منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > عقيدة أهل السنة والجماعة
التسجيل مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-2014, 04:18 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عمرالحسني غير متواجد حالياً


افتراضي تلبيس إبليس

صبَحت عبارة "تلبيس إبليس" شِعاراً مرفوعا ضد التصوف والصوفية، حتى إن الشَّحنة النقديَّة التحامُلية التي في كتاب ابن الجوزي تركزَّت في هذا القُرْصِ المقتضب الضارب. في سمع عامة المتمسحين بالكتب الدينية، كثيرٍ منهم، الصوفيةُ هم تلبيس إبليس، وتلبيس إبليس هو التصوف. وكفى.
وأقُولُ: إن هذا بالإضافة إلى كونه جهلا مُطْبَقا ظلْمٌ لمؤلف الكتاب الفقيه الحنبلي الواعظ المحدث ذي التآليف الغزيرة. فقد أعلن هذا الفقيه الخصمُ المنغَلِقُ للصوفية أنه يذكر في كتابه "الشر" لا غيرُ، والتزم بمبدئه التزاماً دقيقا مُخلِصاً حتى إنه صور التصوف من ألفِه إلى يائه شَرا أسودَ محْضاً. فمن اعتمد على مثل هذه الكتب دون أن يسأل عن قصد المؤلف وباعِثه ظلَم نفسه وظلم المؤلف وظلم الناس.
قال ابن الجوزي في المقدمة: "فإِنَّ في تعريف الشر تحذيراًً عن الوقوع فيه. ففي الصحيحين من حديث حذيفة قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير. وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني"[1]. وما عدا الكاتبُ الفقيه منهجية السؤال عن الشر، فجمع أقوال الملاحظين المنصفين وأقوال المتحاملين وحكايات الشذاذ، واستقصى في ذلك استقصاءً. وألغى كل رأي مخالف للنظرة "الشرية"، ونشر المثالب والمعايب، معلنا أن آلتَه العقلُ و"مثال العقل العينُ، فإذا انفتحت وكانت سليمة رأت الشمس". ويقصد بالشمس الشريعة كما يراها الفقيهُ المفتي أحكاماً يتداولُها العقل عن النقل خارج الدوائر القلبية التي لا يحب الفقيه أن يسمع حتى عن خبر أبجديتها.
من السهل أن نصنف كتاب ابن الجوزي مع كتب "المثالب" المعروفة في الأدب العربي: مثالب الوزراء، مثالبُ العرب، مثالب العجم، إلخ، لولا أن كثيرا من المُخْزِيات التي أوردَها حقائق واقعيَّة، كانت ولا تزال، ولولا أن وجود هذه المخزيات الفاضحة يشكل طعنة في فؤاد الدين. كان يَظُن الفقيهُ الخصم المَبْدَئِيُّ أن مجرَّدَ فضح لعب إبليسَ بالناس كافٍ لصد هجماته. قال: "وإنما يصح له (أي إبليس) التَلصُّصُ في ليل الجهل. فلو قد طلع عليه صبحُ العلم افتضح". أما العلماء بما هو عليه أمر المتلصصين على الدين باسم التصوف، مثالان الغزالي وابن تيمية، فقد بلغ بهم الغضبُ على الملَبِّسين إلى الاستنجاد بالسيف لقطع دابر القوم الذين ظلموا.
وعالمٌ ثالث، هو حسن البنا ذو الأساس الصوفي المتين، مكنته صحبته الطويلة للصوفية من إدراك الواقع الصوفي في مصرِ القرن الرابع عشر بما له وما عليه، فأعطى صورة رفيقة للمسألة هوَّن فيها من شأن النقائص، ورأى أن إصلاح الطوائف الصوفية "سهل ميسور".
ونحن تتميَّز نفوسُنا غضبا على الدكاكين المتاجرة في الدين باسم التصوف، لكننَّا نسمع لسان "الخِطَّة العملية" كما سمعها حسن البنا، وهي لسانُ الرفق النبَوي والتؤدة. على أن يكون سيفُ الوازع السلطاني الإسلامي، في غد الإسلام، مُصْلَتا في الأفُق إرهابا لأعداء الله وأعدائنا، ومن أحقرهم وأشدهم فتكاً المُلَبِّسُون.
قال الأستاذ البنا رحمه الله بعد أن عرض "الصورة الأثرية" للصوفية الطائفية في عصره: "ومن واجب المصلحين أن يطيلوا التفكير في إصلاح هذه الطوائف من النّاس. وإصلاحُهم سهل ميسور، وعندهم الاستعداد الكامل لهُ. ولعلهم أقربُ الناس إليه لو وُجِّهُوا نحوه توجيها صحيحا. وذلك(...) لدراسة هذه المجتمعات (يعني الطرق الصوفية)، والإفادةِ من هذه الثرْوَةِ العلمية، وتخليصِها مما علِقَ بها، وقيادةِ هذه الجماهير بعد ذلك قيادةً صالحة"[2].
انفتح للبنا رحمه الله أفُقُ العمل الإسلامي الإحيائي، فتكلم بلسان المسؤولية. وعاش الغزالي، بعد سلوكه وفتحه، حسرتَه على ما رأى من انحرافات الملبسين الإبليسيين فأرسل زفراته من خلف جدران زاويته حيث كان يربي التربية الصوفية العلمية ثُلةً من المريدين.
قال في حق الإباحية والزناديق ومن على شاكلتهم، بعد أن ذكر الحديث النبَويَّ عن افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة: "وأما سبب ازدياد هذه الفرق، فإن الشيطان حسد الصوفية الذين هم أحسن الخلق، وكانوا غيرَ مبْتَلَيْنَ بأيَّة شهوة أو معصية. وحسدَ الفاسقين وقال: ولو أنهم من أسوءِ الخلق إلا أن باب الأمل مفتوح لهم. وهو أن يعلموا خطاياهم فينظرُوا في أنفسهم بعين النقصان ويتوبوا. فإذا تابوا فإن الله تعالى يقبل التوبة. )وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ( (سورة ص، الآية: 80).
"فلا بد من طريق لتلويث هؤلاء الطيِّبين بالمعاصي، وتعمية هؤلاء الفاسقين حتى لا يرَوْا شرورهم وآثامهم. فأراد أن يجمع بين الصوفية والفاسقين، فجاء قائلا للصوفية. لماذا تزجُرون أنفسَكم بلا فائدة! حيث إن الله لا يحتاج لشيء من طاعتكم، ولا يضره شيء من معصيتكم(...) فزجْرُ النفس ورَدْعُ الشهوات ليس إلا من الحمق .
"فلما أثَّرَتْ في قلوبهم هذه الوسوسَة وأمدَّتهم الطبيعة الحيوانية لطلب الشهوة أخذت ترسُخ وتستَحْكم حتى أخذوا بالمعاصي وأباحوا النساءَ والأولادَ، وكانوا في لَبْسِ ولباس الصوفية.
"(...) وفي الحقيقة إنهم أسوأ الخلق وأردأ الأمة. وعلاجُهم اليأس. ولا تفيدهم المناظرةُ ولا النصيحةُ. فمن الواجب استئصالهم وقمعُهم وإراقة دمائهم. ولا طريقَ سوى هذا في إصلاحهم. "يفعل الله بالسيف والسنان ما لا يفعل بالبرهان"[3].
أستغفر الله العظيم. فليست الطوائف الطرقية التي رأى الأستاذ البنا أنها أقرب الناس إلى الإصلاح من نوع الإباحية الذين نذَرَهم الإمام الغزالي للسيف. وإن في هذه الطوائف، قطعا وجزما، رجالاً صادقين وإن كان كل تجمع لا يخلو من منافقين.
لا، وليست طوائف مصرِ القرنِ الرابع عشر، على ما عند كثير منها من بدع، من صنف الطوائف الضالة المضلة التي ناظرها في شام القرن الثامن شيخ الإسلام ابن تيمية ثمّ نذَرها للسيف لَمَّا رأى، مثلما رأى قَبْله حجة الإسلام، أنه لا يُصلحها إلا السيف.
انبرى شيخ الإسلام لغزو الملَبِّسين في حملة من حملاته، فبارز طائفة من "البطايحية" المنتسبين، كما تنتسب الفرق الضالة للإسلام نفسه، إلى الإمام الرفاعي. ولم يعمِّم ابن تيمية حكمه على أهل تلك النسبة، بل أنصف، وميز بين الخبيث والطيب، ولم يواخذ السليم بجريرة المجذوم.
قال رحمه الله: "ويوجد في بعضهم التعبُّد، والتألُّه، والوَجْد (قلت: الوجد عند ابن تيمية محمدة وعند ابن الجوزي شيطنة. وشتان بين من يدري ومن لا يدري!) والمحبة، والزهد، والفقر، والتواضع، ولينُ الجانب، والملاطفةُ في المخاطبة والمعاشرةِ، والكشفُ، والتصرفُ ونحو ذلك"[4].
وقال عن الرديئين: "يوجد أيضا في بعضهم من الشرك وغيره من أنواع الكفر، ومن الغلُوِّ والبِدَعِ في الإسلام، والاعراضِ عن كثير مما جاء به الرسول، والاستخفاف بشريعة الإسلام، والكذب، والتلبيسِ، وإظهارِ المخارق الباطلة، وأكلِ أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله"[5].
كانت لشيخ الإسلام مع هؤلاء المشعوذين وقائعُ قصها في كلام مسجوع. وهذا نادر في نثر ابن تيمية، وكأنَّ أسجاعه أرجوزَةٌ من هذه الأراجيز التي كان العرب ينشدونها في ساحة الوغَى. كان الرجل الكبير، العالم المشارِك، من الخبرة والدِّراية والذوق والوجد بحيث يفرق بين كشف الصالحين وكراماتهم وتصرفهم وبين مخاريق أهل الباطل الباطلة. كان صيْرَفيّا ماهرا، في حدود ما قبلَ فتحه في السجن. ولم يكن ابن الجوزي، غفر الله لنا وله وجزاه عن حسن قصده، إلا جمَّاعا للأخبار.
قال شيخ الإسلام: "فمن معه ذهبٌ فَلْيأْتِ به إلى سوق الصرف. إلى عندِ الجهابذة الذينَ يَعرِفون الذهب الخالص من المغشوش"[6].
ولأنه كان صيرفيا جهَبَذاً وكان صادق الغيرة شجاعَ القلب خاض المعاركَ دفاعا عن الإسلام مع المنحرفين الماكرين الذين استحوذوا على عقول العامة والخاصة. قال: "وكانوا لِفرْطِ انتشارِهم في البلاد، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجنادِ، واستبدال أكثر الناس بالنُّور الظلامَ، وطموسِ آثار الرسول في أكثر الأمصارِ، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار، لهم في القلوب موقع هائل، ولهم (للملوك والأمراء) من الاعتقاد ما لا يزول بقول قائل"[7].
ومع صولتهم قارَعَهم بالحجة والمناظرة، حتى حضر معهم في بَلاطِ أمير البلد حيث ناشده أن يعمل فيهم بسيفه كما قرأنا في فصل سابق.
قال الإمام عبد القادر: "ويحك! إذا قلتَ "لا إله" فهي نفْيٌ كلي، و"إلا الله" إثبات كلي. له لا لغيره. فأيَّ وقت اعتمد قلبك على شيء غيرِ الحقِّ عز وجل فقد كذبت في إثباتك، وصار إلهك الذي اعتمدت عليه. لا اعتبارَ بالظاهر. القلب هو المومن، هو الموحد، هو المخْلِص، هو المتقي، هو الورِع، هو الزاهد، هو الموقِنُ، هو العارف، هو العامل، هو الأمير ومن سواه جنوده وأتباعه.
"إذا قلت: "لا إله إلا الله" فقل أولا بقلبك، ثم بِلسانك. واتكل عليه، واعتمد عليه سبحانه دون غيره. اِشْغَلْ ظاهرك بالحكم ( الشرعي )، وباطنك بالحق عز وجل(...)
"من عرفه سبحانه ذَلَّ له، وكلَّ لسانُه بينَ يديه، وتواضع له ولعباده الصالحين، وتضاعف همُّه وغَمُّه وبكاؤه، وكثر خوفه ووجله، وكثر حياؤه، وكثر ندمُه على ما تقدم من تفريطه، وتشدَّد حذره وخوفه من زوالِ ما عنده من المعرفة والعلم والقرب(...)
"من جملة العارفين، في الشذوذ والندور، من يأتيه الأمْنُ. يُتْلى عليه ما سبق له، يَعلَم بموئِله وما يكون مصيرُه إليه، يقرأ سرَّه وما له في اللوح المحفوظ. ثم يُطْلِعُ القلبَ على ذلك ويأمُرُه بكتمه وأن لا تطَّلِعَ النفس على ذلك. ابتداءُ هذا الأمر الإسلام وامتثال الأمر، والانتهاء عن النهي، والصبرُ على الآفات. وانتهاؤه الزهدُ فيما سوى الحق عز وجل"[8].
قال زائر أنكر ما بدَّل المبدلون ولبَّس الملبسون:
لا والذي حجَّـت قـريش بيتَـه مستقبلين الركـنَ من بَطحـائها
ما أبصرت عيني خيـامَ قبيلـة إلا ذكـرتُ أحبّـتـي بفِـنـائهـا
أمـا الخيـام فـإنها كخيـامهـم وأرى نسـاء الحي غيرَ نسـائها

وقال زاجر لنفسه، غير مغتر بتزْيينها:
وصَفْنَا طريق الصالحين وفعلَهم وما حظنـا إلا التزيُّـنُ بالوصف

وقال لائم لنفسه موبخ لها على قبيح اعوجاجها:
ومن العجائب أن تكون كما أرى وتظـن نفسـك فـائـزا مقـبـولا!
كيـف السبـيـل إلى نعيـم آجـل في حق من لم يستقـم في الأُولَى!

وقلت:
سيُسْفَعُ بِالنَّوَاصِي الكَـاذبَاتِ تَمَطَّتْ بِالنَّــوَادِي الْخَاطِئَــاتِ
يُـزَوِّرُ بَعْضُهُـمْ قَــوْلاً غُــرُوراً وَيلْبَسُ مَنْ مُسُـوحِ الْمَكْرُمَـاتِ
ذِئــابٌ في ثِـيــابٍ لَوْ تَــرَاهُمْ نُكُوسَ الرَّأْسِ منْ بَعْدِ المَمَـاتِ




[1] تلبيس إبليس ص 12.
[2] المذكرات ص 17.
[3] رسائل حجة الإسلام الغزالي ص 147-148.
[4] الفتاوي ج 11 ص 446.
[5] المصدر السابق نفس الصفحة.
[6] المصدر السابق ص 448.
[7] المصدر السابق ص 456.
[8] الفتح الرباني ص 74-75.







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الخميني روح إبليس الشاذ يغتصب * إبنة إبنة إبنته* محمد الاسمر عقيدة أهل السنة والجماعة 2 21-11-2010 11:14 PM
حتي إبليس هاجر من مصر سلسبيل الخير المسابقات والعجائب والغرائب والطرائف 9 15-08-2010 04:07 PM
لماذا سمي إبليس إبليسا...؟؟ سلسبيل الخير رحيق الحوار العام 10 04-12-2009 04:28 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة