مصطفى المكبر
08-01-2009, 02:59 AM
نور التوبة
كاتب القصة
تحت المساحيق .. قصة واقعية
عنوان القصة
299
عدد الزيارات
12/12/2008
تاريخ الاضافة
قصة للأديب الإسلامى مصطفى المكبر .. منقولة من موقع طريق التوبة ..
.................................................. ...............................
تحت المساحيق ..
ذات ضحى ..
وبينما كنت أجلس فى عملى مع بعض زملائى أقبلت علينا فتاة تختال فى مشيتها .. يبدو عليها أنهاجامعية ..
وسبحان الله يتبادر إلى ذهن من يراها على الفور أنها أخفت تحت المساحيق أكثر من وجه ..
قلّبتْ عينيها يمنة ويسرة ريثما تطوف نظراتها على كل الوجوه ثم ألقت علينا التحية باللغة الانجليزية ..
تمتمت عامداً :
ـــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
وغمغم آخر بكلمات غير مفهومة ، وثمة من لم ينبس ببنت شفة ..
وثخنت طبقة الدهشة على الوجوه حين استطردت تطلب حاجتها باللغة الانجليزية .
كان يتبادر إلى الأذهان معنى ماتقول من غير تكلف .. وعبثاً حاولت معها أن تحدثنا بالعربية ، كانت تتحدث ضجرة بعبارة أو اثنتين على الأكثر ثم يعود لسانها إلى سالف حاله .. ومحاولة منى لتغيير سلوكها ، قاطعتها :
ـــ ما اسمك ؟
وضاق صدرى على قلبى لما علمت أنهم دعوها فاطمة ..
كنت رئيسا للمكان ، وكان الجميع يرقبون أثر كلماتى عليها فى صمت ، ويشاركوننى الشعور بلاريب ..
واستأنفت :
ـــ هل تعلم الأخت فاطمة أن لغتنا العربية أجمل ، وأبلغ ، وأرق وأقوى اللغات ؟
حاولت تهميش حديثى .. رمتنى بنظرة استهانة ، واسترسلت فى رطنها ..
فقلت بنبرة لفها الغيظ وأنف هدوئى راغم :
ـــ نحييك على سلامة انجليزيتك وطلاقتها ، ولكن هذا له مواضعه .. فهل أخبرك أحدهم أنه هاهنا تستعرض اللغات ؟
وفيم تفضلك الفتاة الانجليزية حتى ترزحين تحت عبء تقليدها ؟
تضرج وجهها قليلاً .. ختمت حديثها بسرعة وذكاء وهى تشرع بالانصراف .. واستدارت بعدما رمتنى مرة ثانية بنظرة استهانة ..... **
وتواردت أيام خمسة .. وبينما كنت أجلس فى العمل وحيداً .. أقبلت امرأة ريفية ، يبدو عليها أنها ودعت العقد الخامس من عمرها ، اتسعت مساحات الحزن على وجهها وملابسها .. ... ترتدى ثيابا سوداء تنم عن ذل العوز وشدة الحاجة .. متجعدة البشرة .. ممصوصة الجسد والعافية ، غشت لمسات الشقاء عينيها فأجهدتها ..
ألقت على تحية الإسلام .. رددت التحية وأردفت :
ـــ اجلسى ياأماه ..
جاست ثم طلبت حاجة الفتاة ..
سألتها :
ــ من هى لكِ ؟ ردت بصوت مخنوق :
ـــ ابنتى !!
تململت على المقعد محاولاً إخفاء دهشتى ..
ساد الصمت المكان قليلاً حتى هزّته نبراتى المخنوقة رغما عنّى :
ـــ فيم تدرس ؟
ـــ فى كلية الصيدلة ..
مدّت يدها نحوى بشىء كانت تقبض عليه بشدة بأصابعها العجفاء :
ـــ تفضل يابنى ..
كان الثمن المتبقى على حاجة ابنتها .. ألفيتنى أرسم على وجهى ابتسامة شعرت ببهتها :
ـــ كلا ياأماه ، كفى ماأخذناه ..
حدقت فى وجهى ، ابتسمت .. يبدو أنها لم تبتسم منذ أيام بعيدة :
ـــأشكرك يابنى ، تفضل ..
ـــ صدقينى ياأماه ، كفى ماأخذناه ..
ابتسمت ، تغشت آيات الشكر بسمتها المجللة بضعفها ، أخذت حاجة الفتاة .. وقفت .. تخلى وجهها عن بسمته سريعاً .. وقالت شجية مشروخة النبرات :
ـــ أرجوك يابنى إذا واتتكم ابنتى ثانية فلا تبدى لها علمك بأننى أمها ..
أدركتُ مغزى رجائها من فورى .. فانتصبت كاللديغ أسأل أو أصرخ :
ـــ ولمَ ..؟؟؟ِ
نظرتْ إلىّ نظرةٍ ذات حديث .. حديث مملوء بكل شجن العمر وأساه .. غمغمتْ بكلمات مبهمة وأدبرتْ واهنة الخطى .. ارتطمتُ على المقعد ، مسحتُ عينيى بأناملى لتتلاشى دمعة كادت تتدحرج على خدى متسائلة :
ـــ من المسئول عن ذلك ؟؟؟؟؟
وقعت فى خاطرى إجابة واحدة :
ـــ غياب الإسلام .. ومن المسئول عن غياب الإسلام ..؟؟؟
وتقاذفتنى الأسئلة :
ــ هل التخبط فى التقليد الأعمى حتى السقوط لأننا نرفض أن نكون كما نحن ؟؟
ـــ أم هو التلفاز الذى شرخ العقول وأمرض الفكر ؟؟
ـــ أم هو السعى الغربى بيده الطولى وحقده القديم ...... ؟؟
ـــ أم هى أنياب الفقر والرغبة فى إثبات الذات وأنفه راغم ..... ؟؟
ـــ أم هو الجهل بكيفية التربية وفنونها .. ؟؟
ـــ أم هم أبناء الإسلام الذين تناسوا تراثهم الذاخر وحكمة حملهم المنهج .. وتركوا الإسلام مقهوراً كاليتيم .. ؟؟
ـــ أم...
ـــ أم ...
فالإسلام يُلدغ من كل جانب والحيّة هنا متعددة الرؤوس
...... .................................................. .........
{تحت المساحيق } من مجموعة { سامحينى ياأماه } مصطفى حسين المكبر \ تحت الطبع بالمكتبة التوفيقية بالقاهرة.
كاتب القصة
تحت المساحيق .. قصة واقعية
عنوان القصة
299
عدد الزيارات
12/12/2008
تاريخ الاضافة
قصة للأديب الإسلامى مصطفى المكبر .. منقولة من موقع طريق التوبة ..
.................................................. ...............................
تحت المساحيق ..
ذات ضحى ..
وبينما كنت أجلس فى عملى مع بعض زملائى أقبلت علينا فتاة تختال فى مشيتها .. يبدو عليها أنهاجامعية ..
وسبحان الله يتبادر إلى ذهن من يراها على الفور أنها أخفت تحت المساحيق أكثر من وجه ..
قلّبتْ عينيها يمنة ويسرة ريثما تطوف نظراتها على كل الوجوه ثم ألقت علينا التحية باللغة الانجليزية ..
تمتمت عامداً :
ـــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
وغمغم آخر بكلمات غير مفهومة ، وثمة من لم ينبس ببنت شفة ..
وثخنت طبقة الدهشة على الوجوه حين استطردت تطلب حاجتها باللغة الانجليزية .
كان يتبادر إلى الأذهان معنى ماتقول من غير تكلف .. وعبثاً حاولت معها أن تحدثنا بالعربية ، كانت تتحدث ضجرة بعبارة أو اثنتين على الأكثر ثم يعود لسانها إلى سالف حاله .. ومحاولة منى لتغيير سلوكها ، قاطعتها :
ـــ ما اسمك ؟
وضاق صدرى على قلبى لما علمت أنهم دعوها فاطمة ..
كنت رئيسا للمكان ، وكان الجميع يرقبون أثر كلماتى عليها فى صمت ، ويشاركوننى الشعور بلاريب ..
واستأنفت :
ـــ هل تعلم الأخت فاطمة أن لغتنا العربية أجمل ، وأبلغ ، وأرق وأقوى اللغات ؟
حاولت تهميش حديثى .. رمتنى بنظرة استهانة ، واسترسلت فى رطنها ..
فقلت بنبرة لفها الغيظ وأنف هدوئى راغم :
ـــ نحييك على سلامة انجليزيتك وطلاقتها ، ولكن هذا له مواضعه .. فهل أخبرك أحدهم أنه هاهنا تستعرض اللغات ؟
وفيم تفضلك الفتاة الانجليزية حتى ترزحين تحت عبء تقليدها ؟
تضرج وجهها قليلاً .. ختمت حديثها بسرعة وذكاء وهى تشرع بالانصراف .. واستدارت بعدما رمتنى مرة ثانية بنظرة استهانة ..... **
وتواردت أيام خمسة .. وبينما كنت أجلس فى العمل وحيداً .. أقبلت امرأة ريفية ، يبدو عليها أنها ودعت العقد الخامس من عمرها ، اتسعت مساحات الحزن على وجهها وملابسها .. ... ترتدى ثيابا سوداء تنم عن ذل العوز وشدة الحاجة .. متجعدة البشرة .. ممصوصة الجسد والعافية ، غشت لمسات الشقاء عينيها فأجهدتها ..
ألقت على تحية الإسلام .. رددت التحية وأردفت :
ـــ اجلسى ياأماه ..
جاست ثم طلبت حاجة الفتاة ..
سألتها :
ــ من هى لكِ ؟ ردت بصوت مخنوق :
ـــ ابنتى !!
تململت على المقعد محاولاً إخفاء دهشتى ..
ساد الصمت المكان قليلاً حتى هزّته نبراتى المخنوقة رغما عنّى :
ـــ فيم تدرس ؟
ـــ فى كلية الصيدلة ..
مدّت يدها نحوى بشىء كانت تقبض عليه بشدة بأصابعها العجفاء :
ـــ تفضل يابنى ..
كان الثمن المتبقى على حاجة ابنتها .. ألفيتنى أرسم على وجهى ابتسامة شعرت ببهتها :
ـــ كلا ياأماه ، كفى ماأخذناه ..
حدقت فى وجهى ، ابتسمت .. يبدو أنها لم تبتسم منذ أيام بعيدة :
ـــأشكرك يابنى ، تفضل ..
ـــ صدقينى ياأماه ، كفى ماأخذناه ..
ابتسمت ، تغشت آيات الشكر بسمتها المجللة بضعفها ، أخذت حاجة الفتاة .. وقفت .. تخلى وجهها عن بسمته سريعاً .. وقالت شجية مشروخة النبرات :
ـــ أرجوك يابنى إذا واتتكم ابنتى ثانية فلا تبدى لها علمك بأننى أمها ..
أدركتُ مغزى رجائها من فورى .. فانتصبت كاللديغ أسأل أو أصرخ :
ـــ ولمَ ..؟؟؟ِ
نظرتْ إلىّ نظرةٍ ذات حديث .. حديث مملوء بكل شجن العمر وأساه .. غمغمتْ بكلمات مبهمة وأدبرتْ واهنة الخطى .. ارتطمتُ على المقعد ، مسحتُ عينيى بأناملى لتتلاشى دمعة كادت تتدحرج على خدى متسائلة :
ـــ من المسئول عن ذلك ؟؟؟؟؟
وقعت فى خاطرى إجابة واحدة :
ـــ غياب الإسلام .. ومن المسئول عن غياب الإسلام ..؟؟؟
وتقاذفتنى الأسئلة :
ــ هل التخبط فى التقليد الأعمى حتى السقوط لأننا نرفض أن نكون كما نحن ؟؟
ـــ أم هو التلفاز الذى شرخ العقول وأمرض الفكر ؟؟
ـــ أم هو السعى الغربى بيده الطولى وحقده القديم ...... ؟؟
ـــ أم هى أنياب الفقر والرغبة فى إثبات الذات وأنفه راغم ..... ؟؟
ـــ أم هو الجهل بكيفية التربية وفنونها .. ؟؟
ـــ أم هم أبناء الإسلام الذين تناسوا تراثهم الذاخر وحكمة حملهم المنهج .. وتركوا الإسلام مقهوراً كاليتيم .. ؟؟
ـــ أم...
ـــ أم ...
فالإسلام يُلدغ من كل جانب والحيّة هنا متعددة الرؤوس
...... .................................................. .........
{تحت المساحيق } من مجموعة { سامحينى ياأماه } مصطفى حسين المكبر \ تحت الطبع بالمكتبة التوفيقية بالقاهرة.