السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
إدراك المفهوم يضبط السلوك.مما هو ثابت لا مراء فيه أن الفكر نتاج العقل وهذا يعني أن الفكر هوحكم العقل على الواقع ، والسلوك هنا إنما هو سلوك الانسان سواء بشكل فردي أم بشكل جماعي ، فحكم العقل على أن التفاح يشبع؛ فكر وطريقة الحصول على التفاحة سلوك ينبغي له ضوابط معينة للحصول على التفاحة ، والقول بأن الله خالق الكون والانسان والحياة فكر وطاعته والائتمار بأمره والانتهاء عن نهيه سلوك ، وفكر الانسان إن لم يصبح مفهوما فأنه لا يؤثر في سلوكه بل يبقى مجرد معلومة أو معرفة ومن هنا
كان من اللازم أن يصبح الفكر مفهوما حتى يضبط السلوك والا كان الفكر مجرد معلومات أو مجموعة من المعارف ، ولزومية ضبط سلوك الانسان تحتمها طبيعة عيش الانسان فهو لا يحيا في هذه الدنيا بمعزل عن غيره من أقرانه بل يعيش ضمن مجتمعات بشرية لا تستغني عن مبادلة حاجاتها وجهودها مع بعضها البعض وبالتالي لا بد أن تكون هنالك ضوابط محددة لهذه الجماعة البشرية أو تلك وإلا فإن صراعات دموية سوف تنشب جراء السلوك الغير منضبط حين الاشباع ولن يجني الانسان من ذلك الا ضنك العيش والشقاء والظلم.
والفكر حتى يصبح مفهوما لا بد من ادراك معناه فمثلا قولنا أن مبدأ الاسلام بعد البحث في أي المبادئ أحق وأنجع في تنظيم شؤن الناس؟ هو وحده الأحق والأنجع هذا مجرد حكم أي فكر ومجرد معلومة ومجرد معرفة لا يندفع حاملها لإيجاد المبدأ الاسلامي في واقع الحياة الا إذا تصور معنى كون وجوب تطبيق الاسلام في واقع الحياة وحتى يتأتى هذا التصّور لا بد أولا من الاقتناع التام بأساس الاسلام أي عقيدته وهذا يعني أن يكون المعتقد هذا مبني على العقل وموافق للفطرة ذلك أن المعتقد هو من ينشأ المفهوم بالاصالة ، فالمعتقد إن كان مستوفيا شرائط صحته أمكن الانسان أن يطمئن لإجاباته عن تساؤلاته الفطرية وبالتالي فأنه يعتبر أي المعتقد اساسا في إنشاء المفهوم وترسيخه بشكل يضبط السلوك ضبطا لا يتنافى مع بعض الحقائق التي جُبل عليها الانسان ، وتجدر الاشارة هنا أن المعتقد هذا سيكون بحد ذاته وجهة النظر التي سيسير وفقها هذا الانسان في الحياة وبالتالي هي مقياس أعماله فحلالها يحل للأنسان أن يقوم به، وحرامها حرام على الانسان أن يقوم به ، ثم لا بد من تصور ماهية الاحكام الشرعية التي جاء بها الاسلام وتعلمها وأخذها على أساس روحي كزاد لا غنى عنه في تكوين المفهوم الذي يدفع صاحبه للعمل لإيجاده واقعا حقيقيا ينظم مختلف جوانب الحياة .
ومن هنا كان لزاما على حملة الاسلام ادراكه ادراكاعمليا بعد الايمان باسسه ايمانا لا يعتريه أي ارتياب وهذا يقتضي حتى يكون الايمان قادرا على تكوين المفهوم ؛ الايمان كذلك بمقتضيات هذا الايمان لأن الايمان لا يكتمل الا بها ولن يكون محفزا على ايجاد المفهوم لدى الانسان الا بوجود هذه المقتضيات الى جانب الايمان بأساس المبدأ إذن فالايمان باساس مبدأ الاسلام أي الايمان بالله خالقا للكون والانسان والحياة يعني كذلك الايمان بأنه سبحانه واجب الطاعة وأنه الحسيب الرقيب على أفعال العباد، وأن الحياة والموت والنصر والرزق بيده وحده .
ومن هنا كان حملة الاسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ادركوا تماما وجوب حمل الاسلام فلم يكتفوا بحد معين من هذا الادراك بل كانوا دوما يعززون إدراكهم للأسلام من خلال ديمومة تقوية الصلة بالله وملازمتهم لرسول الله الذي ما فتأ يمكن الاسلام من نفوسهم فيعلمهم أحكام دينهم على أساس روحي حتى ساروا خدمة للأسلام فسطروا أروع الامثلة في حمله والتضحية في سبيل إهداءه للبشرية وكان يمثل بالنسبة لهم المادة الوحيدة والاكيدة للتغيير على نحو تحفظ فيه كرامة الانسان ويسعد في هذه الدنيا بتحقيق رضوان الله عليه .
ومن الجدير ذكره أن تخلف بعض المسلمين وتقصيرهم في حمل الاسلام لتطبيقه في حياة المسلمين ومن ثم حمله رسالة الى العالم ؛ إنما يرجع لسبب عدم ادراكهم وجوب حمله أولا ثم عدم ادراك كيفية معالجته لمشاكل الانسان في هذه الحياة ، وإدراك هاتين الناحيتين لا يعني البتة مجرد المعرفة فالكثيرين من المسلمين يعرفون وجوب حمل الاسلام ويعرفون أنه يعالج المشاكل ولكنها على أي حال مجرد معرفة لا بد لها وأن تدرك حتى تصبح مفهوما والا فأن العمل الحقيقي والجاد لإيجاد الاسلام في واقع الحياة سيبقى مقتصرا على اؤلئك الذين أدركوا معنى كون الاسلام يجب أن يحمل وأن يطبق في ارض الواقع وبالتالي هم يدركون أيضا قيمة هذا الادراك ونتائجه في الدنيا والاخرة بشكل يجعلعهم يسخرون طاقاتهم وأوقاتهم بل ومهج حياتهم في سبيل هذه الغاية العظيمة التي وهم يعملون لها يتمثلون قول الحق سبحانه :
( وابتغ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا ، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين ).
إن الادراك الحقيقي للأسلام يعني الاضطلاع بمسؤلياته وتبعاته وهذا يقتضي النزوع الى الكمال وعدم الاكتفاء بحد معين من الادراك بل لا بد من تعزيز هذا الادراك وجعله حيويا في كل الاحيان وذلك بدوام تمثله في مختلف جوانب حياة من أدركه لأن للأكتفاء بحد معين من الادراك انعكاسا طبيعيا على العمل لربما أدى الى التقاعس فيه او حتى تركه ، وتعزيز الأدراك يعني التنقيب عن كل ما عساه قد علق بالمفهوم حتى يظل صافيا نقيا مع التصور الدائم أن حمل الاسلام تكليف رباني سنسأل عنه بين يدي الله سبحانه لأن في ذلك ضمانة النجاح والاستمرار وقد قال الله سبحانه:
(وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف ُتسألون )
وهنا أعظ نفسي اولا ثم حملة الاسلام الى ضرورة الإكثار من إخراج هذا الادراك الى الناس وتمثله بالتعاطي دعويا مع أبناء المسلمين وفق طريقة الاسلام في الدعوة ليس فقط لأن حمل الدعوة فرض بل بهدف ديمومة العمل وتعزيز الادراك لأن تذكير المسلمين بالله وبحقه سبحانه علينا يعني التذكير للنفس وصدق الحق سبحانه حين قال (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم )
والحق أن حامل الدعوة في كل مرة يجلس فيها الى أحد أبناء المسلمين داعيا ومنذرا ومبشرا فأنه يتذوق حلاوة حمل الدعوة ويسيطر عليه الامل الكبير برضا الله عنه فيضمن لنفسه تعزيز إدراكه للأسلام ودوام حمله .
وفي الخاتمة فأن العلامة الدالة على إدراك كون الاسلام هو الاقدر والأنجع في حل المشكلات تقتضي السير وفق نقاط عشر حين العمل لتحقيق هذه الفكرة وهذه النقاط بحد ذاتها مفاهيم لا بد من دوام مذاكرتها والاطلاع على أدلتها لتكون حافزا لتجسيد الادراك في أرض الواقع فإليكموها بالمختصر :
1/ الاسلام هو الصحيح فقط .
2/ أن يحمل الاسلام قيادة فكرية .
3/ السيادة لمبدأ الاسلام .
4/التحدي للأفكار الفاسدة والغريبة عن الاسلام .
5/ لا هوادة ولا تساهل مع أي شيئ يناقض الاسلام .
6/ الاستحضار الدائم للقاعدة العملية .
7/ تصحيح العقائد وتمكينها من النفوس وبيان بطلان المعتقدات الفاسدة .
8/ أحكام الاسلام الظنية صواب يحتمل الخطأ .
9/ التقيد بطريقة الرسول عليه السلام في التغيير .
10/ الحرص على الغاية والاهداف حين العمل .
وبالتلبس بالنقاط العشر هذه يكون المسلم قد أدرك معنى كون الاسلام الأقدر والأنجع على حل مشاكل الانسان و يكون سلوكه منضبطا بمفاهيمه عن الاسلام وهذا ما ينبغي لمن يحمل الدعوة بحق وصدق الله العظيم حيث يقول :
( قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) .
الراجي رحمه ربه تراب