منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-05-2009, 04:19 AM رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي


القاسم بن محمد بن أبي بكر

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا لا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقًّا ، وارزقنا اتِّباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثامن عشر من سير التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، والتابعي اليوم هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، حفيدُ سيدنا الصديق .
هذا التابعيُّ الجليل جمع المجدَ من أطرافه كلها ، فأبوه محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وبالمناسبة أيها الإخوة النسب تاج يُتوَّج به المؤمن ، أما إن لم يكن هناك إيمان فلا قيمةَ له إطلاقا ، وأكبر دليل قوله تعالى :
[سورة المسد]
أبو لهب عمُّ النبي ، والدليل الثاني قول النبي صلى الله عليه و سلم : سلمان منا آل البيت " ، وسلمان فارسي ، وقوله : نعم العبد صهيب " أنا جدُّ كل تقي و لو كان عبدا حبشيا " هذه حقيقة ، النسب لا يُعتدُّ به ، ولا يُفتخر به ، ولا قيمة له إلا إذا جاء بعد الإيمان : يا فاطمة بنت محمد ، يا عباس عم رسول الله أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أغني عنكما من الله شيئا ، لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه " أما إذا كان هناك إيمان ، وأنت من أسرة شريفة ، هذا تاج تتوَّج به ، لذلك لا ينبغي أن نصغي أبدا لإنسان متلبِّس بمعصية يدَّعي أنه ابن فلان ، وجدُّه فلان ، ومن هذه الأسرة الكريمة ، هذا كلام لا يقدِّم ، ولا يؤخِّر أبوه محمد بن أبي بكر الصديق ، وأمُّه بنتُ كسرى يزدجرد ، آخر ملوك الفرس ، والدته بنت ملك ، وعمَّته عائشة بنت أبي بكر ، وفوق هذا و ذاك كان تقيًّا عالما ، نهاية العلم التوحيدُ ، ونهاية العمل التقوى ، وتعلموا العلم فإن كنتم سادة فُقتم ، وإن كنتم وسطا سُدتم ، وإن كنتم سوقةً عشتم ، أحيانا الإنسان يشعر أنه ليس له أسرة راقية يفتخر بها ، وليس معه رأس مال ضخم يعيش به حياة ناعمة ، باب العلم مفتوح لكل الناس ، إنسان فقير ، إنسان مغمور ، فباب العلم بإمكان كل إنسان أن يدخل منه ، وإذا دخل منه تفوَّق ، أحد خلفاء بني أمية أراد أن يسأل عالما جليلا ، هذا العالم أسود اللون ، أفطس الأنف ، مفلفل الشعر ، وكان من كبار العلماء ، وقف أحدُ أكبر خلفاء بني أمية بين يديه متأدِّبا وسأله ، و العالم يجيب ، فقال الخليفةُ لأولاده : انظُر يا بنيَّ إلى ذلِّنا بين يديه ، رتبة العلم أعلى الرتب ، أي إذا أردتَ الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، و إذا أردتهما معا فعليك بالعلم .
هذا التعليق أردتُ منه أنّ أيَّ إنسان يشكو أنه غير معروف ، مغمور ، فقير، لا حصّل مجد المال ، ولا حصَّل مجدا اجتماعيا معيَّنا ، نقول له : باب العلم مفتوح لك ، إذا تفوَّقتَ في العلم بإمكانك أن تصل إلى أعلى مرتبة ، مثلا ، تجد أكبر شخصية أمام الطبيب مثل الطفل ، ماذا أفعل يا دكتور ، قد يكون الطبيبُ متفوِّقا ، لكنه كان في الأصل مغمورا ، ولما صار طبيبا ، وتفوَّق ، فأكبر الشخصيات يستفتونه في شأن صحَّتهم ، يسألون خبيرًا اقتصاديًّا ، وأحيانا يُستشار من قِبَل أعلى مستوى ، أحيانا خبير حقوقي يُستشار ، والحقيقة الذي يحمي العالَم العلماءُ والرؤساء ، في كل أنحاء العالَم لا يتَخذون قرارا إلا بعد استشارات من العلماء ، فالعلم هو الأساس ، ففوق أنّ أمه بنت كسرى ، وأن أباه محمد بن أبي بكر ، فوق هذا وذاك كان عالما تقيًّا.
الحقيقة هناك نقطة مهمة أيها الإخوة ، أنت إنسان كائن ، تأكل ، وتشرب ، وتنام ، وتعمل ، وتتزوج ، وتنجب ، أيُّ مخلوق آخر له نفس الخصائص ، أيُّ مخلوق غير إنساني يأكل ، ويشرب ، ويتزوج ، ويعمل ، والإنسان إذا ألغى العلمَ من حياته ، وألغى طلب العلم فقد ألغى إنسانيته ، والإنسان إذا ألغى العلم ولم يطلبه فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى آخر ، فالذي يؤكِّد إنسانيتك علُمك و أخلاقُك ، تذكرون أحد التابعين ، قيل عنه : كان قصير القامة ، أسمر اللون ، مائل الكتف ، غائر العينين ، ناتئ الوجنتين ، أحنف الرجل ، ليس شيءٌ من قُبحِ المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيدَ قومه ، إذا غضِبَ غضِبَ لغضبته مائة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب ، وكان إذا علم أن الماءَ يفسد مروءته ما شربه ، فالذي يؤكِّد إنسانية الإنسان علمُه و أخلاقُه ، وما سوى العلم و الأخلاق هو وبقية المخلوقات سيان .
القاسم بن محمد بن أبي بكر أحد فقهاء المدينة السبعة ، وأفضل أهل زمنه علما وأحدُّهم ذهنا ، وأشدُّهم ورعا ، فما قصَّة هذا التابعي الجليل ؟
هناك سؤال صغير ، يا تُرى حدَّة الذهن أليست هبةً من الله عزوجل ؟ هبة ، إلا أن الذي أعرفه أن الإنسان إذا كان مطلبُه عاليا جدا آتاه اللهُ القدرات العقلية و البيانية ، حيث تلبِّي هذا الطلب العالي ، فكلُّ إنسان يعطيه الله من الإمكانات و القدرات العامة والخاصة ما يتناسب مع مطلبه الثمين ، هناك شخص تنتهي كلُّ طموحاته عند الزواج ، تنتهي كل طموحاته عند حيازة المال ، تنتهي كل طموحاته إذا حقَّق مكانة اجتماعية ، ليس له أهداف كبيرة أخروية ، هذا الإنسان يعطيه الله من الإمكانات ما يتناسب مع هذه المطالب المتواضعة ، لكن هؤلاء الذين أرادوا هداية البشر يعطيهم الله إمكانات فكرية وعقلية وبيانية تفوق حدَّ الخيال ، لذلك من خصائص الأنبياء الفطانة ، والنبيُّ عليه الصلاة و السلام ، دعونا من نبوَّته ومن رسالته فهو شخصية فذَّة ، كان يفهم أدقَّ الأمور ، ويتصرَّف بحكمة ما بعدها حكمة ، قلت لكم مرة : إن أصحابه الأنصار لما وجدوا عليه في أنفسهم ، صارت هناك حركة ضده ، ما أعطاهم من الغنائم شيئا ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللـَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللـَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا *
[رواه أحمد]

إنها فتنة ، فكيف أنّ النبيُّ أوَّلاً بوفائه وعفوه ورحمته وحكمته وبسياسته حلَّ مشكلتهم ، حتى بكوا وأخضلوا لحاهم " .
مرة قلت لكم : إن أحــد الخلفاء جاءته رسالةٌ من مواطن عادي : أما بعد ؛ فيا معاوية مباشرة ، لا أمير المؤمنين ، ولا خليفة ، ولا شيئا من هذا - إن رجالك قد دخلوا أرضي ، فَانْهَهُمْ عن ذلك ، وإلا كان لي ولك شأنٌ ، والسلام " ، مباشرة ، أعطاها لابنه ، فلما قرأها صار يرجف، قال :" أرى أن ترسل له جيشا أولُه عنده و آخره عندك يأتوك برأسه "، تبسَّم سيدنا معاوية ، وقال له : غيرُ هذا أفضل ، كتب : اكتب للكاتب : أما بعد فقد وقفتُ على كتاب ولد حواري رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، و الدنيـا كلها هيِّنة جنب رضاه ، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها " ، ويأتي الجوابُ : أما بعد ؛ فيا أمير المؤمنين ، أطال اللهُ بقاءك ، ولا أعدمك الرأيَ الذي أحلَّك من قومك هذا المحلَّ " ، يأتي ابنُه ، ويقول له : يا بنيَّ انظر ، تريد أن نبعث له جيشا أوله عنده و آخره عندنا ، يأتون برأسه ، حروب عشر سنوات ، هذا الكلام الطيِّب أطفأ الفتنةَ ، قال له : يا بني من عفا ساد ، و من حلُم عظُم ، و من تجاوز استمال إليه القلوبَ".
مرَّ معي حديثٌ دقيق ، قال عليه الصلاة و السلام : الإنسان إذا كظم غيظه ، و عفا أورثه اللهُ أمنا وإيمانا " ، هذا الحديث دقيق جدا ، لمّا يعفو الإنسان عن خصومه ، ما الذي يحدث ؟ أولا : ييقى الطريقُ إلى الله سالكا ، لأنه عمل عملا يرضي اللهَ ، ويزداد إيمانه ، ثانيا : هذا الذي عفوتَ عنه أحبَّك ، وذاب في حبِّك ، فأنت اطمأننت ، أما لو انتقمت منه ، صار جوُّك متوتِّرا ، في قلق ، طبعا العنفُ لا يأتي إلا بالعنف ، هذه قاعدة ، العنف لا يلد إلا العنف ، لما تنتقم سيتحرَّك المنتَقم منه لينتقم منك ثانية ، إلى سلسلة لا نهاية لها ، لو يعلم الناسُ ما في العفو من راحة نفسية ، ومن سعادة ، ومن لَمِّ الشمل ، ومن تكتُّل الناس بعضِهم بعضا لاتّخذه سبيلا في حياته ، أما الانتقام دائما فيسبِّب العنف الذي لا يلد إلا العنف .
هذا التابعي الجليل وُلد في أواخر خلافة عثمان بن عفان ، هذا الطفل الصغير له قصة ، والدُه عُيِّن واليًا على مصر ، وقُتِل والدُه في مصر ، فنُقــل مرة ثانية إلى المدينة ، تبدأ القصةُ حينما يتحدَّث هو عن نفسه ، يقول : لما قُتل أبي بمصر جاء عمي عبد الرحمن بن أبي بكر فاحتملني أنا وأختي الصغيرة ، ومضى بنا إلى المدينة ، هذه القصة الآن محورها أثر التربية في شخصية الإنسان ، فما إن بلغناها حتى بعثت إلينا عمَّتي عائشة رضي الله عنها - واللهِ أيها الإخوة المرأة إذا قامت بواجباتها خير قيام تصنع الرجالَ ، و كما ورد لما : امرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجَها ، وسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات ، قالت : يا رسول الله : إن زوجي تزوَّجني وأنا شابة ، ذات أهل و مال ، فلما كبرت سني ، و نثر بطني ، و تفرق أهلي ، وذهب مالي قال : أنتِ عليَّ كظهر أمي ، ولي منه أولاد ، إن تركتهم إليه ضاعوا - هي المربِّية - وإن ضممتهم إليَّ جاعوا ، الآن تلاحظ الأشخاص الناجحين في حياتهم أحد أكبر أسباب نجاحاتهم تلقوا تربية جيِّدة حينما كانوا صغارا ، والتربية البيتية لها أثر كبير جدا في مستقبله ، الذي عنده أولاد ، فأكبر ثروة ، وأعظم عمل ، وأكبر سعادة أن تصُبَّ كلَّ اهتمامك عليهم ، حتى يتربَّوا تربية عالية ، اسمعوا هذا الكلام ، وأنا أعني ما أقول بشكل دقيق ، لو وصلت إلى أعلى مستوى ماليٍّ في العالم ، لو كان حجمُك أربعون ألف مليون دولار ، لو وصلت إلى أكبر حجم من القوة في العالم ، وملكت زمام الدنيا ، لو وصلت إلى أكبر مرتبة دينية في العالم ، فصرت عالم العلماء ، ولم يكن ابنُك على شاكلتك لشقيتَ به ، الإنسان يشقى بشقاء أولاده ، والآباء الشباب هذه الحقيقة لا يلتفتون إليها ، أما حينما يكبر أولادهم ، وينحرفون يعضُّون على أناملهم ندما ، تربية الأولاد أجلُّ عمل يفعله الإنسان في حياته ، تربية الأولاد استمرار لحياتك من بعدك .
الآن سنلاحظ ماذا فعلت هذه العمةُ الجليلة السيدة عائشة ، قال : فحملتنا من منزل عمنا إلى بيتها ، وربَّتنا في حجـرها ، فما رأيتُ والدةً قط ، ولا والدا أكثر منها برًّا ، ولا أوفر منها شفقة ، كانت تطعمني بيديها ، ولا تأكل معنا ، فإذا بقي من طعامنا شيءٌ أكلته ، السيدة عائشة ، وكانت تحنو علينا حنوَّ المرضعات على الفطيم ، تغسل أجسادنا ، وتمشِّط شعورنا ، وتلبسنا الأبيضَ الناصعَ من الثياب ، و كانت لا تفتأ تحضُّنا على الخير ، وتمرّسنا بفعله ، وتنهانا عن الشرِّ ، وتحملنا على تركه ، وقد دأبت على تلقيننا ما نطيقه من كتاب الله تعالى ، وتروي لنا ما نعقله من حديث رسول الله ، وكانت تزيدنا برًّا وإتحافا في العيدين ، فإذا كانت عشيِّةُ عرفة حلقت لي شعري، وغسلتني أنا وأختي ، فإذا أصبحنا ألبستنا الجديدَ ، و بعثت بنا إلى المسجد النبوي لنؤدِّي صلاة العيد ، فإذا عُدنا منه جمعتني أنا وأختي وضحَّت بين أيدينا ، هذه السيدة عائشة .
يا أيها الإخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة و السلام يخاطب امراةً يقول : اعلَمي أيتها المرأة ، و أعِلمي من دونكِ من النساء أن حسنَ تبعُّل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله " ، فالمرأة الصالحة أولادها شهاداتها ، قد ترقى المرأةُ الصالحةُ إلى أعلى مرتبة بحسن رعايتها لزوجها وأولادها ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ

((مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ)) .
[رواه ابن ماجه]

أي هندامها جيِّد ، تعتني بمظهرها لزوجها ، لا للطريق ، و لكن هناك رواية للحديث"و إذا نظرت سرتك " ما قال : إليها ، أي إذا نظرت إلى الأولاد ، مرتَّبين في الملبس والهيئة ، شعورهم مهندمة، ثيابهم نظيفة ، نظرت إلى المطبخ نظيفة ، وإلى غرفة النوم مرتبة ، و إذا نظرت سرتك"، أي إذا قامــت المرأة بحقِّ زوجها و أولادها فهي مع رسول الله في الجنة ، قال عليه الصلاة و السلام : " أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة " ، ما كان يخطر على بالنا أن هذه السيدة عائشة رضي الله عنها بهذا الاهتمام ، وهذا العطف .
مرة ثانية ، فما أنْ بلغنا المدينـة حتى حملتني أنا وأختي إلى بيتها ، وربَّتنا في حجرها ، فما رأيتُ والدةً قط ، ولا والدًا أكثر منها بِرًّا ، ولا أوفر شفقة ، كانت تطعمني بيديها ، ولا تأكل معنا، فإذا بقي من طعامنا شيءٌ أكلته ، السيدة عائشة ، وكانت تحنو علينا حنوَّ المرضعات على الفطيم ، تغسل أجسادنا ، وتمشِّط شعورنا ، وتلبسنا الأبيضَ الناصعَ من الثياب ، وكانت لا تفتأ تحضُّنا على الخير ، وتمرّسنا بفعله ، وتنهانا عن الشرِّ ، وتحملنا على تركه ، وقد دأبت على تلقيننا ما نطيقه من كتاب الله تعالى ، وتروي لنا ما نعقله من حديث رسول الله ، عناية مادية ، وعناية علمية ، إطعام ، ثياب نظيفة ، تعليم القرآن ، وتعليم السنة ، هذه المرأة التي تهزُّ سرير ابنها بيسراها ، وتهزّ العالم بيمناها ، المرأة إذا عرفت ربَّها ، وعرفت مهمَّتها في الحياة فهذا شيء لا يُقدَّر بثمن ، لذلك أكبر واجب مُلْقًى على كاهلك اتِّجاهَ أولادك أن تحسن اختيار أمهم ، قبل أن تخطب عُدَّ للمليون ، هذه أمُّ أولادك ، هذه سوف تربي أولادك ، أخلاقها ، وعلمها ، واستقامتها ، وعفتها ، وأمانتها ، و صدقها ، وتربيتها ، ومستواها الاجتماعي ، ومستواها الثقافي، شيء خطير جدًّا .
وفي ذات يوم ألبستنا ثيابا بيضًا ، ثم أجلستني على إحدى ركبتيها ، وأجلست أختي على ركبتها الأخرى ؛ الطفل لا ينسى ، الطفل الصغير لا ينسى الإكرام ، و لا ينسى الحنان ، والعطف ، والرعاية ، طعامه مؤمَّن ، ولباسه مؤمَّن ، إذا مرض بسرعة نحكِّمه ، لباسه في الشتاء جيِّدة ، تقيه البرد ، غرفته نظيفة ، هذا يُغرس معه ، أي حينما تخرج المرأة من بيتها ، وتهمل أولادها فقد خانت أمانة الله ، و كانت قد دعت عمِّي عبد الرحمن ، فلما دخل عليها حيَّته ، ثم تكلمت ، القاسم بن محمد وأخته على يسراها ، ودعت أخاها عمي عبد الرحمن ، فلما دخل عليها حمدت اللهَ عزوجل ، وأثنت عليه بما هو أهلُه ، فما رأيتُ متكلِّما قطُّ من رجل أو امرأة قبلها ولا بعدها أفصحَ منها لسانا ، ولا أعذبَ منها بيانا ، ثم قالت : أي أخي إني لم أزل أراك معرضا عني منذ أخذتُ هذين الصبيين منك ، وضممتُهما إليَّ ، يبدو أن أخاها عندما أخذت منه أختُه هذين الصبيين تألَّم فأعرض عنها ، فلما اعتنت بهما العناية الفائقة ، وأصبحا في سنٍّ يكفيان نفسيهما دعت أخاها ، وقالت : أي أخي إني لم أزل أراك معرضا عني منذ أخذت هذين الصبيين منك ، و ضممتهما إليَّ، و واللهِ ما فعلتُ ذلك تطاولا عليك ، ولا سوء ظنّ بك ، واتِّهاما لك بالتقصير في حقِّهما ، ولكنك رجل ذو نساء ، عندك عدة زوجات ، وهما صبيان صغيران لا يقومان بأمر نفسيهما ، فخشيتُ أن يرى نساؤُك منهما ما يستقذرنه ، فلا يطبن بهما نفسا ، ووجدتُ أني أحقُّ منهن بالقيام على أمرهما في هذه الحال ، وها هما الآن قد شبَّا ، وأصبحا قادرين على القيام بأمر نفسيهما ، فخذهما ، وضمَّهما إليك ، أي حينما كانا يحتاجان إلى تنظيف ورعاية ، آثرت السيدة عائشة أن تأخذ الطفلين إليها ، فلما صارا في مستوى يقومان بأمر نفسيهما، قالت لأخيها : خذهما ، طِب بهما نفسا ، فأخذنا عمي عبدُ الرحمن ، وضمَّنا إلى بيته ، بيد أن الغلام البكري ظلَّ معلَّق القلب ببيت عمَّته أمِّ المؤمنين رضوان الله عليها .
الذي يربِّي أولادًا ، يا إخواننا الولد والطفل الصغير يجب أن يرضع الحنان مع حليب أمِّه ، تجد الآن مواقف في العالم قاسية جدا ، تستغرب ، هل تعلم ما السبب ؟ ستون بالمائة من أطفال العالَم الغربي أطفال زنا ، لقطاء ، ما شرب حنان الأم إطلاقا ، ولا حنان الأب ، ولا عرف مرضعة ، إلا مربية في مستشفى ، أو في مصحٍّ، لكن لا شيء يعوِّض عن الأم ، فالذي يرضع مع حليب أمه العطف و الحنان يصبح إنسانا رحيما ، لا يتَّخذ قرارًا قاسيا جدا ، الآن في العالَم أعمال إجرامية فوق حدِّ الخيال ، والسبب هذه تصدر عن قلوب ليس فيها الرحمة إطلاقا ، والرحمة أساسا يأخذها الإنسانُ مع حليب أمِّه .
أيها الإخوة ؛ يقول هذا التابعيُّ الجليل : قلتُ ذات يوم لعمتي عائشة رضي الله عنها : يا عمَّتي اكشِفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه ، فإني أريد أن أراهما ، وكانت القبورُ الثلاثة ما زالت داخل بيتها ، وقد غطَّتها بما يسترها عن العين ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور ، لا مشرفة و لا واطئة ، قد مهِّدت بصغار الحصى الحمر ، مما كان في باحة المسجد ، فقلتُ : أين قبرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشارت بيدها ، وقالت : هذا ، ثم تحدَّرت على خدَّيها دمعتان كبيرتان ، فبادرتْ فمسحتْهما حتى لا أراهما ، وكان قبرُ النبي صلى الله عليه وسلم مقدَّما على قبر صاحبيه ، فقلت : وأين قبر جدي أبي بكر ؟ قالت : هو ذا ، وكان مدفونا عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلتُ : وهذا قبرُ عمر ؟ قالت : نعم ، وكان رأسُ عمر رضوان الله عليه عند خصر جدي قريبا من رجل النبي عليه الصلاة و السلام .
ولما شبَّ الفتى البكري كان قد حفظ كتاب الله تعالى ، وأخذ عن عمته عائشة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء له أن يأخذ ، ثم أقبل على الحرم النبوي الشريف ، وانقطع إلى حلقات العلم التي كانت تنتشر في كل ركن من أركانه ، فروى عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وعن عبد الله بن عمر ، و عن عبد الله بن عباس ، وعن عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن خبَّاب ، ورافع بن خديج ، وأسلم مولى عمر بن الخطاب ، وغيرهم وغيرهم ، أي تلقَّى العلمَ عن كبار العلماء في عصره ، حتى غدا إماما مجتهدا ، وأصبح من أعلم أهل زمانه بالسنة ، وكان الرجلُ لا يُعدُّ رجلا عندهم حتى يتقن السنة ، لأن السنة فيها تبيان للقرآن الكريم ، وربُّنا عزوجل حينما حفظ كتابه ، قال العلماء : إن حفظ السنة من لوازم حفظ الكتاب ، لأن السنة مبيَّنة للكتاب .
ولما اكتمل لهذا الشاب البكري العلمُ صار معلِّما ، قالوا : تعلَّموا قبل أن ترأسوا ، فإن ترأستم فلن تعلموا ، فالإنسان في طور البناء الذاتي مهما اجتهد في ترسيخ علمه ، وفي تمكين نفسه من الحقائق الناصعة مع أدلَّتها فهذا مما يعينه على العطاء ، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى أصبح القاسمُ بن محمد وابن خالته سالم إمامي المدينة الموثوقين ، فقد سوَّدهما الناسُ لِما كان يتحلَّيان به من التقى والورع ، وقد بلغ من مكانتهما في النفوس أن خلفاءَ بني أمية وولاتهم كانوا لا يقطعون أمرا ذا بالٍ في شأن من شؤون المدينة إلا برأيهما .
مرة الوليدُ بن عبد الملك عزم على توسعة الحرم النبوي الشريف ، ولم يكن في وسعه تحقيقَ هذه الأمنيــة الغالية إلا إذا هدم المسجدَ القديم من جهاته الأربع ، و أزال بيوت زوجات النبي صلوات الله عليه ، وضمَّهما إلى المسجد ، وهي أمورٌ تشقُّ على الناس ، ولا تطيب نفوسُهم بها ، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز واليه على المدينة يقول : لقد رأيتُ أن أوسِّع مسجدَ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حتى يصبح مائتي ذراع في مائتي ذراع ، فاهدِم جدرانه الأربعة ، وأدخل فيه حجَر زوجات النبي ، واشترِ ما في نواحيه من البيوت ، وقدِّم القبلةَ إن قدرت ، و إنك تستطيع ذلك لمكان أخوالك آل الخطاب ، فإن أبى عليك أهلُ المدينة ذلك - إذا لم يقبلوا - فاستعن بالقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ، وأشركهما معك في الأمر ، وادفع إلى الناس أثمانَ بيوتهم بسخاء ، وإن لك في ذلك سلف صدق ، هم عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان اللذان وسَّعا المسجد ، فدعا عمرُ بن عبد العزيز القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطائفة من وجوه أهل المدينة ، وقرأ عليهم كتابَ أمير المؤمنين ، فسُرُّوا بما عزم عليه ، وهبُّوا لإنفاذه ، فلما رأى أهلُ المدينة عالمي المدينة وإماميها الكبيرين يباشران في هدم المسجد بأيديهما قاموا معهما قومةَ رجل واحد ، أي لم يكن في الإمكان أبدا أن تنهدم حجرةُ النبي ولا الجدران الأربعة إن لم يقبل هذا التابعي الجليـل ، هو قبِل ، واقتنع بالأمر ، فهدم بيده هذه الجدران ، حتى أقبل الناسُ على هذا العمل العظيم في توسعة المسجد .
لما علِم ملِكُ الروم بعزم أمير المؤمنين بتوسعة المسجد أحبَّ أن يصانعهم ، و يتقرَّب بما يسرُّه، بعث إليه بمائة ألف مثقال من الذهب ، وأرسل معها مائة عامل من أمهر البنَّائين في بلاد الروم ، كيف كان للمسلمين شأنٌ كبير ، أراد ملك الروم أن يتقرَّب إلى الخليفة بإرسال هذه الخبرات الفنية مع العمال ، وزوَّد العمالَ بأربعين حِملا من الفسيفساء ، فأرسل الوليدُ هذا كلَّه إلى عمر بن عبد العزيز ليستعين به على البناء فأنفذه عمرُ بمشورة القاسم بن محمد .
مرة هناك أعرابي دخل المسجد فقال : أيهما أعلم أنت أم سالم ؟ فتشاغل عنه القاسمُ ، أعاد عليه السؤال ، فقال : سبحان الله ، أعاده مرة ثالثة ، فقال له : ذاك سالم يا بن أخي يجلس هناك فقال : من في المجلس ؟ للهِ أبوه ، لقد كره أن يقول : أنا أعلم منه فيزكِّي نفسَه ، و كره أن يقول: هو أعلم مني فيكذب ، و كان أعلمَ من سالم ، كانة هناك أدب جمٌّ.
مرة كان في مِنًى ، و الناسُ حوله متحلِّقون يسألونه ، فيقول في بعض السؤال : لا أدري ، لا أعلم ، فأخذهم العجبُ ، فقال لهم : واللهِ ما نعلم كلَّ ما تسألون عنه ، ولو علمناه ما كتمناه ، ولا يحلُّ لنا أن نكتمه ، ولأنْ يعيش الرجلُ جاهلا بعد أن يعرف حقَّ الله عليه خيرٌ له من أن يقول لشيء لا يعلم : أعلمه ، القصة مشهورة ، إمام دار الهجرة ؛ الإمام مالك جاءه وفدٌ من الأندلس معه سبع وثلاثون سؤالا ، الوفد قطع شهرين من السفر ، فأجاب عن بعض الأسئلة ، وعن البعض الآخر قال : لا أدري ، ما صدَّقوا ، الإمام مالك لا يدري ، فقال لهم بأعلى صوته : قولوا لمن في المغرب الإمام مالك لا يدري " ، ونصف العلم : لا أدري ، وكلمة لا أدري لا يقولها إلا المتورِّع ، هذه وسام شرف ، أن تقول : لا أدري ، أما أن تقول لكل شيء : أدري معنى ذلك لا تدري شيئا ، لذلك يظلُّ المرءُ عالما ما طلب العلمَ ، فإذا ظنَّ أنه قد علم فقد جهِل .
أتاه اليقينُ وهو في سنٍّ متقدِّمة ، قصَد مكةَ يريد الحجَّ ، وفيما هو في بعض طريقه أتاه اليقينُ، فلما أحسَّ بالأجل التفت إلى ابنه ، وقال : إذا أنا متُّ فكفِّني بثيابي التي كنتُ أصلي بها ، قميصي، وإزاري ، وردائي ، فذلك كان كفنُ جدِّك أبي بكر ، ثم سوِّ عليَّ لحدي ، والحق بأهلك ، وإياكم أن تقفوا على قبري ، وتقولوا : كان وكان ، فما كنتُ شيئا ، فالتواضعُ يتناسب مع بلوغ أعلى مراتب العلم والتقوى ، ودائما الشيء الفارغ له صوت كبير ، والشيء المليء صوته خفيٌّ ، فكان هذا التابعي الجليل من أورع التابعين ، ومن أشدِّهم علما ، وقد أمضى حياته بهذه الطريقة .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه السيرُ عن التابعين الأجلاَّء باعثا لنا على طلب العلم ، وعلى التخلّق بأخلاق النبيِّ عليه الصلاة السلام ، كما قلتُ في أول الدرس ، إذا فاتَ الإنسانَ مجدُ المال ، وفاته مجدُ النسب ، وفاته مجدُ الشأن الاجتماعي ، فبابُ العلم مفتوحٌ لكل مَن فاتته هذه الأمجادُ ، وبإمكانه أن يصل إلى أعلى المراتب عن طريق العلم .
أختم كلمتي بهذا القول : إذا أردتَ الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردتَ الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم .







رد مع اقتباس
قديم 03-05-2009, 12:14 AM رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


لؤلؤة الغرب غير متواجد حالياً


افتراضي الحسين بن علي

سيد شباب أهل الجنة
الحسين بن علي
مقدمة
إنه الحسين بن علي -رضي الله عنه-، الحفيد الثاني لرسول الله (، من ابنته فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، زوج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد وُلد الحسين -رضي الله عنه- يوم الخامس من شعبان سنة أربعة من الهجرة، وعند ولادته أخذه النبي ( وحمله بين ذراعيه ولثم فاه بقبلة حانية طاهرة، وسماه حسينًا، وقال: (حسين مني وأنا من حسين، أَحَبَ اللهُ من أحب حسينًا) [الترمذي وأحمد].
وكان النبي ( يحب الحسين حبًّا شديدًا، فنشأ الحسين في حجر النبي ( حتى بلغ السابعة من عمره لا يفارقه، ولا يبعد عنه، ويناديه يا أبت، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله (، ولذا أحبه الصحابة وعظمه الخلفاء منذ صغره.
وذات يوم دخل الحسين -رضي الله عنه- المسجد، فقال جابر ابن عبد الله
-رضي الله عنه-: (من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، سمعته من رسول الله ( [أبو يعلي].
وكان الحسين -رضي الله عنه- عابدًا يكثر الصوم والصلاة والحج والصدقة، وكان يحسن المعاملة مع مواليه وخدمه، فيروى أنه دخلت عليه جارية وبيدها باقة من الريحان فحيته بها، فقال لها الحسين: أنت حرَّة لوجه الله -تعالى-، فقيل له: جارية تحييك بطاقة (باقة) ريحان فتعتقها؟
فقال الحسين: هكذا أدبنا الله، فقال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]، وكان أحسن منها عتقها.
وأحب الحسين -رضي الله عنه- العلم حتى صار بحرًا في علوم القرآن وحديث رسول الله ( والفقه، فكان يلقي دروسًا في مسجد رسول الله (، وكان الصحابة والتابعون يحرصون على حضور حلقته واستماع العلم منه، وفي هذا يقول معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: إذا دخلت مسجد رسول الله ( فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رءوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله الحسين.
وقد عُرف -رضي الله عنه- بشجاعته وجهاده العظيم في سبيل الله لنصْرة الدين، فاشترك في فتح شمال إفريقية في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وساهم في فتح طبرستان، وساند الحسين أباه الإمام عليَّا في حروبه بالجمل وصفين والخوارج.
ولما توفي الإمام على وقف الحسين مع أخيه الحسن يناصره ويؤازره، فلما تنازل الحسن -رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان؛ حقنًا لدماء المسلمين، وجمعًا لكلمتهم، قال الحسين لأخيه الحسن في أدب ووقار: أنت أكبر وَلَدِ عليّ، وأمرنا لأمرك تبع، فافعل ما بدا لك.
وعكف الحسين بعد ذلك على طلب العلم والعبادة، حتى مات معاوية بعد أن أخذ البيعة لابنه يزيد مخالفًا بذلك إحدى شروط الصلح، وهو أن يُترك الأمر من بعده شورى بين المسلمين، عندها لم يسكت الحسين، وبايعه كثير من المسلمين، وطلبوا منه أن يكون خليفتهم، وأرسل إليه أهل الكوفة يبايعونه، ويحثونه على أن يأتي إليهم، فخرج الحسين مع أهله وبعض مناصريه متوجهًا نحو الكوفة، وحاول ابن عباس وأبو سعيد الخدري وابن عمر -رضي الله عنهم- منعه عن الخروج من مكة لكنه -رضي الله عنه- عزم على الخروج.
وفي الطريق، قابل الفرزدق الشاعر المعروف فسأله: كيف تركت الناس في الكوفة؟ فأجابه الفرزدق: تركتهم قلوبهم معك وسيوفهم عليك. فقال الحسين: لله الأمر من قبل ومن بعد، ثم أكمل سيره حتى وصل إلى مكان يسمى (كربلاء) على مقربة من نهر الفرات؛ حيث دارت المعركة، وراح ضحيتها الحسين شهيدًا مع كثير مـن أهله وصحبه، وكان ذلك سنة (61 هـ).
وقد حفظ الله نسل النبي ( في الحسن والحسين، فكل من ينتسب إلى النبي ( يرجع نسبه إلى الحسن أو الحسين -رضي الله عنهما-.


مكانته وفضله
رُوِيَت أحاديث عديدة تدل على فضله وتعلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم به، وبأخيه الحسن منها: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما. انفرد بإخراجه البخاري.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وعن زر عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني" يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وعن علي رضي الله عنه قال: الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل ذلك.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: حَجَّ الحسين بن علي رضي الله عنهما خمسًا وعشرين حجة ماشيًا, ونجائبه تُقَادُ معه.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم الحسن والحسين رضي الله عنهما ويحبهما حبًا شديدًا ويحنو عليهما، وقد توفي وهو عنهما راضٍ، ثم كان الصديق رضي الله عنه فكان يكرم الحسين ويعظمه وكذلك عمر وعثمان، وصَحِبَ الحسينُ أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلها في الجمل وصفين، وكان معظَّمًا موقَّرًا، ولم يزل في طاعة أبيه حتى قُتِل، فلما آلتِ الخلافة إلى أخيه الحسن وأراد أن يصالح معاوية شَقَّ ذلك عليه ولم يسدِّد رأي أخيه، وحثَّه على قتال أهل الشام؛ فقال له أخوه: والله لقد هممت أن أسجنك في بيت وأطبق عليك بابه حتى أفرغ من هذا الشأن ثم أخرجك، فلما رأى الحسين ذلك سكت وسلم، فلما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد عليه مع أخيه الحسن فيكرمهما إكرامًا زائدًا، ويعطيهما عطاءً جزيلاً، فقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا ابن هند، والله لا يعطيكاهما أحد قبلي ولا بعدي، فقال الحسين: والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلاًَ أفضل منه، ولما توفي الحسن كان الحسين يَفِدُ إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذي غزا القسطنطينية مع يزيد ابن معاوية في سنة إحدى وخمسين، وعندما أُخِذَتِ البيعةُ ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن عباس, ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك فلما مات معاوية سنة ستين وبُويِعَ ليزيد، بايع ابن عمر وابن عباس وصمَّمَ على المخالفة الحسين وابن الزبير.


مما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن علي بن حسين عن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يصلي المريض قائما إن استطاع فإن لم يستطع صلى قاعدا فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا رجله مما يلي القبلة
عن أبي محمد بن علي قال حدثني أبي علي بن الحسين قال حدثني أبي الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته .


يزيد بن معاوية ومحاولة أخذ البيعة من الحسين
بعد وفاة معاوية رضي الله عنه سنة ستين، ولي الخلافة يزيد بن معاوية فلم يكن له هم حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية البيعة له؛ فكتب إلى عامله على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يأمره بأخذ البيعة من هؤلاء النفر الذين أبوا على معاوية استخلاف ولده وعلى رأسهم الحسين بن علي فيزعم الرواة أن الوليد بن عتبة استشار مروان بن الحكم فأشار عليه مروان أن يرسل إليهم ويطلب منهم مبايعة يزيد، ومن أَبَى ذلك ضرب عنقه قبل أن يعلموا موت معاوية ويظهروا الخلاف والمنابذة، وعندما أرسل إلى الحسين وطلب منه ماطله الحسين، واستنظره حتى يجتمع الناس للبيعة فإنه سيبايع وقتها علانية، وكان الوليد يحب العافية فوافقه على ذلك، وقال لمروان الذي حرضه على حبسه أو قتله: والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ومُلْكها وأني قتلت حسينًا، سبحان الله ! أقتل حسينًا أن قال: لا أبايع ؟ والله إني لأظن امرءًا يحاسَب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة، فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت.
ولا تفسر لنا هذه الرواية على نحو مقنع سبب تغيير مروان رأيه، كما لا تعطي مبررًا كافيًا لنصحه الوليد بقتل الحسين، ولا ريب أن عداء الرواة من الشيعة لبني أمية ـ ومروان جد المروانيين منهم ـ قد قادهم إلى تشويه موقفه من هذه الأحداث، وسوف يتهمونه بعد ذلك بالشماتة في مقتل الحسين، هذا على حين تثبت روايات أخرى أن مروان كان من المحذرين ابن زياد أمير العراق من إساءة التصرف حيال الحسين بعد خروجه إليه، كما أنه كان من الآسفين على قتله والباكين عليه.
وقد خرج الحسين تحت جنح الظلام متجهًا إلى مكة، واستصحب معه بنيه وإخوته وجُلَّ أهل بيته، وفي الطريق لقي ابن عمر وابن عباس الحسين وابن الزبير في طريقهما إلى مكة، وكان ابن عمر وابن عباس قادمَيْن منها إلى المدينة فسألاهما عما وراءهما فقالا: قد مات معاوية، والبيعة ليزيد، فقال لهما ابن عمر: "اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين".
وعندما قدما المدينة وجاءت البيعة ليزيد من البلدان بايع ابن عمر وابن عباس، ولم تكد أخبار وفاة معاوية ولجوء الحسين وابن الزبير إلى مكة ممتنعين عن البيعة ليزيد تصل إلى أهل الكوفة حتى حَنُّوا إلى تمردهم وانتقاضهم القديم، فراسلوا الحسين ودعوه إليهم ووعدوه النصرة.


إرسال الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة
لقد كثر إرسال الكتب من أهل العراق إلى الحسين وخاصة بعد ذهابه إلى مكة يحثونه فيها على سرعة المجيء إليهم، فقد كتب إليه شيث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث بن رويم، وعمر بن حَجَّاج الزبيدي ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي: "أما بعد فقد أخضرت الجنان وأينعت الثمار، وفطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند مجندة لك والسلام".
فالتزم الحسين ـ رضي الله عنه ـ الحذر والحيطة، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فإن كان متحتمًا وأمرًا حازمًا محكمًا بعث إليه ليركب في أهله وذويه، فسار مسلم من مكة فاجتاز بالمدينة وأخذ منها دليلين فسار بهما على براري مهجورة المسالك, ثم مات الدليلان من شدة العطش بعد أن ضلُّوا الطريق، فكتب مسلم إلى الحسين يستشيره فيأمره فكتب إليه يعزم عليه أن يدخل العراق وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم ويستخبر خبرهم.
فلما دخل مسلم بن عقيل الكوفة، تسامع أهل الكوفة بقدومه فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين, وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها ثمانية عشرة ألفًا.
فقد كان الشيعة في الكوفة يبايعون مسلم بن عقيل سرًا مستغلين ورع عامل يزيد على الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري الذي لم تُجْدِ نصائحه لهم بالطاعة ولزوم ***ة حتى كتب بعض أهل الكوفة الموالين لبني أمية إلى يزيد بما يحدث، فأرسل إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصرة يضم إليه الكوفة ـ أيضًا ـ وكان ابن زياد قد استطاع بحزم أن يقضي على بوادر تمرد الشيعة بالبصرة، عندما وصلت إليهم أخبار الحسين ورسالة منه يطلب منهم فيها النصرة والبيعة.
ولقد استطاع ابن زياد أن يكتشف أمر مسلم بن عقيل ومقره وأعوانه عن طريق مولى لهم، فقبض ابن زياد على بعض أتباع مسلم بن عقيل وحبسهم؛ فغضب مسلم فركب في الخيل ونادى بشعاره "يا منصور أمت" فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، وحاصروا قصر بن زياد، ولم يكن مع ابن زياد إلا ثلاثون رجلاً من الشُّرَط وعشرون من أشراف الناس وأهل بيته ومواليه، وقد استطاع هؤلاء الأشراف تخذيلَ الناس من حول مسلم بن عقيل، فانصرفوا عن مسلم حتى لم يبق معه سوى خمسمائة نفس ثم تقالُّوا إلى ثلاثمائة ثم إلى ثلاثين ثم إلى عشرة ثم وجد مسلم نفسه وحيدًا في جنح الظلام يتردد في الطرقات لا يدري أين يذهب، فأتى بابًا فطرقه فخرجت إليه امرأة فاخبرها بخبره قائلاً: أنا مسلم بن عقيل كَذَبَني هؤلاء القوم وغَرُّوني فأوته، ثم علم ابن زياد بمكانه فأحيط بالدار التي هو فيها فدخلوا عليه؛ فقام إليهم بالسيف فأخرجهم من الدار ثلاث مرات وأصيبت شفته العليا والسفلى, ثم جعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطناب القصب فضاق بهم ذرعًا فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، ثم أعطوه الأمان وجاءوا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه فلم يبقَ يملك من نفسه شيئًا، فبكى عند ذلك وعرف أنه مقتول فيئس من نفسه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال بعض من حوله: إن من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي إذا نزل به هذا؛ فقال: أما والله لستُ أبكي على نفسي، ولكن أبكي على الحسين، وآل الحسين، إنه قد خرج إليكم اليوم أو أمس من مكة، ثم التفت إلى محمد بن الأشعث فقال: إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لساني تأمره بالرجوع فافعل؛ فبعث محمد بن الأشعث إلى الحسين يأمره بالرجوع فلم يصدق الرسول في ذلك, وقال: كل ما حَمَّ الإله واقع.
ثم وصل مسلم بن عقيل إلى قصر ابن زياد وهو مثخن بالجراح وفي غاية العطش مخضب بالدماء في وجهه وثيابه، ثم جلس فتساند إلى الحائط من التعب والكَلال والعطش فبعث عمارة بن عقبة بن أبي معيط مولى له إلى داره فجاء بقُلَّة عليها مِندِيل ومعه قدح؛ فجعل يفرغ له في القدح ويعطيه فيشرب فلا يستطيع أن يسيغه من كثرة الدماء التي تعلو على الماء مرتين أو ثلاثًا؛ فلما شرب سقطت ثناياه مع الماء، فقال: الحمد لله لقد كان بقي لي من الرزق المقسوم شربة ماء ثم أدخل على ابن زياد.. فأمر به فأُصْعِد إلى أعلى القصر, ومُسْلِمٌ يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر، ويصلِّي على ملائكة الله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرُّونا وخذلونا ثم ضُرِبَ عنقه، وأُلقي رأسُه إلى أسفل القصر، وأُتبع رأسه بجسده، ثم أُمِرَ بهانيء بن عروة المذحجي فضربت عنقه بسوق الغنم، وصُلِبَ بمكان من الكوفة يقال له: الكناسة، ثم إن ابن زياد قَتَلَ معهما أناسًا أخرين، وبعث برؤسهما إلى يزيد بن معاوية في الشام.


مسير الحسين إلى العراق
عندما تتابعت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق, وتكرَّرت الرسل بينهم وبينه, وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، ثم وقع في غضون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل، والحسين لا يعلم بشيء من ذلك، فعزم على المسير إليهم، والقدوم عليهم، وكان ذلك أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد ـ فإن مسلمًا قُتِلَ يوم عرفة ـ وعندما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذَّرُوه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام في مكة، وذكروه ما حدث لأبيه وأخيه معهم.
فقال له ابن عباس: يا ابن عمّ؛ إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبين لي ما أنت صانع ؟ فقال: إني قد أجمعت المسير في أَحَدِ يومي هذين إن شاء الله تعالى، فقال له ابن عباس: أخبرني إن كانوا قد دعوك بعدما قتلوا أميرهم, ونفوا عدوهم, وضبطوا بلادهم؛ فَسِرْ إليهم، وإن كان أميرهم حيًّا, وهو مقيم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقبلوا قلوبهم عليك، فيكون الذين دَعَوْكَ أشد الناس عليك، فقال الحسين : إني أستخير الله وأنظر ما يكون.
فلما كان من العشي أو الغد جاء ابن عباس إلى الحسين فقال له: يا ابن عم إني أَتَصَبَّرُ ولا أَصْبِر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قومُ غدرْ فلا تغترَنَّ بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصونًا وشعابًا ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس في مَعزِل، واكتب إليهم وبثَّ دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب، فقال الحسين: يا ابن عم والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير، فقال له: فإن كنت ولابد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك، فو الله إني لخائف أن تُقتَلَ كما قُتِلَ عثمانُ ونساؤه وولده ينظرون إليه.
أما ابن عمر فعند ما بلغه أن الحسين قد توجه إلى العراق لحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال: أين تريد ؟ قال: العراق، وإذا معه طوامير وكتب. فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: لا تأتهم فأبى، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثًا: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة؛ فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, واللهِ ما يَلِيَها أحدٌ منكم أبدًا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم؛ فأبى أن يرجع، فما كان من ابن عمر إلا أن اعتنقه وبكى, وقال: أستودعك اللهَ من قتيل.
أما ابن الزبير فقد تعجب من مسير الحسين إلى أهل العراق وهو يعلم علم اليقين أنهم قتلوا أباه وطعنوا أخاه، فقال له: أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك ؟ فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تُستَحَلَّ بي ـ يعني مكة ـ .
وعندما تردد الحسين في المسير إلى الكوفة جاءه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الله إني لكم ناصح وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملُّوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قطُّ، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف.
ثم كتب مروان بن الحكم إلى ابن زياد يحذره من قتل الحسين قائلاً: "أما بعد فإن الحسيين بن علي قد توجه إليك وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتاللهِ ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء، ولا تنساه العامة، ولا تدع ذكره آخر الدهر والسلام"..
أما يزيد بن معاوية فقد كتب إلى ابن زياد قائلاً: "قد بلغني أن الحسين قد توجه إلى نحو العراق فضع المناظر والمسالح واحترس, واحبس على الظِّنة, وخذ على التهمة، غير أن لاتقتل إلا من قاتلك, واكتب إلي في كل ما يحدث من خير والسلام"، وهذا القول واضح وظاهر في أن لا يقتل عبيد الله الحسين وأصحابه إلا إذا قاتلوه.
وكتب عبد الله بن جعفر إلى الحسين مع ابنيه عون ومحمد: أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حتى تنظر في كتابي هذا، فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طُفِيءَ نورُ الإسلام، فإنك عَلَمُ المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي, والسلام، ثم نهض عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد أمير مكة فقال له: اكتب إلى الحسين كتابًا تجعل له فيه الأمان، وتُمَنِّيه في البر والصلة، وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع لعله يطمئن لذلك فيرجع، فقال له عمرو: اكتب عني ما شئت وَأْتِني به أختمه، فكتب عبد الله بن جعفر ما أراد ثم جاء إليه بالكتاب فختمه، فقال عبد الله بن جعفر لعمرو بن سعيد: ابعث معي أمانك، فبعث معه أخاه يحيى فلحقا بالحسين؛ فقرأ عليه الكتاب فأبى أن يرجع وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقد أمرني فيها بأمر وأنا ماضٍ له، فقالا: وما تلك الرؤيا ؟ فقال: لا أحدث بها أحدًا حتى ألقى ربي عز جل.
وفي الطريق إلى الكوفة لقى الحسين الفرزدق الشاعر فقال له: أعطاك الله سُؤْلك وأملك فيما تحب، فسأله الحسين عن أمر الناس وما وراءه؛ فقال له: قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء، فقال له: صدقت، للهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يَتَعَدَّ من كان الحق نيته، والتقوى سريرته، ثم حرَّك الحسين راحلته، وقال: السلام عليكم ثم افترقا.
وأثناء سير الحسين رضي الله عنه في طريقه إلى العراق بلغه خبر مقتل ابن عمه مسلم، فأثناه ذلك، واعتزم العودة إلى مكة، لكن إخوة مسلم قالوا: "والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نُقتَلَ؛ فقال: لا خير في الحياة بعدكم"..

استشهاد الحسين رضي الله عنه
عندما أشرف الحسينُ على العراق، رأى طليعة لابن زياد، فلما رأى ذلك رفع يديه فقال:"اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي من كل أمر نزل ثِقةً وعُدَّة، فكم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، فأنزلته بك وشكوته إليك رغبة فيه إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت لي وليُّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل غاية"..
وكان قوام هذه الطليعة ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد التميمي، فقال لهم الحسين: أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن أَقْدِمْ علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجعلنا بكم على الهدى؛ فقد جئتكم فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلنا منه فلم يجيبوه بشيء في ذلك، ثم قال له الحر: إنا أُمِرْنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد، فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك, ثم أمر أصحابه فركبوا لينصرفوا فمنعهم الحر من ذلك، فقال الحسين: ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال: أما واللهِ لو غيرُك من العرب يقولها ما تركت ذِكْرَ أمه بالثكل كائنًا من كان، ولكني والله مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه, ثم لازمه حتى لا يتمكن من العودة إلى المدينة، ثم أتى الجيش الذي أرسله عبيد الله بن زياد وعدته أربعة آلاف فارس، والتقوا في كربلاء جنوبي بغداد، ويدل التقاؤهم في هذا المكان على أن الحسين كان متجهًا إلى طريق الشام وقد عدل عن الكوفة، وعندما التقوا خيَّرهم الحسينُ بين ثلاث فقال: "إما أن تَدَعُوني فأنصرف من حيث جئت، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعوني فألحق بالثغور".
وكان أمير الجيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان ابن زياد قد هيأه ليرسله في حملة إلى الديلم، وقد عصى أهلها ثم حوله إلى الحسين، فاستعفى عمر من هذه المهمة، فلم يُعْفِهِ منها وهدده، فاستمهله إلى اليوم الثاني فأمهله، وقَبِلَ في اليوم الثاني أن يسير إليه.
وعندما سمع عمر بن سعد كلام الحسين استحسنه، وأرسل إلى ابن زياد بذلك يحسِّن له أن يختار أحد الاقتراحات الثلاثة، وكاد عبيد الله أن يقبل لولا أن شمر بن ذي الجوشن ـ وهو من الطغاة أصحاب الفتن ـ قال له: "لئن رحل من بلادك، ولم يضع يده في يدكم، ليكوننَّ أولى بالقوة والعز، ولتكوننَّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة، فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك"..
وقد استثار شمر بكلامه هذا ابن زياد، فهو جبار لا يقبل أن يوصف بالوهن والضعف، فوافق على كلام شمر، وأرسله ومعه كتاب إلى عمر بن سعد مضمونه أن الحسين إذا لم يستسلم ويأت إلى عبيد الله فليقاتَل، وإذا لم يُرِدْ عمر أن يقاتله، فليتنحَّ عن إمرة الجيش وليسلمها إلى شمر.
وعندما ورد شمر على على عمر بن سعد بن أبي وقاص وأفهمه رسالته؛ خاف عمر على نفسه من ابن زياد، ولم يقبل بأن يتنحَّى لشمر.
واستمر قائدًا للجيش، فطلب إلى الحسين تسليم نفسه، لكن الحسين لم يفعل ونشب القتال، ويجب أن نلحظ هنا أن الحسين لم يبدأ بالقتال بل إن موقفه كان عدم الاستسلام فقط.
وقع القتال بين فئة صغيرة لا تبلغ الثمانين رجلاً وبين خمسة آلاف فارس وراجل، على أنه انضم إلى الحسين أفراد رأوا أن أهل العراق خانوا الحسين، وأن من واجبهم الاستماتة بين يديه، فانتقلوا إليه مع معرفتهم بالموت الذي ينتظرهم، وكانت الواقعة فقُتِلَ رجال الحسين عن بكرة أبيهم (حوالي 72 رجلاً) وقتل الحسين معهم.
ونرى خلال القتال ما كان يُستحث به أهل العراق على حرب الحسين فكان يقال لهم: "يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مَرَقَ من الدين وخالف الإمام".. فكان أهل الكوفة إذًا يستحثون على الطاعة ولزوم ***ة، ويُبيَّن لهم أن الحسين وأصحابه إنما هم مارقون من الدين.
وانتهت الموقعة بشكل يدعو إلى الأسف والأسى والحزن، وحُزَّ رأسُ الحسين، وأرسل إلى عبيد الله بن زياد، وقد روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك قال: أُتِيَ عبيد الله بن زياد برأس الحسين؛ فجعل في طست ينكت عليه, وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: إنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوبًا بالوسمة"..
وفي رواية أخرى عن البزار قال له أنس: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث يقع قضيبك، قال: فانقبض..
وقد نَدِمَ عبيدُ الله بن زياد على قتله الحسين، فلذلك نجده يأمر لنساء الحسين وبناته وأهله بمنزل في مكان معتزل، وأجرى لهنَّ الرزق، وأمر لهن بنفقة وكسوة، ويظهر هذا الندم واضحًا في الموقف الذي يصوره لنا ابن كثير في "البداية والنهاية" فيروي أنه انطلق غلامان ممن كانا مع الحسين من أولاد عبد الله بن جعفر؛ فأتيا رجلاً من طييء فلجآ إليه مستجيرين به، فضرب أعناقهما وجاء برأسيهما لابن زياد، فغضب ابن زياد، وهَمَّ بضرب عنقه وأمر بداره فهدمت..
ثم بعث ابن زياد بالرؤوس ومن بينها رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية بالشام، وانظر إلى هذا المشهد الأليم الذي يصوره لنا ابن كثير عن أحد شهود العيان بأرض الشام وهو "الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير" قال: والله إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس فدخل على يزيد، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، وَرَدَ علينا الحسين بن علي بن أبي طالب وثمانية عشر من أهل بيته، وستون رجلاً من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتل، فغدونا إليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، فجعلوا يهربون إلى غير مهرب ولا وزر، ويلوذون منا بالآكام والحفر، لواذًا كما لاذ الحمام من صقر، فوالله ما كانوا إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على أخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة، تصعرهم الشمس وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبان والرَّخم..
فدمعت عينا يزيد بن معاوية وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين, لعن الله ابن سمية (عبيد الله بن زياد) أَمَا واللهِ لو أني صاحبُه لعفوت عنه، ورَحِمَ اللهُ الحسين. ولم يصل الذي جاء برأسه بشيء، ثم أنشد قول الحسين بن الحمام المري الشاعر:
يفلقن هامًا من رجالٍ أعزةٍ علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما
ثم أكرم يزيد بن معاوية نساء الحسين وأهله وأدخلهنَّ على نساء آل معاوية وهُنَّ يبكين ويَنُحْنَ على الحسين وأهله, واستمر ذلك ثلاثة أيام، ثم أرسل يزيد بن معاوية إليهن يسأل كل امرأة عما أُخِذَ منها ؟ فليس منهنَّ امرأةٌ تدَّعي شيئًا بالغًا ما بلغ إلا أضعفه لها.
ثم أمر يزيد بن معاوية النعمان بن بشير أن يبعث معهنَّ رجلاً أمينًا معه رجال وخيل يصحبهن أثناء السفر إلى المدينة.
وعندما ودعهن يزيد قال لعلي بن الحسين ـ علي الأصغر ـ قبَّح الله ابن سمية, أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت، ثم جهَّزه وأعطاه مالاً كثيرًا, وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول، وقال لعلي: كاتِبْنِي بكل حاجة تكون لك.






آخر تعديل طالب عفو ربي يوم 18-05-2009 في 09:27 PM.
رد مع اقتباس
قديم 03-05-2009, 12:35 AM رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

محمد بن الحنفية بن سيدنا علي

هو محمد بن الحنفيّة بن الإمام عليّ كرَّم الله وجهه .
وقعَت بين محمد بن الحنفيَّة وأخيه الحسن بن عليّ جَفْوَة ، فأرْسل بن الحنفيّة إلى الحسن يقول : إنَّ الله فضَّلَك عليّ ، فأُمّك فاطمة بنت محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم ، وأمي امرأة من بني حنيفة ، وجدّك من أمّك رسول الله ، وصفوته من خلقه ، وجدّي لأمِّي جعفر بن قيس ، فإذا جاءك كتابي هذا فَتَعال إليّ ، وصالِحني حتى يكون لك الفضْل عليّ في كلّ شيء ، فما إن بلغَتْ رسالته الحسن حتى بادر إلى بيته وصالحَهُ .
هذه القصَّة أريد أن أقف عندها قليلاً ؛ أوَّلاً أيّها الإخوة ؛ النبي عليه الصلاة والسلام كما تعلمون معصوم بِمُفرَدِه ، وأمَّته معصومة بِمَجموعها ، بمعنى أنَّ كلّ إنسان يؤخذ منه ، ويُرَدّ عليه إلا صاحب القبّة الخضراء صلى الله عليه وسلّم .
الشيء الآخر أنّ النَّسَب ، كما قلتُ من قبل تاجٌ يُتَوّج به الإيمان ، فإن لمْ يكن هناك إيمان فلا معنى للنَّسَب إطلاقًا ، وأكبر دليل أنَّ أبا لهب عمّ النبي كان مصيرهُ كما تعلمون ، لمْ ينْفعهُ نسبهُ ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام : لا يأتيني الناس بأعمالك وتأتوني بأنسابكم ، ولكن هناك سؤال: القاعدة الأصوليّة : لا مؤاثرةَ في الخير ، والخير كلّه في المؤاثرة ، القصَّة طريفة وتُرْوى ، ولكنّك لو أردت أن تقيسها بمِقياس الأصول ، مثلٌ أوْضَحُ ؛ لو أنَّ أخوَيْن لهما أمّ ، فالأوّل لمْ يُقدِّم لها الخدَمات لِيُفسِحَ المجال لأخيه أن يسْبقهُ إلى هذا العمل ، فَيُؤثرهُ في هذا العمل ؛ هل هذا مقبول في الشرع ؟ أبدًا لا مؤاثرة في الخير ، لا أوثرُ أحدًا على طاعة الله ، لا أوثرُ أحدًا على فضل الله، لا أوثرُ أحدًا بخدمة الله ، ما دام الأمر متعلّقًا بِمَرضات الله تعالى فأنا أسبق ، فالقصّة طريفةٌ ونرويها ، ولكن الإنسان ينبغي أن يعلم أنَّه لا مؤاثرة في الخير ، لو قبلنا هذه القاعدة لا أحدَ يفعل الخير أبدًا ، تسأله لِمَ لمْ تفعل الخير ؟ فيقول : تركْتهُ لِفُلان كي يفعله ، ويكون أفضل ؛ آثرْتهُ على نفسي ! هذا الكلام مرفوض ، ومن لهُ أمّ وأب ، لِيُبادِر بِخِدْمتِهِما وبِرِّهما ، ولْيَسْبِقْ إخوتَهُ جميعًا ، ولا يُبالي أن يكون هو الأسبق من إخوته في هذا العمل ، لا مؤاثرة في الخير ، والخير كلّه في المؤاثرة ، أنا أُوثر أخي في كلّ شيء ، أعطيه البيت الأفضل ، والمركبة الأفضل ، والحانوت الأفضل ، وأُعطيه حِصَّتي ، فالخير في المؤاثرة ، وقد قال الله عز وجل :
[ سورة الحشر ]
أما أن أوْثر أخي بطاعة الله ، وأوْثر أخي بالخير ، فهذا لا ، معنى ذلك أنّ أخاك أغلى عندك من الله ، إذا آثرْت أخاك بالخير معنى ذلك أنّ أخاك أكرمُ عليك من الله ، آثرْتهُ بالخير لِيَسْبقَك إلى الله ، نصيبُكَ من الله لا ينبغي أن تؤثر به أحدًا ، طاعتك لله لا ينبغي أن تدَعَها لإنسان، وهذه حقيقة ، لا مؤاثرة في الخير ، والخير كلّه في المؤاثرة ، لكَ أن تؤثِرَ أخاك بالدنيا ، أما أن تؤثرهُ بِنَصيبِكَ من الآخرة ؛ فلا ! فالقصَّة طريفة ، ولكن كلّ شيءٍ نقرؤهُ ، ونسْمعهُ هناك منهج ، وكتاب وسنَّة وقواعد عامَّة .
في ذات يومٍ كان الإمام عليّ كرَّمَ الله وجهه في جلْسةٍ مع النبي صلى الله عليه وسلّم ، فقال : يا رسول الله ، أرأيْت إن ولِدَ لي ولدٌ من بعدك أفَأُسمِّيه باسمِكَ ، وأُكنِّيهِ بِكُنْيتِك ؟ فقال : نعم، اسْتأذن عليّ رضي الله عنــه النبي عليه الصلاة والسلام إن جاءهُ ولد من بعده : أفَأُسمِّيه باسمك ؟ قال : نعم ، أفأُكنِّيه بِكُنْيَتِك ؟ قال : نعم ، ودارت الأيّام فلَحِقَ النبي صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى ، وتَلَتْهُ بعد أشهر قليلة ابنتهُ وريْحانتهُ فاطمة البتول أمّ الحسن والحسين ، طبْعًا سيّدنا عليّ له أن يتزوَّج امرأةً بعد السيّدة فاطمة ، فأسْفَرَ عليّ إلى بني حنيفة ، وتزوَّج خَولة بنت جعفر بن قيْس الحنفيَّة ، فولدَت له مولودًا سمَّاهُ محمَّدًا ، وكنَّاه بأبي القاسم بإذْنٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فهذا اسمه وكنيتـهُ محمّد بن القاسم بن الحنفيَّة ، هذا الاسم ، وهذه الكنيَة بإذْن من رسول الله صلى الله عليه وسلّم مباشِرٍ ، لكنّ الناس فيما بعد كنَّوهُ محمَّد بن الحنفيَّة ، تفريقًا له عن أخَويْه الحسن والحسين ابني فاطمة الزهراء ، ثمّ عُرِف في التاريخ فيما بعد بِمُحمَّد بن الحنفيَّة .
وُلِدَ هذا الغلام في أواخر خلافة الصِّديق رضي الله عنه ، ونشأ وتربَّى في كنف أبيه علي بن أبي طالب ، وتخرَّجَ على يديه فأخذ عنه عبادتهُ وزهادتهُ ، وورِثَ منه قوَّته وشجاعته ، وتلقَّى منه فصاحته وبلاغتهُ ، الحدّ الأدنى أنْ يكون ابنُك مثلك ، والحدّ الأدنى أن تربِّي ابنَكَ كما نشأْت أنــــت ، أن تربِّي ابنكَ على العقيـدة الصحيحة ، لذلك تلقَّى عن أبيه العبادة والزّهد ، والقوّة والشجاعة، والفصاحة والبلاغة ، فإذا هو كما يقولون : راهبٌ من رهبان الليل ، وفارس من فرسان النهار ، ولقد أقْحمهُ عليّ كرّم الله وجهه في حروبه التي خاضها ، وحمَّلَهُ من أعبائِها ما لمْ يُحمِّلْهُ لأخَوَيْه الحسن والحسين ، فما لانَتْ له قناة ، وما وهَنَ له عزْم ، ولقد قيل له ذات مرَّة ما لأبيكَ يُقْحِمُك في المهالك ؟ ويولجُكَ في المضايِق دون أخوَيْك الحسَن والحسين ؟ هناك دائمًا من يوقِعُ بين الإخوة ، فقال : ذلك لأنَّ أخويَّ ينزلان من أبي منزلة عيْنيه ، وأنا أنزل منه منزلة يديه ! فهو يقِي عيْنيْه بيدَيه ! هل يأتي بِبَال أحدكم هذا الجواب ؟! أخوايا الحسن والحسين ينزلان من أبي منزلة عيْنيه ، وأنا أنزل منه منزلة يديه ! فهو يقِي عيْنيْه بيدَيه ! وأساسًا من علامة النجاح بالحياة ألاَّ تسْمحَ لأحدٍ أن يدخل بينك وبين أقرب الناس إليك ، مرَّةً سيّدنا عليّ كرَّم الله وجهه سألهُ رجل: لماذا انْصاعَ الناس لأبي بكرٍ وعمر ، ولم ينْصاعوا لك ؟! وكأنَّه يتَّهِمهُ بِضَعف القيادة ، فقال سيّدنا عليّ بِبَساطة : لأنَّ أصحابهم أمثالي ، وأصحابي أمثالك ! قال مرَّةً رجل لسيِّدنا الصِّديق : أأنْت الخليفة أم هو ؟ فقال : هو إذا شاء ! لا تسْمح لإنسان يوغِر صدْركَ على إنسان تحبَّه ، ولا تسمح لإنسان أن يدخل بين أخوَين ، وبين شريكين ، وبين جاريْن ، وبين مسلمين ، لأنَّ في كلّ زمان هناك من يوقع بين الإخوة العداوة والبغضاء، فسيّدنا محمد بن الحنفيَّة على مستوى عالٍ ، قال : أخواي ينزلان من أبي منزلة عيْنيه ، وأنا أنزل منه منزلة يديه ! فهو يقِي عيْنيْه بيدَيه ! .
هذا الرجل عاصرَ بعض الفِتَن ، فقال : عاهدْتُ نفسي ألاّ يُرفعَ لِيَ سيْف في وجه مسلمٍ بعد اليوم، شيءٌ كبير جدًّا أن تحاربَ مسلمًا ، واللهُ عز وجل قال :
[ سورة الأنفال ]
أيْ يجب أن يكون دائمًا عدوّكم عدوّ الله ، فإذا كان عدوّكم ليس عدوًّا لله فهذه مصيبة كبيرة جدًّا ، ومن أكبر المصائب أن تُقاتِلَ مسلمًا ، ومن أكبر الجرائم أن تقاتل مسلمًا ، والذي يقتل مسلمًا ليس له توبةً إطلاقًا ؛ فهو خالدٌ مخلّدٌ في النار ، بنَصّ القرآن الكريم .
ولمَّا آلَ الأمر إلى معاوِيَة بن أبي سفيان بايعَهُ محمّد بن الحنفيّة على السَّمع والطاعة في المنشط والمكْره ، رغبةً في رأب الصَّدع ، وجمْع الشَّمل ، وعزّة الإسلام والمسلمين ، معنى ذلك هناك مصالح عليا ، فهذه مُفضَّلَة ومُقدَّمة على المصالح الخاصَّة ، والإنسان بِقَدْر إخلاصه يؤْثر مصْلحة مجموع المسلمين على مصالح الأفراد ، طبعًا هناك خلاف عميق بين والدِهِ ، وبين معاوية ، ومع ذلك لمّا آل الأمر إلى معاويَة بايعَهُ رأْبًا للصَّدع ، وجمْعًا للشَّمْل ، وإعزازًا للإسلام والمسلمين ، ولا بدّ على كلّ واحدٍ منكم أيها الإخوة ، فأحيانًا يكون هناك شيءٌ من الخلاف بين ***ات الدِّينيَّة ، يجب أن تقدِّم المصْلحة العامَّة للمسلمين على المصْلحة خاصَّة لجَماعة معيَّنة ، فيجب أن ترْأبَ الصَّدع ، وتلمّ الشَّمْل ، وأن تُعزِّز الوحدة فيما بين المسلمين ، وأن تقرِّبَ فيما بينهم ، لا أن تُباعِد ، ويجب أن تجْمع بينهم ، لا أن تُفرِّق ، ويجب أن تكون عَوْنًا على اللِّقاء ، لا عوْنًا على التَّفْرقة ، وهذا ينبعُ من إخلاصك ، كلَّما نما إخلاصك تنمو معه الرغبة في رأب الصَّدع ، ولمّ الشّمل ، وتوحيد الكلمة ، والله عز وجل يقول :
[ سورة الأنفال ]
دائمًا التَّفرقة من الشيطان ، يقول عليه الصلاة والسلام : ليس منا من فرَّق " فتعميق الخلاف من الشيطان ، والتباعد من الشَّيطان ، ونقْل الكلام النَّمام يرتكب كبيرة ، والنَّمام لا يدخل الجنَّة ، نقل الكلام من إنسان لآخر .
هذا موقف رائع ، لأنَّه رأسًا بادرَ إلى مبايعَة معاوية بن أبي سفيان رأْبًا للصَّدع ، وجمعًا للشَّمْل ، وإعزازًا لهذا الدِّين .
معاوِيَة بن أبي سفيان اسْتَشْعر صِدْق هذه البيْعة وصفاءها ، واطمأنَّ إلى صاحبها أشدَّ الاطمئنان ممَّا جعلهُ يسْتزيرُ - أيْ يدْعوه لِزِيارته - محمّد بن الحنفيَّة .
أيها الإخوة ، إذا وقَعَت فتنة هنيئًا لِمَن كان بعيدًا عنها ، لأنَّ إذا كانت هناك فتنة بين المؤمنين فهذا إشْكال كبير ، وإيَّاك أن تكون طرفًا فيها ، والإنسان السعيد هو من يبتعِد ، لأنَّ هذا شيءٌ كبير عند الله عز وجل ، أن تكون طرفًا في تأجيجها ، إذا كان الأمر بين المسلمين انْسَحِب ، وصحابةٌ كُثُر لمَّا رأوا الفتنة بين المسلمين انْسحبوا وآثروا السَّلامة .
زارهُ في دمشق لأكثر من مرّة ، ولأكثر من سبب ، ومن طريف ما يُرْوى أنَّ ملِكَ الروم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يقول : إنّ الملوك عندنا تُراسِلُ الملوك ، ويُطْرفُ بعضهم بعضًا بِغَرائبِ ما عندهم ، ويُنافسُ بعضهم بعضًا بِعَجائب ما في ممالكِهم ، فهل تأذن لي بأن يكون لي بيني وبينك بما يكون بينهم ؟ ملك الروم يستأذن معاوية بن أبي سفيان خليفة المسلمين أن يكون بين الملكين مراسلات وإطراف ومساجلات ومسابقات وما شاكل ذلك ، فأجاب معاوية بالإيجاب ، وأذِنَ له ، فوجَّهَ إليه ملك الروم رجلين من عجائب الرِّجال ؛ أحدهما طويل مفرِط في الطول ، جسيم موغِل في الجسامة ، حتى لكأنَّه دوْحةٌ باسقة في غابة ، أو بناء مبني ‍! جسمه غير معقول كأن يكون مترين وعشرين سنتمتر !! والثاني قويّ غاية القوَّة ، صُلْب متين كأنَّه وحشٌ مفترس ، وبعثَ إليه معهما رسالة يقول فيها : أفي مملكتك من يُساوي هذين الرجلين طولاً وقوَّةً ؟ فقال معاوية لِعَمْرو بن العاص : أما الطويل فقد وجدْت من يُكافئُهُ ويزيد عليه ، وهو قيس بن سعْد بن عبادة وأما القويّ فقد احْتجْتُ إلى رأيِكَ فيه فقال عمرو : هناك رجلان غير أنَّ كليهما عنك بعيد هما محمَّد بن الحنفيَّة ، وعبد الله بن الزبير ، فقال معاوية إنَّ محمّد بن الحنفيّة ليس عنَّا بِبَعيد ! فقال عمرو : ولكن أتظنّ أنَّهُ يرضى على جلالة قدْره ، وسموّ منزلته أن يُقاوِي رجلاً من الروم على مرأى من الناس ؟ فقال : إنَّه يفعلُ ذلك ، وأكثر من ذلك إذا وجدَ في ذلك عزًّا للإسلام ، سيّدنا رسول الله جاءهُ مرَّةً من يُفاخرهُ بالشِّعر ، فقال : قُمْ يا حسَّان فأجِبْ الرجل ‍! أي هناك مواطن لمَّا يبرز المسلم ويتفوَّق فهذا العزّ ليس له ، وإنَّما لِمَجموع المسلمين ، ثمّ إنّ معاوية دعا كلاًّ من قيس بن سعْد ، ومحمّد بن الحنفيَّة ، فلمَّا انْعقَد المجلس قام قيس بن سعْد فنَزَعَ سراويله ، ورمى بها إلى العلْج الرومي ، وأمرهُ أن يلبسها فلبسَها فغطَّتْ إلى ما فوق ثَدْييْه فضَحِكَ الناس منه !! معناه أنَّه أطْول ، وأما محمّد بن الحنفيَّة فقال للترجمان : قلْ للرومي إن شاء فلْيَجلِسْ ، وأكون أن قائمًا ، ثمَّ يعطي يدهُ فإما أن أُقيمهُ ، وإما أن يُقْعِدَني ؟! وإن شاء فلْيَكُن هو القائم وأنا القاعد ، فاخْتار الرومي القعود ، فأخذ محمّد بن الحنفيَّة بيَدِهِ وأقامه ، وعجَزَ الروميّ عن إقعاده ؛ مصارعة ! فذبَّتْ الحَميَّة في صدْر الرومي ، واختار أن يكون هو القائم ومحمّد هو القاعد ، فأخذ محمَّد بيَدِهِ ، وجبذهُ جبْذةً كادت تفْصلُ ساعدهُ من كتفِهِ ، وأقْعدهُ في الأرض ، فانْصرف العلجان الروميان إلى ملكهما مَغلوبَين مخذولين ‍‍!! المجتمع المسلم فيه كلّ شيء ، والحقيقة طلب العلم فرْض عَين ، أما الاختصاص الآخر فهو فرْض كفاية ، فيَجِب أن يكون عندنا أقوياء مترْجِمون ، كلّ اختصاص المسلمون بِحاجة إليه ، ووُجوده فرْض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكلّ .
الآن ملك الروم يريد أن يعْلُوَ عن المسلمين بِرَجل طويل القامة ، ورجل قويّ ، فجاءهُ برجُليْن الأوَّل أطْوَل منه ، لمَّا ألبسَهُ ثيابهُ بدَتْ نحوَ ثَدْييْه ، فضحك الناس عليه ، وأما الثاني فما تمكَّن أن يغلبهُ .
والأيَّام دارَتْ مرَّةً ثانيَة ، ولَحِقَ معاوية وابنه يزيد ، ومروان بن الحكم إلى جوار ربِّهم ، وآلتْ زعامة بني أميَّة إلى عبد الملك بن مروان ، فنادى بنفسه خليفة للمسلمين فبايعَهُ أهل الشام ، وكان أهل الحجاز والعراق قد بايعوا لعبد الله بن الزبير ، الآن هناك مشكلة وانتقام ، عبد الله بن الزبير يحكم الحجاز والعراق ، وعبد الملك بن مروان يحكم بقيَّة البلاد الإسلاميّة ، وطفقَ كلّ منهما يدعو منْ لم يُبايِعهُ لِبَيْعَتِهِ ، ويزعم لنفسه أنّه أحقّ بالخلافة من صاحبه ، فانْشقّ صفّ المسلمين مرَّةً أخرى ، وهنا طلب عبد الله بن الزبير من محمَّد بن الحنفيَّة أن يُبايِعَهُ كما بايعهُ أهل الحجاز ، غير أنَّ ابن الحنفيَّة لم يكن يخفى عليه أنَّ البيْعة ، تجعل في عنقِهِ لِمَن يُبايِعُه حقوقًا كثيرة ، منها سلّ سيْفِهِ دونه ، وقتال مخالفيه ، وما مخالفوه إلا مسلمين قد اجْتهدوا فبايعوا لغير من بايَع ، فهو ما أراد أن يكون ورقةً رابحةً في يدي أحد الطَّرفَين ، وهذه نقطة مهمَّة جدًّا ، وأنا أتمنَّى على أهل العِلْم ، والدعاة إلى الله ، وعلى العلماء أن يمْتَنِعوا أن يكونوا ورقةً رابحةً بيَدي الأقوياء ، وأن تفوق هؤلاء جميعًا ، اربأ بِعِلمِك على أن يكون مطِيَّةً لإنسان ! اِرْبَأ بمكانتك عن أن تكون أداةً بيَدِ إنسان ، وورقةً رابحةً لِجِهة دون أخرى فهذا التابعيّ الجليل ما قبِل أن يكون ورقةً رابحة بيَدِ أحد الفريقين .
فقال لعبد الله بن الزبير : إنَّك لَتَعْلم علْم اليقين أنَّه ليس لي في هذا الطلب أرَبٌ ولا مأرب ، وإنَّما أنا رجل من المسلمين فإذا اجْتمعَت كلمتهم عليك أو على عبد الملك بايعْتُ من اجْتمعَت كلمتهم عليه ، فأنا لا معك ولا معه ، حينما تنتهي هذه الفتنة ؛ إجماع المسلمين لمن ؟ أنا مع المسلمين ! هذا موقف ذكيّ جدًّا ، أما الآن فلا أُبايِعُك ، ولا أُبايِعُهُ ، فجعل عبد الله يُعاشرهُ ، ويُلايِنُهُ تارةً ، ويعرض عنه ويُجافيه تارةً أخرى ، غير أنّ محمّد بن الحنفيَّة ما لبث أن انْضمَّ إليه رجالٌ كثيرون رأَوا رأيَهُ وأسْلموا قيادهُم إليه حتى بلغوا سبعة آلاف رجل مِمَّن آثروا اعتزال الفتنة !! هنا أصبح عندنا فريق ثالث زعيمهم محمّد بن الحنفيَّة ، معه سبعة آلاف إنسان لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ، وأبَوا أن يجعلوا من أنفسهم حطبًا لنارها المُتَّقِدة ، وكان كلَّما ازْداد أتباع بن الحنفيّة عددًا ازْداد بن الزبير منهم غيظًا ، فألحَّ عليه بطلبِ البيعَة ، فلمَّا يئس من ذلك ، أمرهُ هو ومن معه من بني هاشم ، وغيرهم أن يلْزموا شِعْبهم بِمَكّة ، وجعل عليهم الرّقباء ، يعني إقامة جَبريَّة فالإنسان هو الإنسان ، والحاكم هو الحاكم ، والقويّ هو القويّ ، أمرهم أن يلزموا شِعبًا من شعاب مكَّة ، وأمرهم بإقامة جبريّة ، ثمّ قال لهم : والله لتُبايِعُنّ أو لأهدِّدنَّكم ، ثمّ حبسهم في بيوتهم ، حتى إنَّه هدّدهم بالقتل ، عند ذلك قام إليه جماعة من أتباعه وقالوا : دعنا نقتل ابن الزبير ، ونُريح الناس منه ! فقال: أفنوقِد نار الفتنة التي من أجلها اعْتزَلنا ، ونقتل رجلاً من صحابة رسول الله ومن أبناء صحابته ؟ الورع ! ما أراد أن تكون له يد في هذه الفتنة ، لا والله ، لا نفعل شيئًا ممَّا يُغضب الله ورسوله ، ولمَّا بلغ عبد الملك بن مروان ما يعانيه محمّد بن الحنفيّة ومن معه من بأس ابن الزبير رأى الفرصة سامحةً لاسْتِمالتهم إليه ، فالتنافس دائمًا من صالح الضعيف ، فأرسل إليه كتابًا مع رسول من عنده ، لو كتبه لأحد أبنائه لما كان أرقّ لهْجةً ، ولا ألطفَ خِطابًا ، وكان ممَّا جاء فيه : لقد بلغني أنَّ ابن الزبير قد ضيَّقَ عليك ، وعلى من معك الخِناق ، وقطع رحمك ، واسْتخفَّ بِحَقِّك ، وهذه بلاد الشام مفتوحة أمامك تستقبلك أنت ومن معك على الرحْب والسّعة ، فانزِل فيها حيث تشاء ، تلقى بالأهل أهلاً ، وبالجيران أحبابًا ، وسوف تجد عارفين لحقِّك ، مقدِّرين لفضلك ، واصلين لرَحِمِك إن شاء الله ! طبعًا هو كان يريد أن يستميلهُ ، سار محمّد بن الحنفيَّة ومن معه مُيمِّمين وجوههم شطر بلاد الشام ، فلمَّا بلغوا أبله استقروا فيها ، وأبله شمال بلاد العقبة ، فأنزلهم أهلها أكرَمَ منْزِل ، وجاوروهم أحْسنَ جِوار ، وأحبُّوا محمَّد بن الحنفيَّة ، وعظَّموه لما رأوا من عُمْق عبادته ، وصدْق زهادته ، فطفقَ يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويُقيم فيهم الشعائر ، ويصلح ذات بينهم ، وهكذا المؤمن ، أينما جلس يصلحُ بين المسلمين ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، في إقامته وسفره ، وفي إبعاده ، كما قال أحد العارفين : ماذا يصنع أعدائي بي ، جنَّتي في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن سجنوني فسِجني خلوة ، وإن قتلوني فقتْلي شهادة .
فلمَّا بلـغ ذلك عبد الملك بن مروان شقّ عليه الأمر ، واستشار خاصَّته ، فقالوا : ما نرى أن تسمح له أن يقيم في مملكتك ، وسيرته كما علمْت يستقطب الناس من حوله ، وكلَّما امتدَّ به العمر زادتْ جماعته ، ولا مصلحةَ أن يقيم في مملكتك ، فإما أن يُبايِعَ لك ، وإما أن يرجع من حيث جاء ، فكتـب إليه عبد الملك يقول : إنّك قد قدمْت بلادي فنزلْت في طرفٍ منها ، وهذه الحرب قائمة بيني وبين عبد الله بن الزبير ، وأنت رجل لك بين المسلمين ذِكْر ومكانة ، وقد رأيتُ ألاّ تقيم في أرضي إلا إذا بايعتني ، فإن بايعْتني فلك منِّي مئة سفينة قدِمَت عليّ أمس من القلْزَم ! فخُذْها بما فيها ، وبمن فيها ، ولك معها ألف ألف درهم !! مع ما تفرضه من فريضة لنفسك ولأولادك ولذوي قرابتك ومواليك ومن معك !!! إغراء عجيب ، ملايين وسفن كلّها لك على أن تُبايِعَني ، فإن لمْ تُبايِعني فارْجِع من حيث أتَيْتَ ، وإن أبيْت فتحوَّل عنِّي إلى مكان لا سلطان لي عليه ، فكتب إليه محمَّد بن الحنفيَّة يقول : من محمّد بن علي إلى عبد ملك بن مروان سلامٌ عليك ، وإنِّي أحمد الله الذي لا إله إلا هو إليك ، أما بعد :
فلعلَّك تتخوَّف منِّي ، وكنتُ أحْسبُ أنَّك عارفٌ بِحَقيقة موقفي من هذا الأمر ، ووالله لو اجْتمعَت عليَّ هذه ، وإنّي لما أبيْت أن أبايِع عبد الله أساء جِواري ، ثمّ كتبتَ إليّ تدعوني إلى الإقامة في بلاد الشام ، فنزلت بِبَلْدةٍ من أطراف أرضك برُخص أسعارها ، وبعْدها عن مركز سلطانك ، فكتبت إليه ما كتبت به ، ونحن منصرفون عنك إن شاء الله ، سُفُن وأموال وبضائع ، وعطايا ورواتب على أن تُبايِع ، انْصرف محمّد بن الحنفيّة برِجاله وأهله عن بلاد الشام ، وطفق كلَّما نزلَ بِمَنزلٍ يُزْعج عنه ، ويُدعى إلى الرحيل عنه ، وكأنَّه لم تكْفهِ همومه كلّها ، فشاء الله أن يختبرهُ بِهُموم أخرى أشدّ وقْعًا ، وأثْقلَ وطأةً .
في الحقيقة أنا اخترت هذه القصّة بهذه الصفحة فقط ، لأنَّ هذه الصَّفحة أعلِّق آمالاً كبيرة ، الآمال أن نقف عند الكتاب والسنَّة وألاّ نزيد شيئًا .
ذلك لأنّ جماعةً من أتباعه مِمَّن في قلوبهم مرض ، وآخرون مِمَّن في عقولهم غفلة جعلوا يقولون إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوْدع صدْر عليّ وآله كثيرًا من أسرار العلم ، وقواعد الدِّين وكنوز الشريعة ، وإنَّه خصَّ آل البيت بما لمْ يُطلع غيرهم عليه ، فأدرك الرجل العامل العالم الأريب ما يحمله هذا الكلام في طيَّاته من انحراف ، وما يمكن أن يجرَّه على الإسلام والمسلمين من مخاطر وأضرار ، وهنا بدأ الانحراف العقائدي ، فقد أراد أتباع محمَّد بن الحنفيَّة أن يقولوا إنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أوْدَعَ أسرارًا في صدْر الإمام عليّ لم يودِعْها في صدر غيره ‍! وأنَّ هذا ابنهُ ، إذًا نحن مُتَفَوِّقون ومُتَمَيِّزون ، ونعلم ما لا يعلم الآخرون ، فجَمَعَ الناس وقام فيهم خطيبًا ، ومرَّةً ثانيَة أيها الإخوة ، وكأنَّ محمّد بن الحنفيَّة لم تكفه الهموم كلّها ، فشاء الله أن يختبرهُ بِهُموم أخرى أشدّ وقعًا ، وأكثر وطْأةً ذلك لأنّ جماعةً من أتباعه مِمَّن في قلوبهم مرض، وآخرون مِمَّن في عقولهم غفلة جعلوا يقولون إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوْدع صدْر عليّ وآله كثيرًا من أسرار العلم ، وقواعد الدِّين ، وكنوز الشريعة ، وإنَّه خصَّ آل البيت بما لمْ يُطلع غيرهم عليه ، فأدرك الرجل العامل العالم الأريب ما يحمله هذا الكلام في طيَّاته من انحراف ، وما يمكن أن يجرَّه على الإسلام والمسلمين من مخاطر وأضرار ، فجمع الناس ، وقام فيهم خطيبًا ، واسمعوا ماذا قال ، حمد الله جلّ وعزّ ، وأثنى عليه ، وصلى على نبيّه محمد صلوات الله وسلامه عليه ، ثمَّ قال : يزْعم بعض الناس أنَّ عندنا معشر آل البيت علْمًا خصَّنا به رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ولمْ يُطْلع عليه أحدًا غيرنا ، وإنَّا والله ما ورِثْنا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا ما بين هذين اللَّوْحين ، وأشار إلى المصحف - كان أمامه مصحف فيه دفَّتين - وإنَّ من زعمَ أنَّ عندنا شيئًا نقرؤُهُ إلا كتاب الله فقد كذب !.
سيّدنا النبي عليه الصلاة والسلام كُسفَت الشمس في عهده يوم مات إبراهيم ، فقال بعض أصحاب النبي لقد كُسِفَت حزْنًا عليه !! ابن رسول الله !! فجمع أصحابه وقال : إنَّ الشمس والقمر آيتان لا ينبغي ...." إذا كنت صادقًا وأمينًا على الوحي ، وأمينًا على دين الله لا تسْمح ببِدْعةٍ تُقال على لِسانك ، ولا توصَفُ بها أنت ، دائمًا بيِّن الحقيقة ، إذا كنت مخلصًا ، لكنَّ أناسًا كثيرون يُحاطون بِهالةٍ كبيرة ، ويعرفون أنَّها غير صحيحة ويسكتون لماذا يسكتون ؟ لأنَّهم يرتفعون بها !! لكنّ إخلاصك لله ينبغي أن يكون أقوى ، فهذا التابعي الكبير ما سمحَ لأتباع الوفْد أن يقولوا عنه أنَّه خُصَّ بِعِلْم ما خصَّ به غيره ، وما سمَحَ أن يقولوا عن والده سيّدنا علي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم أوْدَعَ فيه أسرارًا ما أوْدعها في غيره ، قال : لا والله ، ما ورثنا عن رسول الله إلا هذين اللَّوحين ، ويعني بهما المصحف الشريف ، ومن قال : إنّ عندنا شيئًا نقرؤه غير كتاب الله عز وجل فقد كذب ، لكنَّ أتباعهُ بدؤوا يُسلِّمون عليه ويقولون : السلام عليك يا مهديّ ! فيقول : نعم ، أنا مهديّ إلى الخير ، وأنتم مهديُّون إليّ إن شاء الله تعالى ، ولكن إذا سلَّم عليّ أحدكم فلْيُسمِّني باسْمي ، وليقُلْ : السلام عليك يا محمَّد !! ما قبِلَ أن يكون المهْدي ، وما قبِلَ أن يكون قد خُصّ بِعِلْم لم يُخصَّ به بقيَّة أصحاب رسول الله ، وهذا هو الإخلاص ، فإيَّاك أن تقبلَ بِدْعةً أو مبالغةً ، إيَّاك أن تقبلَ تعظيمًا يرفعُك فوق قدْرك ، أو تقبلَ قداسةً لا تستحقّها ، عندئذٍ تكون قد اشتريْت بالدِّين الدنيا .
لمْ تطلْ حَيْرةُ محمَّد بن الحنفيَّة في المكان الذي يستقرّ فيه هو ومن معه ، فقد شاء الله عز وجل أن يقضِيَ الحجّاج بن يوسف الثَّقفي على عبد الله بن الزبير ، وأن يُبايِعَ الناس جميعًا لعبد الملك بن مروان ، فما كان منه إلا أن كتب إلى عبد الملك يقول : إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من محمّد بن عليّ ، أما بعد : فإنِّي لمَّا رأيْتُ هذا الأمر أفْضى إليك ، وبايعَكَ الناس كنتُ كَرَجُلٍ منهم فبايَعْتُكَ لواليكَ في الحجاز ، وبعثْتُ لك بِبَيْعتي هذه مكتوبةً ، والسلام عليكم ! .
لمَّا انتهَتْ الفتنة ، وآل الأمر إلى عبد الملك بايعَهُ بيْعةً مكتوبةً ، ولم يعد عليه تَبِعَة ، فلو بايعَهُ قبل انتهاء الفتنة كانت عليه مسؤوليَّة المحاربة معه ، وأن يقتل المسلمين من أجله ، فلمَّا اسْتقرَّ الأمر على ذلك بايعَهُ بيْعةً مكتوبة ، فلمَّا قرأ عبد الملك الكتاب على أصحابه ، قال له أصحابهُ : واللهِ لو أراد أن يشقّ عصا الطاعة ، ويُحْدثَ في الأمر فتْقًا لقدَرَ على ذلك ، معه أتباع وعدد كبير، وهو في مَنْأى عنك ، ولما كان عليه من سبيل ، فاكْتُب إليه بالعهد ، والميثاق ، والأمان ، وذمّة الله ورسوله أن لا يُزْعَجَ ، أو يُهاج هو أو أحد من أصحابه ، وكتب عبد الملك إلى الحجّاح يأمرهُ بِتَعظيمه ورِعايَة حرمتهِ والمبالغة في إكرامه .
هذا نموذج لإنسان بعيد عن الفتنة ، وبعيد عن الانحِياز لفئة دون أخرى ، وبعيد أن يكون ورقةً رابحةً بيَدِ جهة من أهل الدنيا ، وبعيد على أن يُسْهم في سفْك دماء المسلمين ، ابتعَدَ ودفَعَ الثَّمَنَ باهظًا ، فلمَّا انتهى الأمر بايعَ ، وهذا موقف حكيم ، قال تعالى :
[ سورة البقرة ]
إلا أنَّ محمّد بن الحنفيَّة لم يعِشْ بعد ذلك طويلاً ، فقد اختارهُ الله إلى جِوارهِ راضِيًا مرْضِيًا .
أيها الإخوة ، أثْمَنَ شيء في الحياة أن تنام على وِسادتك ، وليس على عاتقك شيء ؛ لا دماء ، ولا حقوق مغتصبة ، ولا أموال ، وما بنيتَ مجْدك على أنقاض الناس ، ولا بنيتَ مالك على فقرهم ، ولا أمنَكَ على خوفهم ، ولا غناك على فقرهم ، ولا حياتك على موتهم ، وهذه هي البطولة أن ترضيَ الله عز وجل ، وأن تكون بعيدًا عن التَّبِعات ، وقد أردْتُ من هذه القصَّة الموقف الحكيم الذكيّ الواضح الأمين على هذا الشرع ، فما سمحَ لأتباعِهِ أن يُعظِّموه ، ولا أن يُقال له المهدي ، ولا أن يرفعوه فوق مقامه ، ولا أن يسمح أن يُقال عن والده أنَّه خُصَّ بعِلْم ما خُصَّ غيره به من أصحاب رسول الله ، فقد كان وقَّافًا عند كتاب الله ، وكلّ إنسان داعِيَة صادق ومخلص لا يسمح لأحد أتباعِهِ أن يزيد من حجمه على حساب عقيدته أبدًا هذا هو المطلوب الآن، علاجنا في العودة إلى الكتاب والسنَّة ، وعلاجنا في أن تعْطِيَ كلّ شيءٍ حجمهُ الحقيقي ، لا أن تزيد وتبالغ ، لا أن ترفع لا أن تحتقر ، دائمًا كن موضوعيًّا ، واعْطِ الوصف الصحيح ، العلم في تعريفه : الوصف المطابق للواقع مع الدليل .
هذه قصَّة التابعي الجليل محمد بن الحنفيَّة بن سيّدنا عليّ كرَّم الله وجهه .







رد مع اقتباس
قديم 04-05-2009, 12:46 AM رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

[align=center]محمد بن سيرين [/align]

عزم سيرين ـ الحديث عن محمد بن سيرين ، فإذا قلنا : عزم سيرين ، فهو أبوه ـ عزم سيرين على أن يستكمل شطر دينه بعد أن حرّر أنسُ ابنُ مالكٍ رضي الله عنه رقبَتَه .
إذاً والد محمد بن سيرين كان مملوكاً لسيدنا أنس بن مالك ، وبعد أن غَدَتْ حرفته تدرُّ عليه الربح الوفير ، والخير الكثير ، فقد كان نحّاساً ماهراً ، يتقن صناعة القدور .
سيدنا عمر يقول : إني أرى الرجل لا عمل له فيسقط من عيني ، وقيمة كل امرئ ما يحسنه.
أنا لا أنسى هذه القصة التي رواها أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ - بساط - نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ - إناء - نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ - المزايدة واردة - فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ *

[رواه أبو داود]
فكل إنسان له حرفة ، تجارة ، صناعة ، فهذا شرف ، والإنسان يكتسب شرفه مِن عمله ، ومِن حرفته ، ومِن صنعته ، وكان أصحاب رسول الله رهباناً في الليل ، فرساناً في النهار .
أنا واللهِ أعجب لهذا المؤمن المتفوق في عمله ، المتقن لعمله ، الذي يكسب قوت يومه ، ويده عليا ، وهو في الصف الأول في مجالس العلم ، وهو في مقدمة المؤمنين ، والعار أنْ ترتكب العار ، والعار ألاّ تعمل ، فالعمل مقدس .
وسيدنا عمر يقول لأحد الولاة : إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل ، فإن لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .
إنّ العمل عبادة ، وهذا يضطرني مرةً بعد مرة إلى أن أقول لكم : إن حرفة الإنسان إذا كانت في الأصل مشروعة ، وتعامل معها الرجلُ بطريقة مشروعة ـ بلا كذب ، ولا غش ، ولا تدليس ، ولا احتيال ، ولا استغلال ، ولا إيهام إلى آخره ـ إذا كانت مشروعة ومارسَتها بطريقة مشروعة ، وابتغيتَ بها كفايَةَ نفسك وأهلك ، وابتغيت بها كفاية نفسك وأهلك ، وابتغيت بها خدمة المسلمين ، ولم تشغلك عن فريضة ولا عن طلب علم ، انقلبتْ هذه الفريضةُ إلى عبادة .
فأنت في دكانك ، أو في مكتبك ، أو في حقلك ، أو في وظيفتك ، أو في عيادتك أنت من عباد الله عز وجل .
ومرةً بعد مرة أقول لكم : النبي رأى رجلاً يصلي في المسجد في غير أوقات الصلاة ، قال : من يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبد منك.
والصحابة الكرام أثنوا على رجل ثناءً طيباً ، قال عليه الصلاة والسلام : من يطعمه ؟ قالوا : كلنا يطعمه ، قال : كلكم أفضل منه .
اليد العليا ..
والمسلمون لا يتقدمون إلا بالعمل المخلص الجاد .
بصراحة أقول لكم : لا أحد يحترمك ، ولا يحترم دينك إلا إذا كنت متفوقاً في عملك .
ويمكن أن تكون أكبر داعية في عملك ، وأنت ساكت ، من خلال إتقانك للعمل ، وإحسانك في المعاملة ، والصدق والأمانة .
طيب أكبر دولـة إسلامية الآن ما هي ؟ إندونيسيا ، بها مائة وخمسون مليون مسلم ، هذه أكبر دولة إسلامية في العالم ، إنما دخلها الإسلام عن طريق التعامل التجاري ، لا عن طريق الجهاد ، ولا عن طريق السيف ، وهذا مصداق ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام ، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ *
[ رواه الترمذي]
لا لأنه ربح المال الوفير ، واستمتع به ، بل لأنه أعطى نموذجاً كاملاً للمسلم .
رجل يبيع البيض ، جاءه زبون ، فقال له : عندك بيض ، قال له : نعم ، قال له : طازج، قال : لا والله ، ليس طازجًا ، الطازجُ عند جاري ، هذا المسلم لا يكذب أبداً ، والله يرزقه .
فعزم سيرين على أن يستكمل شطر دينه بعد أن حرَّر أنسُ ابنُ مالك رضي الله عنه رقبَتَه، وبعد أن غدَتْ حرفتُه تدُرُّ عليه الربحَ الوفير ، والخير الكثير ، فقد كان نحّاساً ماهراً ، يتقن صناعة القدور .
لو لبس الإنسانُ لباساً متبذلاً في أثناء العمل (بذلة العمل) ، ولو كان عمله مع الزيوت والشحوم ، ومع الوحول ، فهذا عمل نظيف ، قال لي رجل مرةً يعمل عملاً أساسه إيقاع الأذى بالآخرين ، ما رأيت مكتبًا أفخم من مكتبه ، قال لي بالحرف الواحد : أنا عملي قذر ، قال لي عملي ديرتي ورك ، قذر ، لحكمة بالغة في اليوم التالي ذهبت لأصلح مركبتي عند أخ كريم ، أيام شتاء ، والطريق وحل ، وهو يلبس ثياب العمل ، أزرق على أسود ، كله شحم وزيت ، واستلقى تحت المركبة وفكَّ الجهاز ، واللهِ ما شعرتُ إلا وهو يقوم بأنظف عمل ، في العين الظاهرة العمل فيه وحل وزيت وشحم ، ولكنّه يقوم بأنظف عمل ، لأنه عمل شريف، لقد قدّم خدمة ، وأخذ أجرها بشكل معتدل .
كلمة نظيف عميقة جداً ، لا تعني أن المكان نظيف ، تعني طريقة الكسب نظيفة .
أكثر أماكن اللهو فيها أناقة ما بعدها أناقة ، رخام على تزيينات ، على ... لكنها أماكن قذرة ، مبنية على تحطيم الإنسان ، وعلى إفساده ، والمرأة هناك سلعةٌ محتقرة ، أما محل متواضع في سوق شعبي ، بيع وشراء ، فهذا عمل شريف ونظيف ، فابحثْ عن النظافة في التعامل .
وقد وقع اختياره على مولاة لأمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه تُدعى صفية لتكون زوجة له .
والده مملوك عند سيدنا أنس ابن مالك ، تزوج مولاة سيدنا الصديق اسمها صفية ، كانت صفية جارية في بواكير الشباب ، وضيئة الوجه ، ذكية الفؤاد ، كريمة الشمائل ، نبيلة الخصائل ، محبَّبة إلى كل من عرفها من نساء المدينة ، وكانت أشدَّ النساء حباً لها زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما السيدة عائشة .
تَقدَّم سيرين إلى أمير المؤمنين فخطب منه مولاته صفية ، فبادر الصديق رضي الله عنه إلى البحث عن دين الخاطب وخلقه ، كما يبادر الأب الشفيق للبحث عن حال خاطب ابنته .
بالمناسبة ، أنا الذي أراه أنه إذا كان لصحابي مولى ، فهذا المولى لا يختلف إطلاقاً عن الابن، بل أن يكون الإنسان مولى لمؤمن القصدُ من ذلك أن يرى الإسلام عملياً ، فهذا الذي أغلق عقله عن أن يفهم الإسلام ، ربما فهِمَه بالتعامل الإنساني ، هذا أصل أن يكون الإنسان مولى أو مولاة .
مضى يستقصي هذا الصحابي الجليل الصديق أحوال سيرين أشد الاستقصاء ، ويتتبع سيرته أدق التتبع ، وكان في طليعة من سألهم عنه أنس ابن مالك ، فقال له أنس : زوِّجها منه يا أمير المؤمنين ، ولا تخش عليها بأساً ، فما عرفته إلا صحيح الدين ، رضي الخُلُق موفور المروءة ، ولقد ارتبطت أسبابه بأسبابي منذ سباه خالد بن الوليد .
وافق الصديق على تزويج صفية من سيرين ، وعزم على أن يبرهما كما يبرّ الأب الشفيق ابنتـه الأثيرة ، فأقـام لإملاكهما حفلاً قلمـا ظفرت بمثله فتاة من فتيات المدينة ، وقد شهد إملاكها طائفة كبيرة من كبار الصحابة ، كان فيهم ثمانية عشر بدرياً .
فإذا كان الإنسان ميسور الحال ، وزوج ابنته ، أو زوج ابنه ، وأقام حفلاً كريماً فيه مديح لرسول الله ، وقدّم الطعام ، وقدّم الضيافة فهذه فرحة لا تُنسى ، أنا من أنصار أن يُعلن
الإنسان النكاح ، ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام إخفاء الخطبة ، وإعلان النكاح ، وأن يُقام عقدُ قران يُدعى له أقرباء الزوجين العروسين ، وتُقدم فيه الضيافة ، وتُلقى كلمات تُعرِّف الناس بربهم ، وبنبيهم ، هذا عمل طيب ، ولكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
أحياناً بعض الآباء يحب أن يوفِّر ، هي فرحة في العمر ، تبقى غصّة في قلب الفتاة طوال حياتها ، ويبقى عدم الاحتفال غصّة في قلب العروس طوال حياته ، يعني كلما قام يده عن رجله يقول : أهلك ما أقاموا لك حفلة كتاب ، طول عمره ، فيا أيها الأب ، ويا أيها الأخ أقيموا حفلة .
فقد شهد إملاكها طائفة كبيرة من كرام الصحابة ، فيهم ثمانية عشر بدرياً ودعا لها كاتب وحي رسول الله أبي بن كعب ، وأمّن على دعائه الحاضرون ، وطيَّبتها وزيَّنتها حين زُفت إلى زوجها ثلاثٌ من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عليهم أجمعين ، والنكاح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي *
[متفق عليه]
وكلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ *
[رواه الترمذي]
ما مِن شاب يغض بصره ، ويحفظ فرجه ، فهذا الإنسان حقٌّ على الله أنْ يعينه إذا طلب العفاف ، وهناك آلاف القصص التي تؤكد هذه الحقيقة .
ولد محمد بن سيرين لسنتين بقيتا من خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ورُبِّيَ في بيت يتبوَّأ الورع والتقى من كل ركن من أركانه ، ولما أيفع الغلامُ الأريبُ اللبيبُ وجدَ مسجدَ رسول الله ..
إنّ رواد المساجد مبارَكون ، رواد المساجد وطلاب العلم تضَع الملائكة تضع أجنحتها لهم رضى بما يصنعون ، رواد المساجد مؤمنون وربِّ الكعبة ، قال تعالى:
[سورة التوبة الآية 18]
رواد المساجد هم المباركون ؛ لأنه خير البلاد مساجدها ، وشرها أسواقها ، فلا يضن الإنسان على نفسه بساعتين في الأسبوع أو ثلاث ساعات ..
الأسبوع كم ساعة ، أتعرفون ؟ مائة وثمان وستون ساعة ، فإذا خصّص الإنسان منها أربع ساعات لمعرفة الله ومعرفة الدار الآخرة ، وأربع ساعات مواصلات ، فهذه ثمان ساعات ، فلا مانع من أجل أن تعرف الله ، من أجل أن يرضى الله عنك ، من أجل أن يُبنى الإيمان لبنة لبنة .
لا يوجد إنسان عظيم إلا إذا ارتاد المساجد ، وجلس على ركبه ليطلب العلم ، لا يوجد إنسان متألق إلا وتتلمذ ، وأخذ العلم عن الرجال ، إنسان يتألق بالعلم ، ولا يرتداد المساجد هذا مستحيل .
هذا التابعي تلقى العلم عن كبار الصحابة والتابعين ، تلقى العلم عن زيد بن ثابت ، وأنس ابن مالك ، وعمران بن حصين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأبي هريرة .
حدثني أحد إخواننا الكرام وكان له دعوة إلى الله ، عنده طالب تركي ، فوكّل بعض إخوانه بتعليمه ، تعلم وأخذ شهادة ، وعاد إلى بلده ، وبعد عدة سنوات طُرق باب الشيخ ، فإذا بمركبتين كبيرتين سياحيتين تُقِلاَّنِ مائة طالب علم ، كلهم تلامذة هذا الطالب الذي درس العلم على يد هذا العالم ، يقول هذا العالم وهو يبكي : يا رب أنا علمت واحداً ، وكان من آثار هذا الواحد كل هؤلاء .
فكان تلاميذ الشيخ يمزحون معه ، وهم قد علموه ، يسألونه حينما تذهب إلى تركيا إذا سُئلت : مَن شيخك ، من تقول ؟ فأغفل أسماءهم وذكر اسم شيخه الكبير ، قال : أنتم لا أحد يعرفكم ، أنا تلميذ فلان .
هي طرفة ، الإنسان يفخر بأستاذه ، فكيف بزيد بن ثابت ، وأنس ابن مالك ، وعمران بن حصين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأبي هريرة ، هؤلاء أساتذة هذا التابعي الجليل ، الذين أقبل عليهم إقبال الظامئ على المورد العذب ، فنهل من علمهم بكتاب الله ، وفقههم بدين الله ، وروايتهم لحديث رسول الله ، فما أفعم عقله حكمة وعلماً ، وأترع نفسه صلاحاً وهداية ، ثم انتقلت الأسرةُ مع فتاها إلى البصرة واتّخذتْها لها موطناً .
أتلاحظون البصرة كيف جذبت لها طلاب العلم ، كانت البصرة يومئذ مدينة بكراً ، اختطَّها المسلمون في أواخر خلافة الفاروق عمر ، وكانت تمثل جُلَّ خصائص الأمة الإسلامية ، ومركزًا من مراكز التعليم والتوجيه للداخلين في دين الله ، وصورة للمجتمع الإسلامي الجاد الذي يعمل لدنياه ، كأنه يعيش أبداً ، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً .
الآن اسمعوا .. محمد بن سيرين سلك في حياته الجديدة في البصرة طريقين متوازيين ، فجعل شطراً من يومه للعلم والعبادة ، وشطراً آخر للكسب والتجارة .
أحياناً ألتقي بأخ في عمله ، في دكانه منتج ، ومساءً في المسجد ، واللِه شيء جميل أن تجمع بين الكسب الحلال ، واليد العليا ، وبين طلب العلم .
فهذا التابعي الجليل جعل شطراً من حياته من يومه للعلم والعبادة ، وشطراً آخر للكسب والتجارة ، فكان إذا انبلج الفجر ، وأشرقت الدنيا غدَا إلى المسجد يعلِّم ويتعلَّم ، حتى إذا ارتفع النهار مضى إلى السوق يبيع ويشتري ، فإذا جاء الليل صفَّ في محراب بيته ، وانحنى على أجزاء القرآن يبكي ، ويتلو كتاب الله في صلاته ، واللهِ شيء جميل .
من لم تكن له بداية محرقة ، لم تكن له نهاية مشرقة ، والبابُ مفتوح ، وربنا هو هو ، والعطاء مبذول لكل إنسان .
وكان يطوف في السوق في النهار للبيع والشراء ، ومع ذلك لا يفتأ يذكِّر الناس بالآخرة .
وأنت تاجر ، وأنت عامل ، وأنت صانع ،و أنت في عيادتك ذكِّر الناسَ بالله ، كن داعية في أثناء العمل ، هناك أشخاص ليس عندهم إمكانية .. تتداخل معه الأمور ، هذا الزبون انصحه، فيه خير ، سمته حسن ، دُلَّه على الله ، ادْعُه إلى المسجد ، أعطِه شريطًا ، لعل هذا الزبون يصير من كبار المؤمنين عن طريقك ، قمْ بتجارتين ، تجارة مع الله ، وتجارة مع البضاعة ، فإذا دعوت إلى الله تاجرت مع الله ، لقد سمَّاها الله تجارة ، قال تعالى :
[سورة الصف]
أحياناً يقول لي أخ : واللهِ فلانٌ قدَّر اللهُ هدايتَه على يدي ، هو كان زبونًا من زبائننا ، أقول له بشكل عفوي : هذه هي التجارة الحقيقية .
التجارة المادية جمعت الأموال ، وقد تنفقها ، وقد تتحول إلى غيرك ، لكن هذا الذي دلَلْته على الله من خلال التجارة أنت الآن تاجر حقاً ، حتى انتهى بك السعي إلى هداية هذا الإنسان.
كان يطرفهم ويرشدهم إلى ما يقربهم إلى الله ، ويفصل فيما يشجر بينهم من خلاف ، وكان يطرفهم بين الحين والحين بالملحة التي تمسح الهمِّ عن نفوسهم المكدودة ، من غير أن ينقص ذلك من هيبته ، ووقاره عندهم شيئاً.
فإذا مع الإنسان شيء من الدعابة ، لطيف ، مرح ، فهذا جاز وضروري ، وقد كان النبي يمزح ، فأحياناً المزاح اللطيف يجدد النشاط ، والمعلمون الذين يتخيّرون بعض الطرف اللطيفة الأديبة ، هؤلاء يجدِّدون نشاط طلابهم .
لا يكن الأب عبوسًا قمطريرًا ، فلا بد أنْ يمزح الأب مع أولاده مزاحاً لطيفاً ، فآنسهم وابتسم لهم ، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، وكان يمزح ، ولا يمزح إلا حقاً ، وإنّ الدعابة من صفات المؤمنين .
كان الناسُ إذا رأوه في السوق ، وهم غارقون غافلون انتبهوا ، وذكروا الله عز وجل ، وهلَّلوا وكبروا .
بالمناسبة ، يقول عليه الصلاة والسلام :
" أولياء أمتي إذا رؤوا ذُكر الله بهم " .
وكان في سيرته العملية خير مرشد للناس ، فما عرض له أمران في تجارته إلا أخذ بأوثقهما في دينه ، ولو كانت فيها خسارة تصيب دنياه .
وإنْ كان فيها شبهة تركها ، فهو دائماً مع الحلال ، ترك شبهة الربا ، بيع بسعرين تركه ، بيع لأجل مع زيادة الثمن تركه ، فأيّ قضية فيها شبهة تركها ، واستوثق لدينه .
له مواقف غريبة ، ولكنها ليست غريبة .
لقد ادّعى رجل عليه كذباً أنّ له في ذمته درهمين ، فأبى أن يعطيه إياهما ، فقال له الرجل: أتحلف ، وهو يظن أنه لا يحلف من أجل درهمين ، فقال : نعم ، وحلف له ، فقال له الناس : يا أبا بكر أتحلف من أجل درهمين ، وأنت الذي تركت أمسِ أربعين ألف درهم في شيء رابك مما لا يرتاب منه غيرك ؟ فقال : نعم ، أحلف .
فما التعليل ؟ لأنه لو لم يحلف لأكَل هذا الإنسان الدرهمين حراماً من الإثم .
قال : نعم ، أحلف ، فإني لا أريد أن أطعمه حراماً ، وأنا أعلم أنه حرام .
أنت مؤمن ، ادّعى رجلٌ عليك زوراً وبهتاناً مبلغًا من المال ، فقلت : لكن ليس لك عندي شيء ، ولو تساهلتَ معه لأطعمته حرامًا ، وكنتَ أنت السبب ، لأنك أفسدته ، وفتنته في دينه.
إنّ المسلم دقيق ، العطاء عطاء ، الحق حق ، تريد مساعدة ، فهذه مساعدة ، أو صدقة فهي صدقة ، لكن ليس لك عندي شيء ، هذا موقف دقيق ، تتساهل أنا لا أحلف ، فتطعمه مالاً حرامًا ، وأنت السبب ، المؤمن أمره دقيق ، مضبوط ، عنده حسابات دقيقة ، ليس : وكان أمره فرطاً ، وأموره كلها مسيّبة .
أجمل ما في هذا التابعي الجليل أنّ مجلسه كان مجلس خير وبرٍّ وموعظة ، فإذا ذُكر عنده رجلٌ بسوء بادرَ فذَكَره بأحسن مما يعلم من أمره .
تعرفون القصة ، عندما كان النبي بغزوة ، فتفقَّد أحد الصحابة كان متخلفاً ، فغمز رجل ، قال : يا رسول الله شغله بستانه عن الجهاد معك ، فانبرى صحابي جليل ، وقال : لا والله يا رسول الله ، لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم ، ولو علموا أنك تلقى عدوا ما تخلفوا عندها سُر النبي كثيراً ..
فإذا ذُكِر عندك رجلٌ بسوء ، وتعرف عنه خلاف ذلك فدافع عنه .
مرةً سمع رجلٌ يسبُّ الحجاجَ بعد وفاته ، فقال له : صه يا ابن أخي ، إنّ الحَجَّاج مضى إلى ربه .
الحجاج كان ظالماً ، لكن مضى إلى ربه .
انظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، حينما أسلم عكرمة بن أبي جهل لم يكن إنسان أعدى من أبيه ، أبي جهل للإسلام ، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما أسلم عكرمة قال لأصحابه : يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت *
(كنز العمال عن عبد الله بن الزبير)
فأمام هذا التابعي الجليل رجلٌ سبَّ الحَجَّاج ، فقال له : صه يا ابن أخي إنَّ الحجاج مضى إلى ربه ، وإنك حين تقدمُ على الله عز وجل ستجد أنّ أحقر ذنب ارتكبته في الدنيا أشدُّ على نفسك من أعظم ذنب اجترحه الحجاج " ، هذا من شأن الله عز وجل ، فدعك من هذا كلِّه .
طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِي*
[رواه الترمذي]
فلكل منكما يومئذ شأن يغنيه ، واعلم يا ابن أخي أن الله جل وعز سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم ، كما سيقتص لحجاج ممن يظلمونه .
فإذا ظلم اقتصّ الله منه ، لكن إذا كنتَ أيضاً ظلمته فسوف يقتص الله منه ، فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسبِّ أحد .
ورد في الأثر القدسي : أنا ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فإن أطاعني العبادُ حوَّلتُ قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن هم عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم من صلاحكم .
والإمام مالك إمام دار الهجرة يقول : لو أن لي دعوة مستجابة لادخرتها لأولي الأمر لأن في صلاحهم صلاح الأمة .
عود نفسك على الدعاء لا على السباب .
لهذا التابعي الجليل مواقف مِن ولاة بني أمية ، مِن ذلك أن عمر بن هبيرة الفزاري رجل بني أمية الكبير ، وواليهم على العراقين بعث إليه يدعوه إلى زيارته ، فمضى إليه ومعه ابن أخيه ، فلما قدِم عليه رحّب به الوالي ، وأكرم وفادته ، ورفع مجلسه ، وسأله عن كثير من شؤون الدين والدنيا ، ثم قال له : كيف تركت أهل مصرك يا أبا بكر ؟ قال : تركتهم والظلم فيهم فاش ، وأنت عنهم لاه ، فغمزه ابن أخيه بمنكبه ، فالتفت إليه ، وقال : إنك لستَ الذي تُسأل عنهم ، وإنما أن الذي أسأل ، ومن أمانة العلم تبيينه ، وإنها لشهادة ، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه .
يعني إذا سُئلت فأجب ، ولا تكتم الحقيقة .
لما انفض المجلس وَدَّعه عمر بن هبيرة بمثل ما استقبله به من حفاوة وإجلال ، وبعث إليه بكيس فيه ثلاثة آلاف دينار فلم يأخذها ، قال له ابن أخيه : ما يمنعك أن تقبل هبة الأمير ؟ قال : إنما أعطاني لخير ظنه بي ، فإن كنتُ من أهل الخير كما ظن ، فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن فأحرى بي ألاّ أستبيح قبول ذلك .
له مشكلة صعبة ، ولكن هكذا فعل .
اشترى مرةً زيتاً بأربعين ألفًا مؤجلة ، فلما فتح أحد زقاق الزيت وجد فيها فأراً ميتةً متفسخة ، فقال في نفسه : إن الزيت كله كان في المعصرة في مكان واحد ، وإن النجاسة ليست خاصة بهذا الزق دون سواه ، وإني إن رددته للبائع بالعيب فربما باعه للناس ، ثم أراقه كله ، فأصبح عليه دين أربعين ألف دينار .
إنها محاكمة دقيقة ..
وطالبه صاحب الزيت بما له ، فلم يستطع سداده ، رُفع أمره إلى الوالي فأمر بحبسه حتى يسدِّد ما عليه ، فلما صار في السجن ، وطال مكوثه فيه أشفق عليه السجّان لِمَا عَلِمَ من أمر دينه ، وما رأى من شدة ورعه وطول عبادته .
واللهِ إنّه لموقف صعب ، تشتري زيتًا نجسًا ، إن رددته باعه صاحبُه للناس.
مرةً قال لي رجل بائع كنت أتعامل معه : أخذنا ألف بيضة ، فإذا كلها فاسدون ، فبسرعة بعناهم بسوق الجمعة يوم الجمعة ، لقد قضى غرضه وحاجته .. ولم يعرف أين وضع ربَّه ، بل لم يقِم لربِّه وزنًا ، ولم يقدر له قدرًا ..
دخل السجن خوفاً من الله ، وخوفاً من أن يُحرق في النار يوم القيامة ، فصاحب السجن عرف قصته ، إنه رجل ورع جداً ، قال : أيها الشيخ إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك وبت معهم ، فإذا أصبحت فَعُدْ إلي .
أنت إنسان عظيم ، دخلت هذا السجن من شدة ورعك ، واستمرْ على ذلك حتى يُطلق سراحك ، كل يوم نَمْ عند أهلك ، فقال : لا واللهِ ، لا أفعل ، قال : ولِمَ ، أنا أسمح لك ؟ قال : حتى لا أعينك على خيانة ولي الأمر ، أنت تخون ولي الأمر بهذا العرض ، فإذا قبلتُ هذا العرض أعنتُك على خيانة ولي الأمر .
لما احتضر أنس ابن مالك أوصى بأن يغسله محمد بن سيرين ، ويصلي عليه ، وكان ما يزال سجيناً ، فلما توفي جاء الناس إلى الوالي بوصية صاحب رسول الله وخادمه ، واستأذنوه أن يخلي سبيل محمد بن سيرين لإنفاذ الوصية ، فقال لهم محمد بن سيرين : لا أخرج حتى تستأذنوا صاحب الدين ، والإذن ليس من الوالي ، بل من صاحب الدين .
إذا أراد الرجلُ أن يحج بمال ، وعليه دين فلا يُقبل حجُّه إلا إذا استأذن صاحب الدين ، والذي عليه دين يحرم عليه أن يأكل لونين من الطعام ، ونوعين من الفاكهة .
رجل مدين لك بمبلغ من المال ، وأنت تأكل نوعين أو ثلاثة من الطعام ، وأربعة أنواع فواكه ، وخير إن شاء الله ، لا يوجد معنا الآن .. هذه قلة مروءة .
فأذن له الدائن ، عند ذلك خرج من سجنه ، فغسل أنساً ، وكفنه وصلى عليه ، ثم رجع إلى السجن كما هو ، ولم يذهب لرؤية أهله ؛ لأن الإجازة فقط لتغسيل الميت ، لأهله لم يذهب .
عمّر محمد بن سيرين حتى بلغ السابعة والسبعين ، فلما أتاه اليقين وجده خفيف الحمل من أعباء الدنيا ، كثير الزاد لما بعد الموت .
إخواننا الكرام ، من حاسب نفسه حساباً عسيراً في الدنيا ، كان حسابه يوم القيامة يسيراً ، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً ، كان حسابه يوم القيامة عسيراً .
هذه حالة نادرة جداً ، إنسان يدخل السجن وهو تابعي جليل ورعاً ، أما عندما مات فلم يوجد عليه شيء .
حدثت حفصة بنت راشد ، وكانت من العابدات ، قالت : كان مروان بن المحملي لنا جاراً، وكان ناصباً في العبادة ، مجتهداً في الطاعة ، فلما مات حزنّا عليه حزناً شديداً ، فرأيته في المنام ، قلت : يا أبا عبد الله ما صنع الله بك ؟ قال : أدخلني الجنة ، قلت ثم ماذا ؟ قال : رُفعت إلى أصحاب اليمين ، قلت : ثم ماذا ؟ قال : رُفعت إلى المقربين ، قال : فمن رأيت هناك ؟ قال : الحسن البصري ومحمد بن سيرين .. من المقربين .
كله بثمنه .. ورع ، مجتهد ، صائم ، مُصَلٍّ ، دخلُك حلال ، إنفاقك حلال ، بيتك إسلامي ، عملك إسلامي ، فأنت من المقربين .
[سورة الواقعة]






رد مع اقتباس
قديم 06-05-2009, 07:10 PM رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

أبو أيوب الأنصاري
مقدمة هو خالد بن زيد بن كليب بن مالك بن النجار أبو أيوب الأنصاري.
معروف باسمه وكنيته.
وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين. روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بن كعب، روى عنه البراء بن عازب وزيد بن خالد، والمقدام بن معد يكرب وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، ونزل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده.
إسلامه:
أسلم أبو أيوب قبل هجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة، وشهد العقبة.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
حدث عبدا لله عباس فقال خرج أبو بكر رضي الله عنه في الهاجرة يعني نصف النهار في شدة الحر فرآه عمر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟ قال ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع فقال عمر و أنا والله ما أخرجني غير ذلك فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( ما أخرجكما هذه الساعة؟) قالا والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع فقال صلى الله عليه وسلم (: وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غير ذلك قوما معي فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.)
وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم طعاما فإذا لم يأت أطعمه لأهله فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب وقالت مرحبا بنبي الله ومن معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبو أيوب؟ فسمع أبو أيوب صوت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل في نخل قريب له فاقبل يسرع وهو يقول مرحبا برسول الله وبمن معه ثم قال يا رسول ليس هذا بالوقت كنت تجيء فيه فقال صدقت ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر وقال يا رسول الله كل من هذا وسأذبح لك أيضاً. فقال:( إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن ) وقدم الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيف وقال: يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة الزهراء فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم:( خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه ثم قال: والذي نفسي بيده هذا هو النعيم الذي تسالون عنه يوم القيامة ) وبعد الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب ائتنا غدا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصنع له احد معروفاً إلا أحب أن يجازيه فلما كان الغد ذهب أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأهداه جارية صغيرة تخدمه وقال له: استوص بها خيرا عاد أبو أيوب إلى زوجته ومعه الجارية وقال لزوجته هذه هدية من رسول الله لنا ولقد أوصانا بها خيرا وان نكرمها فقالت أم أيوب وكيف تصنع بها خيرا لتنفذ وصية رسول الله فقال أفضل شيء إن نعتقها ابتغاء وجه الله وقد كان.
فهذه أخي المسلم نبذة عن حياة هذا الصحابي الجليل في سلمه أما عن موقفه من الجهاد في سبيل الله؛ فقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه حياته غازيا حتى قيل إنه لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ظل جنديا في ساحات الجهاد وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشا بقيادة ابنه يزيد لفتح ( القسطنطينية ) وكان أبو أيوب وقتها بلغ عمره ثمانين سنة ولم يمنعه كبر سنه من أن يقاتل في سبيل الله ولكن في الطريق مرض مرضا أقعده عن مواصلة القتال وكان آخر وصاياه أن أمر الجنود أن يقاتلوا وان يحملوه معهم وان يدفنوه عند أسوار(القسطنطينية) ولفظ أنفاسه الأخيرة وهناك حفروا له قبرا وواروه فيه.


بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم ـ كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد دخل المدينة مختتماً بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادَّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس.
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوق، ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامه، كُلٌّ يريد أن يستضيف رسول الله.
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين:
( يا رسول الله، أقم عندن، فلدينا العدد والعدة والمنعة ).ويجيبهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:(خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة). ويبلغ الموكب دور بني بياضة، فَحيّ بني ساعدة، فحيّ بني الحارث بن الخزرج، فحيّ عدي بن النجار.
وكل بني قبيلة من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين أن يسعدهم النبي ( صلى الله عليه وسلم) بالنزول في دورهم، وهو يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة:( خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة ). فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) ممعناً في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه، ومن أجل هذا ترك هو أيضاً زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقه، ولا يستوقف خطاه، وتوجّه إلى الله بقلبه، وابتهل إليه بلسانه:( اللَّهُمَّ خر لِي، واختَرْ لِي ).وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة، ثم نهضت وطوَّفت بالمكان، ثم عادت إلى مبركها الأول، وألقت جرانه، واستقرت في مكانه.
وكان هذا السعيد الموعود، الذي بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية، هو البطل أبو أيوب الأنصاري، الذي جعلت الأقدار من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم والرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم.
ـ وروى عن سعيد بن المسيب أن أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم -شيئا فقال له: لا يصيبك السوء يا أبا أيوب وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من طريق أبي الخير عن أبي رهم أن أبا أيوب حدثهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل في بيته وكنت في الغرفة فهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقا أن يخلص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مشفق فسألته فانتقل إلى الغرفة قلت يا رسول الله: كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر فأضع أصابعي حيث أرى أثر أصابعك حتى كان هذا الطعام قال: أجل إن فيه بصلا فكرهت أن آكل من أجل الملك، وأما أنتم فكلو.
وروى أحمد من طريق جبير بن نفير، عن أبي أيوب قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة اقترعت الأنصار أيهم يؤويه فقرعهم أبو أيوب.. الحديث.
أثره في الآخرين:
ولقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه طول حياته غازي، وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية رضي الله عنه جيشا بقيادة ابنه يزيد، لفتح القسطنطينية وكان أبو أيوب آنذاك شيخا طاعنا في السن يحبو نحو الثمانين من عمره فلم يمنعه ذلك من أن ينضوي تحت لواء يزيد وان يمخر عباب البحر غازياً في سبيل الله.. لكنه لم يمض غير قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو أيوب مرضا أقعده عن مواصلة القتال، فجاء يزيد ليعوده وسأله: ألك من حاجة يا أبا أيوب؟
فقال: اقرأ عني السلام على جنود المسلمين، وقل لهم: يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية، وأن تحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية، ولفظ أنفاسه الطاهرة

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
يروي الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربو..
وعن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهم قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس فسمع صوتا فقال يهود تعذب في قبورها وعن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
مواقفه مع التابعين:
عن الزهري، عن سالم، قال: أعرست، فدعا أبي الناس، فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر. فجاء أبو أيوب، فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر. فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن تغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك. لا أدخل لكم بيتا، ولا آكل لكم طعام!
وعن محـمد بن كعب، قال: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال: ما يحملك على هذ؟ قال: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلـوات، فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.
وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه، قال: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل مزاح، فكان يقول لصاحب طعامن: جزاك الله خيرا وبرا، فيغضب فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرا يغضب. فقال: اقلبوه له. فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.
فقال له المزاح: جزاك الله شرا وعرا، فضحك، وقال: ما تدع مزاحك.
الوفاة:
قال الوليد عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.
وعن الأصمعي،عن أبيه: أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نبش، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب. فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا
قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره، ويستسقون به.
وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيي بن بكير: سنة اثنتين وخمسين.






رد مع اقتباس
قديم 06-05-2009, 07:13 PM رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

ابو دجانة
مقدمة هو سماك بن خرشة بن الخزرج أسلم مبكراً مع قومه الأنصار، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان، وشهد معركة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم...




أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقمت فقلت : أنا رسول الله فأعرض عني ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقلت : أنا يا رسول الله فأعرض عني ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال : آنا آخذه يا رسول الله بحقه فما حقه؟ قال: أن لا تقتل به مسلما و لا تفرّ به عن كافر قال : فدفعه إليه وكان إذا كان أراد القتال أعلم بعصابة...
فلما أخذ أبو دجانة السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصبها برأسه فجعل يتبختر بين الصفين - قال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن" -
قال: قلت: لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه و أفراه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن فيهن إمرأة تقول:
( نحن بنات طارق نمشي على النمارق )
( إن تقبلوا نعانق و نبسط النمارق )
( أو تدبروا نفارق فراق غير وامق )
قال فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها ثم كف عنها فلما انكشف له القتال قلت له كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة لم تضربها قالا إني و الله أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقتل به امرأة.

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عن قتادة بن النعمان قال : كنت نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي وكان أبو دجانة سماك بن خرشة موقيا لظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره حتى امتلأ ظهره سهاما وكان ذلك يوم أحد...
من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم
قال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دجانة وهو مريض - وكان وجهه يتهلل - فقيل له: ما لوجهك يتهلل فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما
ما قيل عنه:
عن ابن عباس قال : دخل عليٌّ بسيفه على فاطمة رضي الله عنهما و هي تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: خذيه فلقد أحسنت به القتال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن كنت قد أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وأبو دجانة.
















رد مع اقتباس
قديم 07-05-2009, 11:50 PM رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي

الأرقم بن أبي الأرقم

مقدمة
الأرقم بن أبي الأرقم وكان اسمه عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يكنى أبا عبد الله قال ابن السكن أمة تماضر بنت حذيم السهمية ويقال بنت عبد الحارث الخزاعية


إسلامه
كان من السابقين الأولين قيل أسلم بعد عشرة وقال البخاري له صحبة وذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة فيمن شهد بدرا وروى الحاكم في ترجمته في المستدرك أنه أسلم سابع سبعة.
وقد أسلم الأرقم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج أبو بكر الصديق يريد رسول الله وكان له صديقا في الجاهلية، فلقيه فقال: يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها فقال رسول الله: إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل فلما فرغ رسول الله من كلامه أسلم أبو بكر فانطلق عنه رسول الله وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورا منه بإسلام أبي بكر ومضى أبو بكر وراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا ثم جاء الغد عثمان بن مظعون وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا رضي الله عنهم


دار الأرقم ومكانتها في الإسلام
تُعد دار الأرقم رضي الله عنه وأرضاه إحدى الدور التي كان لها دور هام في تاريخ الإسلام، فقد كانت المحضن التربوي الأول الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم فيه طليعة أصحابه الذين حملوا معه المسئولية الكبرى في تبليغ رسالة الله تعالى، يقول ابن عبد البر: وفي دار الأرقم ابن أبي الأرقم هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا من قريش بمكة يدعو الناس فيها إلى الإسلام في أول الإسلام حتى خرج عنها وكانت داره بمكة على الصفا فأسلم فيها جماعة كثيرة وهو صاحب حلف الفضول.
لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم؟
1- أن الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، فما كان يخطر ببال قريش أن يتم لقاء محمد وأصحابه بداره.
2 - أن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه من بني مخزوم، وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، فلو كان الأرقم معروفًا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره، لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو
3 - كان الأرقم رضي الله عنه فتىً عند إسلامه، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره، ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع الإسلامي، فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام، ومن ثم نجد أن اختيار هذه الدار كان في غاية الحكمة من جميع النواحي.


مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
عن الأرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر: ضعوا ما كان معكم من الأثقال فرفع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ المزربان فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم فقال هبه لي يا رسول الله فأعطاه إياه.
وعنه رضي الله عنه أنه جاء إلى رسول الله فسلم عليه فقال: أين تريد؟ فقال: أردت يا رسول الله ههنا وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس، قال: "ما يخرجك إليه أتجارة؟" فقال: قلت لا ولكن أردت الصلاة فيه، قال: "الصلاة ههنا وأومأ بيده إلى مكة خير من ألف صلاة وأومأ بيده إلى الشام"


وفاته
عن محمد بن عمران بن هند عن أبيه قال: حضرتْ الأرقم بن أبي الأرقم الوفاة فأوصى أن يصلي عليه سعد فقال مروان: أتحبس صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل غائب أراد الصلاة عليه؟ فأبى عبد الله بن الأرقم ذلك على مروان وقامت معه بنو مخزوم ووقع بينهم كلام ثم جاء سعد فصلى عليه وذلك سنة 55 هـ بالمدينة وتوفي وهو ابن بضع وثمانين سنة.






رد مع اقتباس
قديم 08-05-2009, 07:00 PM رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي


رجاء بن حيوه

التابعيّ اليوم هو رجاء بن حيوه ، وقد قال مسلمة بن عبد الملك :
إن في كنده لثلاثة رجال ؛ ينزل الله بهم الغيث ، وينصر بهم على الأعداء ، أحدهم رجاء بن حيوه " ، فمن هو هذا التابعي؟.. على كل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة .. باب الخير مفتوح ، وفضل الله عميم ، لا يُحد لا بزمان ولا بمكان ، ولا بأمة ولا بقرن ، ولا بجيل ، وإنّ الله هو هو ، وعطاؤه مبذول ، ورحمته واسعة ، والطريق إليه سالك ، وثمن الجنة معروف .
هذا يؤكد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ *
[رواه الترمذي عن أنس]
فهذا التابعي ربما لم يَرِد في ذهنكم من قبل ، فمن هو ؟ .
هذا رجل وُلِد في بيسان من أرض فلسطين ، وكانت ولادته في أواخر خلافة عثمان بن عفان ، أو نحواً من ذلك ، وكان ينتمي إلى قبيلة كندة العربية ، وعلى هذا فرجاء بن حيوة فلسطيني الوطن ، عربي الأرومة ، كندي العشيرة .
وقد نشأ الفتى الكندي في طاعة الله ، ودائماً وأبداً أؤكد لكم ، مَن لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة ، ولا أفرح حينما أنظر إلى الإخوة الكرام فرحي حينما أرى شاباً ناشئاً في طاعة الله ، فالخير يتراكم ، والقناعات تتراكم ، والإيمان يتراكم ، فإذا كان في هذه السن ملتزمًا مطبقًا منيبًا ، تائبًا ، فكيف إذا رأيته في الأربعين ، وفي الخمسين ، فالزمن لصالح المؤمن ، يزيده تألقاً وعلماً ، ويزيده هيبةً ومكانة ، ويزيده قرباً مِن الجنة ، فلذلك ما من تابعي كما ترون ، وما من صحابي في الأعمّ الأغلب إلا وقد نشأ في طاعة الله النشأة المبكرة .
نشأ هذا الفتى الكندي في طاعة الله منذ حداثة سنه ، فأحبه الله ، وحبَّبه إلى خلقه .
بالمناسبة ، إذا أردتَ أن يحبّك الناس لِمَا عندك من أخلاق وإيمان ، فهذه في الحقيقة محبة الله لك .
***
ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
***
محبة الله تتجسد بمحبة الخلق ، وإذا أبغض اللهُ الإنسانَ لانحرافه ومعصيته ، ألقى بغضه في قلوب العباد ،فلا أحد يحبه ، أما إذا كان قوياً مُدِح في وجهه ، أما العبرة فبما يُقال في غيبته ، فلا تأبه ، ولا تلقي بالاً ، ولا تهتمّ لِمَا يقال في حضرتك ، أنت أحد رجلين ؛ إما أن يخافك الناس ، وإما أن يرجوا ما عندك ، وفي الحالتين يتملقونك ، ويكيلون لك المديح جزافاً، ويمدحونك بما ليس فيك ، لكن الذي يُعوَّل عليه ما يُقال في غيبتك .
أقبل هذا الفتى على العلم من نعومة أظفاره ، فوجد العلم فؤاده غضاً طرياً خالياً ، فتمكن منه ، واستقر فيه .
أنت كالوعاء ، وقد قيل :
***
أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْهَوَى فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِيًا فَتَمَكَــنَّا
***
الإنسان إذا طلب العلم في وقت مبكر ، يكون وعاؤه فارغًا ، فحينما يُلقى العلم فيه يتمكن، والعلم في الصغر كالنقش في الحجر ، أما إذا امتلأ بمشاغل الدنيا ، وشهواتها ، وطموحاتها ، فلم يعُد العلمُ يصادف محلاًّ فيه .
قال الشاعر المتنبي يتحدث عن المصائب :
***
رَمَانِي الدَّهْرُ بِالأَرْزَاءِ حَتَّى فُؤَادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَــالِ
فَكُنْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سِهَــامٌ تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ
***
لم يَعُد ثمة محلٌّ شاغر ، فالقلب إذا امتلأ بمحبة الدنيا لم يبقَ شيء لمحبة الله ، والله عز وجل قال في القرآن الكريم :
[سورة الأحزاب من الآية 4]
فهو قلب واحد .. هذه نقطة دقيقة ، هذا القلب وعاء ، إذا كان فارغاً مما سوى الله امتلأ كله بمعرفة الله ، وإذا كان معبَّأ إلى ثلاثة أرباعه من الدنيا لم يبق منه إلاّ الربع .
فالبطولة كما قال الله عز وجل :

[سورة المؤمنون]
وجد العلم فؤاده غضاً طرياً خالياً ، فتمكن منه ، واستقر فيه ، وجعل همَّه الأكبر التضلعَ من كتاب الله .
أقول هذا الكلام كثيراً : فَضُل كلامِ اللهِ على خلقه كفضل الله على خلقه ، وأيّ كتاب تقرأه فمؤلِّفه بشر محدود ، لكنك إذا قرأت كتاب الله عز وجل فقد قرأتَ كتاب خالق البشر .
فكان همه الأول التضلعَ (التمكن) من كتاب الله ، والتزودَ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تصور إنسانًا وعاؤه ممتلئ بالقرآن والسنة ، هذا كيفما تكلم ، وكيفما تحرك لا ينطق إلا بالحق ، ولا يتكلم إلا بالحكمة ، ولا يقف إلا الموقف الكامل .
أتيح لهذا التابعي الجليل أن يأخذ عن طائفة كبيرة من جلّة علماء الصحابة .
هذه الفكرة توقفنا عند حقيقة ، وهي أن العلم لا يؤخذ إلا من الرجال ، ولو أمكن أن يؤخذ العلم من الكتب مباشرةً لاستغنت وزارات التربية في العالم عن ألوف ألوف المعلمين ، ولو أمكن أن يؤخذ العلم من كتاب فقط دون معلم ، هذه حقيقة ثابتة ، اقرؤوا كتاب أصل من أصول الفقه (الموافقات للشاطبي) ، في المقدمة التاسعة يقول : العلم لا يؤخذ إلا عن طريق عالم ورع متحقق ، فالورع صفة نفسية ، والتحقق صفة فكرية ، متحقق من علمه ، ورع في سلوكه ، هذا هو السبيل .
أخذ عن أبي سعيد الخدري ، وأبي الدرداء ، وأبي أمامة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الله بن عمر بن العاص ، وغيرهم ، فكان هؤلاء الأساتذة العلماء الأجلاء مصابيح هداية ، ومشاعل عرفان ، وضع هذا الفتى التابعي لنفسه دستوراً ظل يلتزمه طوال حياته ، فكان يقول : ما أحسن الإسلام يزينه الإيمان ..
الإسلام انصياع لله ، لكن إذا كان انصياعًا من دون إيمان فلا يستمر .
" ما أحسن الإسلام يزينه الإيمان ، وما أحسن الإيمان يزينه التُّقى وما أحسن التقى يزينه العلم ، وما أحسن العلم يزينه العمل ، وما أحسن العمل يزينه الرفق " ، هذا منهج هذا التابعي ؛ إسلام ، وإيمان ، وتقوى ، وعلم ، وعمل ، ورفق .
لكن الشيء الذي يلفت النظر في سيرة هذا التابعي هو أنه كان وزيراً لعدد كبير من خلفاء بني أمية ، وقد تعجبون كيف وفَّق بين مقتضيات منصبه ، وبين كونه من التابعين الأجلاء الورعين العاملين .
وسوف ترون أنه ما مِن عمل على وجه الأرض يستعصي أنْ يكون في خدمة الحق .
كان لهذا التابعي صلة متينة بسليمان بن عبد الملك ، وعمر بن عبد العزيز فاقت صلاته بمَن سبقه من الخلفاء ، أدناه من قلوب الخلفاء رجاحةُ عقله ، وصدقُ لهجته ، وإخلاصُ نيته، وحكمتُه في معالجة الأمور .
أيها الإخوة الأكارم ، الإنسان يوفَّق إلى أقصى درجة حينما يكون إلى جانبه من يُعِينُه على الخير ، ويدُلُّه عليه ، دعاء رسول الله لأمراء المسلمين : اللهم هيئْ لهم بطانة خير تدلهم إليه ، وتعينهم عليه .
وأنت كإنسان حاول أن يكون لك مستشار ، يدلُّك على الخير ، ويعينك عليه ، وإياك وبطانة السوء ؛ الذين اشتروا دنياك بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم .
أحياناً الإنسان يكون مدير مدرسة ، عنده ثلاثون أو أربعون مدرسًا ، مدير مشفى عنده ثلاثون أو أربعون طبيبًا ، ترى واحداً تقرَّب منه زيادة ، خدمه زيادة ، كان بجانبه ، لطيف دائماً ، هذا الشخص سنُسَمِّيهِ مستشارًا ، سنُسَمِّيهِ من البطانة ، ومن الحاشية ، هناك شخص بطانة سوء يوغر صدره دائماً على بقية الناس ، يدلّه دائماً على عملٍ يؤذي المصلحة يقول له: هذه أقوى لمركزك ، فلان اعمل معه كذا ، فلان تكلم عليك بغيابك كذا ، فهذا الرجل من بطانة السوء .
أحياناً يكون الإنسان مدير معمل ، مدير مشفى ، مدير مدرسة ، رئيس دائرة صغيرة ، وحوله موظفون ، هذه هي الحاشية ، فاحذَرْ أن يكون أقرب الناس إليك رجلَ سوء .
سيدنا عمر بن عبد العزيز عيَّن مستشارًا عالمًا جليلاً ، اسمه عمر بن مزاحم ، قال له : يا عمر كنْ إلى جانبي دائماً ، وراقبْ ما أفعل ، وانظرْ ما أقول ، فإنْ رأيتني ضَللتُ فأمسكني من تلابيبي ، وهُزَّني هزًّا شديداً ، وقل لي : اتَّقِ اللَّهَ يا عمر ، فإنك ستموت .
والله لو كُشِف الغطاء لرأيت الذي ينتقدك ، وينصحك ، ولو كان قاسياً ، لرأيتَ فضله عليك لا حدود له ، فالذي ينتقدك يرفعك ، والذي يمدحك بما ليس فيك يضعك ، هكذا قال سيدنا عمر قال : أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي *
[كنز العمال]

وطِّن نفسَك على سماع النقد ، وطِّن نفسك على سماع النصيحة ، ولو كانت قاسية ؛ لأنها تنطلق من حبٍّ ، ومن حرص ، ومن غيرة ، ولا تعوِّد نفسك على سماع المديح ، مثل الجربان ، يريد من يحكُّ له دائماً .
لا توطِّن نفسك على سماع المديح ، اطلب النقد ، واطلب المآخذ ، واطلب المثالب ، واطلب السقطات ، واطلب الهنات ، وتلافاها ، فإنّك سترقى بها بسرعة ، أمّا إنْ عوَّدتَ نفسك على سماع المديح والثناء لم تَعُدْ حينئذٍ تقبل أن يذمك أحد أبداً ، ولا ترضى ، بل تريد تحطيمه ، لأنّك تعوّدتَ على المديح ، وصار بك إدمان مثل المخدرات ، فوطِّن نفسك على سماع النقد ، وعلى سماع النصيحة ، وعلى سماع المآخذ ، وبهذا ترقى .
اسمع كلام سيدنا عمر : أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي *
[كنز العمال]
أعدائي لهم فضل عليَّ ومِنّة ، فلا أعدم الله لي الأعادي ، ذكروني بالعيوب فبرئت منها ، فالأبطال دائماً يصغون إلى النقد باهتمام ، ويشكرون ، ويثنون.
قلت لكم سابقاً : طريق القمة صعب ، ومع أنه صعب فقد تصل إلى القمة ، في عملك ، في دراستك ، في تدريسك ، في تجارتك ، في زعامتك ، في قيادتك ، ممكن ، ولكن بعد أن تصل إلى هذه القمة البطولة ليس أنك وصلت إليها ، لكنّ البطولة أن تبقى فهيا ، لأن في القمة آلاف الطرق التي توصلك إلى الحضيض ، فإذا كان طريق الصعود طريقًا وعرًا فطريق النزول كله سيراميك مع صابون ، لأنّ الغرور يهلكك ، ورفضُ النقد يهلكُك ، والاعتداد بالرأي يهلكك ، لذلك البطولة أن تبقى في القمة ، وهذا يحتاج إلى معارضة ، وإلى نصيحة ، وإلى بطانة خير تدلُك على الخير ، وتعينك عليه .
فهذا التابعي وزير لخلفاء بني أمية :
أولاً : دعاهم إلى الخير ودلّهم عليه .
ثانياً : ثنّاهم عن الشر ، وأوصد دونهم أبوابه .
ثالثاً : أراهم الحق ، وزيّن لهم اتِّباعه ، وبصّرهم بالباطل ، وكره إليهم إتيانه ، ونصح لله ، وللرسول ، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
الآن عندنا مرض يفتِّت جموع المسلمين ، إنّه المجاملة ، يقول لك : أعطه جَمَلَه .. يقول لك : هذا الشخص إذا جلس مع شخص لا دين له يخرج من عنده ملحدًا ، إنْ جلس مع شخص له دين يخرج ولِيًّا ، ترى عنده قدرة ومرونة عجيبة جداً ، يتكلم بكلام يوافق الحاضرين ، هذا منتهى النفاق ، فمن استطاع أن يرضي الناس جميعاً فهو منافق ، أليس لك اتّجاه ، أم تسبح مع كل التيّارات ، ما هذا الإنسان ؟ ليس له اتجاه ، يجامل هذا وذاك ، فإن كان مع شخص من أصحاب الفكر الحر تراه صار حراً أكثر منه .
حتى إنّ أديبًا قيل له : أنت كاتب مسرحي كبير ، كيف تبيع قلمك ؟ كيف تبيع إنتاجك الفني إلى جهة معينة ؟ فغضب وقال : أنا أبيع إنتاجي لجهة في الأرض ؟ أنا أجرته تأجيراً ، يعني لم يبع .
فالمفروض أن يكون للإنسان اتجاه ، يكون عنده كلمة (لا أوافق) ، يكون عنده كلمة (لا أرضى بهذا) ، يكون عنده كلمة (اعتراض) حتى تكون له شخصية .
علمونا بالجامعة أن أول مظهر لمظاهر ظهور شخصية الطفل الصغير رفضه ، يقول لك: لا أريد ، الرفض دليل شخصية ، فإذا ألغيت الرفض ، ألغيتَ الشخصية ، وذاب الإنسان وأصبح مائعاً ، فيتشكل حينئذٍ في أيِّ إناء .
دعاهم إلى الخير ودلّهم عليه ، وثنّاهم عن الشر ، وأوصد دونهم أبوابه ، وأراهم الحق وزيَّنه لهم ، وبصّرهم بالباطل ، وكرَّه لهم إتيانه ، ونصح لله ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
له قصة مع سليمان بن عبد الملك ، يرويها ويقول : إني لواقف مع سليمان بن عبد الملك في جموع من الناس ، إذ رأيت رجلاً يتجه نحونا وسط الزحام ، وكان حسنَ الصورة ، جليلَ الهيئة ، فما زال يشق الصفوفَ ، وأنا ما أشكُّ أنَّه يروم الخليفة حتى حاذاني .
هو ظن أن الرجل الوقور يتَّجه نحو الخليفة ، فإذا به يتّجه نحوي ، ثم وقف إلى جانبي ، وحيَّاني ، وقال : يا رجاء ـ والخليفة يقف بجانبه ـ قال له : يا رجاء إنك قد ابتليت بهذا الرجل ، وأشار إلى الخليفة ، وإنّ في القرب منه الخير الكثير والشر الكثير ، فاجعل قربَك منه خيراً لك وله وللناس ، واعلمْ يا رجاء أنه مَن كانت له منزلة من السلطان فرفع إليه حاجة امرئٍ ضعيف لا يستطيع رفعها لقِيَ الله جل وعز يوم يلقاه ، وقد ثبَّتَ قدمَيْه للحساب .
أحياناً يكون للرجل صديق وهو مدير عام مؤسسة ، إنسان بمنصب حساس ، هذه العلاقة أنت مُحاسب عنها يوم القيامة ، يا ترى هل يوجد رجل مظلوم له مشكلة عند هذا الرجل العظيم ، وأنت صديقه ، إذا كانت هناك فائدة تجنيها من هذه العلاقة أنْ تنقل لهذا الإنسان الذي بيده الأمر ظُلامة ممَّن لا يستطيع نقلها إليه .
ليس هناك مَن لا أصحاب له ، ولا أصدقاء له ، أو قرابات ، أنت تعرف أناس مظلومين، والعلماء ما كانوا يجيزون لأنفسهم التقرُّب مِنَ الأمراء إلا من أجل رفع ظلامات المسلمين إليهم .
إذا كان لك علاقة مع إنسان قوي ، إنسان بيده الأمر ، فهذه العلاقة يجب أن توظفها في سبيل إنصاف المظلومين ، لا أن تحدثه بعلاقات ومودات وسهرات فقط من أجل أن تشعر بالأمن ، أنا فلان صديقي ، تشعر أنه لا أحد يقترب منك ، أنت لم تستغلَّ هذه العلاقة في خدمة المسلمين ، ولم توظفها لخدمة الحق ، إنما استخدمتها لتوهِمَ نفسَك أنك في أمن ، فلان صاحبك ، معك رقم هاتفه ، وقال لك: أخبرْني أيَّة ساعة تريد .
قال له : واذكر يا رجاء أنه مَن كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته ، واعلم يا رجاء أنّ مِن أحبِّ الأعمال إلى الله عز وجل إدخالَ الفرح على قلب امرئ مسلم .
مرةً قال لي طبيب كلمة كَبُر بها في نظري كثيراً ، قال : أنا ذقتُ كل ملاذ الدنيا ، لكن حينما أجري عملية ناجحة لإنسان ، ويشعر أنها نجحت ، ويبتسم ، أشعر بسعادة لا توصف .
العظماء أيها الإخوة ، لا يسعدهم إلا أن يسعد الناس بهم ، أما الصغراء فما دام بيتُهم فيه كل شيء ، وطعامهم جيد ، وأموالهم كثيرة ، فعلى الدنيا السلام ، لكنَّ عظماء الناس يسعدون بإسعاد الآخرين ، ويسعدون إذا رأوا البسمة على قلوب الناس .
زرت أخًا من إخواننا الكرام ، معه معرض عضال ، ورأيت أولاده في كآبة ، هذا الأخ الكريم تلقى هاتفًا من إنسان قال له : غداً قابل الطبيب الفلاني ، والعملية حسابُها مغطَّى ، لم يعرف إلى الآن مَن أخبره ، ذهب إلى الطبيب ، وقال له : العملية جاهزة متى تحب ، قال : بعد يومين ، زرته بعد حين فرأيت أولاده يقفزون من الفرح ، قلت : هذا الذي دفع ثلاثمائة ألف أدخل الفرح على هذه الأسرة ، الأب والزوجة والأولاد ، أليس ذلك أفضل من أن يعمل عرسًا في فندق ، ثم يدفع عشرين مليونًا ، أو عشرة ملايين ، أو مليون .. لا أحد يعرف مِن أين السعادة .. السعادة بإسعاد الناس ، أنْ تعيش في قلوبهم ، أن ترى البسمة على أفواه الصغار .. لذلك كلمة لا أنساها أبداً ، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك .
هناك إنسان كله خيرات ، كله معونة ، هناك شخص بنى نفسه على أنقاض الناس ، وعلى أخذِ ما في أيديهم ، وعلى بثِّ الرعب في قلوبهم ، هذا أشقى إنسان ، فإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، وفيما وظفك اللهُ عنده ..
مرة قال لي رجل : أنا عملي قذر ، وأيضاً تفلسف فقال : Dirty work، حكاها لي بالإنكليزي ، واللهُ يشهد أنّ له بيتًا ، ومركز عمل لا يُوصف بالفخامة ، قال لي : عملي قذر ، هذه هي الفطرة ، واعملْ عملاً كله شحم وزيت ، وأتقِنْه ، وخذ أجرة معتدلة ، هذا عمل نظيف ، كله شحم ، اغتسل في المساء ، والبس لباساً أنيقاً في المساء ، إخواننا كُثُرْ أصحاب مصالح ، أنا أُكبرهم واللهِ ، يلبس ثوبًا أسود على أزرق على شحم ، ولكن انظر إليه في حفل عقد قران ، تراه يلبس ثوبا فخمًا ، وأنيقًا ومرتبًا ، درجة أولى ، هكذا يحبّ اللهُ الإنسانَ ، أن يكون صاحبَ مصلحة ، وقال : واللهِ لئن أمكنني الله منه لأفعلنّ ولأفعلنّ ولأضعنَّ السيف في عنقه ، ولم يمض وقتٌ طويل حتى أمكنه الله من الرجل ، وسيقَ إليه سوقاً ، فلما وقعت عيناه عليه كاد يتميز من الغيظ ، وهمَّ أن ينفذ وعيدَه بقتله ، وكان رجاء جالسًا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ الله عز وجل قد صنع لك ما تحبّ مِن القدرة عليه ، فاصنعْ لله ما يحبُّ من العفو .
استجاب الله لك الدعاء ، ونفّذ رغبتك ، وجعله بين يديك ، فالآن قابلْ هذا الإكرامَ من الله أنه مكنك منه ، قابِلْه بما يحبّ اللهُ عز وجل مِن العفو عنه ، فسكنتْ نفسُ الخليفة ، وسكتَ عنه الغضبُ ، وعفا عن الرجل ، وأطلق سراحه ، وأحسن إليه .
إخواننا الكرام ، وفي الحديث : عدل يوم واحد أفضل من عبادة ستين سنة *
ومن طريق أبي نعيم بلفظ : عدل حكم ساعة خير من عبادة سبعين سنة *
[كشف الخفاء للعجلوني ، عن أبي هريرة]

لا تكنْ إنسانًا يسبِّب الشر لإنسان " ليس منا من فرق " ، اجمع ، وقَرِّبْ بين الناس ، والتمسْ لهم العذر ، ودافعْ عنهم يرضَ عنك الله ، ولا تَبْنِ مجدَك على أنقاض الآخرين ، أشخاص كثر يرتفعون على أنقاض أناس آخرين ، فيحطِّم إنسانًا ، ويعلو هو ، يحطم جهةً ويعلو هو ، والإنسان هو هو ، ولو اختلف الزمان .
سنة إحدى وتسعين حجّ الوليد بن عبد الملك وبصحبته رجاء ، فلما بلغا المدينة زارا المسجد النبوي الشريف ، يرافقهما عمر بن عبد العزيز ، وقد رغِب الخليفة أن ينظر إلى الحرم النبوي نظرة أناة ورَوِيَّة ، إذْ كان عقَدَ العزمَ توسعَتَه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ، الآن يسع الحرم النبوي ما يزيد عن مليون مصلٍّ .
كانت الرغبة أن يوسِّعه إلى مائتي ذراع بمائتي ذراع ، فإذا الرجل زار الحرم النبوي الآن يرى أعمدة بيضاء هي الروضة ، وبعدها عمودين أخضرين مكتوب هذا حدود المسجد النبوي ، حتى تعرف حجم المسجد النبوي عندما كان رسول الله فيه ، بقدر أربع سجادات ، هؤلاء فتحوا العالم ، ونحن مليار ومائتا مليون !.. نسأل الله أنْ يعيننا ويساعدنا ..
فأُخرِجَ الناسُ من المسجد ليتمكّن الخليفة من تأمله (هكذا صدر الأمر) ، ولم يبق في المسجد غيرُ سعيد بن المسيب (هو رجل من التابعين) ، إذ لم يجرؤ الحرس على إخراجه (له هيبته) ، فأرسل عمر بن عبد العزيز إليه ، وكان يومئذ والياً على المدينة ، مَن يقول له : لو خرجتَ من المسجد كما خرج الناس (إذا أمكن) ، فقال سعيد بن المسيب : لا أغادر المسجد إلا في الوقت الذي اعتدتُ أن أغادره فيه كل يوم ، فقيل له : لو قمتَ فسلمتَ على أمير المؤمنين (طيِّب قفْ وسلِّم عليه) ، فقال : إنما جئت إلى هنا لأقوم للهِ رب العالمين ، هذا بيت الله ..
فلما عرف عمر بن عبد العزيز ما دار بين رسوله وسعيد بن المسيب جعل يعدل بالخليفة عن المكان الذي فيه سعيد (أخذه إلى الطرف الآخر حتى لا تنشأ مشكلة) ، وأخذ رجاء يشاغله بالكلام لِمَا كانا يعلمان من شدة عنفوان الخليفة (الخليفة عنده عنفوان شديد ، وهذا الرجل لا يخرج من المسجد الآن ، ولا يقف للسلام) ، فقال لهما الوليد : مَن ذلك الشيخ ؟ أليس هو سعيد بن المسيب ؟ قالا : بلى يا أمير المؤمنين ، وطفِقا يصِفَانِ من دينه وعلمه وفضله وتقواه (حتى يغطوا على بقائه وجلوسه) ، ثم قالا : لو عِلَم بمكان أمير المؤمنين لقام إليه ، وسلّم عليه ، ولكنه ضعيف البصر ، فقال الوليد : إني لأعلم من حاله مثلما تذكران ، وهو أحقُّ أن نأتيه ونسلِّم عليه ، ثم دار في المسجد حتى أتاه ، ووقف عليه وحيّاه ، وقال : كيف الشيخ ؟ فلم ينهض الشيخ من مكانه ، وقال : بنعمة من مكانه ، وله الحمد والمنة ، قال له : فكيف أمير المؤمنين وفَّقه الله لما يحبّه ويرضاه ، فانصرف الوليد ، وهو يقول : هذا بقيّة الناس ، هذه بقيّة السلف الصالح.
والخلفاء كانوا أتقياء .
ولما أفْضَت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك كان لرجاء بن حيوه عنده شأن يفوق شأنه عند سابقه ، الآن القصة دقيقة جداً ، أكبر هذه القصص أنه حدّث رجاء فقال : لما كان أول يوم جمعة من شهر صفر عام تسعة وتسعين ، كنا مع أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك بدابق وكان قد أرسل جيشاً لجب إلى القسطنطينية ، بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك ، ومعه ابنه داود ، وطائفة كبيرة من آل بيته ، وقد آل على ألاّ يبرح مرج دابق حتى يفتح الله عليه القسطنطينية ، أو يموت .
سليمان عنده رغبة أن تُفتح على يديه القسطنطينية ، وكانت معقل الروم ، فلما اقترب موعد صلاة الجمعة توضأ الخليفة فأحسن الوضوء ثم لبس عمامة خضراء ، ونظر في المرآة نظرة معجب بنفسه ، مزهواً بشبابه ، وكان في نحو الأربعين من عمره ، ثم خرج ليصلي بالناس الجمعة ، فلم يرجع من المسجد إلا وهو موعوك (أصابته الحمى) ، ثم أخذ يثقل عليه المرض يوماً بعد يوم ، وقد سألني أن أظلّ قريباً منه ، فدخلتُ عليه ذات يوم فوجدتُه يكتب كتاباً ، فقلت : ما يصنع أمير المؤمنين ؟ قال : أكتب كتاباً أعهد به إلى ابني أيوب بالخلافة من بعدي ، فقلت يا أمير المؤمنين (اسمعوا دور الناصح ، دور بطانة الخير التي تدلّ على الخير ، وتعين عليه) قال : يا أمير المؤمنين إنّ ممّا يحفظ الخليفة في قبره ، ويبرئ ذمته عند ربه أن يستخلِف على الناس الرجل الصالح ، وإن ابنَك أيوب غلامٌ لم يبلغ الحلم بعد ، ولم يتبين صلاحه من طلاحه ، فتراجع ، وقال : إنه كتاب كتبته ، وأنا أريد أن أستخير الله فيه ، ولم أعزم عليه (قال : لم أقرر بعد) ، ثم مزق الكتاب .
التغت خلافة أيوب بهذه النصيحة .
ومكث بعد ذلك يوماً أو يومين ثم دعاني ، وقال : يا رجاء ما رأيك في ولدي داود ، فقلت : هو غائب مع جيوش المسلمين في قسطنطينية ، وأنت لا تدري الآن أحيٌّ هو أم ميت، فقال : فمَن ترى إذن يا رجاء ، قلت : الرأي رأي أمير المؤمنين ، وكنت أريد أن أنظر فيَمن يذكرهم لكي أستبعدهم واحداً واحداً حتى أصل إلى عمر بن عبد العزيز .
يعني كل أعمال سيدنا عمر بصحيفة رجاء ، هو الذي أقنع الخليفة باختياره .
فقال : كيف ترى عمر بن عبد العزيز ، قلت : واللهِ يا أمير المؤمنين مَا علمته إلا فاضلاً كاملاً عاقلاً بيناً ، قال : صدقت ، إنه والله لكذلك ، ولكنني إن ولّيته ، وأغفلت أولاد عبد الملك لتكوننّ فتنة ، ولا يتركونه يلي عليهم أبداً ، قلت : أشرك معه واحداً منه ، واجعله بعده، قال : واللهِ لقد أصبت ، فإنّ ذلك مما يسكنهم ، ويجعلهم يرضونه ، ثم أخذ الكتاب، وكتب بيده : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز ، إني ولّيته الخلافة من بعدي ، وجعلتها من بعده ليزيد بن عبد الملك ، فاسمعوا له وأطيعوا ، واتقوا الله ، ولا تختلفوا فيطمع بكم الطامعون ، ثم ختم الكتاب، وناولني إياه ، ثم أرسل إلى كعب بن حازم صاحب الشرطة ، وقال : ادع آل بيتي فليجتمعوا (لأخذ البيعة) ، وأعلِمْهُم أن الكتاب الذي في يد رجاء هو كتابي ، ومُرْهُم أن يبايعوا لمَن فيه، قال رجاء : فلما اجتمعوا قلت لهم : هذا كتاب أمير المؤمنين ، قد عهد فيه للخليفة من بعده ، وقد أمرني أن آخذ منكم البيعة لمَن ولاه (ولكن لم يعرفوا من) ، فقالوا : سمعاً لأمر أمير المؤمنين ، وطاعة لخليفته من بعده ، وطلبوا أن أستأذن لهم على أمير المؤمنين للسلام عليه ، فقلت : نعم ، فلما دخلوا عليه قال لهم : إن هذا الكتاب الذي في يد رجاء هو كتابي ، وفيه عهدي للخليفة من بعدي ، فاسمعوا وأطيعوا لمَن ولّيتُ ، وبايِعوا لمَن سمّيت في هذا الكتاب ، فطفِقوا يبايعون رجلاً رجلاً ، ثم خرجتُ بالكتاب مختوماً لا يعلم أحد من الخلق ما فيه غيري وغير أمير المؤمنين ، فلما تفرّق الناس جاءني عمر بن عبد العزيز ، فقال : يا أبا المقدام ، إن أمير المؤمنين رجلٌ حسن الظن بي ، وكان يوليني من كريم بره وصافي وداده الشيءَ الكثير ، وأنا أخشى أن يكون قد أسندَ إليّ مِن هذا الأمر شيئاً ، فأنشدك الله ، وأسألك بحرمتي ومودتي ، أن تعلمني إنْ كان في الكتاب شيءٌ يخصني حتى أستعفيه من ذلك قبل فوات الفرصة ، فقلت له : لا واللهِ ما أنا بمخبرك حرفاً واحداً ممّا سألت عنه ، فتركني وتولى عني وهو غضبان .
ثم جاءني هشام بن عبد الملك ، قال : يا أبا المقدام إن لي عندك حرمة ومودة قديمة ، وإن لك عندي شكراً جزيلاً فأعلمني بما في كتاب أمير المؤمنين ، فإن كان هذا الأمر إليّ سكت ، وإن كان لغيري تكلمتُ ، فليس مثلي من يُنحى عن هذا الأمر ، (موقف معاكس تماماً) ، ولك عهدُ الله ألاّ أذكر اسمك أبداً ، فقلت : لا والله ، لا أخبرك بحرف واحد ممّا في الكتاب ، فانصرف وهو يضرب كفاً بكفٍّ ويقول : لمَن يكون هذا الأمر إذا أنا نُحّيتُ عنه ، أتخرج الخلافة من بني عبد الملك ، واللهِ إني لعيب أولاد عبد الملك .
ثم دخلت على سليمان بن عبد الملك، فإذا هو يجود بروحه ، فجعلتُ إذ أخذته السكرةُ من سكرات الموت أحرِّفه نحو القبلة ، فكان يقول لي وهو يشهق : لم يأنِ ذلك بعد يا رجاء ، حتى فعلت ذلك مرتين ، فلما كانت الثالثة قال : الآن يا رجاء إن كنتَ تريد أن تفعل شيئاً فافعله (يعني انتهى الأمر) أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فحرفته نحو القبلة ، فما لبث أن أسلم روحه لله ، عند ذلك أغمضتُ عينيه ، وسجّيته بقطيفة خضراء ، وأغلقتُ الباب عليه ، وخرجتُ ، فأرسلتْ إليَّ زوجتُه تسألني عنه ، وتطلب مني أن أخبرها عن حاله، فقلت لها ، شققتُ عنه الباب وقلتُ لرسولها ، انظر إليه ، لقد نام الساعة بعد سهر طويل ، فدعوه ، فرجع فأخبرها ، فقبلت ذلك ، وأيقنت أنه نائم ، ثم أحكمتْ إغلاق الباب وأجلستْ عنده حارساً أثِقُ به ، وأوصيته ألاّ يتزحزح عن مكانه حتى أعود ، وألاّ يُدخل على الخليفة أحداً أبداً ، كائناً من كان ، ومضيتُ ، فلقيني الناس ، وقالوا : كيف أمير المؤمنين ؟ قلت : لم يكن منذ مرض أسكنَ منه الآن ، ولا أهدأ ، فقالوا : الحمد لله ، ثم أرسلتُ إلى كعب بن حازم صاحب الشرطة ، فجمع أهلَ بيت أمير المؤمنين جميعاً في مسجد دابق ، فقلت : بايعوا لمَن في كتاب أمير المؤمنين ، قالوا : قد بايعنا مرةً أنبايع أخرى مرةً ثانية ، فقلت : هذا أمر أمير المؤمنين ، بايعوا على ما أمر به ، ولمَن سمّى في هذا الكتاب المختوم ، فبايعوا رجلاً رجلاً، فلما رأيت أني قد أحكمت الأمر قلت : إن صاحبَكم قد مات ، وإنّا لله وإنا إليه راجعون ، وقرأت عليهم الكتاب ، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز ، نادى هشام بن عبد الملك: لا نبايعه أبداً ، فقلت : إذاً والله تُضربُ عنقُك ، فقام يجرّ رجليه ، فلما انتهى إلى عمر قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وهو يسترجع لنصيب الخلافة إلى عمر دونه ، ودون إخوته من أولاد عبد الملك ، وقال عمر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وكان يسترجع لمصير الخلافة إليه على كره منه .
فكانت بيعة جَدَّد اللهُ فيها للإسلام شبابه ، ورفع للدين منارَه ، فطوبى لخليفة المسلمين على هذه التولية ، وطوبى لرجاء على هذه النصيحة .
هذا رجل من التابعين ، كان وزيراً لعدد من خلفاء بني أمية ، وكان ناصحاً أميناً من بطانة الخير ، يدل على الخير ويعين عليه






رد مع اقتباس
قديم 08-05-2009, 07:04 PM رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي


سعيد بن جبير

التابعي هو سعيد بن جبير ، قال عنه الإمامُ أحمد بن حنبل : لقد قتل سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا ومحتاج إلى علمه .
قصة هذا التابعي تثير تساؤلات كثيرة ، لكن أنا أضع بين أيديكم دقائقها وتفاصيلها، وبإمكانكم أن تستنبطوا أشياء كثيرة ، أحد أكبر الأشياء التي ينبغي أن تستنبط من هذه القصة ، أن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ودار ابتلاء .
( سورة الانشقاق : 6 )
الإنسان حينما يوطِّن نفسه على أن هذه الدنيا دار ابتلاء ، ويرضى بكل شيء ، فكان هذا التابعي فتًى وفيق الجسم ، مكتمل الخلق ، متدفقاً حيوية ونشاطاً ، وكان ذكي الفؤاد ، حاد الفطنة، نزّاعاً إلى المكارم ، متأثماً من المحارم ، شديد الخوف أن يقع في الإثم ، لكنه كان أسود اللون ، شعره مفلفل ، لأن أصله حبشي ، هذا الأصل الحبشي ، ولونه الأسود ، وشعره المفلفل ، وأنفه الأفطس ، ما كان لينال من مكانته الرفيعة بين المسلمين ، هذا مجتمع المسلمين ، مجتمع المقياس الواحد ، مقياس التقوى.

( سورة الحجرات : 13 ) .
وما لم يكن هذا المقياس سائداً في المجتمع فالمجتمع متخلف ، وأيّة قيمة يوزن بها الإنسان غير قيمة العلم والعمل والتقوى ، فهذا دليل تخلف المجتمع ، وكان سعيد بن جبير حديثَ السن ، حبشي الأصل ، عربي الولاء ، أدرك أن العلم وحده هو الذي يرفعه ، وأن التقى وحدها هي التي تكرمه ، وتبلغه الجنة ، لذلك قالوا : تعلموا العلم ، فإن كنتم سادةً فُقْتُمْ ، وإن كنتم وسطاً سُدْتُم ، وإن كنْتُم سوقةً عِشْتُم .
لو فرضنا إنسانًا والده شخص عاديّ ، فقير لا في مال ، ولا في جاه ، يا ترى طريق المجد مفتوح أمامه على مصراعيه ؟ من خلال العلم ، فأي إنسان لو كان والده من الطبقة الدنِيا في المجتمع ، لو كان فقير مدقعًا ، من الطبقة التي لا يُؤْبَهُ لها ، لكنه إذا سلك طريق العلم تألّق نجمه ، وعلا اسمُه ، وأصبح يشار إليه بالبنان .
أدرك هذا الفتى أن العلم هو الطريق الوحيد إلى الرفعة ، وأن التقى هي الطريق الوحيدة إلى الجنة ، طبعاً الطريق تذكر وتؤنث ، فجعل التقى عن يمينه ، والعلم عن شماله ، وشدّ عليهما بكلتا يديه ، وانطلق يقطع بهما رحلة الحياة ، غير وَانٍ ولا متمهل، هو أساساً سبب سعادة الإنسان الكبرى أن يتخذ قراراً ناجحاً ، فمنذ نعومة أظفاره كان الناس يرونه إمَّا عاكفاً على كتاب يتعلم ، أو صافًّا في محراب يتعبد ، فهو بين طلب العلم والعبادة ، إما في حالة تعلم ، أو في حالة تعبد ، والتعلم غذاء العقل ، والتعبد غذاء القلب ، والإنسان عقل وقلب وجسم ، لكن الجسم يستوي فيه مع الحيوان ، الجسم غذاؤه الطعام والشراب ، والعقل غذاؤه العلم ، والقلب غذاؤه التعبد ، دَعُونا من الجسم ، لأنه قاسم مشترك مع كل المخلوقات ، وبقي الإنسانُ عقلاً وقلبًا ، فالذكر والعبادة والصلاة والتلاوة تغذِّي القلب ، والعقل العلم والفهم والدليل والحجة والإطلاع والمطالعة والسماع والقراءة تغذيه أيضًا ، فاتخذ قرارًا حكيمًا طريقه للمجد ، العلم والتقوى ، العلم والعمل ، هذا مقياس الله عزوجل .
أخذ هذا الفتى العلم عن طائفة مِن جلّة الصحابة ، مِن أمثال أبي سعيد الخدري ، وعدي بن حاتم الطائي ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي هريرة الدوسي ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة أم المؤمنين ، رَضِي اللَّه تعالى عَنْهم أجمعين ، لكن أستاذه الأكبر ، ومعلمه الأعظم ، كان عبد الله بن عباس ، حبر الأمة ، وبَحر علمها الزاخر ، لزِم سعيدُ بن جبير عبدَ الله بن عباس لزومَ الظلِّ لصاحبه ، فأخذ عنه القرآن وتفسيره ، والحديث وغريبه ، وتفقّه على يديه في الدين ، وتعلّم منه التأويل ودرس عليه اللغة ، فتمّكن منها أعظم تمكين ، حتى غدا الآن - دققوا - وما على ظهر الأرض أحد من أهل زمانه إلا وهو محتاج إلى علمه ، لقد بلغ القمة ، ثم طاف في ديار المسلمين بحثاً عن المعرفة ما شاء الله أن يطوف ، فلما اكتمل له ما أراد من العلم اتخذ الكوفة له داراً ومقاماً ، وغدا إلى أهلها معلماً وإماما ، وكان يؤم الناس في رمضان ، فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود ، وكان جامعًا للقراءات ، وأخرى بقراءة زيد بن ثابت ، وثالثة بقراءة غيرهما ، وهكذا ، وكان إذا صلى منفرداً ربما قرأ السورة الطويلة من القرآن ، وكان إذا مرّ بقول الله عز وجل :
( سورة غافر : 70 ـ 72 ) .
أو مرَّ بنحوها من آيات الوعد والوعيد اقشعر جلده ، وتصدع فؤاده ، وهملتْ عيناه ، ثم لا يزال يبدأ فيها ويعيد حتى يوشك أن يقضي نحبه ، فصلاة الليل أحد أكبر مصارد سعادته ، إلى الآن المواقف رائعة جداً ، وقد دأَب على شدِّ رحاله إلى بيت الله الحرام كل عام مرتين ، مرةً في رجب محرِماً بعمره ، وأخرى في ذي القعدة محرِماً بحج ، وقد كان طلاب العلم والخير والبِّرِّ والنصح يتوافدون على الكوفة لينهلوا من مناهل سعيد بن جبير العذبة ، ويغترفوا من هديه القويم، فهذا يسأله عن الخشية ، ما هي ؟ فيجيبه : الخشية أن تخشى الله عز وجل حتى تحول خشيتك بينك وبين معاصيك ، ومَن هو الذي يخشى الله ؟ هو الذي لا يعصيه ، فإذا حالت الخشية بينك وبين معاصيك فأنت ممَّن يخشى الله ، وإذا سئل عن الذِّكر ما هو ؟ يقول : الذكر طاعة الله عز وجل ، فمَن أقبل على الله ، وأطاعه فقدْ ذكَره ، ومَن أعرض عنه ، ولم يطِعْه فليس له بذاكر ، ولو بات ليلة يسبِّح ويتلو .
لقد وَضَعَ يده على جوهر الدين ، فما دام هناك مخالفات ومعاصٍ ، لو أمضيت ليلة بكاملها تسبح وتتلو وتقرأ ، فهذا لا يعبأ به أحد ، الأصل أن تؤدِّيَ الواجبات ، وأن تعطيَ الحقوق ، وقد كانت الكوفة حينما اتخذها سعيد بن جبير دارَ إقامةٍ له خاضعةً للحجاج بن يوسف الثقفي ، فيجب على أهل العلم أن يكونوا في معزل عن الوحول ، عن وحول الأحداث اليومية ، والصراعات ، والأخذ والرد ، لأنهم إذا اقتربوا من هذه المنطقة الخطرة ربما ضَحَّوْا بعلمهم ، أو ربما قطعَ خيرهم ، فالأَوْلى أن يصون أهلُ العلم علمَهم عن الابتذال ، وكان الحجاج والياً على العراق والمشرق وبلاد ما وراء النهر ، وكان يتربّع حينئذٍ على ذروة سطوته وسلطانه ، وذلك بعد أن قَتَلَ عبدُ الله بنُ الزبير ، وقَضَى على حركته ، وأخْضعَ العراقَ لسلطان بن أمية ، وأخمد نيران الثورات القائمة هنا وهناك ، وأعمل السيف في رقاب العباد ، وأشاع الرعب في أرجاء البلاد ، حتى امتلأت القلوبُ رهبةً منه ، وخشيةً من بطشه ، كلكم درس في الصف العاشر خطبته الشهيرة : أما بعد ؛ فإني قد رأيت رؤوساً قد أينعت ، استوت يعني ، وحان قطافها ، وإني لصاحبها ، له خطبة شهيرة جداً ، ونحن لا يعنينا الحجاج ، فليس من أهل العلم ، لكن يعنينا أن يَحدُث تداخلٌ بين أهل العلم وأهل الحكم ، ثم شاء الله أن يقع صدامٌ بين الحجاج بن يوسف الثقفي وبين عبد الرحمن بن الأشعث ، أحد كبار قوّاده ، فكيف حصل هذا الخلاف ؟.
الآن نحن مضطرون أن ندرس جانباً ممَّا نشب مِن خلافٍ بين الحجاج وبين هذا القائد ، لأنه هناك مداخلة في هذا الموضوع ، بين سعيد بن جبير ، وبين أحداث الخلاف بين الحجاج ، وبين قائده الكبير الأشعث ، أحد كبار قواده .
سيَّر الحجاجُ ابنَ الأشعث بجيش لغزو رتبيل ، ملك الترك على المناطق الواقعة وراء جسستان ، فغزا القائد الباسل المظفر شطراً كبيراً من بلاد رتبيل ، واحتل حصوناً منيعة من ديارهم ، وغنم مغانم كثيرة من مُدُنِه وقُراهُ ، ثم بعث إلى الحجّاج رسلاً زفّوا له البشائر ، بشائر النصر الكبير ، وحملوا معهم خُمس الغنائم لتستقر في خزائن بيت مال المسلمين ، وكتب له كتاباً استأذنه فيه بالتوقف عن القتال مدة من الزمن ، ليختبر مداخل البلاد ومخارجها ، ويقف على طبيعتها وأحوالها .
الحجاج كان واليًا على العراق وفارس وبلاد ما وراء النهر ، أرسل أحد أكبر قواده ابن الأشعث ليفتح بلاد الترك ، ما وراء النهر ، هذا القائد استجاب وقطع شوطاً كبيراً في الفتوحات ، واحتل حصونًا كثيرة ، وأرسل غنائم وفيرة إلى الحجاج ، ثم طلب من الحجاج أن يستأذنه أن يقف قليلاً كي يطّلع على مداخل هذه البلاد ومخارجها قبل أن يعيد الكَرَّة في الغد ، لماذا فعل هذا ؟ خاف أن يتوغل في شعابها القاسية المجهولة ، وخاف أن يعرض جيشه الظافر للمخاطر ، فاغتاظ الحجاج منه ، وأرسل إليه كتاباً يَصِفُه فيه بالجبن والخنوع ، وينذره بالويل والثبور ، ويهدِّده بالتنحية عن القيادة .
تذكُرون أن النبي عليه الصلاة والسلام عطَّل حكم قطع يد السارق في الحرب ! لماذا ؟ والله عز وجل يقول :
( سورة المائدة : 38 )
لكن الجندي إذا سرق في ساحة الحرب لا تُقطع يدُه ، بتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام، لأنّ ثمّة إدراكًا بعيدًا جداً ، هذا الجندي وهو في ساحة المعركة لو وقع في جريمة سرقة، ونفّذنا عليه حكم قطع اليد ربّما انتقل إلى صف العدو قبل أن ينفَّذ فيه الحكم ، وانضمّ إليهم، وحارب معهم ، وأعطاهم أسرار المسلمين ، إذاً فحكمُ قطع اليد لا يُؤتِي أُكُلَه في الحرب، وهذا من إدراك النبي عليه الصلاة والسلام ، فلو أن الحجاج عرف أن هذا القائد الذي فتح البلاد، واحتل الحصون ، وأرسل الغنائم ، وقال : سأتوقف قليلاً لأختبر مداخل البلاد ومخارجها وشعابها وأوديتها ، قبل أن أُقْحِم الجيشَ الظافرَ المنتصرَ في المهالك ، فهذا كلام منطقي ، لكن الإنسانَ حينما يصل القمّة ربما لا يرى ، لأنه دائما إذا ما لم يكن الإنسان مع الله في اتصال دائم تضلُّ أعمالُه ، ولو كان ذكياً ، ويؤتى الحَذِرُ مِن مَأْمَنِه ، فالإنسان مهما كان ذكياً ، فقد يرتكب حماقة ربما لا يفعلها الغبيّ ، لأن الإنسان حينما يعتدّ بنفسه ، وحينما يرى قوته ، تكون هذه الرؤية المضلِّلة غشاوةً على عينيه ، فبدَلَ أن يشجعه ، وأن يثنيَ عليه ، وأن يوافق على مقترحه، وصَفَه بالجبن والخنوع ، وأنذَره بالويل والثبور ، وهدّده بالتنحية عن القيادة ، قائد جيشٍ معه جنود ، وبيده قوة في أطراف البلاد ، فجمع عبد الرحمن وجوهَ الجند ، وقادة الكتائب ، وهذه الحكمة مِن الحكمة أيها الإخوة الكرام للمؤمنين فقط ، لأنه لو كان الكافر يتمتع بحكمة ، وفهم ، وإدارك عميق ، وتوازن ، لَوَضَع الأمور في أماكنها ، ووقف الموقف المناسب ، لكن ما دام الإنسان مقطوع عن الله ، أو بعيدًا عن الله ، فلا بد أن يرتكب خطأً فاحشاً ، وحماقة كبيرة ، جمع عبد الرحمن وجوهَ الجند ، وقادة الكتائب ، وقرأ عليهم كتاب الحجاج ، واستشارهم فيه ، فَدَعَوْهُ إلى الخروج عليه ، والمبادرة إلى نبذِ طاعته ، فقال لهم عبد الرحمن : أتبايعونني على ذلك ، وتؤازرونني على جهاده ، حتى يطهِّر اللهُ أرضَ العراق من رجسه ، فبايعه الجند على ما دعاهم إليه ، وسوف ترون بعد قليل حروبًا طاحنة ، وآلاف القتلى ، وفتنًا سببها موقف غير حكيم من الحجاج ، هبَّ عبدُ الرحمن بن الأشعث بجيشه الممتلئ كراهيَةً للحجاج ، ونشبتْ بينه وبين جيوش الثقفي معارك طاحنة ، انتصر فيها نصراً مؤزراً ، فتمّ له الاستلاء على جسستان ، وجلِّ بلاد فارس ، ثم أقبل ابنُ الأشعث يريد انتزاع الكوفة والبصرة من يدي الحجاج ، وفيما كانت نيرانُ الحرب مشتعلة بين الفريقين ، وكان ابن الأشعث ينتقل من ظفرٍ إلى ظفر ، وقع للحجاج خطب زاد خصمه قوةً ، ذلك أن ولاة الأنصار كتبوا إلى الحجّاج كتباً قالوا فيها : إن أهل الذمّة قد طفقوا يدخلون في الإسلام ، ليتخلصوا من دفع الجزية ، وقد تركوا القرى التي يعملون فيها ، واستقرّوا في المدن ، وأنّ الخراج قد اضمحلّ ، وأنّ الجبايات قد أفلست .
هل تذكرون ماذا قال عمر بن عبد العزيز لما أرسل له أحد ولاته كتاباً أن هناك عددًا كبيرًا من أهل الذمة دخلوا في الإسلام ، فقَلَّت الجزية والدخل ، قال : واللهِ أتمنّى أن أعمل راعيَ غنمٍ أنا وأنت ، ويدخلُ الناسُ كلهم في الإسلام ، إنسان من أهل الذمة ، أعلن إسلامه ، وانضم للمسلمين ، لم يَعُدْ حينئذٍ مكلفًا بدفع الجزية ، فماذا فعل الحجاج ؟ كتب إلى ولاته في البصرة وغيرها كتباً يأمرهم فيها أن يجمعوا كل من نزح إلى المدن من أهل الذمة ، وأن يعيدوهم إلى القرى مهما طال نزوحهم عنها ، فصدع الولاة بالأمر ، وأجْلَوْا أعداداً كبيرةً من هؤلاء عن ديارهم ، وأبعدوهم عن موارد أرزاقهم ، وحشدوهم في أطراف المدن ، وأخرجوا معهم نساءهم وأطفالهم ، ودفعوهم دفعاً إلى الرحيل إلى القرى ، بعد أن مضى على فراقهم لها حينٌ من الدهر، فأخذ النساءُ والولدانُ والشيوخُ يبكون ، ويستصرخون ، ويستغيثون ، وينادون : وا محمداه ، وحاروا فيما يفعلون ، وإلى أين يذهبون ، فخرج إليهم فقهاء البصرة ، وقراؤها ليغيثوهم ، ويشفعوا لهم ، فلم يتمكنوا من ذلك ، فطفقوا يبكون لبكائهم ، ويستغيثون لمُصابهم .
الآن اغتنم عبد الرحمن بن الأشعث القائد الذي انشق عنه هذه الفرصة ودعا الفقهاء والقراء إلى مؤازرته ، فاستجابت له كوكبة من جلّة التابعين ، وعلى رأسهم سعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والشعبي ، وغيرهم ، هنا النقطة ، ينبغي على أهل العلم أن يبتعدُوا عن معترك السياسة ، ودارت رحى الحرب بين الفريقين ، وكان النصرُ أولَ الأمر لابن الأشعث ومَن معه على الحجاج وجنوده ، ثم بدأت كفةُ الحجاج ترجح شيئاً فشيئاً ، حتى هزم ابن الأشعث هزيمة منكرة ، وفَرَّ ناجياً بنفسه ، واستسلم جيشه للحجاج وجنوده ، هنا بدأت القصة .
أمر الحجَّاجُ مناديَه أن ينادي في المقاتلين المهزومين ، وأن يدعوهم لتجديد بيعته ، فاستجاب أكثرهم له ، وتوارى بعضهم عنه ، وكان بين المتوارين سعيد بن جبير رَضِي اللَّه عَنْه وأرضاه ، فلما أخذ المسلمون يتقدمون تباعاً لبيعته فوجئوا بما لم يكن في حسبانهم ، فلقد جعل يقول للواحد منهم : أتشهد على نفسك بأنك قد كفرت بنقض بيعتك لوالي أمير المؤمنين ، فيجب أن يشهد على نفسه بالكفر ، فإن قال : نعم ، قَبِلَ منه تجديد بيعته ، وأطلق سراحه ، وإن قال : لا ، قَتَلَه ، فكان بعضهم يخضع له ، ويقرُّ على نفسه بالكفر ، لينقذ نفسه مِن القتل ، وكان بعضهم الآخر يستكبر ذلك ويستنكره ، فيدفع رقبته ثمناً لإبائه واستنكاره ، ولقد ذاعت أخبار تلك الحادثة التي قتل فيها أشخاص كثيرون ، ونجا منها أشخاص بعد أن دمغوا أنفسهم بالكفر ، مِن ذلك أن شيخاً معمَّراً من قبيلة خثعم ، كان معتزلاً للفريقين ، مقيماً وراء الفرات ، سِيق إلى الحجاج مع مَن سيقوا إليه ، فلما ادخل عليه سأله عن حاله ، فقال : مازلت منذ شبَت هذه النار معتزلاً وراء هذا النهر ، منتظراً ما يسفرُ عنه القتال ، فلما ظهرتَ وظفرتَ أتيتك مبايعاً ، فقال : تباً لك ، أتقعد متربصاً ، ولا تقاتل مع أميرك ، ثم زجره قائلاً : أتشهد على نفسك بأنك كافر ، قال : بئس الرجل أنا إنْ كنتُ عبدت الله ثمانين عاماً ، ثم أشهد بعد ذلك على نفسي بالكفر ، ليس الأمرُ معقولاً ، فقال له : إذاً أقتلك ، قال : وإنْ قتلتني ، فوالله ما بقي من عمري إلا ظمأ حمار ، يعني ساعات قليلة ، فإنه يشرب غدوة ، ويموت عشية ، وإني لأنتظر الموت صباحاً ومساء ، فافعل ما بدا لك ، فقال الحجاج لجلاده : اضرب عنقه ، فضرب الجلاد عنقه ، فلم يبق أحد في المجلس من شيعة الحجاج ، أو من عدوه إلا أكبر الشيخ المعمر ، ورثا له ، ثمانين سنة ثم أقول عن نفسي : إنني كافر ، ليس هذا معقولاً ، قال له : افعل ما بدا لك .
دعا كميل بن زياد النخعي ، وقال له : أتشهد على نفسك بالكفر ، فقال : والله لا أشهد ، قال: إذاً أقتلك ، قال : فاقضِ ما أنت قاض ، وإنَّ الموعد فيما بيننا عند الله ، وبعدَ القتل ، فقال له الحجاج : ستكون الحُجَّة يومئذٍ عليك، لا لك ، فقال له : ذلك إذا كنتَ أنت القاضيَ يومئذٍ ، فقال الحجاج : اقتلوه ، فَقَدِّم وقتل ، قُدِّم إليه رجل آخر كان يكرهه الحجاج أشدّ الكراهية ، ويشتهي أن يظفر بقتله ، لِما كان ينقل له من سخريته به ، فبادَره قائلاً : إني أرى أمامي رجلاً ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر ، فقال له الرجل : لا تورطني ، وتخدعني عن نفسي ، أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد ، فخلّى سبيله ، وهو يتحرق ظمأً لقتله .
نحن هنا دخلنا في القصة مرة ثانية ، سعيد بن جبير إذا وقع بين يدي الحجاج فلا بد أن يقتله ، فإما أن تُدَقَّ عنقُه ، وإمّا أنْ يُقِرّ على نفسه بالكفر ، وهما أمران أحلاهما مرٌّ ، فآثر أن يخرج من بلاد العراق ، وأن يتوارى عن الأنظار ، وظلّ يضرب في أرض الله الواسعة مستخفياً عن الحجاج وعيونه ، حتى لجأ إلى قرية صغيرة مِن أراضي مكة ، وبقي على حاله هذه عشر حججٍ كاملات ، عشر سنوات وهو متخفٍّ ، كانت كافيةً أن تطفِئ نيران الحجاج المتّقدة في قلبه ، وأن تزيل ما في نفسه من ضغنٍ عليه ، بَيْدَ أنه حدث ما لم يكن يتوقعه أحد ، ذلك أنه قدم على مكة والٍ جديد من ولاة بني أمية ، هو خالد بن عبد الله القسري ، فتوجّس أصحاب سعيد بن جبير خِيفةً منه ، لِمَا كان يعرفون من سوء سيرته ، وتوقعوا الشرَّ على يديه ، فجاء بعضهم إلى سعيد ، وقال له : إنّ هذا الرجل قدِم مكة ، وإنا واللهِ لا نأمنه عليك ، فاستجبْ لطلبنا ، واخرجْ من هذا البلد ، فقال : واللهِ لقد فررتُ حتى صرتُ أستحي من الله ، ولقد عزمتُ على أن أبقى في مكاني هذا ، وليفعْل اللهُ بي ما يشاء ، لم يكذب خالدًا ظنُّ السوء الذي ظنه الناس به ، فما أنْ علِم بمكان سعيد بن جبير حتى أرسل إليه سرية من جنوده ، وأمرهم أن يسوقوه مقيداً إلى الحجاج في مدينة واسط ، فأطبق الجندُ على بيت الشيخ ، وألقوا القيد في يديه على مرأى من بعض أصحابه، وآذنوه بالرحيل إلى الحجاج ، فتلقاهم هادئ النفس ، مطمئنَ القلب ، ثم التفت إلى أصحابه ، وقال: ما أراني إلا مقتولاً على يد هذا الظالم ، ولقد كنتُ أنا وصاحبان لي في ليلة عبادة ، فاستشعرنا حلاوة الدعاء ، فدعونا الله بما دعونا ، وتضرّعنا إليه بما شاء مِن تضرع ، ثم سألنا الله جل وعز أن يكتب لنا الشهادة ، وقد رزقها اللهُ صاحبيَّ كليهما، وبقيتُ أنا أنتظرها ، ثم إنه ما كاد أن ينتهي من كلامه ، حتى طلعت عليه بُنَيَّةُ صغيرة له، فرأته مقيداً ، والجنودُ يسوقونه ، فتشبثت به ، وجعلت تبكي وتنشج ، فنحاها عنه برفق، وقال لها : قولي لأمك يا بنية إن موعدنا الجنة إن شاء الله تعالى ، ثم مضى ، فبلغ الجندُ بالإمام الحبر العابد الزاهد التقي النقي الورع واسطًا ، وأدخلوه على الحجاج .
فلما صار عنده ، نظر إليه في حقد ، وقال : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير ، فقال : بل شقي بن كسير ، قال : بل كانت أُمِّي أعلمَ باسمي منك ، هذا هو اسمي ، قال : ما تقول في محمد ؟ قال : تعني محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، قال : نعم ، قال : سيد ولد آدم ، النبي المصطفى ، خير من بقي من البشر ، وخير من مضى ، حمل الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح لله ولكتابه ، ولعامة المسلمين ، وخاصتهم ، قال : فما تقول في أبي بكر ؟ قال: هو الصديق خليفة رسول الله ، ذهب حميداً ، وعاش سعيداً ، ومضى على منهاج النبي صلوات الله وسلامه عليه ، لم يغيِّر ، ولم يبدل ، قال : فما تقول في عمر ؟ قال : هو الفاروق الذي فرّق الله به بين الحق والباطل ، وخيرة الله من خلقه ، وخيرة رسوله ، ولقد مضى على منهاج صاحبَيْه ، فعاش حميداً ، وقتل شهيداً ، قال : فما تقول في عثمان ؟ قال : هو المجهِّزُ لجيش العسرة ، الحافرُ لبئر رومة ، المشتري لبيت لنفسه في الجنة ، صهر رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنتيه ، ولقد زوَّجه النبي بوحي من السماء ، وهو المقتول ظلماً ، قال : فما تقول في عليِّ ؟ قال: ابن عم رسول الله ، وأول من أسلم من الفتيان ، وهو زوج فاطمة البتول ، وأبو الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة ، قال : فأي خلفاء بني أمية أعجب لك ؟ قال : أرضاهم لخالقهم ، قال : فأيُّهم أرضى للخالق ؟ قال : علمُ ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم ، تحقيق طويل ، قال : فما تقول فيَّ ؟ قال : أنت أعلم بنفسك ، قال : بل أريد علمك أنت ، قال : إذاً يسوءك ولا يسرك ، قال : لا بد من أن أسمع منك ، قال : إني لأَعْلَمُ أنك مخالف لكتاب الله تعالى ، تُقدِم على أمور تريد منها الهيبة ، وهي تقحمك الهلَكَةَ ، وتدفعك إلى النار دفعاً ، قال : أمَا واللهِ لأقتلنك ، قال : إذاً تفسد عليَّ دنياي ، وأفسد عليك آخرتك ، قال : اختر لنفسك أي قتلة شئت ، قال : بل اخترها أنت لنفسك يا حجّاج ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا وقتَلك اللهُ مثلها في الآخرة ، قال : أتريد أن أعفوَ عنك ، قال : إن كان العفو فمن الله تعالى ، أمّا أنت ، فلا أريده منك ، فاغتاظ الحجاج ، وقال : السيف والنطع يا غلام ، فتبَسَّم سعيد ، فقال له الحجاج : وما تبسُّمك ، قال عجبت من جرأتك على الله ، وحلم الله عليك ، قال : اقتله يا غلام ، فاستقبل القبلة، وقال :
( سورة الأنعام : 79 )
قال : حرِّفوه عن القبلة ، فقال :
( سورة البقرة : 115 )
قال : كبُّوه على الأرض ، فقال :
( سورة طه : 55 )
قال : اذبحوا عدو الله ، فما رأيت رجلاً أَدْعَى منه لآيات القرآن الكريم ، فرفع سعيد كفَّيه ، وقال: اللهم لا تسلِّط الحجاجَ على أحد بعدي ، قال : فلم يمضِ على مصرع سعيد بن جبير غيرُ خمسة عشر يوماً حتى حمَّ الحجاج ، واشتدت عليه وطأةُ المرض ، فكان يغفو ساعة ويفيق أخرى ، فإذا غفا غفوة استيقظ مذعوراً وهو يصيح : هذا سعيد بن جبير آخذ بخناقي ، هذا سعيد بن جبير ، يقول : فيمَ قتلتني ؟ ثم يبكي ، ويقول : مالي ولسعيد جبير ، ردّوا عني سعيد بن جبير، فلما قضى نحبه ، وورِي في ترابه ، رآهم بعضهم في الحلم ، فقال له : ما فعل الله بك فيمن قتلتهم يا حجاج ؟ قال : قتلني اللهُ بكل امرئ قتلة واحدة ، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة .
هناك استنباطات كثيرة ، لكن دائماً العلم يجب أن يُنَحَّى عن المعترك الأرضي ، هذا أكمل شيء له ، وإلا نكون قد ضيَّعنا الدعوةَ إلى الله عز وجل .
الشيء الثاني ، العبرة بهذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، هذه لمَن كانوا على منهج الله ، لمَن كانوا على سنّة رسوله ، لمَن كانوا على الحق ، والعبرة أن الإنسان بعد الموت يدفع الثمن باهظًا ، وهذه القصة مؤلمة ، وتضفي على المجلس بعض الحزن ، لكن الحياة دار ابتلاء ، ودار سعي ، ودار امتحان ، وعلى كلٍ فعلى الإنسان أنْ يكون على منهج الله سائراً ، والحياةُ الدنيا لا قيمة لها ، والجرأة قلَّ مثيلُها بين الناس ، إنسان متمكن ، وأعصابه قوية ، يُدْلِي بالحُجّة ، ويقول الحق دون خوف ووَجلٍ ، ودون ارتباك وتردد ، هذا من آثار الإيمان ، لأن المؤمن حياته الدنيا يراها مؤقتة ، والآخرة هي الحياة الحقيقية ، والدليل قوله سبحانه وتعالى :
( سورة الفجر : 24 ) .
هذا معنى الحياة الأساسية ، حياة الآخرة ، فأنا أقول : هنيئاً لمَن كان على الحق ، ولتكن نهاية حياته ما تكون ، لأن العبرة بهذا الأبد المديد الذي لا ينتهي ، حيثُ يحكم فيه ملِكٌ عادل ، والدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البَرُّ والفاجر ، والآخرة وعدٌ صادقٌ ، يحكم فيه مَلِكٌ عادلٌ .






رد مع اقتباس
قديم 11-05-2009, 07:08 PM رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
الله ربي ومحمد رسول الله
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طالب عفو ربي غير متواجد حالياً


افتراضي الأشعث بن قيس الكندي

الأشعث بن قيس الكندي

مقدمة
هو الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي أحد بني الحارث بن معاوية ويكنى أبا محمد... وإنما سمي الأشعث لشعوثة رأسه وكان اسمه معدي كرب فسمي الأشعث وغلب عليه هذا الاسم حتى عرف به...
ولد - رضي الله عنه - سنة 23 ق. هـ
وكان شريفا مطاعا جوادا شجاعا. له صحبة.
كان من ذوي الرأي والإقدام موصوفا بالهيبة هو أول راكب في الإسلام مشت معه الرجال يحملون الأعمدة بين يديه ومن خلفه.
حاله في الجاهلية:
كان في الجاهلية رئيسا مطاعا في كندة...
وكان من ملوك كندة وهو صاحب مرباع حضر موت
وكان الأشعث بن قيس من أصحاب النبي، صلى اللّه عليه وسلم، وكان قبل ذلك ملكاً على جميع كندة، وكان أبوه قيس بن معدي كرب ملكاً على جميع كندة أيضاً، عظيم الشأن، وهو الذي مدحه الأعشى، - أعشى بني قيس بن ثعلبة - بقصائدة الأربع الطوال التي أولاهن لعمرك ما طول هذا الزمن، والثانية رحلت سمية غدوة أجمالها، والثالثة أأزمعت من آل ليلى ابتكارا، والرابعة أتهجر غانية أم تلم، وكان أبوه معدي كرب بن معاوية ملكاً على بني الحرث الأصغر بن معاوية في حضرموت...
عمره عند الإسلام:
كان عمره - رضي الله عنه - عندما أسلم 33 سنة حيث أنه ولد قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة وقدم بوفد كندة سنة عشر من الهجرة.


قصة إسلامه
عن الزهري قال قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بضعة عشر راكبا من كندة فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم مسجده قد رجلوا جمعهم واكتحلوا وعليهم جباب الحبرة قد كفوها بالحرير وعليهم الديباج ظاهر مخوض بالذهب وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا عليكم فألقوه فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أجازهم بعشر أواق عشر أواق وأعطى الأشعث اثنتي عشرة أوقية...
وذكر الرشاطي أن الهمداني ذكر في نسب اليمن أن الشعبي ذكر عن رجل من قريش قال كنا جلوسا عند باب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل وفد كندة فاستشرف الناس قال فما رأيت أحسن هيئة منهم فلما دخل رجل متوسط منهم يضرب شعره منكبه فقلت من هذا قالوا الأشعث بن قيس قال فقلت الحمد لله يا أشعث الذي نصر دينه وأعز نبيه وأدخلك وقومك في هذا الدين كارهين قال فوثب إلي عبد حبشي يقال له يحموم فأقسم ليضربني ووثب عليه جماعة دوني وثار جماعة من الأنصار فصاح الأشعث به كف فكف عني ثم استزارني الأشعث فوهب لي الغلام وشيئا من فضة ومن غنم فقبلت ذلك ورددت عليه الغلام قال فمكثوا أياما بالمدينة ينحرون الجزر ويطعمون الناس
يقول الأستاذ: منير الغضبان: قال (ابن القيم) في زاد المعاد: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري قال: ( قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين أو ستين راكباً من كندة(
ولم يأت وفد بهذه الضخامة وهذه الكثافة، وذلك لإثبات عزتهم ومنعتهم، وهو وفد يتناسب مع مقام الملوك، أما مظاهر أبهة الملك فكانت: فدخلوا عليه مسجده وقد رجلوا جممهم، واكتحلوا ولبسوا جباب الحبرات مكثفة بالحرير...
فهو ليس وفداً عادياً كبقية الوفود، وقد خطفوا أبصار الناس، وهمهم الأول أن يشعروا النبي صلى الله عليه وسلم بعزتهم وأنفتهم وعلى رأسهم سيدهم الأشعث بن قيس.
وكانت المقابلة التي هزت كيانهم كله:
فلما دخلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لم تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فما هذا الحرير في أعناقكم؟ وماذا كان الجواب؟ هل استمهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيارة ثانية، وأن لا يعودوا في ألبستهم القادمة إليه؟ كان الجواب: فشقوه ونزعوه وألقوه
انظروا معي إلى هذا الوفد كله يمزق ثيابه، ويزيل أجمل ما فيها، ويفسد مظهر جبابهم كله؟ ! ترى لو كان هذا قبل الإسلام، وفي الجاهلية، ألا تقع حرب طاحنة دون هذا اللباس؟
وقام سيدهم الأشعث ليفخر أنه وقريش من أرومة واحدة فهم جميعاً أبناء الملوك، وهو بنو آكل المرار.
ثم قال الأشعث بن قيس: يا رسول الله نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار فالأشعث اليوم ومعه كندة بأسرها تريد أن تتقرب بالنسب لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وسر رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسن تصرفهم، واستجابتهم لله ورسوله لكنه لن يطمس حقيقة النسب، وأراد بحكمته صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بعد هذه الوحشة.
) فابتسم (أو ضحك) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ناسب بهذا النسب ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن بنوا النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا
ولا علاقة لقريش بآكل المرار، وإن كانت إحدى جدات النبي صلى الله عليه وسلم من بني أكل المرار من كندة دعد بنت شريد بن ثعلبة أم كلاب بن مرة) لكن سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام لا يتبع نسب أمه، بل يتبع نسب أبيه، ولا ينتفي منه، فهو من قريش.
ووقف الأشعث بن قيس موقفاً عظيماً يحمد له، وقال: ( لا أوتى برجل نفى رجلاً من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد).


أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
مما لا شك فيه أن للنبي صلى الله عليه وسلم أثرا كبيرا في تربيته ولكن لا توجد نصوص بعينها تُنقل في هذا السياق ولعل ذلك يأتي في مرحلة الصياغة للأبحاث إن شاء الله تعالى.
الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمه المساواة والتواضع:
يقال: إن الأشعث بن قيس الكندي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتتكافأ دماؤنا؟ فقال: نعم لو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك به - وباهلة هي قبيلة مرذولة في العرب -



أهم ملامح شخصيته
القيادة: حيث كان ملكا على قومه في الجاهلية والإسلام.
الكرم والسخاء: يظهر هذا من موقفه عندما تزوج أخت سيدنا أبي بكر الصديق، ونحر من نوق المدينة الكثير حتى ظن الناس أنه ارتد، فأطعم الناس وأعطى أصحاب النوق أثمانها. وهذا أحد مواقف كرمه:
قال شريك بن عبد الله سمعت أبا إسحاق يقول صليت بالأشاعثة صلاة الفجر بليل فلما سلم الإمام إذا بين يدي كيس وحذاء نعل فنظرت فإذا بين يدي كل رجل كيس وحذاء نعل فقلت ما هذا قالوا قدم الأشعث بن قيس الليلة فقال انظروا فكل من صلى الغداة في مسجدنا فاجعلوا بين يديه كيسا وحذاء نعل...


بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
عن الأشعث بن قيس قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من قومي لا يروني أفضلهم فقلنا يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا ننتفي من أبينا ولا نقفوا أمنا قال الأشعث لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته رواه ابن ماجة...
وفي مسند الإمام أحمد عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَقَالَ الْأَشْعَثُ فِيَّ كَانَ وَاللَّهِ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ قُلْتُ لَا فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَنْ يَحْلِفَ فَذَهَبَ بِمَالِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ { حديث رقم 20835}
الأشعث بن قيس الكندي بشر بغلام وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم..
عن الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ فَقَالَ لِي هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ قُلْتُ غُلَامٌ وُلِدَ لِي فِي مَخْرَجِي إِلَيْكَ مِنْ ابْنَةِ جَدٍّ وَلَوَدِدْتُ أَنَّ مَكَانَهُ شَبِعَ الْقَوْمُ قَالَ لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِمْ قُرَّةَ عَيْنٍ وَأَجْرًا إِذَا قُبِضُوا ثُمَّ وَلَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ { مسند أحمد - حديث رقم 20838 }



بعض المواقف من حياته مع الصحابة
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ فَقَالَ أَوَلَيْسَ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ { مسند أحمد - حديث رقم 4119 }
وقد استعمله عثمان رضي الله عنه على أذربيجان
وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال شهدت جنازة فيها جرير والأشعث فقدم الأشعث جريرا وقال إني ارتددت ولم ترتد...
كان في الجاهلية رئيسا مطاعا في كندة وكان في الإسلام وجيها في قومه إلا أنه كان ممن ارتد عن الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم راجع الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق وأتى به أبو بكر الصديق رضي الله عنه أسيرا
قال أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كأني أنظر إلى الأشعث ابن قيس وهو في الحديد يكلم أبا بكر وهو يقول فعلت وفعلت حتى كان آخر ذلك سمعت الأشعث يقول استبقني لحربك وزوجني أختك ففعل أبو بكر رضي الله عنه
قال أبو عمر رضي الله عنه أخت أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي زوجها من الأشعث بن قيس هي أم فروة بنت أبي قحافة وهي أم محمد ابن الأشعث...
لما خرج الأشعث بن قيس من عند أبي بكر بعد أن زوجه أخته سل سيفه فلم يبق في السوق ذات أربع من بعير وفرس وبغل وشاة وثور الا عقرها فقيل لأبي بكر انه ارتد فقال انظروا أين هو فإذا هو في غرفة من غرف الأنصار والناس مجتمعون اليه وهو يقول هذه وليمتي ولو كنت ببلادي لأولمت مثل ما يولم مثلي فيأخذ كل واحد مما وجد واغدوا تجدوا الأثمان فلم يبق دار من دور المدينة الا ودخله من اللحم فكان ذلك اليوم قد شبه بيوم الأضحى...
وشارك - رضي الله عنه - في فتح أصفهان مع النعمان بن مقرن...
فلما استخلف عمر خرج الأشعث مع سعد إلى العراق فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند واختط بالكوفة دارا في كندة ونزلها وشهد تحكيم الحكمين وكان آخر شهود الكتاب...
موقفه في حرب صفين ونصحه للأمة
قال أبو الصلت سليم الحضرمي: شهدنا صفين فإنا لعلى صفوفنا وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء فأتانا فارس على برذون مقنعا بالحديد فقال السلام عليكم فقلنا وعليك قال فأين معاوية؟ قلنا هو ذا فأقبل حتى وقف ثم حسر عن رأسه فإذا هو أشعث بن قيس الكندي رجل أصلع ليس في رأسه إلا شعرات فقال الله الله يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم هبوا أنكم قتلتم أهل العراق فمن للبعوث والذراري أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام فمن للبعوث والذراري الله الله فإن الله يقول { وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } فقال له معاوية فما الذي تريد قال نريد أن تخلوا بيننا وبين الماء فوالله لتخلن بيننا وبين الماء أو لنضعن أسيافنا على عواتقنا ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه فقال معاوية لأبي الأعور عمرو بن سفيان يا أبا عبد الله خل بين إخواننا وبين الماء فقال أبو الأعور لمعاوية كلا والله يا أم عبد الله لا نخلي بينهم وبين الماء يا أهل الشام دونكم عقيرة الله فإن الله قد أمكنكم منهم فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلا حتى كان الصلح بينهم ثم انصرف معاوية إلى الشام بأهل الشام وعلي إلي العراق بأهل العراق...

أثره في الآخرين دعوته - تعليمه
روى عنه قيس بن أبي حازم وأبو وائل والشعبي وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن عدي الكندي
روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحاديث يسيرة وعن عمر بن الخطاب...وقد مرت مواقفه في معركة صفين ونصحه للمسلمين...
عن حيان أبي سعيد التيمي قال حذر الأشعث بن قيس الفتن فقيل له أخرجت مع علي قال ومن لك بإمام مثل علي...
ومما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ { مسند أحمد حديث رقم 20836 }

وفاته
عن حكيم بن جابر قال لما مات الأشعث بن قيس وكانت ابنته تحت الحسن بن علي قال الحسن إذا غسلتموه فلا تهيجوه حتى تؤذنوني فآذنوه فجاء فوضأه بالحنوط وضوءا
مات رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة أربعين أو إحدى وأربعين وهو ابن ثلاث وستين قيل: بعد قتل علي بن أبي طالب بأربعين ليلة...
وقال الهيثم بن عدي صلى عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما..






رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سيرة الشيخ عبدالعزيز بن باز المساوى السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 5 02-12-2010 01:00 PM
شجرة الصلاة للاطفال اسراء رحيق الحوار العام 0 09-09-2010 08:55 PM
شجرة البندق , نبات سلسبيل الخير المطبخ وتنسيق المنزل 4 19-07-2010 08:20 PM
شجرة عيد الميلاد سلسبيل الخير المطبخ وتنسيق المنزل 1 27-03-2010 01:19 AM
صخرة يوم القيامة admin منتدى الأفلام الوثائقية 4 19-04-2009 04:57 PM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة