فهد عامر الأحمدي
قبل أربعة أشهر تقريبا كتبت مقالاً بعنوان "الجنرال شتاء" شرحت فيه صعوبة هزيمة أو احتلال روسيا بسبب مساحتها الهائلة وقسوة الشتاء فيها.. وحينها ضربت مثلا بنابليون الذي غزا روسيا عام 1812فقتل الشتاء (وليس الجيش الروسي) 550ألف جندي من أصل 600ألف بدأ بهم حملته العسكرية ..
وبعد 129عاماً كرر الزعيم الألماني هتلر "نفس الغلطة" وغزا روسيا (في سبتمبر 1941) بجيش قوامه 3ملايين رجل. وبعد أن نجحت جيوشه في الوصول لموسكو وحصار ستالينجراد حل فصل الشتاء فاستغل الروس عامل الطقس والجليد فدحروا الألمان وطاردوهم حتى برلين...
واليوم تذكرت هذا المقال وأنا أتصفح كتابا بعنوان : اللوم على المطر (Blame on the rain) يستعرض أمثلة تاريخية كثيرة أثر فيها المناخ والطقس السيئ على مسيرة الحضارة والتاريخ...
@ فبالإضافة للنموذجين السابقين (حيث تسبب الشتاء الروسي في دحر نابليون وهتلر وقبلهما الملك السويدي تشارلز عام 1709) هناك إعصار دايفان الذي أنقذ اليابان مرتين من هجمات المغول.. ففي القرن الثالث عشر الميلادي شكّل جنكيز خان جيشا قويا اكتسح به الهند والصين وآسيا الوسطى. وحين انتهى من احتلال معظم آسيا (أصابه الملل) فقرر غزو جزر فقيرة نائية تدعى "اليابان". وهكذا بنى أسطولا قويا غرق في منتصف الطريق بسبب إعصار دايفان الموسمي.. وبعد عامين تقريبا كرر جنكيز نفس المحاولة فغرق جيشه لنفس السبب فصرف النظر نهائيا عن غزو اليابان !!
@ وفي عام 1588تسببت الرياح في سقوط اغنى إمبراطورية في أوربا (أسبانيا) وصعود قوى استعمارية جديدة (تدعى انجلترا).. ففي ذلك الوقت تمتعت اسبانيا بثراء فاحش بفضل مناجم الذهب والفضة التي اكتشفتها في أمريكا الجنوبية.. وحينها قرر الملك فيليب الثاني استغلال هذه الثروة لبناء أسطول بحري كبير يرهب به أوربا (دعاه الأرمادا). ولأن الملك فيليب كان كاثوليكياً ورعاً لم يعجبه تعالي "وانحلال" الملكية البروتستانتية في لندن. وهكذا قرر غزو انجلترا وقتل الملكة وتحويل جميع البريطانيين الى كاثوليك.. غير أن الانجليز تصرفوا (كعادتهم) بدهاء وطول صبر وتهربوا من الأسطول الأسباني حتى حصروه في منطقة بحرية تهب فيها رياح قوية. وحين تشتتت السفن الأسبانية هجم الانجليز من جهات متفرقة وأحرقوا "الأرمادا" عن قرب.. وهكذا تم كسر شوكة الإمبراطورية الاسبانية وظهر الانجليز كقوة بحرية استعمارية جديدة (من نتائجها اليوم وجود أمريكا وكندا واستراليا ونيوزلندا) !!
@ وفي الحقيقة قد يعود الفضل في بقاء الحضارة الغربية برمتها إلى حادثة غرق مشابهة وقعت أيام الإغريق.. فبين عامي 449و 492قبل الميلاد وقعت سلسلة حروب قاسية بين المدن الإغريقية والإمبراطورية الفارسية. وفي عام 480كاد الفرس ينجحون في احتلال كامل البلاد اليونانية في معركة جزر سالامايز.. غير أن القائد الأغريقي ثيموستوكلس نجح حينها في إغراء الأسطول الفارسي بالالتفاف حول الجزر في طريق يتميز برياحه العاتية في ذلك الوقت من العام. وكانت النتيجة تدمير 200سفينة من الأسطول الفارسي وغرق معظم جنوده في البحر في حين تكفل الجيش الأثيني بقتل من نجا منهم !
... على أي حال ؛ بالإضافة للرياح (التي تدمر الأساطيل) يضم الكتاب السابق كوارث مناخية متنوعة غيرت التاريخ وساهمت في عيشنا في واقع معاصر كان سيختلف لو سارت الأحداث حينها "كما يجب"...