لنتجنب التشدد ولنختر من الوسطية سبيلا
بقلم /محمّد العراقي
عندما نتصفح أخبار التاريخ التي تورد لنا أخبار سابقينا من بني جلدتنا بشتى الحقب والمراحل وعندما نتدارس بتخصص بشان فقرات معينة تتعلق بما يشابه أحوالنا لنستفيد من الدرس لنعتبر بما جرى لأسلافنا حول مسالة التعايش مثالا وكيف كان التقبل للآراء وما أصداء بعض تلك الآراء عندما تحول إلى قسما منها إلى فتن وجر المجتمع إلى صراعات مؤسفة دامية أزهقت فيها الأرواح وتضرر صالح الأمة ومجتمعاتها غير مرة ولم يستفد أحد من إثارة النعرات والخلافات التي أوقدتها آراء متطرفة في أي اتجاه فالفتن نائمة دوما وملعون من يوقظها فالأمر محظور حتى لمن لم يقصده كون ذلك يعد خوضا في غير محله وجب على المسلم تجنبه أصلا وترك ذلك الأمر بأيدي أمينة تولي ذلك من خلال الاختصاص والمسؤولية وهم العلماء الإجلاء من الملزمين أمام الله بالتقيد بعدم إثارة مواضيع تشق الصفوف حين يطرح آراء متطرفة ومنحازة ويتشدد بها قاصدا من خلال ذلك إحداث فتنة قد تجر إلى سجال وصراع حاميين قد تتنامى بذور الشر التي بذرت بذلك بين مناصريه ومعارضيه وهنا وجب الوقوف على اصل كل ذلك وهو كيفية حصول الخلافات في كل مرة وأسبابها ودواعيها أما عن تداعياتها فهي المعروفة لنا جيدا ولم تبتلى أمة بقد ما ابتلينا بها.
ولو تفكرنا بسبب تواتر تلك الفتن المتوالية التي تندلع على حين غرة سنرى أن لها جذورا زرعها لنا الأعداء فكانت كالطفيليات الضارة الخبيثة التي تطفلت على تربة وقاعدة امتنا الحبيبة ومنها من انبت وتم اقتلاعه فور إنباته ومنها ما قطع قبيل أن ينتج شروره ومنها ما اصبح عضالا مستديما كمسالة التشيع التي شقت الصفوف ومنطلقها بالخلاف حول الحكم ومؤداها بصراعات تنافسية وخلافية تسبب بمحن وويلات أضرت بصالح الأمة حد أيامنا الراهنة وستبقى إلى الأبد إن لم يتم معالجتها بشجاعة من الطرفين تفيض إلى حل ذلك الصراع بحوار مجدي مسؤول وذي ضوابط وإلزام بالحجج بين حكماء الأمة وليس جهالها .
وقد يكون خلاف اتباع ومناصري مذهب التشيع مع نظرائهم في المذهب الأم من أهل السنة خطيرا ولكنه سيبقى قابلا للحلول ومحل حوار حين يوكل لمن أسلفنا ولكن الأخطر منه هو مسالة استمالة المتشددين فيما بينهم لما يشكل قواعد تيارات عريضة لا تقبل بحوار الآخرين حتى وان كانوا من بني جلدتهم وممن لا يختلفون عنهم كثيرا سوى ببعض وجهات نظر معينة اصلها خلافي في مسلك الاتباع وحده وهذا لا يعني إننا نتوجه بالنقد لأصحاب مذهب ومسلك واحد بعينه قطعا وان التشدد يخص اتباع السلف الصالح من إخواننا الحنابلة كما يشير البعض ويحاول أن يصور ذلك دوما في محاولة إلى تشويه سمعة وإضرار شريحة موقرة وجب احترامها والشهادة لها بكبير الفضل كون اتباعها أناس يطبقون الشريعة الأم ويحسنون ذلك ولو على حساب أنفسهم وقليلا منا ممن يستطيع أداء ذلك بحذافيره لما فيه من عمق التزام وحسن تطبيق ,بل إن التشدد المراد هنا هو وليد مرحلته وحبيس فكر صاحبه ومن يناصره دوما فقد نرى خلافا ثقافيا دائرا بين فئات وأخرى في المذهب عينه بسبب تأويلات ليست من الحقيقة بشيء وهذا ما نحذر من تداعياته لما اطلعنا على سابقاته بأخبار التاريخ فكل خلافات المعتزلة مثالا واضدادهم من مخالفيهم بالرأي وغيرهم من الفرق إنما كانت آراء تشدد وتعصب لها أصحابها وأنصارهم وكذلك مخالفيهم فتسببت بجر الأمة إلى الفتن التي تعلمون وهذا لا يصح في زماننا هذا ونحن نلاحظ الكثير من بداياته فبالوقت الذي به الأعداء يتكالبون علينا من حولنا فوجب علينا بأن نرص الصفوف لا أن نتفرق بالانحياز لأجل فكرة ما ورأي ما ولنعد جميعا إلى النبع ونلتزم به كأيمان روحاني بيننا وبين الخالق ونحيل محتكمين عنده غيابيا في كل خلافاتنا التي من الواجب تأجيلها مع الأهم منها من سابقاتها ولاحقاتها ليوم الحساب الموعود فان عدنا لذلك حقا كان ذلك كفيلا بإعادة لحمة الأمة وإرجاع هيبتها لها ومنعتها وصولا إلى النصر والظفر على كل أعدائها اللئام.