من هذا الذى يسري فى الليل والبرد والريح؟
أنه الأب مع ولده المسكين.
بالأمس اشتعلت نار الحمى فى الجسدالصغير
لمسة كف الأم ومرت على الصدر والوجه والجبين
صرخت من لسع الجمر المتقد وصاحت "ولدى!
يا ولداه!
خذه الى المستشفى القريب . لا تنظر الصبح لكى
لا تبطئ حتى لا يذهب منا ويضيع!
لفته فى حزام من الصوف وغطته بالملاءة البيضاء.
ركب الأب حماره وحمل معه الولد العليل .احتضنه
وضمه إلى صدره وعلى الكتف أراح الرأس المحموم.
-ولدى !لم تخفى وجهك ، مم تخاف؟
-أبى يا أبى ! ألا تراه يا أبى هناك؟
-من يا صغيري ؟ من هذا الذى تراه؟
-إنه ياابى ملك العفاريت، يشير إلى ويدعونى.
على رأسة التاج المرصع بالذهب والياقوت - ومن ظهره
يتدلى الذيل الأسودالطويل.
-لا تخف ياولدي . ما الشبح الذى تتخيله إلا
غيمة من غيوم الضباب.
-أبى . إنه يقول لي:تعال - تعال معى يا
ولدى الحبيب !سوف نلعب معا أجمل الألعاب
وسنجرى معا على الشط وحولنا الورد وأمى
العجوز ستهديك الثوب الذهبى الذى أعدته
لهذا اللقاء.
-اهدأ يا ولدى ! اهدأ !
- ألا تسمعه يا أبى ؟
-ألا تسمع همسه فى أذنى بالكلام الحلو والوعود؟
-قلت اهدأ ياولدى ! اهدأ فالمستشفى يقترب .
المستشفى غير بعيد.
- مازال يلح يا أبى ويقول : ألا تريد أن تاتى
يا ولدى الصغير؟ ان بناتى اللطيفات ينتظرنك
يا ولدى من زمن طويل.
سوف يرحبن بك ويستقبلنك كالأمير.
وسيرقصن على شرفك ويضعنك فى وسط الحلقة ويهللن
ويهتفن باسمك وبأعذب لحن سيغنين.
-اهدأ يا حبة عينى . ليس ما تسمعه سوى أصوات الريح
وترفرف في أوراق الشجر الذابلة الصفراء
_كيف لا تراهن يا أبى؟ بنات ملك العفاريت
هناك فى الأيك البعيد. فى ذلك المكان المعتم الكثيب؟
-ليس ما تراه يا ولدى سوى أغصان الصفصاف تترنح فى البرد
والليل والريح.
-اسمع يا أبى ! اسمع ما يقوله ملك العفاريت :
أحبك ! أحبك ويسحرنى وجهك الفاتن وشكلك البديع.
-تعالى معى تعال معى تعال ولاتكن الولد العنيد!
واذا لم تطعنى فسوف استخدم معك قوتى وبأسي الشديد-آه!
إنه يمد يده ويمسك بخناقى بيد من حديد.
آه ! أنقذنى يا أبى !أحس فى صدرى وجنبى بالألم الشديد.
والأب أيضا أحس بالألم الشديد وداهمه الرعب المخيف.
ضرب بعصاه الحمار العجوز،الذى لم يكف عن لكزه طوال الطريق .
لف ذراعه حول الجسد الواهن المحترق وشده الى صدره ليحميه من
البرد والضباب والريح . ما هى الا خطوات حتى لاح المبنى الأبيض
كالوجه الطيب من بعيد . وعندما وصل الى البوابة الضخمة نزل
من على الحمار الذى ربطه الى حديد السور ، وانطلق يجرى الى
الداخل ليسلم الولد للطبيب.
قلب هذا فى جسد الولد،
تحسس حبينه،
مال بجذعه وأحنى رأسه ووضع أذنه على صدره،
ثم رفع قامته ووضع يده على كتف الأب الفقير وهو يقول..
مات الولد.الولد مات
.................................................. ...........))
ملك العفاريت .بشئ
من التصرف للشاعر
الألمانى الأكبر ((جوته))
وتعتبر من اشهر ثلاث
قصائد قصصية لجوته