بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن سار على سيرته ونهج نهجه الى يوم الدين
اما بعد
الأوبئة وكيف عالجها الاسلام
منذ بزوغ نور الاسلام على العالم بزغ معه عصر النهضة الفكرية والعلمية والصناعية . وحين كانت الدولة الاسلاميه مناره العلم والعلماء وزهرة الدنيا ولؤلؤتها في كافة المجالات
الفكرية والصحية والاجتماعية والصناعيه وغيرها . كانت دول العالم تغص في تخلف وتأخروكانت تعتبر الطب درب من دروب السحر والشعوذه. وكان اهتمام الاسلام بالنظافة والطهارة جزء اساسي لصحة العبادات ولا تتم الا بها, وقد حث الاسلام على النظافة والطهارة كما حث على الوقاية واخذ الحيطة ,
قال صلى الله عليه وسلم : (( غطوا الإناء وأوكئوا السقاء , فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء , لا يمر بإناء ليس عليه غطاء , أو سقاء ليس عليه وكاء , إلا نزل فيه من ذلك الوباء)) رواه مسلم
وعن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه "سنن أبي داود
ويقول عليه السلام " أن من القرف التلف " رواه أبو داود... والقرف هو مقارفة المريض أي الاختلاط به والتلف هو الهلاك أي العدوى والمرض وقيل الموت.
والإسلام أمر بالنظافة الشخصية كوسيلة للوقاية الصحية وأعتبرها مكملة للإيمان " النظافة شطر الإيمان" ونفى أن تكون القذارة نوعاً من التواضع لله والتقرب إليه. وقد أشار الإسلام إلى تلوث الأطعمة والملابس والأيدي وحبب في الطهارة ونهى عن النجس والقذارة وحدد المواد النجسة فمنها القيح أي الصديد والبراز والقيء ولعاب الكلب وجسم الخنزير وكل شيء عفن مثل بقايا الحيوان. كما أطلق الطهارة على الشيء الخالي من هذه النجاسات وحدد طرق الطهارة بالغسيل بالماء الجاري أو الحرق بالنار أو الغلي في الماء أو التجفيف،ولم يترك الإسلام تعاليمه عن النظافة بصفة عامة ومطلقة بل انه دقق على نظافة كل عضو من جسم الإنسان يمكن أن يكون منفذا للمرض أو مصدراً له.. وعلى سبيل المثال قول الرسول صلى الله عليه وسلم قال (قصوا أظافركم، وادفنوا قُلاماتكم – أي أظافركم بعد أن تقصوها – ونقُّوا براجمكم – أي عقد الأصبع – ونظفوا لثاتكم – من الطعام – واستاكوا ولا تدخلوا عليَّ قُحراً – مصفرة أسناكم – بُخراً – منتنة أفواهكم).رواه الترمذي بسند حسن قد أثبت الطب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الواضع الأول لقواعد حفظ الصحة بالاحتراز من عدوى الأوبئة والأمراض المعدية , فقد تبين أن الأمراض المعدية تسرى في مواسم معينة من السنة , بل إن بعضها يظهر كل عدد معين من السنوات , وحسب نظام دقيق لا يعرف تعليله حتى الآن .. من أمثلة ذلك : أن الحصبة , وشلل الأطفال , تكثر في سبتمبر وأكتوبر , والتيفود يكثر في الصيف أما الكوليرا فإنها تأخذ دورة كل سبع سنوات .. والجدري كل ثلاث سنين وهذا يفسر لنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء )) .. أي أوبئة موسمية ولها أوقات معينة . وكان الاسلام اول من طبق ما يعرف اليوم بالحجر الصحي فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة أساسية تعتبر من أساسيات الطب الوقائي الحديث بعد اكتشاف مسببات الأمراض والأوبئة، وهي قاعدة الحجر الصحي، منعاً لانتشار الأوبئة المدمرة في المدن والتجمعات البشرية. فقرر صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة العلمية في قوله: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه) السلسلة الصحيحة
ولضمان تنفيذ هذه الوصية النبوية العظيمة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوراً منيعاً حول مكان الوباء، فوعد الصابر والمحتسب بالبقاء في مكان المرض بأجر الشهداء، وحذر الفار منه بالويل والثبور، قال صلى الله عليه وسلم: (الفار من الطاعون كالفار من الزحف ومن صبر فيه كان له أجر شهيد) رواه أحمد
وقد طبق الرسول هذا المبدأ على المجذومين فقد جاءه رجل مجذوم لكي يبايعه فلما استأذن بالدخول قال له الرسول" أبلغوه أنا قد. بايعناه فليرجع " صححه الالباني وقال أيضا " أجعل بينك وبين المجذوم قدر رمح أو رمحين" فيه ضعف
وقد اصاب الطاعون جيش المسلمين بعمواس ومات من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق كثير فأمرهم عمر بن العاص بالتحصن منه بالجبال فتحصنوا حتى زال فكان انعزالهم وتفرقهم بالجبال نوع من الحجرأدى الى انحساره وعدم انتشاره تطبيقاً لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام" إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" السلسلة الصحيحة
وعلى مر عصور الدولة الاسلامية كان المسلمون يطبقون تعاليم الاسلام من ناحية الطهارة والصحة فقلما كان يحصل عندهم امراض وأوبئة كما كان في اوروبا في تلك العصور فعندما ظهر وباء الطاعون في فلورنسا سنة 1348 كان الناس في المناطق الموبوءة يؤمرون بالفرار منه بأسرع ما يمكنهم والى أبعد ما يستطيعون ولم يكن ذلك الفرار بالبداهة يؤدي إلا إلي ازدياد رقعة الوباء حتى وصل إلى روسيا سنة 1352 وكأنه كان حريقاً في غاب لم ينطفئ لهيبه إلا بعد أن أكل ربع سكان أوروبا وكانت الكنيسة تحارب النظافة والطهارة حتى انها حاربت ما اسمته الاستحمام الشيطاني
و كانت الفكرة السائدة في العالم أن المرض شيطان ويدخل جسم الإنسان عقابا له على معصية أرتكبها في حق الآلهة وأن السبيل الوحيد للشفاء هو صلاة الغفران لكي تطرد شيطان فإذا لم يشف المرض فمعنى ذلك أن إيمانه ما يزال ضعيفا. وكانت الكنيسة في القرون الوسطى تمنع الناس من التداوي وتحارب العلماء وتحرق كتبهم أو تضعهم على الخوازيق بتهمة السحر والشعوذة وتحدي إرادة الله
وقد أعلن الإسلام حقيقة علمية وهي أن كل مرض في هذه الدنيا له علاج يشفه إلا داء واحداً وهو الهرم أي كبر السن وانه إذا كانت هناك أمراض لا نعرف لها دواء اليوم فذلك راجع إلى قصور في علمنا وان علينا أن نجتهد ونبحث حتى نجد لها العلاج الشافي. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: " أن الله لم ينزل داء إلا له دواء علمه من علم وجهله من جهل فإذا أصيب دواء الداء برأ المرض بإذن الله " رواه الترمذي واحمد
وورفي كتاب تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب ص242 رسالة كتبها السلطان المولى الحسن سنة 1879م في 10ربيع الاول1296ه الى أمناء تطوان يأمرهم بالاعتناء بنظافة المدينة, وبتخصيص مداخل المجازرحيث قال"وبعد لقد رفع لحضرتنا العالية بالله الإعلام بتكاثر الازبال والقاذرات بالطرق, ولا ينبغي السكوت عنها فان الدين مبني على النظافة , مع ما ينشا عن التغافل عنها من الوخم وفساد الهواء ,وقد كنا عينا للتنظيف مستفاد المجزرات, وأمرنا بصرفه فيه ثم انه لا يصرف في ذلك على ما ينبغي...فنأمركم أن تقوموا..على ما ينبغي, وتعينوا رجلا حازما ضابطا يقف عليه"
وهناك رسالة أخرى للسلطان مؤرخة في 24 جمادى الثانية 1259 إلى قائد تطوان تقول (على المراكب أن لا تأتي إلا على طنجة..ولا يدخل مركب منها للمرسى إلا بعد أعمال الكرنتينة..وان كل ماورد منها على غير طنجة لا يقبل ويرد إليها وعليه فكل من ورد عليكم منها لا تقبلوه وردوه للثغر المذكور.)نفس المصدر .وكان ذلك احترازاً من مرض الطاعون الذي انتشر وقتئذ
اما في دمشق فقد كان هناك ثلاث بيمارستانات .بيمار: وتعني المريض) – (ستان: تعني: مكان وكان واحد منها مخصص لعزل المصابين بمرض الجذام عن الناس خوف انتقال المرض إلى الأصحاء، وكان بالقرب من منطقة الباب الشرقي ويعود إلى عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
واخيرا نقول لقد جاء الإسلام بمفاهيم جديدة تختلف كل الاختلاف عن المسيحية في نظرته إلى المرض، فنفى أن يكون المرض شيطانًا أو روحًا نجسة تصيب الإنسان، وأنكر أن يكون المرض بسبب خطيئة يرتكبها الإنسان بحق الله، ونفى كل الطقوس المسيحية التي يقيمها الرهبان لشفاء المرض وإخراج الشيطان من جسم المرض؛ بل إنه نفى أن يكون هناك رجل دين أصلاً بالمفهوم المسيحي؛ ليكون واسطة بين الله والإنسان، ومن حقه غفران الذنوب أو شفاء المرض.
والمفهوم الإسلامي عن المرض يساير النظرة العلمية الحديثة، ويسبقها بعشرات القرون، فالإسلام يعتبر أن المرض هو قضاء الله وقدره، وأنه لا علاقة له بالذنوب والخطايا؛ بل هو يصيب الإنسان الصالح كما يصيب الشرير، لا فارق بينهما في المرض، وأنه لا بد من وسيلة للشفاء يعرفها أهل الذكر، وهم هنا العلماء والأطباء، أما عن دور الدعاء والصلاة فهي لرفع معنويات المريض وتقوية عزيمته على مقاومة المرض؛ ولكنها لا تغني عن الطب والدواء.
وكثيرًا ما كان الصحابة يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكي يشفي مرضاهم، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور المريض، ويدعو له بالشفاء، ثم يقول لهم: ادعوا له الطبيب، فكانوا يتعجبون من ذلك، ويقولون له: "وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟" أي أنت أيضًا تطلب منا استدعاء الطبيب، ولا تشفي المريض بيدك، فيقول لهم - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له الدواء، علمه من علم، وجهله من جهل، فإذا أصاب الدواء الداء برأ المريض بإذن الله))؛ رواه الترمذي، والدرامي، وابن ماجه، وابن حنبل.
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه يمرض ويزوره الأطباء؛ كأي بشر، ويكتبون له الإنعات؛ أي الوصفات الطبية، ويتناول الدواء حسب أوامرهم، وكان الصحابة يسألونه: أتمرض مثلنا يا رسول الله؟، فيقول لهم: ((إني أوعك - أي أعاني من المرض - مثل رجلين منكم"
والإسلام يرد بكل صراحة ووضوح على القدريين الذين يدعون أن اللجوء إلى الطب والدواء معناه: محاولة الهروب من قدر الله، فقد جاء جماعة من الصحابة يسألون الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، هل في دواء نتعاطاه ووقاية نتخذها، هل تمنع هذه من قدر الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((بل هي من قدر الله))؛ رواه الترمذي، وأحمد، والحاكم.
ومن أعظم الإنجازات في ميدان العلاج التي انفرد بها الإسلام عن كل المفاهيم السابقة له، أنه أعلن لأول مرة في التاريخ الإنساني أنه لا يوجد أي مرض يصيب البشر إلا وله دواء لمكافحته، وأن على العلماء والمختصين في كل عصر أن يجتهدوا حتى يكتشفوا الأدوية الجديدة الفعالة. وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء))؛ رواه النسائي، وابن ماجه، والحاكم، وروى مسلم: ((لكل داء دواء علمه من علم، وجهله من جهل، فإذا أصاب الدواء الداء برأ المريض بإذن الله))، فهذا المبدأ الذي جاء به الإسلام منذ عدة قرون أصبح شعار الطب الحديث في عصرنا الحاضر، وتتبناه الدول المتقدمة، فترصد ميزانية ضخمة للأبحاث العلمية والمعملية لاكتشاف علاج جديد لكل مرض مستعصٍ، تحت شعار أنه لا يأس من الشفاء، حتى آخر لحظة من عمر المريض
واخيراً نقول إن التمسك بتعاليم فيه كل الخير إن كان من الناحية الصحية ام الاجتماعية ام السياسية فالاسلام كله خير من تمسك به نجا بالدنيا وفاز باللآخرة ومن ضل عنه خسر الدنيا وهلك بالآخره قال تعالى " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)"طه
فالتمسك بتعاليم وتوجيهات الاسلام في النظافة والطهارة يقى المسلمين الامراض والأوبئة إن كان ذلك على الصعيد الشخصي أم العام
والتمسك بتعاليم الاسلام بألنظام الاجتماعي يحفظ الانساب ويصون المجتمع من الامراض الخبيثة كالأيدز والزهري وغيره , عدى عن االتماسك الاُسري الذي يحسدنا عليه اهل الكفر
والتمسك بالافكار الاسلامية الصحيحة يقي المجتمع المسلم من الافكار الهدامة التي هي اخطر بكثير من الامراض والأوبئة الفتاكة لان الامراض والأوبئة تهلك الجسم وتبليه والنهاية من صبر فيه كان له أجر شهيد اما الافكار الدخيلة فهي تهدم القيم والاخلاق وتدمر المجتمع ويكون الخسران بالدنيا والاخرة والعياذ بالله
نسأل الله ان يقينا شرور الامراض والأوبئة والافكار المسمومة وأن يعجل لنا بالنصر والتمكين وبالخلافة التي هى العلاج الناجع والناجح لكل الامراض بكافة أشكالها
اللهم اجعل ذلك قريبا اللهم امين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تراب الراجي رحمه ربه