منتديات شو ون شو  

العودة   منتديات شو ون شو > مــنــــتـــدى الــعــــلـــوم الإســــــلامـــــيـــــــــة > السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى
التسجيل مشاركات اليوم البحث

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 29-12-2008, 08:52 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


طارق أبو الحسن غير متواجد حالياً


افتراضي الفارق من معالم ترجمة الإمام جعفر الصادق

للشيخ علي الشبل
اسمه ونسبه:
هو الإمامُ جعفرُ بنُ محمدِ بنِ علي زين العابدين بنِ الحسينِ السبط بن الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوج ابنته فاطمة البتول رضي الله عنها وأرضاها.

هذا نسبهُ من جهةِ أصولهِ ، ومن جهةِ أخوالهِ فهو ابنُ أبي بكر الصديق أفضلُ أولياءِ اللهِ ، وصحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين ، حيث كان جعفرُ الصادقُ يقولُ : ولدني أبو بكر الصديق مرتين .

وذلك أن أمَهُ هي : أمُ فروة بنتُ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق . وأمها -أي جدتهُ من قِبلِ أمهِ - هي أسماءُ بنتُ عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، فإذا كان هؤلاءِ أخوالهُ ، وهذا الصديقُ جدهُ من الجهتين فلا يتصورُ في مثلِ جعفر بن محمد وهو من هو في دينهِ وقربهِ من الأصلِ النبوي ، أن يكون شاتماً أو مبغضاً أو حاقداً على جدهِ ، إذ لا تُقرهُ مروءتُهُ وشيمتُهُ وعروبتُهُ فضلاً عن دينهِ وكمالِ علمهِ وفضلهِ .

ولد سنةَ ثمانين من الهجرةِ ، وتوفي سنةَ 148هـ وعمرهُ ثمانٌ وستون سنةٍ ، وبالمدينةِ ولادتُهُ ووفاتُهُ .

لقبه:
لقب جعفرُ بنُ محمدٍ بالصادقِ ، وغلب هذا اللقبُ عليه ، فلا يكادُ يذكرُ إلا وانصرف إليه ؛ وسببُهُ أنهُ كان صادقاً في حديثهِ وقولهِ وفعلهِ ، لا يُعرفُ عنه سوى الصدق ولم يُعرف عنه كذبٌ قط .

بأبيهِ اقتدى عديٌّ بالكرمِ * * * * ومن يُشابِهُ أباهُ فما ظلم
حيث جده هو الصديقُ الذي نزل فيه قولُهُ تعالى في آخرِ التوبةِ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " [ التوبة : 119 ] .

وقد اشتهر لقبهُ هذا بين المسلمين ، وكثيراً ما يلقبُهُ به الشيخُ ابنُ تيميةَ وغيرُهُ .

ومن ألقابِهِ الإمامُ وهو جديرٌ به ، والفقيهُ . وليس هو بالمعصومِ كما يطلقهُ عليه مخالفوهُ ، لأنهُ نفاها عن نفسهِ ، وليست العصمةُ لأحدٍ إلا لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فيما بلغهُ عن ربهِ .

أولاده:

الإمامُ جعفرُ الصادق من أكثرِ آبائِهِ أولاداً ، فقد خلف من الأبناءِ :

1 - إسماعيلُ وهو أكبرُهم ، وقد مات في حياتهِ سنةَ 138 هـ ، وأرث ابناً اسمه محمدُ بنُ إسماعيل ، وله بنون كثيرون متناسلون .
2 - عبدُ اللهِ ، وبه كان يكنى .
3 - موسى الملقبُ بالكاظمِ ، وهو الإمامُ بعد أبيه عند الاثني عشريةِ . وفيه اختلفتُ الإماميةُ مع الإسماعيليةِ حول إمامتهِ : بين موسى الملقب بالكاظمِ وإسماعيل سالفُ الذكرِ .
4 - إسحاقُ .
5 - محمدُ .
6 - علي .
7 - فاطمةُ .

أهم شيوخه:

أخذ جعفرُ بنُ محمدٍ الصادق عن عاليةٍ من العلماءِ العلمَ والحديثَ ، حيث أدرك أواخرَ الصحابةِ ؛ منهم سهلُ بنُ سعدٍ الساعدي ، وأنسُ بنُ مالك رضي اللهُ عنهما .

وأكثر الروايةَ عن أبيهِ محمدِ بنِ علي الباقر وهو ثقةٌ فاضلٌ ، روى له الجماعةُ ، مات سنةَ مائة وبضعة عشرة . وأكثرُ رواياتهِ من طريقِ أبيهِ عن جدهِ الحسينِ بنِ علي أو علي بنِ أبي طالب عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم ، وهي أعلى مروياتهِ سنداً ، وهي أمثلُ نماذجِ روايةِ الأبناءِ عن آبائهم !

ومن شيوخهِ سيدُ التابعين عطاءُ بنُ أبي رباحٍ ، وعن محمدِ بنِ شهابٍ الزهري ، وعن عروةَ بنِ الزبير ، وعن محمدِ بنِ المنكدر ، وعن عبدِ الله بنِ أبي رافع ، وعكرمةَ مولى أبنِ عباس .

كما روى عن جدهِ القاسمِ بنِ محمدِ بنِ أبي بكر ، وأكثرُ شيوخهِ من علماءِ المدينةِ .

وهؤلاءِ كلهم أئمةٌ ثقاتٌ أهلُ ديانةٍ وصدقٍ وأمانةٍ وعدالةٍ رحمهم اللهُ .

أبرز تلاميذه:
أخذ عنه العلمَ روايةً وفقهاً جمعٌ كبيرٌ من العلماءِ الحفاظِ الثقاةِ من أشهرِهم :

يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاري القطان ، ويزيدُ بنُ عبدِ الله بنِ الهاد الليثي المدني ، وهو أكبرُ من جعفر ، ومات قبله بعشرِ سنين ، وعبدُ الملك بنُ عبدِ العزيز بنِ جريج ، وهو من أقرانهِ، وأبانُ بنُ تغلب ، وأيوبُ السختياني ، وأبو عمرو بنُ العلاء ، ومالكُ بنُ أنسٍ الأصبحي إمامُ الهجرةِ ، وسفيانُ الثوري ، وشعبةُ بنُ الحجاجِ إمامُ النقادِ ، وسفيانُ بنُ عيينةَ ، ومحمدُ بنُ ثابتٍ البناني ، وغيرهم كثيرٌ ، لكن منهم المتفقهُ عليه والراوي عنه والمجالسُ له وهم : مالك وأبوحنيفة خصوصاً .

وروى له جماعةُ الكتبِ الستةِ إلا البخاري فلم يخرج لهُ في صحيحهِ بل في غيرهِ .

وقد كان رحمهُ اللهُ ثقةً صدوقاً إماماً فقيهاً .

كرمه وسخاؤه:
بلغ في الكرمِ شأناً عظيماً ، ومبلغاً كريماً ، وليس بغريبٍ عليه وعلى بيتهِ النبوي الكريمِ ، وجدهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم كان أجودَ من الريحِ المرسلةِ شهدت له المواقفُ العديدةُ في المدلهماتِ والغزواتِ وغيرها بالكرمِ البالغِ الذي لا يخشى معه الفقرَ عليه الصلاة والسلام .

وأما جعفرُ بنُ محمد الصادق رحمة اللهُ عليه فمما جاء في كرمهِ وبذلهِ ما رواه تلميذهُ هياجُ بنُ بسطام التميمي قال : كان جعفرُ بنُ محمدٍ يُطعِمُ حتى لا يبقى لعيالهِ شيءٌ .

وهذا عطاءُ من لا يخشى الفقرَ .

وروي أنهُ لما سئل عن علةِ تحريمِ الربا فقال : لئلا يتمانع الناسُ المعروفَ ، وهذا يدلُ على أريحيةِ نفسٍ وسخائها.

وذكروا عنه أنه كان يمنعُ الخصومةَ بين الناسِ ، بتحملهِ الخسائر على نفسهِ وإيثارِ الصلح بينهم .

كما ذكروا عنه أنهُ شابه جدهُ علي بن الحسين زين العابدين رضي اللهُ عنه في الإنفاقِ سراً ، وذلك أنهُ إذا كان الغلسُ في الليلِ حمل جراباً فيه خبزٌ ولحمٌ ودراهمٌ على عاتقهِ ، ثم وزعهُ على ذوي الحاجاتِ من فقراءِ المدينة ، دون أن يعلموا به ، حتى مات ، وظهرت الحاجةُ فيمن كان يعطيهم بعد موتهِ .

فرحمةُ اللهِ عليه وإني لأرجو أن يكونَ فيمن يقولُ اللهُ فيهم : " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [ الحشر : 9 ] .

حكمته وسعة فهمه:

أكثر مترجموا الإمامِ جعفر الصادق من نقلِ حِكمِهِ ، وأجوبتهِ المسكتةِ للأسئلةِ المشكلةِ ، تلك الأجوبةُ التي تبينُ عن سعةِ علمهِ وبعد فهمهِ ، وما حباهُ اللهُ به من سرعةِ البديهةِ ، واللسانِ المفصحِ عن جوامعِ المعاني ، وفقههِ لمقاصدِ التشريعِ وأسرارهِ ، وهو فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ .

فقد سألهُ تلميذهُ سفيانُ الثوري بمكةَ في موسمِ الحجِ ، فقال : قَدِمْتُ مَكَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ قَدْ أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ ! لِمَ جُعِلَ المَوْقِفُ مِنْ وَرَاءِ الحَرَمِ ، وَلَمْ يُصَيَّرْ فِي المَشْعَرِ الحَرَامِ ؟ فَقَالَ : الكَعْبَةُ بَيْتُ اللهِ ، وَالحَرَمُ حِجَابُه ، وَالمَوْقِفُ بَابُه ، فَلَمَّا قَصَدَه الوَافِدُوْنَ ، أَوْقَفَهَم بِالبَابِ يَتَضَرَّعُوْنَ ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُم فِي الدُّخُولِ ، أَدْنَاهُم مِنَ البَابِ الثَّانِي وَهُوَ المُزْدَلِفَةُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ تَضَرُّعِهِم ، وَطُولِ اجْتِهَادِهِم ، رَحِمَهُم ، أَمَرَهُم بِتَقْرِيْبِ قُربَانِهم ، فَلَمَّا قَرَّبُوا قُربَانَهم ، وَقَضَوْا تَفَثَهُم ، وَتَطَهَّرُوا مِنَ الذُّنُوْبِ الَّتِي كَانَتْ حِجَاباً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُم ، أَمَرَهُم بِزِيَارَةِ بَيْتِه عَلَى طَهَارَةٍ . قَالَ : فَلِمَ كُرِهَ الصَّومُ أَيَّامَ التَّشرِيْقِ ؟ قَالَ : لأَنَّهم فِي ضِيَافَةِ اللهِ ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الضَّيفِ أَنْ يَصُوْمَ عِنْدَ مَنْ أَضَافَه .


وروى أبو نعيم في الحليةِ بسندهِ إلى أحمدَ بنِ عمرو بنِ المقدم الرازي قال : وقع الذبابُ على المنصور - أبي جعفر الخليفةِ العباسي - فذبهُ عنهُ ، فعاد فذبهُ حتى أضجرهُ فدخل جعفرُ بنُ محمدٍ عليه ، فقال المنصورُ : يا أبا عبدِ اللهِ لِمَ خَلَقَ اللهُ الذُّبَابَ ؟ قَالَ : لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَابِرَةَ .


وقال جعفرُ الصادق لتلميذهِ سفيانَ الثوري : لاَ يَتِمُّ المَعْرُوْفُ إِلاَّ بِثَلاَثَةٍ : بِتَعجِيْلِه ، وَتَصْغِيْرِه ، وَسَترِه .

وروى تلميذهُ عَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ - وهو صدوقٌ رمي بالتشيعِ - أن جعفرَ الصادق قال : لاَ زَادَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقوَى ، وَلاَ شَيْءَ أَحْسَنُ مِنَ الصَّمتِ ، وَلاَ عَدوَّ أَضرُّ مِنَ الجَهْلِ ، وَلاَ دَاءَ أَدْوَأُ مِنَ الكَذِبِ .

وقال مرةً يوصي ابنهُ موسى ( الكاظم ) : يَا بُنَيَّ ! مَنْ قَنعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ ، اسْتَغْنَى ، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِه ، مَاتَ فَقِيْراً ، وَمَنْ لَمْ يَرضَ بِمَا قُسِمَ لَهُ ، اتَّهمَ اللهَ فِي قَضَائِهِ ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ غَيْرِه ، اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ نَفْسِه ، وَمَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِه ، انكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ، قُتِلَ بِهِ ، وَمَنِ احْتَفَرَ بِئْراً لأَخِيْهِ ، أَوقَعَهُ اللهُ فِيْهِ ، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ ، حُقِّرَ ، وَمَنْ خَالطَ العُلَمَاءَ، وُقِّرَ ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ ، اتُّهِمَ .

يَا بُنَيَّ ! إِيَّاكَ أَنْ تُزرِيَ بِالرِّجَالِ ، فَيُزْرَى بِكَ ، وَإِيَّاكَ وَالدُّخُوْلَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيكَ ، فَتَذِلَّ لِذَلِكَ .

يَا بُنَيَّ ! قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيْكَ، تُسْتَشَارُ مِنْ بَيْنِ أَقْرِبَائِكَ ، كُنْ لِلْقُرْآنِ تَالِياً ، وَللإِسْلاَمِ فَاشِياً ، وَللمَعْرُوْفِ آمِراً ، وَعَنِ المُنْكرِ نَاهِياً ، وَلِمَنْ قَطَعَكَ وَاصِلاً ، وَلِمَنْ سَكَتَ عَنْكَ مُبتَدِئاً ، وَلِمَنْ سَألَكَ مُعطِياً ، وَإِيَّاكَ وَالنَّمِيْمَةَ ، فَإِنَّهَا تَزرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي القُلُوْبِ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِعُيُوْبِ النَّاسِ ، فَمَنْزِلَةُ المُتَعَرِّضِ لِعُيُوبِ النَّاسِ ، كَمَنْزِلَةِ الهَدَفِ ، إِذَا طَلَبْتَ الجُوْدَ ، فَعَلَيْكَ بِمَعَادِنِهِ ، فَإِنَّ لِلْجُوْدِ مَعَادِنَ ، وَللمَعَادِنِ أُصُوْلاً ، وَللأُصُوْلِ فُرُوعاً ، وَلِلفُرُوعِ ثَمَراً ، وَلاَ يَطِيْبُ ثَمَرٌ إِلاَّ بِفَرعٍ ، وَلاَ فَرعٌ إِلاَّ بِأَصلٍ ، وَلاَ أَصلٌ إِلاَّ بِمَعدنٍ طَيِّبٍ ، زُرِ الأَخْيَارَ ، وَلاَ تَزُرِ الفُجَّارَ ، فَإِنَّهُم صَخْرَةٌ لاَ يَتَفَجَّرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخضَرُّ وَرَقُهَا ، وَأَرْضٌ لاَ يَظْهَرُ عُشْبُهَا .


ومن سرعةِ بديهتهِ وموفورِ حكمتهِ أن أصحابَهُ سألوهُ مرةً : لِمَ حَرَّمَ اللهُ الرِّبَا ؟ قَالَ : لِئَلاَّ يَتَمَانعَ النَّاسُ المَعْرُوْفَ .

وهذا في الحقيقةِ من فواتحِ اللهِ له في معرفةِ مقاصدِ الشرائعِ . وهذا لا يحصلُ بالتكسبِ والتعليمِ - لكنه فضلٌ يهبهُ اللهُ لمن شاءَ من عبادهِ ، وربنا ذو فضلٍ عظيمٍ .

ومن النوادرِ في أجوبتهِ المسكتةِ الحاضرةِ ما نقلهُ صاحبُ ربيعِ الأبرارِ : أن رجلاً قال لجعفر الصادق بن محمد : ما الدليلُ على اللهِ ؟ ولا تذكر لي العالمَ والعرضَ والجوهرَ ، فقال له : هل ركبت البحر ؟ قال : نعم ، قال : هل عصفت بكم الريحُ حتى خفتم الغرق ؟ قال : نعم ، قال : فهل انقطع رجاؤك من المركبِ والملاحين ؟ قال : نعم ، قال : فهل تتبعت نفسك أن ثَمّ من ينجيك ؟ قال : نعم ، قال : فإن ذاك هو اللهُ ، قال الله تعالى : " وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ " [ الإسراء : 67 ] ، " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ " [ النحل : 53 ] .

ولذا نص أبو حنيفة على أنه لم ير أفقه من جعفر بن محمد .

هيبته:
رزق اللهُ الإمامَ الصادقَ مع كريمِ سجاياه وتواضعهِ هيبةً ووقاراً ، خضع له به أكبرُ ملوكِ الأرضِ في وقتهِ وهو الخليفةُ العباسي أبو جعفر المنصور ؛ حيث روى شمسُ الدين الذهبي بسندهِ إلى الفضلِ بنِ الربيع عن أبيهِ قال : دعاني المنصور فقال : إِنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يُلحِدُ فِي سُلْطَانِي، قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ . فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ . فَتَطَهَّرَ ، وَلَبِسَ ثِيَاباً - أَحْسِبُهُ قَالَ : جُدُداً - فَأَقبَلْتُ بِهِ ، فَاسْتَأْذَنتُ لَهُ ، فَقَالَ : أَدخِلْهُ ، قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلاً ، قَامَ مِنْ مَجْلِسِه ، فَتَلَقَّاهُ ، وَقَالَ : مَرْحَباً بِالنَّقِيِّ السَّاحَةِ ، البَرِيْءِ مِنَ الدَّغَلِ وَالخِيَانَةِ ، أَخِي وَابْنِ عَمِّي . فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِه ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ ، وَسَأَلَه عَنْ حَالِه ، ثُمَّ قَالَ : سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ . فَقَالَ : أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ قَدْ تَأَخَّرَ عَطَاؤُهُم ، فَتَأْمُرَ لَهُم بِهِ . قَالَ : أَفْعَلُ . ثُمَّ قَالَ : يَا جَارِيَةُ ! ائْتِنِي بِالتُّحْفَةِ . فَأَتَتْهُ بِمُدْهنٍ زُجَاجٍ فِيْهِ غَالِيَةٌ ، فَغَلَّفَه بِيَدِهِ ، وَانْصَرَفَ . فَاتَّبَعْتُه ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ ! أَتَيْتُ بِكَ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَاتِلُكَ ، فَكَانَ مِنْهُ مَا رَأَيْتَ ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الدُّخُولِ ، فَمَا هُوَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُمَّ احرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ ، وَاكْنُفْنِي بِرُكنِكَ الَّذِي لاَ يُرَامُ ، وَاحْفَظْنِي بِقُدرَتِكَ عَلَيَّ ، وَلاَ تُهلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي ، رَبِّ كَمْ مِنْ نَعمَةٍ أَنْعَمتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكرِي ، وَكَم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَهَا عِنْدَك صَبْرِي ؟ فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعمَتِه شُكرِي ، فَلَمْ يَحرِمْنِي ، وَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ بَلِيَّتِهِ صَبْرِي ، فَلَمْ يَخْذُلْنِي ، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى المَعَاصِي ، فَلَمْ يَفضَحْنِي ، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُحصَى أَبَداً ، وَيَا ذَا المَعْرُوْفِ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً ، أَعِنِّي عَلَى دِيْنِي بِدُنْيَا ، وَعَلَى آخِرَتِي بِتَقْوَى ، وَاحفَظْنِي فِيْمَا غِبتُ عَنْهُ ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فِيْمَا خَطَرتُ ، يَا مَنْ لاَ تَضُرُّه الذُّنُوبُ ، وَلاَ تَنقُصُه المَغْفِرَةُ ، اغْفِرْ لِي مَا لاَ يَضُرُّكَ ، وَأَعْطِنِي مَا لاَ يَنْقُصُكَ ، يَا وَهَّابُ ! أَسْأَلُك فَرَجاً قَرِيْباً ، وَصَبراً جَمِيْلاً ، وَالعَافِيَةَ مِنْ جَمِيْعِ البَلاَيَا ، وَشُكرَ العَافِيَةِ . اهـ.

وهذا الذي وقع له - فأبدل اللهُ قلبَ خصمهِ من السخطِ حباً ، والبعدَ قرباً - هو كرم اللهُ وعنايتهُ ولطفهُ بأوليائهِ ، مع ما كان بين العباسِ وآلِ علي بنِ أبي طالب من الأمورِ العظامِ التي لا يناسبها هذا التكريم لأحدِ كبرائهم، فسبحان من جعل القلوبَ بين إصبعين من أ صابعهِ يقلبها كيف يشاءُ .







التوقيع

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإمام الباقر وابنه جعفر الصادق رضي الله عنهما يعرب السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 3 02-11-2014 11:51 AM
الفرق بين قوله تعالى ( يغفر لكم من ذنوبكم )و قوله ( يغفر لكم ذنوبكم )؟ المحبة لله القرآن الكريم وعلومه وتلاواته وإعجازه وقضاياه 1 23-11-2010 02:58 PM
مناظرة بين الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه و أحد الرافضة admin السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 0 07-06-2010 01:13 PM
التحذير من مظالم العباد نردينيا رحيق الحوار العام 4 09-08-2009 09:29 AM
الموجز الفارق من معالم ترجمة جعفر الصادق مجد الغد السيرة النبويه الشريفة وأحوال الصحابة والتاريخ الإسلامى 3 31-12-2008 12:31 AM


Loading...

الاتصال بنا - منتديات شو ون شو - الأرشيف - الأعلى

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة