الخلافة على منهاج النبوة كائنة قطعاً

الخلافة على منهاج النبوة كائنة قطعاً

أخرج أحمد في مسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, فتكون ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها, ثم تكون ملكاً عاضاً, فيكون ما شاء الله أن يكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون ملكا جبرية, فتكون ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, ثم سكت ). قال في المجمع رجاله ثقات.
هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن الخلافة على منهاج النبوة كائنة بعد ملك الجبرية. وقد مضت المراحل كلها ولم يبق إلا الخلافة على منهاج النبوة.
وبالإضافة إلى هذا الحديث هناك عدد من الأحاديث والآثار تدل بمجموعها على أن دولة الخلافة كائنة, وهي تفيد التواتر المعنوي, بحيث يمكن القطع بأن دولة الإسلام قادمة. وليست حلما أو أمنية, والدعوة إليها ليست فتنة, بل دعوة إلى القيام بواجب, وفرض تقام به الفروض, وحقيقة واقعة بإذن الله ووعده, ومن قعد عن التلبس بالعمل لإقامتها فهو آثم عاص ٍ, ومن تشرف بالعمل لها بطريقة قائمة على اجتهاد تام, رجونا له الأجر الجزيل, وصحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه, إذا مات ثابتا على الحق, فان الأعمال بالخواتيم .

ومن هذه الأحاديث والآثار :

أولا: حديث أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله عند مسلم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده )
وفي رواية عنده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً )
وفي رواية عنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً لا يعده عدداً).

ثانيا: حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ) والمعنى أن الإسلام سيعود إلى حياة الناس لا أنه سيرجع إلى وضع يكون فيه غريبا عن الحياة, يرجح هذا الفهم ما رواه الترمذي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأرويَّة من رأس الجبل . إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا فطوبى للغرباء الذي يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. معنى يأرز: ينضم ويجتمع, ومعنى يعقلن: يمتنع ويتحصن, والأروية: جمع أروى وهي نوع من الغزلان, ووجه الدلالة على أن الراجح من معنى الحديث هو رجوع الإسلام وعودته إلى حياة الناس ثانية موجود في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي) وتمكن هؤلاء الغرباء من الإصلاح في الغالب لا يكون إلا إذا كان الأمر بأيديهم أي السلطان, أما إذا لم يكونوا كذلك فإنه ينطبق عليهم رواية عبد الرحمن بن سنه لهذا الحديث عند أحمد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء, قيل يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا أفسد الناس, والذين نفسي بيده لينحازن الإيمان إلى المدينة كما يحوز السيل, والذي نفسي بيده ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها ) وفي رواية عند الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي (يَصلحون عند فساد الناس) وعن جابر (يُصلحون حين يفسد الناس) ففي هذه الروايات يكونون صالحين في أنفسهم, ولا يمنع هذا أن يحاولوا الإصلاح أي إصلاح ما أفسد غيرهم, أما التمكين من إصلاح ما أفسد الناس فلا يكون إلا بالاستخلاف والتمكين. فالغرباء يكونون صالحين في أنفسهم قبل الاستخلاف وبعده, يصلحون ما أفسد الناس قولا قبل التمكين, وفعلا بعده. هؤلاء الغرباء سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود عند الدارمي وابن ماجة وأحمد بإسناد رجاله ثقات النـُّزاع من القبائل, قال عبد الله قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل) فحيث ورد في حديث ذكر للنزاع من القبائل فهم الغرباء. والنزاع هم المبتعدون عن أهلهم وعشيرتهم قال في اللسان: (ونزاع القبائل غرباؤهم الذين يجاورون قبائل ليسوا منهم, الواحد نزيع ونازع والنزائع, والنزاع الغرباء وفي الحديث...هو الذي نزع عن أهله وعشيرته أي بَعُدَ وغاب...). هذا الحديث عده السيوطي من الأحاديث المتواترة, أي حديث الغرباء. وقد ورد في النزاع أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عند الحاكم في المستدرك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الشهداء والنبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه, فجثا أعرابي على ركبته فقال يا رسول الله صفهم لنا وحلهم لنا قال: قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل تصادقوا في الله وتحابوا فيه, يضع الله عز وجل لهم يوم القيامة منابر من نور يخاف الناس ولا يخافون, هم أولياء الله عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أحمد والطبراني بإسناد حسن عن أبي مالك الأشعري وفي لفظ الطبراني: (... عباد من عباد الله من بلدان شتى, وقبائل من شعوب أرحام القبائل, لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها, لا دنيا يتباذلون بها, يتحابون بروح الله عز وجل...) هذه صفات النزاع الغرباء يمكن تلخيصها في كونهم نزعوا عن أهلهم وعشائرهم, ولم يقل هاجروا, يصلحون عند فساد الناس, من بلدان شتى, تحابوا وتكتلوا على روح الله أي شريعته, أي على مبدأ الإسلام, لم تجمع بينهم قرابة ولا مصلحة دنيوية, إنما المبدأ فقط. وقد أشار ابن سابط عند ابن أبي شيبة إلى زمان وجودهم فقال: حين عصي الله في الأرض. وهذه الصفة تصدق على زمان غياب دولة الإسلام كما هي الحال الآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع الجزء الثاني بإذن الله تعالى