منتديات شو ون شو

منتديات شو ون شو (https://sh11sh.com/vb/index.php)
-   عقيدة أهل السنة والجماعة (https://sh11sh.com/vb/forumdisplay.php?f=143)
-   -   تاريخ اليهود في التوراة والتلمود (https://sh11sh.com/vb/showthread.php?t=9062)

admin 28-05-2010 11:47 AM

تاريخ اليهود في التوراة والتلمود
 
تاريخ اليهود في التوراة والتلمود
ماهية التوراة :

التوراة في ( لسان العرب ) : نجد أن هذه الكلمة ذات أصل عربي ومصدرها وَرِيَ ، والوراء هو ولد الولد ، والواري هو السمين من كل شيء ، وناقة وارية أي سمينة ، وورَيْتُ النار توريةً إذا استخرجتها ، واستوريت فلانا رأياً أي سألته أن يستخرج لي رأيا ، ووريت الشيء وواريته أخفيته ، ووريت الخبر أُورِيه توريةً إذا سترته وأظهرت غيره وكأنه مأخوذ من وراء الإنسان ، لأنه إذا قال وَرَيْته فكأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر ، والتورية هي السَتْر .

ولو تدبرّنا كل المعاني السابقة ، لوجدنا أن هذ التسمية ( التوارة أو التورية حسب الرسم القرآني لها ) جاءت لتصف بدقة وبشمولية ، حال الكتاب الموجود بين أيدي اليهود ، ولتصف الكيفية التي يتعامل بها اليهود مع هذا الكتاب ، فالتوراة في الواقع كتاب ضخم يحوي بين دفتيه ( 39 ) سفرا ، وإحدى نسخه المترجمة فيها ما يزيد عن 1128 صفحة بمعدل 380 كلمة لكل صفحة ، أي ما يفوق القرآن من حيث عدد الكلمات بستة مرات تقريبا ، جُمع فيه كل ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل المتعاقبين تباعا ، من شرائع وأخبار ونبوءات غيبية وتاريخ وأساطير وخرافات ، وعلى فترات متباعدة ومتتالية ، ولمدة لا تقل عن ألف وخمسمائة سنة .

التوراة لم تنزّل على موسى وكتابه جزء منها :

وحسب النص القرآني ، في الآية ( يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65 آل عمران ) ، والآية ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ (46 المائدة ) نجد أن نزول التوراة حُصر في الفترة الزمنية الواقعة بين وفاة إبراهيم ونبوّة عيسى عليهما السلام ، ومن قوله تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44 المائدة ) نجد أنها أنزلت كمرجع لبني إسرائيل ( بني يعقوب عليه السلام ) لاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية منها ، وفي قوله تعالى ( يَأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ (15المائدة ) وقوله ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187 آل عمران ) نجد وصفا لحال اليهود معها وما كان منهم ، في إخفائها وكتمانها وتحريفها وإظهار غير ما جاء فيها ، وكل ما قيل فيها من معاني في المعجم ينسجم مع واقع التوراة الحالي ، وليس على كتاب موسى فقط والذي هو في الأصل جزء منها ، وما كان الفصل بينها وبين موسى عليه السلام في القران إلا ليؤكد هذه الحقيقة .

ولو تمعنّا في هذه الآية ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ - إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ - مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ - قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93 آل عمران ) ونظرت في قوله تعالى ( تُنَزَّلَ ) ، لوجدت أن التنزيل غير الإنزال ، فالأول على مراحل والثاني لمرة واحدة ، ومن ثم انتقلنا إلى سورة الأنعام ، وتدبرنا الآيات ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … (151) … (152) … (153) = ثُمَّ = آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154 الأنعام ) لوجدنا أن هذه الآيات توضح ما كان قد حُرّم عليهم في التوراة ، وأن مجيء أداة العطف ( ثُمَّ ) بعد ذكر ما جاء في التوراة مباشرة ، والتي تفيد لغةً الترتيب والتراخي في الزمن ، ومجيء العبارة ( آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) بعدها ، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أمرين ؛ الأول : أن التوراة شيء يختلف عن كتاب موسى عليه السلام ، والثاني : أنها سبقت كتاب موسى عليه السلام في النزول .

التوراة كتاب يضمّ بين دفتيه جميع ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل :

والأرجح أن التوراة أُنزلت مفرّقة بدءاً من يعقوب أو إسحاق وانتهاءً بزكريا عليهم السلام ، وأنها مجمل ما أُنزل على يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وبقية أنبيائهم ممن لم تذكر أسمائهم في القرآن ، قال تعالى ( وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136 البقرة ) ولاحظ أن ترتيب أسماء الأنبياء ، في هذه الآية جاء متعاقبا حسب الترتيب الزمني ، ولاحظ أيضا أنّ الإنزال شمل كل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وتوقف . وأفرد موسى وعيسى مع أنهم من الأسباط وخصّهما بالإيتاء ، وأفرد النبيين من غير ذرية إبراهيم بالإيتاء أيضا ، والظاهر أن هناك فرق بين الإنزال والإيتاء ، وأما ماهية الأسباط فسنبيّنها في فصل آخر .

ولو اطلعت على مجمل النصوص القرآنية ، لوجدت أن ما نُسب إلى موسى عليه السلام بالإيتاء ، هو الكتاب والفرقان والهدى وضياء وذكر والألواح والصحف ، وأن التوراة لم تنسب نصّا إلى موسى عليه السلام ، في أي موضع من المواضع ال (18) في القرآن ، وهي ( 6 مرات في آل عمران ، و7 مرات في المائدة ، ومرة واحدة في كلٍ من الأعراف والتوبة والفتح والصف والجمعة ) وخلاصة القول أن ذكر التوراة في القران يُقصد به الكتاب الذي كان بأيدي اليهود زمن نزول القرآن وحتى عصرنا هذا ، والذي مجمل ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام ، وأن المقصود بذكر الكتاب المذكور في سورة الإسراء هو ما أُنزل على موسى وحده ، والله أعلم . وأما ما يُنسب إلى موسى عليه السلام في التوراة الحالية ، فهي الأسفار الخمسة الأولى من مجموع أسفارها ، وهي أسفار التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية ، وعلى الأرجح أن بعض هذه الأسفار كسفر التكوين ، كان موجودا قبل موسى عليه السلام ، ومن المحتمل أن يكون هذا السفر هو مجموع صحف إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام .

حقيقة التوراة على لسان المقدسي :

جاء في كتاب ( البدء والتاريخ ) للمقدسيّ ، ما نصه : جاء في كتاب ( البدء والتاريخ ) للمقدسيّ ، ما نصه : وذلك أن ( بختنصر ) لما خرب بيت المقدس وأحرق التورية وساق بني إسرائيل إلى أرض بابل ، ذهبت التوراة من أيديهم حتى جدّدها لهم عزير فيما يحكون ، والمحفوظ عن أهل المعرفة بالتواريخ والقصص أن عزيرا ( عزرا الكاتب ) أملى التوراة في آخر عمره ، ولم يلبث بعدها أن مات ودفعها إلى تلميذ من تلامذته ، وأمره بأن يقرأها على الناس بعد وفاته ، فعن ذلك التلميذ أخذوها ودونوها ، وزعموا أن التلميذ هو الذي أفسدها وزاد فيها وحرفها ، فمن ثم وقع التحريف والفساد في الكتاب وبُدّلت ألفاظ التوراة ، لأنها من تأليف إنسان بعد موسى لأنه يخبر فيها عما كان من أمر موسى عليه السلام ، وكيف كان موته ووصيته إلى يوشع بن نون ، وحزن بني إسرائيل وبكاؤهم عليه ، وغير ذلك مما لا يشكل على عاقل أنه ليس من كلام الله عز وجل ولا من كلام موسى ، وفي أيدي السامرة توراة مخالفة للتوراة التي في أيدي سائر اليهود ، في التواريخ والأعياد وذكر الأنبياء ، وعند النصارى توراة منسوبة إلى اليونانية ، فيها زيادة في تواريخ السنين على التورية العبرانية ، بألف وأربع مائة سنة ونيف ، وهذا كله يدل على تحريفهم وتبديلهم ، إذ ليس يجوز وجود التضاد فيها من عند الله انتهى .

أما ما دفعني للبحث في أمر التوراة في البداية ، هو رغبتي في استخراج نص النبوءة منها ، ومقارنته مع نص سورة الإسراء ، واستقراء تاريخهم حسب ما يروونه هم بأنفسهم ، فيما إذا كان هناك ما يفيد تحقق الوعد الأول ، من خلال البحث في التوراة الحالية ، والموجودة تحت اسم العهد القديم ، في الكتاب المقدس الخاص بالنصارى ، حيث توفرت لديّ نسختين عنه واحدة باسم (كتاب الحياة / ترجمة تفسيرية / ط2 1988 / جي سي سنتر القاهرة ) وتقع في (1128) صفحة ، وأخرى باسم ( الكتاب المقدس / دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ) وتقع في ( 1358 ) صفحة مترجمة عن التوراة اليونانية ، وبما أن عدد الصفحات كبير جدا ، ومن المؤكد أن هذا النص قد اعتراه الكثير من التحريف والتزوير من إضافة ونقص ، فهو يحتاج إلى قراءة مركزة ومتأنية من الألف إلى الياء ، مما يتطلب الكثير من الوقت والجهد ، فضلا عما تُصاب به من دوار كلما حاولت أن تستجمع ما ورد فيها ، من أفكار مشتتة ومضلِّلة ، ولما فيها من إسهاب وإطالة وتكرار ، لذلك كان لا بد لي من تحديد على من أُنزلت هذه النبوة ، وما هو المقصود بقوله سبحانه ( في الكتاب ) على وجه الدقة وفي أي فترة زمنية أُنزلت ، لتكون عملية البحث فيها أقل جهدا ، وعند بحثي عنها فيما نُسب إلى موسى عليه السلام من أسفار وجدتها في سفر التثنية ، وقد اعتراها الكثير من التشويه من حذف وإضافة ، وفيما يلي بعض من بقايا نصوصها التي توزعت على مدى ( 18 صفحة ) :

سفر التثنية آخر الأسفار المنسوبة لموسى ، ويضم في ثناياه نصوص نبوءة الإسراء

ملاحظة : النص مأخوذ من نسخة ( كتاب الحياة ) حيث أن التركيب اللغوي فيها أكثر قوة وتعبيرا ، إلا في مواضع نادرة نلجأ فيها للأخذ من النسخة الأخرى ( الكتاب المقدس ) وهو ما يرد بين [ … ] ، وما يرد بين ( … ) فهو تعقيب من المؤلف .

( وَءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2 الإسراء )

إصحاح 26: آية 16: لقد أمركم الرب إلهكم هذا اليوم ، أن تعملوا بهذه الفرائض والأحكام ، فأطيعوا واعملوا بها من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ، 17: … وأن عليكم طاعة جميع وصاياه ،19: فيجعلكم أسمى من كل الأمم [ مستعليا على جميع القبائل ] التي خلقها في الثناء والشرف والمجد ، ( العلو ) ، … .

إخبار موسى عليه السلام بنص النبوءة كان قبل دخولهم إلى الأرض المقدسة :

27: 1-9: وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلين : أطيعوا جميع الوصايا التي أنا أمركم بها اليوم . فعندما تجتازون نهر الأردن ، إلى الأرض التي يهبها الرب إلهكم لكم ، تنصبوا لأنفسكم حجارة كبيرة ، … وتكتبون عليها جميع كلمات هذه الشريعة ، … ثم قال موسى والكهنة واللاويون لجميع شعب إسرائيل :

سفر الخروج : 20 : 2: أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ديار عبوديتك ، 3: لا يكن لك آلهة أخرى سواي ، 4: لا تنحت لك تمثالا ولا صورة ، … ، 5: لا تسجد لهن ولا تعبدهن ، … ، 7: لا تنطق باسم الرب باطلا ، … ، 12: أكرم أباك وأمك ، … ، 13: لا تقتل ، 14: لا تزن ، 15: لا تسرق ، 16: لا تشهد على قريبك شهادة زور ، 17: لا تشته بيت جارك ، … ، ولا شيئا مما له .

وهذا ما يُسمّونه بالوصايا العشر ، واخترت النص من سفر الخروج ، كونه أكثر وضوحا ومطابقة للقرآن ، حيث ورد نص الميثاق والوصايا في والبقرة ( 83 – 84 ) والأنعام ( 151 – 153 ) والإسراء ( 22 – 39 ) .

( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4 الإسراء )

31: 16-21: و قال الرب لموسى : ما إن تموت وتلحق بآبائك ( مستقبلا ) … حالما أدخلهم إلى الأرض التي تفيض لبنا وعسلا ، … ، فيأكلون ويشبعون ويسمنون ، فإنهم يسعون وراء آلهة أخرى ويعبدونها ويزدرون بي وينكثون عهدي . فيحتدم غضبي عليهم في ذلك اليوم ، وأنبذهم وأحجب وجهي عنهم ، فيكونوا فريسة ، … ،: فمتى حلّت بهم شرور كثيرة ومصائب جمّة ، يشهد هذا النشيد عليهم ، لأنه سيظل يتردّد على أفواه ذريّتهم ، إذ أنني عالم بخواطرهم التي تدور بخلدهم الآن ، قبل أن أُدخلهم إلى الأرض كما [ أقسمت ] . ( وهذا يعني أن الله أخبرهم من سابق علمه بما سيكون منهم بعد دخولهم للأرض المقدّسة )

( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ (7 الإسراء )

28: 1-13: وإن أطعتم صوت الرب طاعة تامة ،حرصا منكم على تنفيذ جميع وصاياه فإن الرب إلهكم يجعلكم أسمى من جميع أمم الأرض . وإذا سمعتم لصوت الرب إلهكم ، فإن جميع هذه البركات تنسكب عليكم وتلازمكم ، … ، كما تتبارك ذُرّيّتكم ، وغلّات أرضكم ، ونتاج بهائمكم ، ويهزم الرب أمامكم أعدائكم القائمين عليكم ، فيقبلون عليكم في طريق واحدة ، ولكنّهم يُولّون الأدبار في سبع طُرق ، فيفتح الرب كنوز سمائه الصالحة ، فيمطر على أرضكم في مواسمها ، ويُبارك كل ما تنتجه أيديكم ، … ، فإنّه يجعلكم رؤوسا لا أذنابا ، متسامين دائما ( علو ) ، ولا يُدرككم انحطاط أبدا ( ذلّة ) … . ( مثوبة الإصلاح )

( وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا (7 الإسراء )

28: 15 ولكن إن عصيتم صوت الرب إلهكم ، ولم تحرصوا على العمل بجميع وصاياه وفرائضه ، التي أنا آمركم اليوم بها ، فإن جميع هذه اللعنات تحل بكم وتلازمكم ، … ، وتحلّ اللعنة بأبنائكم ، وغلّات أرضكم ، ونتاج بهائمكم ، ويصبّ الربّ عليكم اللعنة والفوضى والفشل ، حتى تهلكوا وتفنوا سريعا لسوء أفعالكم إذ تركتموني ، ويتفشى بينكم الوباء حتى يُبيدكم ، وتصبح السماء من فوقكم كالنحاس ، والأرض من تحتكم كالحديد ، 25: ويهزمكم الربُّ أمام أعدائكم ، فتقبلون عليهم في طريق واحدة ، وتولون الأدبار أمامهم متفرقين في سبع طرق ، وتصبحون عبرة لجميع ممالك الأرض ، 26: وتكون جثتكم طعاما ، لجميع طيور السماء ووحوش الأرض ، ولا يطردها أحد [ وليس من يزعجها ] ، 28: ويبتليكم الرب بالجنون والعمى وارتباك الفكر [ وحيرة القلب ] ، 29: فتتحسّسون طرقكم في الظهر ، كما يتحسّس الأعمى في الظلام ، وتبوء طرقكم بالإخفاق ، ولا تكونون إلا مظلومين مغصوبين كل الأيام ، 32: يساق أولادكم وبناتكم إلى أمة أخرى … وما في أيديكم حيلة ، … ، 36: ينفيكم الرب أنتم ومَلِككم إلى أمة أخرى ، لا تعرفونها أنتم ولا آباؤكم ، … ، 37: وتصبحون مثار دهشة وسخرية وعبرة في نظر جميع الشعوب ، … ، 43: [ الغريب الذي في وسطك ، يستعلي عليك متصاعدا ، وأنت تنحط متنازلا ] ( عودة الذل وزوال العلو ) ، 44: … ، وهم يكونون رؤوساً وأنتم تكونون ذنبا . ( عقوبة الإفساد )

النصوص الخاصة بالمرة الأولى :

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ … (5 الإسراء )

28: 49 ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ، من أقصى الأرض ، فتنقضّ عليكم كالنسر ، 50: أمّة [ جافية الوجه ] يثير منظرها الرعب ، لا تهاب الشيخ ولا ترأف بالطفل ، ( صفة البأس الشديد ) 51: فتستولي على نتاج بهائمكم ، وتلتهم غلات أرضكم حتى تفنوا ، ولا تُبقِ لك قمحا ولا خمرا ولا زيتا ، … حتى تفنيك ، 52: وتحاصركم في جميع مدنكم ، حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ، التي وثقتم بمناعتها ، … ، ( الجوس خلال الديار ) 58: فإن لم تحرصوا على العمل بجميع كلمات هذا الشريعة المكتوبة في هذا الكتاب ، … ، 59: فإن الرب يجعل الضربات النازلة بكم وبذرّيتكم ، ضربات مخيفة وكوارث رهيبة دائمة ، … ، 63: وكما سُرّ الرب بكم ، فأحسن إليكم وكثّركم ، فإنه سيُسرّ بأن يفنيكم ويهلككم فتنقرضون [ فتستأصلون ] من الأرض التي أنتم ماضون إلى امتلاكها ، 64: ويشتّتكم [ ويبددكم ] الرب بين جميع الأمم ، من أقصى الأرض الى أقصاها ، … ( الشتات في كافة أرجاء الأرض ) 65: ولا تجدون بين تلك الأمم اطمئنانا ولا مقرّا لقدم ، بل يعطيكم الرب قلبا هلعا ، وعيونا أوهنها الترقب ، ونفوسا يائسة ( الذلة والمسكنة بين الأمم ) ، 66: و تعيشون حياة مفعمة بالتوتر ، مليئة بالرعب ليلا و نهارا .

النبوءة جاءت بِقَسَم ولمرتين ( تكرار للنص السابق مع الإسهاب ) :

29: 1 وهذه هي نصوص العهد ، الذي أمر الرب موسى ، أن يقطعه مع بني إسرائيل في سهول موآب ، فضلا عن العهد الذي قطعه معهم في حوريب ، 2: ودعا موسى جميع إسرائيل ، … ، 29: 4 و لكن الرب لم يعطكم حتى الآن ، قلوبا لتعوا [ لتفهموا ] وعيونا لتبصروا و أذانا لتسمعوا ، … ، 9: فأطيعوا نصوص هذا العهد واعملوا بها ، [ لكي تفلحوا في كل ما تفعلون ] ، … ، 14: ولست أقطع هذا العهد وهذا القسم معكم وحدكم ، 15: بل … أُبرمه أيضا مع الأجيال القادمة ( حيث سيقع منهم الإفساد مرّتين مستقبلا ) ، … ، 18: فاحرصوا أن لا يكون بينكم ، من تأصّل فيه الشرّ ، فيحمل ثمرا علقما سامّا ، 19: فإن سمعَ كلام هذا القَسم يستمطر بركة على نفسه ( أي يزكّي نفسه ) قائلا : سأكون آمنا ، حتى ولو أصررت على الاستمرار في سلوك طريقي ( الإصرار على المعصية ) ، إن هذا يُفضي إلى فناء الأخضر واليابس ، على حد سواء ، 20: إن الرب لا يشاء الرفق بمثل هذا الإنسان ، بل يحتدم غضبه وغيرته عليه ، فتنزل به كل اللعنات المدوّنة في هذا الكتاب ، ويمحو اسمه من تحت السماء ، 22: فيشاهد أبناؤكم من الأجيال القادمة ، والغرباء الوافدون من أرض بعيدة ، بلايا تلك الأرض ، … ، 23: إذ تصبح جميع الأرض كبريتا محترقة لا زرع فيها ، … ، كانقلاب سدوم ( قوم لوط ) ، التي قلبها الرب من جراء غضبه وسخطه ، … ، 28: واجتثّهم من أرضهم ، بغضبٍ وسخطٍ وغيظٍ عظيم ، وطوّح بهم إلى أرض أخرى ( السبي والشتات ) ، … .

النصوص الخاصة بالمرة الثانية :

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104 الإسراء )

30: 1 وعندما تحلّ بكم هذه البركات واللعنات ( تحقق الوعد الأول من علو وإفساد وعقاب ) كلها التي وضعتها نُصب أعينكم ، وردّدتموها في قلوبكم بين الأمم ، حيث شتّتكم الرب إلهكم ، 2: ورجعتم إلى الرب إلهكم أنتم وبنوكم ، … 3: فإن الرب إلهكم يردّ سبيكم ويرحمكم ، ويلّم شتاتكم من بين جميع الشعوب ، التي نفاكم الرب إلهكم إليها ، …

( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6 الإسراء )

30: 5: ويعيدكم إلى الأرض التي امتلكها آباؤكم فتمتلكونها ، ويحسن إليكم ويكثّركم أكثر من آبائكم ، 30: 7: و يُحوّل الرب إلهكم كل هذه اللعنات ( العقاب الذي سيكون قد نزل بهم في المرة الأولى ) على أعدائكم ، وعلى مبغضيكم الذين طردوكم ( الذين أنزلوا بهم العقاب الإلهي في المرة الأولى ) ،30: 8 و أما أنتم فتطيعون صوت الرب من جديد ( في المرة الثانية ) ، وتعملون بجميع وصاياه التي أنا أوصيكم بها اليوم ، 9: فيفيض الرب عليكم خيرا ، في كل عمل ما تنتجه أيدكم ، ويكثّر ثمرة أحشائكم ، ونتاج بهائمكم ، أرضكم ، … ( وكل ما تقدم مشروط بالإحسان )

( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ( 7 الإسراء ) ( تكرار )

30: 10: هذا إن سمعتم لصوت الرب إلهكم ، وحفظتم وصاياه وفرائضه المدوّنة في كتاب الشريعة هذا ، ( أي تعاليم شريعة موسى في التوراة ، وليس تعاليم التلمود التي خطّها أحبارهم وكهنتهم ) ، وإن رجعتم إلى الرب إلهكم ، من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ، 11: إن ما أوصيكم به اليوم من وصايا ، ليست متعذّرة عليكم ولا بعيدة المنال ، … ، 15: انظروا : ها أنا قد وضعت أمامكم اليوم ، الحياة والخير والموت والشر ، 16: … أوصيتكم اليوم أن تُحبّوا الرب إلهكم ، وأن تسلكوا في طرقه ، وتطيعوا وصاياه وفرائضه وأحكامه ، لكي تحيوا وتنمو ، فيبارككم الرب ، في الأرض التي أنتم ماضون إليها لامتلاكها ، 17: ولكن إن تحوّلت قلوبكم ولم تطيعوا ، بل غويتم وسجدتم لآلهة أخرى وعبدتموها ، 18: فإني أنذركم [ أُنبّئكم ] اليوم أنكم لا محالة هالكون ، ولا تطول الأيام على الأرض ( أي مقامكم ) التي أنت عابر ( نهر ) الأردن لتدخلها وتمتلكها …

19: ها أنا أُشهد عليكم اليوم السماء والأرض ، قد وضعت أمامكم الحياة والموت ( أي وضحت لكم طريق النجاة وطريق الهلاك ، واستبدالها بكلمتي الحياة والموت من خلال النقل أو التحريف ، ترتّب عليه إنكار الحياة الآخرة ، واليوم الآخر من بعث وحساب ، فالجزاء عندهم دنيوي فقط ، فالثواب هو إطالة الحياة ، والعقاب هو قصرها ) ، البركة واللعنة ( أي الجزاء في الدنيا ) ، فاختاروا الحياة ( أي الشريعة ) لتحيوا ( لتنجوا من عذاب الدنيا والآخرة ) أنتم ونسلكم ، 20: إذ تحبّون الرب إلهكم و تطيعون صوته ، وتتمسّكون به لأنه هو حياتكم ( أي نجاتكم ) والذي يُطيل أيامكم لتستوطنوا [ لكي تسكنوا ] الأرض التي حلف الرب لآبائك ، إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لكم .

الدخول أول مرة كان بحبل من الله :

31: 1: ومضى موسى يقول لبني إسرائيل : 2: … وقد قال لي الرب : لن تعبر هذا الأردن ( المقصود نهر الأردن ) 3: ولكن الرب إلهكم هو عابر أمامكم ، وهو يبيد تلك الأمم من قدّامكم فترثونهم ، … ، 6: [ تشدّدوا ] وتشجّعوا ، لا تخشونهم ولا تجزعوا منهم ، لأن الرب إلهكم سائر معكم ، لا يهملكم ولا يترككم .

حتمية إفسادهم وعقابهم في المرة الثانية :

31: 28 اجمعوا إليّ جميع شيوخ أسباطكم و عرفاءكم ( النقباء ) ، لأتلو على مسامعهم هذه الكلمات ، وأشهد عليهم السماء والأرض ، 29: لأنني واثق أنكم بعد موتي ، تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها ، فيصيبكم الشرّ في آخر الأيام ( المرة الثانية تكون آخر الزمان ) ، لأنكم تقترفون الشر أمام الرب ، حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيديكم ، 30: فتلا موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل [ بكلمات ] هذا النشيد ، …

( أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2 الإسراء )

32: 3: باسم الرب أدعو فمجّدوا عظمة إلهنا ، 4: هو الصخر ( الوكيل ) [ الكامل صنيعه ] ، سبله جميعها عدل ، هو إله أمانة لا يرتكب جورا ، صديق وعادل هو ، 5: لقد اقترفوا الفساد أمامه ، ولم يعودوا له أبناء ، بل لطخة عار ، إنهم جيل أعوج وملتو ، 6: أبهذا تكافئون الرب ، أيها الشعب الأحمق الغبيّ ، أليس هو أباكم وخالقكم ، الذي عملكم وخلقكم ، 7: اذكروا الأيام الغابرة ، وتأملوا في سنوات الأجيال الماضية ، اسألوا آبائكم فينبئوكم ، وشيوخكم فيخبروكم ، 10: وَجَدَهم في أرض قفرٍ وفي خلاء موحشٍ ، فأحاط بهم ورعاهم وصانهم ، 12: … وحده قاد شعبه ، وليس معه إله غريب ( أي آخر ) ، 13: أصعدهم على هضاب الأرض ، فأكلوا ثمار الصحراء ، وغذّاهم بعسل من حجر ، وزيتا من حجر الصوّان ، و … و …

الدخول الثاني كان بحبل من الناس ، إذ لا حاجة بهم إلى الله :

15: فسمن بنو إسرائيل ورفسوا ، سمنوا وغلظوا واكتسوا شحما ( كناية عن الترف ) ، فرفضوا الإله صانعهم وتنكّروا لصخرة خلاصهم ، 16: أثاروا غيرته بآلهتهم الغريبة ، وأغاظوه بأصنامهم الرجسة ، 17: لآلهة غريبة لم يعرفوها بل ظهرت حديثا ( المال والقوة والناس ) ، آلهة لم يرهبها آباؤهم من قبل ، 18: لقد نبذتم الصخر الذي أنجبكم ونسيتم الله الذي أنشأكم ( وهذا حالهم وحال دولتهم الحالية ) .

( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ … (7 الإسراء )

19: فرأى الرب ذلك ورذلهم ، إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه ، 20: وقال : سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولادُ خونة ، 21: … ، لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ( أولي بأس شديد ) ، وأغيظهم بأمة حمقاء [ أمة لا تفهمون لغتها ] 22: فها قد أضرم غضبي نارا ، تُحرق حتى الهاوية السفلى ، وتأكل الأرض وغلّاتها ، وتحرق أسس الجبال ، 23: أجمع عليهم شرورا ، وأُنفذ سهامي فيهم ، 24: أجعل أنياب الوحوش ، مع حمّة زواحف الأرض تنشب فيهم ، 25: يثكلهم سيف العدو في الطريق ، ويستولي عليهم الرعب داخل الخدور ، فيهلك الفتى مع الفتاة ، والرضيع مع الشيخ ( الجوس الثاني ) 26: قلت : أشتّتهم في زوايا الأرض ، وأمحو من بين الناس ذكرهم ( أي في المرة الأولى ) ، 27: لولا خوفي من تبجح العدو ، إذ يظنون قائلين : إن يدنا قد عَظُمت ( أعداء بني إسرائيل ) وليس ما جرى من فِعل الرب .

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ (7 الإسراء )

32: 28 إن بني إسرائيل أمة غبية ولا بصيرة فيهم ( لا يعقلون ولا يفقهون ) ، 29: لو عقلوا لفطنوا لمآلهم وتأملوا في مصيرهم ، 32: إذ أن كرمتهم من كرمة سدوم ، ومن حقول عمورة ، ( تشيه إفسادهم وإصرارهم ، بإفساد قوم لوط وإصرارهم ) وعنبهم ينضح سمّا ، وعناقيدهم تفيض مرارة ، 33: خمرهم حمّة الأفاعي ، وسمُ الثعابين المميت 32: 34 أليس ذلك مدخرا عندي ، مختوما عليه في خزائني ، 35: لي النقمة وأنا أُجازي ، في الوقت المعين ( مجيء الوعد ) تزلّ أقدامهم ، فيوم هلاكهم بات وشيكا ، ومصيرهم المحتوم يُسرع إليهم ، ( كلما أمعنوا في الإفساد كلما اقترب موعد هلاكهم ) .

( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ … ( 8 الإسراء )

36: لأن الرب يدين شعبه ( بني إسرائيل ) ويرأف بعبيده ، عندما يرى أن قوّتهم قد اضمحلت ( زالت بعد المرة الثانية ) … .

( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56 الإسراء )

32: 37 عندئذ يسأل الرب : أين آلهتهم ؟ أين الصخرة التي التجأوا إليها ؟ 38: لتهبّ لمساعدتكم وتبسط عليكم حمايتها 39: انظروا الآن : إني أنا هو وليس إله معي ، أنا أميت وأحيي ، أسحق وأشفي ولا منقذ من يدي ، … 41: إذا سننت سيفي البارق ، وأمسكتْ به يدي للقضاء ، فإني أنتقم من أعدائي وأجازي مبغضيّ ، 42: أُسكر سهامي بالدم ويلتهم سيفي لحما بدم القتلى والسبايا ، ومن رؤوس قواد العدو ( قادة إسرائيل ) … .

موسى عليه السلام يُخبر بنص النبوءة قبل موته :

32: 45 وعندما انتهى موسى ، من تلاوة جميع كلمات هذا النشيد على الإسرائيليين ، 46: قال لهم : تأمّلوا بقلوبكم في جميع الكلمات ، التي أنا أشهد عليكم بها اليوم ، لكي توصوا بها أولادكم ، ليحرصوا على العمل بكلمات هذه التوراة كلها ، 47: لأنها ليست كلمات لا جدوى لكم منها ، إنها حياتكم وبها تعيشون طويلا ، في الأرض التي أنتم عابرون نهر الأردن إليها لترثوها … 34: 5: فمات موسى عبد الرب ، في أرض موآب [حسب ] قول الرب .

نلاحظ هنا أن النبوءة ، اعتراها بعض التشويه من حذف أو إضافة أو تبديل ، ولكنها حافظت على خطوطها العريضة ، ونلاحظ أيضا أنها فصلت المرتين كل منهما على حدة .

حيثيات نفاذ الوعد الأول في الأسفار الأخرى

التوراة كمرجع تاريخي غير موثوق به :

رجّح كثير من الناقدين والباحثين الغربيون ، من الذين وضعوا التوراة تحت المجهر ، كونها العهد القديم من كتابهم المقدس ، أنها كتبت بأيدي بشر ، وذلك لما تحفل به من خرافات وأساطير ، ولتناقضها مع العهد الجديد ( الإنجيل ) ، وتناقضها مع المنطق والواقع ، وتناقضها أيضا مع المصادر التاريخية الأخرى في مواضع عديدة ، ويُجمع الكثير منهم أن كتابتها وجمعها قد تم بعد السبي البابلي ، وجاء القرآن ليكشف الكثير من أكاذيبها وافتراءاتها ، ومن خلال اطّلاعي عليها تبين لي أن من قام بإعادة كتابة التوراة ، هم أشخاص مشبعون بمشاعر الحقد والقهر والنقمة والرغبة في الانتقام ، وكل هذه المشاعر موجهة بالترتيب نحو :

1. رب العزة جلّ وعلا ، ( يقولون أن يعقوب عليه السلام صرع الله في البرية ، واستطاع الله النجاة بعضّ يعقوب في فخذه ، فسبب له عرق النساء ، ومن أجل ذلك لا يأكل اليهود عرق النساء الذي في الفخذ ، سفر التكوين 32: 24-32 ، ويقولون عنه سبحانه أنه كثير البكاء وكثير الندم على ما أنزله بشعبه المقدس ، ولذلك كانوا وما زالوا يعتقدون ، أن الله سيصلح خطأه معهم ، بإعادتهم إلى وطنهم ، الذي طُردوا منه بلا ذنب أو خطيئة ، فالخطأ منسوب إلى الله ورسله وملائكته والشعوب المجاورة ، أما شعب الله المقدّس ، فليس له خطيئة فهو حمل وديع ، وهذا نوع من الإسقاط النفسي ، لعظم الخطيئة ، وفداحة العقاب الذي وقع منهم وبهم ) .

2. الرسل والأنبياء ، ( يقولون أن موسى وهارون خانا الرب وسط الشعب التثنية ؛ 32: 50-51 ، وهارون هو الذي صنع العجل الذهبي ، الخروج 32: 1-6 ، وداود ارتكب خطيئة الزنا مع زوجة الجندي ؛ صموئيل الثاني ، 11: 1-27 ، وسليمان عبد آلهة أخرى ، وفعل الشرّ في عيني الرب ، كما فعل أبوه ؛ ملوك أول 11: 1-8 ) .

3. الكنعانيون القدماء وورثتهم الجدد ( الفلسطينيون ) ، ( سفر التكوين 9: 20-27: واشتغل نوح بالفلاحة وغرس كرما ، وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خيمته ، فشاهد حام أبو الكنعانيين عُريّ أبيه ، فخرج وأخبر أخويه اللذين كانا في الخارج ، فأخذ سام ويافث ، رداءً ووضعاه على أكتافهما ، ومشيا القهقرى إلى داخل الخيمة ، وسترا عورة أبيهما من غير أن يستديرا بوجهيهما نحوه فيُبصرا عورته . وعندم أفاق نوح من سكره ، وعلم ما فعله ابنه الصغير ، قال : ليكن كنعان ملعونا ، وليكن عبد العبيد لأخوته ، ثم قال : تبارك الله إله سام ، وليكن كنعان عبدا له ، ليوسع الله ليافث ، وليكن كنعان عبدا له ) .

4. الكلدانيون في بابل ، وورثتهم الجدد ( العراقيون ) ، ( وأحقادهم على بابل وأهلها ، أُفرد الحديث عنها في موضع آخر ) .

5. جميع شعوب الأرض ما عدا اليهودي الصرف . ( والأمثلة على ذلك موجودة في أسفار موسى ، ونصوص التلمود ) .

6. سبط بنيامين الأخ الشقيق ليوسف عليه السلام .

وكل مشاعر الحقد والرغبة في الانتقام ممن ذُكروا أعلاه ، أفرغها الكتبة ( الكهنة والحكماء ) في كتابهم المقدس ( التوراة ) ، فأعادوا جمعها ونسخها تحت وطأة انفعالات نفسية رهيبة ، وتمت فبركة جميع أسفارها بما يتناسب مع تلك المشاعر التي خلفها السبي البابلي في عقولهم وقلوبهم ، والتي كانت أكبر فاجعة أُصيب بها بنو إسرائيل والأكثر إيلاما على مرّ التاريخ .

وقد تبين لي أن هناك تطويل وتكرار غير مبرر لنفس الحدث أو الموضوع ، وأحيانا يكون هذا التكرار لنفس السفر كاملا تحت مسميين ، مثل أسفار أخبار الأيام وأخبار الملوك مع اختلاف بسيط ، وأحيانا لنفس الفقرة في نفس السفر ، وهذا التكرار يدل على أن نصوص التوراة جُمعت على الأقل من مصدرين مختلفين ، وأُخذت النصوص منهما وجُمعت في كتاب واحد دون تفضيل نص على آخر ، فالحدث الواحد أحيانا يتكرّر مرتين وثلاثة دون وجود فارق جوهري في المضمون .

وبعد أن قمت بمطالعة التوراة بشكل مُتكرّر تأكدت من هذه الحقيقة ، التي لم يكن قد تنبّه لها الباحثون والناقدون من قبل ، وهي أن التوراة قد جمعت فعلا من نسختين مُختلفين ، وأن إحدى النسختين حُرّفت أكثر من الأخرى ، وأن لغة كل منهما تختلف عن الأخرى ، فغالبا ما يكون هناك مُسمّين لنفس الشخص أو المكان ، حتى يخال للقارئ أنها أسماء لشخوص أو أماكن مختلفة ، وكمثال على ذلك إبرام وإبراهيم ، وساراي وسارة ، وصحراء سين وصحراء سيناء ، ومملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ، والسبي البابلي والسبي الآشوري . وهذا الارتباك الذي وقع فيه مؤلفو التوراة المتأخرون ، أثناء محاولة التوفيق بجمع ما جاء في النسختين ، تسبب في هذا العرض التأريخي المشوّه للوقائع ، مما أفقد التوراة مصداقيتها حتى للكثير من الباحثين اليهود أنفسهم ، ولكل من بحث من علماء التنقيب والآثار . ولكنها بقيت المرجع التاريخي الوحيد لتاريخ بني إسرائيل .

وفي كثير من الأحيان تشعر بسخافة كتابها من سخافة أفكارها وأخبارها وسخافة تبريرها وتعليلها ، كقصة عرق النساء وصراع يعقوب مع الله ، وفبركة قصة نوح وأولاده أعلاه ، ناهيك عن ألفاظها البذيئة التي أحيانا تترفع عن كتابتها حتى الروايات الهابطة ، ورائحة اللحوم والدماء والخمور والمشاوي والهش والنش … إلى آخره ، وما يربط التوراة بالوحي هو ما يظهر في ثناياها من خطوط عريضة ، هي البقية الباقية التي سلمت من أيديهم رغما عن أنوفهم ، وهذا لا يعني ألا نقرأ هذا الكتاب - بل على العكس تماما -توّجب على المسلمين قراءته وقراءة التلمود أيضا منذ أمد بعيد وقراءة ما كُتب فيهما من مؤلفات ناقدة ، لمعرفة العقلية التي يفكر بها هؤلاء ولمعرفة ما يطمحون إليه ، والحقيقة أني ما كنت لأقرأها وأقرأ ما كُتب فيها من مؤلفات عديدة لولا هذا البحث .

مملكة شمالية ومملكة جنوبية :

تقول الأسفار التاريخية في التوراة ، بأن مملكة سليمان انقسمت بعد موته إلى مملكتين ، جنوبية في القدس واسمها يهوذا ( القدس ) وهي الأصل ، وشمالية واسمها إسرائيل ( نابلس ) وهي المنشقة .

وصف فساد المملكة الشمالية :

يذكر كتبة التوراة أن المملكة الشمالية فسدت وأفسدت ، ( ملوك أول :12 :25-33 ) وحصّن يربعام ( ملك الشمالية ) مدينة شكيم ( نابلس ) ، في جبل أفرايم وأقام فيها ، … ، وبعد المشاورة سبك الملك عجليّ ذهب ، وقال للشعب : إن الذهاب إلى أورشليم للعبادة ، يعرضّكم لمشقة عظيمة ، فها هي آلهتك يا إسرائيل ، التي أخرجتك من ديار مصر .

وأما إفسادهم حسب ما يروونه هم عن أنفسهم ، فقد جاء في سفر الملوك الثاني ما نصه ، 17: 9: وارتكب بنو إسرائيل في الخفاء المعاصي ، في حقّ الرب إلههم ، … 11: واقترفوا الموبقات لإغاظة الرب ، عابدين الأصنام التي حذّرهم ونهاهم الربّ عنها ، … 13: قائلا : ارجعوا عن طرقكم الأثيمة ، وأطيعوا وصاياي وفرائضي بمقتضى ، التي أوصيت آبائكم بتطبيقها ، … على لسان عبيدي الأنبياء ، 14: لكنهم أصمّوا آذانهم ، وأغلظوا قلوبهم كآبائهم ، … 16: ونبذوا جميع وصايا الرب ، 17: … ، وتعاطوا العرافة والفأل ( السحر والكهانة ) ، … 22: ولم يعدل الإسرائيليون عن ارتكاب جميع خطايا يربعام ، بل أمعنوا في اقترافها ، 23: فنفى الرب إسرائيل من حضرته ، كما نطق على لسان جميع الأنبياء ، فسبي الإسرائيليون إلى أشور إلى هذا اليوم ( أي اليوم الذي كتبوا فيه هذا النص بعد السبي بمدة طويلة ) .

وصف فساد المملكة الجنوبية :

وأما ما يُنسب من إفساد إلى ملوك المملكة الجنوبية ، فقد جاء في نفس السفر ما نصه ، 21: 2: وارتكب الشرّ في عينيّ الربّ ، مقترفا رجاسات الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل ، 3: … ، وأقام مذابح البعل ، ونصب تماثيل عشتاروت ( مدينة بابلية ) ، وسجد لكواكب السماء وعبدها ، 6: ولجأ إلى أصحاب الجانّ والعرّافين ، وأوغل في ارتكاب الشرّ ، … 10: ثم قال الرب على لسان عبيده الأنبياء : لأن منسّى ملك يهوذا اقترف جميع هذه الموبقات ، وأضلّ يهوذا … ، 12: … ، ها أنا أجلب شرا على أورشليم ويهوذا ، 13: … ، وأمسح أورشليم كما يّمسح الطبق من بقايا الطعام ، 14: وأنبذ شعبي وأسلمهم إلى أيدي أعدائهم ، فيصبحون غنيمة وأسرى لهم ، 15: لأنهم ارتكبوا الشرّ في عيني ، … 16: وزاد منسّى فسفك دم أبرياء كثيرين ، حتى ملأ أورشليم من أقصاها إلى أقصاها ، فضلا عن خطيئته التي استغوى بها يهوذا ، … .

وتخبر التوراة أن الحروب استمرت بين المملكتين ، واستعانة المغلوب بالأقوام المجاورة على الآخر ، إلى أن جاء الغزو الآشوري وسبى المملكة الشمالية 721 ق.م .

وتتابعَ الملوك الجنوبيون في ارتكاب الشرّ في عينيّ الرب ( حسب قولهم ) ، وفي عهد الملك يهوياقيم ، هاجم نبوخذ نصر ( بختنصر ) مملكة يهوذا وخضعت له ثلاث سنوات ، ثم تمردّ عليه ( يهوياقيم ) ، 24: 2: فأرسل الرب غزاة من كلدانيين وأراميين وموآبيين وعمّونيين ( سكان العراق والأردن القدماء ) ، للإغارة على مملكة يهوذا وإبادتها ، بموجب ما قضى به الرب ، على لسان عبيده الأنبياء ، 4: وانتقاما للدم البريء الذي سفكه ( منسّى ) ، إذ أنه ملأ أورشليم بدم الأبرياء ، … .

وفي عهد الملك ( يهوياكين ) 24: 10: … زحف قادة نبوخذ نصر ملك بابل على أورشليم ، وحاصروا المدينة ، ثم جاء نبوخذ نصر بنفسه وتسلّم زمام القيادة ، فاستسلم ( يهوياكين ) … واستولى على جميع ما في خزائن الهيكل والقصر ، … ، تماما كما قضى الرب ، 14: وسبى نبوخذ نصر أهل أورشليم ، ( وكما يقولون أنه ولّى ابن عم الملك خلفا له ، وسمّاه صدقيّا ، وبعد سنوات ارتكب صدقيّا الشر في عيني الرب كالعادة ، وتمرّد على ملك بابل ، وآنذاك ) ، 25: 1: زحف نبوخذ نصر ملك بابل ، بكامل جيشه على أورشليم وحاصرها ، … ، 3: تفاقمت المجاعة في المدينة ، حتى لم يجد أهلها خبزا يأكلونه ، 6: فأسروا الملك ( الذي كان ينوي الهرب ) واقتادوه إلى ملك بابل ، … ، ثمّ قتلوا أبناء صدقيّا على مرأى منه ، وقلعوا عينيه ، وساقوه إلى بابل ، … ، 9: وأحرق الهيكل وقصر الملك وسائر بيوت أورشليم ، وسبى نبوزرادان ( قائد الحرس الملكي ) بقية الشعب … ، 121 ، ولكنه ترك فيها فقراء الأرض المساكين . 13: وحطم الكلدانيون أعمدة النحاس وبركة النحاس … إلى آخره ، ( كل محتويات الهيكل ونقلوها إلى بابل ) ، 18: وسبى رئيس الحرس الملكي ( سرايا رئيس الكهنة وأعوانه وقادة الجيش وندماء الملك ، وفي المجمل هم علية القوم وزمرة الفساد والإفساد في الأرض ) فقتلهم ملك بابل في المعسكر في أرض حماة ( المدينة السورية ) ، وهكذا سُبي شعب يهوذا من أرضه .

فما أطول باله هذا النبوخذ نصر ، حتى يزحف عليهم مرارا وتكرارا . والحقيقة أنه زحف عليهم مرة واحدة ، وبشكل مفاجئ فأباد مملكتهم ، وما هذا التطويل والتطويل والتكرار ، إلا من صنع أيدي الكتبة ، وما ( يهوياقيم ) و( يهوياكين ) إلا تسميتين لنفس الملك الذي حصل في عصره السبي البابلي .

مملكة واحدة وبعث واحد :

ما تقدم من نصوص كان من الأسفار التي يُسمّونها الأسفار التاريخية ، والتي أرخّت لعصر الملوك ابتداءً من طالوت وداود وسليمان ، وانتهاءً بيهوياكين الذي وقع السبي البابلي في عصره . والحقيقة أنه لم يكن هناك مملكتين ولم يكن هناك سبيين ، وإنما مملكة واحدة وسبي واحد . ولكن نتيجة كتابة التوراة بتلك الطريقة المزدوجة أصبحت المملكة مملكتين وأصبح الزحف البابلي زحفين ، ولحل الإشكال قولبوه في زمانين مختلفين .

أما ادعاء انقسام المملكة ، فالقرآن أثبت بطلانه في موضعين ، أولا ؛ ذُكر العلو مرتين كأمة في زمانين مختلفين ، ثانيا ؛ الآية التي تتحدث عن سفكهم دمائهم وإخراجهم أنفسهم ، تؤكد أن ذلك لم يكن انشقاق في الحقيقة ، بل كان ذلك قتل وإخراج وسلب ، لطائفة مستضعفة من قومهم ، وفي الحقيقة وقع هذا الفعل في سبط الأخ الشقيق ليوسف عليه السلام ، الذي تُسميه التوراة ( ببنيامين ) ، وما كان بإمكان هؤلاء ، إقامة دولة في أراضي الكنعانيين المجاورة التي لجأوا إليها ، وما كانت حروبهم مع المملكة الأم إلا ضمن جيوش الكنعانيين وهو الأرجح ، أو كثوّار لاسترداد أسلابهم وديارهم .

وربما أن بعضهم استنجد بالبابليين كنوع من الانتقام ( بأسهم بينهم شديد ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ) فاستجابوا لهم ، وربما كان ذلك طمعا في كنوز هيكل سليمان ، والله أعلم . حيث لم يأتي أي ذكر في التاريخ للسبي الآشوري لعشرة أسباط ( قبائل ) من المملكة الشمالية ، حسب ما يدّعي مؤلفو التوراة ، حتى أن بعض الباحثون الذين صدّقوا التوراة ، يتساءلون عن كيفية اختفاء تلك القبائل ، التي سُبيت إلى مدينة أشور برمتها ، ومن المرجّح أن اختراع قصة المملكة الثانية وسبيها ، هو أحد مظاهر الإسقاط النفسي لمن عوقبوا ، على من لم يُعاقبوا من الذين أُخرجوا من ديارهم رغم أنوفهم تجنبا وتخفيفا للشعور بالألم ، كلما طرأ على مخيلتهم تلك الذكرى الأليمة ، ويحصل هذا عادة على المستوى الشخصي ، فور تعرض الشخص لحادثة مؤلمة ، فيعزو الأخطاء التي تسببت في الحادثة إلى الآخرين .

تحذيرات الأنبياء من الإفساد

جاء التحذير من الاستهانة بنص النبوءة ، ومغبة الإفساد عند العلو ، والتخويف من العقاب ، التي كانت بدايتها نصا في كتاب موسى عليه السلام ، وعلى لسان كل الأنبياء المتعاقبين ، داعين إلى الالتزام بشريعة موسى ، ومحذّرين من تركها ومخالفتها على مدى عمر مملكتهم ، بدءا من سليمان عليه السلام ، وانتهاءً بإشعياء وإرمياء عليهما السلام ، إن كانوا أنبياء .

وهذا هو التحذير الذي جاء على لسان سليمان ، بعد انتهاءه من بناء الهيكل ، الأيام الثاني : 7: 19: ولكن إن انحرفتم ونبذتم فرائضي التي شرعتها لكم ، وضللتم وراء آلهة أخرى وعبدتموها وسجدتم لها ، 20: فإني أستأصلكم من أرضي التي وهبتها لكم ، وأنبذ هذا الهيكل الذي قدّسته لاسمي ( جعلته قائما لذكري ) ، وأجعله مثلا ومثار هُزءٍ لجميع الأمم ، 21: ويغدو هذا الهيكل الذي كان شامخا ، عبرة يُثير عجب كل من يمرّ به .

وبالإضافة إلى ما تقدم ، هذا عرض لجزء يسير من النصوص الكثيرة والمطوّلة والمكرّرة ، لما جاء في أسفار بعض أنبيائهم ( الكبار ) ، اخترناها لتكتمل معالم الصورة من الجانب الآخر .

تحذيرات إشعياء :

إشعياء هو أول الأنبياء الكبار وهم أربعة ، ويُقال أنه بُعث في فترة ، بلغ فيه إفساد بني إسرائيل الذروة قبل وقوع السبي البابلي ، حيث أن سِفره جاء حافلا بالتقريع والتوبيخ والتحذير والإنذار ، والتذكير بنص النبوءة الذي جاء به موسى ، ويروى أنه من الأنبياء الذين قُتلوا ( التعريف بأصحاب الأسفار من الأنبياء ، مستقاة من مقدمة المترجم لكل سفر ) :

1: 4: ويل للأمة الخاطئة ، الشعب المثقل بالإثم ، ذرية مرتكبي الشرّ ، أبناء الفساد . 10: اسمعوا كلمة الرب يا حكام سدوم ( قرية لوط ) ، … 15: عندما تبسطون نحوي أيديكم أحجب وجهي عنكم ، وإن أكثرتم الصلاة لا أستجيب ، لأن أيديكم مملوءة دما ، 16: اغتسلوا ، تطهّروا ، أزيلوا شرّ أعمالكم من أمام عيني ، كفوا عن اقتراف الإثم ، 17: وتعلّموا الإحسان ، انْشدوا الحقّ ، انصفوا المظلوم ، اقضوا لليتيم ، ودافعوا عن الأرملة ، … 19: إن شئتم وأطعتم ، تتمتعون بخيرات الأرض ، وإن أبيتم وتمرّدتم فالسيف يلتهمكم ، لأنّ فم الربّ قد تكلّم ( ويستطرد واصفا حال المدينة آنذاك ) ، 21: … كانت تفيض حقّا ، ويأوي إليها العدل ، فأصبحت وكرا للمجرمين ، 22: صارت فضّتك مزيّفة ، وخمرك مغشوشة بماء ، 23: أصبح رؤساءك عصاة ، وشركاء لصوص ، يُولعون بالرشوة ويسعون وراء الهبات ، لا يدافعون عن اليتيم ، ولا تُرفع إليهم دعوى الأرملة .

3: 8: قد كَبَت ( وقعت ) أورشليم ، انهارت يهوذا ( المملكة ) ، لأنهما أساءتا بالقول والفعل إلى الرب ، وتمرّدتا على سلطانه ، 9: ملامح وجوههم تشهد عليهم ، إذ يجاهرون بخطيئتهم كسدوم ولا يسترونها ، فويل للذين جلبوا على أنفسهم شرّا ، 10: ولكن بشّروا الصدّيقين بالخير ، لأنهم سيتمتعون بثواب أعمالهم ، 11: أمّا الشرّير فويل له وبئس المصير ، 12: … إن قادتكم يُضلّونكم ويقتادونكم في مسالك منحرفة … .

4: 11: ويل لمن … يسعون وراء المُسْكِر … ، 12: يتلهّون في مآدبهم بالعود والرباب والدف والناي والخمر ، غير مكترثين بأعمال الربّ ، … 13: لذلك يُسبى شعبي لأنهم لا يعرفون ، ويموت عُظماؤهم جوعا ، وتهلك العامة عطشا ، … 15: ويُذلّ الإنسان ويُخفض الناس ويُحطُّ كل متشامخ فيها ، ( الذل بعد العلو ) … 18: ويل لمن يجرّون الإثم بحبال الباطل ، … 19: ويقولون ليُسرع ويُعجّل بعقابه حتى نراه ( انظر الآيات 92،99 الإسراء و58،59 الكهف ) ، ليُنفذ مقدّس إسرائيل مآربه فينا ، فندرك حقيقة ما يفعله بنا ، 21: ويل للحكماء في أعين أنفسهم ، والأذكياء في نظر ذواتهم ، … ( الإصرار على المعصية وتحدي الله )

4: 25: لذلك احتدم غضب الرب ضدّ شعبه ، فمدّ يده عليهم وضربهم ، فارتعشت الجبال ، وأصبحت جثث موتاهم كالقاذورات في الشوارع ، ومع ذلك لم يرتدّ غضبه ، ولم تبرح يده ممدودة بالعقاب ، 26: فيرفع راية لأمم بعيدة ، ويصفر لمن في أطراف الأرض ، فيقبلون مُسرعين ، 27: دون أن يكلّوا أو يتعثروا أو يعتريهم نُعاس أو نوم ، … 28: سهامهم مسنونة ، وقسيّهم مشدودة ، حوافر خيلهم كأنها صوّان ، عجلات مركباتهم مندفعة كالإعصار ، 29: زئيرهم كأنه زئير أسد ، يزمجر وينقض على فريسته ، ويحملها وليس من منقذ ، 30: يُزمجرون … كهدير البحر ، وإن جاس أحدهم في البلاد متفرسا ، لا يرى سوى الظلمة والضيق ، حتى الضوء قد احتجب وراء سحبه .. . ( صفات جيش البعث )

10: 1: ويل للذين يسنّون شرائع ظلم ، وللكتبة الذين يسجّلون أحكام جور ، 2: ليصدّوا البائسين عن العدل ، ويسلبوا مساكين شعبي حقّهم ، لتكون الأرامل مغنما لهم ، وينهبوا اليتامى ، 3: فماذا تصنعون في يوم العقاب ، عندما تقبل الكارثة من بعيد ! إلى من تلجئون طلبا للعون ؟ وأين تودعون ثروتكم ؟ لم يبقى شيء سوى أن تجثوا بين الأسرى ، وتسقطوا بين القتلى ، … 21: وترجع بقية ذرية يعقوب إلى الرب القدير ، مع أن شعبك يا إسرائيل ، فإن بقية فقط ترجع ، لأن الله قضى بفنائهم ، وقضاؤه عادل . ( البعث من خارج فلسطين )

46: 8: اذكروا هذا واتعظوا ، انقشوه في آذانكم أيها العصاة ، تذكّروا الأمور الغابرة القديمة ، لأني أنا الله وليس إله آخر ، 10: وقد أنبأت بالنهاية منذ البداية ، وأخبرت منذ القدم ، بأمور لم تكن قد حدثت بعد ، قائلا : مقاصدي لا بد أن تتم ، ومشيئتي لا بد أن تتحقق ، 11: أدعوا من المشرق الطائر الجارح ، ومن الأرض البعيدة برجل مشورتي ، قد نطقت بقضائي ، ولا بد أن أُجريه ، … 12: أصغوا إليّ يا غلاظ القلوب ، أيها البعيدون عن البرّ ، 13: لقد جعلت أوان برّي قريبا ، لم يعد بعيدا ، وخلاصي لا يُبطئ … ( الشرق هي جهة البعث )

30: 15-17: لأنه هكذا قال الرب ، قدّوس إسرائيل : إنّ خلاصكم مرهون بالتوبة والركون إليّ ، وقوّتكم في الطمأنينة والثقة بي ، لكنكم أبيتم ذلك ، وقلتم : لا بل نهرب على الخيل ، أنتم حقّا تهربون ، لهذا فإن مطارديكم يُسرعون في تعقّبكم ، يهرب منكم ألف من زجرة واحد ، وتتشتّتون جميعا من زجرة خمسة ، حتى تُتركوا كسارية على رأس جبل …

نلاحظ أن إشعياء يدعوا إلى التوبة والإصلاح ، ويصف ما وصل ببني إسرائيل من إفساد ، ويذّكرهم ويحذّرهم ويعيد إلى أذهانهم مضمون تلك النبوءة ، التي جاءت في أسفار موسى ، ونصوص إشعياء لم تحمل في طياتها تصريح عن ماهية المبعوثين ، سوى أن الفقرة الأخيرة ، ذكرت جهة مخرج البعث ، وربما يكون ذلك إضافة من مؤلفي التوراة .

تحذيرات ارميا :

ارميا هو ثاني الأنبياء الكبار ، ويُقال أن هذا النبي عاش في الفترة ما قبل وما بعد السبي البابلي ، وكان فحوى رسالته : دعوة قومه إلى التوبة والعودة إلى الله والتخلي عن الأوهام ، وتقدير الله حقّ قدره فلا ملجأ منه إلا إليه ، ولا يردّ غضبه قوة أو مال أو جاه . وقد وُصف هذا النبي ( بالنبي البكّاء ) من كثرة بكاءه على قومه ، بعد وقوع الكارثة التي طالما حذّرهم منها فلم يستجيبوا له .

7: 2: اسمعوا كلام الرب … 3: قوّموا طرقكم وأعمالكم فأُسكنكم في هذا الموضع ، 4: لا تتكلّوا على أقوال الكذب ( النفاق ) ، 5: لكن إن قوّمتم حقّاً طرقكم وأعمالكم ، وأجريتم قضاءً عادلا فيما بينكم ، 6: إن لم تجوروا على الغريب واليتيم والأرملة ، ولم تسفكوا دما بريئا … وإن لم تضلّوا وراء الأوثان ، 7: عندئذ أُسكنكم في هذا الموضع … إلى الأبد 8: ها أنتم قد اتكلتم على أقوال الكذب ( نافقتم ) ، ولكن من غير جدوى ، 9: أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون زورا وتبخّرون للبعل ( الصنم ) 10: ثم تمثلون في حضرتي …هل أصبح هذا الهيكل ( الذي أُقيم لذكري ) مغارة لصوص ؟! … 20: لذلك يُعلن الرب : ها غضبي وسخطي ينصبّان على هذا الموضع

8: 7: إن اللقلق في السماء يعرف ميعاد هجرته ، وكذلك … ، أمّا شعبي فلا يعرف قضاء الرب ! 8: كيف تدّعون أنكم حكماء ، ولديكم شريعة الرب ، بينما حولها قلم الكتبة المخادع إلى أُكذوبة ؟! سيلحق الخزي بالحكماء ، ويعتريهم الفزع والذهول ، لأنهم رفضوا كلمة الرب ، إذ أي حكمة فيهم ؟! لذلك أُعطي نسائهم لآخرين ، وحقولهم للوارثين القاهرين ، لأنهم جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم مولعون بالربح ، حتى النبي والكاهن يرتكبان الزور في أعمالهما ، ويعالجون جراح شعبي باستخفاف ، قائلين : سلامٌ ، سلامٌ ، في حين لا يوجد سلام ، هل خجلوا عندما ارتكبوا الرجس ؟! كلّا ! لم يخزوا قطّ ، ولم يعرفوا الخجل ، لذلك سيسقطون بين الساقطين ، وحين أُعاقبهم يُطوّح بهم ، يقول الرب .

10: 22: اسمعوا ، ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ، مقبل من الشمال ، ليحوّل مدن يهوذا ، إلى خرائب ومأوى لبنات آوى .

6: 22: انظروا ، ها شعبٌ زاحف من الشمال ، وأمّة عظيمة تهبّ من أقاصي الأرض ، تسلّحتْ بالقوس والرمح ، وهي قاسية لا ترحم ، جلبتها كهدير البحر ، وهي مقبلة على صهوات الخيل ، قد اصطفّت كإنسان واحد ، لمحاربتك يا أورشليم ، سمعنا أخبارهم المرعبة فدبّ الوهن في أيدينا ، وتوّلانا كرب وألم ، كألم امرأة تعاني المخاض ، لا تخرجوا إلى الحقل ، ولا تمشوا في الطريق ، فللعدوّ سيف ، والهول مُحدّق من كل جهة ، فيا أورشليم ارتدي المسوح ، وتمرّغي في الرماد ، ونوحي كمن ينوح على وحيده ، وانتحبي نحيبا مرا ، لأن المُدمِّر ينقض علينا فجأة ، إني أقمتك مُمتَحنا للمعدن ( إقامة مملكتهم كان لامتحانهم ) ، وجعلت شعبي مادةً خام ، لكي تعرف طرقهم وتفحصها ، فكلّهم عصاة متمرّدون ساعون في النميمة ، هم نحاس وحديد ، كلهم فاسدون .

23: 3: وأجمع شتات غنمي من جميع الأراضي ، التي أجليتها إليها ، وأردّها إلى مراعيها ، فتنموا وتتكاثر ، وأُقيم عليها رعاة يتعهّدونها ، فلا يعتريها خوف من بعد ، ولا ترتعد ولا تضل ، ها أيام مقبلة أُقيم فيها لداود ذريّة بِرّ ، ملكا يسود بحكمة ، ويجري في الأرض عدلا وحقّا ، في عهده يتمّ خلاص شعب يهوذا ، ويسكن شعب إسرائيل آمنا .

30: 3: ها أيام مقبلة أردّ فيها سبي شعبي … ، وأعيدهم إلى الأرض التي أعطيتها لآبائهم فيرثونها ، ( ثم يقول ) : سمعنا صراخ رعب ، عم الفزع وانقرض السلام ، … ، ما أرهب ذلك اليوم ، إذ لا مثيل له ، هو زمن ضيق على ذرية يعقوب ، ولكنها ستنجوا ، في ذلك اليوم ، يقول الرب القدير : أُحطّم أنيار أعناقهم وأقطع رُبطَهم ( أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ) فلا يستعبدهم غريبفيما بعد ، بل يعبدون الرب إلههم ، وداود ملكهم الذي أُقيمه عليهم ( شرك بالله ) ، … فيرجع نسل إسرائيل ، ويطمئنُّ ويستريح ،من غير أن يُضايقه أحد ، … ، فأُبيدُ جميع الأمم التي شتَّتكَ بينها ، أمّ أنت فلا أُفنيك أُودّبك بالحق ، ولا أُبرّئك تبرئة كاملة ، … ، ( الخطاب موجّه لأورشليم ) إن جرحك لا شفاء له ، وضربتك لا علاج لها ، إذ لا يوجد من يدافع عن دعواك ، … ، قد نسيك محبّوك ، وأهملوك إهمالا ، لأني ضربتك كما يَضربُ عدوّ ، وعاقبتكِ عقابَ مبغضٍ قاسٍ ، لأن إثمك عظيمٌ وخطاياك متكاثرة ، … ، لهذا أوقعتك بالمحن ، ولكن سيأتي يوم يُفترس فيه جميع مُفترسيك ، ويذهب جميع مضايقيك إلى السبي ، ويصبح ناهبيك منهوبين ، لأني أردّ لك عافيتك وأُبرئ جراحك .

النصوص الأخيرة أعلاه من النصوص المضلّلة ، التي شكّلت قناعات ومعتقدات عامّة اليهود حكماءً ومغفلين ، وملخصها أنهم في المرة الثانية ، سيقيمون لهم دولة في أرض الميعاد ، ويُبعث لهم ملكا من نسل داود عليه السلام ، يحكم الأرض كلها بالحق والعدل ، وليس فلسطين فقط ، ففلسطين لا تتسع لأحلامهم وأوهامهم وهلاوسهم وأمانيّهم ، وينعم اليهود تحت حكمه بالسلام والأمن إلى الأبد ( فلا بعثا ولا نشورا ) ، ويكون فيها اليهود أسيادا ، وباقي خلق الله عبيدا تحت لهم .

لقد أضاع كتبة التوراة الحقيقة ، وظلموا أجيالهم القادمة من حيث لا يعلمون ، فكذبوا الكذبة وصدّقها أبنائهم ، وأصبحت من صميم معتقداتهم ، فالمعاصرين من اليهود والنصارى ، يتعاملون مع كل نصوص التوراة بغثها وسمينها ، على أنها من عند الله .

يقولون أن النص التالي ، هو رسالة من إرمياء إلى المسبيين في بابل ، يُخبرهم فيها أن مقامهم هناك سيكون طويلا ، وينصحهم فيها بأن يُقيموا فيها ويبنوا بيوتا ويتزوجوا ويتكاثروا ، وهذا جزء من نصها :

29: 10: ولكن بعد انقضاء سبعين سنة عليكم في بابل ، ألتفتُ إليكم وأفي لكم بوعودي الصالحة ، بردِّكم إلى هذا الموضع ، لأني عرفت ما رسمته لكم ، إنها خطط سلام لا شرّ ، لأمنحكم مستقبلا ورجاء ، … ، وحين تجدونني ، أردُّ سبيكم ، وأجمعكم من بين جميع الأمم ، ومن جميع الأماكن التي شتّتكم إليها ، … .

في الحقيقة أن كتبة التوراة ، كانوا يعتقدون أن عودتهم الجزئية في عهد كورش الفارسي من بابل إلى أورشليم ، بعد (70) سنة من السبي ، هي العودة الثانية التي سيتحقق فيها النصف الثاني من نبوءة موسى وإشعياء وارميا ، ومنذ ذلك اليوم وهم ينتظرون ، أن يُبعث فيهم ( الملك الإله ) ليُقيم لهم دولة في القدس فلم يكن لهم ذلك ، ويروى أن الذين رجعوا من بابل أعادوا بناء الهيكل بالرغم من معارضة المقيمين . وطال انتظارهم وبين عاميّ ( 37ق.م – 70م ) أي مائة سنة تقريبا ، حصلوا على حكم ذاتي محدود ( المملكة الهيرودية ، وكان الملك من أصل يهودي آرامي ) تحت التاج الروماني ، وفي زمانهم تواجد زكريا ويحيى وبُعث إليهم عيسى عليه السلام ، فتآمروا عليه ودفعوه إلى الرومان لقتله وصلبه ، حيث كانت سلطة القتل في أيدي الرومان .

وبعد زوال مملكتهم على يد ( نبوخذ نصر ) البابلي عام 586م ، وحتى تشتّتهم النهائي على يد ( هادريان ) الروماني عام 135م ، أُخرج أغلبية اليهود منها ، ولم تقم لليهود في فلسطين قائمة ، وأقصى ما استطاعوا الحصول عليه ، هو ذلك الحكم الذاتي في بداية الحكم الروماني لبلاد الشام ، حيث قضى هذا الإمبراطور على أي أمل لهم في إعادة إقامة دولتهم الثانية ، فكان انتشارهم في كافة أرجاء العالم .

( ولنكمل النصوص من سفر ارميا ) ، 31: 8: ها أنا آتي بهم من بلاد الشمال ، وأجمعهم من أقصى أطراف الأرض ، وفيهم الأعمى والأعرج ، الحبلى والماخض ، فيرجع حشد عظيم إلى هنا

31: 27: ها أيام مقبلة ، يقول الرب ، أُكثّر فيها ذرية إسرائيل ويهوذا ، وأُضاعف نتاج بهائمهم أضعافا ، وكما تربّصت بهم لأستأصل ، وأهدم وأنقُض وأُهلك وأُسيء ، كذلك أسهر عليكم لأبنيكم وأغرسكم .

31: 33: سأجعل شريعتي في دواخلهم ، … ، وأكون لهم إلها ويكونون لي شعبا ، لأني سأصفح عن إثمهم ، ولن أذكر خطاياهم من بعد .

( وهذا محض افتراء وتحريف ، وتتبع هذه الأكذوبة عبارات مبهمة ، ومن ثم تُفاجأ بهذه العبارة التي تقول ) : عندئذ أَنبذ ذرية إسرائبل من أجل كل ما ارتكبوه ، ( لتفهم أن العبارات المبهمة ، كانت بدلا من عبارات حذفوها ، وهي عبارات مفادها اشتراط الإحسان للثواب والإفساد للعقاب ) .

31: 38: ها أيام مقبلة ، يُعاد فيها بناء هذه المدينة للرب ، … ، ولن تستأصل أو تُهدم إلى الأبد .

بالنظر في قولهم هذا وخاصة العبارة الأخيرة ، نجد أن مؤلفي التوراة قضوا على أي أمل لليهود في الصلاح والإصلاح في دولتهم الحالية ، حيث أنه شرط أساسيّ في استمرار وجودهم ، فمؤدّى هذه العبارة أنهم سيقيمون فيها إلى الأبد ، بغض النظر عن إصلاحهم أو إفسادهم فيها ، لتصبح نهاية دولتهم حتمية في الموعد المحدّد ، وقد لاحظت من خلال تتبعي لما جاء في المرة الثانية ، أنهم بعد كل عقاب مأساوي يحل بهم ، يبدءون بذكر العودة والجمع من الشتات والبركة والكثرة ، ويفيضون فيها وصفا وشرحا ، والنتيجة تكون على الدوام هي انتصار ربهم على أعدائهم ومحقهم عن بكرة أبيهم ، وجعل أرضهم صحراء قاحلة ، أما هم فيعشون جنة ونعيما ، ويكون لهم الملك في الأرض إلى الأبد ، بعد أن رضيَ عنهم ربهم ورضوا عنه .

( وانظر إلى هذه النبوءة في المرة الثانية على لسان الرب ) 42: 10: إن أقمتم في هذه الأرض ، فإني أبنيكم ولا أهدمكم ، وأغرسكم ولا أستأصلكم ، لأني أسفت على الشرّ الذي ألحقته بكم ( ربهم يأسف ) ، لا تخشوا ملك بابل الذي أنتم منه خائفون ، فإني معكم لأخلصكم وأنجيكم من يده ( بلا قيد أو شرط ) ، وأُنعم عليكم ، فيرحمكم ويردّكم إلى أرضكم ، ( فربهم يأسف ، ويحضّهم على عدم الخشية من ملك بابل وكأن ملك بابل سيُبعث من تلقاء نفسه ) .

السبي البابلي :

هذا الحدث المشهور تاريخيا هو أول وأقسى وأفظع حدث ، وقع في تاريخ اليهود كأمة من حيث ما ترتب عليه من أذى مادي ومعنوي ، مما كان له أبلغ الأثر في تشكيل وجدان وفكر الشعب اليهودي ، وليس أدل على ذلك من أن عدد الصفحات ، التي تتطرّق إلى ذكر متعلّقات هذا الحدث ، وتفصّله من جميع جوانبه يتراوح ما بين (350 – 400) صفحة أي ما يُعادل ثلث التوراة . وقد جاء في كتاب ( الاختراق الصهيوني للمسيحية ) للقس إكرام لمعي ، ونقلا عن كتاب ( تاريخ اليهود ) للكاتب ( بول جونسون ) ما نصه : وفي بابل لم يعامل اليهود معاملة سيئة ، فقد وجدت مخطوطات بجوار عشتاروت – أقدم مدن بابل – وجد فيها قائمة بأسماء المسبيين ونشاطهم في بابل ، وكان بها اسم ( يهوياكين ) ملك يهوذا وبعض الأسماء الأخرى ، وموضح بها أن اليهود عملوا بالتجارة واكتسبوا أموالا كثيرة ، وكانت لهم أوضاعهم المتميزة إلى حدّ ما . وأما أشور فيشير نفس الكاتب ، إلى عدم وجود أي دليل من ذكر أو أثر ، يؤكد رواية سبيهم إليها .

رواية التلمود عن تدمير الهيكل :

نص منقول عن كتاب ( التلمود تاريخه وتعاليمه ) لظفر الإسلام خان :

عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ، وفاقت حدود ما يُطيقه الإله العظيم ، وعندما رفضوا أن يُنصتوا لكلمات وتحذيرات ارميا ، ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلاد بنيامين ( الأخ الشقيق ليوسف ) ، وطالما كان النبي لا يزال في المدينة المقدّسة كان يدعو لها بالرحمة فنجت ، ولكنه عندما هجرها إلى بلاد بنيامين ، دمّر نبوخذ نصر بلاد إسرائيل وحطّم الهيكل المقدّس ، ونهب مجوهراته وتركه فريسة للنيران الملتهبة ، وكان نبورذدان الذي آثر البقاء في ريبله ( منطقة سورية بالقرب من حماة ) قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم .

وقبل أن يبدأ نبوخذ نصر حملته العسكرية ، سعى لمعرفة نتائج الحملة بواسطة الإشارات نظرا لذهوله ، فرمى من قوسه نحو المغرب فسارت باتجاه أورشليم ، ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق لكن السهم اتجهت نحو أورشليم ، ثم رمى مرة أخرى ليتأكد من محل وقوع المدينة المُذنبة التي وجب تطهيرها من الأرض ، وللمرة الثالثة اتجهت سهمه نحو أورشليم ، وبعد أن استولى نبوخذ نصر على المدينة ، توجّه مع أُمرائه وضباط جيشه إلى داخل الهيكل ، وصاح ساخرا مخاطبا إله إسرائيل : وهل أنت الإله العظيم الذي يرتعد أمامه العالم ؟ ها نحن في مدينتك ومعبدك ! .

ووجد نبوخذ علامة لرأس سهم على أحد جدران الهيكل ، كأن أحدا قُتل أو أُصيب بها ، فسأل : من قُتل هنا ؟ فأجاب الشعب : ( زكريا بن يهوياداه ) كبير الكهنة ، لقد كان يُحذّرنا في كل ساعة من حساب اعتداءاتنا ، وقد سئمنا من كلماته فانتهينا منه . فذبح جنود نبوخذ نصر سكان أورشليم كهنتها وشعبها ، كهولها وشبابها ونسائها وأطفالها ، وعندما شاهد كبير الكهنة هذا المنظر ألقى بنفسه بالنار ، التي أشعلها نبوخذ نصر في الهيكل ، وتبعه بقية الكهنة مع عودهم وآلاتهم الموسيقية الأخرى ، ثم ضرب جنود نبوخذ نصر السلاسل الحديدية في أيدي باقي الإسرائيليين .

ورجع ارميا النبي إلى أورشليم وصحب إخوانه البؤساء الذين خرجوا عرايا ، وعند وصولهم إلى مدينة تُسمى بيت كورو هيّأ لهم ملابس جيدة ، وتكلّم مع نبوخذ نصر والكلدانيين ، قائلا لهم : لا تظن أنك بقوتك وحدها استطعت أن تتغلّب على شعب الرب المُختار ، إنها ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب .

نجد أن رواية التلمود أكثر وضوحا من رواية التوراة حيث أنها لم تذكر مملكتين ، وتؤكد أن اسم المملكة الجنوبية المقام فيها الهيكل هو إسرائيل وليس يهوذا كما ذُكر في التوراة . وأن من أسقطوا عليهم اسم إسرائيل والمملكة الشمالية ، هم الذين أُخرجوا من ديارهم ، ولم يقع فيهم السبي الآشوري المزعوم ، وبقوا على حالهم خارج حدود المملكة ، حيث يذكر النص التلمودي أن ارميا النبي لجأ إليهم ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلاد بنيامين . وبنيامين حسب التوراة هو الأخ الشقيق ليوسف عليه السلام ، وهذا يوحي أن الحقد القديم بين الأخوة الآباء ، توارثه الأبناء على مرّ العصور ، وبأن الأسباط الأخرى القوية ، أخرجت سبط بنيامين المستضعف عندما سيطرت على مقاليد الحكم بعد سليمان عليه السلام . وبالتالي يُثبت هذا النص وقوع السبي البابلي ، وينفي وقوع السبي المسمى بالآشوري . وأن أشور وبابل آنذاك تسميتان لمملكة واحدة عند كتبة التوراة ، وأن أحد مصادر التوراة ذكر على أنه بابلي ، والأخر ذكره على أنه آشوري ، وأما نبوخذ نصر فتجده أحيانا ملكا وأحيانا وزيرا أو قائدا للجيش أو قائدا للحرس .

مقتطفات من رثاء ارميا لشعبه ولأورشيلم بعد السبي البابلي

( من كتاب مراثي ارميا في نهاية سفره ) : 1: كيف أصبحت المدينة الآهلة بالسكان مهجورة وحيدة ؟! هذه التي كانت عظيمة بين الأمم ، صارت كأرملة ! صارت السيدة بين المدن تحت الجزية ! تبكي في الليل بمرارة ، وتنهمر دموعها على خدّيها ، لا مُعزّي لها بين مُحبيها ، غدر بها جميع خلّانها ، وأصبحوا أعداءً لها ، سُبيت يهوذا إلى المنفى ، … ، فأقامت شقية بين الأمم ، … ، تهدّمت جميع أبوابها ، … ، ارتكبت أورشليم خطيئة نكراء فأصبحت نجسة ، … ، لم تذكر آخرتها لهذا كان سقوطها رهيبا ، … ، بدّد الربّ جميع جبابرتي في وسطي ، وألّبَ عليّ حشدا من أعدائي ليسحقوا شُبّاني ، داس الربّ العذراء بنت صهيون ، كما يُداس العنب في المعصرة ، … ، الربّ عادل حقا ، وقد تمرّدت على أمره ، فاستمعوا يا جميع الشعوب ، واشهدوا وجعي ، قد ذهب عذارايَ وشبّاني إلى السبي ، … ، فَنِيَ كهنتي وشيوخي في المدينة ، … ، ها السيف يثكل في الخارج ، ويسود الموت في البيت … .

2: قد هدم الربّ بلا رحمة ، جميع مساكن يعقوب ، … ، وألحق العار بالمملكة وحكّامها ، إذ سوّاها بالأرض ، … ، وتّر قوسه كعدوّ ، نصب يمينه كمُبْغِض ، ذبح بقسوة كلّ عزيز في عيوننا ، … ، وهدم جميع قصورها ودمّر حصونها ، … ، جلس شيوخ ابنة صهيون على الأرض صامتين ، عفّروا رؤوسهم بالرماد ، وارتدوا المسوح ، وطأطأت عذارى أورشليم رؤوسهن إلى الأرض ، كلّت عيناي من البكاء ، … ، نفّذ الرب قضاءه ، وحقق وعيده الذي حكم به منذ الحقب السالفة ، هدم ولم يرأف ، فأشمت بك الخصوم ، وعظّم قوة عدوك ، … ، انظر يا ربّ وتأمّل ، … ، قد انطرح الصبيان والشيوخ في غبار الطرقات ، سقط عذارايَ وشُبّاني بالسيف ، قد قتلتهم في يوم غضبك ، ونحرتهم من غير رحمة …

3: أنا هو الرجل الذي شهد البلية ، التي أنزلها قضيب سخطه ، … ، ولكن هذا ما أُناجي به نفسي ، لذلك يغمرني الرجاء ، من إحسانات الرب ، أننا لم نفنَ ، لأن مراحمه لا تزول ، … ، فلماذا يشتكي الإنسان حين يُعاقب على خطاياه ؟ … ، لنفحص طرقنا ونختبرها ، ونرجع إلى الرب ، لنرفع أيدينا وقلوبنا إلى الله في السماوات ، …

4: … ، لأن عقاب إثم ابنة شعبي ، أعظم من عقاب خطيئة سدوم ، التي انقلبت في لحظة ، من غير أن تمتدّ إليها يد إنسان ، كان نُبلاؤها ، أنقى من الثلج ، وأنصع من اللبن ، أجسادهم أكثر حمرة من المرجان ، وقاماتهم كالياقوت الأزرق ، فأصبحت صورتهم أكثر سوادا من الفحم ، فلم يُعرفوا في الشوارع ، … ، نفث الربّ كامل سخطه ، وصبّ حموّ غضبه ، وأضرم نارا في صهيون ، فالتهمت أُسسها ، … ، عقابا لها على خطايا أنبيائها ، وآثام كهنتها ، الذين سفكوا في وسطها دماء الصدّيقين ، … ، آذنت نهايتنا ، وتمّت أيامنا ، وأزِفت خاتمتنا ، كان مُطاردونا أسرع من نسور السماء ، تعقّبونا على الجبال ، وتربّصوا بنا في الصحراء ، …

5: اذكر يا ربّ ما أصابنا ، انظر وعاين عارنا ، قد تحوّل ميراثنا إلى الغرباء ، وبيوتنا إلى الأجانب ، أصبحنا أيتاما لا أب لنا ، وأمهاتنا كالأرامل ، … ، داس مُضطهدونا أعناقنا ، أُعيينا ولم نجد راحة ، خضعنا باسطين أيدينا إلى أشور ومصر ، لنشبع خبزا ، … ، تسلّط علينا عبيد ، وليس من يُنقذنا من أيديهم ، … ، اغتصبوا النساء في صهيون ، والعذارى في مُدن يهوذا ، عُلّقَ النبلاء من أيديهم ، ولم يوقّروا الشيوخ ( كبار القوم ) . سخّروا الشُبّان للطحن ، وهوى الصبيان تحت الحطب ، هجر الشيوخ ( كبار السن ) بوّابات المدينة ، وكفّ الشبّان عن غنائهم ، انقطع فرح قلوبنا ، وتحوّل رقصنا إلى نوح ، تهاوت أكاليل رؤوسنا ، فويل لنا لأننا قد أخطأنا ، لهذا غُشِي على قلوبنا ، وأظلمت عيوننا ، لأن جبل صهيون أصبح أطلالا ، ترتع فيه الثعالب .


محمد أبوبكر 28-05-2010 05:34 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

جزاك الله جنات نعيم أخي الغالي أحمد

بارك الله فيك وفي موضوعاتك الرائعة

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ابن المبارك 23-11-2014 03:34 AM

بارك الله فيك اخي


الساعة الآن 07:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
لا يسمح بوضع موضوعات تخالف منهج أهل السنة والجماعة