منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > عقيدة أهل السنة والجماعة
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-2014, 04:03 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عمرالحسني غير متواجد حالياً


افتراضي الخلاف على الصوفية

ينطلق المهزوم في ميدان المروءات، الفاشل في العمل، من هزيمته وفشله ليأتلف مع أضرابه المقهورين على رقعة الواقع، وينصِب حواجز الشك والتُّهمة، ويُنصِّب نفسه قاضيا محاسبا ليصادر العقائد، ويَدين النيات، ويوسِع العالمين طعنا في إخلاصهم، محتكرا الصدق لنفسه وحزبه، معمما الريبة فيمن ليس من سربه. هو الصواب مجسما، وقوله الحق مسلَّما مكرما، من باب تكريم المرء نفسه وتزكيتها على طريق القدح في غيره.
جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفيان بن عبد الله الثقفي فسأله: يا نبي الله! حدثني بأمر أعتصم به. فقال صلى الله عليه وسلم: "قل ربي الله ثم استقم". قال سفيان: قلت. يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف علي؟ قال: فأخذ صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: "هذا". أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
كان أهل الإيمان قبل نشوء الفرق يأخذون إيمانهم بعفويَّة "قل آمنت بالله ثم استقم" وبفطريتها. فلما انتشر الإسلام في الأعاجم دخلت الأفكار الوثنية والفلسفة، وامتدت رقعة دار الإسلام، وتناقضت الإرادات السياسية، وتقاتلت، واستعملت كل فرقة ما هو ثابت من النصوص، وصنعت منها ما يؤيد مقالتها، وشحذت سلاح العقل الفضولي، والعقل المتمرد. وتكلم الناس في الذات والصفات، وقست القلوب وأظلمت. فتن كقطع الليل المظلم، كان للسيف فيها جولات، وللكلمة وللقلم.
وعلى مرّ قرون الفتنة تأثّل في الأمة مخزون من البغضاء الخلافية، منه يستقي اليوم طائفة من المسلمين يسمون أنفسهم سَلَفية يرفعون راية قتالية اسمها ابن تيمية، ويحملون على هذا الكاهل مرارة الخلاف القديم، وعلى الكاهل الآخر هموم الحاضر. مُثقَلين مجهدين.
مركبة الإسلام المقلعة تجد أمامها نقاطا للمرور وشرطة وحسبة. لا فكاك، لا فكاك، حتى تدلي بشهادة البراءة من أوبئة الخلاف. يتفرس في وجهك شرطي المرور ليرى مخايل الاعتزال والبدعة والجهمية على وجهك. وقد لا يكتفي بالتفرس والتهمة والتبديع، فينزل إليك في فرقته بشوارع دمشق وعمان يروغُ عليك ضربا بالهراوات.
لا أحقر أحدا إن سميت القوم تيميين، وبحسْبِ المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. لكن أريد أن يكون في كتابي هذا من التنبيه مثلُ ما فيه من التنويه، نصيحة راحل عن هذه الدار، باك على نفسه، حزين على ويلاتها، ضارع إلى ربه في المغفرة.
ابن تيمية عندي فحل من فحول العلماء، فذ من أفذاذ الفرسان. تصدى لمعركة جامعة، معركة على كل الواجهات. حاول أن يجمع أطراف الاجتهاد، وكانت له مقوماته. فتعرض لأهل العقل المنطقي والفلسفي ينتقدهم انتقاد الأنداد. وكان بين المحدثين حافظا حتى قيل : كل حديث لا يعرفه ابن تيمية ليس بحديث. وكان بين الفقهاء أصوليا فروعيا مجتهدا. وكان أمامَه واقع تميز بالسلطان المتخاصم مع القرآن، سلطان المماليك الذين يشجعون كل من يُثَبِّت ملكهم، ويقصدون للتبرك والدعاء كل من اشتهر بالصلاح والتقوى. فراجت في السوق المملوكية بدع وخرافات.وكانت لشيخ الإسلام واجهات أخرى قاتل فيها، منها واجهة الروافض الذين لم تنس الأمة ضلوعهم مع التتار في دخول بغداد، ومنها واجهة الهجوم التتاري المتواصل.
فارس قاتل على كل الواجهات، شجاع واسع الأفق. سَعَةُ اهتماماته وغزارة علمه، ومضاؤه في العمل تؤهله بحق أن يصنَّف مع عظماء مجددي هذه الأمة. واستمرار اجتهاده وتلاحمه مع الواقع عقودا من السنين منذ حداثة سنه جعل من مواقفه المكتوبة بقلمه والمسجلة في تاريخه الحافل مجموعة من المقالات منها الصواب الذي استقر عليه، ومنها الناقص الذي كتبه ناقصا في وقت وكمله في وقت آخر، ومنها السهو الذي نُقل إلينا على حاله، ومنها الخطأ الذي صوبه فيما بعد، ومنها الخطأ الذي أصر عليه كما يُصر المجتهد الصادق ويؤجر على اجتهاده.
ومنها فوق كل شيء ما هو راجع إلى شذوذ الرجل وتفرده من بين الحنابلة، وهم أهل الحديث والمواقف المشرفة المعارضة، بآراء خرج فيها على الإجماع.
فيأتي في زماننا رجال قرأوا كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب رحمهما الله، لم يقرأوا غيرها. ويتبنَّون جملة واحدة مجموع مقالات العالم الفذ المجدد الشاذ أحيانا دونما اعتبار لظروف الرجل.سماء مجردة عن أرضية التاريخ البشري، وعن طبيعة الجدل بين الأقران المتعاصرين، وعن اعوجاج النيات والمقالات في حُمَّى الخلاف وأتونِ المناظرات والمحاكمات التي عقدت للرجل الفذ، يقاتله جمهور الفقهاء والصوفية والأمراء متضافرين متآزرين، حتى سجنوه مرات واضطهدوه، فمات رحمه الله في الحفرة.
نبذوا علم الرجل الواسع، لم يحتفظوا منه إلا بنصوص خاصة منتقاة بعناية لتكون منهجية قتالية. قاتل هو بدَعا حية، وهم يقاتلون أوهام البدعة. لم يبق مجال لتفصيل البدع والدينُ مخترق من أقصاه إلى أقصاه. البدع منكر ناتِئٌ خارج من بساط كلُّه معروف. البدعة حنظلة وشوكة وسط زرع صالح. أما والمجتمعات الإسلامية أصبح فيها المنكر هو المعروف وهو الأصل، والمعروف حالات خاصة غريبة! أمَّا والحقل كله شوك وحنظل فما بالك تصب جامَّ غضبك على القمحة المسكينة نبتت في بيئة حنظلية شوكية! اسقها وتعهدها وأصلح لها التربة، لا تُحرقها بنفَسك الملتهب.
اتخذوا شذوذ الرجل الفردي منهاجا فظلموه وظلموا أنفسهم، لا سيما عندما يضربون صفحا عن كتابات الرجل في السلوك ليحتفظوا بمقالاته الحربية يُسعِّرون بها الخلاف على الصوفية.
قال الشيخ الدكتور سعيد رمضان البوطي (أرجع إلى كلمته الصادعة)، وهو من خاض مع التيميين معارك ساخنة يعرفهم المعرفة التامة: "الحقيقة التي لا ريب فيها أن ابن تيمية رحمه الله قد ظُلم من قِبل هؤلاء الناس. لقد ظُلم من قِبلهم مرتين. المرة الأولى أنهم نسبوا إليه، بسبب جهلهم أو بسبب أغراضهم التي يتأبّطونها، ما لم يَقُلْه وما لم يخْطُر منه على بال. فقد صوروا منه عدوا للتصوف، وهو من أبرز المنافحين عنه والداعين إليه، والقائلين بوجوب الانخراط في منهجه التربوي على كل مسلم. والمرة الثانية أنهم صبغوه بذلك في تصوُّر كثير من الناس، بل حتى العلماء الباحثين السطحيين، بصبغة المنكر لهذا الذي ثبت أنه من جوهر الإسلام ولُبابه، والمنقِّصِ لكل من سار في هذا الطريق وسلَّك الناس في طريق تزكية النفس. حتى غدَا اسم ابن تيمية عند عامة الناس رمزا لمحاربة هذا السبيل الإسلامي القويم. مع أن الرجل كان، كما قد ظهر لنا من الرجوع إلى أقواله وواقع ترجمته، على النقيض من ذلك. أما إنكاره للبدع التي علقت به والانحرافات التي أدخلت عليه، وما ظهر من اهتمام بالغ له في شأنها، فإنه لا يدل في الحقيقة إلا على مبلغ تعلقه بالتصوف الحقيقي السليم وعلى مدى غيرته عليه أن يُدَنَّس بشيء من الزَّغْل والبدع والأباطيل"[1].
كان شيخ الإسلام عالما متفردا شديد الشكيمة، حتى أخص أحبائه وتلامذته كانوا يعرفون ذلك ويكرهونه له، لكن شخصية الرجل القوية وهيبته في نفوسهم منعت من أن يحوِّلوه إلى شيء من الاعتدال. لا أريد أن أُفيض في ذكر معاركه مع الشيخ الإمام تقي الدين السبكي فيما سمي بـ "مسائل ابن تيمية" وما اتُّهم به وأُلزِم من القول بالتجسيم، وما أُخِذ عليه من الاجتهاد الشاذ في الفقهيات، وما تنابز به مع خصومه الأشاعرة هو يسميهم جهمية وهم يسمونه وأصحابه حشوية. آخذ من الحنابلة أنفسهم شهادة ليضع كل ذي لُب واستقامة الأمور في نصابها والرجل في نسبيته الزمانية المكانية الظرفية الخلافية.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في ترجمة عِماد الدين الواسطي الذي كان يعظم ابن تيمية تعظيما كبيرا: "كان (أي الواسطي) هو وجماعة من أصحابه ربما أنكروا من الشيخ كلامه في بعض الأئمة الأكابر الأعيان، وفي أهل التخلي والانقطاع (يقصد الصوفية) ونحو ذلك. وكان الشيخ رحمه الله لا يقصد بذلك إلا الخير والانتصار للحق. وطوائف من أئمة أهل الحديث وحفاظهم وفقهائهم كانوا يحبون الشيخ ويعظمونه. ولم يكونوا يحبون له التوغل مع أهل الكلام ولا الفلاسفة، كما هو طريق أهل الحديث المتقدمين كالشافعي وأحمد(...). وكذلك كثير من العلماء من الفقهاء والمحدثين والصالحين، كرهوا له التفرد ببعض شذوذ المسائل التي أنكرها السلف على من شذ بها حتى إن بعض قضاة العدل من أصحابنا (الحنابلة) منعه من الإفتاء ببعض ذلك"[2].
ثم ينقل ابن رجب عن الذهبي قوله: "ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية. واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يُسبق إليها. وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا. وجسر عليها هو". جسارة ابن تيمية له لا عليه إن شاء الله الغفور الرحيم. فالرجل كان مع جسارته في الاجتهاد "دائم الابتهال، كثير الاستغاثة والاستعانة بالله، قوي التوكل ثابت الجأش" كما قال الذهبي تلميذه الجسور. رحم الله الجميع وهدى التلامذة الحرفيين لما فيه الخير.
شاهَدَ القَرنانِ السابع والثامن نهضة حديثية، من شيوخ الحفاظ فيها الإمام التقي السبكي خصْمُ ابن تيمية. سمع منه الحديث الجهابذةُ المزي والذهبي والبَرْزالي، ثم "جرهم" إليه الحافظ ابن تيمية في معركته. ومع هذا فهم جميعا كانوا أهل فضل وبَقوا أهل فضل. والذهبي اللامع في سماء الحفاظ والنقاد لم ينس شيخه السبكي ولم يتنكر له. وقد قال فيه: "الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء(...) كان صادقا ثبْتا خيراً دَيِّنا متواضعا حسن السمت من أوعية العلم"[3].
وقال فيه شعرا:
لِيَهْـنَ المنـبـر الأمَـوِيّ لـمـا علاه الحـاكم البحـر التقـي
شيوخ العصر أحفظهم جميعا وأخطبهـم وأقضـاهـم علـيُّ

وقال الهائم في ذكر ربه:
ومـا الـرب إلا حـاضـرٌ غيـر غـائـب وإن طـاح ذو الإلحـاد في هوة الجَحْدِ
إذا مــا تبــدى نــوره لـقـلــوبنــا محـا كـل ظـل للضــلالـة ممـتــدِّ
فلــولاه كـنــا هــائميـن بِمَهـمَــهٍ مـن الشك في ليل من الجهـل مُسْـوَدِّ
وليس بحـي مـن يـرى الحـق باطــلا ولكنـه من ظلمـة الجهــل في لحـد
أرى العـارفين السـابقين إلـى المَـدَى كثيــرين في المعنـى قليليـن في العـد
ونحـن أنـاس طـهــر الحـق ســرّنـا ففي الله ما نخفـي وفي الله ما نُبـدي
فإن كنت لا ترضى سوى الحق مطلبـا فيمِّمــه من بـاب التجــرد والزهــد
فمـا يستـفــاد الفــوْزُ دون مشقــة ولا تجتـنـى الراحـات إلا من الكــد
خـلـوت بنفسـي كـي تتـم سعـادتي فأجني ثمـار الفـوز من منبـت الجـد
ومـا أنا وَحْـدي حـين أٌعـرضُ عنـكم ولكن معي من ليـس يتـركني وحـدي

وقلت:
تَقـدَّم بِعــزْم تَقــدَّم بِصــدق وَوفِّ لِـربِّــك عـهــداً بـرِمْ
فَــربُّــك، جَـــلَّ، تأذَّن أن يَفـوزَ الوَفيُّ قَضـى أو غَنِــمْ
قَضى نَحبَهُ في حِيـاض المَنُون أوِ النَّصــرُ تـوَّجــهُ فَسـلِــمْ




[1] مجلة "منار الإسلام" رمضان 1408 ص 103.
[2] طبقات الحنابلة لابن رجب ج 2 ص 394.
[3] نقل ذلك ابن السبكي في "طبقات الشافعية" ج 6 ص 150.
[4] نفس المصدر ص 157.







رد مع اقتباس
قديم 20-11-2014, 03:51 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


غرباء ولكن سعداء غير متواجد حالياً


افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إيمان الصوفية عمرالحسني عقيدة أهل السنة والجماعة 0 19-11-2014 04:14 PM
عقبة الخلاف و الاختلاف عمرالحسني عقيدة أهل السنة والجماعة 0 19-11-2014 04:01 PM
الفقهاء تلامذة الصوفية عمرالحسني عقيدة أهل السنة والجماعة 0 19-11-2014 03:58 PM
الصوفية اسماعيل ابراهيم محمد عقيدة أهل السنة والجماعة 2 29-11-2009 12:34 AM
الشيخ الدويش يدعو عقلاء الأمة إلى نبذ الخلاف اسماعيل ابراهيم محمد رحيق الحوار العام 1 25-10-2009 04:47 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة