العراق عروبته تحريره اسلامه
معارك تحرير الانبار
معركة دومة الجندل
634م
وتقع دومة الجندل في شمالي المملكة العربية السعودية وهي مدينة الجوف وهي التي بعث إليها الخليفة أبى بكر رضي الله عنه بالقوات الإسلامية للسيطرة عليها بعيد أحداث الردة وكانت تلك القوات بقيادة عياض بن غنم وقد خطط الخليفة أن يتحول القائد عياض بقواته بعد إنجاز مهمته إلى العراق لنصرة جيش المسلمين هناك ولكن الحال انقلب حينما استعصت قبائل الدومة على قوات عياض مما اضطر القائد خالد بن الوليد لنجدته فاصبح عندها الأمر معكوسا وتحولت تلك القوات إلى عبء عوضا عن الظهير الساند فقد تحرك خالدا بقواته لنجدة قوات عياض بناء على أمر الخليفة أبى بكر الذي أمر بوجوب نجدتهم فامتثل لذلك الأمر علما إن المسافة بين دومة الجندل ومكان تواجد خالدا وقواته في العراق بعين التمر شثاثة هي قرابة ثلاثمائة ميل والتي تطلبت عشرة أيام لانتقال خالد بجيشه ولكنه رأى أن يبعث برسالة إلى القائد عياض بن غنم وهي تلك الرسالة الشهيرة التي عرفت بعنوانها المباشر وكانت :
(من خالد إلى عياض إياك أُريد) ( لبّث قليلا تأتك الحلائبُ , يحملن آسادا عليها القاشب, كتائبٌ يتبعها كتائبُ)
فوصل خالدا بقواته عند انقضاء مدة العشرة أيام التي تطلبها الطريق إلى دومة الجندل وقرر من فوره أن يحاصر قطعات الجودي بن ربيعة بجعله بين كماشة قواته وقوات عياض بن غنم وتحقق له مراده وحصل قتال شديد حتى فر الجودي إلى داخل الحصن فابدر خالدا إلى اقتحامه وقتل الجودي فيه وبذلك انتهى عصيان منطقة دومة الجندل سريعا فقد كان سيف الله المسلول حريصا على حسم الأمر على عجل لمعاودة إكمال مسعى تحرير العراق ذلك الهدف الأساسي الذي خرج إليه بجيشه خاصة وان الأخبار التي أتت من العراق تفيد بان قبائل الانبار قد وجدت فرصة في خروج جيش خالد من العراق فأرادت التمرد بدفوع من الفرس انتقاما لإعدام عقة بن أبي عقة الذي أغاظهم أمر معاقبته وإعدامه.
معركة الحصيد
إن القائد خالد بن الوليد عندما عاد مسرعا بجيشه إلى العراق بسبب ما وصل إليه من أخبار ذلك التمرد في الانبار اتجه من فوره إلى مدينة الحيرة ولما وصل إليها علم إن الفرس وبعض المرتزقة قد تمركزوا في الحصيد فكان أول ما فعله أن أمر القائد القعقاع بن عمرو التميمي بان يتوجه إلى منطقة الحصيد وهو مكان في أطراف العراق من جهة الجزيرة بحسبما ذكره غالب أهل التاريخ وقد يكون جوار عين التمر من جهة الغرب فتقدم القعقاع بقواته على عجل لتنفيذ الأمر بما عرف عنه من شجاعة وبسالة مشهودتين فكتب له أن ينتصر ويقضي على تلك القوات المتحالفة ما بين فرس ومرتزقتهم من عرب الانبار.
معركة الخنافس
بعد أن انتهت معركة الحصيد وانتصار المسلمين فيها بقيادة القعقاع اصدر خالدا أمره إلى القائد أبى ليلى بن فدكي السعدي بان يتوجه إلى الخنافس التي كانت جوار الانبار وقد كان القائد الفارسي مهبوذان وقواته يتحصن بها ولكنه سرعان ما فر ومن معه لما علموا بان القوات العربية الإسلامية متجهة صوبهم فصوّر لنا القائد أبى ليلى ذلك الموقف بصيغة أدبية شعرية رائعة هي:
وقالوا ما تريد فقلت ارمي*** جموعا بالخنافس بالخيول
فدونكم الخيول فألجموها *** إلى قوم بأسفل ذي أنول
فلما أن أحسوا ما تولوا *** ولم يغررهم ضج الفيول
وفينا بالخنافس باقيـات *** لمهبوذان في جنح الأصيل
يتبع
معركة المصيّخ
معركة الحشد الخطير بالانبار ضد المسلمين
معركة المصيّخ
وصلت الأخبار بان هنالك قبائل كثيرة من أهل الانبار قد تجمعت في منطقة المصيّخ وهو موضع قرب الرمادي بمحافظة الانبار الحالية وبلغ خالدا انه قد تمت إثارة أولئك من قبل الفرس وتم دفعهم للتمرد على القوات الإسلامية بذريعة الانتقام لحدث إعدام عقة بن أبي عقة وقد كان على راس قوات تلك القبائل( حرقوص بن النعمان والهذيل بن عمران) ولخطورة هذا الحشد الكبير على مسعى تحرير العراق فقد قرر خالد بن الوليد توجيه القادة كل من القعقاع بن عمرو وأبى ليلى واعبد بن فدكي وعروة بن الجعد كل بقواته من شتى الأماكن وتحرك هو أيضا على راس قوات أخرى وكلهم صوب المصيّخ وعيّن لذلك ميعادا كساعة صفر تم تبليغها للقادة المعنيين بالهجوم على المصيّخ ولما حل ذلك الميقات اندلع الهجوم الكاسح بوقت واحد والتقت الجموع في ساحة تلك الواقعة بالمصيّخ ودارت معركة ضارية عزوم فرّ فيها الهذيل وقتل حرقوص وقد أوردها الطبري وروى لنا وقائعها على لسان عدي بن حاتم الطائي فقال (أغرنا على أهل المصيّخ وإذا رجل اسمه حرقوص بن النعمان من النمر وإذا حوله بنوه وامرأته وبينهم جفنة من خمر وهم عليها عكوف يقولون له ,ومن يشرب هذه الساعة وفي إعجاز الليل , فقال لهم اشربوا شرب وداع, فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها, هذا خالد بالعين ((أي عين تمر)), وجنوده بحصيد وقد بلغه جمعنا وليس بتاركنا) فانشد يقول:
ألا فاشربوا من قبل قاصمة الظهر*** بعيد انتفاخ القوم بالعكر الدثر
وقبل منايانا المصيبة بالقـــدر*** لحين لعمري لا يزيد ولا يحري
وهنالك رواية أخرى حسب ياقوت الحموي أوردها في معجم البلدان إن حرقوصا كان قد نهى قومه عن قتال جيش خالد لكنهم رفضوا مشورته فعاد إلى داره وانشد:
ألا فاسقياني قبل جيش أبي بكر*** لعل منايانا قريب ولا نـدري
ألا فاسقياني بالزجاج وكررا *** علينا كميت اللون صافية تجري
أظن خيول المسلمين وخالدا***ستطرقكم عند الصباح على البشر
فهل لكم بالسير قبل قتالهم*** وقبل خروج المعصرات من الخدر
أريني سلاحي يا أميمة إنني*** أخاف بيان القوم أو مطلع الفجر
إنهاء التمرد حول الانبار
معركة الثني
بعد أن مني الهذيل بهزيمة كبيرة في المصيّخ التجأ إلى الثني وهي من مناطق جوار الانبار أيضا فتجمعت حوله ثانية أعدادا أخرى من الحشود المتمردة والمرتزقة لمقاومة جيش المسلمين بقيادة خالد ولما تجمعوا هجم عليهم خالدا بجيشه فقضى عليهم وأبادهم جميعا وتم تحرير المنطقة من تلك الطغمة المتعاونة مع الفرس.
معركة الرُضاب
634م
12هجري /الربيع
وغير بعيد عن عين التمر وفي الرُضاب كان قد تجمع أنصار هلال بن عقة بجمع آخر تحت قيادته تمهيدا للتمرد فبلغ ذلك الأمر مسامع القائد خالد بن الوليد الذي أسرع صوبهم ففروا جميعا قبل لقائه فتم تحرير الرضاب.
الفِراض
لم يبقى بعد تحرير الرُضاب غير موضع الفِراض الذي هو محل السقاء من الأنهار ويقع إلى الشمال الغربي من مدينة الرمادي وكان يمثل ملتقى حدود الإمبراطوريتين المحتلتين لبلاد العرب في تلك المنطقة وهما الفرس والرومان وقد تجمعت بذلك الموضع قوات فارسية ورومانية كصف واحد في تحالف لمواجهة الجيش العربي الإسلامي وهنا تكمن الإشارة لإمكانية التحالف المحتمل بين أعداء العرب والإسلام في أية زمان ومكان فقد وقف الحشدين إزاء بعض على جانبي الفرات وقد جرت مراسلات متعددة بين الفريقين حول اختيار ميدان للمعركة وعن أيهما يعبر الفرات إلى الآخر فقد قال الفرس والروم للعرب ( أما أن تعبروا إلينا أو نعبر إليكم) فأجابهم خالد بل(اعبروا إلينا) فقالوا (ابتعدوا حتى نعبر) فأجابهم خالد (بل اعبروا اسفل منّا) وفي آخر المطاف عبرت القوات الفارسية وحليفتها الرومية نهر الفرات والتحم الجمعان فدارت هناك معركة كبيرة حامية الوطيس وضارية خطها القدر في لوائح التاريخ والزمن ومهما قيل وكان الرأي بشان المبالغة في تقدير ما راح بها من قتول قوات الفرس والروم فستبقى الأعداد عالية تدلل على شدة خسائر أعداء المسلمين وهي التي دعت إلى ذلك الأمر فقد قيل إن قتلاهم بالغوا المائة ألف قتيل وهذا جزائهم لوقفهم في خندق واحد ضد حملة نور رسالة خاتم الأديان ومن هنا تيقن الشريكان في احتلال المنطقة العربية على الأرض وهم قادة قوات الفرس والروم حقيقة الخطر العربي الإسلامي الداهم الذي بدا انتشاره كعبق الرياحين وان الإسلام سينتشر بنوره بفتح كبير وسيطال حتى بلادهم بنفسها رغم أنوفهم وأنوف أسيادهم الظالمين.
العراق عروبته تحريره إسلامه
بدء تحرير الأنبار
بعد انقضاء السنة التي قضاها القائد خالد بن الوليد بتنظيم أمور أجزاء العراق المحررة والتي شبهها كأنها سنة نساء وعند انتهاء تلك السنة ووصول التعزيزات من المدينة حسم أمره بالتقدم لتحرير الأنبار في شباط من عام634م وهي محافظة الأنبار الحالية التي هي تقارب مساحتها ثلث مساحة العراق لذا هي مترامية الأطراف وتشتمل مدينة الرمادي في مركزها وجوارها مدن عديدة أقربها إلى المركز مدينة الفلوجة الجريحة وقد تقدم بالزحف صوب الأنبار من غرب موقع كربلاء الحالية تجاه الفلوجة وكان على مقدمة الجيش الأقرع بن حابس .
واقعة ذات العيون
بعد أن عبر الأقرع بن حابس بقواته في طليعة مقدمة الجيش العربي الإسلامي نهر الفرات متجها صوب الأنبار القريبة من الفلوجة الحالية كما أشرنا فوجدها محاطة بخندق عميق تحصنت خلفه حامية المدينة فلم يجد بدا سوى بمحاصرتها حتى يصل القائد خالد بن الوليد على راس القسم الأكبر من الجيش ولما وصل خالد واستطلع مع سابقه ذلك الخندق والأرض المحيطة به وطبيعة الحصن قال القائد خالد بن الوليد(إنما أرى أقواما لا علم لها بالحرب فارموا عيونهم ولا توخوا غيرها) فباشروا برميهم في أعينهم واكثروا من أصابتهم حتى قيل انهم لما تعاظم ذلك كانوا قد فقئوا لهم ألف عين وعين وهنا تصايح الناس لقد ذهبت عيون أهل الأنبار ولذلك سميت بواقعة ذات العيون ولكن مع كل هذا فان المدينة صمدت فأمر خالد بذبح الإبل ورميها فوق بعض في باطن الخندق حتى تصبح معبرا له ولقواته وفعلا تم له ذلك وعبر بقواته على قنطرة من لحم تلك الإبل واقتحم الأسوار فاستسلمت له المدينة وقبل أهلها بالصلح وتبين لخالد بعد المعركة إن أهل الأنبار هم عرب شأنهم شأن أهل الحيرة وانهم يتكلمون ويكتبون اللغة العربية ولما سألهم خالد ما انتم قالوا إننا قوم عرب نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا فقال لهم خالد وممن تعلمتم الكتابة فقالوا من أياد وانشدوا بيتين من الشعر/-
قومي أياد لو انهم أمهم *** أولو أقاموا فتهزل النعـم
قوم لهم باحة العراق إذا*** ساروا جميعا والخط والقلم
وهذا ما يثبت عروبة أهل العراق منذ ذلك التاريخ ومن قبل وقد تغنى شعراء العرب بتلك الانتصارات ونظموا في حقها شتى القصائد وسنورد بعض أبياتها في الجزء القادم .
يتبع تحرير شثاثة (عين تمر) وإعدام المتحالفين مع الفرس من أهل الأنبار.
يتبع