغى مرضاة الله عز وجل إلا ويسَّر الله عز وجل له عملاً في الدعوة إليه ، على صعوبة هذه الأعمال، وصعوبة الوصول إليها ، قال تعالى : (سورة النور : 36) . فإذا أذِن اللهُ في عليائه لهذا الإنسان أن ينطق بالحق فليس لأحدٍ في الأرض ينتظر منه الموافقة ، فالإِذن الحقيقي من عند الله ، وانعكاسه موافقة أولي الأمر ، ما مِن أحدٍ أخوانا الكرام طلب علم بإخلاص إلا ويسَّر الله عز وجل له عملاً في الدعوة إليه ، لأن الطلب لا بد أن ينتهي بالإلقاء ، تَلَقٍّ ، ثم إلقاء ، تعلُّم ، ثم تعليم .سارت حياة هذا العالم الصغير فكان شطرٌ من يومه في داره لأهله وإخوانه ، وشطر آخر لمسجد رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، للعلم وحلقاته ، ولقد مضت حياته متشابهة حتى وقع فيها ما لم يكن في الحسبان ، ولا زلنا في عقدة القصة . في أحد الأيام ، وفي عشية من عشيات الصيف ، وصل إلى المدينة المنورة فارس في أواخر العقد السادس من عمره ، ومضى في أزقتها راكباً جواده ، قاصداً داره ، وهو لا يدري إن كانتْ دارُه ما تزال قائمة على عهده بها ، أم أنّ الأيام قد فعلت بها فعلها ، فمضى على غيابه عنها ثلاثين عاماً . أنا أذكر مرة ، سمعت قصة إنسان خطب فتاة ، فلما دخل بها لم تعجبه إطلاقاً ، واسودَّت الدنيا في عينيه ، وضاقت نفسه ، وفي صبيحة اليوم التالي هام على وجهه ، وهو من سكان المدينة المنورة ، غاب عن المدينة عشرين عاماً ، لما رأته زوجته في أول لقاء معها ، رأته متضايقاً ، قالت له : قد يكون الخير كامناً في الشر ، يعني إن رأيتني شرًّا فقد يكون الخير كامناً في الشر ، بعد أن عاد بعد عشرين عاماً دخل إلى المسجد فرأى عالماً شاباً وحوله آلاف مؤلفة، سأل : من هو ؟ فإذا هو ابنه ، فلما انفضَّ الناسُ من حوله قال : يا فلان قل لأمِّك إنَّ في الباب رجلاً يقول لك : قد يكون الخير كامناً في الشر ، قالت : يا بني إنه أبوك . فحينما عاد إلى المدينة سأل عن أخبار زوجته الشابة ، هل وضعت حملها ، وهل كان ذكراً أو أنثى ، وإذا كان ذكراً فما حاله اليوم ، أسئلة كثيرة تواردت على ذهنه ، لكنْ في القصة موقف عجيب ، وهو أن زوجته حينما رأته ، وأبلغت ابنها فروخاً أنه أبوه ، لأنه رأى الباب مفتوحًا فدخل ، إنسان غاب عن بلده أمدًا طويلاً ، فالتبس الأمر على فروخ أنه إنسان فارس ، يدخل إلى بيت دون استئذان ، وهو بيتـه ،فحدثَتْ مشادة بينه وبين ابنه دون أن يعرف ، استيقظت الزوجةُ على الضجيج ، فأَطلَّت من النافذة فقالت : يا بني إنه أبوك ، وحينما سمع ربيعةُ أنّ هذا أبوه طفق يعانقه ويقبِّل يديه ، وعُنُقَه ، ورأسَه ، ونزلت أم ربيعة تسلم على زوجها الذي ما كانت تظن ظناً أنه حيٌّ على وجه الأرض ، بعد أن انقطعت أخباره مدةً طويلة ، جلس فروخ إلى زوجته وطفِق يحدِّثها عن أحواله ، ويكشف لها عن أسباب انقطاع أخباره ، ولكنها كانت في شغلٍ شاغل عن كثير مما يقول ، لقد نغص فرحتها بعودته ، واجتماع شملها به خوفُها من غضبه على إضاعة المال الكثير الذي أودعه عندها ، فقد ترك ثروة طائلة ، مثل الآن عشرة ملايين ، كانت تقول في نفسها : ماذا لو سألني الآن عن ذلك المبلغ الكبير ، وهي أنفقته كله على ابنها ، حتى صار بهذا العلم ، ماذا سيكون لو أخبرته أنه لم يبق منه شيء ، أيقنعه قولي : إنني أنفقته على تربية ابنه وتعليمه ، وهل تبلغ نفقة ابنه هذا المبلغ الضخم ، أيصدِّق ذلك ! في داخله صراع مع نفسها ، فرحت بلقاء زوجها ، لكنها خافت من موضوع المبلغ الكبير ، وفيما كانت أم ربيعة غارقة في هواجسها التفتَ إليها زوجُها ، وقال : لقد جئتك يا أم ربيعة بأربعة آلاف دينار، فأخرجي المال الذي أودعته عندك وضمِّيه إليه ، ونشتري بالمال كله بستاناً ، أو عقاراً ، نعيش من غلته ما امتدت بنا الحياة ، فتشاغلتْ عنه ولم تجبه بشيء ، أعاد عليها الطلب ، وقال : أين المال حتى أضمّ إليه ما معي ؟ قالت : لقد وضعته حيث يجب أن يوضع ، في المكان الصحيح ، وسأخرجه لك بعد أيام قليلة إن شاء الله ، وقطع صوت المؤذن عليها الحديث ، فهبَّ فروخ إلى إبريقه فتوضأ، ومضى نحو الباب يقول : أين ربيعة ؟ فقالوا : سبقك إلى المسجد ، منذ النداء الأول ، ولا نحسبك أن تدرك ***ة ، لم يعرف القصة ، فبلغ فروخ المسجد ووجد أن الإمام قد فرغ من الصلاة ، فأدّى المكتوبة ، ثم مضى نحو الضريح الشريف فسلم على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثم انثنى نحو الروضة المطهرة ، فقد كانت في فؤاده أشواق إليها ، تخيَّر مكان في رحابها وجلس ، ولما همّ بمغادرة المسجد وجد باحته قد غصّت على رحبها بمجلس من مجالس العلم ، لم يشهد له نظيراً من قبل ، ورأى الناس قد تحلَّقوا حول شيخ المجلس حلقة إثر حلقة ، حتى لم يتركوا للساحة موطئًا لقدم ، وأجال بصره في الناس ، فإذا فيهم شيوخ معمّرون ومعمّمون ، وذو أسنان ، ورجال متوقرون ، تدلّ هيأتهم على أنهم ذو أقدار ، وشبان كثيرون قد جثّوا على ركبهم، وأخذوا أقلامهم بأيديهم ، وجعلوا يلتقطون ما يقوله الشيخ كما تلتقط الدرر ، ويحفظونه في دفاترهم ، كما تحفظ الأعلاق النفيسة ، وكان الناس متجهين بأبصارهم إلى حيث يجلس الشيخ منصتين إلى كل ما يلفظ من قول ، حتى كأنَّ على رؤوسهم الطير ، وكان المبلغون ينقلون ما يقوله الشيخ فقرة فقرة ، فلا يفوت أحد منها شيء مهما كان ، وحاول فروخ أن يتبيّن من هو الشيخ ، ولا يعرف أنه ابنه ، فلم يفلح في ذلك لموقعه منه ، وبُعْدِه عنه ، لقد راعه منه بيانه المشرق ، وعلمه المتدفق ، وحافظته العجيبة ، وأدهشه خضوع الناس بين يديه ، وما هو إلا قليل، حتى ختم الشيخ المجلس ، ونهض وافقاً ، فهبَّ الناس متجهين إليه ، وتزاحموا عليه ، وأحاطوا به ، واندفعوا وراءه ، وهنا التفتَ فروخ إلى رجل كان يجلس في المجلس ، قل لي بربك : من الشيخ ؟ قال باستغراب : ألا تعرفه ! ليس في المدينة كلها من لا يعرفه ، هو أعلم علمائها ، قال : بلى ، مَن هو ؟ قال اعذرني أنا لا أعرفه ، أنا جئت حديثاً ، مَن هو ؟ لقد أمضيت نحواً من ثلاثين عاماً بعيداً عن المدينة ، ولم أَعُدْ إليها إلا أمس ، قال : لا بأس ، اجلس إليَّ قليلاً لأحدِّثك عن هذا الشيخ ، إنّ الشيخ الذي استمعتَ إليه سيِّدٌ من سادات التابعين ، وعلَمٌ من أعلام المسلمين ، وهو محدِّثُ المدينة وفقيهها ، وإمامها ، على الرغم من حداثة سنة ، قال فروخ : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، فأتبع الرجل ، وإنّ مجلسه يضمّ كما رأيت مالك بن أنس ، وأبا حنيفة النعمان ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وسفيان الثوري ، وعبد الرحمن بن عمر الأوزاعي ، والليث بن سعد ، قال فروخ : غير أنك لم تخبرني مَن هو الشيخ ، فلم يُتِحْ له الرجل الفرصة لإتمام كلامه ، وأرى وهو فوق ذلك أنه سيدٌ كريمٌ الشمائل ، موطأ الأكناف ، سخي اليد، فما عرف أهل المدينة أحداً أوفر منه جوداً لصديق وابن صديق ، ولا أزهد منه في متاع الدنيا ، ولا أرغبَ بما عند الله ، قال فروخ : ولكنك لم تذكر لي اسمه ، يا أخي مَن هو هذا الشيخ ؟ قل لي مَن ؟ قال : إنه ربيعة الرأي ، قال فروخ : ربيعة الرأي ، قال الرجل : نعم اسمه ربيعة ، لكن علماء المدينة وشيوخها دعوه ربيعة الرأي ، لأنهم إن كانوا لم يجدوا لقضية نصاً في كتاب الله ، أو حديث رسول الله لجؤوا إليه فيجتهد بالأمر ، ويقيس ما لم يرد فيه نص ، على ما ورد فيه نص ، ويأتيهم بالحكم فيما أشكل عليهم ، على وجه ترتاح له النفوس ، قال فروخ : لكنك لم تنسبه لي ، ابنُ من هو ؟ قال الرجل : إنه ربيعة بن فروخ ، المكنى بأبي عبد الرحمن ، لقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة مجاهداً في سبيل الله ، فتولَّت أمُّه تربيته وتنشئته ، ولقد سمعت الناس يقولون : إن أباه قد عاد الليلة الماضية ، هكذا قال الناس ، عند ذلك تحدَّرت من عين فروخ دمعتان كبيرتان ، لم يعرف لهما سبباً ، ومضى يحثُّ الخطى نحو بيته ، فلمّا رأته أم ربيعة ، والدموع تملأُ عينيه ، قالت : ما بك يا أبا ربيعة ؟ قال : ما بي إلا الخير ، لقد رأيت ولدنا ربيعة في مقام من العلم والشرف والمجد ، ما رأيته لأحد من قبل ، فاغتنمت أم ربيعة الفرصة ، وقالت: أيهما أحبُّ إليك ثلاثون ألف دينار ، أم هذا الذي بلغك عن ولدك من العلم والشرف ، فقال بلى ، والله ، هذا أحبُّ إليَّ وآثرُ عندي من مال الدنيا كله ، فقالت : لقد أنفقت كل ما تركته لي على ولدك ، حتى صار عالماً ، فهل طابت نفسُك بما فعلت ، قال : نعم ، وجُزِيتِ عني خيراً، وعن المسلمين . إخوانا الكرام : هذه قصة ملخصة بآخرها ، إذا استطعتَ أنْ تجعل ابنك إنسانًا عظيمًا فأنت أسعدُ إنسان في العالم ، إذا استطعتَ أنْ تربي ابنك تربية إسلامية صحيحة ، فيطلب العلم ، ويصير معلم الناس فأنت أسعد إنسان بالعالم ، ولو أنفقت عليه ألوف مئات الألوف ، فأنت الرابح، فلو أنفقت عليه كل شيء ، وصار ابنك في هذا المستوى فأنت الرابح ، ترك لها ثروة طائلة جداً، وهي خائفة أن يقول لها : أين المال ؟ فلما رأى ابنه بهذا المكان نَسِيَ المال ، ما أردت من هذه القصة إلا أن أحثَّكُم على تربية أولادكم ، لأن الآباء إذا رأوا أبنائهم منحرفين مع رفقاء السوء ، في الضلالات ، وفي دور اللهو ، مع المنحرفين تُعصَر قلوبهم آلامًا ، ويتقطع قلب الأب ألماً ، ماذا يفعل . فنحن أيها الإخوة ، الآن أملُنا في الصغار ، والمعَوَّل عليه هم الصغار ، كل واحد له ابن يحتاج من وقتك الشيء الكثير ، ومن مالك الشيء الكثير ، وقدِّم له كل ما تملك ، ليكون كما يريد الله عز وجل ، فهذا زادُك عند الله ، والذي عنده ابن صالح فليسمعْ هذا الكلام مرة ثانية ، والذي عنده ابن صالح مقبل على الدين ، مستقيم على أمر الله ، يحب الله ورسوله ، يجب أن يضع شفته على الأرض ، ويشكر الله عز وجل على هذه النعمة ، لأنه ما مِن نعمة على الإطلاق تفوق هذه النعمة ، فهذا مجاهد ، وابنه عالم ، فنال المجد من طرفيه ، وقد فتح هو البلاد، وابنه فتح القلوب. |
|||
13-05-2009, 07:14 PM | رقم المشاركة : 53 | |||
|
عامر بن شرحبيل الشَعبي ..
عامر بن شرحبيل الشَعبي .. كان واسع العلم ، عظيم الحلم ، وإنه من الإسلام بمكان . أيها الإخوة ... ننطلق في هذه السيَر من قول النبي عليه الصلاة والسلام : خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ * (متفق عليه عن أبي هريرة ) فلستِّ سنواتٍ خَلَتْ مِن خلافة الفاروق رضوان الله عليه ، وُلِد للمسلمين مولودٌ نحيل الجسم ، ضئيل الجِرم . من حكمة الله عزَّ وجل أن الأبطال متفاوتون في أجسامهم ، ترى بطلاً ضخماً عملاقاً ، وترى بطلاً نحيلاً رقيقاً ، وترى بطلاً وسيم الطلعة ، وترى بطلاً غير وسيم الطلعة ، ترى رجلاً مربوعاً ، وآخر قصيراً ، ورجلاً أبيض ، وآخر غير أبيض ، فالبطولة لا علاقة لها بالشكل إطلاقاً ، هذه حقيقة ، أنت كرجل كل قيمتك تنبع من مبادئك ، وعلمك ، وأخلاقك . لذلك يُروى عن بعض التابعين أنه كان قصير القامة ، أسمر اللون ، مائل الذقن ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ، ليس شيءٌ من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب - هكذا يصفه الواصفون - وكان مع ذلك سيد قومه ، إنْ غضِبَ غضِب لغضبته مائة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب . فالإنسان يحقِّق أعلى درجات البطولة في أي شكلٍ كان ، وقد قال الشاعر : *** جمال الجسمِ مع قُبْحِ النفُوسِ كقنْديلٍ على قَبرٍ المَجُوس *** " اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي "* ( من مسند أحمد : عن " ابن مسعود " ) بصراحة أيها الإخوة أقلُّ شيء عندك شكلك ، وأقلّ شيء تملكه العمُرُ الزمني ، لأنّ العمر لا يقاس بمدَّته ، بل يقاس بأعماله البطولية ، والإنسان لا يقاس بشكله ، بل يقاس بإيمانه وخُلُقه . مرة أحد الصحابة يبدو أنه وقف في مَهَبِّ رياح شديد فرفعت ثوبَه ، فبدت دقَّة ساقيه ، فتبسَّم الصحابة الكرام ، فقال عليه الصلاة والسلام : " مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ "* ( من مسند أحمد : عن " أبي مسعود " ) بالمناسبة : من هو حِبُّ رسول الله ؟ إنّه سيدنا أسامة ، كان أسود اللون ، أفطسَ الأنف ، عيَّنه قائد جيش ، وهو في السابعة عشر من عمره ، على جيشٍ فيه أبو بكرٍ ، وعمر ، وعثمان، وعلي ، أرأيت الإسلام ؟ هذا الدين. ذلكم هو عامر بن شرحبيل الحِمْيَرِيّ المعروف بالشعبي ، نابغة المسلمين في عصره . وفائدة القراءة عن التابعين وسيرهم أنّ هذه الأسماء ترِدُ كثيراً في كتب الدين ، وفي كتب الحديث ، وفي كتب السيرة ، وفي كتب الفقه ، وهذه الأسماء كلُّها أعلام . وُلد الشعبي في الكوفة ، وفيها نشأ ، لكن المدينة المنورة كانت مهوى فؤاده ، ومطمح نفسه، كان يؤمُّها من حينٍ لآخر ليلقى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وليأخذ عنهم ، كما كان الصحابة الكرام يؤمّون الكوفة ليتخذوها منطلقاً للجهاد في سبيل الله ، أو داراً لإقامتهم ، إذاً كان طلاب العلم يقدمون على المدينة ليلتقوا بأصحاب رسول الله رضوان الله عليهم ، وأصحاب النبي رضوان الله عليهم ينطلقون إلى الكوفة ، ليجعلوها قاعدةً لانطلاقهم لفتوح الهند والصين ، إذاً هؤلاء تعلَّموا ، فعليهم أن يجاهدوا ، وأولئك عليهم أن يتعلَّموا . أُتيح لهذا التابعي الجليل أن يلقى نحواً من خمسمائةٍ من الصحابة الكرام ، وأن يروي عند عددٍ كبير من جلتهم . الحقيقة ـ ولا أبالغ ـ ليس في الأرض متعةٌ أعظم من أن تجلس إلى عالم تُذاكره في العلم، لأن العلم حياة الإنسان ، والعلم حياة القلب ، وهو الذي يناسب شأن الإنسان ، وغير العلم يناسب ما دون الإنسان . يروي هذا التابعي عن عددٍ كبير من أصحاب النبي ، من أمثال علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقَّاص ، وزيد بن ثابت ، وعبادة بن الصامت ، وأُبيّ ، وأبِي موسى الأشعري ، وأبي سعيد الخدري ، والنعمان بن البشير ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبَّاس ، وعدي بن حاتم، وأبي هريرة ، وعائشة أم المؤمنين ، وغيرهم ، وغيرهم . أما عائشة فكما قال الله عزَّ وجل : ( سورة الأحزاب : من آية " 53 " ) إنّ الله عزَّ وجل يعطي إنساناً هذه القدرات العقليَّة العالية ، ويحرم منها آخرين ، فقد يقول قائل : ما ذنب الذي حُرم هذه القدرات ؟ هناك إجابات كثيرة ، منها أنّ الإنسان يُعطَى من القدرات على قدر مطالبه ، فكلَّما ارتفعت مطالبُه ، واتسعت ، وسمت ، وكبُر حجمها قدَّر الله له من الملكات والقُدرات ما يوازي هذه المطالب العالية . نحن في مجتمع البشر ، إذا كلَّفتَ الإنسان بمهمة كبيرة ، تعطيه صلاحيات كبيرة ، وإذا كلَّفته بعقد صفقةٍ لإطعام الجيش تعطيه اعتمادًا بمائة مليون ، فكلَّما كلَّفته بعملٍ كبير أعطيتَه إمكانات كبيرة ، فأحد الأجوبة أن هذه القدرات الفائقة التي يتمتع بها هؤلاء العلماء الأعلام ، في رأيٍ من الآراء أنها نتيجة مطالبهم العالية التي علِم الله بها . وعندنا شيءٌ آخر ، وهو أن هذا الذكاء ، وقوة الحافظة ، وحدّة الذهن ، والإدراك العميق ، وقوّة التفكير هذا حظٌّ من حظوظ الدنيا ، والإنسان يُمتَحَن به ، فإمّا أن يرقى به ، وإمّا أن يهوي، فالجهاز الذي يرفعك هو نفسه الذي يهوي بك ، الآن الطائرة مِيزةٌ كبيرة ، لأنها تنتقل بسرعة عالية ، لكن لو أنها تعطَّلت في الجو لم يكن ثمّة حلٌ وسطٌ ، ولا وقت للنزول ، ولا لمخاطبة الركاب بالذهاب إلى بيوتهم ، حتى يتسنّى إصلاح الطائرة ، لا يوجد هذا ، فميزة تحليقها في الجو، ونقل الركاب بوقـت قصيـر جداً ، في مقابلها سيئة إذا أصابها عطب ، ويُنشَر الخبر البسيط : لقد مات جميع ركَّابها ، وبتعبير آخر : وقد لقي جميع الركاب حتفهم ، أما السيارة فتتعطَّل ، وسرعتها أبطأ ، لكن لو تعطَّلت لوُجِد لها حلّ آخر . أردت من هذا المثل أن الإنسان إذا أُوتي الذكاء ، والقدرات الفائقة ، هذه ترقى به ولا شك، لكن لو أنه استخدمها على خلاف ما أراد الله عزَّ وجل لَهَوَتْ به ، فالقدرات العالية كما أنها ترقى فإنها تُهلك ، فمثلاً : يكون الشخصُ يسير بسيارة ، وأغلب الظن أنْ لا مشلكة ، فلو سار بسرعة مائة وعشرين ، ثمّ سها سهوة ، ماذا يحدث ؟ أحياناً الإنسان يعطس وهو يقود السيارة ، هذه العطسة فيها تغميض العينين ثانية واحدة ، فيشعر بالخطر ، لأنه يسير بسرعة كبيرة ، فكلَّما أسرعت يجب أن تكون أكثر يقظةً ونباهةً ، وكلُّ شيء فيه ميزة في مقابلها مغرم ، وكل مغنمٍ يقابله مغرم ، فالذي أوتي حظاً من الذكاء هذا امتُحِن بالذكاء ، لكن فيما لو لم يؤمن بالله عزَّ وجل، لكان هذا الذكاء وبالاً عليه . إذن كان الشعبي متوقد الذكاء ، يقظ الفؤاد ، مرهف الذهن ، دقيق الفهم ، آيةً في قوة الحافظة والذاكرة ، وقد روي عنه أنه قال : " ما كتبت سوداء في بيضاء قط " . ماذا يعني هذا الكلام ؟ أنه لشدة حافظته ، لاتقاد ذهنه ، لقوة ذاكرته ما احتاج أن يكتب كلمةً سوداء على ورقةٍ بيضاء . قد يقول أحدكم : ما هذه الذاكرة ؟ أنا أجيبكم : لو أنك تهتم بموضوعٍ ما ، لوفِّقت إلى ذاكرةٍ كهذه الذاكرة ، فأحياناً تدخل على بائع قطع تبديل ، يكون عنده عشرة آلاف نوع ، أي سؤال تطرحه عليه يقول لك : يوجد ، أو بقي منها قطعة واحدة ، اصعدْ يا ابني على الرفِّ الثالث ، على اليمين هناك واحدة فأحضِرْهَا . معنى هذا أنّ ذاكرته محلّ ، لأنه مهتم ، ولأن في ذلك ربح له . فالذاكرة قانونُها الاهتمامُ ، حينما تهتم بالشيء تحفظه ، لذلك يشكو الإنسانُ ضعفَ ذاكرته في موضوعات لا يهتم لها ، ويعتدّ بذاكرته التي لا تخطئ في الموضوعات التي يهتم بها ، فأكاد أقول لكم : إن الاهتمام الشديد هو الذي يجعل الإنسان يحفظ . فمن شدّة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلَّم بكتاب الله ، كان إذا نزل عليه يحفظه لأول مرة، مرة واحدة .. وقد قال تعالى : ( سورة الأعلى ) مرَّة عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهر ركعتين ، كما روى ذلك البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ - أي لا قصرت ولا نسيت ، فهذا الصحابي جريء - فقَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ * ( متفق عليه) ( سورة الأعلى ) وقد كان الفتى مولعاً بالعلم ، أيهما أصح مولَعاً أم مولَّعاً ؟ مولَع ، إياكم أن تقولوا مولَّع ، المولَّع في اللغة العربية هو الثور الأحمر ، الصواب مولَع ، قل : أنا مولعٌ بكذا ، ولا تقل : مولَّعٌ بكذا . وقد كان الفتى مولعاً بالعلم مشغوفاً بالمعرفة ، يبذل في سبيلهما النفس والنفيس ، ويستسهل من أجلهما المصاعب ، إذ كان يقول : " لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ، فحفظ كلمةً واحدةً تنفعه فيما يستقبل من عمره ، لرأيت أن سفره لم يضع " . الآن أكثركم بارك الله بكم يأتي من أماكن متعددة ، طبعاً هناك إخوان بيتهم إلى جانب المسجد ، وإخوان أبعد بالمهاجرين ، بالشيخ محي الدين ، بالعدوي ، آخرون يأتون من الغوطة ، ومن دوما ، بل من محلات بعيدة ، فيقول الشعبي : " لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ، فحفظ كلمةً واحدةً تنفعه فيما يستقبل من عمره ، لرأيت أن سفره لم يضع " . كلمة واحدة تتعلَّمها ، تنفعك في حياتك ، هذا الجهد الكبير الذي بذلته من أجلها لم يضع سُدًى ، وأشرف عملٍ تفعله أن تطلب العلم ، لأنك بالعلم تصل إلى الله ، وبالعلم تصل إلى طاعته، وبالعلم تصل إلى القرب منه ، وبالعلم توفَّق في أمورك الدنيويَّة ، وبالعلم تسعد في بيتك، وبالعلم تسعد في عملك ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم . تأكد أنه ما مِن عملٍ أشرف عند الله عزَّ وجل من أن تطلب العلم .. " إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ * ( من سنن الترمذي : عن " قيس بن كثير " ) ( مسلم عن أبي هريرة ) ومرَّة ثانية وثالثة أقول لكم : كما أنه ينبغي أن تؤدي زكاة مالك ينبغي أن تؤدي زكاة وقتك ، وزكاة المال تعني أن تنفق جزءاً منه في سبيل الله ، وزكاة الوقت تعني أن تنفق جزءاً منه في طلب العلم ، وحينما تؤدي زكاة وقتك يحفظ لك اللهُ عزَّ وجل وقتك ، كما حفظ لك مالك. أحياناً يكون الإنسان يجمِّع محركًا ، وينسى شيئًا يجب أن يضعه في أول الأمر ، وقد قضى أربع ساعات ، ثم يقول لك : القشرة نسيناها ، فيرجع ليفُكَّه من أول ، فاللهُ عزَّ وجل قادر أن يتلف لك عشرين ساعة من دون مبرر ، فأحياناً تتوهَّم شيئًا فتجري تحاليل ، واختبارات ، ويظهر لك في الأخير أن لا شيء معك ، دفعت أموالاً ، وبذلت جهدًا ، وتعطَّلت ، وانتظرت . وأحياناً يتعطَّل شيء بآلة عندك ، فتبعث لتحضره من بلد آخر فيأتيك ناقصًا ، فلا تشتغل ، واعلَمْ أن الله عزَّ وجل قادر على أن يضيّع لك عشرات الساعات ، بل مئات الساعات بلا طائل، في موضوعات سخيفة جداً، ولا حول لك ولا قوة ، لذلك كما أنه ينبغي أن تؤدي زكاة مالك ، ينبغـي أن تؤدي زكاة وقتك ، كما أن زكاة المال تحفظ المال من الضياع والإتلاف ، فإنّ زكاة الوقت تحفظ وقتك من الهدر . إنّ الإنسان الموفَّق يقوم في وقت قصير بأعمال كبيرة جداً ، يقول لك : لقد بارك الله له في وقته ، فتجده موفَّقًا في كل أموره ، وأعماله دائماً هادفة ، ليس عنده محاولات فاشلة ، ولا إحباط، ولا بعثرة ، ولا ضياع في الوقت ، مثلما قال بعض الصالحين : " هم في مساجدهم ، واللهُ في حوائجهم " . يجب أن تعرف أن في بالقرآن آية واحدة لا يوجد غيرها ، هذه الآية تؤكِّد أنه ما من عملٍ على وجه الأرض يمكن أن يحقَّق إلا بتوفيق الله ، فإنْ لم يوفِّقْ لم يقع الشيء ، فإنّ الله يمكنه أنْ يشغلك ببضاعة معينة - بزرة - عشرة أشهر ، أو عشرين شهرًا ؛ شراء ، وبيع ، وشحن ، ومطالبة بالمبالغ ، وبالتحقيق وجدتَ خسارة مائتي ألف ، فيمكن أنْ تضيع أوقات طويلة ولا تجد معها ربحًا ، فالله عزَّ وجل بيده كل شيء ، إنّه مالك المُلك ، فعلى المؤمن أنْ يؤدي زكاة ماله كما أنّه عليه أنْ يؤدي زكاة وقته بطلب العلم . قال : " لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ، فحفظ كلمةً واحدة تنفعه فيما يستقبل من عمره ، لرأيت أن سفره لم يضع ". قالوا : " ما ضاعت عَبرةٌ كانت لصاحبها عِبرة " . الحياة كلها دروس ، والإنسان كما قال النبي الكريم : " أُمرت أن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً " . وقد بلغ من علمه أنه كان يقول : " أقل شيءٍ تعلَّمته الشعرُ ، ولو شئت لأنشدتكم منه شهراً دون أن أعيد شيئاً مما أنشدته " ، ينشد الشعر شهرًا كاملاً دون أن يعيد شيئاً مما أنشده ، وهذا أقل شيءٍ تعلَّمه !!. قال لي أحدهم : لو كنا مع رسول الله والله لكان أحسن ، قلت له : اشكر الله بأن جعلك في آخر الزمان ، إذا الواحد منا اجتهاده ضعيف أو وسط ، و لوضعوه في شعبة الكسالى لكان الأول فيهم ، ولو وضعوه مع الأوائل لكان آخرهم ، فهؤلاء الصحابة الكرام قدَّموا شيئًا لا يصدِّقه العقل. وكانت تعقد للشعبي حلقةٌ في جامع الكوفة ، فيلتفُّ الناسُ حوله زمراً زمرا ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أحياءٌ ، يروحون ويغدون بين أظهر الناس . بل إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه سمعه ذات مرةٍ يقصُّ على الناس أخبار المغازي ، بخفاياها ودقائقها ، وما أدراك ما عبد الله بن عمر !! صحابيٌ جليل عاش مع النبي عليه الصلاة والسلام ، جلسَ مرةً إلى درس يلقيه هذا التابعي الجليل الشعبي عن مغازي رسول الله ، فأصغى السمع ، وأرهف سمعه ، وقال : " لقد شهدتُ بنفسي بعض ما يقصُّه بعيني ، وسمعته بأذني ، ومع ذلك فهو أروى منـي لما شهدت " ، لم يشهد الشعبي هذه الوقائع ، ولكن سيدنا عبد الله شهدها ، ومع ذلك قال :" هذا التابعي أروى مني لما شهدتُ بعيني ، وسمعت بأذني " . وشواهد سعة علم الشعبي وحضور ذهنه غزيرةٌ وفيرة ، والحقيقة هناك آية قرآنية تقول : ( سورة فاطر : من آية " 1 " ) ( سورة فاطر : من آية " 1 " ) لكن بالمناسبة ، إذا افتخر الإنسان بقدرات آتاه الله إيَّاها ، وكانت هذه القدرات غير علمية، فأيّ حيوان يفوق بقدراته الإنسانَ ، وإذا قال الإنسان : أنا عندي دقة بالبصر ، فالصقر يرى ثمانية أضعاف الإنسان ، وإذا قال : أنا شمي مرهف ، فإنّ بعض الكلاب تشمّ مليون ضعف ، فما في صفة ماديَّة في الإنسان - ولحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل - إلا وفي المخلوقات ما يفوقه في هذه الصفة ، إلا أنّ الإنسان ميّزه الله عزَّ وجل بالعلم والعقل .استمعوا لهذه القصة ... روى الشعبي عن نفسه فقال : " أتاني رجلان يتفاخران ؛ أحدهما من بني عامر ، والآخر من بني أسد ، وقد غلب العامريُّ صاحبَه ، وعلا عليه ، وأخذه من ثوبه ، وجعل يجرُّه نحوي جرًّا ، والأسدي مخذولٌ أمامه ، ويقول له : دعني دعني ، وهو يقول له : واللهِ لا أدَعُك حتى يحكم الشعبي لي عليك ، فالتفتُّ إلى العامري وقلت له : دع صاحبك حتى أحكم بينكما ". والظاهر من القصة أنهما كانا في منافسة ملاسنة ، مفاخرة بين رجل عامري ، ورجل من بني أسد ، فقال هذا التابعي الجليل : " دع صاحبك حتى أحكم بينكما ، ثم نظرت إلى الأسدي وقلت : ما لي أراك تتخاذل له ؟ لقد كانت لكم مفاخر ست لم تكن لأحدٍ من العرب ، أولها أنه كانت منكم امرأةٌ خطبها سيد الخلق محمد بن عبد الله ، فزوَّجه الله إيَّاها من فوق سبع سماوات ، وكان السفير بينهما جبريل عليه السلام ، إنها أم المؤمنين زينب بنت جحش ـ هذه خطبها النبي ، والسفير كان بهذه الخطبة جبريل ـ فكانت هذه المأثُرة لقومك ولم تكن لأحدٍ من العرب . قال : والثانية أنه كان منكم رجلٌ من أهل الجنة، يمشي على الأرض هو عكاشة بن محصِن ـ عكاشة من بني أسد ـ هذه لكم الثانية ، والثالثة ..... والرابعة أن أول مغنمٍ قسم في الإسلام كان مغنمه ، والخامسة أن أول من بايع بيعة الرضوان كان منكم ، فقد جاء صاحبكم أبو سنان بن وهبٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " يا رسول الله ابسط يدك أبايعك . قال : " على ماذا ؟ ، قال : على ما في نفسك ، قال : وما في نفسي ؟ قال فتحٌ أو شهادة ، قال: نعم ، فبايعه فجعل الناس يبايعون على بيعة أبي سنان " . ( من كنز العمال ) بعضهم قال :"ولو كان العامري هو المخذول لذكر له من مآثر قومه ما لم يحط به خُبْرَ" . وعنده أخبار أيضاً دقيقة جداً عن بني عامر ، لكنه أراد أن ينتصر لهذا الضعيف . ولمَّا آلت الخلافة إلى عبد الملك بن مرون كتب إلى الحجَّاج عامله على العراق : " أن ابعث إليَّ رجلاً يصلح للدين والدنيا ، أتخذه نديماً أو جليساً " ، فبعث إليه بالشعبي فجعله من خاصَّته ، وأخذ يفزع إلى علمه في المُعضلات . والحقيقة أنّ الإنسان إذا وُفِّق أنْ يستشير أولي العلم ، فهذه نعمة كبيرة ، لكن السؤال مفتاح العلم ، ومن استشار الرجال استعار عقولهم . أنت يمكن أنْ تأخـذ خبرات خمسين سنة متراكمة بسؤال واحد ، فعوِّد نفسك أن تستشير ، فإنّ الله عزَّ وجل وصف المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم ، وأمر النبي المعصوم الذي يوحى إليه أن يشاور أصحابه ، فقال تعالى : ( سورة آل عمران : من آية " 159 " ) الاستشارة - دققوا - لأولي الخبرة من المؤمنين ، والاستخارة لله عزَّ وجل ، فعوِّد نفسك أن تستخير الله ، وأن تستشير أولي الخبرة من المسلمين ، والسؤال مفتاح العلم ، وإنك بالاستشارة تستعير عقول الرجال . فأخذ هذا الخليفة يفزع إلى علمه في المعضلات ، ويعوِّل على رأيه في الملمَّات ، ويبعثه سفيراً بينه وبيـن الملوك ، فقد أرسله مرةً في مهمةٍ إلى جستنيان ملك الروم ، فلما وفد عليه ، واستمع إليه أُخذ بذكائه ، ودهش من دهائه ، وأُعجِب بسعة اطلاعه ، وقوة بيانه ، فاستبقاه عنده أياماً كثيرة على غير عادته مع السفراء ، فلما ألحَّ عليه بأن يأذن له بالعودة إلى دمشق سأله الملك الرومي : " أمن أهل بيت الملك أنت ؟ . قال : " لا ، إنما أنا رجلٌ من جملة المسلمين " ، فلما أذن له بالرحيل قال له : " إذا رجعت إلى صاحبك ـ يعني عبد الملك بن مروان ـ وأبلغته جميع ما يريد معرفته ، فادفع إليه هذه الرُقعة " ، أعطاه كتابًا مختومًا . فلما عاد الشعبي إلى دمشق بادر إلى لقاء عبد الملك ، وأفضى إليه بكل ما رآه وسمعه ، وأجابه عن جميع ما سأل عنه ، ولما نهض لينصرف قال : " يا أمير المؤمنين إن ملك الروم حمَّلني لك هذه الرُقعة " ، ودفعها إليه وانصرف ، فلما قرأها عبد الملك قال لغلمانه : " ردوه عليَّ " ، فردوه ، فقال له : " أعلمت ما في هذه الرقعة ؟ " ، قال : " لا يا أمير المؤمنين " فقال عبد الملك : " لقد كتب إليَّ ملك الروم يقول : عجبت للعرب كيف ملَّكت عليها رجلاً غير هذا الفتى !! " ، فبادره الشعبي قائلاً : " إنما قال هذا لأنه لم يرك ، ولو رآك يا أمير المؤمنين لما قاله " . فخلَّص نفسَه بهذه الحيلة ، فقال عبد الملك : " أفتدري لمَ كتب إلي ملك الروم هذا ؟ " ، قال له : " لا " ، قال عبد الملك : " إنما كتب إليَّ بذلك لأنه حسدني عليك ، فأراد أن يغريني بقتلك والتخلُّص منك " . عجبت كيف تولي العرب رجلاً غير هذا الفتى ، أي : تخلَّصْ منه ، إنه أذكى منك ، وأقوى منك ، فبلغ ذلك ملك الروم فقال : " لله أبوه ، واللهِ ما أردت غير ذلك " . الحقيقة أنّ الإنسان إذا وفَّقه اللهُ فإنه يوفِّقه لاتخاذ أعوان مخلصين ، أصحاب فطانة ، أذكياء ، يحسنون التصرُّف ، فأحياناً تكون الآفة من الأعوان ، والنبي دعا بالبطانة الصالحة التي تدلُّ على الخير ، وتعين عليه ، واستعاذ بالله من بطانة السوء التي تدلّ على الشر ، وتعين عليه، والإنسان إذا اتّخذ صديقًا ، أو اتخذ معينًا ، إنْ كان مدير معمل ، مدير دائرة ، مدير مستشفى ، مدير مدرسة ، فيتخذ إنسانًا أخلاقه عالية ، وذكيًا حصيفًا ، وإلا فالمعين السيئ يدمِّره . لقد بلغ الشعبي في العلم منزلةً جعلته رابع ثلاثةٍ في عصره ، فقد كان الزهري يقول : "العلماء أربعة ؛ سعيد بن المسيِّب في المدينة ، وعامر الشعبي في الكوفة ، والحسن البصري في البصرة ، ومكحولٌ في الشام " ، لكن الشعبي كان بتواضعه يخجل إذا ألبَسه أحد لقب العالِم ، فقد خاطبه أحدهم قائلاً : " أجبني أيها الفقيه العالِم " ، قال : "ويحك لا تُطْرِنَا بما ليس فينا ، الفقيهُ من تورَّع عن محارم الله ، والعالِمُ من خشيَ الله ، وأين نحن من ذلك " . كان في الشام عالِم من العلماء ، وهو الشيخ بدر الدين الحسني ، هذا علَّم العلماء كلهم ، وكان هذا العالم الجليل إذا غضب تغضب له كل البلاد ، مرَّة سأله واحد فضولي فقال له : سيدي لفَّتك ليست بيضاء ، أي لماذا لا تضع لفَّة بيضاء يا سيدي ؟ فقال له : " يا ابني هؤلاء الذين يضعون اللفة البيضاء علماء " ، وسأله مرة واحد : ما مذهبك ؟ فقال له : " يا بني العوام لا مذهبَ لهم ، العوام يقلدون تقليدًا ، وليس لهم مذهب " ، لقد كان متواضعًا ، حتى إنه لم يُصَلِّ بالناس أبداً ، ولا سمح لأحد أن يقبِّل يده ، ولو وزنته بالعلم لكان سيد العلماء . كان مرَّة يمشي في الغوطة مع إخوانه ـ هكذا سمعت ـ فجاء شخص أرعن ، أحمق ، عدواني المزاج ، والأرض طين ، يركب بغلاً - أي بغل على بغل - ويبلِّل الناس بهذا الطين ، وهم يقولون : على مهلك ، على مهلك ، أبداً لم يستجب ، حتى بلَّل الشيخ ، فهؤلاء المريدين مؤدبون جداً ، ولكن أحدَهم لم يتحمَّل الوضع ، فأوجعه ضربًا حتى كاد يهلكه ، فإذا سكتَ الشيخ فثمة مشكلة ، وإن تكلَّم فمشكلة ، فقال كلمة رائعة وذكية جداً ، قال : " ما أفلح قومٌ لا سفيه لهم"، أي : هذا العمل سفاهة ، لكنه ضروري ، أحياناً تجد سفيهًا ، لكنه لسفيه آخر دواء ، قال : " ما أفلح قومٌ لا سفيه لهم ". على كلٍ من التواضع ألاّ يقول : أنا عالم ، نصيحة ، قل : أنا طالب علم ، والله أسمعها من كبار العلماء ، أنا طالب علم ، ويظلُّ المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علِم فقد جهل . في اللحظة التي تتوهَّم أنك عالِم فأنت جاهل ، فإذا تكلم الإنسانُ عن نفسه فليقل : أنا طالب علم ، أرجو من الله التوفيق . قيل لأحدهم : يا سيدي هذا الحديث الذي ذكرته موضوع ، فقال له : لمجرَّد أني قلته فهو صحيح ، هناك جبابرة في العلم . مرَّة سأله شخص عن مسألة فأجاب ، فقال : " قال فيها عمر بن الخطاب كذا ، وقال فيها علي بن أبي طالب كذا " ، فقال له السائل : "وأنت ماذا تقول يا أبا عمرو ؟ ـ ما قولك أنت ؟ ـ فابتسم في استحياء ، وقال : " وما تصنع بقولي بعد أن سمعت مقالة عمر وعلي ؟! من أنا حتى يعتدَّ برأيي ؟! . وسيدنا الشافعي له كلمة رائعة أنه : "إذا وجدتم الحديث الصحيح يخالف قولي فاضربوا بقولي عُرض الحائط " ، لو فرضنا أنّ للشافعي رأيًا ، وعثرت على حديثٍ صحيح خلاف كلام الشافعي ، فالشافعي نفسه قال لك : اضرب بكلامي عرض الحائط " ، ولا تعبأ به ، وكن مع الحديث الشريف ، مَن أنا أمام الحديث ؟ العالِم متواضع ، وانتهى الأمر . كان الشعبي يكره المراء ، ويتصاون عن الخوض فيما لا يعنيه ، فقدْ كلَّمه أحد أصحابه ذات يومٍ فقال : يا أبا عمرو ، فقال : لبيك ، قال : " ماذا تقول فيما يتكلَّم فيه الناس من أمر هذين الرجلين ، قال : أي الرجلين تعني ؟ قال : عثمان وعلي ، قال :" إني والله لفي غنىً عن أن أجيء يوم القيامة خصيماً لعثمان بن عفَّان ، أو لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما جميعاً"، مَن أنا حتى أكون حكمًا بينهما ؟ أنا غني عن أن أكون خصمًا لأحد هذين الصحابيين الكبيرين ، والنبي قال : " إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا ... " . ( من الجامع الصغير : عن ابن مسعود ) ولقد جمع الشعبي إلى العلم الحلم ، فقد روي أن رجلاً شتمه أقبح الشتم ، وأسمعه أقذع الكلام ، فلم يزِدْ عن أن قال له : " إن كنت صادقاً فيما تقول فغفر اللهُ لي ، وإن كنت غير صادق فغفر اللهُ لك " ، انتهى الأمر . لم يكن الشعبي على جلالة قدره ، وجذالة فضله يأنف أن يأخذ المعرفة ، أو يتلقَّى الحكمة مِن أهونِ الناس شأناً ، فلقد دَأَبَ أعرابيٌ على حضور مجالسه ، غير أنه كان يلوذ بالصمت دائماً، فقال له الشعبي مرةً : " ألا تتكلَّم ؟ ، فقال : " أسكت فأسلم ، وأسمع فأعلم ، وإن حظ المرء من أذنه يعود عليه ، أما حظه من لسانه فيعود على غيره " ، فظل الشعبي يردِّد كلمة الأعرابي ما امتدَّت به الحياة ، والمؤمن الصادق ، لا يأنف أن يأخذ الحكمة مِن أي إنسان . أوتي الشعبي من بلاغة الكلام ، وحسن التصرُّف ما لم يؤتَهُ إلا القلةُ النادرة من الفصحاء، فقد كلَّم مرةً أمير العراقَيْن عمرَ بن هبيرة الفزاري في جماعةٍ حبسهم ، فقال :"أيها الأمير إن كنت حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم ، وإن كنت حبستهم بالحق فالعفو يسعه " هناك آية قرآنيَّة تحل ألف مشكلة ... قال تعالى : ( سورة النحل : من آية " 90 " ) وعلى الرغم من مروءة الشعبي ، وعلو منزلته في الدين والعلم ، فقد كان عذب الروح ، حلو المفاكهة ، لا يفوِّت الطُرفة إذا لاحت له ، والإنسان .. " روحوا القلوب ساعةً بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلَّت عميت " . ( من الجامع الصغير ) مرة قال لي أحدهم : أي يوم تخطبون يا أستاذ الجمعة ؟ قلت له : يوم الأحد ، قال : ما هذا الأحد ، هل هناك خطبة يوم الأحد ؟ تسألني متى أخطب ؟ سؤال ليس له معنى ، طبعاً أخطب الجمعة . سأله مرة واحد : مَن تكون زوجة إبليس ؟ قال له : واللهِ هذا عرسٌ ما شهدته . مرة قال : "والله ما حللتُ حبوتي إلى شيءٍ مما ينظر إليه الناس ، ولا ضربتُ غلاماً لي قط ، وما مات ذو قرابةٍ لي وعليه دينٌ إلا قضيته عنه " . إخواننا الكرام ؛ الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين ؛ شهادته ، أدى ماله ، أدى نفسه ، أثمن ما يملك إلا الدَّين ، عَنْ الحَارِثِ بْنِ رِبْعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ - ولو كان شهيدًا - فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا قَالَ أَبُو قَتَادَةَ هُوَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ قَالَ بِالْوَفَاءِ فَصَلَّى عَلَيْهِ* ( من سنن الترمذي ) عُمِّر الشعبي حتى نيَّف على الثمانين ، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ* ( من سنن الترمذي) |
|||
14-05-2009, 08:04 PM | رقم المشاركة : 54 | |||
|
الأقرع بن حابس الدارمي
الأقرع بن حابس الدارمي هو الأقرع بن حابس بن عقال التميمي المجاشعي الدرامي، وقال ابن دريد: اسمه فراس بن حابس، ولقب الأقرع لقرع كان به في رأسه والقرع: انحصاص الشعر. والقرعة بالقاف هي: نخبة الشيء وخياره وقريع الإبل: فحلها وقريع القبيلة: سيدها ومنه اشتق الأقرع بن حابس وغيره ممن سمي من العرب بالأقرع وهو عم الشاعر المشهور الفرزدق وأم الفرزدق هي ليلَى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس... حاله في الجاهلية: كان من سادات العرب في الجاهلية...... وقيل عنه: كان شريفا في الجاهلية والإسلام.... وكان - رضي الله عنه - من وجوه قومه ( بني تميم ). وكان قد رأس وتقدم في قومه قبل أن يسلم ثم أسلم. وقال الزبير في النسب كان الأقرع حكما في الجاهلية وفيه يقول جرير، وقيل غيره، لما تنافر إليه هو والفرافصة أو خالد بن أرطاة: يا أقرع بن حابس يا أقرع... إن تصرع اليوم أخاك تصرع قال المرزباني في معجمعه: وهو أحد حكام العرب في الجاهلية كان يحكم في كل موسم، وهو أول من حرم القمار. قصة إسلامه لما قدم وفد تميم كان معهم فلما قدموا المدينة قال الأقرع بن حابس حين نادى: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلكم الله سبحانه. وقيل: بل الوفد كلهم نادوا بذلك فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ذلكم الله فما تريدون؟ قالوا: نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ونفاخرك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالشعر بعثنا ولا بالفخار أمرنا ولكن هاتوا فقال الأقرع بن حابس لشاب منهم: قم يا فلان فاذكر فضلك وقومك فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء فنحن خير من أهل الأرض أكثرهم عددا وأكثرهم سلاحا فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا وبفعال هو أفضل من فعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم: قم فأجبه فقام ثابت فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظم الناس أحلاما فأجابوه والحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزا لدينه فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قالها منع منا نفسه وماله ومن أباها قاتلناه وكان رغمه في الله تعالى علينا هينا أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات فقال الزبرقان بن بدر لرجل منهم: يا فلان قم فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقال: نحن الكرام فلا حي يعادلنا... نحن الرؤوس وفينا يقسم الربع ونطعم الناس عند المحل كلهم... من السديف إذا لم يؤنس القزع إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد... إنا كذلك عند الفخر نرتفع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بحسان بن ثابت فحضر وقال: قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود والعود: الجمل المسن. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم فأجبه فقال: أسمعني ما قلت فأسمعه فقال حسان: نصرنا رسول الله والدين عنوة... على رغم عات من معد وحاضر بضرب كإبزاغ المخاض مشاشه... وطعن كأفواه اللقاح الصوادر وسل أحدا يوم استقلت شعابه... بضرب لنا مثل الليوث الخوادر ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى... إذا طاب ورد الموت بين العساكر ونضرب هام الدارعين وننتمي... إلى حسب من جذم غسان قاهر فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى... وأمواتنا من خير أهل المقابر فلولا حياء الله قلنا تكرما... على الناس بالخيفين هل من منافر فقام الأقرع بن حابس فقال: إني والله يا محمد لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء قد قلت شعرا فأسمعه قال: هات فقال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا... إذا خالفونا عند ذكر المكارم وأنا رؤوس الناس من كل معسر... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان فأجبه فقال: بني دارم لا تفخروا إن فخركم... يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم... لنا خول من بين ظئر وخادم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد كنت غنيا يا أخا بني دارم أن يذكر منك ما كنت ترى أن الناس قد نسوه " ؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليهما من قول حسان ثم رجع حسان إلى قوله: وأفضل ما نلتم ومن المجد والعلى... ردافتنا من بعد ذكر المكارم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا... ولا تفخروا عند النبي بدارم وإلا ورب البيت مالت أكفنا... على رؤوسكم بالمرهفات الصوارم فقام الأقرع بن حابس فقال: يا هؤلاء ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أرفع صوتا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أرفع صوتا وأحسن قولا ثم دنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يضرك ما كان قبل هذا " وفي وفد بني تميم نزل قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ] {الحجرات:4} ثم أسلم القوم وبقوا بالمدينة مدة يتعلمون القرآن والدين ثم أرادوا الخروج إلى قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم وكساهم... بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم موقف قدومه هو وقومه، وقد سبق ذكره عند إسلامه... شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف من حديث أبي سعيد الخدري قال بعث علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية من اليمن فقسمها بين أربعة أحدهم الأقرع بن حابس... وأعطى يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من غنائم حنين في العرب الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل وهذه الأحاديث الصحيحة تشير إلى بعض مواقفه مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ { البخاري - كتاب فرض الخمس - حديث رقم 2917 } حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ عُمَرُ بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي قَالَ عُمَرُ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا] حَتَّى انْقَضَتْ البخاري - كتاب المغازي - حديث رقم 4019 } حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ {البخاري - كتاب الدب - حديث رقم 5538 } أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ كُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ فَقَالَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ثُمَّ إِذًا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تُطِيعُونَ وَلَكِنَّهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ { النسائي - كتاب مناسك الحج - حديث 2573 } قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَنَّهُ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مسند أحمد - حديث رقم 15422} حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةَ ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ { البخاري - كتاب المناقب - حديث رقم 3254 } وكان - رضي الله عنه من المؤلفة قلوبهم: عن ابن عباس قال: كانت المؤلفة قلوبهم خمسة عشر رجلا منهم: أبو سفيان بن حرب والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزاري وسهيل بن عمرو العامري... بعض المواقف من حياته مع الصحابة شهد الأقرع بن حابس رضي الله عنه مع خالد بن الوليد رضي الله عنه حرب أهل العراق وشهد معه فتح الأنبار وكان على مقدمة خالد بن الوليد... واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره إلى خراسان فأصيب بالجوزجان هو والجيش وذلك في زمن عثمان عن عبيدة بن عمرو السلماني أن عيينة والأقرع استقطعا أبا بكر أرضا فقال لهما عمر إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفكما على الإسلام فأما الآن فاجهدا جهدكما وقطع الكتاب... سار الأقرع بن حابس إلى الجوزجان بعثه الأحنف في جريدة خيل إلى بقية كانت بقيت من الزحوف الذين هزمهم الأحنف فقاتلهم فجال المسلمون جولة فقتل فرسان من فرسانهم ثم أظفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم فتح الأنبار و عين التمر و تسمى هذه الغزوة ذات العيون: ثم سار خالد على تعبيته إلى الأنبار و على مقدمته الأقرع بن حابس و كان بالأنبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم و رشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين ثم نحر ضعاف الإبل و ألقاها في الخندق حتى ردمه بها و جاز هو و أصحابه فوقها فاجتمع المسلمون و الكفار في الخندق و صالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه و يخلي لهم عن البلد و ما فيها ببهمن حاذويه... وقد صحب خالد بن الوليد رضي الله عه في أكثر معاركه باليمامة أيام الردة وشارك كذلك في حروب العراق وأبلى فيها بلاء حسنا... وفاته استشهد رضي الله عنه بجوزجان - - سنة 31 هـ |
|||
15-05-2009, 04:40 PM | رقم المشاركة : 55 | |||
|
البراء بن عازب
البراء بن عازب مقدمة البراء بن عازب بن حارث بن الخزرج الأنصاري ويكنى أبا عمارة... ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بعشر سنوات، قال رضي الله عنه: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر أنا وابن عمر فرَدّنا فلم نشهدها، وقال محمد بن عمر: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة ولم يجز قبلها. من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن البراء بن عازب قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فصافحني فقلت يا رسول الله إن كنت أحسب المصافحة إلا في العجم قال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه بمودة ونصيحة، إلا ألقى الله ذنوبهما بينهما. وعنه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه يقول: "والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينـا فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينـا إذا أرادوا فتنة أبينـا" ورفع بها صوته "أبينا أبينا" وفي البخاري عن سعد بن عبيدة قال حدثني البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة فاجعلهن آخر ما تقول" فقلتُ أستذكرهن وبرسولك الذي أرسلت قال "لا وبنبيك الذي أرسلت" من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم روى البخاري بسنده عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يحدث قال ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه. قال: فسأله عازب عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحثثنا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل قال: ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة معي ثم اضطجع عليها النبي صلى الله عليه وسلم. فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذي أردنا فسألته: لمن أنت يا غلام؟ فقال: أنا لفلان. فقلت له: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت له: هل أنت حالب؟ قال: نعم. فأخذ شاة من غنمه فقلت له: انفض الضرع. قال: فحلب كثبة من لبن ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت، ثم ارتحلنا والطلب في إثرنا، قال البراء: فدخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها فقبل خدها وقال كيف أنت يا بنية. وروى البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها. وكان البراء بن عازبٍ رضي الله عنه من قادة الفتوح، وقد عينه عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته على الري سنة 24هـ فغزا قزوين وما والاها, وفتحها وفتح زنجان عنوة. وقد شهد البراء بن عازبٍ رضي الله عنه غزوة تستر مع أبي موسى وشهد أيضًا وقعتي الجمل وصفين وقتال الخوارج ونزل الكوفة وابتنى بها دارًا... من مواقفه مع التابعين عن أبي داود قال لقيني البراء بن عازب فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال: تدري لم أخذت بيدك؟ قلت: لا إلا إني ظننتك لم تفعله إلا لخير. فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم قال: أتدري لم فعلت بك ذلك؟ قلت: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المسلِمَين إذا التقيا وتصافحا وضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه لا يفعلان ذلك إلا لله لم يتفرقا حتى يغفر لهما. أثره في الأخرين دعوته وتعليمه: عن أبي إسحاق قال: قال لي البراء بن عازب: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : إذا رأيت الناس قد تنافسوا الذهب والفضة فادع بهذه الدعوات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد وأسألك شكر نعمتك والصبر على بلائك وحسن عبادتك والرضا بقضائك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم: روى البخاري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أو يوجه إلى الكعبة فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك في السماء } . فتوجه نحو الكعبة . وقال السفهاء من الناس وهم اليهود { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثم خرج بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال وهو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإضحى بعد الصلاة فقال: (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له ) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله [يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ] عن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وإفشاء السلام وإجابة الداعي وتشميت العاطس ونصر المظلوم وإبرار القسم ونهانا عن الشرب في الفضة فإنه من يشرب فيها في الدنيا لا يشرب فيها في الآخرة وعن التختم بالذهب وركوب المياثر ولباس القسي والحرير والديباج والإستبرق. من أقواله رضي الله عنه: عن البراء بن عازب قال: من تمام التحية أن تصافح أخاك وعنه رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن. وفاته: توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 72 هـ= في إمارة مصعب بن الزبير. |
|||
15-05-2009, 04:43 PM | رقم المشاركة : 56 | |||
|
البراء بن مالك
البراء بن مالك مقدمة البراء بن مالك بن النضر الأنصاري وهو أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه رضي الله عنهما وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا... أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم على حب الشهادة في سبيل الله وعلى اليقين بنصر الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مستجاب الدعوة... عن أنس قال دخلت على البراء بن مالك وهو يتغنى فقلت له قد أبدلك الله ما هو خير منه فقال: أترهب أن أموت على فراشي لا والله ما كان الله ليحرمني ذلك وقد قتلت مائة منفردا - أي مبارزة من المشركين في ميادين القتال - سوى من شاركت فيه... انظر إلى يقين البطل المغوار بربه وحسن ظنه بمولاه أهم ملامح شخصيته: الشجاعة والإقدام وحب الجهاد عن أنس بن مالك قال لما بعث أبو موسى على البصرة كان ممن بعث البراء بن مالك وكان من ورائه فكان يقول له اختر عملا فقال البراء ومعطي أنت ما سألتك قال نعم قال أما إني لا أسألك إمارة مصر ولا جباية خراج ولكن أعطني قوسي وفرسي ورمحي وسيفي وذرني إلى الجهاد في سبيل الله فبعثه على جيش فكان أول من قتل... وعن ابن سيرين: قال: لقي البراء بن مالك يوم مسيلمة رجلا يقال له حمار اليمامة قال: رجل طوال في يده سيف أبيض قال: وكان البراء رجلا قصيرا فضرب البراء رجليه بالسيف فكأنما أخطأه فوقع على قفاه قال: فأخذت سيفه وأغمدت سيفي فما ضربت إلا ضربة واحدة حتى انقطع فألقيته وأخذت سيفي... وكتب عمر بن الخطاب أن لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم أي لفرط شجاعته... وعن محمد بن سيرين: أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين - يوم حرب مسيلمة الكذاب - فجلس البراء بن مالك رضي الله عنه على ترس فقال ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط فاقتحم إليهم وشد عليهم وقاتل حتى افتتح باب الحديقة فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً ولذلك أقام خالد بن الوليد عليه شهراً يداوي جرحه.... وعن أنس بن مالك قال: لما كان يوم العقبة بفارس، و قد زوى الناس، قام البراء بن مالك فركب فرسه و هي تزجي، ثم قال لأصحابه: بئس ما عودتكم أقرانكم عليكم فحمل على العدو ففتح الله على المسلمين... عن ابن سيرين قال: بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزآرة فقتله وأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا فبلع ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه... بين الأخوة في الله والأخوة في النسب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: بينما أنس بن مالك و أخوه البراء بن مالك عند حصن من حصون العدو، والعدو يلقون كلاليب في سلاسل محماة فتعلق بالإنسان فيرفعونه إليهم فعلق بعض تلك الكلاليب بأنس بن مالك فرفعوه حتى أقلوه من الأرض فأتي أخوه البراء بن مالك فقيل: أدرك أخاك وهو يقاتل في الناس فأقبل يسعى حتى نزل في الجدار ثم قبض بيده على السلسلة وهي تدار فما برح يجرهم ويداه تدخنان، حتى قطع الحبل ثم نظر إلى يديه فإذا عظامها تلوح قد ذهب ما عليها من اللحم أنجى الله عز وجل أنس ابن مالك بذاك... من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك يقول: كان البراء بن مالك رجل حسن الصوت فكان يرجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فبينما هو يرجز إذ قارب النساء فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: إياك و القوارير قال: فامسك... من مواقفه مع الصحابة عن أنس قال: لقي أبي بن كعب البراء بن مالك فقال: يا أخي ما تشتهي؟ قال: سويقا وتمرا فجاء فأكل حتى شبع فذكر البراء ابن مالك ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اعلم يا براء أن المرء إذا فعل ذلك بأخيه لوجه الله لا يريد بذلك جزاء ولا شكورا بعث الله إلى منزله عشرة من الملائكة يقدسون الله ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له حولا فإذا كان الحول كتب له مثل عبادة أولئك الملائكة وحق على الله أن يطعمهم من طيبات الجنة في جنة الخلد وملك لا يبيد وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم ضعيف مستضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك " وإن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على ربك " . قال: أقسمت عليك يا رب منحتنا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبي الله صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا رضي الله عنه أثره في الآخرين دعوته وتعليمه قال أنس بن مالك ركب البراء فرسا يوم اليمامة ثم قال أيها الناس إنها والله الجنة وما لي إلى المدينة سبيل فمصع فرسه مصعات ثم كبس وكبس الناس معه فهزم الله المشركين... وفاته كان البراء إذا اشتدت الحرب بين المسلمين والكفار يقولون له: يا براء أقسم على ربك فيقسم على الله فينهزم الكفار فلما كانوا على قنطرة بالسوس قالوا يا براء أقسم على ربك فقال يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم وجعلتنى أول شهيد فأبرّ الله قسمه فانهزم العدو، واستشهد البراء بن مالك وكان ذلك في موقعة "تستر" سنة إحدى و عشرين من الهجرة... |
|||
17-05-2009, 03:09 AM | رقم المشاركة : 57 | |||
|
البراء بن معرور
البراء بن معرور مقدمة البراء بن معرور بن صخر الأنصاري الخزرجي السلمي أبو بشر. قال موسى بن عقبة عن الزهري: كان البراء بن معرور من النفر الذين بايعوا البيعة الأولى بالعقبة وهو أول من بايع في قول ابن إسحاق، وأول من استقبل القبلة، وأول من أوصى بثلث ماله. بيعته كان نقيب قومه بني سلمة. وكان أول من بايع ليلة العقبة الأولى. وعن محمد بن سعد قال: إن البراء أول من تكلم من النقباء ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعون من الأنصار فبايعوه، وأخذ منهم النقباء فقام البراء، فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وحيانا به فكنا أول من أجاب لإاجبنا الله ورسوله وسمعنا وأطعنا يا معشر الأوس والخزرج، قد أكرمكم الله بدينه، فإن أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة بالشكر فأطيعوا الله ورسوله ثم جلس رضي الله عنه. قال ابن حجر في الإصابة: وكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور. مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين، أخو بني سلمة، أن أخاه عبد الله بن كعب، وكان من أعلم الأنصار، حدثه أن أباه كعبا حدثه، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور، سيدنا وكبيرنا. فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء، إني قد رأيت رأيا، فوالله ما أدري، أتوافقونني عليه، أم لا؟ قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر، يعني الكعبة، وأن أصلي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه. قال: فقال: إني لمصل إليها. قال: فقلنا له: لكنا لا نفعل. قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام، وصلى إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة. قال: وقد كنا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلا الإقامة على ذلك. فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء، لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا لا نعرفه، ولم نره قبل ذلك، فلقينا رجلا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا ؛ قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قال: قلنا: نعم - قال: و قد كنا نعرف العباس، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور، سيد قومه ؛ وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر؟ قال: نعم. قال: فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم. قال ابن هشام: وقال عون بن أيوب الأنصاري: ومنا المُصلي أول الناس مُقبلا * على كعبة الرحمن بين المشاعر يعني البراء بن معرور. وهذا البيت في قصيدة له. من كلماته قال البراء بن معرور في موقف البيعة: يا أبا الفضل اسمع منا فسكت العباس فقال البراء لك والله عندنا كتمان ما تحب أن نكتم وإظهار ما تحب أن نظهر وبذل مهج أنفسنا ورضا ربنا عنا إنا أهل حلقة وافرة وأهل منعة وعز وقد كنا على ما كنا عليه من عبادة حجر ونحن كذا فكيف بنا اليوم حين بصرنا الله ما أعمى على غيرنا وأيدنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ابسط يدك فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور وفاته روى أن البراء بن معرور مات قبل الهجرة فوجه قبره إلى الكعبة وكان قد أوصى عليه يعني على قبره وكبر أربعاً. وعن أبي قتادة: أن البراء بن معرور أوصى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلث ماله يصرفه حيث شاء فرده النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق وغيره: مات البراء بن معرور قبل قدوم النبي بشهر. |
|||
17-05-2009, 03:13 AM | رقم المشاركة : 58 | |||
|
الحباب بن المنذر
الحباب بن المنذر أهم ملامح شخصيته 1- الشجاعة فهذا الصحابى قد شهد المشاهد كلها مع رسول الله ولعل ثباته يوم أحد من أكثر المواقف التي تدل على شجاعته فقد ثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد في عصابة صبروا ومعه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام ومن الأنصار الحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وأسيد بن الحضير وسعد بن معاذ.(1) 2- الثقة بالنفس والذكاء والرأي الراجح وظهر ذلك جليا في موقفه في غزوة بدر الكبرى عندما أشار على الرسول بالمكان الأمثل للمسلمين من مواقفه مع الرسول في حياته ففي يوم بدر " وسار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يبادرهم يعني قريشا إليه يعني إلى الماء فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه فقال الحباب بن المنذر بن الجموح : يا رسول الله منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " بل هو الرأي والحرب والمكيدة " قال الحباب : يا رسول الله ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا ثم احفر عليه حوضا فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله( صلى الله عليه وسلم) : " قد أشرت بالرأي " ففعل ذلك.(2) ياله من موقف عظيم من رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) موقف يدل علي التواضع ، وقبول الرأي الصواب أينما كان ، وموقف رائع من الحباب ( رضي الله عنه ) ، فهو الذي رباه النبي ( صلي الله عليه وسلم ) علي مبدأ الشورى ، وأن الدين النصيحة . وفي غزوة أحد أظهر من البطولة والفتوة والتضحية بالنفس الشيء العجيب " روى سعد بن عبادة قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عصابة من أصحابه على الموت يوم أحد حتى انهزم المسلمون فصبروا وكرموا وجعلوا يسترونه بأنفسهم يقول الرجل منهم : نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله وجهي لوجهك الوقاء يا رسول الله وهم يحمونه ويقونه بأنفسهم حتى قتل منهم من قتل وهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير وطلحة وسعد وسهل بن حنيف وابن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وأبو دجانة والحباب بن المنذر. بعض المواقف من حياتة مع الصحابة أبدي الحباب بن المنذر برأيه في سقيفة بني ساعدة فقد اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر فكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال الحباب بن المنذر السلمي لا والله لا نفعل أبدا منا أمير ومنكم أمير قال فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأكرمهم أحسابا يعني قريشا فبايعوا عمر وأبا عبيدة فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وأنت خيرنا وأحبنا إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم) فأخذ عمر بيده فبايعه فبايعه الناس . من كلماته من شعر الحباب بن المنذر: ألم تعلما لله در أبيكما ... وما الناس إلا أكمه وبصير أنا وأعداء النبي محمد ... أسود لها في العالمين زئير نصرنا وآوينا النبي وماله ... سوانا من أهل الملتين نصير (3) تاريخ الوفاة توفي الحباب بن المنذر في خلافة عمر بن الخطاب وليس له عقب وقال ابن سعد:مات في خلافة عمر وقد زاد على الخمسين سنة .(4) |
|||
17-05-2009, 03:20 AM | رقم المشاركة : 59 | |||
|
الحسن بن علي
|
|||
18-05-2009, 09:16 PM | رقم المشاركة : 60 | |||
|
الزبير بن العوام
|
|||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سيرة الشيخ عبدالعزيز بن باز | المساوى | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 5 | 02-12-2010 01:00 PM |
شجرة الصلاة للاطفال | اسراء | رحيق الحوار العام | 0 | 09-09-2010 08:55 PM |
شجرة البندق , نبات | سلسبيل الخير | المطبخ وتنسيق المنزل | 4 | 19-07-2010 08:20 PM |
شجرة عيد الميلاد | سلسبيل الخير | المطبخ وتنسيق المنزل | 1 | 27-03-2010 01:19 AM |
صخرة يوم القيامة | admin | منتدى الأفلام الوثائقية | 4 | 19-04-2009 04:57 PM |
|