24-04-2009, 07:30 PM | رقم المشاركة : 21 | |||
|
مؤذن الرسول |
|||
24-04-2009, 09:56 PM | رقم المشاركة : 22 | |||
|
بلال بن رباح
تابــــع مكانته وفضلهبلال بن رباح روى مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: "يا بلال حدثني بأرجي عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة" قال بلال: ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي ان أصلي. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا فقال هذا بلال... وروى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان عمر يقول: "أبو بكر سيدُنا وأعتق سيدَنا يعني بلالًا" وروى ابن عساكر... عن امرأة بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاها فسلم فقال: " أثمَّ بلال" فقالت: لا. فقال: " لعلك غضبى على بلال " فقالت: إنه يجئني كثيرا فيقول: قال رسول الله. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما حدثك عني فقد صدقك، بلال لا يكذب، لا تغضبي بلالا فلا يقبل منك عمل ما غضب عليك بلال". روى مسلم بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه". وكان بلال رضي الله عنه أول من أذن للصلاة وهو مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم. عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير السودان ثلاثة لقمان وبلال ومهجع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم". المستدرك عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم المرء بلال هو سيد المؤذنين ولا يتبعه إلا مؤذن والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" المستدرك أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته: عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهرٍ لنا من الأنصار نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله: يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح قال: فأنكرنا ذلك عليه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" سنن أبي داود لقد تربى بلال رضي الله عنه وتعلم في مدرسة النبوة، ورافق النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا مماكان له الأثر الكبير في شخصيته رضي الله عنه، ولقد اكتشف النبي صلى الله عليه وسلم موهبته ومهارته وصوته الندي فأمره أن يؤذن فكان أول مؤذن في الإسلام... أهم ملامح شخصيته الصبر والثبات والتحمّل في سبيل الله: قال عبد الله بن مسعود: كان أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوا أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد... ولأنه رضي الله أول من أسلم من العبيد، كان من أشد المسلمين تعذيبا في مكة، وممن يعذب في الله عز وجل فيصبر على العذاب وكان أبو جهل يبطحه على وجهه في الشمس ويضع الرحا عليه حتى تصهره الشمس ويقال: أكفر برب محمد فيقول: أحد أحد؛ فاجتاز به ورقة بن نوفل وهو يقول أحد أحد؛ فقال: يا بلال أحد أحد والله لئن متّ على هذا لأتخذن قبرك حنانا أي بركة... وكان أميّة بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك أحد أحد... بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم: روى أبو داود بسنده عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب، فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما كان له شيء كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار فلما أن رآني قال: يا حبشي قلت يا لباه فتجهمني وقال لي قولا غليظا وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر قال: قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي وهو فاضحي فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وسلم ما يقضي عني فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشر فقد جاءك الله بقضائك" ثم قال: "ألم تر الركائب المناخات الأربع" فقلت: بلى فقال: "إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك" ففعلت فذكر الحديث ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد فسلمت عليه فقال: "ما فعل ما قبلك" قلت: قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شيء قال: "أفضل شيء؟" قلت: نعم قال: "انظر أن تريحني منه فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه" فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة دعاني فقال: "ما فعل الذي قبلك" قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقص الحديث حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني قال: "ما فعل الذي قبلك" قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه. الرسول يزوّجُ بلالًا: حدث زيد بن أسلم أن بني أبي البكير جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: زوج أختنا فلانا فقال لهم: " أين أنتم عن بلال؟ " ثم جاؤوا مرة أخرى فقالوا: يا رسول الله أنكح أختنا فلانا فقال: " أين أنتم عن بلال؟ " ثم جاؤوا الثالثة فقالوا: أنكح أختنا فلانا فقال: " أين أنتم عن بلال أين أنتم عن رجل من أهل الجنة! " قال: فأنكَحُوه. مرافق للنبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح: عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال سمعتها تقول حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا كثيرا ثم سمعته يقول إن أمر عليكم عبد مجدع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا. قصة الأذان: قال محمد بن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أي المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجعل بوقا كبوق اليهود الذي يدعون به لصلواتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين إلى الصلاة فبينما هم على ذلك أرى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أخو الحارث بن الخزرج النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس فقال وما تصنع به قلت ندعو به إلى الصلاة فقال ألا أدلك على خير من ذلك قلت وما هو قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا إلا قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما خبرتها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقاها عليه فإنه أندى صوت منك فلما أذن بلال سمع عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد فذاك أثبت. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان؛ بلال وابن أم مكتوم الأعمى. وعن ابن أبي مليكة... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يؤذن يوم الفتح على ظهر الكعبة فأذن على ظهرها والحارث بن هشام وصفوان بن أمية قاعدان فقال أحدهما للآخر أنظر إلى هذا الحبشي فقال الآخر إن يكرهه الله يغيّره. وكان بلال رضي الله عنه مرافقًا في غالب أحواله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فعن أبي هريرة قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراحًا شديدًا فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر". وروى البخاري بسنده عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم لو عرست بنا يا رسول الله قال أخاف أن تناموا عن الصلاة قال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال: "يا بلال أين ما قلت" قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط قال: "إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة" فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. وعن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن. وروى مسلم بسنده أن بلالًا جاء بتمر برني - أ ي جيد - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من بتمر برني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين هذا فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله عند ذلك أوه عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به. عن أبي سعيد الخدري عن بلال رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال ألق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال قلت وكيف لي بذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رزقت فلا تخبأ وإذا سئلت فلا تمنع قال قلت وكيف لي بذلك يا رسول الله قال هو ذاك وإلا فالنار. المستدرك بعض المواقف من حياته مع الصحابة مع أبي بكر وعمر بن الخطاب: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال إلى أبي بكر الصديق فقال له يا خليفة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله فقال أبو بكر فما تشاء يا بلال قال أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت فقال أبو بكر أنشدك الله يا بلال وحرمتي وحقي فقد كبرت وضعفت واقترب أجلي فأقام بلال مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر فلما توفي أبو بكر جاء بلال إلى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر فرد عليه عمر كما رد عليه أبو بكر فأبى بلال عليه فقال عمر فإلى من ترى أن أجعل النداء فقال إلى سعد فإنه قد أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عمر سعدا فجعل الأذان إليه وإلى عقبه من بعده... وعن سهل رضي الله عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة فجاء بلال أبا بكر رضي الله عنهما فقال حبس النبي صلى الله عليه وسلم فتؤم الناس قال نعم إن شئتم فأقام بلال الصلاة فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فصلى فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول فأخذ الناس بالتصفيح قال سهل هل تدرون ما التصفيح هو التصفيق وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته فلما أكثروا التفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم في الصف فأشار إليه مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ثم رجع القهقري وراءه وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى مع ابن عمر: روى مسلم بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ثم مكث فيها قال ابن عمر فسألت بلالا حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى. مع عبد الرحمن بن عوف في بدر وأسيره أمية بن خلف: روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة - الصاغية ما يخص المرء من أهل ومال ومتاع - فلما ذكرت الرحمن قال لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال أمية بن خلف لا نجوتُ إن نجا أمية فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له ابرك فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وكان أمية بن خلف الجمحي ممن يعذب بلالًا ويوالي عليه العذاب والمكروه فكان من قدر الله تعالى أن قتله بلال يوم بدر على حسب ما أتى من ذلك في السير فقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبياتا: هنيئًا زادك الرحمن خيرًا فقد أدركت ثأرَك يا بلال مع أبي ذر: روى البخاري بسنده عن المعرور بن سويد قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال إني ساببت رجلًا - هو بلال رضي الله عنه - فعيّرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيّرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم. بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم: روى البخاري بسنده عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ فَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ فَلَبِثَ فِيهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقَالَ: صَلَّى فِيهِ فَقُلْتُ: فِي أَيٍّ قَالَ: بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَذَهَبَ عَلَيَّ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى. وروى ابن ماجة بسنده عن بلال بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداةَ جمعٍ يا بلال أسكت الناس أو أنصت الناس ثم قال إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ادفعوا باسم الله. وعن بلال رضي الله عنه قال: " أذنت في غداة باردة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد أحدا فقال: " أين الناس " فقلت: حبسهم القر فقال: " اللهم أذهب عنهم البرد " قال: فلقد رأيتهم يتروحون في الصلاة". أثره في الآخرين: روى عنه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين من الصحابة والتابعين، فممن روى عنه من الصحابة أسامة بن زيد والبراء بن عازب، وطارق بن شهاب بن عبد شمس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وكعب بن عجرة، ووهب بن عبد الله، وممن روى عنه من التابعين الأسود بن يزيد بن قيس، وشهر بن حوشب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم... بعض كلماته: روى البخاري بسنده عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا قُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيـلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَـنَّةٍ وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ." وروى الحصين بن نمير أن بلالا خطب على أخيه خالد فقال: أنا بلال وهذا أخي كنا رقيقين فأعتقنا الله وكنا عائلين فأغنانا الله وكنا ضالين فهدانا الله فإن تنكحونا فالحمد لله وإن تردونا فلا إله إلا الله فأنكحوه وكانت المرأة عربية من كندة. وكان رضي الله عنه يقول عن نفسه تواضعًا: "انما أنا حبشي.. كنت بالأمس عبدا"..!! وعن هند امرأة بلال قالت كان بلال إذا أخذ مضجعه قال اللهم تجاوز عن سيئاتي واعذرني بعلاتي. رؤيا الحبيب صلى الله عليه وسلم: رأى بلالٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يقول: "ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورنا" فانتبه حزينًا فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما فقالا له: نشتهي أن تؤذن في السحر فعلا سطح المسجد فلما قال: " الله أكبر الله أكبر " ارتجت المدينة فلما قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " زادت رجتها فلما قال: " أشهد أن محمدا رسول الله " خرج النساء من خدورهن فما رُئي يوم أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم. وفاته: لما احتضر بلال رضي الله عنه نادت امرأته: و احزاناه! فقال: واطرباه! غدا ألقى الأحبة محمدًا و حزبَه |
|||
24-04-2009, 10:00 PM | رقم المشاركة : 23 | |||
|
زيد بن ثابت
زيد بن ثابت هو زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كان يتيمـاً يوم قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمدينـة (توفي والده يوم بُعاث ) و سنه لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، وأسلـم مع أهلـه وباركه الرسول الكريم بالدعاء... جهاده: صحبه آباؤه معهم إلى غزوة بدر، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- شاكرا وكأنه يريد الاعتذار، ولكن ( رافع بن خديج ) وهو أحدهم تقدم إلى الرسول الكريم وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائل: ( إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي )...فأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- له، وتقدم ( سمرة بن جندب ) وقال بعض أهله للرسول:( إن سمرة يصرع رافعا )...فحياه الرسول وأذن له... وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، لكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة. قال زيد بن ثابت كانت وقعة بعاث وأنا بن ست سنين وكانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن إحدى عشرة سنة وأتي بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا غلام من الخزرج قد قرأ ست عشرة سورة فلم أجز في بدر ولا أحد وأجزت في الخندق وكانت مع زيد -رضي الله عنه- راية بني النجار يوم تبوك، وكانت أولاً مع عُمارة بن حزم، فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عُمارة:( يا رسول الله! بلغكَ عنّي شيءٌ؟)...قال الرسول:( ل، ولكن القرآن مقدَّم، وزيد أكثر أخذا منك للقرآن )... علمه: عن عامر قال كان فداء أهل بدر أربعين أوقية أربعين أوقية فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين الكتابة فكان زيد بن ثابت ممن علم، لقد كان t مثقفًا متنوع المزاي، يتابع القرآن حفظ، ويكتب الوحي لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرته، أمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز...يقول زيـد:( أُتيَ بيَ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- مَقْدَمه المدينة، فقيل:( هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة )...فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال:( تعلّمْ كتاب يهـود، فإنّي ما آمنهم على كتابي )...ففعلتُ، فما مضى لي نصف شهـر حتى حَذِقْتُـهُ، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له )... وعن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية قلت لا قال فتعلمها فإنه تأتينا كتب قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما قال الأعمش كانت تأتيه كتب لا يشتهى ان يطلع عليها الا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ( ترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم ).. حفظه للقرآن: منذ بدأت الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين...وبعد أن تم النزول كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤه على المسلمين مرتبا حسب سوره وآياته... وقد قرأ زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يُقرىء الناس بها حتى مات... بداية جمع القرآن: بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ...واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:( إنك شاب عاقل لانتهمك )...وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة... ونهض زيد -رضي الله عنه- بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا...وقال زيد في عظم المسئولية:( والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن )...كما قال:( فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال )...وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف0 المرحلة الثانية في جمع القرآن: في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناسًا جدد عليه، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان:( مَنْ أكتب الناس؟)...قالو:( كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت )...قال:( فأي الناس أعربُ؟)...قالو:( سعيد بن العاص )...وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عثمان:( فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ )... واستنجدوا بزيـد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل...رحمهم الله أجمعين...حتى قال عنه ابن عباس ت رضي الله عنهما : " لقد علم المحفظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم ". فضله رضي الله عنه: تألقت شخصية زيد وتبوأ في المجتمع مكانا عالي، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم...فقد ذهب زيد ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد:( تنح يا ابن عم رسول الله )...فأجابه ابن عباس:( ل، فهكذا نصنع بعلمائنا )... كما قال ( ثابت بن عبيد ) عن زيد بن ثابت:( ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد )... في يوم السقيفـة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقو. وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستخلفه إذا حجّ على المدينة، وزيد -رضي الله عنه-، وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم - أي أعلمهم بالفرائض - زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وان لكل امة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً... قال ابن سيرين:( غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض )... وفاته: توفي -رضي الله عنه- سنة ( 45 هـ ) في عهد معاوية... ولما مات رثاه حسان بقوله: فمن للقوافي بعد حسان وابنه ومن للمعاني بعد زيد بن ثابت و عن يحيى بن سعيد قال: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات اليوم حبر هذه الأمة، ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلف |
|||
25-04-2009, 08:15 PM | رقم المشاركة : 24 | |||
|
الربيع بن الخثيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الواعد الأمين ، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانْفعنا بما علَّمتنا ، وزِدنا علمًا ، وأرِنا الحقّ حقًا ، وارزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجْتِنابه ، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين .أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الرابع من حياة التابعين رِضْوان الله تعالى عليهم ، وتابعيّ اليوم هو الربيع بن خثَيم . قال هلال لضيفه منذر الثوري : ألا أمضي بك يا منذر إلى الشيخ ، لعلَّنا نؤمن ساعة ؟ نقف عند هذا القول قليلاً . كلّ شيءٍ له منابعُهُ ، وكلّ شيءٍ له معدنهُ ، فإن أردْت العلم فعليك بِدُور العلم ، وإن أردت التجارة فعليك بالأسواق ، وإن أردت السِّياحة فعليك بالمتنزَّهات ، فالذي يريد العلم الشَّرعي ، أو يريد القرب من الله عز وجل فلا بدّ أن يجلس مع أهل العلم ، ولا بدّ أن يرتاد المساجد ، ألم يقل أحد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لأخيه : اجْلس بنا نؤمن ساعة ؟! بلى فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ تَعَالَ نُؤْمِنْ بِرَبِّنَا سَاعَةً فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ فَغَضِبَ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرَى إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ يُرَغِّبُ عَنْ إِيمَانِكَ إِلَى إِيمَانِ سَاعَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِنَّهُ يُحِبُّ الْمَجَالِسَ الَّتِي تُبَاهَى بِهَا الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ السَّلَام * (رواه أحمد) أيها الإخوة الكرام ، المقصود من هذا الكلام أنَّه إذا كان لك دخْلٌ يكفيك ، أو يكفيك مع بعض المشقَّة ، وبإمكانك أن تُمضي وقتًا طويلاً في معرفة الله ، والعمل الصالح ، فإيَّاك أن تتورَّط في إلغاء وقت فراغك ، لأنَّ هناك أُناسًا كثيرين يقولون : واللهِ لا يوجد وقت ! فنحن ندخل إلى بيوتنا بعد نوم أولادنا ، ونخرج من بيوتنا قبل اسْتيقاظ أولادنا !! وهو يظنّ أنَّه يُحْسنُ صُنعًا، وهو في الحقيقة ألغى وُجودهُ الإنساني ، ودقِّقُوا في هذا الكلمة : الذي يُلغي وقت فراغه يُلغي وُجوده الإنساني ، لا ترضى بِعَملٍ يشتريك به صاحبُ العمل من شروق الشمس إلى نصف الليل ! لو أعطاك مائة ألف بالشَّهر فأنت الخاسر الأكبر ، ولا تقبل عملاً يُلغي وقْت فراغك ، إنَّ الآخرة تحتاج إلى وقتٍ ، وبالمناسبة أجْمل ما قرأتُ عن الصلاة ، وأنّ الصلاة فيها من كلّ أنواع العبادات ، الصلاة فيها من الحجّ التَّوَجُّهُ إلى القبلة ، وفيها من الصِّيام ترْكُ الطَّعام والشَّراب ، وترْكُ الكلام فيما هو بعيد عن الصلاة ، وفي الصلاة معنى الزكاة ، لأنَّ أصْل كسْب المال هو الوقت ، وأنت تقْتطعُ منه لِتُصَلِّي ، وفي الصَّلاة معنى التَّشهّد ، صيام ، وزكاة ، وحج، وتشهّد ، الأركان الأرْبَعُة للإسلام تدخل في الصَّلاة ، ولذلك هي الفرْض المتكَرِّر الذي لا يُلغى بِحَال . قال له : أنا أمضي بك يا منذر إلى الشيخ لعلَّنا نؤمن ؟ قال منذر : بلى ، فوالله ما أقْدَمَني الكوفة إلا الرَّغبة في لقاء شيْخِك الرَّبيع بن خُثَيْم ، والحنين في العَيْش ساعة في رِحاب إيمانه . نسأل الله أن يجمعنا مع أهل الحق ، فالإنسان المؤمن الصادق المُتَّصِل والصافي والمخلص، اللِّقاء معه جميل ، وجنَّة الله في الأرض أن تلتقي مع أهل الإيمان ، هؤلاء كما قيل عنهم كالكبريت الأحمر ؛ نادر ، قال له : فوالله ما أقْدَمَني الكوفة إلا الرَّغبة في لقاء شيْخِك الرَّبيع بن خُثَيْم ، والحنين في العَيْش ساعة في رِحاب إيمانه ، ولكن هل اسْتأذنْت لنا عليه ؟ فقد قيل لي : إنَّهُ منذ أُصيب بالفالج لزِمَ بيتهُ ، وانْصرفَ إلى ربّه ، وعزفَ عن لقاء الناس ! تصوّر إنسانًا أُصيب بالفالج ، فهو بعيدٌ عن الله تعالى ، وقد ينتحر ، وقد ينهار ، وتصوَّر إنسانًا مؤمنًا أُصيب بالفالج ، وهو قريب من الله ، لقد صار هذا المرض خَلْوَةً له ، وهذا ما قاله أحد العارفين : ما يصْنعُ أعدائي بي ؟ جنَّتي في صدري ، إن أبْعَدوني فإبعادي سِياحة ، وإن قتلوني فقتْلي شهادة ، وإن حبسُوني فحَبْسي خلوة ، أجْمَلُ ما في حياة المؤمن أنَّ سعادتهُ تنْبعُ من داخلهِ ، ولا يأخذها من الخارج ، ولكنَّ عامَّة الناس سعادتهُ من بيتهِ ، فإذا حُرِمَ بيتهُ اخْتلَّ توازنهُ، وسعادتهُ من مرْكبته ، وسعادتهُ من زوجته ، ومن أولاده ، ومن مكانتهِ ، فإذا حُرمَ هذه الشروط انْهارَ نفْسِيًّا ، والمؤمن سعادتهُ من داخلهِ ، أيْنمَا ذهبْت به يسْتغني عن أيِّ شرْط مادِّيٍ لِسعادته . قال هلال : إنّه لكذلك منذ عرفَتْهُ الكوفة ، لم يُغيِّر منه المرض شيئًا ، الذَّهَب ذهَب ، فأنا هذه الحقيقة أعرفها ، ولكنَّني ما شعرْتُ بها ، مرَّةً قرأْتُ مقالة : عثَرُوا على باخرة غرقَتْ في عام 1910 ، وكانت تحْمل كمِّيَة كبيرة جدًّا من الذَّهَب من أمريكا إلى بريطانيا ، أو العكس ، غرقَت في عرْض المحيط الأطلسي ، والآن هناك شركات تبْحث في التاريخ القديم عن غرَق هذه البواخر العِملاقة التي تحمل من الثَّرَوات ما لا سبيل إلى وصْفه ، وكوَّنوا فريق بحث عن طريق غوَّاصات مُسطَّحة ووصَلوا إلى قاع المحيط ، وعَثَروا على هذه السفينة ، ورأيْتُ في المجلَّة صُوَرًا لِسَبائِكِ الذَّهَب اللاَّمِعَة التي اسْتُخْرِجَت من المحيط ، طبْعًا الفكرة واضحةٌ سابقًا ، ولكن أنا عِشْتُ هذه الحقيقة فالذَّهَب ذهَب ، وكانت تلك السبائك بِمَنظرها ، وكأنَّها صُبَّتْ قبل ساعة ، بقِيَت في أعمـاق المحيط منذ 1910، واسْتُخْرِجَتْ قبـل سنة ، أيْ بقيَتْ ثمانين عامًا في المياه المالحة والعوامل الطبيعية ، فالذَّهَب يبقى ذهَبًا ، ولن يتغيَّر اللَّمَعان والبريق والصَّفار ، فلذلك المؤمن ذهب أربعة وعشرين ، وهناك ثمانية عشر ، وهناك ستَّة عشر ، وهناك من هو مَطليٌّ بالذَّهَب ، أما المؤمن الصادق فلن يتغيَّر . قال له : لا بأس ، ولكِنَّك تعلم أنَّ لِهَؤلاء الأشياخ أمْزِجَةً رقيقة ، فهَلْ ترى أن نُبادِر الشَّيْخ فنسْألهُ عمَّا نريد ؟ أم نلْتزمُ الصَّمْت فنَسْمعُ منه ما يريد ؟ والحقيقة كلّ شخْصٍ يُعاني هذه المشكلة، إذا زارَ أخًا يُحبُّه ويثقُ به ، يا ترى يسأل أم يسْمع ؟ والله كلاهما خير ، فإذا أنْصَتَ فأنا متأكِّد أنَّك إذا ذهبْت إلى رجلٍ تثق بِدِينه وإخلاصِهِ وعلمه ، فإذا صمَتَّ فالله تعالى إكرامًا لإخلاصك لطلب العلم ، وإكرامًا لإخلاصهِ في تعليم العِلْم يُلْهِمُه ما أنت بِحاجةٍ إليه ، وإذا سألْتهُ فلا مانع ، فَمِفتاح العلم السؤال ، كلاهما جائز ، فإما أن تسأل ، وإما أن تستمع . فقال هلال : لكنَّ هذا الشيخ لو جلسْتَ معه عامًا بأكملهِ فإنَّه لا يُكلِّمك إذا لم تكلِّمْه ، حضرني حديث وردَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ * [رواه أحمد] هناك مؤمن يميل إلى الصَّمت ، ومؤمن يميل إلى الكلام ، وهناك من يميل إلى اللِّقاء مع الناس ، منْفتح ، ومؤمن يميل إلى الخَلْوَة ، كلّهم على العَين والرأس ، وهناك مؤمن يعتني بِمَظهره كثيرًا ، ومؤمن أقلّ اعْتِناءً بِمَظهره من الآخر ، فهذه طِباع تختلف من مؤمن لآخر ، وهناك من هو هادئ الطَّبع ، وآخر حادّ الطَّبْع ، وهناك إنسان كالحمامة ، وآخر كالصَّخرة ، أو بالتعبير الإسلامي هناك إنسان عُمَري ، وإنسان بَكْري ، كسَيِّدنا الصدّيق ، هذه الطِّباع كلّها مقبولة، يُطبع المؤمن على الخلال كلّها إلا خيانة والكذب ، فإذا فعلهما فليس مؤمنًا ، لماذا الربيع بن خثيم لا يُكلِّمُكَ إلا إذا كلَّمْتهُ ، ولا يُبادِرُك إلا أن تسْألهُ ، فهو قد جعل كلامه ذِكْرًا ، وصَمْتهُ فِكْرًا ، ومن أدقّ الأحاديث الشريفة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام أمرني ربِّي بِتِسْع ؛ خشيَة الله في السرّ والعلانِيَّة ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصِلَ من قطعني ، وأن أعْفُوَ عمَّن ظلمني ، وأن أُعْطِيَ مَن حرمني ، وأن يكون صمتي فكْرًا ، ونطقي ذِكْرًا ونظري عبرةً " . واللهِ مرَّةً مصباح كهربائي علَّمني درسًا لا أنساه ، هذا المصباح يُشْحن بالكهرباء ، لمَّا أنسى شحنه ، وأضطرّ لاستعماله أجد الضوء خافتًا ، ومرَّةً نسيتهُ في الشَّحن يومين دون أن أنتبه، فلمَّا استعملتهُ كان كالشَّمس وهكذا المؤمـن ، كلَّمـا اعتنى بِشَحْنِهِ كلَّما تألَّق ، وكلّما أهْمل شَحْنهُ عن طريق الذِّكر والعبادة وتلاوة القرآن كلَّما خَفَتَ ضوءُه ، فالمؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام : أُمرتُ أن يكون صمتي فِكْرًا ، ونطقي ذِكْرًا ، ونظَري عِبْرةً . قال : فلْنَمْضِ إذًا على بركة الله تعالى ، ثمَّ مضيَا إلى الشيخ ، فلمَّا صارا عنده سلَّمَا ، وقالا : كيف أصْبحَ الشيخ ؟ الآن هيِّئوا أنفسكم إلى كلام ربما لا تقبلونه ، ولكنَّ التواضع هكذا ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - وهو أحدُ التابعين - : أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ * (رواه البخاري) *** أُحبّ الصالحين ولسْتُ منهم لعلِّي أن أنال بهم شفاعـة وكرهُ من بضاعتهُ المعاصي ولو كنَّا سواءً في البضاعة *** قال : كيف أصبح الشيخ ؟ قال : أصبح ضَعيفًا مذْنبًا ، يأكل رزقهُ ، وينتظر أجله ، فقال هلال : لقد نزل بالكوفة طبيبٌ حاذق ، أفتأذنُ بأَن أدْعُوَهُ إليك ؟ فقال : يا هلال ، إنِّي لأعلم أنَّ الدواء حق ، تداوَوْا عباد الله ، وكل إنسان يدع الدواء يقع في المعصِيَة ، بل إنَّ الحكم الفقهي إذا غلبَ على يقينك أنَّ هناك مرضًا يحتاج إلى دواء ، وهذا المرض يؤثِّر تأثيرًا بليغًا على جسمك ، فعدَمُ أخْذ الدواء معْصِيَة ، والمبادرة إلى المعالجة فرْضٌ ، وأبلغُ من واجب ، لأنّ هذا الجسم له قوانين ، أنت حينما تُنفِّذ تعليمات الطبيب المؤمن الحاذق الورِع ، فأنت تنفِّذُ تعليمات الصانع ، لأنَّ الطبيب عرف قواعد هذا الجسْم ، قال : يا هلال ، إنِّي لأعلم أنَّ الدواء حقّ ، ولكنِّي تأمَّلتُ عادًا وثمود وأصحاب الرسّ وقرونًا بين ذلك كثيرًا ، ورأيت حرصهم على الدنيا ، ورغبتهم في متاعها ، وقد كانوا أشدَّ منَّا بأْسًا ، وأعظمَ قدرةً ، وقد كان فيهم أطبَّاء ومرضى ، فلا بقِيَ المُداوي ولا المُدَاوَى ، ثمَّ تنهَّدَ تنْهيدةً عميقةً ، وقال : ولو كان هذا هو الداء لتداوَيْنا منه ، فاسْتأذن منذر ، وقال : فما الداء إذًا يا سيّدي الشيخ ؟ قال : الداء الذنوب ، قال منذر : وما الدواء ؟ قال : الاستغفار ، قال منذر : وكيف يكون الشفاء ؟ قال : بأن تتوب ، ثمّ لا تعود ! فالداء هي الذنوب والدواء الاستغفار والشفاء ألاَّ تعود ، وهذا كلامٌ واضح كالشمس . أيها الإخوة ، في الأثر الموقوف عن علي بن أبي طالب قال : "عليكم بخمس ؛ لو رحلتم فيهن المطي لأنضيتموهن قبل أن تدركوا مثلهن ؛ لا يرجو عبد إلا ربه ، ولا يخافنّ إلا ذنبه ، ولا يستحيى من لا يعلم أن يتعلم ، ولا يستحيى عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : الله أعلم ، واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان " (كنز العمال) وهذه الفقرة من القصّة ذكَّرتني بكتاب قرأته ، واسمه (قصص العرب) ، وهو من أمْتع الكتب ، قصصٌ واقعيـّة من أربعة أجزاء ، فلمَّا أنْهَيتُ قراءة هذا الكتاب شعرْت أنَّ كلَّ مَن في الكتاب على وجه الإطلاق كبارًا وصِغارًا ، أقوياء وضعفاء ، أصِحَّاء ومرضى ، أذكياء وحمْقى، ظلاَّمًا ومظلومين ، وحكَّامًا ومحكومين ؛ كلُّهم الآن تحت أطباق الثَّرى ، وهذه موعظة ، فهذا المجلس بعد مائة عام ليس منَّا واحد إطلاقًا على وجه الأرض ، كلّنا موزَّعون في الثُّرى التي حول دمشق ، هذا في باب الصغير ، وذاك في قاسيون ، وذاك توُفِّيَ ، وقد مضى عليه خمسون سنة ، رحمه الله ، وكان يفعل كذا وكذا ، وما دامت الحياة ظلاًّ فيوشكُ أن ينقضي ، إذًا لا بدّ من عملٍ صالح ، والدنيا ساعة فاجْعلْها طاعة . قال : ثمَّ حدَّق فينا ، وقال : السرائر السرائر !! عليكم بالسرائر التي تخفى على الناس ، وهنّ على الله تعالى بَوادٍ ؛ واضحة ، كلّ واحد له سرّ ، وله قلب ، فقد نتشابه ، كلّنا في مسجدٍ واحد ، وكلّنا يصلِّي ، وكلّنا يدفعُ زكاة ماله ، وكلّنا يحجّ ، ولكنّ هذه السرائر تتفاوُتُ فيما بينها ، فالإخلاصَ الإخلاصَ ، وعليكم بالسرائر التي تخفى على الناس ، وهنّ على الله تعالى بَوادٍ ، أي ظاهرة ، الْتَمِسوا دواءهنّ ، فقال منذر : وما دواؤهنّ ؟ الشيخ والتوبة النصوح ، ثمَّ بكى حتى بلَّلَتْ دُموعه لِحْيتهُ ، وهذا هو الإخلاص ، وفي الحديث : ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط * (الجامع الصغير عن أنس) (الجامع الصغير للسيوطي) ثمّ قال له منذر : أَتبكي وأنت أنت ؟ قال : هيهات لِمَ لا أبكي ، وقد أدْركتُ قومًا نحن في جنبهم لُصوص ! فإذا شعر الواحد منَّا أنَّه متميِّز على المجتمع لا تميّز كِبْر ولكن تميّز طاعة ، فهو يرى معظم الناس يمتّعون أبصارهم في النساء ، وهو يغضّ بصره ، ومعظم الناس يأكلون مالاً حرامًا ، وهو ورعٌ جدًّا ، فلا يقبض القرش إلا إذا كان حلالاً ، وبيته إسلامي ، وزوجته محجَّبة ، صادق وأمين ، فالواحد في هذا الزمان مع الفسق والفجور وشُيوع الفِتَن والشهوات والملذّات ، فالذي يستقيم في هذه الحالة يشعر بِعِزَّة الاستقامة ، ولكن نحن وُجِدنا في ظرْف عمَّ فيه الفسق ، والمستقيم برز وتفوَّق ، ولكنَّنا لو وجدنا في مجتمع آخر كمُجتمع التابعين لكنَّا مع المقصِّرين جدًّا ، إن لم نقل مع المنافقين ، تمامًا لو جئت بِطَالبٍ وسط ، وتضعهُ في شعبة ضعيفة يصبح المتفوّقَ الأوَّلَ ، هذه يعرفها وتلك يعرفها... ولكنَّك لو وضعته مع المتفوِّقين يصبح آخِرَ واحد ، فنحن لعلَّ الله سبحانه وتعالى رحِمَنا إذْ جعلنا في آخر الزمان ، لو كنَّا مع الرعيل الأوّل من أصحاب رسول الله لما كان لنا ذِكْرٌ إطلاقًا . قال له : لقد أدركْت قومًا نحن في جَنبِهم لُصوص ، يريد الصحابة رضوان الله عليهم ، امرأة رأَتْ أباها مقتولا في أحد ، وبعد قليل رأتْ أخاها مقتولا ، ثم رأت زوجها مقتولا ، ثم ابنها !! وتقول : ما فعلَ رسول الله ؟ إلى أن بحثتْ عنه ، واطْمأنَّت على سلامته ، فقالت يا رسول : كلّ مصيبة بعدك جلَل !! نحن في هذا الزمان لا يوجد عندنا نساء بهذا المستوى ، فإذا كان هناك ثلاثة جرْحى ، وثلاثة آخرون على وشَكِ الموت ، والجريح يتمنَّى قطْرة ماء بِمِليون ليرة ، هذا الجريح يطلب الماء ، فيأتي الساقي ليَسْقيَهُ ، فيكون أخوه الذي إلى جنبه يئنّ ، فقال : أعْطِ أخي ! فلمَّا قُدِّم الماء لأخيه أنَّ الثالث ، فقال الثاني أعطِ الماء لأخي ، فلما ذهب ليُعطِيَه وجده فارق الحياة ، وذهب إلى الثاني فوجدهُ فارق الحياة ، وكذا الثالث !!!! هل عندنا مثل هذا النوع ؟! نحن بالحج في المطار مائتا مقعد لمائتي راكب ، لو تقف بعد مائتي متر ، ويدخل كلّهم الطائرة لوجدت مكانك ، لكنَّك تجدهم يتقاتلون من أجل الأمكنة ، شيء عجيب !! هناك فرق نوعي ، أنا مرَّةً في الحجَّة الثانيَة التي أكرمني الله بها بقيتُ بِمَكَّة عشرة أيام بعد انتهاء الحجّ ، وآخر يوم تمنَّيْت أن أُقبِّل الحجر الأسود ، وجئتُ في وقت لا تحتمل فيه الحرارة ، فقد بلغتْ ستًّا وخمسين درجة !! ومعي مظلّة ، ووجدْتُ خمسين شخْصًا يزمعون تقبيل الحجر ، واللهِ لو وقفوا بانتظام لقبَّلوه جميعًا في عَشْر دقائق ، رأيتُ الضَّرب والشدّ والدَّفْع ، هؤلاء المسلمون الذي سيفْتحون العالم ؟!! أين النظام ؟ أمَا قال له : أدْركتُ قومًا نحن بِجَنبهم لُصوص ! فانظرْ إلى تدافع الناس على المركبة ، وهم حجاج ، وطائرة ، ولكلٍّ مكانه ، لكنْ لا بدّ أن نتدافع ، ونشاتم ويشدّ بعضنا ثياب بعض لشيءٍ لا قيمة له إطلاقًا . قال : وإذْ نحن كذلك دخل علينا ابن الشيخ فحَيَّانا وقال : يا أبتِ إنَّ أمِّي قد صنَعَت لك خبيصًا وجوَّدَتهُ ، نوعٌ من الحلْوَة ، وإنَّه ليَجْبر قلبها أن تأكل منه ، فهل آتيك به ؟ فقال : هاتِهِ ، فلمَّا خرج لِيُحضرهُ طرق سائلٌ فقال : أدْخلوه ، ولمَّا صار بِصَحن الدار : نظرتُ إليه ، فإذا هو رجل كهْلٌ مُمَزَّق الثِّياب ، قد سال لُعابهُ على ذقنه ، وبدا من ملامح وجهه أنَّه معتوه ، فما كِدْتُ أرفعُ بصري عنه حتى أقبل ابن الشيخ ومعه الخبيص ، فأشار إليه أبوه أن ضَعها بين يدي السائل، مَعتوه ، لُعابهُ على لحيته ، مُمَزَّق الثياب ، وهذا الطعام صنَعَتْهُ الزَّوجة ليأكل زوجها منه، فوضَعَه بين يديه ، فأقبل عليها الرجل ، وجعل يلتهم ما فيها الْتِهامًا ، ولعابهُ يسيل فوقها ، فما زال يأكل حتى أتى على ما في الصَّحفة كلّها ، فقال له ابنه : رحمك الله يا أبي ، لقد تكلَّفَت أُمِّي ، وصنعت لك هذا الخبيص ، فأطْعمْتَهُ هذا الرجل الذي لا يدري ما أكل ، اسمعوا الجواب ، قال له : يا بنيّ ، إذا كان هو لا يدري ما أكل فإنّ الله يدري ماذا أكل ؟ وهذه ذكَّرتني بِرَسول جاء من معركة نهاوند إلى سيّدنا عمر ، قال له : حدّثني عما جرى في هذه المعركة ، فقال : فلان قُتِل ، وفلان قتل ، قال له تابع : فقال هناك أناسٌ لا تعرفهم بأسمائهم ، بل تعرفهم بوُجوههم؟ فبكى عمر ، وقال : ما ضرَّهم إذْ أنّي لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم ، إنسان كريم جواد أعطى امرأة فقيرةً عطاءً كبيرًا ، قال له مَن كان جنبَه : لقد كان يرضيها القليل ، وهي لا تعرفك ، فأجاب وقال : إنْ كان يرضيها القليل ، فأنا لا أرضى إلا بالكثير ، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي ، لذلك أيها الإخوة اصْنَع المعروف مع أهله ، ومع غير أهله ، فإن أصبْت أهلَهُ فقد أصبْت أهله ، وإن لم تصِب أهله فأنت أهله ، هذا هو الإخلاص ، فالمخلص لا يعنيه إطلاقًا ردُّ الفعل ، قدّر الفعل ، أو لم يقدّره ، أساء أو ، لم يسئْ ، فأنت تعاملت مع الله ، وما عرف من أتى له بالهديّة ، كلّ هذا غير مهمّ ، وما عرف من دفع المبلغ ، المهم أنّ الله علِم مَن دفع ، وهذا هو الإخلاص ، وكلَّما نما توحيدك نما إخلاصك ، لذا غير المخلص يقع في مطبّ مزْعج ، يستجدي المديح ، لأنّ إخلاصه ضعيف ، حتى يُعَوِّض عن الجهد الذي بذَلَه ، فإذا أقام وليمة قال: ربّما لم يعْجبكم الأكل ! فيقولون : لا ، والله ، لقد قال هذا من أجل أن يسْمع المديح ، فاسْتجداء المديح دليل ضعف الإخلاص ، وكلّما نما توحيدك نما إخلاصك . قال له : يا بنيّ ، إذا كان لا يدري ماذا يأكل فإنَّ الله يدري ماذا يأكل ، ثمَّ تلا قوله تعالى : [ سورة آل عمران ] سمعتُ قصَّة أُسرة سامحها الله ، عندهم خادمة في البيت ، وعندهم وليمة ، والطعام مِمَّا يسيل له اللُّعاب ، مِن أعلى درجة ، فربَّة البيت عندها عدّة صحون قديمة في الثلاجة ، وألْزَمَت هذه الخادمة أن تأكل هذه الأطعمة التي مضى عليها أيّام ، وحرمتها أن تأكل لُقْمة من الطعام الجديد ! قال تعالى : [ سورة آل عمران ] وفيما هو كذلك إذْ دخل عليه رجل من ذوي قُرْبة ، وقال : يا أبا يزيد قُتِلَ الحُسَيْن بن عليّ كرّم الله وجهه ، وابن فاطمة عليها وعليه السلام ، فقال الربيع : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثمّ تلا قوله تعالى : [ سورة الزمر ] ولكنَّ الرجل لم يشْفه كلامه ، فقال له : ما تقول في قتله ؟ قال : أقول إلى الله إِيّابهم ، وعلى الله حسابهم ! أنا أُرِيحُكُم من أشياء كثيرة ، تقييمُ الأشخاص ليس من شأن البشر ، ولكنه من شأن خالق البشر ، ولا يعلم الحقائق إلا الله ، والماضي كلّه تغطِّيه آية : [ سورة البقرة ] الْغِ التاريخ بآية واحدة ، والْغِ عِبء تقييم الأشخاص بكلمة واحدة ، وأنا قبل يومين كنت في تعْزِيَة ، والمُتَوَفَّى أعرفهُ ، وهو إنسانٌ صالح ، ولا أزكِّي على الله أحدًا ، ولكن قيل عنه كلامٌ قطعي ؛ إنَّه من أهل الجنَّة ! هذا كلام قطعي ، فذكرْتُ قَول النبي عليه الصلاة والسلام أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا * [رواه البخاري] [ سورة الغاشية ] قال : ثمَّ إنِّي رأيتُ وقتَ الظهر قد اقترب ، فقلتُ للشيخ : أوْصِني ، قال : لا يَغُرَّنَك يا هلال كثرةُ ثناء الناس عليك ، فإنَّ الناس لا يعلمون منك إلا ظاهرك ، واعْلم أنَّك صائرٌ إلى عملك ، وأنَّ كلّ عملٍ لا يُبْتغى به وجْهُ الله يضْمحِلّ ، فقال المنذر : وأوْصني أنا أيضًا جُزيت خيرًا ؟ قال: يا منذر اتَّق الله فيما علمْت ، وما اسْتأثر عليك بعلمه فَكِلْهُ إلى عالمه ، لا تقل فيما لا تعلم ، يا منذر ، لا يقل أحدكم : اللهمّ إني أتوب إليك ، ثمّ لا يتوب ، ثمّ تكون كِذْبة ، ولكن قلْ: اللهمّ تُب عليّ ، فيكون دُعاءً ، اللهمّ تُبْ عليّ ؛ هذا دعاء ، أمّا : إنِّي تبْتُ إليك ، وما فعلت، فهذا كذب ، فاجْعل التوبة دعاءً ولا تجعلها خبرًا ، واعْلم يا منذر أنَّه لا خَير في كلامٍ إلا في تهليل الله ، أي التوحيد ، وتحميد الله ، أي الحمْد ، وتسبيح الله ، أيْ التنزيه ، وسؤالك من الخير، وتعوُّذك من الشرّ ، وأمرِكَ بالمعروف ، ونَهْيِكَ عن المنكر وقراءة القرآن ، فقال المنذر : قد جالسْناك فما سمعناك تتمثَّل بالشِّعر ، وقد رأينا بعض أصحابك يتمثَّلون به ؟ فقال : ما من شيءٍ تقوله هناك إلا كتِبَ ، وقُرِئ عليك هناك يوم القيامة ، النبي عليه الصلاة والسلام قال شطر بيت فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ : *** أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ *** [متفق عليه] أما الشطر الثاني من البيت فغلط ، قال فيه لبيد : *** وَكُلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ *** *** أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ *** ولا يكْمل الكلام ، أما الواحد منَّا فتجِدُه يروي مائة كلمة كلها غلط ، ونحن مُحاسبون بما نقول . قال : فأنا أكرهُ أن أجد في كتابي بيت شِعْر يُقرأُ عليَّ يوم يقوم الحساب ، ثمّ الْتفتَ إلينا جميعًا ، وقال : أكْثروا من ذِكْر الموت ، فهو غائبكم المُرتقب ، وإنّ الغائب إذا طالتْ غَيبَتُه أوْشكَتْ أوْبَتُه! ثمَّ اسْتعْبَر أيْ بكى ، وقـال : ماذا نصْنعُ غدًا إذا دُكَّت الأرض دكًّا دكًّا ، وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا ، وجيء يومئذٍ بِجَهَنَّم ؟ قال هلال : وما كاد الربيع أن ينتهي من كلامه حتى أُذِّن للظُّهر ، فأقْبل إلى ابنه ، وقال : هيَّا نُجِبْ داعيَ الله ؟ فقال ابنهُ : أعينوني على حَمْلهِ إلى المسجد جُزيتُم خيرًا ؟ فرفعناهُ ووضعَ يمناهُ على كتف ابنه ، ويُسْراه على كتفي ، وجعل يتهادى بيننا ، فقال المنذر : يا أبا يزيد لقد رخَّص الله لك ، فلو صلَّيْت في بيتك ! فقال : إنَّه كما تقول : ولكنَّني سمعتُ المنادي ينادي حيّ على الفلاح ، فمَن سَمِع منكم المنادي ينادي إلى الفلاح فلْيُجِبْهُ ولو حَبْوًا ، قال عليه الصلاة والسلام : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا * (رواه ابن ماجة وأحمد) الربيع بن خثيم عَلَمٌ من أعلام التابعين ، وأحدُ الثمانيَة الذين انتهى إليهم الزهد في عصره ، عربيّ الأصل ، مُضَرِيّ الأرومة ، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جدَّيْه ، ونشأ منذ نعومة أظفاره في طاعة الله ، وفطم نفسه منذ حداثته على تقواه ، وكانت أُمّه تنام في الليل ، ثمَّ تصْحو فَتجِدُ ابنها اليافع ما زال صافًّا في محرابه ، سابحًا في مناجاته ، مُستغرقًا في صلاته ، فتقول له : يا ربيع ألا تنام ؟ فيقول : كيف يستطيعُ النوم من جنَّ عليه الليلُ ، وهو يخشى البيات؟! مَن لم تكن له بدايةٌ محْرقة لم تكن له نهايةٌ مشرقة ، فتتحدَّر الدموع على خدَّي الشيخة العجوز ، وتدعو له بالخير ، ولمَّا شبّ الربيع ونما ، شبَّ معه ورعُه ، ونمَت بِنُمُوِّه خشيتُهُ من الله تعالى ، ولقد أرَّق أمَّهُ كثرةُ تضرّعه ، وشدَّةُ نحيبه في عتمات الليل ، والناسُ نيام ، حتى ظنَّت به الظنون ، وكانت تقول له : يا بنيّ ما الذي أصابك ؟ لعلَّك أتَيْتَ جُرْمًا ، لعلَّك قتلْت نفسًا، دقِّقوا ! فذنب المؤمن كأنَّه جبلٌ جاثِم على صدره ، وذنب المنافق كأنَّه ذبابة لا يعبأ ، فقال: يا أُمَاهُ لقد قتلت نفسًا !! فقالت في لهْفة : ومن هذا القتيل حتى نجعل الناس يسْعَون إلى أهله حتى نجعل أهله يعفون عنك ، واللِه لو علم أهلُ القتيل ما تعانين من البكاء ، وما تُكابدين من السَّهر لرحِموِك، فقال : لا تكلِّمي أحدًا ، فإنَّما قتلتُ نفسي !! لقد قتلتها بالذنوب !! ولقد تتَلْمذَ الربيع بن خثيم على عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأقرب الصحابة هدْيًا وسمْتًا من النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد تعلَّق الربيع بأُستاذه تعلّق الوليد بأُمِّه ، وأحبّ الأستاذُ تلميذَه حُبَّ الأب لوحيده . قال أحدهم : بتُّ عند الربيع ليلةً ، فلمَّا أيْقن أنِّي دخلتُ في النوم قام يُصلِّي فقرأ قوله جلّ وعزَّ : [ سورة الجاثية ] فمكثَ ليلته يُصلِّي بها ، يبدؤها ويعيدها ، حتى طلع عليه الفجر ، وعَيناه تسُحَّان بالدُّموع سحًّا ، وقال بعض أصحابه : خرجنا يومًا لصُحبة عبد الله بن مسعود ، ومعنا الربيعُ بن خثيم ، فلمَّا صرنا على شاطئ الفرات مررْنا بأتون كبير قد صُعِّرَت نارهُ ، فتطايَر شررها ، وتصاعدَت ألسنةُ لهيبها ، وسُمِعَ زفيرها ، وقد ألقي في الأتون الحجارة لتَحْترِق حتى تصبحَ كلْسا ، فلمَّا رأى الربيعُ النارَ توقَّف في مكانه وعَرتْهُ رِعدةٌ شديدةٌ ، وتلا قوله تعالى : [ سورة الفرقان ] ثمّ سقط مغشِيًّا عليه ، فربطْنا معه حتى أفاق من خشْيتِهِ ، ومِلْنَا به إلى بيته .الشيء الذي لفتُ النظر في حياة الربيع أنَّه يذكر الموت كلّ يوم اسْتعدادًا له ، والمؤمن العاقل لا تغيب عنه هذه الساعة التي لا بدَّ منها ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ كلّ يوم يقول : ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ * [رواه الترمذي] أيْ سمَحَ لي أن أعيشَ يومًا جديدًا. فلمَّا احْتضرَ جعَلَت ابنتهُ تبكي ، فقال لها : ما يُبْكيكِ يا بنيّتي ، وقد أقبلَ على أبيكِ الخيرُ ؟! ثمَّ أسْلم روحهُ إلى بارئها . يولد الطفلُ وكلّ من حوله يضحك ، إلا هو فيبكي ، وحينما يموت الإنسان كلّ من حوله يبكي ، فإذا كان بطلاً عندها فلْيَضْحكْ ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ قَالَتْ فَاطِمَةُ وَا كَرْبَ أَبَتَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ * [رواه ابن ماجه] وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت عمار بن ياسر بصفين في اليوم الذي مات فيه وهو ينادي : إني لقيتُ الجبار ، وتزوجتُ الحور العين ، اليوم نلقى الأحبة ؛ محمداً وحِزبه ، عَهِدَ إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنّ آخر زادك من الدنيا ضباحٌ من لَبَن * [رواه الطبراني في الأوسط] لقد أعطانا ربُّنا ميزانًا دقيقًا ، قال تعالى : [ سورة الجمعة ] إذا لاح للإنسان شبح الموت ، وارْتعدَت فرائسُه ، فهذه علامة خطيرة ، أما إذا لاح له شبح الموت ، وقال : مرحبًا بلِقاء الله ، فهذه علامة على أنَّه محِبّ لله ، ومستقيم على أمره ، وهذا مقياس المؤمن ، والحمد لله رب العالمين . |
|||
25-04-2009, 10:37 PM | رقم المشاركة : 25 | |||
|
مصعب بن عمير - أول سفراء الاسلام |
|||
25-04-2009, 10:43 PM | رقم المشاركة : 26 | |||
|
جزاك الله خير الدنيا والاخرة |
|||
26-04-2009, 05:50 PM | رقم المشاركة : 27 | |||
|
[quote=محمد صيام;16377]جزاك الله خير الدنيا والاخرة |
|||
26-04-2009, 05:51 PM | رقم المشاركة : 28 | |||
|
عكرمة بن أبي جهلّ!!! |
|||
26-04-2009, 10:01 PM | رقم المشاركة : 29 | |||
|
الحسن البصري الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا لا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقًّا ، وارزقنا اتِّباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس السابع من سير التابعين رضوان الله تعالى عليهم ، والتابعيّ في هذا الدرس هو سيدنا الحسن البصري ، وهو علَم من أعلام التابعين ، وفي قصَّته موعظة بليغة جدًّا . أيها الإخوة الكرام ؛ يقول اللهُ عزوجل : [سورة يوسف] ويقول تعالى في موضع آخر : [سورة هود] أي إنَّ القصة لها دور في التربية والتعليم يفوق حدَّ التَّصوُّر ، لماذا ؟ لأن القصة حقيقة مع البرهان عليها ، فأنت حينما تتلقَّى الحقائق بشكل مجرَّد قد تقنعك ، ولكنها لا تهزُّك ، وثَمَّة فرقٌ بين إحداث القناعة ، وبين إحداث الموقف ، القصةُ تنطوي على حقيقة ، لكنها مجسَّدة في شخص مِن جلدتك وعلى شاكلتك ، يشعر بما تشعر ، و يتألَّم بما تتألَّم ، ويتحمَّل الضغوط نفسها ، وتغريه الشهوات نفسها ، ويقف هذا الموقف الكامل ، هذا من شأنه أن يحدث فيك موقفا ، وشتَّان بين القناعة وبين الموقف ، القناعة تستقرُّ في الدماغ ، ولكن الموقف يتغلغل إلى كيان الإنسان ، كم من طبيب مقتنع أشدَّ القناعة أنّ الدخان حرام ، أو أنّ الدخان مُؤْذٍ وضار ، ومع ذلك يدخِّن ، ولكن حينما يقف أمام غرفة العمليات ، ويرى بأمِّ عينه إنسانا شابًّا سويًّا قويًّا متينا ، في أوجِّ نجاحه وعطاءه ، مُصاب بسرطان في الرئة ، هذا المنظر يحدث في الطبيب موقفا ، فيدَع بسببه الدخان ، أما المقالات فتحدث له قناعة فحسب ، والقناعة شيء ، والموقف شيء آخر ، فإذا قنعت فربَّما كان تصرُّفُك بعيدا عن قناعتك ، لكنك إذا تأثَّرت هذا التأثُّر يحدث موقفا ، وهذا التأثر يتغلغل في كيانك كله حتى يسهم في إحداث موقف ، لذلك نحن نتمنى المواقف لا القناعات، والقناعات متوافرة ، فما من مسلم إلا وهو قناعة أن دينه حق ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، لكن لماذا المعصية ؟ ولماذا الانحراف ؟ ولماذا التقصير ؟ لأن القناعات متوفرة ، لكن التأثير ضعيف ، لذلك أردتُ أن يكون هذا الدرسُ درس قصة إسلامية حتى تروا إنسانا يشترك معك في كل شيء ، وتشترك معه في كل شيء ، ومع ذلك كان في أعلى علِّيِّين .أيها الإخوة ؛ البشير هو الذي يبشِّر ، جاء البشيرُ يبشِّر زوج النبي أمِّ سلمة رضي الله عنها بأن مولاتها خيرة قد وضعت حملها ، وولدت غلاما ، فغمرت الفرحةُ فؤادَ أم المؤمنين رضوان الله عليها ، وطفحَت البشرى على محيَّاها النبيل الوقور ، جارية عند أم سلمة اسمُها خيرة ، أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة و السلام ، ولها خصائص وميزات تنفرد بها ، وبادرت فأرسلت رسولا ليحمل إليها الوالدة ومولودها ، لتقضيَ فترة النفاس في بيتها ، في بيت أم سلمة ، فسيدنا الحسن البصري هو هذا الغلام ، أين نشأ ؟ في بيت إحدى زوجات النبي عليه الصلاة و السلام ، فقد كانت خيرة أثيرة عند أم سلمة حبيبةً إلى قلبها ، ولسنا في معرض الدخول في موضوع العبيد والجواري ، فقد ولَّى الزمنُ الذي كان فيه العبيد و الجواري ، ولكن من أجل أن تعلَموا أن زيد بن ثابت حينما وصل إليه أهله ، وكان عند النبي وخيَّره النبيُّ بين أن يذهب مع أهله وبين أن يبقى عنده ، فاختار النبيَّ عليه الصلاة والسلام ، ولكم أن تفهموا من هذه القصة كلَّ شيء ، لماذا اختار زيدُ بن ثابت أن يبقى عند النبي ؟ لشدَّة الرحمة والعطف الذي وجدهما في بيت النبي، و على كلٍّ فهذه الجارية المولاة لأم سلمة لا تقلُّ عن ابنتها حبًّا وعطفا ورحمة ، فلما ولدت غلاما دعت الأمَّ ومولودها لتقبع في بيت أم سلمة ، وكان بها لهفة وتشوَّقٌ لرؤية وليدها البكر . أيها الإخوة ؛ النظام الإسلامي أو المنهج الربَّاني يجعل حياة المؤمن كلَّها سعادة ، فحينما يتزوَّج يسعد بزوجته ، وبعد حين يسعد بأولاده ، وبعد حين آخر يسعد بأولاد أولاده ، وكلُّ طور من أطوار المؤمن فيه نوع من السعادة ينفرد بها هذا الطَّورُ ، لكن حياة الانحراف ما دامت هذه الفتاة شابَّةً نضرة لها من يطلبها ، فإذا سلكت طريقَ الحرام ، وزوى جمالُها ، وكبرت سنُّها أُلقيت في الطريق كما تُلقى الفأرة الميَّتة ، وازِن الآن بين فتاة تزوَّجت ، وأنجبت ، وأصبحت أمًّا، ثم أصبحت جدَّةً ، وازنْ بين مكانتها الرفيعة ، الجدة لها مكانة كبرى في أيِّ أسرة ، وازنْ بين مكانتها كامرأة ذات خبرة وعلم ومكانة ، وبين امرأة ملقاةٍ في قارعة الطريق ، لأنها سلكت في أيام شبابها طريق الحرام ، فلما زوى جمالُها أُلقيت في الطريق ، ولذلك أنا أعرف أنّ ما مِن امرأةٍ منحرفةٍ ترى فتاةً تحمل وليدها إلا وتذوب كما تذوب الشَّمعةُ ، تمنِّيًا أن يكون مثلها ، فتطبيقُ منهج الله عزوجل يمنح الإنسانَ سعادة ما بعادها سعادة ، والعوام يقولون كلمة : "ما فيه أغلى من الولد إلا ولد الولد " ، الشباب يسمعون هذه الكلمة ، ولكن لا يستوعبونها ، أما إذا أنجبتَ أولادا ، وأنجب أولادك أولادا تعرف قيمة هذه الكلمة ، وحياة الإنسان كل سن له متعة ينفرد به ، و ما هو إلا قليل حتى جاءت خيرةُ تحمل طفلها على يديها ، فلما وقعت عينا أمِّ سلمة على الطفل امتلأت نفسُها أُنْسًا به وارتياحا له ، ثم إنك إذا تأمَّلت حكمة الله عزوجل ، فما حكمة الله أن هذا الطفل الصغير محبَّبٌ إلى القلوب يتميَّز بصفات نفسية نادرة ، الصفاء ، الذاتية ، العفوية ، وبالتعبير الشائع " السُّوَيعاتية " ، هذا الطفل لو أحزنته و لو أبكيته فبعد ثانية ينسى ويضحك ، ليس عنده حقد ، ولو أن كل طفل حقد على أمه وأبيه إذا أدَّبوه فالقضية كبيرة جدا ، ذاتية على صفاء ، على لطف ، على فطرة سليمة ، فالأولادُ يملؤون البيت بهجة وسرورا ، فإذا الإنسان رزقه اللهُ الأولادَ فهذه نعمة ، فلا يضجر ، لأنّ هناك من يضجر ، هذه نعمة كبرى خصَّك الله بها ، أنت عليك أن تعتنيَ بهؤلاء الأولاد كي يكونوا استمرارًا لك . كان هذا الوليدُ الصغيرُ قسيمًا وسيمًا - أي جميلا حسن الوجه - بهيَّ الطلعة ، تامَّ الخِلقة ، يملأ عينَ الناظر إليه ، ويأسر فؤادَ رائيه ، ثم التفت إلى وملاتها ، و قالت :" أسمَّيتِ غلامك يا خيرة ؟ قالت : كلا يا أمَّاه ، لقد تركتُ ذلك لك لتختاري له من الأسماء ما تشائين ، فقالت نسمِّيه على بركة الله الحسن ، ثم رفعت يديها ، ودعت له بصالح الدعاء " ، والنبي علَّمنا أنّ على الإنسان أنْ يسمِّيَ قبل أن يقارب أهله ، فإذا جاءه مولودٌ يأتي هذا المولودٌ بعيدا عن نزغات الشيطان ، وهذا من السنة ، فمن والده ؟ الفرحة بهذا المولود لم تقتصر على بيت أم سلمة أم المؤمنين ، وإنما شاركها بيتٌ آخر من بيوت المدينة ، هو بيتُ الصحابي الجليل زيدِ بنِ ثابتٍ كاتبِ وحيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن يسارًا والدَ الصبي كان مولًى له أيضا ، فالوالد مولى لسيدنا زيد بن ثابت ، والوالدة كانت مولاة لسيدتنا أم سلمة زوج النبي عليها رضوان الله ، وكان من آثر الناس عنده ، وأحبِّهم إليه ، بصراحة أقول لإخواننا الذين عندهم محلاَّت تجارية : هذا الموظَّف ، أو بالتعبير القديم " الصانع" هذا أحد أولادك ، هكذا الإيمان ، أي باللطف والإحسان والمودَّة والعطف والمحبَّة ، هكذا الإسلام ، ليس هناك تفرقة ، أنا أقول لكم كلمة اعتبروها شطحةً : واللهِ إنْ لم تعاملْ مَن عندك كما تعامل ابنَك فلن ترقى عند الله ، فالقضية دقيقة جدا ، والإيمان مرتبة عالية فالإسلام كمال ، والإسلام عدالة ورحمة ، وخلُق ، و عطاء ، وليس أخذا ، يقولون كلمة بالتعبير الحديث " استراتيجية " أنا أقول : استراتيجية المؤمن مبنية على العطاء ، واستراتيجية الكافر على الأخذ ، حتى إنه قيل : انظُر ما الذي يسعدك ، أن تعطي أو أنْ تأخذ ، فإن كان الذي يسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة ، وإن كان الذي يسعدك أنْ تأخذ فأنت من أهل الدنيا ، هذه علامة . درجَ الحسنُ بن يسار الذي عُرف فيما بعد بالحسن البصري في بيت من بيوت رسول اله صلى الله عليه و سلم ، ورُبِّيَ في حجر زوجةٍ من زوجات النبي ، هي هند بنت سٌهيل ، المعروفة بأم سلمة ، وأمُّ سلمة إنْ كنتَ لا تعلم أيها الأخ الكريم كانت من أكمل نساء العرب عقلا ، وأوفرهن فضلا ، وأشدهن حزما ، حزم على عقل ، على فضل ، وكانت من أوسع زوجات رسول الله صلى الله عليه سلم علما وأكثرهن رواية عنه ، إذْ روت عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم ثلاثمائة وسبعة و ثمانين حديثا ، كانت راويةً لحديث عن رسول الله ، ولا يوجد أروع من العلم مع الخُلق ، فالذي يرفعك إلى أعلى عليِّين أن تكون أخلاقيا بقدر ما أنت عالم ، وأنت عالم بقدر ما أنت أخلاقي ، هذان الخطَّان إذا ارتقيتَ فيهما فأنت في أعلى عليِّين ، و كانت إلى ذلك كلِّه من النساء القليلات النادرات اللواتي يكتبن في الجاهلية ؛ وإنما امتدَّت إلى أبعدَ من ذلك ، فكثيرا ما كانت خيرة أمُّ الحسن تخرج من البيت لقضاء بعض حاجات أم المؤمنين ، فكان الطفلُ الرضيع يبكي من جوعه ، ويشتدُّ بكاؤه ، فتأخذه أمُّ سلمة إلى حجرها ، وتلقمه ثديها لتصبِّره ، وتعلِّله عن غياب أمه ، إذًا هذا التابعيُّ الجليل رضع من زوجة رسول الله ، فكأن النبيَّ أبوه من الرضاعة ، وكانت لشدَّة حبِّها إياه يدرُّ ثديُها لبنا سائغا في فمه فيرضعه الصبيُّ ، ويسكت عليه ، وبذلك غدت أمُّ سلمة أمًّا للحسن من جهتين ؛ فهي أمُّه بوصفه أحد المؤمنين ، لأنها أمُّ المؤمنين ، وهي أمُّه من الرضاعة أيضا ، ولقد أتاحت الصِّلاتُ الواشجة بين أمهات المؤمنين وقرب بيوت بعضهن ببعض بالغلام السعيد أن يتردَّد على هذه البيوت كلها ، وبالمناسبة و هذا من فضل الله علينا ، لقد شاء حكمةُ اللهِ عزوجل أن تولد في بلد إسلامي ، فيه مساجد ، وفيه مجالس علم ، وفيه أهل ، وفيه بقيّةُ حياء ، وبقية أخلاق ، وبقية انضباط ، نقول : بقية ، ولو أن الإنسان وُلد في " شيكاغو" الأمريكية مثلا ، أو في "نيس" الفرنسية ، ففي هذه المدن الفاسقة الفاجرة عصابات للخمور والزنا و اللواط ، واللهِ هذه نعمة كبرى ، أن الله عزوجل سمح لك أن تكون في بلد سلامي ، وسمح لك أن يسمعك الحقَّ ، هذه بشارة أيها الإخوة ، قال تعالى : [سورة الأنفال] أحيانا لا يعرف الإنسانُ قيمة هذه المجالس إلا إذا سافر ، فيشعر بوحشة و ضيق ، فلا يعرف قيمة هذه المجالس إلا مَن ابتعد عن بلاد المسلمين ، ومَن أقام في بلاد المشركين من دون ضرورة فقد برئت منه ذمَّة الله .تردَّد الحسنُ البصري على بيوت رسول الله ، وتخلَّق بأخلاق ربَّاتها جميعا ، و اهتدى بهديهم ، وقد كان كما يحدِّث عن نفسه يملأ هذه البيوت بحركته الدائبة ، و يُترعها بلعبه النشيط، حتى إنه كان ينال سقوف بيوت أمهات المؤمنين بيديه ، وهو يقفز فيها قفزا ، فالذي عنده ابنٌ عفريت - بالتعبير الشائع - لا يتألَّم كثيرا ، ورد في بعض الأحاديث : كثرة العُرام في الصغر دليل حصافة العقل في الكبر" ، كان طفلا شيطانا ، و بتعبير العوام " جني شاقق الأرض " ، هذا قد يكون في مستقبله الكبير إنسانا عظيما ، حيويته شديدة جدا ، وطاقته مخزونة ، أحيانا هناك إنسان بليد سكوني " سلاتيك" ، وليس ديناميكيًا ، فكثرة العرام في الصغر دليل حصافة العقل في الكبر . ظلَّ الحسن يتقلَّب في هذه الأجواء العبِقة بطيوب النبوة ، المتألَّقة بسناها ، نحن ما أتيح لنا أن نلتقيَ بنبيٍّ ، لكن أنا أتصوَّر أن الإنسان لو التقى بنبيٍّ فهذا شيء كبير وعظيم ، وكان أحدُ الصحابة اسمه ربيعة يخدم النبيَّ ، فلما يأتي وقتُ نوم النبيِّ يقول له : انصرف ، انتهى ، أين ينام هذا الصحابي ؟ على طرف باب بيت النبي ، من شدة تعلُّقه به ، فكمالُ الإنسان إذا كان في أَوَّجِّه لا يُصدَّق ، أنا أتصوَّر أن الصحابة الكرام أحبُّوا النبيَّ حبًّا فات حدَّ الخيال ، هل هناك امرأة تتحمَّل نبأَ موت زوجها ، ثم موت أخيها ، ثم موت أبيها ، زوج ، وأخ ، وابن ، وأب ، وراء بعضهم ؟ فعن سعد بن أبي وقاص قال : مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها، قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين ؛ قالت : أرونيه حتى أنظر إليه ؟ قال : فأشير لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل ! تريد صغيرة * [سيرة ابن هشام] لا قيمة لها ، هكذا أحبَّ الصحابةُ رسولَ الله .إخواننا الكرام الإسلام كلُّه حبٌّ ، فإذا كان القلبُ لا يخفق بالحبِّ فهو مثل وردة بلاستيك ، كبيرة وحمراء ، ولكنَّ النفس لا تهفو إليها ، أما الوردة الطبيعية فشيء جميل جدًّا ، فلا إيمان لمن لا محبَّة له ، وإذا لمْ تحب الله عزوجل فلن تدمع هذه العينُ أبدا ؟ تقرأ القرآن وكأنه كتاب عادي ، وتصلِّي وكأنك في حركات رياضية ، أين الحبُّ ، وأين المناجاة ؟ و أين أنت من قوله تعالى : [سورة الأنفال] [سورة السجدة] أين هذه ؟ أين : [سورة الذاريات] أين هذه ؟ هذا التابعي الجليل تتلمذ على أيدي كبار الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عن عثمانَ بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وغيرهم ، لكنه أُولِع أكثر ما أولع بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والإنسان الذي لا قدوة له ما هذا الإنسان ؟ إنسان ليس له منهلٌ علمي ؟ إنسان ليس له مسجد يؤمُّه ، ليس له إخوان يستأنس بهم ، يعيش تائها شاردا ، على هامش الحياة . إخواننا الكرام ***ة رحمة ، والفرقة عذاب ، ولزوم ***ة من فرائض الدين ، فعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ قَالَ قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : فِي قَرْيَةٍ دُونَ حِمْصَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ فَلَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَوَاتُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ * [رواه أحمد] قال تعالى : [سورة التوبة] وقال تعالى : [سورة الكهف] راعه من هذا الصحابي الجليل صلابتُه في دينه - سيدنا علي - وإحسانه لعبادته ، وزهادته في زينة الدنيا ، وغلبه بيانُه المشرِق ، وحكمته البالغة ، وأقواله الجامعة ، وعظاته التي تهزُّ القلوبَ ، وتخلَّق في أخلاقه بالتقى والعبادة ، ونسج على منواله في البيان والفصاحة ، ولما بلغ الحسنُ أربعة عشر ربيعا من عمره ، ودخل في مداخل الرجال ، انتقل مع أبويه إلى البصرة ، واستقرَّ فيها مع أسرته ، ومِن هنا نُسِب الحسنُ إلى البصرة ، وعُرِف بين الناس بالحسن البصري، والبصرة كانت يومئذ قلعةً من أكبر قلاع العلم في عالَم المسلمين ، وكان مسجدُها العظيم يموج بمَن ارتحل إليها من كبار الصحابة ، وجلَّة التابعين ، وكانت حلقاتُ العلم على اختلاف ألوانها تعمر باحات المسجد ومُصَلاَّه ، والآن مع تخلُّف المسلمين صار المسجد للصلوات فقط ، وأحيانا تجد مسجدا طويلا عريضا ، يُصَلَّى الظهر فيه بنصف صف ، وفي الصبح بثمانية أشخاص ، ويكون ضمن أبنية ، وكل بناية اثنا عشر طابقا ، و كل طابق أربع شقق ، فلو أَمَّتْ بناية واحدة هذا المسجد لملأته عن آخرِه ، قال تعالى: [سورة مريم] إنّ الأبلغ من ذلك أنّ المسجد كان له دور خطير ، فكان المسجد موطِنًا للقضاء ، وموطنًا للعلم ، الآن أنا أتمنى أن يعود للمسجد دوره الخطير ، يخرِّج علماءَ ، و يخرِّج دعاةً ، ويخرِّج حفَّاظ القرآن الكريم ، وأنْ تُحلَّ المشكلات فيه ، ويكون له رسالة واسعة جدًّا .لزم الحسنُ البصري المسجد ، وانقطع إلى حلقة عبد الله بن عباس حبر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذ عنه التفسير ، والحديث ، والقراءات ، كما أخذ عنه وعن غيره الفقهَ واللغةَ والأدب وغيرها ، حتى غدا عالما جامعا فقيها ثقةً ، فأقبل الناسُ عليه ينهلون من علمه الغزير . أيضا إخواننا الكرام ، تعلَّموا قبل أن ترأسوا ، فإن ترأستم فلن تعلَّموا ، سمعتُ عن أحد العلماء الذين عاشوا في القرن الرابع عشر جلس يدرِّس العلم ، فأخطأ خطيئة واحدة ، أو غلطة واحدة ، فاعتكف سبع سنين في بيته ، غلطة واحدة ، تعلموا قبل أن ترأسوا ، لأنكم إن ترأستم فلن تعلَّموا ، واحد روى حديثا ضعيفا ، بأدب قال له : يا سيدي هذا حديث ضعيف ، قال : ما دمتُ قد قلتُه فهو صحيح ، ما هذا الكبر ؟ ما دمت قد قلته فهو صحيح ، وانتهى الأمرُ ، إنكم إن ترأستم فلن تعلَّموا ، تكبر نفسك كثيرا ، فإذا أراد الواحدُ أن يكون داعيةً إلى الله عزوجل فلْيَطلب العلم بشكل كثيف جدا ، حتى إذا أُتيح له أن يعلِّم يكون قد نضج ، ولا يوجد شيء يُزري بالإنسان كالجهل ، فالتفَّ الناسُ حول الحسن البصري يسيخون إلى مواعظه التي تستلين القلوبَ، وتستدرُّ الدموعَ ، ويَعُونَ حكمته التي تخلب الألباب ، ويتأسَّون بسيرته التي كانت أطيبَ مِن نَشر المسك ، وقد انتشر أمرُ الحسن البصري في البلاد ، وفشا ذكرُه بين العباد . دقَّق أيها الأخ الكريم في قوله تعالى : [سورة الشرح] لا يوجد إنسان يطلب العلم بإخلاص إلا رفعه الله عزوجل ، أحيانا تجد أسماءً متألِّقة ، أسماء علماء متألِّقين جدا ، هذا كان دولاتيًّا ، وهذا كان لحَّامًا ، وهذا كان نجَّارا ، لا يخطر ببالك أن يُذكر العالِم مليون مرة أنه كان نجَّارا ، وصار أكبر بكثير من أن يكون نجَّارا ، صار عالما ، لأنّ رتبة العلم أعلى الرتب ، ولما يطلب الإنسانُ العلمَ بإخلاص يرفع اللهُ شأنَه ، قال تعالى : [سورة الشرح] إنّ كلَّ آية يختصُّ بها النبيُّ عليه الصلاة والسلام فللمؤمن منها نصيب ، انتشر أمرُ الحسن في البلاد ، وفشل ذكرُه بين العباد ، فجعل الخلفاءُ والأمراءُ يتساءلون عنه ، ويساقطون أخبارَه . [سورة الشرح] حدَّث خالد بن صفوان فقال : لقيتُ مَسلمةَ بنَ عبد الملك في الحيرة فقال لي : أخبرني يا خالدُ عن حسن البصرة ، فإني أظنُّ أنك تعرف من أمره ما لا يعرف سواك ؟ فقال : أصلح اللهُ الأمير ؛ أنا خيرُ مَن يخبِرُك عنه بعلم ، قال : أنا جارُه في بيته ، وجليسه في مجلسه ، و أعلم أهل البصرة به ، قال : هاتِ ما عندك - هل هناك ثروة أعظم من أن يكون لك أخبار طيِّبة بين الناس ، وسمعة عطرة ، هل هناك ما هو أعظم من أن يثنيَ عليك الناسُ في غيبتك ، أمّا في حضرتكف المديح لا قيمة له ، لأن هناك من يخافك ، وهناك من يطمع في عطائك ، فيكيل لك المديح جُزافا ، لكن البطولة أَنْ يمدحك الناسُ في غيبتك ، هذا هو المدح الحقيقي ، وأنت غائب ، مرة سمعتُ عن رجلٍ استلم وظيفة ، طبعا شديد وقوي ، بحضرته يحترمونه أشدَّ الاحترام ، فإذا غاب " أبو بريز " مثلا ، البطولة ما يُقال في غيبتك ، لا ما يقال في حضرتك ، في غيبتك ، أما في حضرتك فنفاق في نفاق ، قد يقول قائل كلاما ليس مقتنعا به ، وقد يقول قائل كلاما مبنيًّا على خوف ، أو على طمع ، قال : هاتِ ما عندك - الآن اسمعوا الوصفَ - قلتُ : إنه امرؤٌ - و اللهِ هذه الكلمات تُكتب بماء الذهب - قلتُ إنه امرؤٌ سريرته كعلانيته - لا توجد ازدواجية ، موقف معلَن ، وموقف حقيقي ، شيء يقال ، وشيء لا يقال ، شيء نفعله في العلن ، ونفعل عكسه في السرِّ ، هذه الازدواجية المقيتة ، وهذا النفاق الحسنُ البصري بريء منه - قال له : إنه امرؤ سريرته كعلانيته - واحدة - و قوله كفعله ، إذا أمر بمعروف كان أَعْمَلَ الناس به ، وإذا نهى عن منكر كان أَتْرَكَ الناس له ، ولقد رأيتُه مستغنيا عن الناس ، زاهدا بما في أيديهم ، ورأيت الناس محتاجين إليه ، طالبين ما عنده " فقال مسلمةُ : حسبُك يا خالد كيف يضلُّ قومٌ فيهم مثلُ هذا " ، احفظوها سريرته كعلانيته ، قولُه كفعله ، إذا أمر بمعروف كان أعملَ الناس به ، وإذا نهى عن منكر كان أتْركَ الناس له ، يستغني عن دنيا الناس ، ويحتاج الناس علمَه ، سأله واحد : بِمَ نِلتَ هذا المقام ؟ قال : باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي "، فكيف إذا كان العكسُ ؟ الناسُ مستغنون عن علمه ، وهو محتاج إليهم ، واللهِ هذا شأنُ بعضِ مَن لم يُوفَّق في دعوته إلى الله عزوجل ، الناسُ مستغنون عن علمه ، وهو في أشدِّ الحاجة إلى أموالهم ، وإلى قوتهم .ولما وليَ الحجَّاجُ بن يوسف الثقفي العراقَ ، وطغى في ولايته وتجبَّر ، كان الحسنُ البصري أحدَ الرجال القلائل الذين تصدَّوا لطغيانه ، وجهروا بين الناس بسوء أفعاله ، وصدعوا بكلمة الحق في وجهه ، فعَلِمَ الحجَّاجُ أن الحسن البصري يتهجَّم عليه في مجلس عام ، فماذا فعل؟ دخل الحجَّاجُ إلى مجلسه ، وهو يتميَّز من الغيظ ، وقال لجلاَّسه : تبًّا لكم ، سُحقا ، يقوم عبدٌ من عبيد أهل البصرة ، و يقول فينا ما شاء أن يقول ، ثم لا يجد فيكم من يردُّه ، أو ينكر عليه ، واللهٍ لأسقينَّكم من دمه يا معشر الجبناء ، ثم أمر بالسيف والنطع - إذا كان يُريد قطعَ رأس إنسان بمكان فيه أثاث فاخر حتى لا يلوِّث الدمُ الأثاثَ يأتون بالنطع ، والنطع قطعة قماش كبيرة ، أو قطعة جلد ، إذا قُطع رأسُ من يُقطع رأسُه ، لا يلوِّث الدمُ الأثاث ، ثم أمر بالسيف والنطع فأُحضِر ، ودعا بالجلاد فمَثُل واقفا بين يديه ، ثم وجَّه إلى الحسن بعضَ جنده ، وأمرهم أن يأتوا به ، ويقطعوا رأسه ، وانتهى الأمرُ ، وما هو إلا قليل حتى جاء الحسنُ ، فشخصتْ نحوه الأبصارُ ، ووجفت عليه القلوبُ ، فلما رأى الحسنُ السيفَ والنطع والجلادَ حرَّك شفتيه ، ثم أقبل على الحجاج ، وعليه جلالُ المؤمن ، وعزة المسلم ، ووقارُ الداعية إلى الله ، فلما رآه الحجاجُ على حاله هذه هابه أشدَّ الهيبة ، وقال له : ها هنا يا أبا سعيد ، تعالَ اجلس هنا ، فما زال يوسع له و يقول : ها هنا ، والناس لا يصدَّقون ما يرون ، طبعا طُلب ليقتل ، والنطع جاهز، والسيَّاف جاهز ، وكلُّ شيء جاهز لقطع رأسه ، فكيف يستقبله الحجَّاج ، ويقول له : تعال إلى هنا يا أبا سعيد ، حتى أجلسَه على فراشه ، ووضَعَه جنبه ، ولما أخذ الحسنُ مجلسه التفت إليه الحجَّاجُ ، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين ، والحسنُ يجيبه عن كلِّ مسألة بجنان ثابت ، وبيان ساحر ، وعلم واسع ، فقال له الحجاج : أنت سيدُ العلماء يا أبا سعيد ، ثم دعا بغالية - نوع من أنواع الطيب - وطيَّب له بها لحيته ، وودَّعه ، ولما خرج الحسنُ من عنده تبعه حاجبُ الحجاج ، وقال له : يا أبا سعيد ، لقد دعاك الحجاجُ لغير ما فعل بك ، دعاك ليقتلك ، والذي حدث أنه أكرمك ، وإني رأيتك عندما أقبلت ، ورأيتَ السيفَ والنطعَ قد حرَّكتَ شفتيك ، فماذا قلت ؟ فقال الحسن : لقد قلت : يا وليَ نعمتي ، وملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته بردا و سلاما عليَّ ، كما جعلت النارَ بردا وسلاما على إبراهيم ، قال تعالى : [سورة النمل] لقد علَّمنا اللهُ في القرآن شيئًا أصعب من قطع الرأس ؛ أنْ يكون الإنسان في بطن حوت ، وفي الليل ، وفي البحر ، قال تعالى : [سورة الأنبياء] إخواننا الكرام ؛ مَن هاب اللهَ هابه كلُّ شيء ، ومَن لم يهب اللهَ أهابه اللهُ مِن كل شيء ، حتى يصبح خائفًا من ظله .مِن هذه المواقف البطولية أنه بعد أن انتقل الخليفةُ الزاهد عمر بن عبد العزيز إلى جوار ربِّه، وآلت الخلافةُ إلى يزيد بن عبد الملك ، ولَّى على العراق عمر بن هبيرة الفزاري ، ثم زاده بسطةً في السلطان ،فأضاف إليه خراسان أيضا ، وسار يزيد سيرةً غير سيرة سلفه العظيم ، يزيد لم يكن على سيرة عمر بن عبد العزيز ، فكان يرسل إلى عمر بن هبيرة بكتاب تلوَ الكتاب يأمره بإنفاذ ما فيه ، ولو كان مجافيا للحقِّ ، أحيانا يزيد يرسل كتبا وأوامرَ وتوجيهات لواليه على البصرة و خراسان ، هذه الأوامر مجافيةٌ للحق ، أي فيها ظلم ، فدعا عمرُ بن هبيرة كلاًّ من الحسن البصري وعامر بن شرحبيل ، المعروف بالشعبي ، وقال لهما : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك قد استخلفه اللهُ على عباده ، وأوجب طاعته على الناس ، وقد ولَّاني ما ترون من أمر العراق ، ثم زادني فولاَّني فارسا ، وهو يرسل إليَّ أحيانا كتبا يأمرني فيها بإنفاذ ما لا أطمئن إلى عدالته ، فهل تجدان لي في متابعتي إياه ، وإنفاذ أمره مخرجا في الدين ؟ أي هل هناك فتوى ؟ فأجاب الشعبي جوابا فيه ملاطفة للخليفة ، ومسايرة لل- يا ابن هبيرة خفِ اللهَ في يزيد ، ولا تخف يزيدَ في الله ، واعلم أنّ الله جلَّ وعزَّ يمنعك من يزيَد ، وأنّ يزيدَ لا يمنعك من الله ، يا ابن هبيرة إنه يوشك أن ينزل بك ملكُ غليظ شديد ، لا يعصي اللهَ ما أمره ، فيزيلُك عن سريرك ، وينقلك من سَعة قصرك إلى ضيق قبرك ، حيث لا تجد هناك يزيد ، وإنما تجد عملك الذي خالفتَ فيه ربَّ يزيد ، يا ابن هبيرة إنك إن تكُنْ مع الله تعالى في طاعته يكفِك ضائقةَ يزيد في الدنيا والآخرة ، وإنْ تكُن مع يزيد في معصية الله تعالى فإنّ الله يكِلُك إلى يزيد ، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والي ، والحسن ساكت ، فالتفت عمرُ بن هبيرة إلى الحسن ، وقال : وما تقول أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : يا ابن هبيرة - واللهِ هذا كلام يُكتب بماء الذهب اسمعوا " فبكى ابن هبيرة حتى بلَّت دموعُه لحيته ، ومال عن الشعبي - تركه - إلى الحسن ، وبالغ في إعظامه و إكرامه ، فلما خرجا من عنده - الشعبي والحسن - توجَّها إلى المسجد ، فاجتمع الناسُ عليهما ، وجعلوا يسألونهما عن خبرَيْهِما مع أمير العراقين - مثل الآن العراق وإيران ، والي العراق وإيران ، هذا ملِك - فالتفت الشعبي إليهم وقال : - كذلك الشعبي منصِف - أيها الناسُ من استطاع منكم أن يؤثر اللهَ عزوجل على خلقه في كل مقام فليفعل ، فوالذي نفسي بيده ما قال الحسنُ لعمر بن هبيرة قولا أجهله - الذي تحدَّث به أعرفه أنا - و لكنني أردتُ فيما قلت وجهَ ابن هبيرة ، وأراد فيما قاله وجهَ الله ، أنا سايرتُ ، ولكني أردتُ فيما قلته وجهَ ابن هبيرة ، وأراد فيما قاله وجهَ الله ، فأقصاني اللهُ من ابن هبيرة و أدناه منه و حبَّبه إليه " ، فمَن أرضى الناسَ بسخط الله سخِط عنه اللهُ ، وأسخطَ عنه الناسَ ، ومَن أرضى اللهَ بسخط الناس رضيَ عنه اللهُ ، وأرضى عنه الناسَ . ومن أقوال الحسن :"إن مثل الدنيا والآخرة كمثل المشرق والمغرب ، متى ازدَدْتَ من أحدهما قربا ازدَدْتَ من الآخرة بعدا " ، وقال له أحدُهم : صِف لي هذه الدارَ - دار الدنيا - قال : ماذا أصف لك من دارٍ أولها عناء ، وآخرها فناء ، وفي حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، مَن استغنى فيها فُتِن ، ومَن افتقر فيها حزن " ، وسأله آخر أيضا : ماذا فعلنا بأنفسنا ؟ قال : لقد أهزلنا ديننا ، وسمَّنا دنيانا ، وأخلقنا أخلاقنا ، وجدَّدنا فرشَنا وثيابنا ، يتَّكئُ أحدنا على شماله ، ويأكل من مالٍ غير ماله ، طعامه غصبٌ ، و خدمته سُخرة ، يدعو بحلوٍ بعد حامض ، وبحارٍّ بعد بارد ، وبرطبٍ بعد يابس ، حتى إذا أخذته القِظَّةُ تجشَّأ من البشم ، ثم قال : يا غلام هات هضوما - أي " كازوزا " - يهضم الطعام ، يا أُحَيْمق واللهِ لن تهضم إلا دينك ، أين جارُك المحتاج ؟ أين يتيمُ قومك الجائع ؟ أين مسكينُك الذي ينظر إليك ؟ أين ما وصَّاك به اللهُ عزوجل؟ ليتك تعلم أنك عددٌ ، وأنه كلما غابت عنك شمسٌ نقص شيءٌ من عددك ، ومضى بعضُه معك ". في ليلة الجمعة من غُرَّة رجب سنة (110هـ ) لبَّى الحسنُ البصري نداءَ ربِّه ، فلما أصبح الناسُ ، وشاع الخبرُ فيهم ارتجَّت البصرةُ بموته رجًّا ، فغُسِّل وكُفِّن و صُلِّيَ عليه بعد الجمعة ، في الجامع الذي قضى في رحابِه حياتَه عالما ومعلِّما و داعيا إلى الله ، ثم تبِع الناسُ جميعا جنازته ، فلم تُقَمْ صلاةُ العصر في ذلك اليوم بجامع البصرة ، لأنه لم يبق فيها أحدٌ يقيم الصلاة ، ولا إنسان ، وقد قيل : ولا يعلم الناسُ أن الصلاة عُطِّلت في جامع البصرة منذ أن بُنِيَ إلى ذلك اليوم ، يوم انتقال الحسن البصري إلى جوارِ ربِّه . هذا أحد التابعين ، فإذا سمعتم الحسنَ البصري فهذا هو الحسن البصري ، طبعا هذه بعضُ قصصه ، وله قصص أخرى |
|||
27-04-2009, 01:09 AM | رقم المشاركة : 30 | |||
|
خالد بن الوليد - لا ينام ولا يترك أحدا ينام |
|||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سيرة الشيخ عبدالعزيز بن باز | المساوى | السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى | 5 | 02-12-2010 01:00 PM |
شجرة الصلاة للاطفال | اسراء | رحيق الحوار العام | 0 | 09-09-2010 08:55 PM |
شجرة البندق , نبات | سلسبيل الخير | المطبخ وتنسيق المنزل | 4 | 19-07-2010 08:20 PM |
شجرة عيد الميلاد | سلسبيل الخير | المطبخ وتنسيق المنزل | 1 | 27-03-2010 01:19 AM |
صخرة يوم القيامة | admin | منتدى الأفلام الوثائقية | 4 | 19-04-2009 04:57 PM |
|