كيف تتخلص الأمة من الذل التي هي فيه ؟
لا خلاص لها إلا بالرجوع إلى منهاج النبوة بدليل ما رواه أحمد في مسنده وصححه ابن أبي حاتم وابن القطان والألباني وقال الحافظ رجاله ثقات عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لئن انتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد في سبيل الله ليلزمنكم الله مذلة في أعناقكم لا تنزع منكم حتى ترجعون إلى ما كنتم عليه و تتوبون إلى الله ). وما كنتم عليه هو منهاج النبوة. وقوله صلى الله عليه وسلم (ترجعون) بالرفع بعد حتى يدل على أن الفعل مؤول بالحال, والمعنى أنكم حينئذ ترجعون إلى ما كنتم عليه وتتوبون إلى الله, أو حتى حالكم حينئذ أنكم راجعون إلى ما كنتم عليه تائبون إلى الله.
وهذا نظير قوله تعالى: ( وزلزلوا حتى يقولُ الرسول) بالرفع. قال ابن هشام في أوضح المسالك: ( ويُرفع الفعل بعدها إذا كان حالا مُسبباً فضلة ًنحو: مرض زيد حتى لا يرجونه, ومنه (حتى يقولُ الرسول) في قراءة نافع لأنه مؤول بالحال أي حتى حالة الرسول والذين امنوا معه أنهم يقولون ذلك ) .
وقال المُبَرد في المُقتضب: وأما قوله عز وجل (وزلزلوا حتى يقولُ الرسول) فإنها تقرأ بالنصب والرفع, فالرفع على قوله: فإذا الرسول في حال قوله... والنصب على معنى إلى أن يقولَ الرسول. ـ انتهى قول المبرد ـ والحديث فيه حالة رفع فقط , فيكون صلى الله عليه وسلم يحكي لنا حال المسلمين الذين ينزعون المذلة من أعناقهم حال رجوعهم إلى ما كانوا عليه من منهاج النبوة وتوبتهم إلى الله.
وبمعنى هذا الحديث ورد الأثر عن عمر رضي الله عنه عند الحاكم بإسناده عن طارق بن شهاب قال: ( خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح, فأتوا على مخاضه وعمر على ناقة له, فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه. واخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة, فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا ؟! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك, وتأخذ بزمام ناقتك, وتخوض بها المخاضة, ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك . فقال عمر: أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم . إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله) قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي وقال الألباني: وهو كما قالا. فالتخلص من الذلة التي نحن فيها لا تكون إلاَّ بالإسلام, أو بالرجوع إلى ما كنا عليه من منهاج النبوة .
وهذا لن يكون إلاَّ بالجماعة على إمام, أي الخلافة على منهاج النبوة.
ودليل هذا الإجماع أي إجماع الصحابة على ما قاله عمر في خطبته التي يرويها الدارمي بإسناد حسن عن تميم الداري قال: تطاول الناس في البناء زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا معشر العُريب الأرض الأرض, إنه لا إسلام إلاَّ بجماعة, ولا جماعة إلاَّ بإمارة, ولا إمارة إلاَّ بطاعة, فمن سوَّدهُ قومه على الفقه كان حياة له ولهم, ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكاً له ولهم. فالرجوع إلى الإسلام , أو إلى ما كنا عليه , لا يكون إلاَّ بالجماعة على أمير واحد للمؤمنين .
فعمر في الأثر الذي يرويه طارق بن شهاب قال: ( إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام, فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله) وفي الأثر الثاني الذي رواه تميم الداري يقول: ( لا إسلام إلاَّ بجماعة ). ولم ينكر عليه منكر فكان إجماعاً. فالتخلص من الذل يكون بالإسلام, والإسلام لا يكون إلاَّ بالجماعة على إمام .
وفوق الحديث والأثر والإجماع فإن مالكاً رحمه الله أكـَّد نفس المعنى, أي أن ما يُصلح آخر هذه الأمة هو ما أصلح أولها .
ذكر القاضي عياض في الشفا قال: ( وقال مالك في المبسوط ولا يصلح آخرَ هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها ) . قلت ما أصلح أولها هو تطبيق الإسلام كاملاً .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات