( الفردوس بها اختلفتم وبها اليوم تجتمعون )
بقلم/اسد الإسلام
عند بداية احتلال العراق كان العمل الأول الذي انصرف إليه الاحتلال وأتباعه هو التوجه إلى ساحة الفردوس لإنزال نصب للرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه الله وتم تصوير ذلك الموقف وفق إخراج هوليودي معد من خلال مشاهد أريد بها إيصال الكثير من الرسائل بوقت واحد ولنأخذ أحداهن والمتعلقة بالإيذان بشق الصف الوطني للشعب العراقي من خلال ذلك التجريح المباشر الذي على ضوء ألموقف منه انقسم كثيرا من أبناء الشعب العراقي فهنالك من تشفى وفرح بمحزن تلك المشاهد المؤلمة التي هزت مشاعر غالب أهل العراق إلى جانب الغالبية من أبناء الشعب العربي والإسلامي حتى ابعد نقطة من خارطة تواجدهم ممن يقيمون للقيم والمبادئ أدنى اعتبار وبذا حصل المراد واندلعت عرى الفتنة بألوانها حين نبتت بذرة الشقاق التي أراد بنا الغزاة شرا فقاموا بغرسها في أساسات تلك الساحة في وسيط العاصمة العراقية الجريحة وتفاقمت الخلافات الأساسية على أساس الموقف من قضية الوطن ولما أحس الأعداء بذلك أرادوا تحويلها وحرفها لتأخذ طابعا ومسارا طائفيا يعود حراكه بكبير الأثر في ازدياد سعة شقة الخلاف الشعبي حيث إن المراهنة جرت على غالبية الشعب العراقي هم عرب العراق المسلمون الذين يشكلون أعلى نسبة في المجتمع العراقي وهي التي تنقسم بدورها مناصفة بين طائفتين أساسيتين هما السنة والشيعة اللذان كان أهليهما يتبادلان التعايش السلمي الاجتماعي وفق أرقى سبله طيلة عهود ماضية قبل أن تندلع نار تلك الفتنة التي تسارعت تداعياتها المعدة والمفتعلة خصوصا بعد اعتماد ظاهرة تفجير المراقد المقدسة والمساس بحرمتها بذلك التجاسر الأثيم المتعمد وما تلاه من مواقف وممارسات مريبة ومغرضة كان من أبرزها موقف إعدام الرئيس العراقي في صبيحة يوم العيد الأضحى وهو موقف مقصود ومتعمد أيضا وقد كان الدافع الرئيسي وراء دفوع كل تلك الممارسات هو لإثارة مشاعر أبناء تلك الطائفتين بإيقاد نار الفتنة بينهما وصولا إلى أعلى المستويات علها تصل إلى الحرب الأهلية وهي الغاية المنشودة التي تودي إلى إضعاف مقاومة ذلك الشعب عندما تأتي على الغث والسمين ويحرق بها الحرث والنسل ليتسلم الغزاة ومن لف لفهم العراق أرضا بلا شعب وحتى إن بقيت فيه بقية فشعب ممزق ومسلوب الإرادة ومنهك القوى ومنصرف لجراحه بعد صراع استنزافي طويل وفعلا تحقق لهم ذلك ودخلت البلاد وشعبها بصراع طائفي دموي رهيب كلفها ضحايا بأعداد مأساوية جاوزت المليون أو المليون ونصف ضحية وبقي الصراع دائرا وسيط دفوع الاحتلال ومن يسانده بإيقاد كل فتيل يكفل بقاء اشتعال تلك الفتنة التي تجري أحداثها أمام أعين بني الجلدة وكل المجتمع الإنساني في هذا العالم وقد تسمروا جميعا خوفا من تسلط وغضب الولايات المتحدة التي تغافلت عن أداء دورها فهي مسئولة أمام القانون الدولي بالطبع كسلطة احتلال لكنها وعن قصد مبرم لم تكلف نفسها عناء تحمل تلك المسؤولية الإنسانية فوقف جند الاحتلال كغيرهم لفترة طويلة وهم مكتفون بالتفرج على الضحايا والجراح التي راحت هدرا إذ كان من الممكن أن تتحرر البلاد كل البلاد لو اتحد أبناء الشعب في نضالهم المشروع على موقف واحد لكان كلفهم أقل من تلك التضحيات بكثير فبقي أهل العراق يجرون لمصيرهم بانحدار شديد نحو الهاوية السحيقة بذلك الصراع الذي أخذهم بحراكه الموجه برعاية الأعداء والمتحالفين معهم إلى كل ما يأخذهم بعيدا عن صالحهم وصالح بلادهم التي أصبحت ثرواتها حكرا للغزاة وأعوانهم الذين احكموا قبضتهم عليها بالسلب والنهب عندما تأكدوا إن أهل الغيرة والأحرار من أبناء الشعب قد جروا بعيدا عن أداء دورهم بذلك الواجب الشرعي المقدس لانشغالهم ببلاء تتالي سيل كل تلك الفتن الدهماء ولولا الفرز الطائفي الذي رغم وقعه المؤلم على المجتمع إلا انه كان سببا لتخفيف الاحتكاك ومدعاة للتهدئة برعاية الله حيث تحصلت التهدئة بذلك ومن بعدها مراجعة المواقف فندم من ندم خصوصا حين اكتشفوا إن من دفع البلاد لتلك الفتنة وتسبب بها لا يهمه من أمرها وأمر شعبها شيئا سوى السعي وراء السلطة لأجل التحكم بسبل تحصل أموال الشعب ونهبها بأكبر برنامج فساد فوضوي عرفته المنطقة ولما خف الاحتقان الطائفي أحرج أولئك وأحسوا بان الأنظار والجهود ستتوجه نحوهم ونحو اسيادهم الغزاة وان ناقوس الخطر سيدق من جديد فقاموا بإحداث فتن أخرى جديدة لتعويق حراك المقاومة الوطنية ونضال الشعب الأبي كفتنة الانقسام التجذري المؤسف الذي طال كثيرا من أبناء المحافظات الوسطى والغربية بالانقسام على أنفسهم عندما انطلت على البعض الأعيب الغزاة ونجحت مساعي الأعداء الرامية لتضييق الخناق على المقاومة وأخيرا وليس آخرا حتى يأذن الله بنهاية تلك المحنة العزوم على أهل العراق استحداث موضوع جديد لتنقسم حوله الآراء في محاولة للالتفاف على أية انسحاب أميركي قادم بحجة تنامي النفوذ الإيراني مما اوجد انقساما بالرأي بسبب مخاوف البعض من هذه الأجندة وغيرها مما أثير بزوبعة مايسمى باتفاقية الذل والعار المراد تمريرها على هذا الشعب الكريم لتكبيله وأجياله لردح من الزمن وللمراهنة على شق صفوف الشعب مرة أخرى من خلالها فكان أن خرج اليوم أبناء هذا الشعب الأبي متحدين على موقف واحد وكلمة سواء بتظاهرة كبرى اجتمعت في عين ساحة منطلق الفتنة التي كانت بحدثها الأليم قبل أعوام مدعاة لفرقتهم واليوم أضحت مدعاة لتجمعهم من جديد بما يفرح الأصدقاء وتغيظ الأعداء ولينفضوا عنهم آثار عار الفرقة والانقسام الذي ورطهم به الأعداء حين تورطوا بقتال بعضهم بعضا فافترقوا وضعف موقفهم ومكنوا أولئك الشراذم القادمة في أذيال الغزاة منهم ومن بلادهم لكنهم اثبتوا بهذا إنهم حقا شعب الحضارات وعسى أن يتولد من رحم تلك المحنة وذلك الموقف الجديد أملا بفرج الله القادم بورود النصر ليذل الأعداء جزاء تجاسرهم على العراق العريق...